الثورة
المعلوماتية والعلاقات الدولية الراهنة
يحث للمشاركة في برنامج "مهارات
الاتصال الفعال" تنظيم أ.د. جمال الزوي
كتبه: أ. د. محمد البخاري: دكتوراه في
العلوم السياسية (DC)، تخصص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم
الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب (PhD)، تخصص صحافة. بروفيسور
متقاعد. مواطن سوري
مقيم في أوزبكستان
الثورة المعلوماتية
تعتبر ثورة تكنولوجيا الاتصال
والمعلوماتية والاستشعار عن بعد التي بدأت مع أولى خطوات الإنسان لغزو الفضاء
الكوني بإطلاقه أول قمر صناعي تابع للأرض عام 1957 من القوى الرئيسية الدافعة
للعولمة. لأنها كانت تتمة لمراحل النجاحات الاقتصادية في تاريخ الإنسانية منذ الثورة
الصناعية التي لم نزل نعيش نجاحاتها كل يوم، إلى أن أحدثت اكتشافات ثورية في مجال
الاتصال والمعلوماتية فاقت بقدراتها اختراع التلغراف في أواسط القرن التاسع عشر،
واختراع التلفون، والراديو، والسينماغراف في نهاية القرن التاسع عشر.
ليجيء بعدها اختراع التلفزيون، ليصبح
شعار القرن العشرين العمل على التطوير النوعي والكمي لوسائل الاتصال والإعلام
الجماهيرية، وهكذا تمكنت البشرية مع نهاية القرن العشرين من امتلاك أكثر من (2.5)
مليار جهاز استقبال إذاعي، وأكثر من (2) مليار جهاز استقبال تلفزيوني، وأكثر من (10)
آلاف صحيفة يومية .. إلخ.
وأخذ العالم بالفعل بالتحول حسبما توقع
م. ماكلوهين، إلى "قرية عالمية"،[1] حيث أصبح
كل سكان العالم تقريباً يتلقون في نفس الوقت نفس المعلومة. حتى تمكن (3.6) مليار
مشاهد، في نفس الوقت من مشاهدة افتتاح الألعاب الأولمبية في سيدني عام 2000،
والهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 عبر شاشات التلفزيون،
وهذا الرقم يمثل عملياً كل البالغين من سكان الأرض. وحتى أن حوالي 2 مليار مشاهد
من محبي كرة القدم أصبح بإمكانهم متابعة نهائيات كأس العالم بكرة القدم من مختلف
عواصم العالم.
وتدريجياً تحسنت نوعية مصادر المعلومات ووسائل
نقلها وحفظها واسترجاعها. وشهدت الحقبة الأخيرة من القرن العشرين ولادة عشرات
شبكات البث التلفزيوني الدولية كشبكة سي إن إن العالمية وغيرها، وشهدت ولوج شبكة
الانترنيت العالمية حيز الاستخدام الفعلي واسع النطاق. وتحول البث التلفزيوني إلى
أداة من أدوات العولمة. وأصبحت شبكة الانترنيت العالمية أشد تأثيراً في عالم
اليوم، وبعد أن كان عدد مستخدمي شبكة الإنترنيت في العالم عام 1993 حوالي (90) ألف
مستخدم قفز هذا الرقم ليصبح (580) مليون مستخدم في عام 2004 ويتنبأ البعض بأن يصل
هذا الرقم إلى مليار خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وهذا النمو
السريع لم تشهده أية وسيلة اتصال وإعلام جماهيرية في تاريخ الإنسانية أبداً.
واتجه التفاؤل نحو وسائل الاتصال الجماهيرية
بعد أن أصبح عدد الهواتف المحمولة يقدر بحوالي (800) مليون جهاز في العالم، وكلها
متصلة بشبكة الانترنيت عملياً، إضافة لمئات ملايين الهواتف العادية. ومع اتساع
استخدام وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية لوسائل النشر الإلكترونية الحديثة،
مثل شبكة الانترنيت، زاد إلى حد كبير إشباع الإنسانية بالمعلومات، وهو ما أصطلح على
تسميته بالمجتمع المعلوماتي الدولي أي دخول المعلومات والمعرفة عصر العولمة. الأمر
الذي تضاعفت معه كمية المعارف الإنسانية في سبعينات القرن العشرين، ولم تزل تلك
الزيادة مستمرة كل يوم حتى اليوم.
ويتوقع البعض أنه يجب
القيام بعمليات كثيرة من أجل تحقيق المهام المتعلقة بالنشاطات الإنسانية،
الاقتصادية والعلمية والفضائية والطبية وغيرها، رغم أن الآلة في الوقت الحاضر أمست
تكمل يد الإنسان، والكمبيوتر أمسى مكملاً لعقل الإنسان. ورغم أن العقل الإنساني هو
أرقى مخلوقات الله، فحسب بعض المعطيات العلمية يتضمن 10 مليار نيرون، كل منها لها
تقريباً ألف ارتباط مع غيرها من النيرونات ويمكنها القيام تقريباً بمأتي عملية في
الثانية. وعادة المعادن نصف الناقلة لا تستطيع أن تسبق العقل البشري. ولكن ظهرت
إمكانيات صنع أنواع جديدة من الخلايا الخازنة للكمبيوتر تتفوق مليون مرة على العقل
البشري من وجهة نظر التعامل والإمكانيات. وكان من المتوقع الانتهاء في عام 2003 من
صنع كمبيوتر يفوق بحجمه حجم ثلاجتين منزليتين تبلغ سرعته ألف تريليون (!!!) عملية
في الثانية. ليكون متفوقاً خمسة عشر مرة على 500 جهاز من أقوى الحاسبات الآلية
لعام 2000.
حتى أن الدول المتقدمة في العالم تجهز
نفسها للانتقال إلى المجتمع المعلوماتي. فالاتحاد الأوروبي أعد في عام 1999 إستراتيجية
"الرابطة المعلوماتية الأوروبية"، من أجل تجاوز التخلف عن الولايات
المتحدة الأمريكية في هذا المجال. ونجاح هائل حققته اليابان في هذا المجال، مما
مكنها من أن تصبح في الطليعة في هذا المجال (فمصطلح "المجتمع
المعلوماتي" ولد في اليابان). وسنغافورة أنهت برنامجاً لتعميم استخدام
الكمبيوتر في كل أنحاء البلاد لتتحول إلى "جزيرة المعرفة". ونجد هذا في السياسة
القومية للصين، والهند وجميع الدول المتقدمة. ففي الولايات المتحدة الأمريكية سيتم
الانتقال إلى المرحلة الحالية لما بعد المجتمع الصناعي إلى المجتمع المعلوماتي حتى
عام 2020. وعند ذلك سيشتغل 17 % من سكانها فقط في مجال الإنتاج المادي والباقي
بالأساس في مجال الخدمات المعلوماتية، والتعليم، والخدمات. وعمل 17% من السكان
سيؤمن الرخاء لكل الشعب الأمريكي، وتفوق الولايات المتحدة الأمريكية في العالم في
كل المجالات. وفي نفس الوقت المجتمع المعلوماتي يعتبر نقطة تحضيرية للانتقال إلى
عصر جديد، وهو مجتمع عصر الفضاء.
وأوصل التقدم الحثيث لتكنولوجيا
المعلوماتية والاتصال ولاستشعار عن بعد المتقدمة في السنوات الأخيرة إلى ظهور
مستقبل آخر لعملية الخطر، حصل على تسمية "الهوة الرقمية". والحديث هنا
يدور عن زيادة الهوة بين الأمم الغنية والفقيرة من حيث توفر وسائل الاتصال
والمعلوماتية.
و"الهوة الرقمية" عرفت من خلال
تواجد من (250) مليون كمبيوتر على الكرة الأرضية اليوم، 40 % في الولايات المتحدة
الأمريكية، ونفس الكمية تقريباً في الدول "السبع الكبرى" الأخرى، و20 %
فقط هي حصة (5.5) مليار إنسان. وحوالي ثلث مستخدمي الإنترنت في العالم اليوم يعيشون
في الولايات المتحدة الأمريكية، ونفس الكمية في أوروبا، وأقل قليلاً في اليابان،
وجنوب كوريا، وجنوب شرق آسيا، وأقل من 10% في دول العالم الأخرى. وللمقارنة في الولايات
المتحدة الأمريكية والسويد (600) هاتف لكل ألف نسمة، بينما في تشاد تلفون واحد لكل
ألف نسمة وهذا يظهر عملياً أن كامل المعلومات وكل الاكتشافات في هذا المجال مركز
في الدول التي يعيش فيها 15% من سكان الأرض (وهذا يعني "المليار
الذهبي")؛ في الوقت الذي يستطيع استخدامها 50 % من السكان، ليبقى 35 % (يعني
2 مليار إنسان) خارج هذه العملية. وعدم توفر شبكات الهاتف يفسر أسباب عدم تمكن
أكثر من نصف الكرة الأرضية من إجراء اتصال هاتفي عام 2000. والتفوق الهائل للغرب
في هذا المجال يشكل تهديداً ليس بتعميق الهوة بين الأغنياء والفقراء في العالم وحسب،
بل ويمهد لإساءة استخدام الساحة المعلوماتية من أجل العدوان، من خلال تحكمهم
وتوجيههم للحملات الإعلامية ولاستشعار عن بعد لتحقيق أهداف محددة لهم، فقد بدأ قصف
العراق، وقصف يوغسلافيا، والأمريكيين والأوروبيين يتابعون تلك الأحداث باهتمام على
شاشات التلفزيون، وكأنها من ألعاب الكمبيوتر.
مستقبل العلاقات الدولية
في مقارنة قام بها بعض المؤرخين ما بين
التنبؤات التي وضعها السياسيين عام 1900 أظهرت أن ما حدث فعلاً خلال قرن من الزمن،
أنهم لم يكونوا يتوقعون عملياً أي من الأحداث الهامة التي جرت خلال القرن العشرين،
لا الحرب العالميتين، ولا ثورة أكتوبر في روسيا وقيام الاشتراكية، ولا انهيار
النظم الاستعمارية العالمية. وأثبت أن التنبؤ في مجال التطور العالمي صعب جداً،
وهو أصعب من التنبؤ في مجال برامج الاستنساخ الطبية أو في مجال غزو الفضاء وانتقال
البشر إلى كواكب أخرى.
ومع ذلك فقد حاول البعض منطلقين من حقائق
العصر وضع سيناريوهات ممكنة للمستقبل، منها أنه:
من الممكن توقع مستقبل انفراد الولايات
المتحدة الأمريكية في مسعاها لفرض هيمنتها على العالم خلال السنوات العشرين
القادمة. لأن هذه الدولة مستمرة في المضي على طريق زيادة الهوة بينها وبين المجتمع
الدولي في مجالات العلاقات المالية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والحربية
والسياسية وغيرها، وخلال سنوات الفترة الرئاسية الأولى من حكم كلينتون (1992
– 1996) للولايات
المتحدة الأمريكية، ارتفع المؤشر الاقتصادي بحوالي 4% سنوياً في الدخل القومي، ونفسه
حدث للدخل القومي للاتحاد الألماني، وخلال الفترة الرئاسية الثانية لكلينتون (1996-2000)
زاد الدخل القومي الياباني، وتحدث الكثيرون عن "المعجزات الاقتصادية"
الأخرى، وفي الواقع أن المعجزة جرت في الولايات المتحدة الأمريكية.
لأن العولمة في ظروف القطب العالمي
الواحد تضايق الدول المستقلة الكبرى الأخرى، ولا تدعهم يسلمون بقيادة الولايات
المتحدة الأمريكية للعولمة. ولا يستبعد أن واشنطن كقائد ستقوم بتنفيذ خطة إستراتيجية
لإضعاف أو انهيار تلك الدول. وهنا أعتقد لابد من التذكير بما كتبه س. هنتنجتون: من
أن "النظام أحادى القطبية يبشر بقيام دولة عظمى واحدة، غياب الدول العظمى
وعدد كبير من الدول الصغيرة".[2] لنستنتج
أن دولاً كبيرة مثل روسيا، والصين، والهند غير مرغوبة للولايات المتحدة الأمريكية.
وهنا يبرز سؤال مهم كم يمكن أن تستمر حالة عالم القطب الواحد هذه ؟
وحاول الإجابة على السؤال الأكاديمي
الروسي ن. مويسييف معتمداً على قوانين الرياضيات مؤكداً عدم إمكانية الاحتفاظ بهذا
الوضع لفترة طويلة، لأن التاريخ أثبت أنه في كل مرة أدارت فيه قوة واحدة العالم ولم
يكن لها قوة معادلة انهارت كروما والإمبراطوريات الأخرى التي سيطرت على العالم
منفردة، وشبه هذا الوضع بكرسي يعتمد على قدم واحدة. وذكر أنه: "بعد التدمير
الإجرامي لمركز القوة الثاني (الاتحاد السوفييتي)، الذي قامت به جماعة صغيرة انهار
التوازن السلمي لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، ودمرت طبيعية تطور الأحداث
في عملية التفاعل الكوني، وأصبح كل شيء مرتبط بشكل جديد من القوة العسكرية"[3] وبدأت
تظهر مساعي واشنطن التي تعلم أنه لا يمكن الصمود طويلاً وحيدة، للحصول على مساندة
غرب أوروبا لتكون الشريك الاستراتيجي الأصغر. في الوقت الذي أخذت فيه بعض الدعوات
بالظهور داعية الغرب بالسعي لبناء تحالف أمريكي أطلسي من أجل تحقيق الاستقرار في
العالم.
وأدى تركيز مراكز القوة المالية
والاقتصادية والتجارية إلى تحول شرق وجنوب شرق آسيا إلى مركز لنصف الاقتصاد
العالمي المالي والتجاري والسكاني. وتوقع البعض أن تملك الصين حتى عام 2020 أكبر
اقتصاد عالمي، مشيرين إلى أن هذا لا يعني وزنها العسكري والسياسي فقط بل وبمستوى
الحياة في الصين الذي سيتفوق على نظيره في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وأن
الصين لن تترك واشنطن تتحكم بالعالم وحدها. وأن الهند بسكانها الـ 1.2 مليار نسمة ستصبح
الدولة الرابعة في عالم الاقتصاد.
ووفق توقعات البنك الدولي، ستبقى ضمن
الدول العشر الأكثر تتطوراً اقتصادياً في العالم حتى عام 2020 ثلاث دول غربية هي
الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، والبرازيل؛ والسبع الباقية في آسيا. رغم أن
التأثير المباشر على العلاقات الدولية خلال العشر سنوات القادمة سيبقى كما في
السابق متركزاً في ثلاث مراكز للقوة هي الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد
الأوروبي، واليابان، ومن المتوقع أن تنضم إليهم الصين والهند وأن تلعب روسيا
وحلفائها دور مركز الثقل على تطور الأحداث العالمية.
ومن تحليل لتوقعات المتخصصين الروس
والأجانب، يمكن أن نخرج بأن
العولمة:
ü
عززت
التشابك الاقتصادي والأمني لمختلف الدول، وتغيرت إلى حد بعيد الأجندة السياسية
الدولية، ورافقها تغيير لأفضليات مصالح الدول على الساحة الدولية وتبدلت إمكانيات
وسائل تنفيذ سياستهم الخارجية.
ü
وأن
مفهوم "قوة الدولة" تغير من الاعتماد على القوة العسكرية إلى الاعتماد
على تطوير الموارد المالية والاقتصادية والمعلوماتية والفكرية للدولة.
ü
وأن
دور اللاعبين الرئيسيين على الساحة الدولية تبدل من التحالفات والاتحادات العسكرية
والسياسية، إلى التحالفات والاتحادات التجارية والاقتصادية الإقليمية، والدولية
مثال: الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي، والرابطة
الاقتصادية "أوروآسيا"، ومجلس تعاون دول الخليج العربية، ومنظمة شنغهاي
للتعاون، وغيرها وتبقى في مقدمتها مجموعة "دول الثمانية الكبرى"، وهو ما
يعني تحول السياسة العالمية والدبلوماسية نحو الاقتصاد.
ü
وأن
العولمة كانت السبب في ارتفاع نسبة الوعي القومي بين سكان الكرة الأرضية، ويمكن أن
يؤدي هذ إلى ارتفاع عدد الدول المستقلة. خاصة وأن عدد الدول المستقلة كان (50)
دولة بعد الحرب العالمية الثانية، وأن منظمة الأمم المتحدة تضم في عضويتها الآن
192 دولة، مع إمكانية زيادة هذا العدد خلال السنوات القادمة، بسبب وجود أقليات
عرقية في أكثر من (100) دولة يزيد عدد أفراد كل جالية فيها عن المليون نسمة، مع إمكانية
انهيار تلك الدول وانقسامها إلى دول مستقلة، كما حدث في الاتحاد السوفييتي الذي
انقسم إلى خمسة عشر دولة مستقلة، ويوغوسلافيا التي انقسمت إلى عدة دول ولم يزل
الصراع قائماً بينها حتى الآن، وتشيكوسلوفاكيا التي انقسمت إلى دولتين مستقلتين، وإثيوبيا
التي انقسمت إلى دولتين مستقلتين، والسودان التي انقسمت إلى دولتين مستقلتين. وفي
أحسن الظروف يمكن قيام فيدراليات شبه مستقلة ذاتياً في بعض تلك الدول متعددة
القوميات، وهو ما تسعى إليه الدول العظمى وفي طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية
في الوقت الحاضر.[4]
ü
وأن
ارتفاع عدد الدول قد يؤدي إلى تراجع دور تلك الدول وشخصيتها ضمن الحدود الدولية
المعترف بها (كما يجري الآن في غرب أوروبا).
ü
وأنه
من المرجح زيادة الصراعات العرقية والحدودية.
ü
وإعلان
أكثر من (50) منطقة مناطق نزاع، بالإضافة إلى أكثر من (150) صراعاً على الحدود البحرية،
وأكثر من (30) جزيرة تقع ضمن مناطق النزاعات.
ü
وتوقع
انهيار دور المنظمات الدولية الحكومية بداية من منظمة الأمم المتحدة، وازدياد
تأثير المنظمات غير الحكومية، مثل: الخضر، وأطباء بلا حدود، وغيرها.
ü
ومطالبة
أغلبية الدول النامية بحق تقرير مصيرها مما سيعرض مبدأ عدم المساس بحدود الدولة ووحدة
أراضيها إلى خطر كبير، ولنتصور ماذا سيحدث لو أعلنت التيبت، ومنغوليا الداخلية،
وسينزيان حق تقرير المصير في جمهورية الصين الشعبية، أو إذا أعلنت كشمير حق تقرير
مصيرها في جمهورية الهند، أو إعلان السكان السود واللاتينيين في الولايات المتحدة
الأمريكية حق تقرير مصيرهم ؟
ü
وزيادة
خطر انتشار السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، وزيادة عدد الدول التي
تملك السلاح النووي بعد انضمام الهند وباكستان إلى تلك الدول إضافة لعشرات الدول
القريبة من امتلاك السلاح النووي.
ü
وتأثيرها
على العلاقات الدولية والعمل الدبلوماسي مع بداية القرن الحادي والعشرين حيث أخذت تظهر
مسائل عسكرية وسياسية على الخط الأول، ورافقتها أزمات عسكرية، ولقاءات قمة، غلبت
عليها مسائل التجارة الخارجية، والمالية، وحماية البيئة، والتبادل الإعلامي الدولي
وغيرها.
ü
وظهور
كتابات هنتيجتون س. الذي يتحدث في كتابه "تصادم الحضارات" عن الصراع بين
سبع حضارات قائمة حالياً في العالم، وبجيزينسكي ز. في كتابه "رقعة الشطرنج
العظمى" التي تدعو إلى هيمنة الولايات المتحدة على أوروبا وآسيا.
وبقيت المشكلة أمام روسيا تدور حول
التعامل مع العولمة، دون خلق مشكلة منها. والعمل على أن تتكامل روسيا مع العولمة
دون إلحاق خسائر بمصالحها القومية، خاصة وأنها تشغل المركز 15 في العالم من حيث عدد
أجهزة الكمبيوتر المستخدمة فعلاً، وتخلفها عن الدول الأوروبية بـ 8 مرات تقريباً
من حيث حصة الفرد من عدد أجهزة الكمبيوتر لكل ألف نسمة من السكان. ونسبة المشتغلين
في إنتاج المنتجات المعلوماتية وخدماتها (دون الاتصالات التلفزيونية) في روسيا لا
تزيد عن 1 %، بينما هي أكثر من 20 % في الدول المتقدمة.
في الوقت الذي يدعو فيه المتفائلون إلى عدم
التخوف، مذكرين بالإمكانيات الضخمة التي تملكها روسيا من ثروات طبيعية وبشرية
يمكنها إخراج روسيا من أزمتها الراهنة. وهو ما أعلنه رئيس الحكومة الروسية م.
كاسيانوف في المؤتمر الدولي لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الذي عقد في جوهانسبيرج بجنوب
إفريقيا وذكر أن روسيا تملك 25 % من احتياطي الثروات الباطنية. (12 % من الفحم، و13 % من النفط، و20 % من المياه
الصالحة للشرب، و20 % من الكوبالت، و27 % من الحديد، و30 % من النيكل، و35 % من
الغاز، و40 % من البلاتين) ولكنها كلها خامات، والأسواق الدولية تتقبل المنتجات
المتطورة الجاهزة، التي ننتج وتباع وهي غير كافية في روسيا. بالإضافة لمواجهتها بمنافسة
شديدة على صعيد الاقتصاد والتجارة الدولية. وهو ما يدفعها بإصرار للانضمام إلى
منظمة التجارة العالمية، لتسهيل خروجها إلى الأسواق الخارجية، وتبديل هياكل صادراتها.
وسعيها من خلال برنامج العشر سنوات للدخول في حلبة التقدم العلمي الاقتصادي الذي
تفرضه العولمة.
وعلى الرغم من امتلاك روسيا لصواريخ ذرية
قوية عابرة للقارات، والعضوية الدائمة في مجلس الأمن بمنظمة الأمم المتحدة، ومشاركتها
في مؤتمرات قمة الدول "الثمانية" المتطورة في العالم، ومشاركتها في
مؤتمرات الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، والرابطة الاقتصادية
"أوروآسيا"، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وغيرها إلا أنه هناك محاولات حثيثة
للتضييق عليها على صعيد السياسة الدولية، من أجل تهميش مصالحها الوطنية. حتى أن
عضو أكاديمية العلوم الروسية مويسييف ن. كان مضطراً للإعلان عن: أن الهدف
الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في السنوات القريبة التالية هو التضييق
على روسيا لإخراجها من بحر البلطيق (عن طريق قبول دول البلطيق في حلف الناتو) وإخراجها
من البحر الأسود (عن طريق استدراج أوكرانيا إلى حلف الناتو) وحصرها في المحيط
المتجمد الشمالي، وتحويلها إلى دولة بحرية شمالية. أو كما كتب بجيزينسكي ز.، إلى دولة
هامشية. وأن هذا الهدف مخفي تحت عبارات براقة عن الشراكة، وعن العلاقات الجديدة
بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو.
بينما نرى أن الدبلوماسيين، يفهمون أن
العولمة غيرت جوهر جدول أعمال السياسة الدولية، وأفضلياتها، ووسعت من إمكانيات
العمل المشترك لمختلف الدول، وفتحت الآفاق أمام المجتمع الدولي للتعاون متعدد
الأطراف. وأبرزت وزن "الدبلوماسية الاقتصادية"، التي رافقتها "الدبلوماسية
البيئية"، مع ازدياد أهمية "الدبلوماسية الشعبية"، و"دبلوماسية
التنمية" لحل مشاكل دول الجنوب الفقيرة.
الأمر الذي يدعو العالم إلى تشكيل منظومة
عالمية لمواجهة التهديدات والأخطار الجديدة، الناتجة عن العولمة في القرن الحادي
والعشرين. وهو ما دعى مجلس وزراء خارجية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بجلسته
التي عقدها بمدينة بورتو في بداية ديسمبر/كانون أول 2002 بمشاركة روسيا إلى إصدار
قرار لإعداد إستراتيجية تتعامل من خلالها المنظمة مع التهديدات الجديدة للأمن
والاستقرار في القرن الحادي والعشرين. وتبعته موافقة الهيئة العامة لمنظمة الأمم
المتحدة في منتصف ديسمبر/كانون أول 2002 على مشروع القرار الروسي "للتعامل مع
تهديدات وأخطار العولمة"، والنظر في إمكانية تشكيل نظام عالمي لمواجهة تلك
التهديدات والأخطار، على أن يتم دراستها وتقديم تقرير عنها للدورة التالية للهيئة
العامة لمنظمة الأمم المتحدة.
في الوقت الذي عاش فيه الوطن العربي ويعيش نكبة
ليست أقل من نكبة فلسطين عندما قامت القوات الأمريكية والبريطانية بتدمير البنية
التحتية للعراق واحتلاله، وهو الذي كان مهداً للحضارة العلمية والفنية والأدبية
للإنسانية، وهو الذي كان في العصر العباسي مركز العالم ومنارته وأداة تقدمه
العلمي والثقافي والحضاري، وهو الذي كان أحد أعمدة الوطن العربي المعاصر، وأحد
أهم البلدان النامية في حقبة ما بعد التحرر من الاستعمار الأوروبي. والاجتياحات
البربرية التي تستبيح من خلالها القوات الإسرائيلية بدعم كبير من الولايات المتحدة
الأمريكية وتدمر البنية التحتية لفلسطين ولبنان وتمارس القتل والتشريد واقتلاع شعبيهما
من مساكنهم وأرضهم على مرأى ومسمع من الدول العربية والإسلامية والعالم أجمع. حتى
أن مؤتمر روما في تموز/يوليو 2006 خرج بما معناه تفويض إسرائيل وإطلاق يدها لإبادة
ما تستطيع من الشعبين الفلسطيني واللبناني واستكمال تدمير بنيتهما التحتية
واقتصادهما بالكامل. إضافة للأوضاع الشاذة في ليبيا بعد قضاء التحالف الدولي على
السلطات الشرعية فيها، والحرب الكونية الدائرة على الأراضي السورية، والحرب المدمرة
الدائرة على الأراضي اليمينة.
وهذه النكبة ليست عربية فقط وإنما هي نكبة
للإنسانية وللنظام الدولي وللمنظمة الدولية التي تعتبر عنواناً له وهي الأمم
المتحدة التي لم تعبأ بها إسرائيل وحاميتها الولايات المتحدة الخارجة عن النظام
الدولي في الشأن الفلسطيني والعراقي، وغير عابئة بقرارات الأمم المتحدة بشأنهم، حتى
وصلت الأمور إلى قصف المقرات التابعة لهذه المنظمة الدولية في العراق ولبنان بالصواريخ،
وهدم تلك المقرات وقتل وجرح من كانوا فيها بما في ذلك الممثل الخاص للأمين العام
للأمم المتحدة في العراق لا لشيء إلا لتصريحه بأن الاحتلال الأمريكي للعراق مذل
وجارح للعراقيين. ولابد أن الهدف الأساسي من اجتياح العراق كان تحطيم البنية
الأساسية لقطاع البحث العلمي العراقي واعتقال كبار علمائه. ووقف الاختراق العلمي
الذي حققه العراقيون ويضمن القوة والمنعة للدول العربية ويضمن لها التقدم
الاقتصادي والقدرة علي المنافسة في الأسواق الدولية التي يتزايد انفتاحها بشكل
تدريجي في ظروف العولمة.
وللمقارنة نرى أن إسرائيل خصصت خلال الفترة الممتدة
من عام 1989 وحتى عام 2000 نحو 2.38% من دخلها القومي الإجمالي للبحث والتطوير
العلمي، في الوقت الذي خصصت
مصر أقل من 0.2% من ناتجها القومي للبحث والتطوير
العلمي، وسورية 0.18%، والإمارات العربية المتحدة 0.45%، والكويت 0.2%، والأردن
0.26%، أما بقية الدول العربية فلم يكن هناك أية مؤشرات عن إنفاقها على البحث
والتطوير العلمي.[5] وهذا أقل بكثير من المعدلات
الدولية المخصصة للإنفاق في هذا المجال، وأقل بكثير مما تنفقه إسرائيل العدو
المصيري للعرب التي أنفقت (3.8) مليار دولار أمريكي علي البحث والتطوير العلمي في
عام2002 فقط وهذا ضعف ما أنفقته الدول العربية مجتمعة في هذا المجال.[6]
بالإضافة إلى ترهل الأجهزة الإدارية المشرفة على البحث العلمي والتي تستنزف القسم
الأكبر من المخصصات الموجهة للبحث العلمي في موازنة الدولة في أغلب الدول العربية.
ومن مقارنة بسيطة ليس لثمار البحث العلمي
التطبيقية بل في مجال نشر المقالات العلمية في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي
والتقني فنرى أن الدول العربية مجتمعة نشرت خلال عام 1999 حوالي (3416) مقالة
وبحثاً علمياً، بينما نشرت إسرائيل وحدها (5025) بحثاً ومقالة علمية وهو ما
يساعدها على تبادل نتائج البحث العلمي المتكافئ نوعاً ما لتبادل المصالح في مجال
التطوير العلمي مع الدول المتقدمة، خاصة وأن إسرائيل استطاعت خلال عام 2001 تصدير
منتجات عالية التقنية بلغت قيمتها (7456) مليون دولار أمريكي، بينما بلغت صادرات
مصر من تلك المنتجات في ذلك العام نحو (12) مليون دولار أمريكي، وتونس (154) مليون
دولار أمريكي، واستوردت الدول العربية مجتمعة منتجات عالية التقنية بقيمة (314)
مليون دولار أمريكي.[7] وهذا يعني وبكل بساطة أن
الدول العربية ليست منتجة أو مستهلكة لمنتجات التقنية العالية وهذا الأمر لا يحتاج
لأي تعليق. ولكن لا بد من القول أن الدول العربية مجتمعة دون استثناء بحاجة لتطوير
مداخلها وتوجهاتها نحو البحث والتطوير العلمي والتكنولوجي ودخول عالم الاتصال والاستشعار
عن بعد والتكنولوجيا المتقدمة التي يفرضها دخول عالم اليوم عصر العولمة الشاملة
وتتطلب تفعيل مراكز البحث العلمي القائمة وترشيد عملها وإيجاد الناقص منها لتكامل
دائرة التعليم والإعلام والاتصال والبحث العلمي وإنتاج واستهلاك التكنولوجيا
المتقدمة في الوطن العربي.
وكمثال أورد الإعلام
الذي يعتبره البعض متفوقاً على الساحة العربية دون أي إشارة لمدى الخروقات الغربية
للساحة الإعلامية العربية العاجزة عن مخاطبة الساحة الإعلامية الخارجية، وعاجز عن
إيصال الخبر والصورة في موعدها دون تأخير وفق منطق مفهومها، وتفوق وسائل الاتصال
والتقنيات الرقمية والاستشعار عن بعد المتطورة المباشرة عبر الأقمار الصناعية التي
استخدمتها وسائل الإعلام الأمريكية لتغطية أخبار الأحداث الإرهابية التي وقعت عام
2001 في الولايات المتحدة الأمريكية والحرب التي يخوضها الجيش الأمريكي حتى الآن في
أفغانستان والعراق. وتطورت عمليات التغطية الإعلامية في
القرن الواحد والعشرين، لتصبح
غير معترفة لا بالحدود الجغرافية ولا بالحدود السياسية لدول العالم.
هذا إن لم نتطرق لبنوك المعلومات وطرق التعامل
معها وتدشين موقع الإعلام الجديد www.ekateb.net الذي اعتبره البعض أول موقع عربي متخصص في مجال
الإعلام الجديد ويجري تحديثه بصفة دورية بهدف تزويد الإعلاميين العرب بكل ما
يحتاجون معرفته عن الإعلام الجديد New Media، والتكنولوجيا المرتبطة
به ومدى تأثيرها على الصناعة التي يعملون بها سواء كانت إعلاماً مقروءاً أو مرئياً
أو مسموعاً. ولكن المصادر التي أشارت إليه لم تتحدث ولو تلميحاً لمصادر تلاك
المعلومات التي يحملها وسيحملها ومدى تأثيرها على الوعي العربي.
طشقند 8/7/2018
المراجع:
1.
أحمد
السيد النجار: على
ضوء خبرات نكبة العراق: التقدم العلمي ضرورة
للاستقلال والمنعة والتطور الاقتصادي. ملفات الأهرام. القاهرة: الأهرام، 22/8/2003.
2.
الإعلام
الجديد wwwekateb.net // الكويت: صحيفة القبس، 19 مايو 2003.
3.
إيفانوف
ي.س.: السياسة الخارجية لروسيا في عصر العولمة. مقالات وكلمات. موسكو: 2002.
(باللغة الروسية)
4.
أوتكين
أ.ي.: العولمة: التفاعل والجوهر. موسكو: 2001. (باللغة الروسية)
5.
كاشلوف
يو.: العلاقات الدولية والثورة المعلوماتية. موسكو: العلاقات الدولية، 1/2003.
(باللغة الروسية)
6.
أ.د. محمد البخاري: المجتمع
المعلوماتي وتداعيات العولمة.
دمشق: دار الدلفين للنشر الإلكتروني (DarDolphin Publishing)،
21/7/2006. http://dardolphin.com
7.
أ.د. محمد البخاري: التبادل
الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة
الروسية)
8.
أ.د. محمد البخاري: التفاعلات السياسية في وسائل الإعلام الجماهيرية.
مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية)
9.
أ.د. محمد البخاري: قضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات
الدولية المعاصرة. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية،
طشقند: مطبعة "بصمة" 2004. (باللغة الروسية)
10.
مويسييف
ن.ن.: أونيفيرسوم. المعلوماتية. المجتمع. موسكو: 2001. (باللغة الروسية)
11.
Huntington S., The Lonely Superpower. // “Foreign
Affairs”, March/April 1999.
12.
WorldBank, WorldDevelopmentIndicators2003,Table.5.12
[1] للمزيد أنظر: د. محمد البخاري: قضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة. مقرر
جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، طشقند: مطبعة
"بصمة" 2004. (280 صفحة، باللغة الروسية)
[3] مويسييف ن.ن.: أونيفيرسوم. المعلوماتية.
المجتمع. موسكو: 2001. ص 130. (باللغة الروسية)
[4] للمزيد أنظر: الخارطـة
الجديدة للشـرق الأوســط. صحيفة الوطن،
22/7/2006. عن موقع مجلة القوة العسكرية تموز 2006.
[6] أحمد السيد النجار: على ضوء خبرات نكبة
العراق: التقدم العلمي ضرورة للاستقلال والمنعة والتطور الاقتصادي. ملفات الأهرام. القاهرة: الأهرام، 22/8/2003.
[7] نفس المصدر السابق.