المتصوف الشهير نجم الدين كبرو
كان الشيخ نجم الدين كبرو (1146-1221م) من
المتصوفين المشهورين في القرن الـ 12 الميلادي، وهو عالم ترك بعد وفاته تراثاً
غنياً في مجالات مختلف العلوم. وحصلت دراساته على تسمية "دراسات كبرو"
وهذا يعني أنها عظيمة أو "ذهبية" لأنها أثرت كثيراً على الحياة
الروحية في دولة خوارزم شاه وفي العالم الإسلامي.
سيرة حياته
ولد نجم الدين كبرو في خوارزم عام 1146م، وأمضى أول
نصف حياته في التنقل بين: نيشابور، وحمدان، وأصفهان، ومكة المكرمة، والإسكندرية.
وعاد إلى مسقط رأسه عام 1184م ومن وقتها تركزت أعماله في وسط آسيا، حيث كان له عدد
كبير من التلاميذ.
ولم يكن نجم الدين كبرو مفكراً ومؤسس لمذهب صوفي
جديد فقط، بل كان عالم نفس بارز تعمق في فهم النفس البشرية. ورأى النفس البشرية
كـ"عالم صغير" تركزت فيه كل خصائص الـ"عالم الكبير".
وافترض في عملية تكامل البر عند الإنسان أن يأخذ المعلم بيد المريد
"التلميذ" على سلم الموروث الذي يبلغ عشرات ومئات الدرجات تشمل: التوبة،
والزهد، والتوكل، والقناعة، والعزلة، والتوجه، والصبر، والمراقبة، والذكر، والرضا،
نحو الحقيقة الإلاهية.
وخصص نجم الدين كبرو في مؤلفاته: "الأصول
العشرة"، و"رسالة الترك"، و"في أحباب أصولكن"،
و"فوائد الجمال" وغيرها من المؤلفات، مكانة هامة لنظرية
الـ"لطائف"، التي تشير إلى أن الكون يتكون من مركز غير مرئي، ويقع
في محيط الوعي، والأحاسيس، والروح، والجسد. ويجب على الصوفي بمساعدة تمارين معينة
أن يشعر ويرى هذا المركز، الذي يعتبر نتيجة لتغيير الوضع، والشكل، والضوء. ويرى كبرو،
أن الأوضاع الروحية للمريد يجب أن تمر عبر ثلاثة مراحل: الدائرة، والبقعة،
والنقطة. والدائرة، هي الكون، والبقعة، هي شكل العالم، والنقطة،
هي مركز (وحدة) الكون. ووعي جوهر النقطة، هو فكرة جوهر العالم الإلهي.
وهذا المخطط: الدائرة، والبقعة والنقطة، هو في حركة
مستمرة، وتغير بعضها البعض من المحيط إلى المركز، وللألوان حركة دائمة. وكل دين أو
أيديولوجيا يسهم في نظرية اللون ومفاهيمها. وعلماء الدين الإسلامي وخاصة الصوفيين
ربطوها بالحالة النفسية للإنسان. ونظرية اللون موجودة في أكثر
التيارات الصوفية. وهي موجودة على وجه الخصوص في مؤلفات: يسوي، وبيكتوشي،
وكبرو. وبرأي كبرو أن الألوان تبدل بعضها البعض وفق هذه الطريقة: الأبيض،
فالأصفر، فالسماوي، فالأزرق، فالأخضر، فالأحمر، فالأسود. وترتبط هذه الألوان
السبعة بالأوضاع السبعة لروح المريد.
واللون الأبيض: هو لون الإسلام؛ واللون الأصفر:
هو لون الإيمان (الضمير)؛ واللون السماوي: هو لون الإحياء (الهداية)؛ واللون
الأزرق: هو لون الإمتحان (الإيمان)؛ واللون الأخضر: هو لون الإيمان
(الإيمان الكامل)؛ واللون الأحمر: هو لون العرفان (المعرفة)؛ واللون الأسود:
هو لون الخير، والهيجان (المفاجأة، والإعجاب)؛ وهذا يعني أن لكل لون معنى محدد يعني
رمز محدد.
واللون الأبيض يرمز عند الكثير من الشعوب للنقاء
والبراءة والصدق. وهذا اللون عند نجم الدين كبرو يرمز أيضاً للنقاء. وبعد الوصول إلى النقاء والطهارة يمكن للمريد أن يأخذ طريقه
نحو "الطريقة" الصوفية.
ويتميز اللون الأصفر عن الأبيض لأنه هناك قيمة
محددة للون عند مختلف الشعوب. وعلى سبيل المثال، كان أجداد شعوب وسط آسيا ينظرون إلى
اللون الأصفر كنور لأشعة الشمس، والنار ، والذهب ، والثروة، وهكذا. و اللون
الأصفر عند الأوروبيين هو لون الخريف، ورمز المسامحة، ومع دفىء الصيف على ما يبدو مع
هذا اللون تصبح مفاهيم ترمز إلى: الانفصال، والحزن، والمرض. ويرمز هذا اللون الأصفر
عند نجم الدين كبرو للأحاسيس العالية من محبة الله وبداية الحياة في سبيل
الله.
واللون السماوي هو لون السماء والبحر، ويعني هذا اللون
عند شعوب المناطق الشمالية لون: البرد، والظل؛ وعند الشعوب الشرقية يعني اللانهائية
والخلود. وعند كبرو يرمز للـ"إحياء" الهداية، التي تشير إلى الحياة
الجديدة، والخير، التأمل الذاتي، والتطهر من المعاصي، وبداية الانتقال من الحياة
اليومية إلى "الطريقة" الصوفية، والنمو الروحي.
واللون الأزرق هو لون الأحلام، والحنان، والسحر،
والماء. وعند نجم الدين كبرو يعني الإنتقال بعد "التوبة" إلى
طريق الإيمان، والتخلص من الأفكار والأعمال السيئة الـ"حرام"، والامتناع
عن ممارسة الأفعال التي حرمها الله، والانتقال إلى الأعمال الطاهرة الـ"حلال".
واللون الأخضر هو رمز صحوة الحياة، والحيوية، والنمو
من جديد، ولون العشب وأوراق الأشجار. وعند كبرو يعني لون الايمان الحقيقي،
والحكمة في الظروف التي تحيط بالايمان الحقيقي الكامل بالله وبالروح.
وللون الأحمر أهمية للحماية ويرمز إلى الخصوبة، والجمال،
والسعادة، والحب، ومن ناحية ثانية يرمز للانتقام، والكراهية، والحرب، وسفك الدماء.
واللون الأحمر عند كبرو هو رمز عدم الإستقرار، وهذا يعني بداية انفصال
الروح عن الجسد، لهذا يجب رعاية الروح، لتعي العالم الروحي.
واللون الأسود عند الكثير من الشعوب، هو رمز الظلام،
والبؤس، والحزن، وهو لون الحداد، والموت، والغموض، وعالم تحت الأرض، وهكذا. واللون
الأسود لدى الشعوب التركية يعني القوة، والعظمة، والسلطة، والهدف. واللون الأسود
عند نجم الدين كبرو يعكس اقتراب الروح نحو الهدف وهي عتبة العالم الإلهي. وإدراك
الألوهية التي هي الإعجاب بالعالم الإلهي.
ويشغل انعدام اللون مكانة خاصة في نظرية كبرو. لأنه
يرمز للوصول إلى الهدف "الحقيقة"، وتتحد الحقيقة مع العالم الإلهي،
والحقيقة. ويعتبر التسلسل في إنتقال الروح من وضع إلى آخر (من لون إلى آخر) اكتمال
للروح.
وتطور نظرية الـ"لون" ووضع الروح (وفق رؤية
كبرو) هو الـ"تعاون" والوضع الحقيقي للتوحد مع العالم الإلهي وهو
"التمكين".
وكل تلميذ تحسن وتغير، عليه أن يشعر بذلك ويبلغ المعلم
عن التغييرات الجارية في روحه من حيث الأشكال والألوان. ويقوم المعلم بدوره من
خلال إجابات التلاميذ بتحديد مستوى التطور الذي وصل إليه التلميذ.
وحظيت أفكار ونظريات نجم الدين كبرو حول الأشكال والصلات،
واتصال الألوان بعالم الروح وجوهر الإنسان على تطور لاحق لدى تلاميذه وغيرهم من
علماء جيل الصاعد من المتصوفين. ويشتغل العالم الأوزبكي الدكتور في العلوم اللغوية
البروفيسور نجم الدين كاميلوف في الوقت الحاضر، بدراسة أفكار كبرو،
ويركز في دراساته على نظرية الـ"لطائف" خاصة وهي التي تثير إهتماماً
كبيراً لدى رجال الدين والفلاسفة، وعلماء اللغة، والمؤرخين، وعلماء النفس،
والمربين، ومؤرخي الفنون، ولدى الفنانين، والمصممين، والموسيقيين، ومصممي الرقصات،
والعاملين في المسرح، والسينما والتلفزيون، وتشغل دراسة العلاقة بين الأشكال والألوان
والروح الإنسانية مكانة هامة في نشاطاتهم الحالية.
بحث كتبه أ.د. محمد البخاري
طشقند 11/9/2013
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق