السياسات الحكومية والصحافة والعلاقات العامة في عالمنا
المعاصر
مخطط البحث:
مقدمة.
السياسات الحكومية بدأت
تفقد دعم وتأييد الأوساط الإجتماعية.
تغييرات نظم وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية.
العلاقة المتبادلة بين
وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية والنظم السياسة والحكومية في الظروف المعاصرة.
بنية المجتمع في الدول
الحديثة.
النظم السياسية وترشيد
الإتصالات السياسية.
تأثير الأمركة على
الإتصالات السياسية.
خلاصة.
مراجع البحث.
مقدمة:
انصب إهتمام الباحثين في
مجالات الإتصالات الجماهيرية والعلاقات العامة في الآونة الأخيرة على الكيفية التي
تراعي فيها العلاقات العامة ووسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية مبادئ الديمقراطية
المعاصرة، وكيفية تشكيلها للرأي العام المعاصر. خاصة بعد أن لوحظ ضعف كبير بإهتمام
الشرائح الشبابة في المجتمعات بالسياسات الحكومية، ونقدها الدائم لما تقدمه وسائل
الإتصال والإعلام الجماهيرية بشكل يومي، وطبعاً كان كل ذلك يحدث من خلال مدوناتهم
الإلكترونية التي أتاحتها لهم الشبكة العنكبوتية العالمية "الإنترنيت".
وأصبح من الواضح أن
السياسات التي تتبعها الدول الديمقراطية أخذت بالتدريج تفقد دعم وتأييد الأوساط
الإجتماعية، وانعكس ذلك رغم اتساع ونمو دور وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية في
المجتمعات الحديثة، ونمو تأثيرها على النظم السياسية والإقتصادية والإجتماعية من
خلال عمليات الإتصال السياسية والعلاقات العامة الجارية. وهو ما أظهرته الدراسات
الأخيرة عما يحدث داخل المجتمعات من تفاعلات، وأكدت تلك الدراسات على أن:
1. السياسات الحكومية بدأت تفقد دعم
وتأييد الأوساط الإجتماعية:
حيث لوحظ في جميع الدول الديمقراطية الحديثة
انخفاض درامي لدعم وتأييد المواطنين للمؤسسات السياسية والشخصيات السياسية الناشطة
فيها. وعلى ما يبدوا أنه هناك تناقض في الأوضاع السياسية، لماذا ؟ لأننا نعيش
اليوم في أوقات وفرت فيها ظروف الأمن والحرية والرفاهية لسكان الدول المعاصرة،
ووفرت فيها الإمكانيات المادية اللازمة لأكثر السكان. وكان من المنطقي أن يكون
الناس راضين وداعمين لسياسات تلك الدول. ولكن على العكس من ذلك لوحظ أن نسبة
الناخبين الذين يدلون بأصواتهم في الإنتخابات أخذت تقل تدريجياً في تلك الدول،
وعلى سبيل المثال: لوحظ أن نسبة الناخبين المشاركين بإدلاء أصواتهم فعلاً في
الإنتخابات البرلمانية الفيدرالية بألمانيا لم تتجاوز نسبة الـ 50%، وأن مشاركة
الناخبين الشباب في تلك الإنتخابات لم تتجاوز نسبة الـ 40%.
وصعبت هذه النتائج على
الباحثين مهمة تفسير تلك الظواهر بعد أن كانت نسبة المشاركين بإدلاء الأصوات في
الإنتخابات التي جرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية تتراوح ما بين الـ 70%
و80%. معتبرين أن تلك الظواهرة تهديد للمبادئ الديمقراطية السائدة في ألمانيا.
خاصة بعد أن ملاحظة تراجع في أعداد المشاركين في الإنتخابات البرلمانية من
المنتمين للأحزاب السياسية الألمانية، ولم تتجاوز نسبتهم الـ 4% فقط.
ولاحظ المحللون السياسيون
أن تلك التبدلات آخذت بالإنتشار حتى داخل العملية الديمقراطية الجارية في ألمانيا،
وأنها تحول دون مشاركة المواطنين في العملية الديمقراطية مكتفين بأخذ دور المراقب
فقط، وعللوا ذلك بطبيعة القوانين السياسية السائدة في ألمانيا، التي أدت إلى انخفاض
الإهتمام بما يجري على الساحة الإنتخابية، مما أدى بدوره إلى إنخفاض أعداد
المشاركين في التصويت حتى لصالح الأحزاب التي ينتمون إليها. وهو ما يطلق عليه في
العلوم السياسية "تسرب الناخبين"، واعتبروا أن هذه الظاهرة ترافق
التغييرات الحاصلة في الأفضليات السياسية للناخبين وما رافقه من فقدان بعض الأحزاب
السياسية للدعم والتأييد الجماهيري المعهود.
وفسرت بعض المصادر تلك
الظواهر بحدوث تغيير جذري في النظرات السياسية للمواطنين، ناتجة عن بعض التصرفات
السياسية من قبل بعض القادة السياسيين والمرشحين على حد سواء. وفسر خبراء العلوم
السياسية ذلك بأنه يتعلق بخصوصية دعم وتأييد الأحزاب السياسية والشعارات التي
تطرحها بغرض التسويق السياسي. خاصة وأن تلك الخصوصية تأتي من:
- نوعية الدعم والتأييد
الذي حصلت عليه الأحزاب السياسية والمتمثل: بالثقة وتاييد النشاطات التي تقوم بها الأحزاب
السياسية، وهذا يعني أنها مرتبطه بالسياسات التي تتبعها تلك الأحزاب.
- وسعة الدعم الذي تحصل عليه الشعارات
التي تطرحها الأحزاب السياسية تتمثل
عادة: بدعم المبادئ الديمقراطية، وتلعب الشعارات فيها بدور كبير، وبقدر ما تلتزم
تلك الأحزاب بشعاراتها للحفاظ على الديمقراطية في المجتمعات المعاصرة.
وأشارت بعض الدراسات إلى
إنخفاض كبير في مدى خصوصية تلك الشعارات المطروحة، رافقه ضعف ملحوظ في الدعم
والتأييد المطلوب لتلك الشعارات، الأمر الذي أدى إلى فقدان دعم وتأييد الجماهير
لتلك الشعارات. وهو ما قد يودي دون أدنى شك إلى تهديد مستقبل الإتحاد الأوروبي،
خاصة وأن الألمان بمعظمهم اليوم ضد الإتحاد الأوروبي، ويعزفون عن تقديم الدعم
والتأييد له على جميع الأصعدة.
وأظهرت بعض الدراسات التي
جرت على مضامين القوانين الضابطة للنشاطات السياسية السائدة في معظم الدول
الديمقراطية في العالم أن:
- أكثر المواطنين لا
يعتبرون الشخصيات الحكومية مؤهلة سياسياً؛
- أكثر المواطنين لا
يعتبرون معظم الشخصيات الحكومية مؤهلة وقادرة على المشاركة والتأثير في الفعل
السياسي؛
- أكثر المواطنين يتم
توريطهم عمداً للمشاركة في النشاطات السياسة.
وهو ما أدى وبشكل طبيعي إلى
حدوث إنهيار في نظم التأثير السياسي على الجماهير العريضة، وهو ما يعاني منه
المواطنين وخاصة الشرائح الشابة في المجتمع. ومعروف أن الشريحة الشابة في المجتمع
تتميز بالحركة الدائمة التي تجعلهم دائماً في طليعة أي تجديد يطالب فيه المجتمع.
وأن تعرض الجيل الشاب لأية حالة من القلق السياسي قد تؤدي إلى فقدان دعمهم
وتأييدهم للسياسات المطروحة لسنوات القادمة.
وظاهرة فقدان السياسات
الحكومية للدعم والتأييد المطلوب ليست جديدة، وقد حللها الباحثون الأمريكيون في
العلوم السياسية خلال خمسينات القرن الماضي وخرجوا بنتيجة أطلقوا عليها تسمية
"الغربة السياسية". وفسروا الغربة السياسية بأنها من طبيعة المواطنين
الذين يعانون من مشاكل اقتصادية وليس لهم دخلاً ثابتاً يعتمدون عليه، وهو ما يؤدي
إلى معاناتهم الحياتية بسبب انخفاض مستوى حياتهم المعيشية. واقترحوا لتصحيحها تحسين
أوضاع الفقراء المادية والإقتصادية، ورفع مستوى التعليم في المدارس.
ولكن الباحثين في مجالات
العلوم السياسية الأمريكيين وجدوا خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي أن الأوساط
الرافضة شملت حتى شرائح إجتماعية عليا، وأن الغربة السياسية كانت نتيجة لعشوائية
تسويق علاقات سياسية سلبية داخل المجتمع، وبسبب التداخل الحاصل بين النشاطات
السياسية والعلاقات العامة ونشاطات وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية. وأن ما
طرحته برامج الإذاعتين المسموعة والمرئية كان يخلط بين البرامج الإخبارية
والترفيهية والتحليلية، مما أدى بالتالي إلى إبتعادها عن التحليلات الجدية للأحداث
السياسية الجارية، عكس مواد وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية المطبوعة (الصحف
والمجلات) التي تمكنت من عرضها وتحليلها أكثر.
وأظهرت بعض الدراسات انخفاض
مستمر في أعداد المواطنين المهتمين بالسياسة، وشكك الخبراء في صحة أو عدم صحة
نتائج تلك الدراسات. وتوقعوا أن تكون صحيحة، لماذا ؟ لأن المواطنين أضحوا أقل
إهتماماً بتصرفات الإدارة الحكومية، وتصرفات الأحزاب السياسية، وتصرفات البرلمانيين،
وأقل إهتماماً حتى بشخصية القائمين بتلك التصرفات. ولكنهم كانوا مهتميمن دائماً
بأولئك القادرين على حل مشاكلهم الإجتماعية، بالإضافة لإهتمامهم بطرق معالجة
مشاكلهم غير القابلة للتأجيل. وكان من الطبيعي في المجتمع المدني وفق التقاليد
الأمريكية فرز أسماء القادة السياسيين في المجتمع إلى تقليديين أو محافظين أو غير
تقليديين (مجددين). وسرعان ما انتشر هذا المفهوم لاحقاً في بلدان أخرى من عالمنا
المعاصر.
ومنه يمكن أن نستنتج أن
الغربة السياسية رافقها في الدول الديمقراطية الحديثة تطور إقتصادي الغاية منه
تحقيق رفاهية عالية المستوى للسكان. ورغم ذلك شهدت علاقة السكان بالسياسات
الحكومية تدهوراً ملحوظاً، وأصبحت تستدعي ضرورة بذل الجهود لتوفير الدعم والتأييد
الإجتماعي للسياسة الحكومية، قبل أن يحدث إنهيار كارثي للسياسات الحكومية الذي
يمكن أن يهز كيان دول بكاملها.
والنظم السياسية كما هو
معروف تقوم بالرقابة على توزيع الخيرات المادية في المجتمع، وتعمل على حل المشاكل
التي تعترض توزيع تلك الخيرات، وتحتاج من أجل ذلك لدعم من الموارد الإجتماعية
والمادية على حد سواء. وفي حال غياب الدعم اللازم يعجز النظام الإقتصادي القائم عن
أداء وظائفه المحددة على المدى الطويل، ويكون عاجزاً عن أداء دوره الإجتماعي. وفي
هذه الحالة يصبح النظام السياسي بحاجة لمستوى كافٍ من الدعم والتأييد الإجتماعي
للقيام بدوره، وفي هذه الحالة لا بد من القيام بأعمال جدية ودؤوبة في مجالات
الإتصالات الجماهيرية والعلاقات العامة.
2. تغييرات نظم وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية:
شهدت نظم الإتصال والإعلام
الجماهيرية ووسائلها خلال العقود الأخيرة تغييرات هائلة، طالت حتى وظائف الإتصال
السياسي والعلاقات العامة من خلال وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية في المجتمعات
المعاصرة. لماذا ؟ لأن وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية تقدم للساحات الإعلامية
حقائق ومواضيع كثيرة، وتضعها في متناول كل الشرائح الإجتماعية لمناقشتها وإبداء
الرأي حولها، وتوفر الفرص للقيام بنشاطات إجتماعية مشتركة ناجحة. وقد يعترض البعض
على هذا لأن وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية بالكامل تعتبر سوقاً إجتماعية لها
مقاييسها الخاصة.
ووظائف وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية تعتمد على وجهات نظر معينة، وتستطيع تلبية حاجات ساحة إعلامية
مستهدفة كبيرة، وتستطيع زيادة الطلب على منتجاتها المعلوماتية بغية الحصول على
موارد مالية ضخمة. ولكن بعض الخبراء يعتبرون مثل هذا المدخل غير كاف ولا يمكن
إعتباره حلاً نهائياً للمشاكل التي تواجه نشاطات وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية. لماذا ؟ لأن وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية تعمل على تحقيق تكامل
في المجتمعات الحديثة، ومن أجل ذلك لا بد من تحليل نظم وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية، وبحث علاقتها المشتركة بالمجتمعات والنظم السياسية القائمة.
وتظهر بعض الدراسات أن
الدول الحديثة تعاني فعلاً من تضخم شمل قطاع وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية
بكامله. وحدث ذلك بعد أن كان تطورها التكنولوجي والإقتصادي يجري حتى ثمانينات
القرن الماضي على نطاق ضيق، ورافقه إغلاق الكثير من قنوات البث الإذاعي المسموع
والمرئي أو إندماجها، ورافقه إرتفاع كبير في أسعار الورق ونفقات الطباعة. وجاء
التطور التكنولوجي لوسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية الذي أعقب تلك الفترة
التاريخية ليوفر إمكانية زيادة وتوسيع إنتاجها. ورغم ذلك شهدت قنوات البث الإذاعي
المسموع والمرئي انخفاضاً ملحوظاً في البرامج الإخبارية السياسية، ليحل مكانها
بالتدريج برامج ترفيهية بحتة.
وسرعان ما احتلت مكانها
الشبكة العنكبوتية الدولية "الإنترنيت" وأخذت تواجهة ظروف التزايد
المتصاعد لكميات الأخبار السياسية والعلمية والثقافية على حد سواء، وهو ما لمسناه
خلال العشرين سنة الأخيرة، ولكنها بقيت خارج التوسع المتزايد في وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية، لماذا ؟ لأنها شكلت تركيبة جديدة دخلت خلسة إلى عالم الإتصال
والإعلام الجماهيري. وبدأت وسائل الإتصال والإعلام الجماهيري تفقد معها بالتدريج
موقعها التقليدي في سوق المعلوماتية حتى في الدول المتقدمة. وحتى أن الإتحاد
الأوروبي إعترف بأن المعلوماتية ما هي إلا جزء من بضائع يتداولها السوق المعاصر،
ولا يجب تمويلها على حساب دافعي الضرائب، بل عليها الإعتماد على التمويل الذاتي
كشركات تجارية قابلة للربح والخسارة. الأمر الذي فرض على وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية أعباءاً إضافية لتجنب الإفلاس والإغلاق.
ورغم أن التوسع الحاصل في
مجال تطور وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية إلا أنها واجت عمليات تركيز وإندماج،
وجاءت في معظمها بدول العالم على شكل قيام شركات إعلامية كبيرة عابرة للقارات،
قادرة على الصمود والإستمرار بالعمل. ورافق تلك العمليات انخفاض ملحوظ في أعداد
الصحف والإذاعات المسموعة والمرئية. وبدأ بالظهور لا عبين دوليين جدد في قطاعات
وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية بعيدين كل البعد عن الإعلام التقليدي الخاضع
للأنظمة والقوانين والمصالح الوطنية.
وأول ما فعله اللاعبون
الجدد هو حذف البرامج السياسية الوطنية، بانتظار إلغاء الرقابة الحكومية، الأمر
الذي ينتظرونه من السياسيين المؤيدين لخطهم الجديد. وطبعاً هذا يمكن أن يحدث في
حال عدم تفهم الشخصيات الحكومية لنتائج تجاوز السياسة الإعلامية الوطنية وإلغاء
الرقابة الحكومية على وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية، والتي لا بد أنها ستؤثر
سلباً على مواطني الدولة والعاملين في مجالات الإتصال والإعلام الجماهيري الوطني
على حد سواء.
وكما هو معروف رافق توسع
تطور وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية إلغاء السياسات الإعلامية الوطنية،
ورافقته تغييرات في تكنولوجيا وطرق أداء العمل الصحافي بشكل كامل، والأمثلة على
ذلك كثيرة. حتى أن أكثر الباحثين العلميين في مجالات الإتصال والإعلام الجماهيري
والعلاقات العامة تحدثوا عن تفشي نواحي سلبية في الإعلام الجماهيري المعاصر،
وتحدثوا عن تزايد النزعات الفردية التي أضعفت نوعية الإعلام المحترف ليحل مكانه
إعلام ترفيهي، أدى إلى إغراق الساحات الإعلامية بإعلام سطحي لصرف أنظار المجتمعات
عن قضاياها الحياتية المصيرية.
واعتبر الخبراء أن كل ذلك
يمكن تحليله من خلال نظريات
القيم المعلوماتية (Theory of Information Valuе)، التي أعدها جوهان
جالتونغ Johan Galtung، وماري
هولميه روغ Mari Holmoe Ruge، الباحثة النرويجية في مجال مشاكل السلام. وأشارا فيها إلى أن
المعلوماتية تلبي مبادئ السلبية والفردية والبساطة النسبية، والقصر، وهي جديدة
ومفاجئة وتلقى اهتماماً كبيراً لدى الساحة الإعلامية. وأضافوا أنه بقدر ما يكون
التركيز في سوق وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية، بقدر ما تتطور المبادئ المشار
إليها أعلاه بقوة. لماذا ؟ لأنها تتمتع بتأثيرات سلبية أكثر مما هي إيجابية.
ومن النظريات السائدة، أن
وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية أخذت تتقارب مع وسائل الإعلام الفردية، وظهر
هذا في التقارب الذي رافقته حالة من التقسيم أدت إلى مفهوم أنه بقدر ما يكون هناك
تنافس بين وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية، والمشاركين الفرديين في ساحة
الإتصال والإعلام الجماهيرية، بقدر ما يكون هناك تقارب أكثر. ولاحظ مستهلكي المادة
الإعلامية أن التقارب هو أكثر بين وسائل الإعلام الجماهيرية والفردية، ومع ذلك
يدفعون ضرائب لتمويل الإذاعتين المسموعة والمرئية الجماهيرية أكثر من ذي قبل.
ولوحظ في بعض دول أوروبا
الغربية أن الإذاعتين المسموعة والمرئية تحولت بالفعل إلى شركات خاصة، من حيث
مضامينها وبرامجها، حتى أنها أصبحت أقرب للقنوات الخاصة، ومع ذلك فهي تمول من
أموال الضرائب والتبرعات. وعلى الرغم من أن هذه الشركات غدت تملك ساحة إعلامية
ضخمة، إلا أنها لم تستطع الصمود في السوق الإعلامية.
وعلى الرغم من أن وسائل
الإتصال والإعلام الجماهيرية اتجهت من خلال التطور الحاصل نحو تخفيض فترات إعادة
بث الأفلام والبرامج، إلا أن الأخبار التي تبثها أصبحت أقل جاذبية حيال الأخبار
التي تنشرها الصحف أو قنوات الإذاعتين المسموعة والمرئية الخاصة. ورافقتها في
الإنتشار ظاهرة سرقة الأخبار التي يعدها صحفيون آخرون دون الإشارة للمصدر. مما جعل
من حقوق التأليف المشترك عديم الجدوى في الأوساط الصحفية. حتى أن أحداً لا يتقيد
بها عند استخدامه لمعلومات حصل عليها وكتبها أشخاص آخرون. ورافق هذا الوضع الغير
طبيعي غياب النقد البناء، وغياب حب الإطلاع والإستقصاء، وغياب البحث الصحفي في
النظم الإعلامية الحديثة. ورغم ذلك فإننا لم نزل نصادف مواد إعلامية تستحق الإعجاب
لإلتزامها بالمقاييس الصحفية المهنية عالية المستوى على صفحات الصحف والمجلات وحتى
في مضامين البرامج الإذاعية المسموعة والمرئية.
والإستنتاج الذي يمكن أن
نتوصل إليه من تحليل تطور وتوسع وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية خلال العشرين
سنة الماضية، انها أخذت تخفض كمية المعلومات السياسية التي تستخدمها، وأنها عززت
أساليب غير مألوفة في تنظيم نشاطات وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية، ورافقه
تعزيز ظواهر سلبية وفردية القصد منها الإثارة، وهو ما خفض من مستوى نوعية
المادة الإعلامية وحولها إلى مواد إستهلاكية بعيدة عن الحقيقة والنقد، وعن حب
المعرفة، وخلقت ظروفاً غير ملائمة لتطور وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية
الرصينة على المدى الطويل.
3. العلاقة المتبادلة بين
وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية والنظم السياسة والحكومية في الظروف المعاصرة:
من أجل فهم عملية ترشيد
الإتصالات السياسية والعلاقات العامة التي تتمتع بأهمية كبيرة في الدول الحديثة
بشكل صحيح، لابد من فهم طبيعة العلاقات المتبادلة بين نظم وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية والنظم السياسية والعلاقات العامة القائمة بشكل عام. ويمكن في هذا
المجال الإعتماد على المبادئ الأساسية لنظرية النظم السياسية، التي أعدها ت. بارسونس. وفقاً لنظرية النظم
السياسية يمكننا تصور نظاماً إجتماعياً يتضمن إتجاهات فردية، وتراكيب ثقافية، وكل
منها يؤدي وظيفة معينة في النظام الإجتماعي العام، أي في المجتمع. وبعد ذلك يمكننا
النظر في النظم الإجتماعية المرتبطة بغيرها من النظم. وعلى سبيل المثال: النظام
السياسي يرتبط بنظام وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية. وكل نظام عليه القيام
بترشيدات وتجديدات متنوعة، من أجل تحسين صلاته بغيره من النظم، ومن أجل ضمان أداء
الوظيفة العامة للحياة المشتركة. لابد من دراسة:
- وظيفة النظم السياسية
التي تقوم بإعداد الحلول؛
- ووظيفة نظم وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية التي تضع المسائل المطروحة للمناقشة على أوسع نطاق بغية توفير
تكامل النظام الإجتماعي بكل أجزائه شرائحه المتنوعة.
والنظم السياسية عادة تواجه
صعوبات كبيرة أثناء أدائها لمهامها. ناتج عن:
- فقدان الدعم والتأييد
الإجتماعي لأسباب ناتجة عن صعوبة دراسة سير أية قضية وشيوعها داخل المجتمع؛
- ولأن وظائف وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية هامة جداً في المجتمعات المعاصرة.
وهو ما أوضحته الظروف التي
سادت بعد إنهيار النظم الإشتراكية في المجتمع الدولي. ورافقه بروز دور الأسواق
العالمية في القضايا الدولية، الأمر الذي تطلب زيادة الحاجة إلى وسائل إتصال
وإعلام جماهيرية يمكنها تلبية احتياجات عالم مشترك بكل مكوناته الثقافية والسياسية
والإقتصادية. ومعها تصاعد دور الأفراد، ودور وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية،
للمساعدة على فهم واستيعاب ما يجري في العالم المعاصر من أحداث. ووسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية تساعد على بناء واقع محدد ومطلوب من قبل القائمين عليها.
ولكننا بحاجة لوسائل إتصال وإعلام جماهيرية تساعدنا على العمل والمشاركة في عالمنا
المعاصر والمتشابك والمعقد، ومتابعة ما يجري من مراحل في حركة النظم السياسية
دائمة التطور، ونظم وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية على المستويات الإجتماعية
المحلية والدولية وحتى الفردية.
وبعض النظريات السياسية في
عالمنا المعاصر تشير إلى أهمية وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية للسياسة
الحكومية في الوقت الراهن، وتعتبرها مهمة للتفاعلات السياسية أكثر من السياسة
نفسها. حتى أن وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية غدت قادرة على حل أية مشاكل
واردة في جدول الأعمال قبل حدوثها، وقادرة على تحديد أية مشاكل يجب أن تحل قبل
غيرها. وحتى أنها غدت قادرة على تحديد من سيكون رئيس الجمهورية الجديد. الأمر الذي
سمح للباحثين في المجالات السياسية والإعلامية والإتصالية والعلاقات العامة
بإستخدام مصطلح الـ(التليكراتيا - telecracy) بدلاً عن مصطلح الديمقراطية، ومصطلح (الإنتخابات التلفزيونية - telections) بدلاً عن مصطلح
(الإنتخابات - elections).
وأشار الكثير من الباحثين
إلى حصول جفاف مستمر في وظائف السياسة الحكومية، وأنها أخذت تدريجياً بالتحول إلى
وظيفة إدارية بحتة ولكن بواقعية أكثر. وهناك قراءآت نظرية أخرى تشير إلى أن
السياسات الحكومية تعي مدى الإنتصار الذي حققته وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية
على الصعيد العملي، ومع ذلك أخذت الحكومات تبذل جهوداً حثيثة للحد من تأثيرها على
المجتمع.
وتشير القراءآت النظرية إلى
أن السياسات الحكومية تتجه نحو فرض المزيد من الرقابة على وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية. والدليل على ذلك مراعاتها حتى من قبل شبكات الإتصال الشخصية القائمة
في العلاقات بين وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية، والشخصيات السياسية.
ومن دراسات تأثير الحملات
الإعلامية الجارية من خلال وجهة نظر معينة، ظهر أنها تخدم تطلعات الأحزاب
السياسية. ومن الأمثلة على ذلك على الساحة الإعلامية الأوروبية التقارب الحاصل بين
رجل الإذاعة المرئية الأول مالك
الشركات الألمانية الشهيرة CLT و RTL، مع الحزب
الإجتماعي الديمقراطي، فالسيد كيرتش (Kirch)
يملك أجزاء ضخمة حتى في غيرها من قنوات الإذاعة المرئية في ألمانيا، ومعروف بميوله
المحافظة، وهو صديق للسيد كوليا،
ولكننا في النهاية نلاحظ تأثير الحزب على الإذاعتين المسموعة والمرئية، حتى أن
علاقتهما قيمت كوسيلة لفرض الرقابة الحكومية على وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية.
وحتى الصحفيين ووسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية لم يخفوا زيادة محاولات الشخصيات السياسية
للتاثير على نشاطاتهم.
وهناك نظرية يطلق عليها
تسمية نظرية "نظم السوبر"، وتشير هذه النظرية إلى أن تطور وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية والنظم السياسية يجري ضمن نظام واحد، والهدف منه الرقابة على
ما ينشر للمواطنين، وأنها تتضمن نفس الأشخاص ولها نفس التركيبة الإجتماعية، ولو
أنها غير ملموسة إلا أنها باقية ومستمرة.
وحتى لو كانت كل النظريات
مناسبة لنشاطات وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية والعلاقات العامة إلا أنها
متفاوتة، لأن وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية والعلاقات العامة تعتبران عاملاً
هاماً لحصول النظم السياسية على الدعم والتأييد الإجتماعي. وحتى أن الحجج
المستخدمة لا تشرح الدور المناسب لوسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية وسلبيته في
المجتمع، إلا أنها لم تزل بحاجة للدراسة والتحليل لتقديم حجج مقنعة.
4. بنية المجتمع في الدول الحديثة:
في السابق وصف المجتمع بأنه
عبارة عن جماعات بشرية محدودة تلتقي لبحث قضايا إجتماعية مشتركة بقصد خلق رأي عام
موحد في المجتمع. وتشكل الكتل البشرية عادة الرأي العام، وكان المفكرون والمواطنون
الواعون في الماضي يطالعون الصحف باهتمام. وهو ما اصطلح على تسميته في الكثير من
دول العالم المتقدم بـ"المجتمع المدني"، ولكن خلف هذا المصطلح تقف
جملة من النظريات، ومنها النظرية التي وضع أسسها يورغين هابيرمانس (Jurgen Habermas). وهابيرمانس عالم إجتماع مشهور أسس المدرسة
الفرانكفونية (1968)، مع مجموعة من الباحثين الناقدين المتمسكين بالمبادئ
الماركسية.
وأشار هابيرمانس في كتاباته إلى أن المجتمع المدني وجد
قبل بداية الفترة المعاصرة التي نعيشها، وإلى أن تطور الديمقراطية أدى إلى توسع
أعداد المشاركين في عملية تكوين الرأي العام. وأصبح من الممكن القول أن الفترة
المعاصرة تتألف من إجتماع عام كبير، يشارك فيه كل أعضاء المجتمع. وأصبح ذلك ممكناً
من خلال تحسين المقاييس التعليمية، وتطوير الصحافة، ورفع مستويات الأوضاع
الإجتماعية. وأصبح من الممكن تسمية هذا التطور بالفردي، لأنه حرر الإنسان من
التبعية، والفقر، والجوع، والأمية.
ولكن التصور الذي وضعه هابيرمانس عن الوسط الإجتماعي غير واقعي حتى الآن.
لماذا ؟ لأن المجتمع الحالي مقسم إلى أجزاء، وكل جزء منها مكون من مجموعة لها
مصالحها الخاصة، ومفرداتها الخاصة، ووسائل إتصالها الخاصة. ولأن عدد هذه المجموعات
آخذ بالإزدياد نتيجة لتفشي الفردية في عالم الإتصال الجماهيري، وإزدياد أعداد
وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية.
ووسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية تقوم اليوم بإعداد مواد وبرامج بمقاييس جديدة، وتقوم بإعداد وثائق خاصة
بها، القصد منها خلق تداخل في الأوساط الإجتماعية، والتجاوب مع الأحداث والتطورات
والتغيرات الطارئة، بحركة دائمة دون توقف. وآخر الأبحاث أظهرت أن "الوسط
الإجتماعي" الجديد يتجه نحو العزلة والتقوقع. مما يصعب من عملية تبادل
المعلومات بين الجزر الإجتماعية المختلفة، ولكن الأصعب هو تنظيم عملية التغطية
الكاملة لأي حدث بشكل متساو للجميع.
وهنا يبرز سؤال كيف تؤثر
هذه الظاهرة على السياسة الحكومية ؟ والجواب يأتي جزئياً من أن السياسيين أصبحوا
مجبرين على التأقلم مع استراتيجية الإتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة بشكل مضطرد
مع تزايد أعداد جماعات الوسط الإجتماعي، خاصة وأنه لم يعد ممكناً عملياً في الدول
الحديثة التعامل مع الأوساط الإجتماعية كطبقة واحدة.
وحتى اليوم طرحت مختلف
التنبؤآت حول تطور الأوساط الإجتماعية، ولكن الحقيقة تظهر أن القوة الرئيسية
القادرة على خلق الرأي العام ما هي إلا مجموعة صغيرة من قادة الرأي الذين يتمتعون
بعلاقات واسعة على مختلف الأصعدة في مجالات الحياة الإجتماعية. وهذه العلاقات ومع
الأسف الشديد لا تتفق مع المبادئ الديمقراطية لأنها مفروضة من قبل الغير، ولكنها
تزيد طرداً من كمية المعلومات المتداولة داخل المجتمع الواحد. وهي جزء من نظريات
علوم الإتصال التي اصطلح على تسميتها بنظريات فصم المعرفة (Knowledge-gap-Theory).
5. النظم السياسية وترشيد الإتصالات
السياسية:
الإتصالات السياسية كفكرة
لها إتجاهات متعددة والكثير من التفسيرات. ولكن الإتصالات السياسية بحد ذاتها تأتي
كمضمون لعملية الإتصال في إطار النظم السياسية، وفي إطار المجتمع. ومن ضمن هذين
الإطارين تتضمن أهدافاً من خلال كل العمليات الجارية لخلق رأي عام مؤثر في حال
اتخاذ قرارات سياسية معينة، وتلعب العلاقات العامة دوراً هاماً فيها.
ويظهر الواقع الحالي تقهقر
متدرج لمجالات الإتصالات السياسية والعلاقات العامة المؤثرة في إطار النظم
السياسية، في الوقت الذي يلعب المجتمع الدور الأكبر كما هو الحال في المجتمعات
المعاصرة، فيما يتعلق بالنشاطات السياسية نفسها. ويمكن القول أن الأحزاب السياسية
اتخذت حتى اليوم قرارات استراتيجية تعتمد على مبدأ "من الأسفل إلى
الأعلى" ولكن ظهر أنها غير هامة وليس لها مكانة هامة في عملية اتخاذ القرار
السياسي النهائي.
ومن المتعارف عليه أن
الإتصال السياسي والعلاقات العامة هو تعبير عن النوايا السياسية المراد تحقيقها من
قبل الأحزاب السياسية وقادتها. وتتجه النوايا السياسية عبر الإتصال السياسي
والعلاقات العامة نحو الحصول على أكبر كمية ممكنة من الدعم والتأييد الإجتماعي.
ويجري عادة الوصول للنوايا السياسية عن طريق الإتصال المباشر والمقصود بين القادة
السياسيين والشرائح المستهدفة، أو عن طريق الإتصالات السياسية غير المقصودة أو
العفوية عبر وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية. وتعتبر العلوم السياسية أن
الإتصالات غير المقصودة أكثر تأثيراً، لماذا ؟ لأن وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية تعتبر وسيلة مضادة لوسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية الإلكترونية وأكثر
تأثيراً منها، لأنها تعتمد على المقابلات الصحفية، والمواد والتعليقات التي يكتبها
خبراء كبار متخصصين في الإتصال الجماهيري والشؤون السياسية والإعلامية والعلاقات
العامة وغيرها من المجالات.
وهنا يجب أن نشير إلى أن
النشاطات الصحفية تهدف دائماً إلى إيجاد مظاهر إيجابية لعملية الإتصال السياسي
والعلاقات العامة، ولكنها في الواقع تضعفها وتختصرها في حدود النظم السياسية، من
خلال جهود الإتصالات السياسية والعلاقات العامة الجارية داخل المجتمع الواحد. لأنه
وكما هو معروف أن النظم السياسية تحاول الحد من عمليات الإتصالات السياسي الممارسة
من خارج الأحزاب السياسية والأجهزة البرلمانية، والتي هي من أكثر الإتصالات السياسية المتبعة.
ومن ضمنها تأتي نشاطات النظم السياسية الهادفة للحصول على الدعم والتأييد
الإجتماعي، وخاصة من خلال:
- الإتصالات السياسية؛
- والدعاية السياسية؛
- والمشاركة السياسية؛
- والتعليم السياسي.
وزادت هذه النشاطات بشكل
كبير خلال العشرين سنة الأخيرة. حتى
أنه أصبح من الممكن القول أن عمليات الإتصال السياسي والعلاقات العامة الممارسة من
خارج الأحزاب السياسية والأجهزة البرلمانية تعني
وظيفياً زيادة كبيرة في أعداد
المحترفين المشتغلين في مجالات: العلاقات العامة، والإتصالات السياسية، والتعليم،
والمشاركة السياسية. والعملية ليست فقط في الكمية بل في النوعية، لأن العلوم
الإجتماعية سارت بعيداً نحو الأمام وتنوعت معها خصائص المؤسسات السياسية
والإجتماعية والإعلامية.
وفيما يتعلق بخصائص مؤسسات
الإتصال السياسي والعلاقات العامة يمكن القول، أن السياسة غدت تستخدم تقنيات
معينة، وتستخدم أساليب صحفية حديثة وقوية أكثر بكثير من الماضي. حتى أن الإتصال
السياسي والعلاقات العامة أصبحتا في مجال السياسة الحكومية تقدمان المعلومات بشكل
جزئي على الشكل المتعارف عليه في الصحافة. وأصبح الإتصال السياسي يوجه بأساليب
عالية الجودة في مجال المعلوماتية نحو الإختصار، مع الإقلال من النواحي السلبية، والإقلال من النواحي الفردية. وهو ما أطلق عليه مصطلح
(الأمركة في الإتصال السياسي). التي تهدف الحصول على أقصى درجات الإنتباه من قبل
المواطنين والصحفيين على حد سواء. من خلال الخصائص التالية:
- إختصار الوقت: من حيث المبدأ هذا
يعني أنه يجب ربط الخبر السياسي بشكل أقل مع الحوار العام، أو ربطه بأحداث متوسطة
المدى. ويعني أيضاً أن المواضيع المطروحة للنقاش والقضايا المتكونة خلال فترة
قصيرة، يتم ادراجها بسرعة في جدول الأعمال. ويجري إختيار المواضيع على هذا الشكل
من أجل تكوين موقف سياسي خاص. وطبعاً كلها مرتبطة بالتقنيات، ومنها خلق
"مسببات معلوماتية"، أو حدثاً مشابهاً، كان لا يمكن أن يحدث لو لم
تتناوله وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية. ويعتقد الباحثون أن أكثر الأحداث السياسية
تجري واقعياً عن طريق خلق مسببات معلوماتية مصطنعة.
- الفردية: التي تركز الإهتمام على
القادة السياسيين والمرشحين، وفي نفس الوقت تعمل على تخفيض الإهتمام
بالأيديولوجيات وبرامج الأحزاب السياسية. وأثناء تحديد الملامح الشخصية للمرشح
يجري تقديمه للساحة الإعلامية وكأنه قادر على فعل كل شيء، وقادر على حل أي معضلة
سياسية. وعلى هذا الشكل تتراجع الصراعات الدائرة حول برامج الأحزاب السياسية إلى
الخط الثاني.
- السلبية: وتعني إتباع "استراتيجية
سلبية" في الحملة السياسية، عن طريق مختلف الوسائل المدروسة بدقة، وقبل كل
شيء عن طريق نشر معلومات سلبية عن الخصوم السياسيين.
ويقوم بمثل هذه الأعمال
متخصصون جدد في الإتصال والعلاقات العامة. وهم قادرون على تنظيم حمللات إعلامية
لحزب أو مرشح معين خلال فترة قصيرة، وقادرين على إعطاء اتجاه جديد لعملية الإتصال
السياسي والعلاقات العامة، مثل: تحويل سلبية المرشح "إلى اتجاه معاكس"
تماماً. ومن الأمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية عن أولئك المتخصصين، الفيلم
الهولييودي "الذنب يفرض على الكلب"، الذي تحدث عن أساليب نشر شائعات عن
مغامرات الرئيس مع متدربة شابة قبل بضعة أيام من الإنتخابات الرئاسية في الولايات
المتحدة الأمريكية. حتى أن المتخصصين نجحوا بفرض حرب ضد ألبانيا، وكلها كانت أحداث
جرت على صفحات الصحف فقط، ولم تكن أكثر من تعكير للمياه، من أجل صرف أنظار
الجماهير عن الحقائق الموضوعية. والأمركة من جانب تنقل وباستمرار المستجد في
الإتصالات السياسية، ولكننا من جانب آخر لا نشك في مدى تأثيرها السلبي على الأوساط
الإجتماعية.
6. تأثير الأمركة على الإتصالات السياسية:
تناولت دراسات الإتصالات
السياسية الحديثة بالتحليل نتائج الحملات الإنتخابية. لماذا ؟ لأن الحملات
الإنتخابية هي الأكثر حداثة في الإتصالات السياسية، والأمركة تعتبر رمزاً لها.
وعلى سبيل المثال، خلال المراحل القصيرة للحملات الإنتخابية اكتشف أنها تحظى
بإهتمامات إضافية في المجتمع. وأن الحملات الإنتخابية لا يمكن أن تؤثر أبداً على
جاذبية الأحزاب السياسية كأحزاب، بل على العكس تزيد من الإنقسامات الحاصلة أثناء
الحملات الإنتخابية. حتى أنه يمكن إعتبار الحملات الإنتخابية على المدى الطويل
مدمرة، ولها أسبابها.
وقد أعد خبراء العلوم
السياسية الألمان ما يسمى بنظرية
المقص، التي تتألف من:
- الطبيعة المتخصصة
والمستمرة وبمستوى عالٍ للإتصالات السياسية والعلاقات العامة الحديثة لتلبية ما
ينتظره المجتمع منها.
- أن المواطنين ينظرون إلى
الشخصيات الحكومية، والسياسيين والمرشحين كمدراء من مستوى مهني عالي، وأنهم قادرون
على التعامل مع أية قضية بسرعة وبنوعية جيدة.
ولكننا في الواقع نرى
أن العملية السياسية تتميز بأنها قضايا طويلة المدى، ومتعددة الجوانب ولا توجد لها
حلول واحدة، وتنصهر مع الحياة ببطء. ومن الممكن القول أن العملية السياسية في عالم
العولمة الحديثة أصبحت أكثر صعوبة. وهذين الوضعين يشكلان شفرتا المقص. ولكن من
الممكن أن يكون هذا صعب الفهم عند المواطن الذي يعقد آمالاً كبيرة على السياسيين،
من خلال ما قدمته إليه وسائل الإتصال السياسي والعلاقات العامة، والتي سرعان ما
يظهر عدم جدواها، ولتحصل بالنتيجة على نتائج سياسية غير هامة فقط. أي حدوث عزلة سياسية سببها هذا المقص.
والعزلة السياسية هي شكل من أشكال تقبل الجماهير للسياسة،
وخاصة لدى الجماهير التي تحصل على المعلومات السياسية عن طريق الإذاعة المرئية
فقط. وللإذاعة المرئية تقنياتها المتخصصة، ومواقفها الثقافية والبرامجية، وتقدم
تفصيلات أكثر من بدائل الإتصالات السياسية والعلاقات العامة الحديثة. وعادة يؤدي
عدم الإطلاع على الأسس المبدئية والأسباب، إلى دفع المؤسسات السياسة للقيام
بإجراءآت، يمكن التعرف عليها من خلال الصحف، وتودي بالتالي إلى عزلة سياسية كبيرة،
يتعرض لها الشباب وكبار السن أكثر من غيرهم.
7. خلاصة:
ومن هذا يمكننا استنتاج أن
النظم السياسية التي تفقد الدعم والتأييد الإجتماعي تكون مضطرة لإستخدام الإتصال
السياسي والعلاقات العامة بشكل أكثر فعالية. ويعتبر الإتصال السياسي في العلاقات
العامة فعالاً، في حال إستخدام مواقف مركبة مستمدة من الثقافية التي أضحت تستخدمها
نظم وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة، والتي يمكن وصفها بقمة صناعة
الترفيه، لأنها تمتلك مقدرات فردية، وسلبية، مع قصر الفترة اللازمة لتحليل
المعلومات السياسية على المدى الطويل.
وينتج عن استخدام هذين
المبدأين عادة قضايا جديدة تواجه النظم السياسية. لأن المراحل قصيرة المدى تعطي
نتائج مباشرة، ولكن مراحل المدى الطويل لمثل هذه النظم السياسية تخفض الدعم
والتأييد الإجتماعي إلى حد كبير، وهو ما يعتبر في الإتصالات السياسية والعلاقات
العامة الحديثة بديلا للديمقراطية وللتيليكراتيا.
بحث كتبه أ.د. محمد البخاري: مواطن سوري مقيم في جمهورية أوزبكستان.
دكتوراه في العلوم السياسية DC تخصص:
الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب Ph.D،
تخصص: صحافة. أستاذ جامعي متقاعد.
طشقند في 20/11/2012.
مراجع البحث:
1. الانترنيت قادم على مرحلة جديدة // عالم
الانترنيت، 1998 العدد 5. (باللغة الروسية)
2. الانترنيت للصحفيين (www.press.ru). (باللغة الروسية)
3. بانارين ي.: التأمين السيكولوجي
المعلوماتي للأمن القومي الروسي // موسكو: 1998. (باللغة الروسية)
4. بوفت غ.: لمن ستكون
الحياة جيدة على الأرض.// موسكو: صحيفة سيفودنيا، 14/7/1999. (باللغة الروسية)
5. بيل غيتس: تكنولوجيا الحاسب
الآلي، الطريق إلى القرن الـ 21. // HARD’n’SOFT، 1998، العدد 10.
(باللغة الروسية)
6. تأثير اقتصاد الانترنيت
على أوروبا المعاصرة // Henley Centre، 1999. (باللغة
الروسية)
7. د. صابر فلحوط، د. محمد البخاري: الأمن الإعلامي
العربي وهموم المجتمع المعلوماتي في عصر العولمة. دمشق: دار العيسى،
2002. (باللغة العربية)
8. فيكتور خارسين: هذا هو واقع
الفضاء الإلكتروني // الخطر والأمن، 1996، العدد 6. (باللغة الروسية)
9. كينيازيف أ.: الانترنيت 2 فرع
جديد للتطور ؟ // HARD’n’SOFT، 1998، العدد 5.
(باللغة الروسية)
10. أ.د. محمد البخاري: تقارب وسائل الاتصال
والإعلام الجماهيرية // دمشق: مجلة المعرفة العدد 554 كانون أول 2009. ص 266-.276.
11. د. محمد البخاري: التبادل الإعلامي
الدولي والعلاقات الدولية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات
الشرقية، 2006. (باللغة الروسية).
12. د. محمد البخاري: التفاعلات
السياسية في وسائل الإعلام الجماهيرية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي
العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية).
13. د. ميخائيل ك. هيرمان: الإتصالات
السياسية: تأثير وسائل الإعلام الجماهيرية على المجتمع في الدول الحديثة. جامعة
فاينغارتين التربوية (Padagogische Hochschule
Weingarten). // www. msps.ru. (باللغة الروسية)
14. وسائل الإعلام
الجماهيرية الحرة. مدرسة العلوم السياسية بموسكو. // www. msps.ru.
(باللغة الروسية)
15.
http://www.academy-go.ru/Site/JournalPR/Publications/Herman.shtml.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق