العالم الكبير محمد الخوارزمي
كتبه: أ.د. محمد البخاري
أبو عبد الله (أبو جعفر) محمد بن موسى الخوارزمي، هو
عالم رياضيات، وعالم فلك، وجغرافيا عاش في القرن الـ 9 الميلادي. وتشير كنيته لموطنه
الأصلي دولة خوارزم، ومن ألقاب هذا العالم "المجوسي" الذي يشير لانتمائه
إلى سلالة الكهنة الزردشت السحرة (بالعربية: المجوس).
والمراجع لم تحتفظ بمعلومات كافية عن الخوارزمي،
ولا عن تاريخ مولده، ولا عن تاريخ وفاته، والمعروف أنه ولد في نهاية القرن الـ 8
الميلادي، وتوفي في النصف الثاني من القرن الـ 9 الميلادي، أي بعد عام 847 م، وما
اتفق عليه اليوم أنه ولد عام 783م، وتوفي في عام 850 م.
وفي بعض المصادر التاريخية أطلق على العالم الخوارزمي،
لقب "المجوسي" أي الساحر. ومنها نفهم أن أجداده كانوا من السحرة والكهنة
في الديانة الزرداشتية، التي انتشرت قبل الإسلام على أراضي وسط آسيا (ما وراء
النهر).
والخوارزمي، كان الكثيرين من علماء ما وراء النهر
الذين جرت دعوتهم للعمل في عاصمة الخلافة الإسلامية العربية بغداد. ومن بين
معاصريه الذين عاشوا في بغداد علماء فلك مشهورين أمثال: أبو العباس محمد
الفرغاني الذي قدم من فرغانة، ومحمد بن عبد الله المروازي، المعروف
باسم حبش الحاسب، الذي قدم من مرو.
وفي ستينات القرن الـ 8 الميلادي أنشأ الخليفة المنصور
من السلالة العباسية، وتولى الحكم خلال الفترة من عام 754 م وحتى عام 775 م, مدينة بغداد كعاصمة للدولة الجديدة وشغلت آنذاك مساحة
كبيرة، وسرعان ما تحولت إلى مركز هام للتجارة، والعلوم، والثقافة.
وإدارة دولة ضخمة، لم يكن سهلاً آنذاك، وهو ما فهمه
الخلفاء، وأيقنوا أنه لا يمكن تحقيق خططهم الاقتصادية والعسكرية دون التمكن من العلوم
التي عرفتها شعوب البلاد الخاضعة لهم. ولهذا أسهم الحكام آنذاك إسهاماً كبيراً في تطوير
العلوم. وأنشأوا مدرسة علمية كبيرة في بغداد جذبت إليها أبرز علماء مختلف البلدان
آنذاك. وأنشأوا مكتبة إمتلأت بالأعمال العلمية القيمة.
وآنذاك انصب اهتمام خاص على ما توصلت إليه العلوم
اليونانية القديمة والهلنستية. وجمعت مؤلفات علماء قدماء، وجرى ترجمتها إلى اللغة
العربية. ونظمت بعثات خاصة لشراء المخطوطات القديمة.
والعلوم الدقيقة مثل: الرياضيات، والفلك، وعلم طبقات الأرض،
والرياضيات الجغرافيا، حظيت آنذاك على اهتمام خاص. وجرت ترجمة كتب الـ"عناصر"
لإقليدس، والـ"مجسطي" لبطليموس، و"سفيريكا" لمنيولوس،
وغيرهم إلى اللغة العربية. وجرت آنذاك دراسات على مؤلفات علم الفلك الهندي. و خلال
الفترة من الممتدة من القرن الـ 8 وحتى القرن الـ 9 لم يكن علماء بغداد مترجمين ومعلقين
فقط. فقد قاموا بأبحاثهم الخاصة، وتوصلوا إلى نتائج قيمة في مختلف إتجاهات المعرفة
العلمية.
ومن بعد المنصور استمر الخلفاء برعاية العلوم. وجاء
حفيده هارون الرشيد الذي حكم خلال الفترة من عام 786 م وحتى عام 809 م. وعرف
(ولو بشكل مثالي) من خلال حكايات "ألف ليلة وليلة"، أن إزدهار العلوم في
بغداد كان أكثر في عهد الخليفة المأمون، حفيد هارون الرشيد الذي
تولى الخلافة من عام 813 م وحتى عام 833 م، وفي عهده تأسس "بيت الحكمة"
الذي قام بوظائف تشبه وظائف أكاديمية العلوم اليوم. وضم "بيت الحكمة"
مكتبة غنية احتوت على مكتبة احتوت على مخطوطات قديمة، وضم مرصداً فلكياً.
وكان الخوارزمي بين العلماء الذين عملوا في هذه
الأكاديمية ببغداد لسنوات طويلة، ويذكر النديم، المؤرخ الشهير في القرن الـ
10 الميلادي، أن محمد بن موسى، من خوارزم ودعاه الخليفة المأمون لـ"بيت
الحكمة".
وفي عام 813 م عندما كان المأمون والياً على الجزاء
الشرقية من الدولة عاش في مرو، ويعتقد أنه إلتقى بالخوارزمي،فيها ولهذا
دعاه إلى بغداد.
و امتدح الخوارزمي في واحدة من مؤلفاته المأمون.
وأشار إلى: "حبه للعلوم وسعيه لتقريب العلماء منه، وفرده جناح رعايته عليهم وأنه
ساعدهم على توضيح ما لم يكن معروف عندهم،
وذلل الصعوبات أمامهم ".
ولا يعرف إلى أي مدى كانت مشاركة المأمون الشخصية
واقعية في الأعمال العلمية، ولكن مما لا يدعو للشك أن العلماء الذين عملوا في
"بيت الحكمة" قدموا إسهامات ضخمة في الرياضيات، وعلم الفلك، وغيرها من
العلوم. وعلى سبيل المثال: قاموا بقياس طول درجة من درجات خط الطول لإيضاح قياس محيط
الأرض المكتشف قديماً. وعثوروا على قيمة درجة واحدة من القوس، القريبة من الحقيقة
(111 كيلو متر). ويؤكد المؤرخون أن الخوارزمي شارك في هذه الأعمال.
وحتى الآن لم تبقى أية تفصيلات عن فترة حياته في بغداد.
وكل ما هناك معلومات تشير إلى أنه قام برحلتين: واحدة إلى بلاد الخزر، والأخرى إلى
بيزنطا. ولكن من الصعب التأكد من صحة هذه المعلومات.
وفي وقت متأخر ظهر اسم الخوارزمي عام 847 م عندما
توفي فيه الخليفة الواثق، وذكر اسمه بين الشخصيات التي حضرت وفاته.
وعلى هذا الشكل نحن نرى أن الحقائق التي بقيت عن حياة
العالم الكبير من ما وراء النهر قليلة جداً. ولهذا نرى أنه على مؤرخي العلوم
الإعتماد بشكل أساسي على أبحاثه ومؤلفاته. واهتمامات الخوارزمي العلمية تعددت
وتناولت الرياضيات، وعلم الفلك النظري والتطبيقي، والجغراقيا، والتاريخ. وبقيت المؤلفات
التي كتيها الخوارزمي. وأشار بعض كتاب القرون الوسطى إلى بعض المؤلفات التي
فقدت.
والخوارزمي كتب أول دليل في الحساب، وأسسه على
مبدأ الموضعية. وبالإضافة له بقيت مقالاته عن الجبر، وعلم التقاويم. وكتابه الشهير
"كتاب الجبر والمقابلة" الذي كتب الخوارزمي وكرسه لحل معادلات
الخط والمربع، ومن تسميته جاء مصطلح "الجبر". ومقالة الجبر تضمنت فصلاً
عن الهندسة، وجداول حساب المثلثات، وجداول خطوط طول، وخطوط عرض المدن.
ولعب دليل الخوارزمي دوراً كبيراً في تطوير علم
الحساب. ليصبح اسم هذا العالم الكبير باللاتينية Algorismus
و Algorithmusيعني في أوروبا القرون الوسطى نظام الحساب العشري. وفي
وقت لا حق أصبح مصطلح "ألغوريتم" يعني العمليات التي تمكن في خطواتها
النهائية حل مسائل معينة.
ومن مقالات الخوارزمي في الجغرافيا "كتاب
خرائط الأرض" الذي يعتبر أول عمل مشهرو في الجغرافيا كتب باللغة العربية.
وكان له تأثير كبير على مستقبل تطور هذه العلوم في الدول الشرقية.
بحث أعده أ.د. محمد البخاري في طشقند بتاريخ
28/1/2014 نقلاً عن المصدر الإلكتروني بتاريخ 6/9/2012:
http://ziyonet.uz/ru/people/abu-abdulloh-al-horazmiy_uzc/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق