رؤية
مستقبلية للصحافة العربية والدولية
بقلم:
أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم DC في العلوم
السياسية، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم
الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD
اختصاص: صحافة. بروفيسور قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون بمعهد
طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
مع
انتشار شبكة الانترنيت العالمية خلال تسعينيات القرن الماضي، ترددت أصوات تقول بأن
المسألة مسالة وقت، لتفسح الصحف المطبوعة الطريق أمام التوزيع الإلكتروني بالكامل،
وبعد مرور سنوات على تلك التنبؤات ترددت أحاديث بين مغامري النشر الإلكتروني العرب
تبشر بترك النشر الإلكتروني والعودة للنشر والتوزيع التقليدي، دون أي إيضاح لأسباب
نجاح أو فشل تجربتهم تلك، أو عن عوائدهم المالية التي هي في الحد الأدنى تكاد تغطي
التكاليف. خاصة وأن نجاح أي مشروع إعلامي تجاري يعتمد بالدرجة الأولى على
المبيعات، والاشتراكات، والإعلانات التجارية، في الوقت الذي تقدم فيه الصحف
الإلكترونية خدماتها في البلدان العربية بالمجان تقريباً، لأن الإعلان يكاد في
الآونة الأخيرة يغطي بعض نفقات تلك المواقع الإلكترونية بشكل لا يمكن التعويل عليه
لإنجاح أي مشروع إعلامي الكتروني تجاري.
ومن
الواضح أن تجارب إطلاق وسائل الإعلام الجماهيرية الإلكترونية الجديدة هي استثمار
في المجهول، لأن مؤسسات الإعلام الجماهيري على ما يبدوا تصرف من مواردها الذاتية
ومن عوائد مبيعاتها على مواقعها الإلكترونية، مما يساعد على أن تفرض علاقات السوق
نفسها على وسائل الإعلام الجماهيري التجارية المطبوعة وتوجهها نحو التوقف عن بث
إصداراتها الإلكترونية عبر مواقعها الإلكترونية في الإنترنت. أو الحد منها أو
تأخيرها لتتمكن من تسويق طبعاتها، والبحث عن طرق للحفاظ على مشتركيها، في الوقت
الذي أصبحت فيه الصفحات الإلكترونية لوسائل الإعلام الجماهيري غير التجارية تزدهر
كونها تحقق خفضاً في نفقات النشر والتوزيع وتجعلها في متناول الراغبين في أي مكان،
وفي أي وقت يرغبونه، وهو ما يحقق سعة الانتشار والوصول للأهداف المرسومة.
وقد
حذر روبرت مردوخ، رئيس مجموعة «نيوزكورب» الإعلامية، من التغيرات التي يشهدها قطاع
الصحف، ومن تحول القراء إلى تفضيل استخدام الانترنت. وأضاف أمام حشد في لندن من أن
«جيلا جديدا من مستخدمي الإعلام، نما ويحصل على المحتوى المعلوماتي ساعة يشاء،
وكيفما يشاء، وحتى كما يشاء». وأضاف أن «القوة باتت تبتعد عن الطبقة المتحكمة
القديمة في قطاع الإعلام.. رؤساء التحرير، المديرين، وحتى المستثمرين». وأضاف
مردوخ، انه من التحديات التي يواجهها قطاع الإعلام اليوم، الاستفادة من ثورة
الانترنت، ووصف هذه التقنية بأنها «على الرغم من أنها لا تزال جنينا، إلا أنها
تدمر وتعيد بناء أي شيء في طريقها». ولعل أبرز ما قاله مردوخ، هو تشبيه لافت للنظر
اعتبر فيه أن «الإعلام سيصبح مثل الوجبات السريعة.. يستهلكها الناس خلال حركتهم،
حيث يشاهدون الأخبار، والأحداث الرياضية والأفلام خلال السفر على أجهزتهم
الجوالة»، وأضاف اعتقاده بأن أمام الصحف التقليدية سنوات كثيرة من الحياة، ولكن
مستقبل الطباعة والحبر سيكون مصيره واحدا فقط أمام الكثير من القنوات الإعلامية،
التي يختار منها المستخدم ما يشاء.
وعلق
رئيس قسم الصحافة والنشر في جامعة «سيتي» اللندنية، البروفيسور أدريان مونك، على
الموضوع بقوله «لا بد من أخذ تصريحات مردوخ على محمل الجد». وأضاف أن «هذا رجل
أمضى حياته في هذا المجال، منذ أيام الآلة الطابعة»، وكان روبرت مردوخ قد أطلق
تصريحات مشابهة العام الماضي، تسببت في جدل إعلامي كبير، عندما اعتبر أن عمر الصحف
سينتهي عام 2040، معترفا أن الكثير من الناشرين «فشلوا في تقدير تأثير الانترنت
على مهنتهم»، وتسبب التكنولوجيا الحديثة، في ظهور الكثير من قنوات إرسال واستقبال
المعلومات الجديدة والموازية للقنوات التقليدية، خصوصا مع انتشار ظاهرة «المواطنين
الصحافيين»، وازدياد عدد المدونات الالكترونية الشخصية (بلوغ)، التي تشكل تحديا
لهيمنة سلطة هيئات التحرير التقليدية. ورأى البروفيسور مونك، أنه لا بد من التروي
قبل الحكم على مدى نجاح هذه الظاهرة، وقال أنه في النهاية ليس كل شخص مهيّأً لأن
يكون صحافيا، موضحاً أن «الصحافة الجيدة سوف تبقى مطلوبة».
ولكن
المشكلة القائمة أمام الباحثين العرب في المجال الإعلامي اليوم تبقى متمثلة بكيفية
تحويل الكم الهائل من الصفحات الإلكترونية إلى بنك قومي شامل يختزن المعلومات
والمعرفة باللغة العربية يمكن الوصول إليها في أي مكان وأي وقت دون الرجوع إلى
أكداس الورق في المكتبات الوطنية للحصول على المعلومات المطلوبة للمعرفة والتحصيل
العلمي، وهو ما يحتاج لتمويل لا بد أن تتحمل جزءاً هاماً منه المؤسسات الثقافية
العربية الحكومية، وبالإضافة لمشكلة إيجاد جهة حكومية تشرف على إشهار والتحقق من
سعة انتشار ودراسة محتوى تلك الوسائل ودراسة استخداماتها الفعلية وليست المفترضة
كمورد من موارد بنك المعلومات القومي العربي.
وكلنا
يعلم أهمية المعرفة في بناء الأمم والشعوب، ولا يخفى على أحد أهمية العلم والتعلم
لنا كأمة تريد أن يكون لها مكان واضح في التاريخ الإنساني المعاصر، فنحن أمة اهتمت
بالقراءة وقرض الشعر منذ أقدم العصور، ومع ذلك ظلت اهتماماتنا كعرب متواضعة إذا ما
قارناها باهتمامات الأمم الأخرى وهو ما أشار إليه تقرير التنمية البشرية لعام 2003
الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للإنماء ويعطينا بعض المؤشرات الرقمية الخطرة· رغم
تركيزه على الحريات، وحقوق المرأة، وحق الحصول على المعرفة في تدخل شبه صريح في
الشؤون الداخلية لدول ذات سيادة دون تناول غيرها من المشاكل المعاصرة التي تواجه
التدفق الإعلامي الدولي.
ومن
المؤشرات الإيجابية أن معظم وسائل الإعلام الجماهيرية العربية تقريباً تعتبر ملكاً
للدولة أي لها مصادر تمويل ثابتة، وبالتالي تسهل عملية دخولها عالم وسائل الإعلام
الجماهيري الإلكترونية، ولكن هذا الدخول قد لا يتناسب مع عصر العولمة والمعلوماتية
المتغير والمفتوح في عصر أصبح يعرف بعصر الكلمة الحرة التي تعتمد على عقول البشر
وتحاول التخلص من سلطان الرقابة لتحل محلها سلطات الإشراف ومتابعة مدى التقيد
بالقوانين الوطنية للنشر والإعلام والتدخل عند الحاجة عن طريق السلطات القضائية
صاحبة القول الفصل في مثل هذه الحالات.
وأورد
التقرير المشار إليه أن عدد الصحف في البلدان العربية آخذ بالانخفاض ليصل إلى أقل
من 53 نسخة لكل ألف نسمة، بينما هي في الدول المتقدمة تبلغ نحو 285 صحيفة لكل ألف
نسمة، إضافة لتميز بعض الصحف في الدول المتقدمة بحرية التعبير وهو أمر على ما
نعتقد مشكوك فيه كثيراً !!؟ رغم التطور الكبير الذي تشهده وسائل الاتصال والإعلام
الجماهيري في الوطن العربي خلال العقود الأخيرة. ويشير التقرير المذكور إلى أن
استخدام الحاسب الآلي لم يزل محدوداً في البلدان العربية ويشير إلى وجود 18 حاسوب
لكل ألف نسمة، في الوقت الذي هو 78 حاسوباً في الدول المتقدمة، وأن عدد مستخدمي
خدمات شبكة الإنترنيت العالمية لا يتجاوز في البلدان العربية الـ 1.6%، الأمر الذي
يعيق التوسع باستخدام موارد بنك المعلومات القومي الإلكتروني في أكثر البلدان
العربية في الوقت الحاضر على الأقل. نضيف إليها مشكلة اللغة في التواصل الحضاري
لعصر العولمة فمؤشرات الترجمة في البلدان العربية تشير إلي أمرين مهمين أولهما حب
اللغة القومية والتعلق برغبة الانفتاح على التجارب العالمية. ففي المجر مثلا بلغ
عدد الكتب المترجمة 519 كتابا وفي إسبانيا 920 كتابا لكل مليون نسمة، بينما كان
عددها في البلدان العربية لا يتجاوز الـ 4.4 كتب. ومن قضايا تحويل ذلك الكم الهائل
من الصفحات الإلكترونية إلى بنك قومي ووطني شامل للمعلومات والمعرفة قضية البحث
العلمي التي تحتاج لتوفير النفقات المالية اللازمة. ويشير تقرير التنمية البشرية
آنف الذكر إلى أن الدول العربية تخصص للإنفاق على البحث العلمي نسبة لا تتجاوز الـ
2% من مجموع الدخل الوطني، إضافة لندرة الباحثين والمتخصصين اللذين لا يتجاوز
عددهم في البلدان العربية عن 371 لكل مليون نسمة، مقابل 979 لكل مليون نسمة في
العالم المتقدم. وهو ما يفسر عدد براءات الاختراع المسجلة في العالم المتقدم
مقارنة بالإنتاج الوطني العربي للمعرفة، فقد سجلت دولة الإمارات العربية المتحدة
32 براءة اختراع، ومع حلول عام ألفين سجلت المملكة العربية السعودية 171 براءة
اختراع، بينما سجلت كوريا 16328 براءة اختراع، وسجل الكيان الصهيوني 7652 براءة
اختراع خلال نفس الفترة.
هذا
إن لم نشر إلى مشكلة تفشي الأمية وهجرة العقول العربية إلى الخارج، ومشاكل القوة
الذاتية الطاردة للكفاءات الوطنية في الدول العربية، فخلال عامي 1998 و 2000 غادر
أكثر من 15 ألف طبيب عربي إلى الخارج وأن 25% من أصل 300 ألف خريج جامعي هاجروا
إلى أوروبا وأميركا قبل عام 1996 فقط، وهذه كلها من العوامل التي تكرس تأخرنا عن
العالم المتقدم في مجال البحث العلمي منذ نشوء أول أشكال سائل الاتصال والإعلام
الجماهيري الدولي في القرن الخامس عشر. فكيف نشأت ؟
وسائل
الإعلام الجماهيرية الدولية
الصحافة
المطبوعة: تعد الصحف من أقدم وسائل الإعلام في العالم على الإطلاق، فقد سبقت
منافستيها الإذاعة والتلفزيون بعدة قرون. وللصحف خصائص تميزها عن سواها من وسائل
الإعلام الجماهيرية، فالصحيفة لا تستطيع نقل الأخبار بتلك السرعة التي تنقلها بها
الإذاعة، ولا يمكنها نقل وتقريب الواقع كما يفعله التلفزيون، ولكنها تقوم بذلك
بشكل متميز جعل من الصحيفة جزءاً لا يتجزأ من حياة الفرد المتعلم في كل أنحاء العالم.
ويعتبر
عام 1454م بداية ظهور الصحف بشكلها المعاصر، عندما اخترعت الطباعة عن طريق صف
الحروف، وخدم هذا الاختراع المركز الرئيسي للسلطة في العالم المسيحي آنذاك،
والمتمثل بسلطة الكنيسة، بينما تأخر استخدام هذه الوسيلة الحديثة في طباعة الكتب
والنصوص لعدة قرون في العالم الإسلامي بسبب التحريم الديني.
وخدمت
المطابع الكنيسة في نشر مواضيع تهم الدين والدنيا، وأصبحت من عوامل الإصلاح الديني
في العالم المسيحي خلال الفترة الممتدة مابين القرنين السادس عشر والسابع عشر،
ونشرت المطابع روائع كتب القرون الوسطى، وكتب عصر النهضة بنسخ كثيرة، ووضعتها
بمتناول الجميع بعد أن كانت حبيسة خزائن الكتب. ونقلت أخبار التجارة والاقتصاد
للتجار في كل مكان، ولعل المنشورات مجهولة المصدر والهوية التي لعبت دوراً كبيراً
إبان الثورتين الفرنسية، والأمريكية، من أبلغ الأمثلة على الدور الهام الذي لعبته الطباعة
في تغيير العلاقات الإنسانية في المجتمع الإنساني المعاصر.
وحاولت
الصحف بالتدريج أن تصبح حارساً للديمقراطية، بإتاحتها الفرصة للمرشح والناخب
بالتعرف إلى بعضهما البعض دون اتصال مباشر، بل عن طريق انتقال الأفكار المنشورة
على صفحاتها، وأصبحت من الوسائل الهامة التي يعتمد عليها التعليم في مختلف مراحله،
وساعدت الصحف من خلال الإعلانات التي تنشرها على تصريف قدر هائل من السلع المنتجة
في المصانع، وإيجاد فرص العمل، وتوفير الأيدي العاملة للباحثين عنها.
وجاءت
الثورة الصناعية للصحف مع مطلع القرن العشرين بالمطبعة البخارية أولاً، ومن ثم
بالمطبعة الكهربائية، مما ساعد على خفض تكاليف طباعتها، وأجور الإعلانات على
صفحاتها وزيادة عدد نسخها، مما ساعدها على الانتشار الواسع وتحولها إلى وسيلة
اتصال جماهيري، رخيصة الثمن توزع أعداداً ضخمة من النسخ يعتمد عليها لنشر إعلانات
مربحة للمنتج والناشر في آن معاً. ومن الميزات الهامة الأخرى التي تنفرد بها
المادة المطبوعة عن غيرها من وسائل الإعلام الجماهيري، أنها تسمح للقارئ بالتكيف
مع الظروف ومطالعتها في الوقت الملائم له، وإعادة القراءة كلما أراد، إضافة إلى
أنها من أفضل الوسائل لمخاطبة الجماعات والشرائح الاجتماعية الصغيرة والمتخصصة.
الصحافة
المسموعة ( الراديو ): تعتبر الإذاعة المسموعة من أفضل وسائل الاتصال الجماهيري
قدرة على الوصول للمستمعين في أي مكان بسهولة ويسر متخطية الحواجز الجغرافية
والسياسية والأمية، لأنها تستطيع مخاطبة الجميع دون تمييز وبغض النظر عن فارق السن
ومستوى التعليم، ولا تحتاج لظروف وأوضاع خاصة للاستماع كما هي الحال بالنسبة
للإذاعة المرئية ( التلفزيون )، حتى أنها أصبحت في بعض المجتمعات المتقدمة نوعاً
من الوسائل الإعلامية التي يتعامل معها الإنسان دون اهتمام أو تركيز، كمصدر
للترفيه أكثر من أنها مصدراً للمعلومات يحتاج للتركيز والاهتمام. ومن الصعب جداً
تحديد أصل الاختراعات العلمية التي أدت إلى ظهور الإذاعة المسموعة، التي تعتبر
اليوم واحدة من أهم وسائل الإعلام الجماهيرية. ففي الفترة من 1890 إلى 1894 اكتشف
برافلي المبادئ الأساسية للمبرق اللاسلكي، ونجحت تجارب ماركوني التي أجراها خلال
الفترة من عام 1894 وحتى عام 1899 عندما نجح في إرسال أول برقية لاسلكية عبر بحر
المانش.
وتطورت
الأبحاث العلمية بعد ذلك، حتى استطاع المهندس الفرنسي رايموند برايار، وزميله
الدكتور البلجيكي روبير فولدا سميث، من إرسال واستقبال بث إذاعي عن بعد عدة كيلو
مترات عام 1914، وتوقفت التجارب بعد ذلك بسبب الحرب العالمية الأولى، إلى أن عادت
مرة أخرى إلى دائرة الاهتمام بعد انتهاء الحرب مباشرة. وبدأت أول البرامج الإذاعية
اليومية المنظمة البث من ديتروا نيوز في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1920،
وتبعتها بريطانيا التي نظم فيها دايلي مايل أول برنامج إذاعي في نفس العام. أما
فرنسا فقد نجح الجنرال فيري من إرسال أولى البرامج الإذاعية عام 1921. وتعتبر
العشرينات من القرن العشرين فترة هامة في حياة هذا الاختراع الهام، الآخذ في
التطور والتوسع. ورافقه في عام 1925 اختراع البيك آب الكهربائي، وفي عام 1934
اختراع التسجيل على الاسطوانات المرنة، وآلة التسجيل عام 1945، وتمكن الأمريكيان
براتان وباردن عام 1948 من اختراع المذياع، الذي انتشر في الأوساط الشعبية اعتبارا
من عام 1950وتبع هذا الاختراع عام 1958 اختراع اسطوانة التسجيل الستريو التي انتقل
البث الإذاعي معها إلى مرحلة جديدة.
الصحافة
المرئية ( التلفزيون ): بدأت أولى التجارب على إرسال الصور الثابتة باللونين
الأسود والأبيض عن بعد في منتصف القرن التاسع عشر، وتطور هذا الاختراع حتى استطاع
الألماني دي كورن من اختراع الفوتوتلغرافيا عام 1905، وجاء بعده الفرنسي إدوارد
بلين، الذي طور الاختراع الأول وأطلق عليه اسم البيلينوغراف عام 1907. واستمرت هذه
التجارب بالتطور مستخدمة وسائل ميكانيكية أولاً ثم راديو كهربائية، حتى توصل كلاً
من الإنجليزي جون لوجي بيارد والأمريكي س. ف. جنكيس إلى وسيلة إرسال تستعمل فيها
اسطوانة دورانية مثقوبة عام 1923. وتكللت التجارب التي جرت خلال ثلاثينات القرن
العشرين بالنجاح، حيث بدأ مركز أليكساندر بلاس البريطاني للتلفزيون بالبث
التلفزيوني لمدة ساعتين يومياً عام 1936، وتبعه المركز الفرنسي في لاتوريفال ببث
برامج تلفزيونية يومية عام 1938، وتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في العام
التالي ببث تلفزيوني لجمهور كبير. وأخرت الحرب العالمية الثانية البداية الفعلية
لانتشار البث التلفزيوني للجمهور العريض حتى عامي 1945 - 1946 أي عقب انتهاء الحرب
العالمية الثانية.
وبدأ
في الخمسينات من القرن العشرين الانتقال التدريجي إلى نظام البث التلفزيوني
الملون، وتبعه الانتشار العاصف للبث التلفزيوني بواسطة الدارات المغلقة، ومحطات
التقوية الأرضية، إلى أن انتقل البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية مع تطور غزو
الإنسان للفضاء الكوني الذي بدأ في نفس الفترة تقريباً. وللتلفزيون فاعلية فريدة
لأنه الوسيلة التي تعتمد على حاستي السمع والبصر في آن معاً، ويستحوذ على الاهتمام
الكامل للجمهور، أكثر من الوسائل الإعلامية الأخرى، وخاصة في أوساط الأطفال
واليافعين، وكشفت بعض الدراسات أن الصغار والكبار على حد سواء يميلون إلى تقبل كل
ما يقدمه التلفزيون بدون مناقشة، لأنهم يعتبرونه واقعياً ويعلق في أذهانهم بصورة
أفضل. والاختلاف بين التلفزيون والراديو، أن التلفزيون يحتاج لحاستي السمع والبصر
وانتباهاً لا يستطيع المتفرج معه أن يفعل شيئاً آخر أثناء المشاهدة، في حين أن
المستمع للإذاعة المسموعة (الراديو) يستطيع أثناء استماعه أن يقرأ ويمشي ويعمل
ويقود سيارته، أو أن يستلقي مغمضاً عينيه سارحاً في خياله. ومن المزايا التي يتميز
بها التلفزيون عن سواه من وسائل الإعلام الجماهيرية: أنه أقرب للاتصال المباشر،
ويجمع بين الصورة والصوت والحركة والألوان، ويتفوق عن الاتصال المباشر بأنه يكبر
الأشياء الصغيرة، ويحرك الأشياء الثابتة؛ وينقل الأحداث فور حدوثها، وبفارق زمني
طفيف؛ ويسمح بأساليب متعددة لتقديم المادة الإعلانية، مما يضاعف من تأثيرها على
الجمهور؛ وأصبح وسيلة قوية بين وسائل الإعلام الجماهيرية بعد أن دخل كل بيت، ووفرت
له الأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء الكوني انتشارا عالمياً، مما زاد من
فاعلية عملية التبادل الإعلامي والثقافي العالمي، وأصبح وسيلة تقارب بين الشعوب.
وهكذا
نرى كيف تغير وضع الإنسان الذي عاش قديماً في مجتمعات صغيرة، محدودة العدد معزولة
عن بعضها البعض، يصعب الاتصال فيما بينها، ليأتي القرن العشرين ليغير الوضع تماماً
لسببين أساسيين نلخصهما: بنشوب الحرب العالمية الأولى ( 1914 - 1918 )، والحرب
العالمية الثانية (1939 - 19945)، وما تمخض عنهما من انتقال للقوات العسكرية عبر
الدول والقارات، وهذا بحد ذاته ساعد على تطوير وسائل المواصلات البرية والبحرية
والجوية، ومعها تطورت الطرق البرية والمائية والسكك الحديدية والموانئ البحرية
والجوية؛ وانتشرت وسائل الاتصال الحديثة، من تلغراف وتلفون وراديو وتلكس وفاكس
وحاسوب (كمبيوتر) وبريد إليكتروني، ووسائل إعلام جماهيرية، من صحف ومجلات وإذاعة
وتلفزيون. مما " أحدث تغيرات جذرية على تصورات المواطنين في جميع أنحاء
العالم، واتسع أفق الأفراد وإطارهم الدلالي بشكل لم يسبق له نظير، بحيث لم يعد
بالإمكان عزل الناس عقلياً أو سيكولوجياً عن بعضهم البعض لأن ما يحدث في أي بقعة
من بقاع العالم، يترك آثاره على جميع الأجزاء الأخرى. وهكذا أصبح عالم اليوم قرية
الأمس بعد أن اتسعت تصورات الفرد التقليدي القديم التي كانت تتسم بالبساطة عن
واقعه وأصبح عليه أن يجاهد حتى يفهم الأخبار التي تغمره بها وسائل الإعلام الجماهيرية
يومياً عن أحوال الأمم والشعوب الأخرى المختلفة الألوان والعقائد ".
وخرجت
وسائل الإعلام الجماهيرية بالتدريج عن إطارها المحلي لتصبح أداة اتصال وتواصل بين
الأمم لها دوراً مرسوماً ومحدداً في إطار العلاقات الدولية، وعملية التبادل
الإعلامي الدولي، ودخلت ضمن الأدوات والوسائل التي تحقق من خلالها مختلف الدول
والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية بعضاً من سياساتها الخارجية. وبالتدريج
انتقلت المؤسسات الصحفية الدولية للعمل على نشر المبادئ والأفكار والمواقف
والأخبار عن طريق وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة بغرض الإقناع والتأثير على
الأفراد والجماعات داخل المجتمع، فعندما تخرج المؤسسات الإعلامية عن نطاق المحلية
وتجتاز وسائلها الحدود الجغرافية والسياسية للدولة، لنقل تلك المبادئ والأفكار
والمواقف والأخبار لمواطني دول أخرى، لخلق نوع من الحوار الثقافي أو الهيمنة الثقافية،
متجاوزة الحواجز اللغوية، تأخذ هذه المؤسسات الصحفية ووسائلها الإعلامية صفة
الإعلام الدولي.
والإعلام
الدولي جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية للدول المستقلة ذات السيادة، ووسيلة
فاعلة من الوسائل التي تحقق بعض أهداف السياسة الخارجية لكل دولة داخل المجتمع الدولي.
وتخدم من خلالها المصلحة الوطنية العليا للدولة، وفقاً للحجم والوزن والدور الذي
تتمتع به هذه الدولة في المعادلات الدولية، وتأثيرها وتأثرها بالأحداث العالمية
المستجدة كل يوم؛ وخاصة عند نشوب أزمات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو اضطرابات
اجتماعية تطال تلك الدول، أو الدول المجاورة لها؛ أو تطال مناطق المصالح الحيوية
للدول الكبرى في أنحاء العالم؛ أو في حال حدوث كوارث طبيعية وأوبئة، أو تهديدات
للبيئة والحياة على كوكب الأرض. وللإعلام الدولي دوافع متعددة، تنطلق من المصالح
السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية، والثقافية، والإنسانية، بما يتفق
والسياسة الخارجية للدولة، وتنبع من المصالح الوطنية العليا للدولة، وتعمل من خلال
هذا المنظور على تعزيز أو تعكير التفاهم الدولي والحوار بين الأمم، الذي أدى إلى
خلق تصور واضح للدول بعضها عن بعض، مفاده التحول من النظام الثقافي القومي
التقليدي المغلق، إلى نظام ثقافي منفتح يقوي هيمنة القوي أو يعزز التفاهم الدولي
ويعمل على تطويره. وكان لوسائل الإعلام الجماهيرية دوراً أساسياً في هذا التحول
بعد التطور الهائل في تقنياتها خلال القرن الماضي والتي ساعدت على إحداث تغيير
ثقافي واجتماعي واضح، رغم تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية والصراعات
الإيديولوجية المؤثرة في القرار السياسي اللازم لأي تقارب أو حوار دولي.
وظائف
الصحافة الدولية: ونحن في أمس الحاجة أكثر من أي وقت مضى لمعلومات عن الظروف
المحيطة بنا، وتصلنا هذه المعلومات وبسرعة فائقة ودقة كبيرة عن طريق وسائل الإعلام
الجماهيرية التي باتت تستخدم أحدث وسائل الاتصال المزودة بأحدث المعدات
الإلكترونية والتجهيزات المتطورة باهظة التكاليف، تلك المعلومات التي تساعدنا على
اتخاذ القرارات وتنفيذها. وأصبحت الدولة أكثر من ذي قبل تشارك عن طريق ممثليها في
التأثير على مجرى الحياة الاجتماعية في الداخل والخارج من خلال سياساتها الداخلية
والخارجية مستعينة بوسائل الإعلام الجماهيرية، وأصبحت المصالح الوطنية العليا
للدولة أكثر تأثيراً في عملية اتخاذ القرارات على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ودخلت وسائل الإعلام الجماهيرية القرية والمدينة والتجمعات السكانية أينما كانت،
وتحولت إلى نظام مفتوح أمام قوى التغيير الآتية من الداخل ومن الخارج، وأصبحت
وسائل الإعلام الجماهيرية التي كانت يوماً ما تصل إلى جمهور محدود وبتأثير محدود،
تصل اليوم إلى كل سكان العالم تقريباً، لتؤثر على آراء الناس وتصرفاتهم وأسلوب
حياتهم، فالصحيفة والمجلة والكتاب الذي كان يقرؤه في الماضي عدد محدود من الأفراد،
يقرؤه اليوم ملايين البشر، مطبوعاً أم منقولاً عبر البريد الإلكتروني وشبكات
الكمبيوتر المتطورة، والبرنامج الإذاعي الذي كان يسمعه الناس في دائرة محدودة
أصبحت تسمعه الملايين من البشر في مناطق متباعدة من العالم، والبرنامج التلفزيوني
الذي كان حكراً على منطقة جغرافية محدودة أصبح اليوم في متناول المشاهد عبر قارات
العالم. وأجهزة الاتصال الحديثة حلت مكان المبرقات التلغرافية القديمة، مما جعل
الناس يؤمنون بأن تلك الوسائل قادرة على التأثير في المجتمع وتغييره بشكل أساسي
ليس على الصعيد المحلي وحسب، بل وعلى الصعيد العالمي. وبرز كإعلام دولي له مكانته
وتأثيره ووظائفه. وكما كان للإعلام الدولي دوافعه المحددة، كما أشرنا سابقاً، فله
وظائف محددة أيضاً يؤديها تنفيذاً للدور الذي تفرده له السياسة الخارجية للدولة،
وهي:
1-
الاتصال بالأفراد والشرائح الاجتماعية والجماعات والكتل السياسية والمنظمات
داخل الدولة التي يمارس نشاطاته الإعلامية داخلها، وتتمثل بالحوار مع القوى
المؤثرة في اتخاذ القرار السياسي من شخصيات وأحزاب وكتل برلمانية، سواء أكانت في
السلطة أم في المعارضة على السواء، للوصول إلى الحد الأقصى من الفاعلية التي تخدم
السياسة الخارجية لبلاده، وتخضع عملية الاتصال عادة لمعطيات هامة من حيث المواقف
من القضايا المطروحة قيد الحوار ومواقف السلطة والمعارضة منها والخط السياسي
الرسمي للدولة حيالها. وتتراوح هذه المواقف عادة ما بين المؤيد التام، والمؤيد،
والحياد التام، والحياد، والمعارضة التامة، والمعارضة، والعداء التام، والعداوة،
ولهذا كان لابد من التحديد الدقيق للموقف السياسي للدولة، والمواقف الأخرى، للعمل
على كسب التأييد اللازم لصالح القضايا المطروحة للنقاش، والعمل على زحزحة المواقف
السياسية المعلنة للدولة، لصالح تلك القضايا. أو خلق مناخ ملائم للحوار الإيجابي
على الأقل. كما ويجب الأخذ بعين الاعتبار أيضاً طبيعة النظام السياسي السائد في
تلك الدولة، ومدى ديمقراطية هذا النظام، وطرق اتخاذ القرارات السياسية في ظل
النظام السياسي القائم، ومدى المشاركة الفعلية لكل القوى السياسية الموجودة في
اتخاذ تلك القرارات، لأن الاتصال بالجماهير الشعبية في أي دولة يتم من خلال تلك
القوى التي تمثل النخبة المؤثرة، أولاً: بين أصحاب الحق باتخاذ القرارات؛ وثانياً:
على الجماهير الشعبية، التي هي بمثابة قوة ضاغطة على أصحاب حق اتخاذ القرار، ومن
هنا نفهم مدى أهمية إلمام خبراء الإعلام والمخططين للحملات الإعلامية الدولية،
بالنظم السياسية للبلدان المستهدفة والقوى المؤثرة فيها سلطة أم معارضة، ودور كل
من تلك القوى في اتخاذ القرارات لاستخدامها في التخطيط للحملات الإعلامية المؤيدة
أو المضادة آخذين بعين الاعتبار الحقائق الاجتماعية والثقافية التي تساعد على نجاح
الحملات الإعلامية الدولية.
2-
الاتصال المباشر بالجماهير الشعبية، عن طريق وسائل الإعلام والاتصال
الجماهيري ومن خلال النشرات الإعلامية، والمؤتمرات الصحفية، والمقالات، والبرامج
الإذاعية والتلفزيونية، والإلكترونية، والعروض السينمائية والمسرحية، وأفلام
الفيديو، وإقامة المعارض الإعلامية، وتشجيع السياحة وتبادل الزيارات، وغيرها من
الوسائل التي تتيح أكبر قدر ممكن من الصلات المباشرة مع الجماهير، للوصول إلى
تأثير إعلامي أفضل وأكثر فاعلية. وتأخذ بعض الدول لتحقيق سياستها الخارجية أسلوب
مخاطبة الجماعات المؤثرة فقط، توفيراً للنفقات التي تترتب من جراء استخدام أسلوب
الاتصال بالجماهير الشعبية العريضة، وتوفيراً للوقت الذي يستغرق مدة أطول من الوقت
اللازم عند مخاطبة قطاعات وشرائح اجتماعية متباينة من حيث المصالح والتطلعات،
ومستوى التعليم، والثقافة، والاتجاه الفكري. ومزاجية الجماهير العريضة في متابعة
القضايا المطروحة، المحصورة في بوتقة اهتمامات شريحة اجتماعية معينة فقط، ولأن
أسلوب الاتصال الفعال بالجماهير الشعبية يحتاج أيضاً لإمكانيات كبيرة ووسائل
متعددة، تفتقر إليها الدول الفقيرة والنامية بينما نراها متوفرة لدى الدول الغنية
القادرة من حيث الإمكانيات المادية والتقنية والخبرات الإعلامية، التي تمكنها من
استخدام الأسلوبين في آن معاً.
3-
ويمثل الإعلام الدولي الدولة أو المنظمة التي ينتمي إليها، سواء أكانت محلية أم
إقليمية أم دولية أم متخصصة أم تجارية، كمكاتب الأمم المتحدة ومؤسساتها
المتخصصة في العديد من دول العالم، ومكاتب منظمة الوحدة الإفريقية، والجامعة
العربية، والأوبيك، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة التعاون لدول الخليج العربية،
والسوق الأوربية المشتركة، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ورابطة الدول المستقلة، ورابطة
أوروآسيا الاقتصادية، وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية. ونحن عندما نرى
اليوم الدول الغنية تستخدم كل تقنيات وسائل الاتصال الحديثة في خدمة حملاتها الإعلامية
الدولية، ومن أبسط صورها القنوات التلفزيونية الفضائية، بعد انتشار استعمال
هوائيات استقبال البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية في المنازل، وشيوع استخدام
شبكات الكمبيوتر بشكل واسع، ومن أهم هذه الشبكات، شبكة الكمبيوتر العالمية "
إنترنيت " التي تملكها وتديرها الولايات المتحدة الأمريكية، دون منافسة تذكر
حتى الآن. بينما نرى الدول النامية تتخبط بمشاكلها الإعلامية، وتعاني من الآثار
المترتبة عن التطور التكنولوجي الحديث، والخلل الفاحش في التدفق الإعلامي الدولي
أحادي الجانب والتوجه والتأثير.
مشاكل
الصحافة الدولية: ورغم الجهود الحثيثة التي بذلتها وتبذلها الدول النامية والفقيرة
حتى اليوم، للخروج من المأزق الإعلامي التي تعاني منه، نراها تتخبط حتى اليوم
بمشاكلها الإعلامية التي تزداد تشعباً وتعقيداً كل يوم، بسبب التطور العلمي
والتكنولوجي الهائل في ميدان وسائل الاتصال الحديثة، ووسائل الإعلام الجماهيرية
حتى على الصعيد الوطني، ومن أهم هذه المشاكل: الخلط بين الوظيفة الإعلامية
الدولية، والوظيفة الإعلامية الإقليمية، والوظيفة الإعلامية المحلية، ومتطلبات كل
من تلك الوظائف وخصائصها المتميزة؛ والخلط بين السياسات الداخلية والإقليمية
والخارجية للدولة عند التخطيط للحملات الإعلامية الدولية، والارتباك في تحديد
الأولويات؛ وضعف أجهزة وتقنيات المؤسسات الإعلامية الوطنية، وافتقارها للمعدات
والتجهيزات المتطورة، والإمكانيات المادية اللازمة للحملات الإعلامية الدولية، أو
استخدامها للإعتمادات المالية المتاحة بشكل سيء، أو بشكل غير فعال في الأغراض
المطلوبة، إضافة لسطحية المساعدات الخارجية التي تحصل عليها تلك الدول من الدول
الغنية، والمنظمات الدولية المتخصصة؛ والنقص الفاضح في الكوادر الإعلامية المتخصصة
بالإعلام المحلي والدولي، وندرة أصحاب التخصص الأكاديمي بينهم، مما يؤدي إلى:
اختيار كوادر غير كفوءة للعمل الإعلامي الدولي، لاعتبارات سياسية في أكثر الأحيان،
وهذا بدوره يؤدي إلى: غياب التنسيق بين المخطط والمنفذ وأجهزة المتابعة، في
الحملات الإعلامية الدولية؛ وضعف الإلمام بخصائص الجمهور الإعلامي الأجنبي، وعدم
وضع أسلوب إعلامي منطقي ملائم ومتطور قادر على إيصال مضمون الرسالة الإعلامية
للجمهور المستهدف من الحملة الإعلامية الدولية؛ وغياب التعاون وحتى التنسيق بين
المؤسسات الإعلامية، ومؤسسات التعليم العالي المتخصص ومؤسسات البحث العلمي، فيما
يخص إعداد الكوادر الإعلامية الوطنية والبحوث العلمية والتطبيقية، وخاصة فيما
يتعلق بدراسة راجع الصدى الإعلامي وتأثير المادة الإعلامية، وفاعلية الخطط
الإعلامية. والاكتفاء بدلاً عن ذلك بالبحوث النظرية البحتة التي تتناول الجوانب
الوصفية والتاريخية فقط، مبتعدة عن الدراسات التي تتناول جوهر التخطيط، وتحليل
مضمون الرسائل الإعلامية، وتقدير راجع الصدى الإعلامي المخطط له وراجع الصدى
الفعلي للمواد والوسائل الإعلامية.
الصحافة
الدولية والصراعات الدولية:
يعاني عالم اليوم من صراعات سياسية ومنازعات عسكرية عديدة، وقد بينت السوابق
التاريخية أن لكل صراع أبعاداً داخلية، وأبعاداً إقليمية، وأبعاداً دولية، وعناصر
قوى يجب مراعاة التفاعل بينها، وتأثير هذا التفاعل على تطور الصراع بشكل عام، بقصد
التعامل مع هذا الصراع ومعالجته بالشكل المناسب، وهذا لا يمنع وجود عناصر مشتركة
بين الصراعات المختلفة، يمكن الاستفادة منها عند معالجة تلك الصراعات أو التعامل
معها. وتعتمد النتائج النهائية لأي صراع من الصراعات، على عناصر القوة المتوفرة
لدى كل طرف من أطرافه، وتضم هذه العناصر القوى العسكرية، والمعلوماتية،
والتكنولوجية، والإمكانيات الاقتصادية، والسياسية، والبشرية، والحالة المعنوية
للقوى البشرية، كما وتعتمد على مسائل أخرى كعنصر المفاجأة، وتطوير الإستراتيجية
والتكتيك، واللجوء إلى أساليب جديدة غير معروفة من قبل، مما تجعل عملية التنبؤ
بنتائج الصراع صعبة جداً، وفي بعض الأحيان غير مجدية، إضافة للإمكانيات الذاتية
للأشخاص القائمين على إدارة الصراع، ومدى توفر المعلومات لديهم، والتقنيات
والأدوات الحديثة التي يستخدمونها في الصراع. فصانع القرار في عملية الصراع يبني
قراره على معطيات ملموسة أولاً، وعناصر غير ملموسة تشمل الخصائص النفسية والحالة
المعنوية للخصم ثانياً.
وتقتضي
معالجة أي صراع الاعتماد على العقلانية وبعد النظر واستبعاد العواطف والانفعالات.
لأن عملية معالجة أي صراع هي عملية معقدة وشاقة، ونابعة أساساً من عناصر القوى
المشاركة فعلاً في الصراع من الجانبين، ومبنية على الحسابات الدقيقة والخطط
الموضوعة، والمستخدمة فعلاً من قبل طرفي الصراع. وتتنوع أدوات الصراع، عندما تقتضي
ظروف الصراع اللجوء إلى القوة العسكرية تارة، وإلى القوة الاقتصادية تارة أخرى، أو
إلى العمل السياسي والدبلوماسية الهادئة في حالات أخرى، أو قد يلجأ الجانبان
المتصارعان إلى استخدام القوة العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والدبلوماسية في
آن معاً، مستخدمين المرونة في تكتيك إدارة الصراع وفقاً لطبيعة الظروف المتبدلة
محلياً وإقليمياً ودولياً. ولكن يبقى دور وسائل الإعلام الجماهيرية في عملية
الصراع متمثلاً بتعبئة الرأي العام المحلي والعالمي حول وجهة النظر الرسمية للدولة
من الصراع الدائر، وشرحها، وتغطية أخبار أهم أحداثها تباعاً. وشرح وتحليل أبعاد
هذا الصراع وأسبابه، مع مراعاة أن يأخذ خبراء الإعلام والصحفيون بعين الاعتبار،
خصائص الجمهور الإعلامي المخاطب ثقافياً وسياسياً وتاريخياً، ومدى تعاطفه مع وجهة
النظر الرسمية للدولة المعنية في هذا الصراع، واختيار اللغة المناسبة للرسالة
الإعلامية لتصل إلى أقصى حد ممكن من التأثير والفاعلية. لأن سلاح الإعلام في أي
صراع كان لا يقل أهمية عن القوة العسكرية والاقتصادية، وهو الوسيلة الناجعة لرفع
معنويات القوى البشرية في الدولة المعنية، وتحطيم الروح المعنوية للخصم في الصراع
الدائر، والإعلام الناجح هو السند القوي للكفاح على الجبهة السياسية والعمل
الدبلوماسي الهادئ والرصين والمنطقي.
ولكننا
نرى أن الدراسات الإعلامية في الدول المتخلفة لم تزل حتى الآن محصورة في إطار
مساقات الإعلام التي تدرس في الجامعات، وبارتباط بالإشكاليات الظرفية والمكانية
والمناخ السياسي والاقتصادي والتنموي الذي تعمل فيه وسائل الإعلام والاتصال
الجماهيرية المعنية، دون الاعتماد على الظروف التاريخية، والاقتصادية، والسياسية،
والثقافية، والإستراتيجية الموضوعية بالكامل، وهي نفس الظروف التي تحيط بالإعلام
العربي كما هي الحال في معظم الدول الإفريقية والأمريكية اللاتينية والآسيوية.
وتشير الدراسات الإعلامية إلى أنه إعلام لا يتجاوز كونه وسيلة ناقلة للخبر أو
المعلومة وليس أكثر من ردة فعل على ما تورده وسائل الإعلام الدولية، في الوقت الذي
أخذت فيه الشبكات العالمية بالبث من داخل بعض الدول وبلغاتها القومية ومنها شبكة
"MTV" العالمية التي تجري استعداداتها لتدشين قناتها العربية
انطلاقا من دبي في نهاية العام الجاري 2007، عبر شراكة مع المجموعة العربية
للإعلام. وبالرغم من الكم الكبير للقنوات الغنائية والشبابية العربية، إلا أن
مسؤولي "MTV" العربية واثقون من قدرتهم على المنافسة، غير عابئين بحجمها.
وأشار
بيل رودي نائب رئيس شبكات MTV الدولية إلى أنه لا توجد قنوات يمكنها منافسة قناته المرتقبة،
معتبرا أنها ستكون منبراً ثقافياً للشباب وليس مجرد قناة للموسيقى، وستعمل على نشر
مزيج فريد من المحتويين العربي والدولي، وهذا يعني استفادة الشبكة من نتائج
الدراسات العلمية والتطبيقية الميدانية التي لابد وأنها قامت بها لدراسة واقع
الساحة الإعلامية العربية، وهي الدراسات الغائبة في مجال البحث العلمي في الدول
العربية تقريباً. وبهذا تكون اللغة العربية اللغة التاسعة والعشرين التي تبث بها
قناة "MTV العالمية"، وأعلن أن قناة "MTV
العربية"، ستكون قناة مفتوحة على مدار اليوم تلبي من خلال برامجها احتياجات
جمهور المشاهدين الشباب في المنطقة العربية، إذ تعول القناة على الفئة العمرية ممن
هم دون سن الـ 25 سنة، والذين يشكلون أكثر من نصف إجمالي سكان منطقة الشرق الأوسط،
حيث ستعمل قناة "MTV العربية" على استقطاب هذه الفئة الكبيرة من خلال تقديم
العديد من البرامج والمواد المختارة بعناية. والسؤال الذي لا بد من طرحه هنا هو
رغم أن الشركة الدولية معروفة الانتماء فأي مصالح وطنية ستمثل ؟ وأية ثقافة قومية
ستغرس في نفوس الشباب العربي الذين هم في طور التكوين بعد ؟ فهل حاول بعض المحللين
الإعلاميين الوطنيين الإجابة عليها ؟ وأشك بذلك صراحة !
فقد
أشار عبد اللطيف الصايغ رئيس مجلس إدارة المجموعة الإعلامية العربية إلى أن
"شراكتنا مع شبكة "MTV" العالمية تعد خطوة هامة في إطار رؤيتنا الإستراتيجية بعيدة
المدى والخاصة بإطلاق قناة دولية مخصصة لعرض البرامج الموسيقية والثقافية العربية،
وأضاف لا شك من أننا مسرورين لإطلاق قناة "MTV
العربية"، ونتطلع نحو تحقيق المزيد من فرص النمو في المنطقة". وتتضمن
الخطة البرامجية للقناة عرض الأغاني المصورة، والبرامج المتخصصة بالموسيقى، ونخبة
من برامج المنوعات، وتلفزيون الواقع، والمسلسلات الكوميدية والدرامية، وتقديم
نشرات الأخبار، والمقابلات والبرامج الوثائقية، كما ستقدم قناة "MTV"
العربية، بالإضافة إلى برامج قناة "MTV" العالمية
التي لاقت شعبية واسعة، برامج تعالج القضايا المحلية لتلبية احتياجات جمهور الشباب
العربي بشكل خاص. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن قنوات "MTV"
تم إطلاقها في عام 1981 في وقت كانت فيه خدمات البث التلفزيوني عن طريق الكابلات
لا تزال في بداياتها الأولى، ومنذ ذلك الوقت شهدت الشبكة تطورات هائلة لتصبح من
أكبر الشبكات التلفزيونية في العالم، من خلال كونها جزءاً من ثقافة الشباب، وتنوع
الثقافات في العالم.
ومفهوم
أنها ستستخدم اللغة العربية التي ترتبط بتاريخ، وثقافة، وهوية، كل العرب وتحظى
باهتماماتهم ورعايتهم، وهم يسعون اليوم لاستكمال جهودهم للنهوض بها في المرحلة
التي يتعرض فيها وجودهم القومي لمحاولات طمس الهوية القومية ومكوناتها والذي يشكل
التمسك باللغة العربية عنوانا للتمسك بهذا الوجود ذاته. وتتعرض لغزو لغوي مستمر
ومتخفي برداء العولمة الثقافية وبلغ من الخطورة مبلغاً حمل أعلى القيادات السياسية
في الدول العربية على أن تجعل التصدي له في هذه المرحلة من أولوياتها وعلى قدم
المساواة مع التحديات الكبيرة التي تواجهها الأمة العربية مساهمة بذلك مع القوى
العالمية الممانعة والمقاومة لطمس الثقافات الأصيلة أو تذويبها في أتون العولمة
الثقافية أو بالأدق أمركتها، ولكن دون نكران الحاجة إلى أن يهتم المرء باللغات
الأجنبية، لأنها جسر التواصل بين العرب وثقافات غيرهم من الأمم، ولكن دون أن تكون
أية لغة أجنبية بديلة عن اللغة العربية عند العرب، أو أن تكون من عوامل طمسها أو
تحريف ثقافتها.
ولابد
أن من عوامل الجذب إلى السوق الإعلامية العربية كانت زيادة حجم الإنفاق الإعلاني
وازدهاره في بعض الدول العربية الذي هو من مؤشرات انتعاش دور وسائل الإعلام
الجماهيري وسعة انتشارها، فدولة الإمارات العربية المتحدة مثلاً لوحظ فيها خلال
الربع الأول من عام 2004 نمواً بنسبة 35% مقارنة بنفس الفترة من عام 2003. وحسب
معلومات الجمعية الدولية للإعلان، فإن حجم الإنفاق في دولة الإمارات العربية
المتحدة بلغ 446 مليون دولار خلال عام 2003، وبلغ متوسط نصيب الفرد من الإنفاق
الإعلاني في الإمارات 160 دولاراً، فيما كان نصيب الفرد في بقية دول مجلس التعاون
الخليجي 65 دولاراً فقط، مقارنة بحوالي 300 دولار في الولايات المتحدة وأوروبا
وكندا. ونما حجم الإنفاق الإعلاني في السوق الإعلامية العربية عامة بنسبة 13% خلال
عام 2005. بينما وصل حجم الإنفاق الإعلاني في المملكة السعودية إلى نحو 543.2
مليون دولاراً أمريكياً خلال العام المنتهي في أبريل/نيسان 2004 بارتفاع مقداره
16% مقارنة بحجم الإنفاق المماثل من العام السابق، الذي كان 468.3 مليون دولاراً
أمريكياً، واستحوذت الصحف على حصة وصلت إلى 401.2 مليون دولاراً أمريكياً لتمثل
أعلى حصة تستحوذ عليها وسيلة إعلانية وبمعدل 74% من حجم هذا الإنفاق الإجمالي، في
حين تقاسمت وسائل الإعلام الأخرى الحجم المتبقي من الإعلان والبالغ 142.1 مليون
دولاراً أمريكياً.
وأشار
أحدث تقرير عن حجم الإنفاق الإعلاني في المملكة العربية السعودية والصادر عن مركز
بارك للدراسات العربية (Park) مستوى الإنفاق الشهري في السعودية خلال عام بدأ من مايو/أيار
2003 وحتى أبريل/نيسان 2004، وأشار إلى أن شهر أكتوبر/تشرين الأول كان أكثر الشهور
إنفاقا، حيث بلغ 60.3 مليون دولاراً أمريكياً، في حين كان أغسطس/آب من اقل الشهور
إنفاقاً وكان 27.7 مليون دولاراً أمريكياً، وان معدل النمو السنوي للإنفاق
الإعلاني شهد زيادات في الـ 9 أشهر من العام 2004 مقارنة بنفس الأشهر من العام
الأسبق، وان معدلات الإنفاق الإعلاني تراجعت خلال 3 أشهر وهي في مايو/أيار نسبة
1%، وفي يونيو/حزيران نسبة 6%، ونوفمبر/تشرين الثاني نسبة 13%. وحازت الصحف في
المملكة العربية السعودية على أعلى تفضيلات للمعلنين حيث استحوذت الصحف على 401.2
مليون دولاراً أمريكياً أو نسبة 74% من الإنفاق، في حين جاءت المجلات في المرتبة
الثانية واستحوذت على 50.3 مليون دولار أي نسبة 9.2%، تتلوها اللوحات الإعلانية واستحوذت
47.6 مليون دولار أي نسبة 8.8%، والتلفزيون واستحوذ 40.7 مليون دولار أي نسبة 7%،
في حين لم يزد نصيب الراديو عن 3.5 مليون دولار فقط، ومن جهة أخرى أشار التقرير
إلى أن المملكة العربية السعودية كانت الأولى على مستوى دول الخليج العربية من حيث
الإنفاق الإعلاني على مدار عام، تلتها دولة الإمارات العربية المتحدة واستحوذت على
506 مليون دولاراً أمريكياً، ثم الكويت واستحوذت على 328 مليون دولاراً أمريكياً،
والبحرين واستحوذت على 97 مليون دولاراً أمريكياً، وعمان وقطر واستحوذتا على 57
مليون دولاراً أمريكياً لكل منهما.
وعلى
مستوى الدول العربية جاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية بعد مصر
التي بلغ الإنفاق الإعلاني فيها 623 مليون دولاراً أمريكياً، ثم دولة الإمارات
العربية المتحدة ودولة الكويت، في حين احتلت لبنان المرتبة الخامسة بحجم إنفاق بلغ
299 مليون دولاراً أمريكياً خلال العام الذي انتهى في أبريل 2004، وما هذا إلا
دليل يشير إلى حقيقة انتشار وسائل الإعلام العربية وجذبها للمعلنين وهو ما تم
دراسته في الوقت التي نرى ندرة وسطحية الدراسات الوطنية التي تتناول الجوانب
الإعلامية الأخرى.
وهذا
في الوقت الذي أشارت إحصاءات شركة فوريستر كما ذكرت البي بي سي إلى أن الإعلانات
الالكترونية في أوروبا ستبلغ 22 مليار دولاراً أمريكياً بحلول عام 2012 وهذا يعني
ضعف القيمة المسجلة في العام 2006 وما يعني أن الإعلانات الالكترونية ستسجل ما
قيمته 18% من إجمالي الإنفاق الإعلاني حينها، بينما هي 6% الآن. وهو ما يحتاج أن
يأخذ المسؤولون والمخططون الإعلاميون العرب هذا بعين الاعتبار، خاصة وأن عدد
مستخدمي موقع "ويكبيديا" الإلكتروني زاد بواقع 20 مليون مستخدم شهريا
خلال العام الماضي 2006 ليصل الإجمالي إلى 46.8 مليون حسب ما ذكرته إحصاءات شركة
"نيلسن نت رايتينغز"، و"ويكبيديا" الموسوعة الكترونية
المفتوحة التي باتت أحد مراجع المعلومات والأخبار العالمية.
وفي
دراسة أجرتها شركة "هيل اند نولتن – الشرق الأوسط"، اعتبر 94% من
المسؤولين الإداريين في الشرق الأوسط أن السمعة المؤسساتية هي في غاية الأهمية،
وأضاف 77% منهم أن السمعة هي إحدى 3 أهم عوامل ينظر إليها المستثمرون، وكانت أعلى
النتائج في دولة الكويت حيث قال مسؤولي هيل اند نولتن أنها من أكثر بلدان الخليج
نشاطا في مجال برامج المسؤولية المؤسساتية.
مكان
الصحافة العربية في الصراع: رغم عراقة الصحافة العربية وخبرتها التي تشير إليها
بعض الدراسات الإعلامية وتذكر أن الصحافة أخذت بالانتشار في الدول العربية منذ
القرن التاسع عشر، وأن دولة الكويت أو مملكة البحرين أو إمارة دبي لم تكن أولى
المناطق التي ظهرت فيها الطباعة والصحافة من بين دول مجموعة "دول مجلس
التعاون الخليجي"، كما تُعرف الدول الخليجية اليوم، بل كانت الحجاز العثمانية
السبّاقة بعد بلاد الشام العثمانية ومصر، حيث تأسست عام 1882 مطبعة "حجاز
ولايتي مطبعة سي" ولم تدخل أولى المطابع إلى البحرين إلا عام 1934، ودخلت
دولة الكويت بعد ذلك بسنوات، وكانت الحجاز المكان الذي شهد أولى التجارب الصحفية
الخليجية مع صدور جريدة "الحجاز" عام 1908 و"شمس الحقيقة" في
العام التالي، ورغم مضى أكثر من 75 عاماً على صدور أول مجلة كويتية، في مارس/آذار
1928، عندما صدر العدد الأول من مجلة "الكويت"، التي أشارت على صدر غلافها
بأنها "مجلة دينية تاريخية أدبية أخلاقية، تصدر في الكويت"، وكان الشيخ
عبد العزيز الرشيد، مؤرخ الكويت المعروف، يعد مواد المجلة في الكويت، وبعد ذلك من
مقر إقامته المؤقت في البحرين بعد انتقاله إليها، وكان يطبعها في "المطبعة
العربية" بالقاهرة، التي كان يملكها ويديرها الشاعر والأديب السوري خير الدين
الزركلي، في مصر، ليكون الكويتيون بذلك أول من مارس التعاون الإعلامي العربي منذ
مطلع القرن الماضي. وقد بلغ عدد المشتركين في المجلة قرابة الثلاثمائة شخص وهيئة،
واستمرت في الصدور حتى مارس/آذار من عام 1930، وكان الرشيد خلال سنتي الصدور
القصيرتين، منشئ المجلة وصاحبها ورئيس تحريرها ومديرها المسؤول، إلى جانب قيامه
بدور المراسل، والموزع، والمحاسب، بعد أن وافق أمير دولة الكويت آنذاك على إصدار
المجلة، بشرط أن يطلعه الشيخ عبد العزيز الرشيد على محتوى العدد الأول منها، وقرر
الأمير أحمد الجابر أن يكون الشيخ يوسف بن عيسى القناعي مراقباً على المجلة. وكانت
بداية لـ"الرقابة" في الحياة الصحفية الكويتية، وشهد النشر في دولة
الكويت منذ تأسيسه مظاهر سلبية عديدة، ومظاهرة إيجابية نتمنى لها الانتشار في بقية
دول الخليج والعالم العربي، ألا وهي إعادة إصدار طبعات من الصحف والمجلات القديمة،
لوضعها بين أيدي الباحثين المعاصرين. وبعد مرور كل هذه السنوات على بداية الحياة
الصحفية منذ عام 1928، وصدور صحف يومية، وعدد كبير من المجلات باللغة العربية ، لم
تزل الكويت مثلها مثل الدول العربية الأخرى، بحاجة ماسة إلى الدراسات والاستبيانات
والإحصائيات التي تعطي المسؤول والكاتب والقارئ معاً تصوراً دقيقاً عما تتناوله
المواد الصحافية المنشورة، وصدى راجعها الإعلامي والفكري والتقني والعلمي.
الخاتمة
لفت
انتباهي نتائج استبيان نشرته صحيفة "القبس" الكويتية، يوم 12
يونيو/حزيران عام 2004، وشمل عينة عشوائية من الكويتيين ذكوراً وإناثاً بلغ عددهم
406، وتراوحت أعمارهم بين 24 و50 سنة، من فئة الموظفين، أبدوا آرائهم وانطباعاتهم
حول الصحافة، وأول استطلاع للرأي العام أجرته صحيفة تشرين الدمشقية ونشرته في
عددها الصادر يوم 11/2/2007 وأظهر تراجعاً بنسبة 39% في عدد قراء الصحف الرسمية
اليومية. ومعروف أن أكثر الصحف العربية تقوم باستطلاعات مشابهة وتنشر نتائجها على
صفحاتها وتظهر كلها الحاجة الملحة للدول العربية إلى دراسات منهجية في هذا المجال
والاستمرار بمثل هذه الأبحاث من خلال وضع منهج ومدخل علمي عربي من ضمن إستراتيجية
عربية تمكن من تفعيل دور المؤسسات الإعلامية ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيري في
عملية التواصل الثقافي العربي - العربي، والعربي - العالمي.
إذ
لا يمكن إيجاد تواصل ثقافي وحضاري وتأمين الفرص اللازمة لاستمراره دون المعرفة
الدقيقة لأطراف عملية التبادل الإعلامي الدولي، والتحديد الدقيق للقضايا المطروحة
لمناقشة المشكلات الإنسانية العالمية ومحاولة التقريب بين وجهات النظر الحالية
والمستقبلية والمشاركة في تأسيس نظام إعلامي عالمي جديد من خلال إستراتيجية
إعلامية توفر ظروف تفعيل التواصل الثقافي العربي – العربي، والعربي - العالمي،
تواصل ينطلق من نظريات ومناهج التحليل المعرفي والثقافي والإنساني. خاصة بعد أن
ثبت يقينا بعد سقوط النظام ثنائي القطبية بعد انهيار المنظومة الاشتراكية ونهاية
عصر الحرب الباردة، أن المناهج السياسية التقليدية عاجزة عن فهم وتأويل العالم
المعقد، وأننا بحاجة إلى منهجية جديدة للتحليل المعرفي والثقافي والإنساني كي نرسخ
تقاليد حوار الثقافات والحضارات في عصر يسميه البعض عصر الحضارة العالمية الواحدة.
في الوقت الذي تعلن فيه مصادر أميركية في واشنطن عن نجاح الحملة، التي يقودها
«التحالف ضد وسائل التحريض على الإرهاب» CATM. وقيام الشركة
الفرنسية تيليكوم بمنع نقل الإشارات التلفزيونية لقناة «المنار» الفضائية إلى
القمر الصناعي «آسيا سات»، وتأكيد مسؤول العلاقات العامة في تلفزيون «المنار»،
إبراهيم فرحات «أن القناة تنتهج سياسة إعلامية واضحة، أساسها تقديم مادة إخبارية
صادقة وموضوعية حول ما يجري من أحداث في العالم، وأنها ستستمر باعتماد هذا النهج،
مع الحرص دوماً على تطوير أساليب عملها وأدواتها رغم قرار منع البث الذي وصل إلى
آسيا بعد أوروبا وأميركا الشمالية». بالإضافة لقرارات المنع بالجملة التي صدرت عن
المجلس الأعلى الفرنسي للإعلام المرئي والمسموع لتشمل دول الاتحاد الأوروبي، إضافة
إلى منع أمريكي وآخر استرالي طال القناة التلفزيونية المعنية. وما كان من مدير
الأخبار في المحطة، الذي فاز بمقعد نيابي في البرلمان اللبناني، حسن فضل الله،
حينها إلا أن يصدر حكما مسبقا على أن الإجراءات المنفذة ضد القناة تنطلق من خلفيات
وضغوط تقوم بها مؤسسات صهيونية. ليتبادر إلى الذهن سؤال أين الديمقراطية والحرية
الفكرية التي يدعوا إليها الغرب ؟!! وهو ما أجبر قناة «المنار» اللبنانية على ما
أعتقد للاكتفاء ببث فضائي عبر قمري عربسات ونايلسات العربيين، وبذل جهود من أجل
إتاحة أقمار صناعية أخرى للبث عليها، حيث أوضح فرحات: «أن الحملة لإقصاء القناة عن
الأقمار الصناعية العالمية مستمرة، ولم يعد خافياً على احد أن الحكومة الإسرائيلية
واللوبي الصهيوني الموجود في الخارج، والعديد من المنظمات اليهودية، تقف خلف
الحملة المعادية بشكل مباشر، ويمارسون ضغوط على الحكومات الأجنبية وعلى هيئات البث
في تلك الدول وعلى شركات البث الناقلة لإشارة البث التلفزيوني للـ«المنار» عبر
أقمارها الصناعية. ويفهم من هذه التصرفات بوضوح مدى التناقض القائم مع فكرة
الإسهام بتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان والآراء المختلفة، وهو ما يفرض معه
حق مطالبة الدول الأوروبية والغربية عامة باتخاذ مواقف واضحة تصون حرية التدفق
الإعلامي باتجاهين ويكفل له حرية العمل ضمن القوانين المرعية، وألا تتخلى عن أهم
المبادئ التي قامت عليها الشرعية الدولية، وهي حرية الفكر والرأي.
طشقند
في 16/12/2007
مصادر
البحث:
1.
د. أحمد جاد الله شلبي: تاريخ التربية الإسلامية. القاهرة: مطبعة دار
الكتب.
2. إبراهيم أولحيان: كتاب المغرب حول استخدام العاميات في وسائل الإعلام العربية:
كل لغة تعاني من ازدواجية ولكن هناك من يريد لعامياتنا أن تسود! . // لندن: القدس
العربي، 15/7/2007.
3.
الإعلان الخليجي. // أبو ظبي: الاتحاد 5/5/2004
4.
جرجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، ج4 . مطبعة دار الهلال.
5.
جواد مرقة: متخذو القرار الإعلامي العربي والمتوسطي والإفريقي. // عمان:
صحيفة الدستور 1/7/1997.
6.
جمايما كيس: دمج «الورقي» بـ«الإلكتروني» في صحف «نيوز انترناشونال» خطوة
تشمل كبريات مطبوعات الشركة كالـ «تايمز» والـ «صن» والـ «صنداي تايمز». // لندن:
الشرق الأوسط، 15/7/2007
7.
د. جيهان أحمد رشتي: الأسس العلمية لنظريات الإعلام. القاهرة: دار الفكر
العربي، 1978.
8.
خالد الحروب:
الإعلام العربي كجزء من العملية السياسية والديمقراطية. // أبو ظبي: الاتحاد 14
/7/2004.
9.
خدمة «الغارديان» – خاص بالشرق الأوسط. // لندن: الشرق الأوسط 15/7/2007.
10.
خلدون غسان سعيد: حرب إلكترونية عبر شبكات الكومبيوتر والانترنيت. // لندن:
الشرق الأوسط، 24/7/2007.
11.
خليل علي حيدر: صحافة الكويت... حرة أم مقيدة؟ // أبو ظبي:
الاتحاد، 18/7/ 2004.
12.
د. خليل صابات: تاريخ الطباعة في الشرق العربي.
13.
د· خليفة علي السويدي: هل يعرف العرب ؟ // أبو ظبي: صحيفة الاتحاد،
24/1/2004
14.
رولان كايرول: الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية. ترجمة: مرشلي محمد.
ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1984
15.
سلمان الدوسري: نائب رئيس «إم. تي. في» العالمية: قناتنا العربية لن
ينافسها أحد، تنطلق من دبي نهاية العام الحالي وتتميز بمزيج من المحتويين الغربي
والعربي. // لندن: الشرق الأوسط، 22/7/2007.
16.
السيد يسين: الإعلام
والتواصل العربي الأوروبي. // أبو ظبي: الاتحاد، 8/4/ 2004
17.
سناء الجاك: المنار تبحث عن أقمار بديلة.. وتبقي على سياستها الإعلامية بعد
أوروبا وأميركا الشمالية.. آسيا أيضا على خريطة القارات التي منعت فيها القناة
بيروت. // لندن: الشرق الأوسط الأحد 14 آب 2005
18.
د. شمس الدين الرفاعي: تاريخ الصحافة السورية، ج1، العهد العثماني.
القاهرة: دار المعارف بمصر، 1969.
19.
د. صابر فلحوط، د. محمد البخاري: العولمة والتبادل الإعلامي الدولي.
دمشق: دار علاء الدين للنشر، 1999.
20.
د. صالح عبد الرحمن المانع: صورة المملكة العربية السعودية في العالم. //
أبو ظبي، الاتحاد 9/10/2004.
21.
فايز بن عبد الله الشهري: الصحافة بين الإلكتروني والمطبوع. // الرياض:
صحيفة الرياض 8/8/2004.
22.
فيصل عباس: مردوخ يشتري «داو جونز».. و«حاجز» لمنع تدخله في تحرير «وول
ستريت جورنال» // لندن: الشرق الأوسط 1/8/2007.
23.
فيصل عباس: مردوخ: الإعلام سيصبح مثل الوجبات السريعة عملاق الصحافة
العالمية يوجه «إنذارا بالطاعة» للناشرين ويدعوهم للاستفادة من الإنترنت. // لندن:
الشرق الأوسط، 15/3/2006م.
24.
مازن يوسف صباغ: خطاب الرئيس بشار الأسد بمناسبة أدائه القسم الدستوري...
قراءة إعلامية. // دمشق: الثورة، 22/7/2007.
25.
د. محمد البخاري، د. سرفار جان غفوروف: دولة الكويت. مقرر جامعي.
معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، طشقند: دار نشر مكتبة علي شير نوائي
الوطنية، 2007. (باللغة الروسية)؛ - جمهورية مصر العربية. مقرر جامعي. معهد طشقند
الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2002. (باللغة الروسية)؛ - المملكة العربية
السعودية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2001. (باللغة
الروسية)
26.
أ.د. محمد البخاري: التبادل الإعلامي الدولي في إطار العولمة والعلاقات
الدولية المعاصرة. 2006. (قيد النشر)؛ - العلاقات الدولية في ظروف الثورة
المعلوماتية. // دمشق: مجلة "المعرفة"، العدد 519 كانون أول/ديسمبر
2006؛ - العلاقات الدولية في ظروف الثورة المعلوماتية. دمشق: دار الدلفين للنشر
الإلكتروني، 4/8/2006. http://www.dardolphin.org؛/ - المجتمع
المعلوماتي وتداعيات العولمة. دمشق: دار الدلفين للنشر الإلكتروني، 21/7/2006. http://www.dardolphin.org؛/
- التبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي
العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية)؛ - التفاعلات السياسية في وسائل
الإعلام الجماهيرية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات
الشرقية، 2006. (باللغة الروسية)؛ - مبادئ الصحافة الدولية في إطار العلاقات
الدولية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006.
(باللغة الروسية)؛ - قضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية
المعاصرة. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، مطبعة
بصمة، 2004. (باللغة الروسية)
27.
د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. القاهرة: مكتبة
الأنجلو المصرية، 1990.
28.
محمد بدير: الرياض: الإنفاق الإعلاني في السعودية يرتفع 16% بإجمالي 543.2
مليون دولار خلال عام السعودية الأولى خليجيا والثانية عربيا والصحف مفضلة لدى
المعلنين بنسبة 74%. // لندن: الشرق الأوسط 29/8/2004.
29.
في أول استطلاع للرأي العام.. استطلاع تشرين.. القراء اليوميين للصحف الرسمية في
تراجع 39%. // دمشق: صحيفة تشرين، 11/2/2007
30.
Alan Hancock: Mass Communication (London, Longmans,
1966).
31.
Harry Goldstein: "Reading and Listening
Comprehension at Various Controlled Rates" ( N.Y.: Teachers College,
Columbia University Bureau of Publications, 1940).
32.
H. Blumer: Movies and Conduct. ( N.Y.: the Macmillan
Company 1933).
33.
Lazarsfeld et al: The People's Choice, McPHee, New
strategies for Research in the Mass Media. ( N.Y.: Bureau of Applied Social
Research, Columbia University 1953 ).
34.
Leo Bogart: the Age of Television. ( N.Y.: Frederick
Ungar, 1956 ).
a. P. Lazarsfeld: Radio and the printed Page. ( N.Y.:
Duell Sloan and Pearce, 1940).
35.
William L: Rivers and Wilbur Schramm, Responsibility
Mass Communication. New York, Harper
& Row, 1969.
36.
W. Charters: Motion Pictures and Youth. (N. Y.:
Macmillan 1933); Doob, Propaganda: Its Psychology and Technique. (N.Y.: Henry,
Holt and Company 1935)
37.
W. Schramm: One Day In the Wold's Press.