صفحات عن حلب الشهباء
تعتبر حلب الشهباء من أقدم مدن
العالم التي لم تزل مستمرة بالحياة حتى اليوم. وهي من رموز الحضارة العربية والإسلامية
والإنسانية التي تجمع بين التراث والمعاصرة في آن معاً, ولهذا قامت منظمة اليونسكو
بتسجيلها كأقدم مدينة في التراث الإنساني العالمي عام 1986م.
وتقع مدينة حلب على خط الطول 12,36 وخط
العرض 37,93، وترتفع عن سطح البحر 379 متراً، وتبعد عن العاصمة دمشق 350 كم. وفي شوارعها
العتيقة وحاراتها الشعبية, وأسواقها القديمة المفعمة برائحة الصندل والبخور
والتوابل، وحول قلعتها الشامخة تستنشق عبق التاريخ العريق الموغل بالقدم.
ومحافظة حلب عبارة عن متحف في الهواء الطلق
تتمتع فيه بالطبيعة الخلابة المتنوعة من السهول والغابات على شواطئ نهر الفرات الممتدة
حتى الجبال المتاخمة للحدود السورية التركية. وهي من أقدم المناطق التي استوطنها
الإنسان, وفق ما أكدته التنقيبات الأثرية التي جرت وما زالت تجري في التلال
الأثرية الكثيرة المتوزعة في انحاء المحافظة, وقدمت آثار تل المريبط لنا اليوم نموذجاً
لمستوطنة زراعية تعود للألف التاسع قبل الميلاد.
وتقع محافظة حلب في شمال سورية، وتبلغ
مساحتها (18500) كم2 أي ما يقارب 10% من مساحة سورية، وتشكل عقدة مواصلات بين
العراق والبحر، وبين تركيا وباقي المناطق السورية وهي غنية بتنوع زراعتها وتضم
أكبر عدد من القرى يبلغ 143 قرية. ويعد نهر الفرات المصدر الرئيسي الذي يغذي
المحافظة بمياه الشرب والري. ويزيد عدد سكان المحافظة عن الأربعة ملايين نسمة. وتتمتع
بفصول السنة الأربعة وتتراوح درجة الحرارة ما بين الـ 3 مº شتاء
والـ 35 مº صيفاً.
أهم أنهارها: نهر الفرات؛ ونهر عفرين؛ ونهر
الساجور؛ ونهر قويق.
وأهم محاصيلها الزراعية: القطن؛ والزيتون؛ والحبوب
والقمح؛ والشوندر السكري، والفستق الحلبي.
أهم بحيراتها الطبيعية: بحيرة الجبول الملحية؛ وبحيرة
17 نيسان على مجرى نهر عفرين.
وتمتاز المحافظة بثرواتها الأثرية وإلى
جانب الآثار المعمارية في مدينة حلب هناك عدد كبير من التلال الأثرية المنتشرة في
أنحاء المحافظة وجرت فيها أعمال التنقيب الأثري أو أنها مازالت تنتظر دورها للتنقيب
الأثري، وخاصة في جبل سمعان وسهول حلب، وتعود هذه الآثار الى العصور الحثيّة
والرومانية والبيزنطية والإسلامية.
وتشير المراجع التاريخية إلى أن ذكر مدينة
حلب ورد في رقم مملكة إيبلا باسم (أرمان), وورد اسمها (حلب) في رقم ماري (1750 ق.م)
كعاصمة لمملكة (يمحاض), وقيل أن كلمة حلب تعني في اللغة العمورية معادن الحديد
والنحاس, أما باللغة الآرامية فاسم حلب محرف من (حلب) والتي تعني البياض نسبة إلى
بياض تربتها، وهذه الحروف الثلاثة المشعة أبد الدهر (حلب) ظلت الأساس وبقي اسم حلب
خالداً حتى اليوم.
كما وتشير المراجع التاريخية إلى أن
حلب سكنها إنسان العصر الحجري القديم (حي المغاير في منطقة الكلاسة), ومرت بها
حضارات العالم القديم، وفي بدايات الألف الثاني قبل الميلاد كانت عاصمة مملكة
(يمحاض) العمورية, وورد ذكرها في ألواح إيبلا وماري وأوغاريت, واحتلها الحثيون
وأسموها (حلبا), وحكمها الميتانيون، ومر بها الفراعنة والآراميون ومن بعدهم
الآشوريون ثم الكلدانيون والبابليون, وغزاها الفرس الإخمينيون فأصبحت ضمن
إمبراطوريتهم, ثم فتحها الاسكندر المقدوني عام 333 ق.م لتبدأ فيها الحضارة
الهلنستية, ثم خضعت من بعده للسلوقيين وأصبح اسمها (بيرو يا), ثم احتلها الرومان
عام 64 قبل الميلاد وعاود الفرس الساسانيون احتلالها ثانيةً عام 540م وخربوها
وأحرقوها ولكنهم لم يتمكنوا من احتلال قلعتها, وبعدها احتلها البيزنطيون وعاود
الفرس احتلالها مرة أخرى.
وفي عام 637م دخلها العرب المسلمون
سلماً من باب أنطاكية بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وسمح العرب المسلمون
لحامية المدينة من جند الروم البيزنطيين مغادرة حلب بسلام, وقد ازدهرت في عهد
الأمويين ومن بعدهم العباسيين والطولونيين والإخشيديين, وأصبحت عاصمة للحمدانيين
في القرن العاشر للميلاد (حكمها سيف الدولة الحمداني)، ثم عاود البيزنطيون
احتلالها مرة أخرى وانتقلت إلى حكم الفاطميين وبني مرداس من بعدهم, فالسلاجقة, وحاصرها
الصليبيون ولم يستطيعوا دخولها فبقوا خارج أسوارها ودمروا القرى حولها واحرقوها وعاثوا
فيها الفساد, وفي عام 1128م استولى عليها الزنكيون ومن بعدهم الأيوبيون, وفي عام
1183م خضعت لحكم السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي ولى عليها ابنه الظاهر
غازي, وفي عام 1260م غزاها المغول بقيادة هولاكو, ثم حررها المماليك ثم
حاصرها التتار، واستولى عليها تيمورلانك عام 1400م ونهبها, ثم حررها
المماليك مرة أخرى, وفي عام 1516م, دخلها العثمانيون بعد هزيمة قانصوه الغوري
سلطان المماليك في معركة مرج دابق الشهيرة, وفي عام 1822م ضربها زلزال مدمر, وفي
عام 1832م دخلها إبراهيم باشا بن محمد علي باشا حاكم مصر وانسحب منها عام 1840م,
ودخلتها قوات الثورة العربية الكبرى عام 1918م, ومن ثم دخلها الفرنسيون عام 1920م,
الذين جلوا عنها عام 1946م.
ومدينة حلب بنيت على أرض زراعية
يخترقها نهر قويق الذي ينبع من مدينة عنتاب حالياً وبعد أن حولت تركيا مجرى النهر
أصبح يتغذى من بعض الينابيع ومن مجاري سيول الأمطار. كما وتتميز محافظة حلب بطبيعة
متنوعة تتركز فيها الجبال بالمناطق الغربية والشــمالية الغربية والسهول في
مناطقها الشرقية والشمالية الشرقية والجنوبية. وأكسبتها كثرة الجبال شهرة بتوفر الأحجار
الكلسية والبازلتية. كما وتحوي بعض الأنهار والبحيرات والسدود أهمها:
نهر قويق: ينبع من عنتاب داخل الأراضي التركية وطوله
98 كم ضمن الأراضي السورية ويصب في سهول حلب الجنوبية (منطقة المضخ) وبعد تحويل
تركيا لمجرى النهر داخل أراضيها أصبح يتغذى في الأراضي السورية من مياه السيول
وبعض الينابيع الموسمية.
نهر عفرين: ينبع من تركيا وطوله داخل الأراضي
السورية نحو 68 كم ومعدل تصريفه: 1.3م3 / ثانية.
نهر الساجور: وهو نهر موسمي طوله داخل
الأراضي السورية بنحو 48 كم ويصب في نهر الفرات مخترقاً منطقة جرابلس.
نهر الفرات: ويمر ضمن محافظة حلب من
جرابلس وحتى مسكنة حيث يفصل بين منطقتي منبج وجرابلس من جـــــهة وعين العرب من
جهة ثانية، ويبلغ طوله 2880 كم منها: 680 كم ضمن الأراضي السورية، ومعدل تصريفه 825
م2 في الثانية، وأقيمت عليه بحيرة الأسد التي تبلغ مساحتها: 674 كم2، بالإضافة لثلاث
سدود هي: سد البعث؛ وسد الفرات؛ وسد تشرين، ويقع الأخير ضمن أراضي محافظة حلب.
كما ويقع في محافظة حلب: سد تشرين؛ وسد
الشهباء؛ وسد راجو؛ وسد أم جلود؛ وسد /17/ نيسان على نهر عفرين؛ وبحيرة الجبول. وينبع
فيها: نبع الباسوطة (عفرين)؛ ونبع أبو قلقل (منبج)؛ ونبع حيلان (سمعان). وفيها:
جبل عفرين؛ وجبل سمعان؛ وجبل الحص.
وأراضي المحافظة سهلية تشكل أغلبها
أراضي بعلية تربتها: 35% أراضي صفراء و23% أراضي سمراء و23% أراضي جبسية و10%
أراضي حمراء والباقي أراضي مختلفة.
وتتركز الكـثافة السكانية بمحافـظة حلب
في الجهتين الشمالية والغربية، ومنها: منطقة سمعان الغربية؛ وعفرين؛ واعزاز. وتتميز
هذه المناطق بزراعة الزيتون والحبوب والخضروات وتكثر فيها الأمطار الموسـمية
نسبياً بينما تقل الكثافة السكانية في المناطق الشرقية والشمالية الشـرقية التي
تشتهر بزراعتها البعلية وخاصة الحبوب بينما أصــبحت المناطـــق الجنوبية والشرقية تشتهر
نتيجة مشاريع الري التي نــفذت فــيها بزراعة القطن والشوندر السكري والذره .
وكل من زار حلب وتعرف عليها هام بحبها.
واحتضنت حلب الشهباء أبرز مفكري العالم, حيث استجم فيها أرسطو, ووردت في أشعار
شكسبير مرتين، وذكرها دانتي في الكوميديا الإلهية, وحظيت بإعجاب
الرحالة والباحثين الغربيين الذين زاروها أو أقاموا فيها منذ القرن السادس عشر الميلادي
حتى القرن العشرين. وألف الطبيب الألماني بيشوف كتاباً عنها باللغة العربية
بعنوان (تحف الأنباء في تاريخ حلب الشهباء), ووصفها الشاعر الفرنسي لامرتين
الذي سكن فيها عام 1830م بأنها أثينا الآسيوية, وله قصيدة يصف فيها فتاة حلبية
تدخن النرجيلة بجانب بركة الدار. أما المستشرق الفرنسي جان سوفاجيه الذي
زار حلب وألف عنها كتاباً اسماه (الآثار الإسلامية والتاريخية في حلب), ويذكر
أن الكاتبة البريطانية المعروفة أغاثا كريستي كتبت قصتها الشهيرة (جريمة
في قطار الشرق السريع) وهي تجلس على شرفة غرفتها في فندق بارون بحلب. ووصفها
قنصل البندقية في حلب داندولو عام 1599م بقوله: حلب الهند الصغيرة بخاناتها
الواسعة وتجارها الأغنياء ومبانيها الجميلة. وألف الأخوان الطبيبان الكسندر
وباتريك راسل كتاباً عنها حمل اسم تاريخ حلب الطبيعي في القرن الثامن عشر،
عندما أقاما فيها خلال الفترة الممتدة من عام 1734م وحتى عام 1756م. وورد ذكر حلب
في أغلب كتب الرحالة الغربيين الذين زاروها وأعجبوا بها. مثل الرحالة الفرنسي فولني
في القرن الثامن عشر والرحالة الإنكليزي رامبلز.
وكانت حلب سابقاً من أهم محطات قطار
الشرق السريع الذي كان صلة وصل بين أوربا والشرق. وترتبط مدينة حلب بباقي مدن
القطر بشبكة من الطرق الدولية والمعبدة والخطوط الحديدية ويتم الدخول إليها براً من
تركيا وأوربا عبر مراكز الحدود البرية: مركز السلامة (أعزاز)؛ ومركز باب الهوى
(إدلب)؛ ومركز جرابلس؛ ومركز ميدان اكبس. وجواً بالطائرة إلى مطار حلب الدولي.
وتذكر المصادر التاريخية أن حلب كانت مركزاً
لسك النقود في عهد السلوقيين واستمر خلال العهود الإسلامية المتلاحقة واشتهرت في
سك النقود الفضية، ويوجد في متحفي دمشق وحلب وغيرها مجموعات من النقود المسكوكة بمدينة
حلب.
وبمدينة حلب فنادق ومطاعم كثيرة من
كافة الدرجات تلبي حاجات السياح, وتقوم بعض هذه الفنادق بتقديم أنشطة مختلفة
ومتنوعة ثقافية وفنية وتقدم أشهى المأكولات الحلبية والسورية والأجنبية، كما يمكن
للسائح الإقامة بإحدى الدور الحلبية التراثية المفروشة, التي تم تحويلها إلى فنادق
صغيرة ليتعرف السائح على الفن المعماري الحلبي ويشعر بمدى الراحة والهدوء.
وحين تتجول في أسواق حلب القديمة المسقوفة
والمغطاة تجد متعة في التسوق لا تنتهي، وتعبق برائحة الماضي العريق، ورائحة
التوابل وصابون الغار والعطور، وتدخل عالم الأساطير التي يرويها التجار، وتشاهد
السلع والبضائع الرائعة والمتنوعة من المنسوجات الحريرية والصوفية والقطنية، والأحذية،
والمشغولات الشرقية، والمصوغات الذهبية والفضية، وغيرها من المصنوعات التي تشتهر
بها حلب الشهباء التي تعتبر وبجدارة العاصمة الصناعية لسورية.
كتبها
وأعدها للنشر في طشقند بتاريخ 11/12/2017: أ.د. محمد البخاري، دكتوراه في
العلوم السياسية (DC) تخصص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم
الدولية وتطور العولمة ، ودكتوراه فلسفة في الأدب (Ph.D)، تخصص صحافة، بروفيسور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق