كتبها: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD اختصاص: صحافة. بروفيسور قسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية. بتاريخ 21/8/2012
سميت هذه
النظرية بنظرية الصحافة الحرة كونها تؤمن بالفرد أساساً، وتعتبر أن الفرد يولد وهو
مزود بحقوق طبيعية، وتؤمن وتفترض أن الفرد كائن عقلاني وأخلاقي وأن أخلاقيته تحدد
له ما يجب المحافظة عليه دون قانون، أي تمتعه بالحرية المطلقة في حياته، وآرائه،
والدعوة إلى العيش الكريم دون أي تدخل من السلطة، ويرى أصحاب هذه النظرية أن الفرد
أسمى من الحكومة، ومن الدولة، وأن الدولة هي وسيلة فقط، أو واسطة يمارس من خلالها
الفرد نشاطه، وحين تقف الدولة في وجهه عليه محاربة تلك القوة التي تمنع تحقيق
أهدافه التي يرغب الوصول إليها.
وقد ولدت هذه
النظرية من صلب نظرية السلطة المطلقة، والاستبداد العبودي للإنسان المتمثلة بسلطة
الكنيسة وطبقات معينة في المجتمع. وعانت بنتيجتها طبقات اجتماعية أخرى من الاضطهاد
السياسي والاقتصادي والنفسي وحتى الديني، وكان الظلم المتمثل بنظام الأقنان من
أقسى أنواع الظلم البشري، ولذلك تمتع النظام الحر أو الليبرالي في بعض التسميات،
بمسحة سحرية وكأنها تمنح الفرد ومن ثم المجتمع بكامله الديمقراطية الليبرالية
والتقدم بمعايير ذلك الزمن.
مبادئ النظرية
الحرة: وتعتمد نظرية الصحافة الحرة على مبدأين أساسيين هما:
- مبدأ الفردية؛
- ومبدأ
المنافسة.
ويرتبط هذان
المبدآن ارتباطاً وثيقاً بالنظريات الاقتصادية والسياسية. ويعتبران أن مبدأ
الفردية أو الحرية الفردية هي من المبادئ الواضحة في مفهوم النظرية الحرة ويرتكزان
أساساً على حرية النشاط الفردي في المجالات الاقتصادية والسياسية، كرد فعل لما ظل
سائداً لقرون طويلة من اضطهاد للفرد من قبل الإقطاع وناضل الرواد الأوائل لهذه
النظرية من أجل أن تظل الحكومات بمنأى عن التدخل في شؤون الأفراد ونشاطاتهم
الاقتصادية والفكرية وفي شؤون وسائل الاتصال والإعلام.
إيديولوجية
نظرية الصحافة الحرة: كان ظهور نظرية
الصحافة الحرة نتيجة للتطورات الفكرية والأحداث السياسية والاجتماعية التي مر بها
المجتمع الأوروبي، ومن أهم تلك الأحداث في التاريخ الأوروبي الحديث:
- اندلاع
الثورة الفرنسية عام 1789 التي أعلنت حقوق الإنسان وطرحت مبادئ كان لها تأثير كبير
في التاريخ الإنساني، وسمحت للفرد بالتحرر ومزاولة نشاطاته الاقتصادية والفكرية
دون أي نوع من أنواع التدخل من جانب الدولة.
واعتبرت الدولة
مسؤولة عن وظائف محددة هي:
- المحافظة على
القضاء والأمن في الداخل؛
- والدفاع عن
الوطن ضد أي اعتداء خارجي؛
- واحترام حقوق
المواطن في التفكير والعمل الاقتصادي والاجتماعي والفكري والسياسي.
وساعد ظهور
نظرية الحرية على ظهور الديمقراطيات الرأسمالية، ومن ثم ظهور الاحتكارات بأوسع
معانيها. وحقق مفهوم نظرية الحرية انتصارات كبيرة على صعيد المجتمع الأوروبي وعلى
صعيد الفرد فتوسع التعليم الذي لم يكن متيسراً كما هو معروف الآن قياساً بما تحقق
بعد زوال العهد الإقطاعي الاستبدادي، ومنح حق الانتخاب لأكثرية المواطنين ومنها حق
الفرد في ممارسة نشاطاته الاجتماعية، والتنافس للحصول على أكبر قدر ممكن من الربح
المادي، وزيادة الإنتاج مما حقق للمجتمعات الرفاهية والتقدم.
وظهر مفهوم
الحرية بادئ الأمر في أوساط الطبقة الوسطى في المجتمع الأوروبي، التي طالبت
بالحرية، وضمان حقوق الأكثرية في المجتمع. وتجلى هذا الأمر بالوضوح عندما تبنت
الحركات السياسية مبدأ المناشدة بالحرية.
وكان لظهور
الفيلسوف جون لوك أثراً كبيراً على تطوير نظرية الصحافة
الحرة، عندما قال: أن الشعب هو مصدر السلطات، وفسر هذا القول بأن الشعب يمكنه أن
يسحب السلطة متى شعر بأن الحكومة لا تعمل لصالحه.
وجاء جون ملتون عام 1644م ليقول: أن الحقيقة لا تضمن
لنفسها البقاء إلا إذا أتيحت لها الفرصة لأن تتقابل وجهاً لوجه مع غيرها من الحقائق
في طرح كامل وبحرية تامة.
بينما رأى جون راسكين: أن كل إنسان يسعى
لتنوير الآخرين لا إلى تضليلهم، ومن حقه أن ينشر كل ما يدور في عقله وما يختلج
ضميره سواء أكان في الموضوعات الحكومية أم في الموضوعات الخاصة.
أما جون ستيوارت فقال: أن من حق الفرد الناضج في المجتمع
أن يفكر ويتصرف كما يشاء مادام لا يؤذي أحداً بتفكيره أو تصرفه. وما دام هذا
التفكير والتصرف يؤديان إلى منفعة الآخرين.
وانتشرت هذه
الطروحات الفلسفية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وكانت ترمي في الأساس
إلى:
- تطبيق الحرية
بمعناها الواسع؛
- واحترام
الإنسانية وحفظ قيمة الفرد؛
- وضمان مستقبل
الفرد؛
- وتحقيق
الرفاهية والسعادة للمجتمع.
ولم تجد تلك
المبادئ طريقها إلى التطبيق الفعلي إلا في العقود الأخيرة من القرن العشرين في ظل
هيمنة الدول الصناعية المتقدمة وسيطرتها على الاقتصاد والسياسة ووسائل الاتصال ووسائل
الإعلام الجماهيرية.
نظرية الصحافة
الحرة ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية: لكل نظرية من
النظريات شكل معين ومفاهيم معينة تسيطر من خلالها على أساليب وأنماط الاتصال
والإعلام الجماهيري. وتنبع فلسفة الإعلام عادة من فلسفة الدولة، فالإعلام في نظرية
السلطة المطلقة هو إعلام استبدادي استعاضي، أي أن الدولة كما ذكرنا تحل محل الشعب
عن طريق كتابها وألسنتها الناطقة باسمها، ولا تسمح إطلاقاً إلا بما يراعي مصالحها
وتوجهاتها. إضافة لفرضها رقابة قسرية على وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
وقد أدى ظهور
نظرية الحرية إلى صراع تمثل بين المفهوم الغربي للحرية، والمفهوم السوفييتي
للحرية، إبان الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي الغربي الديمقراطي بقيادة
الولايات المتحدة الأمريكية، والشرقي الشيوعي بقيادة الإتحاد السوفييتي والخلاف
المطروح كان: أيّ المفهومين أصدق أو أقرب أو أنفع للفرد والمجتمع ؟ فكلا الجانبي
كانا يتهمان بعضهما البعض باضطهاد الإنسان واستغلاله وكل منهما كان يطرح أسلوبه
وأفكاره وفلسفته بين الجماهير ويروج لها بين الشعوب.
وقد سَخِرَ
الماركسيون من الحرية النظرية التي عرفها العالم الغربي عندما أعلن ستالين:
"إنه لا معنى مطلقاً للحرية بالنسبة للمتعطل عن العمل، ولا معنى للحرية
بالنسبة للجائع فإن الحرية لا توجد إلا عندما يختفي الاستغلال والتسول والخوف أو
يختفي شبح البطالة من المجتمع اختفاء تاماً". وهذا كلام واضح لا يحتاج إلى
تعليق. فالسخرية تبدو رافضة تماماً لهذه النظرية.
بينما أعلن
الغربيون أن صحافتهم تتمتع بالحرية المطلقة وأن الصحافة السوفييتية تنوء تحت وطأة
السلطة المطلقة، وأنها تخضع كل الخضوع للرقابة الحكومية أو رقابة الحزب الواحد.
بينما أعلن
السوفيت أن صحافتهم غير مأجورة كالصحافة الأمريكية التي اتهموها بأنها مأجورة، وأن
الصحافة السوفييتية ليست خاضعة لسيطرة رأس المال والاحتكار كما هو الحال في الغرب.
ووصفت الصحافة
الأمريكية نفسها بأنها صحافة الخبر وأنها تساير في ذلك التطور الصحفي في البلاد
المتقدمة وأنها قادرة على نشر الأخبار بسرعة فائقة، وأنها أقدر من سواها على تسلية
القارئ وإمتاعه وتزويده بالمعلومات النافعة.
وردت الصحافة
السوفييتية بأن السبق الصحفي في الأخبار وتسلية القراء لا يعتبران جزءاً من الخدمة
العامة التي تقدمها الصحافة الرشيدة للشعب كون خبر التسلية والترفيه كثيراً ما
يكون منافياً للشرف الصحفي وفق المفهوم السوفييتي.
وعلى العموم
فإن الغرب وضع الحرية في المرتبة الأولى والمسؤولية في المرتبة الثانية بينما
السوفييت قبل الانفتاح الغورباتشوفي في ثمانينات القرن العشرين كانوا يضعون
المسؤولية أمام الحزب الشيوعي أولاً والحرية بعد ذلك. وتغيرت الظروف والطروحات بعد
انهيار المنظومة الاشتراكية والإتحاد السوفييتي السابق، ولاحت تباشير الانفتاح على
المفهوم الغربي للحرية والديمقراطية في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية للدول
المستقلة التي قامت على أنقاض الإتحاد السوفييتي السابق، وأنقاض المنظومة
الاشتراكية السابقة التي كان يقودها وراحت تلك الدول تبحث عن مكان لها في النظام
العالمي الجديد، منفتحة على العالم بعد سنوات طويلة من العزلة والمواجهة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق