يتحدث
البحث عن مفاهيم العلاقات العامة. وعن
نشوء وتطور العلاقات العامة. وعن العلاقة بين المعلوماتية والإعلان
والدعاية والعلاقات العامة بالصحافة. وعن تأثير العلاقات العامة في العلاقات
الإجتماعية. وعن خصائص تشكل سوق العلاقات العامة وتطوره في بعض الدول.
كتبه
أ.د. محمد البخاري: دكتوراه
في العلوم السياسية DC تخصص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم
الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه
فلسفة في الأدب PhD، تخصص: صحافة. بروفيسور
قسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الصحافة بجامعة ميرزة ألوغ بيك القومية
الأوزبكية سابقاً، متقاعد.
1-
مفاهيم العلاقات العامة:
تشمل
مفاهيم العلاقات العامة "Public relations" عملياً أكثر من 500 مفهوم في العالم. ومن بين أكثرها
انتشاراً: العلاقات
مع المجتمع؛ العلاقات الإجتماعية؛ العلاقات الإنسانية؛ العلاقات العامة.
وعرف سيم
بليك أحد أشهر المتخصصين بالعلاقات العامة، هذا
المفهوم بأنه "علم وفن للوصول إلى التفاهم المبني على الصدق والمعلومات
الكاملة".
بينما
عرفه ف. كوتلير المتخصص بالتسويق "بأنه مجموعة من البرامج المتنوعة
أعدت لتشجيع وتقديم وحماية سمعة الشركات والمنتجات".
وعرفه
فرينك جيفكينس بأنه "كل شكل من أشكال الإتصال المخطط له، خارجياً
وداخلياً، بين المؤسسات ومجتمعاتها، للوصول لأغراض محددة، الهدف منها تحقيق
التفاهم".
وعرفته
الهيئة العامة للرابطة العالمية للعلاقات العامة بأنه "فن وعلم إجتماعي
يحلل إتجاهات التنبؤ بنتائج المشاورات التي يجريها المسؤولون في المؤسسات، وفقاً
لبرامج معدة مسبقاً، تخدم مصالح المؤسسات والمصالح الإجتماعية".
ومن
وجهة نظر علم الإدارة جاءت وظيفة العلاقات العامة بأنها "وظيفة إدارية تقيم
الإدارة من خلالها وتتمسك بعلاقات مفيدة بين الجهة المعنية والجماعات الإجتماعية
التي يتوقف عليها نجاح أو فشل نشاطات تلك الجهة".
2-
نشوء وتطور العلاقات العامة:
منذ
القدم تعتبر العلاقات العامة وسيلة من وسائل التأثير على الرأي العام. أما في
عصرنا الحاضر فقد ظهرت بدايات إستخدامها في الولايات المتحدة الأمريكية منذ القرن
الـ 19، حين استخدمت للإستفادة من التفاعلات الديمقراطية الجارية في المجتمع أثناء
الحملات الإنتخابية البرلمانية والرئاسية.
ومع
ظهور وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية للنقابات، وهيئآت، ومؤسسات المجتمع
المدني، غدت النشاطات الحكومية غير ممكنة دون دعم ومشاركة الأوساط الإجتماعية.
ولهذا أحدثت أجهزة خاصة بالعلاقات العامة ضمن أجهزة السلطات الحكومية، من أجل
القيام بحوار مع الأوساط الإجتماعية.
ويرجع
بعض الباحثين مصطلح العلاقات العامة "Public relations" لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية توماس جيفيرسون
الذي أشار إليه في كلمته التي ألقاها أمام الكونغرس الأمريكي. ويرجعه آخرون للباحث
دورمان إيدون.
ومع
تطور المنافسة ورغبة المتنافسين بالحفاظ على مستوى العرض والطلب على البضائع برز
دور العلاقات العامة في الأسواق التجارية، وجرى التأكيد على أهمية إدارة الرأي
العام في مجال التسويق. واعتبرت العلاقات العامة جزءاً لا يتجزأ من البنية التحتية
التجارية لتوسيع الأسواق وزيادة الأرباح، والعمل المشترك مع الأجهزة الإدارية،
وأجهزة السلطات المحلية، والصحافة.
ورافق التطور ظهور الحاجة لإيجاد إدارات
للعلاقات العامة داخل مختلف الأجهزة، والمنظمات، والهيئات، والمؤسسات، والشركات، نتيجة للاحتجاجات العمالية، التي أكدت على ضرورة البحث
عن طرق فاعلة للتعامل مع العاملين داخل الجهات المعنية. وعلى هذا الشكل ظهرت
الحاجة لإقامة إتصالات فاعلة تشمل مختلف المجالات، ومختلف المستويات لتصبح مقدمة
لنشوء نشاطات محترفة للعلاقات العامة.
وتعمل اليوم
وكالات متخصصة
بالعلاقات العامة في معظم دول العالم، وإلى جانبها تعمل أقسام للعلاقات العامة في مختلف
الإدارات، والأجهزة، والهيئات، والمنظمات، والمؤسسات، والشركات، إلى جانب عمل متخصصين
مستقلين في العلاقات العامة.
وتتميز خدمات العلاقات العامة بطبيعة تشاورية مرتبطة
بإدارة العلاقات الداخلية والخارجية للجهة المعنية. وتطور قطاع العلاقات العامة
بشكل دائم وشمل إتصالات للتعاون، وإتصالات التصدي للأزمات الطارئة. ومعها تطورت
الإتصالات السياسية بالأوساط الإجتماعية في مختلف بلدان العالم. ورافقها تطور
تنظيم معارض العلاقات العامة وتوزيع مختلف المواد على زوار تلك المعارض.
3- العلاقات المتبادلة
في نشاطات العلاقات العامة:
آ.
العلاقات العامة والصحافة؛
في البداية ظهرت العلاقات العامة على مفترق الطرق بين
الدعاية والإعلان والصحافة، وأخذت نشاطات العلاقات العامة بالتوسع منذ القدم. وكان
المهم فهم الفرق بين العلاقات العامة والدعاية والإعلان والصحافة وغيرها من أشكال
نشاطات الإتصال الجماهيري. وانحصرت علاقة العلاقات العامة بوسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية وخاصة الصحافة عن طريق تقديم معلومات مدعمة بالوثائق، لتقوم الصحافة
بنشرها دون تحريف. لأن الصحافة وكما هو معروف يمكنها تحريف التصورات والتفاعلات
الإجتماعية الجارية عن طريق اختيارها معلومات معينة دون أخرى للنشر.
وإذا أخذنا بعين الإعتبار أن وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية في البلد المعني مستقلة بالكامل، وهذا أمر مشكوك فيه لأنه لا توجد
وسائل إتصال وإعلام جماهيرية مستقلة في أي بلد من بلدان العالم. لماذا ؟ لأن تلك
الوسائل تتناول الأحداث من وجهة نظر ومصالح جهات معينة (خاصة الجهة الممولة). ومع
ذلك تسعى إدارات العلاقات العامة لإيجاد نوع من التفاهم طويل المدى دون إلزام أي
طرف بتبني رأي أو فكرة معينة دون سواها. حتى أن المتخصص بالعلاقات العامة إدوارد
بيرنيس اعتبر أن العلاقات العامة تعتمد في نشاطاتها على العلوم الإجتماعية
والإنسانية وليس على العلوم اللغوية كما هي الحال في وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية، وخاصة الصحافة التي اعتبرت المقالات ومختلف مواد الدعاية والإعلان
نتيجة غير مباشرة لنشاطات إدارات العلاقات العامة.
ب.
العلاقات العامة والدعاية والإعلان؛
كانت نشاطات الدعاية والإعلان تجري دائماً ولم تزل لقاء
أجر يدفعه المعلن للقائم بالدعاية والإعلان عن طيب خاطر. ولهذا كان المعلن مسيطر
عملياً على أشكال ومضامين وحجم مواده الدعائية والإعلانية بالكامل.
والإعلان كان ولم يزل يستخدم كمثير لخلفيات هادفة لتهيئة
الظروف الملائمة لتنفيذ أي قرار حتى قبل اتخاذه. وكانت معظم المعلومات التنظيمية
والتنفيذية تأخذ طريقها من خلال تحقيقات صحفية أو من خلال مواد تقدمها أقسام
التحرير للنشر، وتتناول مواضيعها جهات معينة. وضمت تلك المواد عادة مقالات ومواد
أخذت طريقها للنشر لاعتبارات يراها المحرر وليس المعلن. وهذا يعني أن نشاطات
العلاقات العامة ما هي إلا مجازفة كبيرة لا يمكن توقع نتائجها. لماذا ؟ لأن مواد
الإعلان وفق تقييمات المتخصصين بالعلاقات العامة تشغل مساحات إعلامية تتجاوز
إهتمام الساحات الإعلامية التي تتعرض وبشكل دائم لسيل من المواد الإعلانية يزيد
بخمس مرات عن اهتماماتها الإعلامية. والسبب عائد للتقييمات الذاتية لكتاب المواد
الإعلانية، ومدى تناولها للأحداث الجارية فعلاً في المحيط الواقعي. لماذا ؟ لأن
المعلومات التي توزعها إدارات العلاقات العامة يجب أن تأخذ بإعتبارها أساليب وبنية
المواد الأخبارية وفق القوانين الصحفية النافذة.
بينما أظهر الواقع أن تعامل المتخصصين في العلاقات
العامة مع اي حدث يأتي عادة من خلال تغطيته عبر وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية
واسعة الإنتشار. ولهذا تتجه أقسام العلاقات العامة، لاستخدام مختلف قنوات الإتصال
المتاحة لإيصال إعلاناتهم وبياناتهم وآرائهم لأوسع الأوساط الإجتماعية المستهدفة.
وللإعلان ونشاطات أجهزة العلاقات العامة إيجابياتها وسلبياتها أثناء تطبيقها،
ولهذا لابد من مراعاة وأخذ السلبيات والإيجابيات بعين الإعتبار أثناء الإعداد
لاستراتيجيات العلاقات العامة.
ت.
العلاقات العامة والمعلوماتية.
والمعلوماتية هي عكس العلاقات الإجتماعية، لأن
المعلوماتية لا تأخذ بإعتبارها في كل الحالات طبيعة ساحاتها الإعلامية ومطالبها.
لهذا كان لابد من تعاون وثيق بين إدارات العلاقات العامة وقنوات المعلوماتية أثناء
استخدام مجالات المعلوماتية، لجمع وتحليل المعلومات التي تعتبر أساساً لاتخاذ القرارات
الفعالة في مجال العلاقات العامة. وهنا لابد أن نشير إلى أن وسائط وقنوات
المعلوماتية والإتصال ما هي إلا أدوات تمكن من إقامة علاقات إجتماعية إيجابية أو
سلبية على حد السواء.
4-
التأثير المتبادل للعلاقات العامة والعلاقات الإجتماعية:
يعتبر
فهم الساحات المستهدفة من المفاهيم الأساسية للعلاقات العامة. لأن تلك المفاهيم
مرتبطة بنشاطات العلاقات العامة الشاملة لساحات عامة وليس لمجموعات بشرية مختارة
بدقة. وتعتبر تلك المفاهيم من مكونات الساحات المستهدفة. وهذا مهم للإعلانات
الموجهة إلى ساحات خارجية، بينما العلاقات العامة تتوجه للساحتين الداخلية
والخارجية في آن معاً. ورغم ذلك نلاحظ تمنع متعمد عن أخذ الساحة الداخلية بعين
الإعتبار لدى جهات معنية في بعض الدول.
ومن
إتجاهات تأثير العلاقات العامة على الساحات المستهدفة:
1.
أن العلاقات العامة تجبر الناس على
فعل شيء ما.
2.
أن العلاقات العامة تجبر الناس على
عدم فعل شيء ما.
3. أن العلاقات العامة تحصل على رضا الناس عن أعمال جهات
معينة تجنباً للإنتقادات.
وأن العمل مع الساحة المعنية
يمكن أن يكون من خلال:
-
توفير خلفيات لسلوك جديد؛
-
أو دعم سلوك إيجابي قائم؛
-
أو تغيير سلوك سلبي.
ومن
خلال العمل مع الساحات المعنية المستهدفة يتم الاتفاق على أهداف رئيسية لنشاطات
العلاقات العامة التي حددها إ. ل. فيكينتييف بـمواقف نشاطات العلاقات
العامة وتتناول:
-
موضوع الدراسة؛
-
الهادف لرفع مستوى الشخصية؛
-
أو تخفيض مستوى الشخصية؛
-
أو محاربة الدعاية والإعلان المضاد؛
-
أو الإبتعاد عن المنافسين وعن الإعلانات والدعاية المضادة.
5.
1- خصائص تطور سوق العلاقات العامة:
عدة
عوامل رافقت تشكل خصائص سوق خدمات العلاقات العامة في بعض الدول. فقد كانت
العلاقات العامة أو العلاقات الإجتماعية كما كانت تسمى في عهد المعسكر الإشتراكي
السابق، تستخدم ولفترة طويلة لمحاربة نشاطات رأس المال، والدعوة للتسويق وتطويره
وفق علاقات ديمقراطية تتلائم مع المفهوم الإشتراكي. وبعد إنهيار المعسكر الإشتراكي
أنشأت آليات سوق في تلك الدول رافقتها تحولات إقتصادية وسياسة أخذت معها العلاقات
العامة بالتطور السريع. ومن بداية تسعينات القرن العشرين بدأ بالظهور متخصصون
بالعلاقات العامة في دول المعسكر الإشتراكي السابق، ورافق ظهورهم قيام وكالات
لتقديم خدمات محترفة للعلاقات العامة. وقامت مجموعات منها بدراسة آليات عمل
العلاقات العامة في الغرب وتوصلت بالنتيجة إلى أن استخدام العلاقات العامة عديم
الفائدة دون الأخذ بعين الإعتبار الخصائص المحلية لكل دولة.
ومن
أواسط تسعينات القرن الماضي شرعت مجموعات متخصصة بإعداد قاعدة نظرية وعملية لنموذج
علاقات عامة يصلح للدول الإشتراكية السابقة. وبنتيجتها ظهرت عدة دراسات وأعمال
نشرت في عدد من الكتب التعليمية، معظمها مترجماً عن اللغة الإنكليزية. وكان مؤلف سيم
بليك الذي ترجم عن الإنكليزية أكثرها أهمية. ورافق ذلك وعياً وفهماً لوظيفة
العلاقات العامة وجوهر نشاطاتها في دول المعسكر الإشتراكي السابق. لتبدأ ظاهرة
الخروج عن المألوف في كتابة مواد الدعاية والإعلانات ونشرها في وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية.
وعرضت
وكالات العلاقات العامة قائمة طويلة لخدمات، شملت:
-
إعداد مبادئ للتعامل مع المجتمع، تفيد كل الجهات المعنية؛
-
وخلق سمعة جيدة للبضائع والمنتجات والخدمات؛
-
ورفع مستوى القيادات العليا لأداء الوظائف الملقاة على عاتقها؛
-
والإعداد للعمل المشترك مع وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية؛
-
والقيام بأبحاث تشمل الأجواء الإجتماعية والسلوكية للعاملين؛
-
وإدارة الأزمات، وغيرها من خدمات العلاقات العامة.
ظهر
معها مدى التحول الجذري الذي حدث في مجال الإتصال الخارجي. رافقه بدء عمل أجهزة
العلاقات العامة على جميع الأصعدة مثل:
-
الإتصال بالوسط الخارجي بشكل مباشر أو غير مباشر؛
-
والعمل المشترك مع الأوساط الداخلية.
وانصب
معها سيل من معلومات العلاقات العامة نحو آفاق شاقولية وأفقية، قدمت كلها عبر
وسائل الإتصال وفق قوائم تضمنت خدمات العلاقات العامة.
وأظهرت
بعض الدراسات أن من أسباب عدم إنتشار نشاطات وكالات العلاقات العامة الدولية في
الإتحاد السوفييتي السابق كان مستوى الأجر المرتفع بالدولار الأمريكي الذي كانت
تتقاضاه تلك الوكالات، بالإضافة للخصائص القومية داخل الإتحاد السوفييتي السابق،
ولو أن هذه المشكلة كان يمكن حلها من خلال إقامة وكالات إقليمية، كوكالة أنباء تاس
التي كان لها فروعاً إقليمية في جميع الجمهوريات السوفييتية قبل استقلالها، وتحولت
بعد الإستقلال إلى وكالات أنباء وطنية. ولكن الذي حدث بعد انهيار الإتحاد السوفييتي
السابق أن لجأ الكثيرون من السياسيين والشخصيات الإجتماعية ورجال الأعمال لخدمات
متخصصين غربيين في العلاقات العامة لدرجة الإستعانة بالمتخصصين الغربيين لإنجاح
الحملات الإنتخابية لشغل منصب رئيس الجمهورية وعضوية الدوما (البرلمان) في
الفيدرالية الروسية.
وهذا
يسمح لنا بالقول أن العلاقات العامة حظيت بتطور واسع في دول رابطة الدول المستقلة،
ولكن الذي حدث أن رجال الأعمال وقادة المؤسسات غير التجارية على حد سواء اقتصروا
على استخدام العلاقات العامة كأسلوب للتعامل مع الصحافة، التي كان يجري التعامل
معها بأسلوب نشر الدعاية والإعلانات المستترة وراء فنون صحفية أخرى. ومن الأسباب
الأخرى عدم قدرة أكثر المتخصصين في العلاقات العامة على تقدير دور العلاقات
الإجتماعية، وعدم قدرتهم على تأمين راجع الصدى الملموس عن حملات العلاقات العامة
اللازمة لتقدير نشاطات الفاعلين والمستهدفين من تلك الحملات. بالإضافة لعدم كفاية
الدعم المعلوماتي لإستراتيجة فعالة.
لهذا
نرى أن العلاقات العامة في دول رابطة الدول المستقلة لم تزل بحاجة للتطوير وإيصال
نشاطات الجهات المعنية للمستهدفين، وأن تكون تلك النشاطات مبنية على الخبرات
المحلية والعالمية للمجتمع بالشكل المطلوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق