النظم السياسية ووسائل الإعلام
والاتصال الجماهيرية
لكل مجتمع من المجتمعات
نظامه السياسي الخاص به، ويشمل كل نظام آليات معينة تهدف تحقيق وظائف السلطة
السياسية كنظام اجتماعي متكامل. ومفهوم النظام السياسي هو من الأسس التي تعتمد
عليها العلوم السياسة في دراستها لجميع أوجه الحياة السياسية وتمييزها عن غيرها من
مكونات الحياة الاجتماعية في مجتمع معين، وتتفاعل تلك المكونات فيما بينها ضمن
المحيط الذي تتفاعل داخله لتكوِّن نتيجة لتفاعلها علاقات معينة تربط بين البنى
التي يتكون منها المجتمع الواحد.
والنظام السياسي عادة هو
مجموعة من المكونات المتتالية تجري بينها تفاعلات تشترك فيها كلها عبر تفاعلها مع
غيرها من المكونات التي تشكل تركيبة البنى الأساسية للمجتمع الواحد من اجتماعية
واقتصادية وفكرية وثقافية وتشريعية. وتعتمد درجة اتساع أي نظام سياسي على مدى
الحدود المشتركة ضمن الإطارات المتفق عليها سياسياً في نظام معين ملزم وواقعي وممكن
التطبيق. ويشمل هذا النظام التشريعات التي تركز على مدى فعالية القوانين النافذة
في حدود معينة، داخل نظام لا مركزي تطبق من خلاله تلك الحدود، والبرامج والقرارات
المتخذة على مختلف المستويات والأصعدة.
والنظام السياسي بمفهومه
الحديث أخذ بالتشكل في أواسط القرن العشرين، واعتبر تطوراُ منطقياً للعلوم
السياسية، وضرورة منطقية لوصف الحياة السياسية ومواقف النظم السياسية ومقارنتها مع
غيرها من النظم والمواقف. ولدراسة بعض نماذج النظم السياسية للوصول إلى تصور معين
عن المواقف السياسية وآليات أداء الوظيفة السياسية للنظام قيد البحث.
ويعتبر الأمريكيان د. استون، وغ. ألموند من واضعي أسس نظرية النظم السياسية.
ووضع الأمريكي د. استون، في
أعماله (النظام السياسي 1953)، و(حدود التحليل السياسي 1965)، و(التحليل المنهجي
للحياة السياسية 1965) مدخلاً لتحليل النظم السياسية، وتشمل: البرلمان والحكومة
والإدارة المحلية والأحزاب السياسية والهيئات الاجتماعية. واعتبر استون أن النظام السياسي، هو نظام لآليات
متطورة للضبط الذاتي التي تضبط التأثيرات الآتية من خارج النظام.
وتحتفظ النظم السياسية عادة
بمداخل معينة تعبر عن نفسها من خلال الطرق والوسائل التي ينعكس من خلالها وتعبر عن
نبضات التطور الاجتماعي، وتأتي تلك النبضات عادة على شكل مطالب اقتصادية واجتماعية
معينة، يطالب بها البعض ويؤيدها أو لا يؤيدها البعض الآخر داخل تركيبة المجتمع
الواحد. وتتشكل تلك المطالب عادة وتظهر من داخل الوسط الاجتماعي المحيط بدائرة
السلطة الحكومية، أو من داخل النظام السياسي السائد في المجتمع.
وتعبر الشرائح الاجتماعية
عن تأييدها للنظام السياسي عن طريق الالتزام بدفع الضرائب، وأداء الخدمة العسكرية
الإلزامية، والتقيد بالقوانين النافذة، والمشاركة الإيجابية والتصويت في
الانتخابات العامة، والتعاطف مع السلطات الحكومية وشعاراتها المطروحة على الرأي
العام.
وبغض النظر عن وجود أو عدم
وجود مطالب محددة لدى بعض الشرائح الاجتماعية فإن التأييد العام المعبر عنه من قبل
أكثرية الشرائح الاجتماعية، يصبح جزء من كيان النظام السياسي الذي يلتزم بأخذ
المطالب المطروحة بعين الاعتبار، بما يتفق ومصالح سائر التركيبة الاجتماعية،
وتلتزم السلطة الحكومية باتخاذ إجراءات معينة لا تخل بالمصالح الوطنية العليا
للدولة. كتلبية مطالب شريحة اجتماعية معينة بإعادة النظر بسلم الأجور المطبق
انطلاقاً من حاجات تلك الشريحة الاجتماعية على ضوء مجريات الأحداث والتطور
الاقتصادي والاجتماعي المحقق. ونتيجة لأداء النظم السياسية لوظيفتها يتحقق شكل
للقرار أو الفعل سياسي.
وهذا القرار والفعل يؤثر
بشكل معين على الوسط المحيط. والتأييد المقدم للنظام يرتفع في حال إذا كان هذا
القرار والفعل يتفقان مع المنتظر والمطلوب من قبل الشرائح والجماعات السكانية
الواسعة. ليتعزز استقرار النظام السياسي. وفي حال عدم تلبية القرار السياسي
المنتظر أو المطلوب بالكامل أو جزئياً يمكن حدوث نتائج سلبية تؤدي إلى ظهور مطالب
جديدة، يمكن أن تؤدي إلى أزمة جزئية أو كاملة للنظام السياسي. وفي هذه الحالة
تتكاثر في المجتمع أوضاع تهدد استقرار النظام السياسي.
وتشغل المطالب مكانة هامة
ضمن المعلومات المتنوعة الواردة للنظام والتي تظهر الخلفيات المنتظرة ومصالح
الناس. وقسمها إستون إلى مطالب توزيعية تتعلق بالرواتب
وأوقات العمل، وشروط الحصول على التعليم، والخدمات، ومطالب تنظيمية تتعلق بتوفير
الأمن للمجتمع، والتحكم بالسوق... إلخ، ومطالب اتصالية تتعلق بتقديم معلومات
سياسية، وإظهار القوة السياسية وغيرها.
النظام السياسي المنفتح: وتحت تأثير مجموعة كبيرة
من التأثيرات الآتية من الوسط المحيط يتخذ النظام السياسي القائم قرارات لتحقيق
الاستقرار الاجتماعي. وفي حال كانت تلك التأثيرات ضعيفة ولا يملك النظام السياسي
عنها معلومات كافية يمكن لهذه التأثيرات أن تدفع النظام السياسي لاتخاذ قرار
لمصلحة شريحة اجتماعية معينة وباتجاه واحد، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار والأوضاع
الاجتماعية. وقد يكون التأثير قوياً ومغرقاً بالمعلومات مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات
خاطئة تؤدي إلى ردود فعل من خارج النظام السياسي، مبنية على طبيعة السلطة السياسية
والمطالب الموجهة لها.
وتتكون ردود الفعل على
القرارات السياسية، من توزيع السلطات والقيم على شكل تقبل السكان أو عدم تقبلهم
لها. لأن القرارات السياسية هي شكل من أشكال توزيع السلطة للقيم. وخلافاً لإستون، يرى غ. ألموند أن للنظام السياسي تأثيرات متبادلة
كثيرة، نابعة عن التصرفات، الحكومية وغير الحكومية، ومن الضروري دراستها. ويذكر أن
أي نظام سياسي يملك تركيبته متعددة الوظائف الخاصة، وكل نظام سياسي يحقق أو يقوم
بنفس الوظائف المختلطة بالمعنى الثقافي. والخاصية الهامة تكمن في تعدد وظائف
النظام بغض النظر عن المبادئ المعلنة لتقسيم السلطة، لأن الكثير من الوظائف في
مختلف النظم السياسية غير مجزأة. وعلى سبيل المثال: تدخل البرلمان في السياسة
الحكومية المتبعة، والتدخل بنشاطات الحكومة والرئيس عن طريق إصدار القوانين وهو ما
يحدث في مختلف دول العالم. والخلط السياسي يكمن في مفهوم أنه لا يوجد سلطة خالصة،
لا إدارة رئاسية خالصة، ولا سلطة حكومية خالصة، ولا سلطة برلمانية خالصة.
ويتجاوز نموذج غ. ألموند بعض النقائص في نموذج د. إستون. ويراعي في نموذجه النواحي
السيكولوجية الفردية للتأثيرات السياسية المتبادلة، والنبضات الآتية ليس من الخارج
فقط، بل ومن الشريحة الحاكمة، ومن الحكومة. ويورد مثالاً عليها: "إقرار
الكثير من المسائل المتعلقة بمصالح ومطالب المواطنين أو استخدام القوة ضد بعض
الشرائح الاجتماعية، أو إتخاذ قرار لشن الحرب".
والحصول على المعلومات
اللازمة لاتخاذ القرار وفق غ.
ألموند، يأتي من تسييس المجتمع وتعبئة السكان، وتحليل المصالح القائمة، ودراسة
عملية تكامل المصالح، والاتصالات السياسية ضمن علاقات متبادلة بين مختلف القوى
السياسية.
والمعلومات الصادرة عن
السلطة هي وظائف تنبع من الأصول الموضوعية للنشاطات القانونية، وأداء السلطة
التنفيذية لنشاطاتها الحكومة، وإعطائها الصبغة القانونية، وعن المعلومات الناتجة
عن النشاطات العملية للحكومة من أجل تحقيق السياستين الداخلية والخارجية. وبهذا
الشكل يرتبط أداء وظائف النظم السياسية بدراسة المواقف وحساب أبعادها وخصائصها،
والقرار السياسي المطلوب لحل المشاكل المكتشفة.
وتركز هذه النماذج الانتباه
للمصالح المتشابكة داخل النظم، وتضارب وتوافق حسابات تلك المصالح من قبل الأنظمة.
وتميز تفاعل النظم السياسية المعاصرة مع برامجها المتنوعة. لأن النظام السياسي هو
نظام شامل لإدارة المجتمع، مرتبط بالعلاقات السياسية التي تضبط العلاقات المتبادلة
بين الجماعات الاجتماعية لتحقيق الاستقرار في المجتمع، والنظام الاجتماعي، واستخدام
السلطات الحكومية.
ويسمح مدخل التحليل السياسي بـ:
أولاً: تقديم الحياة
السياسية كنظام لتصرفات الناس، وتحديد آليات تأثير الفعاليات السياسية المؤثرة على
طبيعة المؤسسات السياسية وهياكلها؛
وثانياً: إعطاء المفهوم
السياسي ككيان موحد، وفتح المجالات لتحليل الطرق المتبعة للعمل المشترك مع الوسط
المحيط، والأجزاء المكونة للطبيعة الاقتصادية والثقافية والتركيبة الاجتماعية؛
وثالثاً: أنها واحدة من أهم
الوظائف السياسة الهادفة لتأمين الوحدة الوطنية، والحفاظ على لحمة التركيبة
الاجتماعية، وعدم تجاوز المداخلات والاختلافات الكثيرة، وتنوع الاتجاهات في مراحل
العمل.
ويمثل النظام السياسي وسائل
للتكامل الاجتماعي، ويتضمن تأثيرات متبادلة
للاختلافات الاجتماعية حول أداء وظيفة الأقسام الرئيسية للتركيبة الاجتماعية.
ويعكس مفهوم النظم السياسية وحدة جهتين سياسيتين هما: المنظمات والنشاطات، أي
الهياكل والأفعال.
وتأخذ أشكال التكامل مدخل
منظم توفر إمكانية التحليل المقارن لمختلف وجوه مفهوم النظم السياسية من:
- أشكال الحياة السياسية؛
- وتحديد مقاييس متفق عليها
لوصفها وتحليلها.
وتشكل النظم السياسية مرتبط
بتشكل العلاقات السياسية بالتدريج إلى جانب ملامح العلاقات السياسية الحقيقية
المتمثلة بـ:
أولاً: الارتباط المتبادل والثابت لمختلف
عناصر الحياة السياسية. وإذا
كان هذا الارتباط المتبادل غير موجود، يظهر وضع معاكس يهدد وحدة التنظيم، ويؤدي
إلى تحلل النظام، ويصبح المجتمع غير قابل للتكامل؛
ثانياً: تنظيم العلاقات السياسية، مع
توفير إمكانية تحقيق الاستقرار
والتطور. ومعناها تحقيق النظام
في المجتمع ليخدم الظروف اللازمة للإنتاج والتغييرات الهادفة في العلاقات
الاجتماعية. لأن الحياة السياسية ما هي إلا ظاهرة نشيطة متجددة تغيب عنها عناصر
انعدام النظام، ومخالفة العلاقات المتشكلة وأساليب ضبطها، لأن أي تطور مرتبط
بأشكال مغايرة للاستقرار تؤدي إلى انخفاض مستوى التفاعلات السياسية والاجتماعية
إلى الحد الذي يمكن معه ظهور تهديدات لأمن المواطنين.
وفي حال تقاعس السلطات
الحكومية عن أداء وظيفتها فإنها ستفقد تأييد المواطنين حتماً، ليبدأ البحث عن
بدائل، وكقاعدة عامة يتم العثور عليها. لأن الرد يأتي في ظروف صعبة، ويظهر شكلاً
جديداً لنظام ليس أفضل من سابقه وقد يكون أكثر خطراً منه؛
ثالثاً: للنظم السياسية أساس ثقافي يتمثل بالقيم الجماعية، والشعارات
السياسية، والقناعات، المتولدة
لدى أعضاء الجماعات السياسية. ويعكس
الوحدة وتكامل الأجواء السياسية الممكنة من خلال توفر علاقات معنوية معينة، يتمكن
الناس من خلالها فهم بعضهم بعضاً.
وتظهر الخبرة التاريخية أن
النظم السياسية، مهيأة للاستقرار لفترات طويلة ويتقاسم هذا الاستقرار أكثرية أعضاء
المجتمع، وهي موجودة في النظم التربوية. ومن الأمثلة على ذلك: الثقافة السياسية في
الولايات المتحدة الأمريكية التي تخدم قيم الحلم
الأمريكي، والإيمان بارتباط النجاح الفردي بالجهود والإمكانيات الخاصة،
وعلاقته ببلده المختار من قبل الله، وما توفره للإنسان من إمكانيات نادرة من أجل
تحقيق الذات، وهو موضوع معروف ويمكن قراءته على شعار الدولة في الولايات المتحدة
الأمريكية، نحن نؤمن بالله،
أي الرابطة بين الإيمان بالله والسياسة؛
رابعاً: وللنظم السياسية استجابات مشتركة لكل العناصر وضمنها
التأثيرات الخارجية. متمثلة
بالفاعلية المشتركة، والتعاون الذي يوفر للنظم السياسية إمكانية تعبئة الموارد
الضرورية بسرعة لحل المشاكل العامة المشتركة. وفي هذا المجال تعتمد مساعي الأجهزة
الحكومية على مساهمة المواطنين، وتستخدم تأييد المنظمات السياسية والاجتماعية
المتنوعة، والأحزاب للحصول على تأييد الرأي العام.
ومما سبق نرى أن فكرة
المدخل الأسلوبي لتحليل الحياة السياسية يتلخص في دراسات:
- النظم السياسية في إطار
النظم الأكثر اتساعاً؛
- والبنية التحتية للنظام
وعناصره.
ويسمح هذا المدخل بتحديد
المصطلحات، وتحديد مفاهيم النظريات السياسية وتحديد علاقاتها المشتركة. وارتباطات
النظام السياسي المفتوح، وما يعانيه من تأثيرات متنوعة تعتمد على حقائق التأثيرات
الداخلية والخارجية، تدرسها كلها العلوم السياسية.
والنظم السياسية المتنوعة
تملك آليات مختلفة لمقاومة التأثيرات الخارجية، والأزمات الداخلية، والتفاعلات
والتناقضات الناتجة عنها، ووجود النظم السياسية يعتمد على ضرورات تعديل السياسة،
والنظم. ووجوب حصر الاهتمامات السياسية بالشخصيات والأحزاب عند ظهور الأزمات،
وبطرق حصرها ضمن التفاعلات في المراحل المبكرة ليمكن ضبطها دون خسائر جدية.
هياكل النظم السياسية
ووظائفها: للهيئات الدينية ووسائل
الاتصال والإعلام الجماهيرية دور في السياسة يحدده
الباحثون في النظم السياسية بوظيفة تدخل في تركيبة النظم السياسية كهيآت، أو
منظمات، أو مؤسسات، لها:
- معايير قانونية وأخلاقية،
وتقاليد سياسية؛
- ووظيفية تأخذ أشكال
واتجاهات النشاطات السياسية التي تمارسها، مع اختلافات في التفاعلات السياسية،
وطرق وأساليب ممارستها للسلطة؛
- واتصالية تعمل على توحيد
العلاقات، وتعدد أشكال الاتصال المتبادل، كالاتصالات بين الأحزاب والحكومات، وبين
النظم السياسية والاقتصادية؛
- وأيديولوجية تتضمن
الأفكار التي تتبناها.
ونصادف في المراجع العلمية،
العربية والأجنبية، أربع مجموعات رئيسية لعناصر
النظام السياسي هي:
1) المنظمات السياسية؛
2) والعلاقات السياسية؛
3) والقواعد السياسية
الحقوقية والقانونية؛
4) والوعي والثقافة
السياسية.
والعناصر الرئيسية للنظم
السياسية في المجتمع وآلية أدائها الوظيفي ينعكس في دستور الدولة، وفي القوانين
التي تضبط مبادئ تشكل ونشاطات أجهزة السلطات الحكومية، وحقوق وواجبات المنظمات
والهيئات الاجتماعية والحكومية والحزبية والاقتصادية وغيرها.
وتعتبر المنظمات السياسية المكون الأكثر حيوية في النظام السياسي
في المجتمع. وتتم من خلالها النشاطات السياسية بأشكال منظمة وعمل مشترك، وتنضوي
تحت أهداف واحدة، وتضبطها قواعد خاصة، وحدوداً تصدرها الجماعات السياسية.
ويجري تحويل القوة
الأيديولوجية والأخلاقية إلى مادية عن طريق تلك التنظيمات، لتصبح الأفكار قواعد
للسلوك. وبذلك تصبح المنظمة السياسية أهم وسيلة لتشكيل الإرادة الموحدة. وفي هذه
الحالة تقيم الجماهير علاقات سياسية في تلك الدولة أو غيرها، وفي حال غياب
المنظمات السياسية اللازمة لتطور العلاقات السياسية، تأخذ دورها ووظائفها قوى أخرى
كالجيش، أو التركيبات القبلية، أو الجماعات الدينية.
وتسمى عملية تحويل الأفكار
إلى قواعد، والأساليب لتصرفات، ومبادئ لاستمرار المنظمات السياسية في الحياة
السياسية الشكل القانوني
للمؤسسات.
ومن خلال الشكل القانوني للمؤسسات يجري تأسيس منظمات سياسية في المجتمع.
أما القطيعة ورفض الأفكار والتنظيمات فتولد عملية عكسية ضد الشكل القانوني للمؤسسات،
وتتمثل بانهيار المنظمات السياسية، وازدياد الفجوة بين تصرفات الناس والأصول
القانونية التي تضبطها.
ومن الواضح أن العلاقة
عضوية بين السياسة والمؤسسات، والنشاطات السياسية متنوعة وتتم بأشكال منظمة،
وانهيارها يؤثر سلباً على السياسة. لأن النظام السياسي في المجتمع هو عبارة عن
تلاحم المنظمات والمؤسسات المعنية، لتقوم بوظائف معينة، ونتيجة لعملها المشترك
تتحقق السلطة السياسية في المجتمع.
ويتشكل النظام السياسي من: الحكومة، والأحزاب والمنظمات
والحركات الجماهيرية في المجتمع، ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، والهيئات
الدينية. والحكومة والأحزاب هي منظمات سياسية، وهذا يعني أنهم بشكل مباشر يؤدون
مهام السلطة السياسية بحجمها الكامل أو يسعون لأدائها، وجوهر نشاطهم يتجه نحو
تحقيق السلطة أو الصراع من أجل السلطة. وترتبط المنظمات السياسية بشكل غير مباشر
بعملية تحقيق السلطة السياسية، ولكن هذا ليس إلا واحداً من الاتجاهات الرئيسية
لوظيفتهم. لأن النقابات المهنية، والمنظمات السياسية، ومنظمات الشباب تسهم في
تحقيق السلطة السياسية إلى جانب الهيئات الرياضية، ومختلف التكتلات والحركات
الاجتماعية. وتجري عملية تسييسهم جميعاً في مراحل معينة من حياة البلاد عن طريق
دعم الهيئات الاجتماعية لمرشحين لعضوية البرلمان.
ووظيفة المنظمات السياسية
تتمثل بالنشاطات المنظمة التي تعكسها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التابعة
لها، وتسهم في معترك الحياة السياسية في المجتمع.
وفي الإطار القانوني يتم
قيد كل المنظمات السياسية، وتقوم الإدارات الحكومية بمراقبة وضبط نشاطها ضمن
الإطار القانوني العام.
وتعمل وسائل الاتصال
والإعلام الجماهيرية والهيآت الدينية في إطار النظام السياسي، بشكل متخصص جداً.
فوسائل الاتصال والإعلام
الجماهيرية: هي مؤسسات معقدة تتألف من أجهزة وعناصر
متعددة موجهة لإعلام السكان عما يجري داخل الدولة وما يجري حولها في العالم من
أحداث وظواهر. ويطلق على وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية صفة السلطة الرابعة، إلى جانب
السلطات الثلاثة الأخرى: التشريعية والتنفيذية والقضائية. وتوجه دورها السياسي
كمؤسسات مستقلة لتنتج الخبر السياسي، وتشكيل الرأي العام، وتقوم بالتأثير على
التفاعلات السياسية الجارية في المجتمع، وتوفر المصادر التربوية والثقافية
السياسية لأوسع الشرائح السكانية.
وفي الظروف المعاصرة تحظى
وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بتأثير فعال من خلال جملة حقائق تؤديها عبر
وظيفتها الاجتماعية ومن خلال التوجه إلى ساحة إعلامية محددة.
وتنبع التوجهات الوظيفية من
خلال مراعاة طبيعة الفئات العمرية، وطبيعة الحاجة المعنوية للساحات التي تتوجه
إليها. ولهذا تعتبر خصوصية أوضاعها في النظام السياسي للمجتمع موجهة وتعتبر وسائل
الاتصال والإعلام الجماهيرية من أجهزة المؤسسات الحكومية، والمنظمات الاجتماعية
الجماهيرية، والأحزاب السياسية.
وتتميز مضامين ووجهات نظر
وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية عن غيرها من مجالات العمل السياسي، لأنها تعمل
من خلال ما خصصت من أجله تحديداً. ولتطوير الفكر السياسي الموجه لأوسع ساحة
وتتناول المصالح الحياتية للجماهير.
وتوفر وسائل الاتصال
والإعلام الجماهيرية عملية تكامل الإدارة الاجتماعية والسياسية، وتشترك في إعداد
وإقرار القوانين، واتخاذ القرارات الحكومية والإدارية.
وتختار وسائل الاتصال
والإعلام الجماهيرية في مختلف النظم السياسية المعلومات دائماً بشكل دقيق. وتحاول
إضفاء الشرعية على قرارات أجهزة السلطة السياسية وتراقب عملها بشتى الطرق المباشرة
وغير المباشرة، وهو ما يساعدها على تعزيز الواقعية في عملها. لأن المعلومات
الرسمية الآتية من الأعلى،
كقاعدة تتضمن غموضاً يفرض ضرورة تنويع مصادر وقنوات المعلومات. أما سيل المعلومات
الآتية من الأسفل، من خلال
القنوات غير الرسمية، فتحمل حقائق عن آراء الجماهير في موضوع معين.
ويتم التوحيد بين المعلومات
الآتية من الأعلى، والآتية من الأسفل من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
وكثيراً ما تعبر الحاجات السياسية عن نفسها على شكل ظواهر اجتماعية أو أوضاع نفسية
معينة. ويأخذ هذا الوضع باعتباره وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، التي ترفع من
مستوى الرأي العام أو على العكس تضعفه.
والسلطة تسعى دائماً
لمراقبة وضبط أداء وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. لأن من يسيطر على سير
المعلومات، يمكنه التأثير على الرأي العام، ويملك القدرة على تحديد إجراءات يتم من
خلالها توجيه تصرفات الجماهير.
ووسائل الإعلام الجماهيرية
في النظم الديمقراطية تعمل بشكل مستقل، وتوزع معلومات مهمة في المجتمع بشكل واسع،
وقد يكون لها طابع معارض نابع عن القوى السياسية القائمة.
وهناك الكثير من الأمثلة
منها أنه عندما أثارت مقالات في الصحف فضائح سياسية أدت إلى خلق أزمات، وحتى إلى
استقالة قادة سياسيين. أما في النظم الشمولية فتقوم وسائل الاتصال والإعلام
الجماهيرية بدور الرقيب على نشاطات الشخصيات الاجتماعية، والجماعات الاجتماعية
وحتى الأفراد لصالح النظام القائم.
وعلاقة وسائل الاتصال
والإعلام الجماهيرية بالدولة والحكومة، والقادة السياسيين والأحزاب متناقضة. لأنها
تلعب دوراً مهماً في الحد من استغلال السلطة وقيام الأوساط الحاكمة بأعمال سياسية
معينة، وفي فضح التجاوزات القانونية، والدفاع عن حقوق المواطنين من التصرفات
الحكومية غير المسؤولة.
وتضطر الأجهزة الحكومية
والقيادة السياسية لمنح وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية حرية واستقلالية معينة.
كي لا تفقد الأجهزة الحكومية والقيادات السياسية ثقة السكان.
ووسائل الاتصال والإعلام
الجماهيرية من جهتها كقاعدة تعزز شخصيتها كمصدر للمعلومات الحكومية الموجهة
للأوساط الاجتماعية ولأجهزة السلطة الحكومية.
وفي الوقت الحاضر تحولت
وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية إلى مجالات تجارية، تمتع بحريات حصلت عليها من
الدولة وخلصتها من الرقابة، وسمحت بتكتلها باتحادات إعلامية ضخمة.
ولكن بقيت لدى السلطة ولدى
رجال الأعمال إمكانيات واسعة للتأثير والضغط على وسائل الاتصال والإعلام
الجماهيرية عن طريق إعطاء المساعدات وتخصيص الإعلانات التجارية.
وهكذا بقيت وسائل الاتصال
والإعلام الجماهيرية جزءاً هاماً في النظام السياسي، تؤثر إلى حد كبير على تطورات
الحياة السياسية في المجتمع.
ويتضح دور الهيئات الدينية في النظم السياسية في العديد من دول
العالم، وتقوم به المنظمات الدينية في المجتمع، بسبب التفاف المؤمنين حول الأفكار
الدينية وأداءهم لعباداتهم الدينية الجماعة وخاصة في الأوقات العصيبة. والهيئات
الدينية كالكنيسة في الدول الغربية تملك إدارة مركزية لها نظامها الخاص ومبادئها
الأخلاقية والسلوكية الدينية، التي يخضع لها المؤمنين ورجال الدين على حد سواء.
وخلال قرون طويلة التقى
الدين والسياسة ببعضهما البعض. ولكن درجة وطبيعة تأثير العامل الديني على السياسة
كانت متفاوتة، لأن الدين كان ولم يزل موجوداً في التفاعلات السياسية والحركات
الجماهيرية كجوهر وليس كظاهرة. وهذا يفسر جوهر العلاقة بين الدين والسياسة.
ويعتمد الدين على جماهيريته
وكثرة أتباعه، وتكوينه لوعي الجماعات الدينية. وفي مراحل تاريخية معينة كان يشكل
الوعي الجماهيري، بمناطق جغرافية واسعة من العالم، وكان الوعي الديني الأكثر
انتشاراً بين الجماهير، وفي بعض الأحيان فاق كل أشكال الوعي الاجتماعي.
ولهذا عندما يدور الحديث عن
الدين يبقى السؤال المطروح ما هو مدى تعرض الجماعات البشرية للفكر الديني. لأن
السياسة أيضاً مرتبطة بجماعات غفيرة في أوساط السكان. ولأن الدين والسياسة ظاهرتان
لم تختلطا في الحياة الاجتماعية، بل على العكس كانتا دائماً محددتان بقنوات
تقليدية تتشابك من خلالها المفاهيم الدينية والسياسية.
وهنا يجب أن نشير إلى أنه
يجري اليوم البحث عن حداثة أكثر، ودقة أكثر للعلاقة بين الدين والسياسة، علاقة
تسمح بتعايش الدين والسياسة. وهذا البحث يحمل طبيعة متنوعة لأن المجددين من
المسيحيين يسعون لتحرير المسيحية من بعض الأفكار الجامدة، آخذين بعين الاعتبار
منجزات العلوم الحديثة. ليتمكنوا من مسايرة توجهات مختلف العبادات غير التقليدية،
والوعي الديني للمحافظ على البيئة الاجتماعية.
وهناك إلى جانب المنظمات
السياسية، في تركيبة النظام السياسي للمجتمع علاقات
سياسية. يحددها العمل
المشترك للجماعات الاجتماعية، والأفراد، والهيئات الاجتماعية من أجل بناء وإدارة
المجتمع.
ويمكن تقسيم جوهرها
الايجابي إلى مجموعات وهي:
المجموعة الأولى: وتتمثل بالعلاقة بين
الطبقات، والجماعات الكبيرة في المجتمع، وبين القوميات والدول. والعلاقات بين
الطبقات والجماعات، وداخل الطبقات، وبين القوميات التي تؤلف جوهر النظام السياسي
وتنعكس في ممارسات المنظمات السياسية وعلاقاتها المتبادلة.
والمجموعة الثانية:
وتتألف من العلاقات الشاقولية، التي تتراكم من خلال عمليات تحقيق السلطة السياسية،
تحت تأثير أجهزة السلطة المركزية والمحلية والقيادات والإدارات والتفاعلات
الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
والمجموعة الثالثة:
وتتألف من العلاقات السياسية التي يمكن أن تتضمن علاقات تتراكم بين المنظمات
والمؤسسات السياسية.
وتعتبر القواعد الحقوقية لممارسة السياسية العنصر الفاعل في النظم السياسية، وتتمثل بالدستور، والنظم الداخلية
وبرامج الأحزاب السياسية، والتقاليد السياسية والإجراءات التي تضبط التفاعلات
السياسية. وكلها تعتبر قاعدة أساسية، لأن الأنظمة السياسية تختلف عن بعضها البعض
كالشمولية وسلطة الحزب الواحد، وتعددية الآراء السياسية، ومبادئ وقواعد الممارسات
تختلف في النظم السياسية. والقواعد السياسية والقانونية الضابطة للعلاقات
السياسية، تعطي شكلاً منظماً، يحدد ما هو مرغوب فيه وما هو غير مرغوب فيه، والممكن
وغير الممكن من وجهة نظر النظم السياسية.
ومن خلال القواعد السياسية
والتشريعية يتم الاعتراف الرسمي بالمصادر السياسية. ومن خلال قواعد أجهزة السلطة
السياسية يجري الوصول للمجتمع ولأهداف الجماعات الاجتماعية، والأفراد. وتحدد
نماذجهم الخاصة للتصرفات وأسباب القرارات السياسية المتخذة من قبل قيادات
المشاركين في الحياة السياسية.
الخاتمة
وهكذا نرى أن الوعي السياسي والثقافة السياسية هما من ضمن العناصر المؤلفة للنظام
السياسي في المجتمع. ويعتبران
انعكاساً للمنافسات الاجتماعية والسياسية التي تصور التوجهات والقيم ومواقف
وأحاسيس ومنطق تفكير المشاركين في الحياة السياسية، والذي يؤثر تأثيراً كبيراً على
تصرفات حركتهم السياسية.
لهذا من المهم الأخذ
بالمشاعر السياسية للجماهير بعين الاعتبار من خلال التفاعلات الجارية بين قيادة
وإدارة المجتمع والمجتمع بحد ذاته، ووظائف النظم السياسية المتنوعة والمعقدة بسبب
ظروف الحياة السياسية. وتتمثل في:
تحديد أهداف ومهام المجتمع؛
وإعداد برامج حياتيه تتفق
مع مصالح الشرائح التي تدير المجتمع؛
وتعبئة إمكانيات المجتمع
بما يتفق وتلك المصالح؛
ومتابعة توزيع القيم
الاجتماعية.
وفي هذا المجال لابد من
تحديد وتحليل الصدامات الجارية بين مصالح الجماعات الاجتماعية، لتحقيق الوحدة
الاجتماعية بالكامل. لأن فقدان السيطرة عليها يحدد مصير النظام الاجتماعي، وتهدده
بالأزمات. ويبعد المجتمع عن الالتفاف حول الأهداف والقيم الاجتماعية والسياسية.
وتحقيق هذه الوظيفة ممكن من
خلال توفير إمكانيات متطورة للنظم السياسية لتجنب ظهور تناقضات داخل المجتمع،
وتجنب الصراعات، وإزالة الإضرار الاجتماعية.
وتحقيق نوع من الرقابة على
مجالات توزيع القيم الاجتماعية، التي تشمل الموارد المادية، والامتيازات السياسية،
والثقافية، وإنجازاتها، للوصول إلى مختلف أشكال التعليم المستمر مدى الحياة وشغل
أوقات الفراغ.
وطبعاً لا يجب أن يكون
الضبط شاملاً، ولا يجب أن ينحدر إلى الجزئيات، لأن من لا يملك أشياء مشتركة يمكن
توزيعها اجتماعياً، لا يمكنه الوصول للرفاهية الاجتماعية المطلوبة للجميع ولمختلف
الشرائح والجماعات الاجتماعية داخل المجتمع الواحد.
====
تأليف: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC اختصاص:
الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه
فلسفة في الأدب PhD اختصاص:
صحافة. بروفيسور قسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك
القومية الأوزبكية. 20/8/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق