الحرب الإعلامية وسيناريو الحرب ضد سوريا
في تشرين ثاني/نوفمبر عام 2011 نشرت صحيفة
القوة الثالثة الإلكترونية نبأ عاجلاً تضمن معلومات تخص سيناريو الحرب ضد سوريا )هذه
غرف العمليات وهكذا المشروع!!)، أعيد نشره مرة أخرى ليستفيد منه الإعلاميون والمهتمون
كواحدة من أشكال الحرب الإعلامية المركزة والهادفة التي تتعرض لها الساحة العربية
منذ بداية تسعينات القرن الماضي والمستمرة حتى اليوم، وما خلفت من ورائها من مآسي
وويلات طالت الأنظمة والبنى التحتية والمقدرات الإقتصادية والعسكرية والبشرية،
وسمحت للعدو الرئيسي للأمة العربية بتخطي الأعراف الدولية وحقوق الإنسان وفعل ما
يريد من عدوان وقتل وتدمير في فلسطين المحتلة تحت أنظار الهيئآت والمنظمات الدولية
والدول التي مافتئت تتحدث حتى اليوم عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتدعي حماية
حقوق الإنسان. وجاء في الخبر العاجل ما يلي:
خريطة سورية
"حصلت صحيفة القوة الثالثة على بعض
المعلومات العسكرية والإستخبارية الخاصة بمخطط الحرب ضد سوريا، وجمعت المعلومات من
عواصم مهمة، هي: عمان، ولندن، وبغداد، ودبي، وبروكسل، وفيينا، وأسطنبول، فالمخطط الذي
أنتهت منه الولايات المتحدة الأميركية راحت وكلفت بتنفيذه بريطانيا
لتصبح ممثلاً للغرب والناتو، بالتنسيق مع تركيا، والأردن، والعراق، ودولة قطر،
والأمارات، وقبرص. وحصلت
القوة الثالثة على معلومة في غاية الخطورة بأن سفارة سلطنة عمان في دمشق لعبت دورا
محوريا في الأزمة، ولازالت كغرفة عمليات متصلة بالسفارة الأميركية، وبقاعدة
أميركية في دولة قطر. وانتهى التأسيس والتجهيز لغرف العمليات العسكرية
والإستخبارية بأشراف
أميركي مباشر، وتسللت أعداد لا بأس بها من المخابرات الأميركية،
والتركية، والبريطانية، والفرنسية، الى مدن سورية مثل: حلب، وحمص، والسويداء،
واللاذقية، ودمشق، وباشروا في العمل الإستخباري والتوجيهي، وأن غرف
العمليات توزعت كما يلي:
ــ مركز العمليات البحرية والإستخبارية
الرئيسي في قبرص / مركز رقم 1
ــ مركز عمليات الدعم الإعلامي واللوجستي
والطيران الحربي في دولة قطر / مركز رقم 2
ــ مركز عمليات الإسناد الجوي للناتو في دولة
الأمارات العربية / مركز رقم 3
ــ مركز عمليات الطيران الرئيسي واللوجستي
العملياتي المباشر في قاعدة أنجرلك التركية + قاعدة أزمير / المركز المرتبط بقبرص
ــ مركز تجمع القوات الخاصة الأميركية
والغربية والعربية، ومركز تحليل المعلومات في الأردن / مركز رقم 4
ــ مركز تجمع القوات الخاصة الأميركية
والغربية والتركية في شمال العراق /مركز
رقم 5
ــ والمركز اللوجستي الدائم وعنصر المباغتة
والمكلف بالشلل الإلكتروني من قاعدةH3 الأميركية
في العراق
ــ مركز عمليات متنقل في طرابلس اللبنانية
مهمته لوجستية وتحليلية
الخطة:
لن يرى الجيش السوري جنديا أميركيا أو غربيا
أو تركيا واحدا لكي يقاتله، بل تم أختيار خطة الجنرال شوارسكوف
ضد نظام صدام حسين في العراق عام 1991 مع التعديل والإضافة والغاية منها قصم ظهر
الجيش السوري
من الجو مثلما حصل مع الجيش العراقي عام 1991 (والجيش الليبي عام 2001، الكاتب) ومن
ثم ضرب البنية التحتية
للجيش والشرطة والأمن والإستخبارات، وأن الأضافة العسكرية المهمة التي أضيفت الى
هذه الخطة هو
السلاح البحري الأميركي، والفرنسي، والتركي، والأسباني، والغربي، من جهة البحر
المتوسط، والذي سيشرف على الحصار البحري ضد سوريا بالتنسيق مع الجو، بمهمتين:
الأولى:
شل الساحل السوري والمدن السورية تماما، وفسح المجال لنزول بعض القوات
الخاصة الغربية والأميركية الرمزية دون التحرش بالروس
هناك لإعطاء البعد المعنوي للشعب والمعارضين.
والثانية: منع حزب الله من القيام
بعمليات ما ضد إسرائيل، وكذلك منعه من فك عزلة النظام السوري.
والخطة تقضي وضع سوريا داخل صندق مغلق من جميع
الجهات لكي لا يكون هناك عبء من خلال النزوح البشري نحو الخارج، ثم تقسيم
الصندوق من الجو، ومن خلال التعليمات الصادرة للمعارضة والمسلحين على
الأرض... والشروع بالضرب على الصندوق لتدويخ القيادة تماما ثم الأنقضاض عليها. ولقد بدأت
الحرب فعلاً ومن مدينة الرمثا الأردنية، لأن الأحداث التي حدثت فيها كانت مصطنعة
والغاية منها ترتيب مسرح العمليات المتقدم ضد سوريا، والتغطية على حمل القوات
الخاصة البريطانية، والفرنسية،
والغربية، والقطرية،
والأماراتية، على الدبابات الأردنية، وإيصالها إلى الحدود مع سوريا
حيث الرمثا
وضواحيها لتبدأ بوضع
الخطط وتنفيذ العمليات داخل سوريا، ومنع سوريا من جر إسرائيل للحرب
من خلال المثلث
السوري، الأردني، الإسرائيلي، ولقد
تم اصطناع أحداث الرمثا الأردنية لتبرير دخول الدبابات الأردنية التي حملت
في جوفها قوات خاصة أميركية، وبريطانية، وفرنسية، وعربية، وفي نفس الوقت عززت
الأردن دورها هناك بالتنسيق
مع بريطانيا. وكانت
دعوة العاهل الأردني الى لندن بهدف وضع الملك عبد الله بالصورة النهائية
والتعريف بمهمة الأردن في الحرب ضد سوريا، ومن هنا عاد الملك من
بريطانيا وذهب الى رام الله مباشرة للتفاهم مع عباس على حماية أي طيار
أردني أو غربي تسقط طائرته في أراضي السلطة الفلسطينية أو يحاول اللجوء اليها،
وتعهد عباس بضبط الجبهة كي لا يستغلها اليمين الإسرائيلي وينفذ مخطط الوطن
البديل في الأردن، وتسهيل
دخول وانسحاب القوات
الخاصة الأردنية التي ستشترك ضد سوريا عند الضرورة، ومنع الخلايا
الفلسطينية وغيرها
التابعة لإيران، وسوريا،
في غزة من الوصول الى الأردن أو مباغتة الأردنيين من الخلف، وعدم التحرش
بالطائرات المغيرة من
الأردن، والأراضي السعودية، لقصف المواقع السورية والتي ربما ستمر
فوق أراض
السلطة الفلسطينية. ومن جهة أخرى تمت الموافقة الأردنية على فتح السماء الأردنية
للطائرات التي
ستطير من قاعدة تبوك +قاعدة حفر الباطن في
السعودية، وكذلك من القواعد الخليجية، وكذلك فتح سماء كردستان
العراق لمرور الطائرات الحربية أيضا، أما في السماء العراقية فسوف تطير الطائرات
المنطلقة من
قواعد خليجية بطيران شاهق أثناء مرورها بالمجال الجوي العراقي الذي سيكون مفتوحا
على الدوام لإستخدامه
أيضا في حالة قيام إيران بعمل ما في مسرح العمليات والمنطقة (وهو أحتمال
ضعيف للغاية لأن إيران لن تتدخل
ولن تسعف دمشق أطلاقا).
أما دور العراق فسوف يكون:
أولا: بمشاركة العراق من جهة شمال العراق ومن خلال السلطة الكردية التي تفاهمت
تماما مع القطريين والأتراك
على دورها وبعلم الولايات المتحدة، وكذلك من خلال محافظة الموصل وقد
تعرّف رئيس البرلمان
العراقي أسامة النجيفي، على دروه في هذا المخطط
عندما سافر الى تركيا بحجة حضور أربعينية والدة أردوغان، والتقى
هناك مع المخابرات التركية التي أعطته التوجيهات اللازمة، وكيفية تسهيل عبور
بعض القوات الخاصة التركية من جهة الموصل الى سوريا، والإتصال
مع عشائر بني خالد في حمص ومدن سورية أخرى لتقديم الدعم اللوجستي
للمخابرات التركية داخل سوريا والى القوات الخاصة التركية التي سوف تدخل من
جهة الموصل والحدود العراقية؛
ثانيا: المسرح الكردي العراقي ودعمه لمخطط الحرب على سوريا، فقد سافر من أجله وزير الخارجية
العراقي هوشيار زيباري، الى دولة قطر وسمع من القطريين ماهية المهمة التي
سيقوم بها الأكراد
بالضد من سوريا مع أستلام
ثمن التكاليف وثمن الموقف الكردي لإسناد مهمة القطريين ضد سوريا، والتقى زيباري
مع كبار الضباط
في القيادة الأميركية في قطر للتعرف على الدور الكردي المطلوب في الحرب القادمة
ضد سوريا....
أما الأتراك فسوف يكون عليهم العبء الأكبر
بالمهمة وبالتفاهم مع واشنطن ومن خلال استخدام الطيران والقوات الخاصة والسفن
الحربية، وحتى دخول قوات خاصة من جهة البحر والبر، فالمهندس التركي هو المسؤول
عن المنطقة الشاسعة التي سوف يتم قطعها عن دمشق وتحديدا من جهة حمص، والإشراف
على منع الحرب الأهلية والطائفية.
أما الولايات المتحدة فستكون مهمتها الإشراف اللوجستي
والعملياتي مع الإشراف الكامل على غرفة عمليات قاعدة H3 العملاقة،
التي تقع قرب الحدود الأردنية العراقية والمجهزة بكافة الأسلحة المتطورة والتكنولوجية،
وهي عبارة عن مدينة عسكرية وتكنولوجية وحربية أميركية، خصصت كمركز
عمليات متقدم لحماية
إسرائيل وحماية المصالح الأميركية، وتحتوي على غرفة عمليات إلكترونية تغطي منطقة
الشرق الأوسط تقريبا، ناهيك عن أنها صممت ضد الضربات النووية، وتحتوي على صواريخ
تحمل رؤوس
نووية عند الضرورة ناهيك
عن أحتوائها على أقسام حربية مجهزة بكافة الأسلحة الحديثة، وأسراب طائرات مقاتلة وتجسسية وإستطلاعية،
وسوف تشرف على عملية شل الأتصالات والرادارات في سوريا تماما/بحيث
تصبح الأسلحة السورية
عمياء، وتعزل القيادات السورية عن بعضها البعض، لأنه سيتم شل الإتصالات
تماما، وحينها سوف
تباشر الطائرات والصواريخ بتدمير 311 هدفا عسكريا مشتركا في سوريا، وحينها
سيتم عزل بعض المدن،
وتقطيع سوريا الى مناطق جغرافية حسب الترتيب القومي والطائفي والعرقي والديني
لمنع الحرب الأهلية خوفاً
من أنتشارها ووصولها إلى إسرائيل، وتسليم بعض المدن لقيادات تابعة للمعارضة
مثلما حصل في العراق عام1991 بالضبط، أي إسقاط سوريا على
وجبات، لتترك العاصمة فقط لتعالج من قبل الناتو وواشنطن، وهنا سوف تسلم إسرائيل تماما
من أي رد سوري، وأن
ما يشاع عن ضرب إيران هو خرافة وتسويف، لأن الجعجعة من إيران وفي طهران ولكن
الطحين" الرصاص"
سيكون في سوريا، وأن إيران تعلم ببعض بنود تلك الخطة من القطريين والأتراك،
بعد أن ضمنت حصة الشيعة والعلويين في مستقبل سوريا وبإدارتها هي.
وسوف تكون الحرب جوية وبحرية وإلكترونية فقط،
ولن تكون هناك مصادمات مع
الجيش السوري، بل ربما ستكون هناك مصادمات مع
القوات الخاصة للنظام ولبعض
الوقت، وأن مهمة اليوم الأول هي:
ــ شل الإتصالات والرادارات السورية تماماً.
ــ إسقاط أي طائرة سورية حال طيرانها.
ــ إحراق قاعدة أي صاروخ حال إنطلاق الصاروخ
الأول.
ـ ضرب مقرات الحرس الجمهوري كافة ومقرات الفرق
الخاصة.
ــ ضرب وتدمير كافة المستودعات وشبكة الإتصالات
المحورية الصينية.
ــ ضرب حوالي 67 هدف من ضمنها القصر الجمهوري،
ومراكز القيادة السياسية والعسكرية، ومقرات حزب البعث الرئيسية،
والإتصالات، والتلفزيون، وفروع الإستخبارات العسكرية، والقيادة الجوية،
ووزارات الدفاع، والداخلية، ومجلس الوزراء، وقصر الشعب، وفروع المخابرات كافة،
ومراكز حزب البعث القيادية،
وبعض بيوت المسؤولين
الكبار، والقواعد العسكرية، والمطارات المهمة.
في اليوم الثاني يباشر التوغل من قبل بعض
القوات الخاصة لقيادة بعض تجمعات المعارضة للإستيلاء على المدن وتشكيل لجان إدارية
للمدن، وهكذا تستمر عملية الإسقاط وضمن أستراتيجية "كرات الثلج المتناثرة
أولا .. ثم جمعها ثانية بكرة ثلج واحدة" وبعدها يتم السيطرة على المطارات
والمراكز الحساسة، ويتم الأعتماد على الجيش المنشق وتجمعات المعارضة في عملية إسقاط
النظام السوري ولكن لن يسمح بالفوضى خوفا على إسرائيل ومنعا للمجازر.
الأهداف الكبرى للعمليات
علمت القوة الثالثة بأن هناك إصرار أميركي على
حسم الحرب بسرعة ولا يجوز إطالتها، وتم الإتفاق مع البريطانيين والأتراك
على هذه المهمة، وسيكون الغطاء عربي على الأرض منعا للحساسية وله صبغة إسلامية
بتواجد تركيا، وأعطيت نهاية افتراضية للعمليات هو 22/1/2012 والنهاية الأفتراضية
الثانية 26/1/2012، بأن لا يكون هناك نظام لحزب البعث وللرئيس بشار في
سوريا، وأوعزت بضرورة تفصيل سوريا جغرافيا ومن الجو لتسهل مهمة الغزو، وأول المهمات هو
قطع سوريا بالنصف من جهة حمص وعزلها عن دمشق تماماً، والمباشرة بعملية إسقاط
رموز النظام فيها، وهكذا يتم التعامل مع جغرافية مدن الساحل، بحيث لم يبق للأسد
إلا دمشق وهنا سيكون الشعار أما الإستسلام أو الإبادة، وأن المستفيد الأول وغير
المتصدع سيكون الأكراد الذين سيأخذون زمام المبادرة في هندسة المستقبل السوري،
ومثلما خططت إسرائيل على ضوء ما حصل في العراق، لأن الأكراد لم يتعبوا نفسيا ولا
تعبويا وأبقوا البنية
التحتية لمدنهم ومناطقهم عامرة بتخطيط ونصائح أسرائيلية وكردية عراقية،
ولم تحترق مؤسساتهم وبالتالي
لا زالت مدنهم عامرة بكل شيء مقابل تدمير المدن المهمة للسنة المرشحين
للحكم، ناهيك عن تفشي
الخلافات فيما بينهم بتخطيط إسرائيلي لتكون الغلبة للأكراد، وسوف
يتم اقتطاع المدن
الكردية مباشرة وفي اليوم الأول للحرب، ويتم تسليمها للقيادة
الكردية التي أصبحت جاهزة تماما وبجميع مؤسساتها وبدعم كردي وإسرائيلي
لها، ولقد تدربت القيادات الكردية في شمال العراق على أدارة المدن والمنطقة
الكردية مع التدريب على
كيفية سرقة مستودعات الجيش والدولة والإستفادة من الأسلحة والطائرات والصواريخ
والبنوك وكل ما تحتويه
المخازن العائدة للجيش والوزارات والحزب والدولة مثلما فعل أكراد العراق
أثناء وبعد سقوط النظام السابق في العراق، ولكن ستبقى أرادة الله وأرادة الشعب السوري
وما خططت له القيادة السورية أولاً، وربما ستحصل المفاجأة التي ستسعد العرب
والمسلمين وتغيّر قوانين اللعبة.
ولكن ننصح سوريا وقيادتها وشعبها بعدم
المراهنة على إيران وعلى أذنابها في المنطقة إطلاقا، بل يجب الحذر منها، وأن لا
يخطأ الرئيس بشار بإرسال الطائرات وغيرها لإيران مثلما فعل صدام، وأن لا
يخطئ ويكشف خططه للإيرانيين ويقع في الفخ المهلك، فهي معركة سوريا لوحدها ومعركة
الشعب السوري فقط، وشعارها "أكون أو لا أكون"."
(انتهى الخبر العاجل)
-----------------
ونعتقد أن النبأ العاجل الذي نشرته صحيفة
القوة الثالثة الإلكترونية في تشرين ثاني/نوفمبر عام 2011 ماهو إلا جزء من حرب
إعلامية مركزة تستهدف العالمين العربي والإسلامي منذ تسعينات القرن الماضي، ويقصد منه
دب الفرقة، وزعزعة الأمن الداخلي، وضرب التحالفات الإفتراضية بين الدول، في سعي
لتحقيق النصر على العدو مقابل أقل ما يمكن من الخسائر، خاصة وأن سورية تواجه اليوم
غزوأً كونياً وحرباً عالمية غير معلنة، وهو ما ذكرني بدراستي "الأمن
الإعلامي الوطني في ظل العولمة" التي نشرتها صحيفة الاتحاد في أبو ظبي بعددها
الصادر يوم 22/1/2001. وأعيد نشر جزء مقتبس منها علها توضح شيء من الصراع الدائر
داخل وحول الأراضي السورية، وخاصة الصراع الإعلامي، وذكرت في دراستي أنه: "منذ
تسعينات القرن الماضي أصبح واضحاً أن البنى الإعلامية الدولية أصبحت فوق الدولة
في ظروف العولمة وتشابك الحياة على الكرة الأرضية، وظهور وتشكل شبكات وبنى إعلامية
دولية فوق الدول، أصبحت بما لا يدع مجالاً للشك أنها تستخدم كسلاح إعلامي مؤثر على
العقول والمواقف، ووسيلة لشن حروب واسعة النطاق تطال الإنسان أينما كان، بفاعلية
يمكن أن تؤدي نتائجها بل وتعادل قوتها وتأثيرها التدميري الموجه ضد العقول
والذاكرة البشرية وتتفوق في بعض الظروف من حيث التأثير على أسلحة الدمار الشامل
التقليدية المعروفة. وليس عبثاً أن ترصد بعض الدول المتقدمة في ميزانياتها مخصصات
للأمن الإعلامي تعادل بمستواها المخصصات التي ترصد لمواجهة أخطار استخدام أسلحة
الدمار الشامل التقليدية. رغم اختلاف استخدام السلاح الإعلامي في الحرب عن الأشكال
التقليدية من أسلحة الدمار الشامل، لأن تأثيرها يمكن أن يطال الجبهة الداخلية في الصميم.
مع إمكانية استخدام الأسلحة الإعلامية الدولية التي تتميز بالقدرة المؤثرة الكبيرة
ضد الأهداف المدنية، كوسيلة من وسائل الصراع على السلطة، وفي الصراعات القومية
والعرقية والدينية. والأمثلة على ذلك في عالم اليوم كثيرة، ولا ينحصر تهديدها
الواقعي على القوى البشرية فقط، بل اتسع ليشمل الأنظمة الإعلامية التي تملكها
الدول، والمنظمات والهيئات الدولية، من قبل دول معادية أو قوى الإرهاب والإجرام
المنظم على السواء، مما أعطى لطابع تأثيرها طبيعة كارثية من خلال ليس التسلل لداخل
تلك الأنظمة وحسب، بل وفي تخريب تلك الأنظمة، والتأثير على محتوياتها من معلومات
وإتلافها. وهو ما كان الدافع على ما أعتقد لاتخاذ القرار 54/49 أثناء الدورة 54
للهيئة العامة للأمم المتحدة في 1/12/1999.
السيطرة
على الموارد الإعلامية في ظل "العولمة"
فمعارك
السيطرة على عقول الكثير من الشخصيات السياسية في موقع القرار هي "حرب غير
مرئية" رغم أنها أخذت خطاً واقعياً، وأصبحت بالتدريج تهدد جوهر الصراع من أجل
السيطرة على وعي صاحب القرار، ولتحد من إمكانيات أي مواجهة جادة للأخطار الخارجية،
إضافة لأخطار التأثير والتخريب المتعمد للموارد الإعلامية المتاحة لكل دولة، ووسائل
الحصول عليها وحفظها ونشرها واستعادتها والتعامل معها. مما دفع ببعض الدول إلى
الشروع بتطبيق برامج حكومية طويلة المدى على المستوى القومي، الهدف منها تأمين
الأمن الإعلامي القومي وسلامة البنى التحتية الإعلامية الوطنية الأساسية. في نفس
الوقت الذي بدأت فيه بالتعامل مع "العولمة" وآثار التشابك المتبادل بين
المجالين الإعلاميين الوطني والدولي. واضطرت مجبرة على الاعتراف بأن نجاح الجهود
الوطنية للحفاظ على الموارد الإعلامية الخاصة بكل دولة، ليست في النهاية سوى جهود
حثيثة لرفع مستوى المناعة "السلمية" للنظام الإعلامي الوطني في مواجهة
الساحات الإعلامية للدول الأخرى التي أصبحت تشمل دولاً بعيدة عنها جغرافياً، وليس
بالضرورة أن تكون تلك الدول مجاورة، ولكن يكفي أن تكون متشابكة معها من خلال شبكات
الاتصال الدولية وفي الموارد الإعلامية بشكل موضوعي ومتشعب يصعب فصله. وموضوع السلاح
الإعلامي والحرب الإعلامية أصبح مثاراً للمناقشة من قبل المتخصصين بشكل واسع، منذ
بداية تسعينات القرن العشرين. ومنذ ذلك الوقت بدأت تظهر أعداداً كبيرة من المقالات
والدراسات حول هذا الموضوع الهام في العديد من الصحف والمجلات. وبدأ يناقش ضمن
موضوعات الكثير من المؤتمرات واللقاءات العلمية الوطنية والإقليمية والدولية، التي
صبت اهتمامها بمعظمها على مواضيع الأبحاث التي لا تتفق ومبادئ السلام العالمي،
وبرامج تطوير التكنولوجيا الخاصة بطرق حماية الموارد الإعلامية من التأثير
الخارجي. ولكن كل تلك المناقشات والمقالات والدراسات المنشورة حملت طابع المحلية،
وكانت بعيدة كل البعد عن المناقشات الدولية التي كان يجب أن تتناول مشاكل
"العولمة" والأمن الإعلامي. رغم أن المشكلة حظيت ليس باهتمام المتخصصين
وحسب، بل واستحوذت على اهتمام عدد كبير من غير المتخصصين وقادة الرأي. ولهذا
يمكننا اعتبار صدور القرار 53/70 عن منظمة الأمم المتحدة بمثابة إنذار يشير بجدية إلى
الخطر الجاثم، الذي وقعت فيه البشرية ويهدد صميم النظم الإعلامية الوطنية، ويهدد
الإنسانية على عتبة القرن الحادي والعشرين. بعد أن ظهر للمجتمع الدولي جلياً بما
لا يدع مجالاً للشك، أنه أصبح متوفراً لدى العديد من الدول المتقدمة كتكنولوجيا
إعلامية متطورة، وكنتائج لأبحاث جاهزة وهامة يمكن استخدامها في التأثير على
الموارد الإعلامية للغير. وكحقائق لا تقبل الجدل من أن نتائج الأبحاث تلك أدت إلى
صنع وسائل تستخدم في الأغراض العسكرية البحتة، حتى ولو لم يتم تسميتها بالأسلحة
الإعلامية.
السلاح
الإعلامي في خدمة الدول الصناعية المتقدمة
وأصبح
واضحاً أيضاً بعد توفر معلومات كافية، تتحدث عن شروع العديد من الدول الصناعية
المتقدمة في إجراء أبحاث للحصول على تقنيات وتكنولوجيا متطورة في مجال الاتصال،
وإعداد تكنولوجيا متطورة وتقنيات وطرق لاستخدامها بهدف السيطرة المباشرة على
الموارد الإعلامية للخصم، والتأثير المباشر عليه. حيث أشارت بعض المصادر إلى أن
أكثر من 120 دولة من دول العالم وصلت وفي مستويات مختلفة لنتائج ملموسة في هذا
المجال الذي لا يقل خطورة عن السلاح النووي. بينما تجرى أبحاث لتطوير السلاح
النووي في 20 دولة فقط من دول العالم. وتذكر بعض المصادر أن بعض الدول أصبحت تملك
وسائل جاهزة للدفاع ضد أخطار السلاح الإعلامي، وضد العدو المتوقع في ظروف الصراعات
العسكرية على مختلف المجالات والمستويات، حتى في زمن السلم. ويشمل الإطارين
الإستراتيجي والعملياتي التكتيكي، وصولاً إلى أرض المعركة. وأن الاهتمام منصب الآن
على مواضيع تتعلق بحماية المجال الإعلامي الخاص بتلك الدول من تأثير استخدام
السلاح الإعلامي من قبل دول معادية، تفادياً لتأثير الحرب غير المعلنة في المجال
الإعلامي. كما وبات معروفاً أيضاً من أن بعض الدول التي تقوم فعلاً بشن الحرب
الإعلامية، أو شنتها قد أدخلت السلاح الإعلامي فعلاً في نظمها العسكرية وتقوم
بإعداد وحدات عسكرية خاصة مدربة ومدعومة بالمتخصصين في هذا المجال الهام، للقيام
بالعمليات الإعلامية الهجومية كأداة من أدوات الصراع الأخرى لتحقيق النصر العسكري
الحاسم على العدو. ويعتبر المهتمون بالمشكلة أن الستار قد انكشف فعلاً عن استخدم
السلاح الإعلامي عملياً في الحروب الأهلية الجارية هنا وهناك، وفي الصراع على
السلطة في معظم دول العالم، وفي الصراعات القومية والعرقية والدينية وهي سمة من
سمات الحقبة الأخيرة من القرن العشرين. وأن الأسلحة الإعلامية أظهرت مقدراتها
الفريدة على أرض المعركة وتأثيرها النفسي والمادي والمعنوي سواء في وقت السلم أو
في وقت الحرب، وتجاوزها عملياً لكافة الحدود الوطنية والسياسية والجغرافية دون
اعتراف لا باستقلال ولا بسيادة تلك الدول.
السلاح
الإعلامي كأداة من أدوات إدارة الصراع
ومن
خلال الصراعات الداخلية الأخيرة والهامة، أكتشف المراقبون أنها تتم ومع الأسف
بمساعدة ودعم كبيرين من الخارج. لنستشف من ذلك أن تلك الصراعات لم تنجو من استخدام
بعض الوسائل الحديثة في الصراع ضمن المجال الإعلامي، والتي يمكن اعتبارها أسلحة
إعلامية. وأصبح واضحاً: أن وقت الأشكال التقليدية من "التخريب
الإيديولوجي"، و"عمليات الاختراق الفكري"، و"الحرب
النفسية"، قد ذهبت، لتحل محلها الوسائل الحديثة، وعلى مستوى جديد من التأثير.
وأن مستوى استخدام تلك الوسائل قد ارتفع بشكل لا يوصف. إذ لا يمكن مقارنة الخطابة
أمام حشد من الجمهور يمكن تفريقه، أو مقالة في صحيفة يمكن مصادرتها، أو برنامج
إذاعي مسموع أو مرئي يمكن التشويش عليه، مع سرعة انتشار المعلومات في كل أنحاء
العالم، أو اختفاء تلك المعلومات مباشرة وبسرعة هائلة من كل أنحاء العالم، عبر
شبكات الحاسب الآلي وأشهرها شبكة "الإنترنيت" العالمية، وهي معلومات
أصبحت اليوم مزودة بالصورة، والتسجيلات المرئية والمسموعة. وكلها يمكن أن تعادل
بفعاليتها الأسلحة الإعلامية، التي يهدف من استخدامها أن تكون فوق القوميات، وفوق
الدول، وثبت عملياً أن في كل أنواع "الحروب الإعلامية الأهلية" وبشكل
غير مباشر هناك قوة ثالثة، وضعت ضمن أهدافها الحيوية الاختراق وتخطي الحدود إلى داخل
ضمير تلك المجتمعات الضحية. وظهر ذلك جلياً خلال عام 1999 عندما استخدمت أراض
الغير لإدارة هذا النوع من الصراعات كما حدث في العراق (مرحلة ما بعد حرب تحرير
الكويت، وحرب احتلال العراق)، وإندونيسيا (تيمور الشرقية)، وجمهورية إشكيريا
(الشيشان) وفي يوغوسلافيا. فعلى مثال يوغوسلافيا انكشفت محاولات توريط الإتحاد
الدولي للاتصالات الإلكترونية من خلال مبادرة الأمم المتحدة في كوسوفو، وقرار
تحديد نهايات الأقنية المستقلة للاتصالات التلفونية والاستيلاء على الرمز الدولي
لتلك الدولة، وكان من الممكن أن يبقى ذلك الإجراء شبه مجهول لو لم يعلن. ومثل تلك
الخطوة يمكن اعتبارها بالكامل جهوداً إضافية، الهدف منها عزل الأقنية الإعلامية
للخصم وبالتالي الحد من تأثيرها وإخراجها من معادلة الصراع. ومثال أدوات الصراع من
أجل استقلال تيمور الشرقية، قيام منظمة East Timor
campaign""
مباشرة بعد الاقتراع على استقلال المحافظة الإندونيسية السابقة تلك، ومن أراضي
إسبانيا، والبرتغال، وفرنسا، بهجوم كاسح استهدف المواقع الحكومية الإندونيسية في
شبكة الإنترنيت العالمية، خربت بنتيجتها صفحات WEB، الخاصة ليس بالحكومة
وحدها، بل وصفحات المنظمات الإندونيسية، وأطلقت فيروسات كمبيوتر جديدة، بدأت
بالعمل مباشرة للقضاء على المواقع الإعلامية الإندونيسية في شبكات الكمبيوتر
العالمية. ولا يمكن أن تعتبر تلك العملية الإعلامية المنفذة من أراضي دول أوروبية
بعيدة جداً عن جنوب شرق آسيا، إلا حقيقة تثبت "لا حدودية" استخدام
الأسلحة الإعلامية، ومثالاً لاستخدامات الأسلحة الإعلامية بشكل مباشر من أجل
الوصول إلى أهداف سياسية داخلية محددة رغم البعد الجغرافي الشاسع بين المؤثر
والمتأثر من استخدام السلاح الإعلامي. وفي الصراع الدائر بين قوات الحكومة
الإشكيرية المتطلعة للاستقلال عن الإتحاد الروسي، والمقاتلين الشيشان من جهة،
والقوات الفيدرالية الروسية من جهة أخرى على الأرض الشيشانية، فنرى أن الأسلحة
الإعلامية لم تبقى جانباً فقد استخدم المقاتلون الشيشان مختلف وسائل الإعلام
المتاحة لهم، وكانت صفحات الإنترنيت واحدة من ساحات القتال من أجل "استقلال
إشكيريا". وفي الحالة العراقية عندما أجبرت الحكومة العراقية على إغلاق
مواقعها في الإنترنيت بعد أن تم التسلل إليها، وتغيير مضمونها لصالح المعارضة
العراقية، وفق النبأ الذي أذاعته إذاعة صوت العراق الحر من براغ يوم 3/6/2000.
هذا
إن لم نتحدث عن العزل الإعلامي والتعتيم الإعلامي شبه الكامل، من قبل وسائل
الإعلام الدولية المؤثرة والتي هي فوق الدول، لرأي الجانب العربي في الصراع الدائر
من أجل تحقيق سلام عادل وحقيقي بين العرب وإسرائيل، والاستعاضة عنه بإبراز رأي
أحادي الجانب مؤيد لإسرائيل فقط. مما يوحي بخلق رأي عام دولي متحيز أحادي الجانب
يشوه الحقائق وينصر المعتدي على الضحية، الأمر الذي أدى إلى حرمان المعتدى عليه
ضمن إطار هذا الوضع غير الطبيعي من التعبير عن رأيه عالمياً. ناهيك عن الحرب
الإعلامية غير المعلنة من الخارج لإشعال نار الفتنة وتفعيل الخلافات العربية
العربية، والعربية مع دول الجوار الإقليمي. وهي أحادية الجانب ولا تواجه أية
مقاومة تذكر لضعف أدوات وفعاليات الإعلام العربي الدولي حالياً على الأقل. ولابد
أن تلك الصورة هي التي أثرت بشكل نهائي على تقدير المشكلة بالكامل من قبل دول
العالم الأقل تطوراً. وهي التي أدت إلى تغيير مواقف الكثير منها بشكل جذري عما كان
في السابق. وظهر هذا من خلال مؤتمر جينيف حول الأمن الإعلامي الذي انعقد في
آب/أغسطس 1999، والذي نظمه معهد الأمم المتحدة لمشاكل نزع السلاح (يونيدير)،
وإدارة قضية نزع السلاح في الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، من ضمن إطار
إجراءات تطبيق القرار 53/70 للهيئة العامة للأمم المتحدة. وشارك في المؤتمر ممثلين
عن أكثر من 50 بلداً، من بينهم كل اللاعبين الأساسيين على ساحة تكنولوجيا الإعلام
الدولية المتقدمة، مما سمح برفع مستوى نتائجه، ولو في إثارة المشكلة على مستوى
عالمي بعد أن كانت حصراً بلقاءآت المتخصصين.
وفي النهاية لابد من التنويه إلى أن الصراع الدائر على
الأراضي السورية واستخدمت فيه حتى اليوم كل صنوف الأسلحة الحديثة ولم يبقى سوى
استخدام القنابل الذرية المدمرة التي تشير المراجع إلى أن إسرائيل تملكها أيضاً،
ولكن صمود الجيش العربي السوري ومقاومته لقوى الهجمة الأممية الموجهة ضد سورية
قيادة وشعباً ومقدرات، قد أفشل الكثير من الخطط وحال دون النهاية
الإفتراضية للعمليات العسكرية وهي 22/1/2012 والنهاية الأفتراضية الثانية
26/1/2012 وأن الأوضاع باتت تشكل
تهديداً بانتقال الصراع إلى الدول المجاورة خاصة، وإلى الدول التي جند منها
المرتزقة للحرب الدائرة على الأرض السورية، بعد أن أخذوا يغادرون سورية اليوم
عائدين إلى أوطانهم الأصلية.
الصراع على المصالح
خاصة
وأن تركيا، وقطر، وإسرائيل، والإخوان، يجيدون لعبة المصالح وقد يتساءل البعض: كيف
للإخوان المسلمين أن يعقدوا صفقات مع أعدائهم التاريخيين:
أميركا، وإسرائيل؟ والإجابة ببساطة: مثلما عقدت قطر صفقات مع الأميركان
والإسرائيليين رغم إعلامها "الموطن، الجزيرة" العدائي لهما. وتطالعنا
أدبيات المفكرين في حقل "النظرية السياسية" أو "الفلسفة السياسية"
أن النظم
السياسية، رغم تنوعها بتنوع الحضارات والثقافات والشعوب، تنقسم إلى قسمين
لا ثالث لهما، إما نظام سياسي محافظ، وإما نظام سياسي ثوري، وكلاهما يسعى
إلى بلوغ غاية واحدة لها تجليات شتى، فأما الغاية فهي "المصلحة"
أيا كانت مصلحة
فرد أو طائفة أو أمة، وأما التجليات فتتمثل في آليات الوصول إلى هذه المصالح
التي تتخذ في الغالب الأعم صورة السعي إلى بلوغ السعادة، فكل النظم السياسية
تسعى إلى "السعادة" بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي والإنساني
عموما، بمعنى
أن النظام المحافظ إنما يحافظ على الوضع القائم بحجة أن في ذلك استقرار وفرصة
سانحة لنيل السعادة والرخاء والاصلاح المطلوب. أما النظم الثورية فترى أن
التغيير هو السبيل الأمثل والوحيد لنيل السعادة المرجوة.
وإنطلاقا
من هذا التوصيف المبسط والمختصر، تم الاصطلاح على أن "السياسة" هي
"فن الممكن"،
أما الرؤى السياسية للشعراء والفنانين والفلاسفة أصحاب المشروعات اليوتوبية
هي "فن المستحيل"، لأن الفريق الأول يسعى إلى بلوغ ما هو ممكن على
أرض الواقع والمحدد من منطلقاته وآفاقه بما يمكن أن يتم تحقيقه في عالم الواقع
وبالتالي يرتبط عضويا بفكرة "المصلحة". أما أحلام الفلاسفة
والشعراء السياسية
إنما هي أحلام مستحيلة ليس بمعنى تقني، أي استحالة صنع هذه الأحلام، وإنما
بمعنى ارتباطه أكثر بالحلم البشري الذي ينشد الأفضل دائما ومن ثم فكلما تحققت
إمكانية ما يكون هناك شغف إنساني لتحقيق ما هو أفضل من ذلك، أي عدم توقف رغبة
الحلم البشري في الكفاح من أجل بلوغ أفضل الممكنات والتي تظهر دائما في أفق
الواقع مثل السراب أحيانا، وكلما بلغه الإنسان أدرك أنه لم يبلغ شيئا.
وبعيدا
عن إيجابيات أو سلبيات هذه الرؤية أو تلك، نحاول قراءة المشهد السياسي العربي
الإقليمي في ظل ثورات "الربيع العربي" إن صح التعبير، والتي
دعمتها أطراف وانتقدتها أطراف أخرى
خلال الأعوام المنصرمة.
وظهرت على الساحة العربية
والإقليمية مجموعة من الأطراف باتت أيقونات ثابتة وهي:
الدول العربية، إيران، إسرائيل، أميركا، تركيا، الإخوان المسلمين، فضلا عن
قطر (قناة الجزيرة
الموطنة فيها) التي كانت بمثابة الأيقونة الإعلامية التي دعمت
معظم مشروعات الربيع العربي!
ولكن
في هذا التحليل المختصر سوف نركز اهتمامنا على أطراف ثلاثة وهي: قطر، إسرائيل،
تركيا، ومن خلفهما جميعا جماعة "الإخوان المسلمين" باعتبارها الخلفية الرئيسية
لهذه الأيقونات الثلاث.
العالم
العربي ساحة صهيل الجياد التركية الجديدة
بعد
أن هرمت الدولة العثمانية، آخر معاقل الخلافة الإسلامية في العالم الإسلامي،
وأصبحت كهلا
عجوزا ومريضا سقط سريعا في أولى حروب العالم العالمية، ظهر الزعيم التركي الراحل
كمال أتاتورك كإصلاحي سياسي سعى إلى إصلاح بلاده ليس من خلال الدين والخلافة
وإنما من خلال النقيض لذلك تماما، وأعلن، كما هو معروف، في عام 1924
عن سقوط دولة الخلافة الإسلامية وقيام الجمهورية التركية
"العلمانية" التي فصلت بين الدين
والدولة، ولم تمر سنوات إلا وظهر في مصر الإمام حسن البنا ليعلن عن تكوين
جماعة الإخوان المسلمين في نهايات العقد الثالث من القرن العشرين، مؤكداً في
رسائله المنشورة وآرائه وتصريحاته أن الهدف الأساسي هو استعادة الخلافة التي
أسقطها أتاتورك "العلماني"، وبذلك دشن البنا أول صراع
رسمي بين الإسلاميين
والعلمانيين "أو الليبراليين" في العالم العربي والإسلامي.
وبعد
سنوات ظهر نجم الدين أربكان رئيساً للوزراء في تركيا وكان صاحب مرجعية إسلامية
"إخوانية" رغم نفي الإخوان أنفسهم لذلك، ودخل أربكان في صراع
طويل مع المؤسسة
العسكرية التركية، انتهت بهزيمته في بواكير العقد الأول من القرن الواحد
والعشرين، غير أن رئيس بلدية إسطنبول استطاع أن يتسلم الراية من أربكان ويواصل
المسيرة بكل نجاح. إنه رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي
وزعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم.
تسلم
أردوغان الحكومة وبلاده تعاني من أزمات مختلفة على الصعيد الاقتصادي والسياسي،
ولكنه في غضون سنوات قليلة تمكن من تنمية الاقتصاد ووضع تركيا في مصاف
الدول الكبرى ومن حينها تفرغ لكي يصول ويجول كما لو كان فارسا قديما يسعى إلى
إحراز البطولات التي تسلب أفئدة الجماهير، ولم يجد أردوغان ميدانا أرحب ولا
أنسب من ميدان الدول العربية الفارغة من الفرسان.
غير
أن هذه الصولات والجولات التي قام بها السيد أردوغان إنما هي صولات سياسية بالمعنى
"المحافظ" الذي يسعى إلى الحفاظ على الوضع القائم حتى وإن أعلن
هو أو
أظهرت صولاته وجولاته عكس ذلك، أو هو على الأقل يسعى إلى التغيير الذي يصل
به إلى "الممكن" بكل ما لهذا الممكن من علاقات وثيقة بـ "المصلحة": مصلحة تركيا أو مصلحة الإخوان المسلمين أو مصلحة الحلم التركي
باستعادة دولة الخلافة
الإسلامية مرة أخرى.
أردوغان
أحلام تغيب وأحلام تولد
ظلت
تركيا سنوات تلهث لهثا وراء الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وظل الأخير يدافع
باستماتة عن التصدي لهذا الانضمام، ويمكن القول باختصار أن جوهر الرفض كان
ومازال عقائديا مذهبيا، فتركيا حتى في نسختها العلمانية هي سليلة دولة
الخلافة الإسلامية، ولكن تركيا كانت على مدار سنوات تسعى بكل الطرق لإقناع الدول الأوروبية
بجدوى الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي، وربما كان هذا الحلم هو أحد أسباب
الإصلاح الاقتصادي، غير أن عائق الأصل العقائدي فضلا عن بعض المشكلات الأخرى
المتعلقة بحقوق الإنسان والتي لها أيضا جذور عقائدية هي السبب في رفض هذا الانضمام.
ونشير
هنا إلى مشكلتين أساسيتين باختصار شديد وهما:
-
مشكلة الأكراد ورفض تركيا الاعتراف
بهم كقومية مستقلة عن القومية التركية؛
-
ومشكلة الأرمن، والحديث التاريخي
عن المذابح التي ارتكبتها الدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى
في حق سكانها من الأرمن.
وفي
السنوات الأخيرة، وخاصة في فترة حكم أردوغان، تراجعت أحلام الانضمام
إلى الفيلق الأوروبي بعض الشيء، وعلى الأقل تحقق ذلك التراجع في التداول الإعلامي
الذي أرجأ أو تناسى أو همش هذه القضية، وكان ذلك لحساب صولات أردوغان الجديدة
في المنطقة العربية، وميلاد حلم جديد يمكن وصفه بأنه السعي إلى استعادة الدور
الإقليمي لتركيا ليس في أوروبا بالقطع وإنما في المنطقة العربية.
هذا
الحلم له خلفية إسلامية، هي دولة الخلافة الإسلامية، وله ظهير مساند هم الإخوان المسلمون،
وأمامه حائط صد هو إسرائيل، فكان على أردوغان كي ينشط هذا الحلم أن يزيد
من فاعلية الظهير المساند ويحاول أن يفتت حائط الصد، وكان على إسرائيل بوصفها
حائط الصد أن تبحث عن أوراق ضغط جديدة تعيق النشاط التركي فلم تجد إلا
خطايا تركيا التاريخية وخاصة مشكلة الأرمن.
العلاقات
التركية الإسرائيلية بين التألق والأفول
اعتمدت
تركيا العلمانية في محاولات نهضتها على سياسة حسن الجوار مع الدول المحيطة
وكان أهمها بلا شك إسرائيل فلم تدخر جهدا لتدعيم هذه العلاقة على كافة
المسارات الاقتصادية والعسكرية والسياسية، وانخرط أردوغان وحزبه في هذه العلاقة
على الأقل خلال ست سنوات من حكمه، فأردوغان الذي تولى الحكم في عام 2003
لم يصعد علاقته بإسرائيل في اتجاه التوتر إلا في
عام 2009 في مؤتمر دافوس العالمي
عندما هاجم الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز أمام الحضور وعلى الهواء بسبب
"غضبة" أردوغان على مسلمي غزة، والسؤال الذي لا يبحث عن إجابة: لماذا
انتظر رجب طيب أردوغان ست سنوات لكي يدين "بشاعة" الاحتلال الإسرائيلي
في فلسطين؟ هل توقفت هذه "البشاعة" ست سنوات قبل أن يدرك ذلك؟!
لقد كان موقف أردوغان في دافوس هو
بداية الحرب ليس على إسرائيل وإنما على المشروع
الغربي في صيغته العلمانية، وليس بشكل مطلق بالطبع، لأنه مازال بين تركيا
وأميركا علاقات وثيقة واستراتيجية حتى اللحظة الراهنة.
إلا
أن إسرائيل لم تقف مكتوفة الأدي، بل سعت هي الأخرى للرد على تركيا وعلى أحلامها،
فقامت بضرب اسطول الحرية وقتلت عددا من الأتراك واستمر التوتر السياسي والدبلوماسي
حتى انتهى إلى توتر بين تركيا وفرنسا، المناهض الأكبر لانضمام الدولة
العثمانية القديمة إلى الاتحاد الأوروبي.
تركيا
والعبء التاريخي
وتركيا
الإسلامية تعاني من مشكلتين رئيسيتين فيما يتعلق بحقوق الإنسان وكانتا الشماعة
الرئيسية التي علقت عليها أوروبا كل الحجج والمبررات التي رفضت من خلالها
انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي وهما مشكلتي الأكراد، والأرمن، وبعيدا عن التفاصيل
المغرقة في التحليلات التاريخية لهاتين المشكلتين يمكن القول أن وصول أردوغان
إلى الحكم أسهم في تقليص حالة الاحتقان إلى حدها الأدنى، غير أن المشكلتين
ظهرتا من جديد على السطح بتأثير ثورات الربيع العربي التي كانت وسيلة
تركيا لتحقيق الانتشار واستعادة أمجاد الماضي الإمبراطوري.
فعلى
الصعيد الكردي استغلت سوريا مشكلة الأكراد في تركيا وحالة الخلاف التاريخي
بين النظام السياسي الحاكم وبين حزب العمال الكردستاني وذلك بإثارة هذه
القضية مرة أخرى مما أدى إلى قيام أردوغان بنزع قناع التسامح والتعايش الذي
ارتداه في تعامله مع الأكراد ولم يتردد لحظة في قصف عشرات المواقع التابعة
لحزب العمال الكردستاني في تركيا دون أن يلجأ إلى الحوار أو سياسة الاحتواء التي اقتضتها
"المصلحة" في السنوات الماضية، ولكن بعد تأليب النظام السوري
للأكراد الأتراك
رأى أردوغان وحكومته أن "المصلحة" تستدعي وتوجب هذا القصف
والقتل، وبهذا
المعنى يكون أردوغان سياسيا بالمعنى الأصلي للكلمة، وليس هو بالفارس المنتظر
الذي يجعل الحق والعدل والخير مبدأه وغايته وإنما هي المصلحة التي تقتضيها
الظروف وانطلاقا من هذا المعنى نفسه كان موقفه من النظام السوري حيث كانت
تركيا هي الحاضنة الرئيسية للمجلس الوطني السوري الذي تشكل في أنقرة ولكنه
استبعد منه بشكل أساسي المكون الكردي والأرمني لأن حكومة جديدة في سوريا تعطي
مكانا واعترافا للأكراد من شأنه أن يفسح المجال لأكراد تركيا كي يطالبوا بما
رفضته الحكومات التركية خلال السنوات الماضية، ومن ثم فالسياسة التي اتبعها
أردوغان مع دعم الشعب السوري لا تخلو أبدا من فكرة المصلحة.
على
الصعيد الآخر ظهرت مشكلة الأرمن التي أثارتها فرنسا من خلال اصدار قانون يدين
المذابح التي ارتكبتها الدولة العثمانية في حق الأرمن وقتلت ما يزيد عن مليون
مواطن أرمني وشردت وهجرت ملايين آخرين، والسؤال: لماذا يصر الحزب الحاكم في
تركيا على عدم الاعتراف بهذه الجريمة التي أقرتها الأمم المتحدة رغم أن الاعتراف
قد يكون اعترافا أخلاقيا فقط، وليس سياسيا لأن الاعتراف إذا أدان أطراف
فسوف يدين طرفا أصبح كيانا تاريخيا ولا وجود له في الواقع؟
وربما
تكمن الإجابة في أن الخيط الذي يربط الدولة العثمانية بتركيا الحديثة أو تركيا
أردوغان مازال موجودا، إنه خيط الخلافة والدولة الإسلامية فإدانة أردوغان
للدولة العثمانية هو إدانة للمشروع الإسلامي الذي يسعى إلى استعادته.
فتركيا
عندما سعت إلى الانطلاق في ساحات الدول العربية إنما انطلقت على أساس الشعبية
التي حققها أردوغان بسبب مواقفه المعادية لإسرائيل واعتمد على علاقته القوية
مع الإخوان المسلمين في هذه الدول، ففي مصر التي زارها بعد الثورة التقى
بالإخوان المسلمين الذين باتوا يروجون للنموذج التركي واختاروا اسم حزبهم
"الحرية والعدالة" قريبا على مستوى الشكل اللفظي والإيقاعي لحزب أردوغان "العدالة
والتنمية" وفي سوريا كانت اللقاءات الرئيسية مع الإخوان المسلمين وقوات
المعارضة الخالية تماما من المكونات السورية غير السنية، ولا شك أن هذه المتغيرات
مضافاً
إليها العداء التركي الجديد لإسرائيل أثار قلق ومخاوف الإسرائيليين
فكان لا بد من إيجاد سبلاً جديدة للضغط على تركيا وذلك عبر محورين الأول
إثارة قضايا قديمة تمثل مشكلات وعبئا تاريخيا على تركيا وهو ما تمثل في مشكلة
مذابح الأرمن، والمحور الثاني محاولة سحب الثقل الإخواني من تركيا ووضعه في
منطقة أخرى تكون أكثر ولاء للمشروع الإسرائيلي والأميركي وهذا يعني بالتحديد
قطر.
قطر
وكر الإخوان الجديد بنكهة إسرائيلية أميركية
دون
اختلاف جوهري في الأسس والمبادئ استخدمت قطر فكرة المصلحة في السياسة تماما
مثل تركيا، فتركيا التي قدمت نفسها للعالم العربي باعتبارها نصير المظلومين
والمقهورين لم تتردد لحظة في قصف المعارضين لها، ولم تقبل أن تعترف بالمذابح
التي ارتكبتها مرجعيتها الدينية والتاريخية، كذلك فعلت قطر فعبر "قناة الجزيرة،
الموطنة" قدمت نفسها باعتبارها المدافع الأول عن القضية الفلسطينية والداعم الأكبر
للثورات العربية ولكنها تناست أو تجاهلت أنها صاحبة أكبر علاقات عربية مع
إسرائيل وأنها صاحبة أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط، فكيف يمكن فهم هذه
العلاقة المتناقضة: دولة تدافع عن فلسطين عبر إعلامها وفي نفس الوقت تقيم علاقات
متينة مع إسرائيل؟ إنها المصلحة ليس أكثر.
والحضور
الإخواني في قطر أبلغ من أن يتم الحديث عنه وهو له أصل تاريخي معروف وواضح،
بدأ منذ الضربات القاتلة التي وجهها الرئيس المصري الراحل جمال عبد
الناصر للإخوان المسلمين وأسفرت عن مغادرة عقول
إسلامية مصرية إلى قطر أشهرها
الشيخ يوسف القرضاوي حيث وجدوا في قطر أرضا خصبة لممارسة ونشر أفكارهم "الإصلاحية"
التي اتسمت في نهاية المطاف بطابعها الإخواني دون انتمائها رسميا للإخوان،
فالتحليل الأخير يشير إلى أن وجود جماعة الإخوان المسلمين في قطر ودول
الخليج ليس بنفس الشكل المنظم في الدول العربية الأخرى وهو ما يمكن ملاحظته
في إفصاح القرضاوي عن نفسه أو في موقف الجماعة منه فهو ليس إخوانياً ولكنه
بالنسبة للإخوان عالم جليل، والخلاصة أن الإخوان لم يكن لهم وجود على مدار
سنوات طويلة في قطر ولكن روحهم وفحوى فكرهم كانت هي الموجودة.
وبعد
ثورة الربيع العربي المصرية ظهر توجه جديد في قناة الجزيرة (الموطنه في قطر) أظهر
موالاة واضحة للإخوان المسلمين
في مصر وظهرت أحاديث وتقارير صادرة عن جهات رسمية عربية وغربية تشير إلى
صفقة بين الأخوان المسلمين وقطر، والولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل، على دعم
الربيع العربي.
وبعيداً
عن فكرة المؤامرة أو حلم التقسيم الغربي للعالم العربي، فإن الثابت أن الثورة
قامت في كثير من البلدان فلم يكن أمام إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، إلا
العمل على إيجاد
بديل قادر على مواصلة السير وفقا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وكان هذا
البديل من الضروري
أن يتمتع بقبول شعبي عربي، ولم يكن هناك بطبيعة الحال سوى الإخوان المسلمين
أصحاب الشعبية الأبرز في تاريخ الكفاح السياسي العربي، فوصل الإسلاميون
في تونس، وليبيا، ومصر، وحتى في المغرب التي لم تقم فيها ثورة إلى الحكم،
مما يشير إلى أن الولايات المتحدة باتت راضية عن هذا الخيار وكان عليها أن
تبحث عن موطن جديد يحتوي الإخوان ويضمن الولاء للولايات المتحدة وأمن إسرائيل
فلم يكن هناك أفضل من قطر.
فقطر
أكثر قرباً للعرب من تركيا، وأكثر اتباعاً للأميركان من تركيا، وأكثر نفوذاً عبر
إعلامها الموطن الناطق باللغة العربية للرأي العام العربي من تركيا، وفيها الشيخ القرضاوي
العالم الذي يحظى
بقبول شعبي وإسلامي كبير في العالم العربي باعتباره عالما وفقيها متنوراً ومعاصراً
عقلانياً وقادراً على وضع تشريعات فقهية تمهد الطريق أمام سيطرة الإخوان من
قطر التي تباركها إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية.
وقد
يتساءل البعض: كيف للإخوان المسلمين أن يعقدوا صفقات مع أعدائهم التاريخيين:
الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل؟ والإجابة ببساطة: مثلما عقدت قطر صفقات مع الولايات
المتحدة الأمريكية والإسرائيليين رغم إعلامها العدائي لهما، ومثلما أدانت تركيا
قتل الشعب
السوري وأباحت لنفسها قتل الأرمن، والأكراد، ومثلما شارك الإخوان المسلمون في
الثورة المصرية وتسللت قياداتهم خلسة للقاء عمر سليمان بينما المصريون وشباب
الإخوان قابعين في الميدان يطالبون بإسقاط مبارك وكل نظامه، والقاسم المشترك
في كل ذلك ليس إلا "المصلحة".
لعبة
المصلحة السياسية قد نفهمها ونقبل قواعدها أو نرفضها ولكن في نهاية الأمر لا
يجب أن ننخدع بها، ولا يجب التعامل مع كل من يجعل جواد المصلحة مطيته على أنه
فارس آخر الزمان، لأن التحليل الرصين والهادئ يثبت أن كل من يخوض العمل السياسي
في عصرنا الراهن لا يسعى إلا إلى تحقيق مصالحه، أما مصالح الضعفاء والمقهورين
فقد يتبناها هذا الطرف أو ذاك فقط لمجرد الوصول إلى السلطة وتحقيق مصالحه الخاصة.
خاصة وأن الشعب السوري أكد مراراً عن التفافه حول قيادته وجيشه الباسل.
بحث أعده أ.د. محمد البخاري: دكتوراه في العلوم
السياسية (DC) تخصص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم
الدولية وتطور العولمة، ودكتوراه فلسفة في الأدب
(PhD)، تخصص صحافة، بروفيسور متقاعد. طشقند
27/7/2014.