التبادل الإعلامي الدولي في إطار
التدفق الإعلامي الدولي
يمثل الإستقلال السياسي
للعديد من دول العالم إثر إنهيار المنظومة الإشتراكية التي كان يقودها الإتحاد
السوفييتي السابق، أحد خصائص النظام الدولي الجديد الآخذ بالتبلور منذ العقد
التاسع للقرن العشرين. ورغم ذلك فإن الظروف العالمية الراهنة تظهر إتجاه بعض الدول
لتبني هيمنة وتأثير بعض الدول على النظام الدولي الجديد الآخذ بالتبلور. بينما
تتجه دول أخرى لرفض الهيمنة والتأثير عليها، إضافة لسعي العديد من شعوب المناطق
المضطربة والداخلة ضمن الحدود السياسية لبعض الدول للحصول على الإستقلال السياسي
والتمتع بالسيادة الوطنية على أراضيها.
وكان لمعادلات القوة
تأثيرها على عملية التبادل الإعلامي الدولي، كنتيجة للتقدم التكنولوجي والعلمي في
مجال تقنيات الإتصال، حيث أصبحت الدول أكثر إرتباطاً وقرباً من بعضها البعض أكثر
من ذي قبل (Carol
H. Wese: What America's Leaders Read. Public Opinion Quarterly, Voi. XXXVIII.
No. 1. Spring 1974, pp. 1-22).
وأصبح للإتصال وللتبادل
الإعلامي الدولي دوراً متميزاً في العلاقات الدولية، وخاصة في مكونات الشخصية
القومية لمختلف الشعوب، وتشكل وتوظيف السياسة الخارجية للدول، واستخدام وسائل
السياسات الدولية بشكل عام. ويمثل عدم التوازن والتفاوت في الإتصال والتبادل
الإعلامي الدولي بين مختلف دول العالم، أحد الأبعاد الهامة في السياسة الدولية.
وهذا يؤكد أن التدفق الحر
للمعلومات لا يعد أكثر من مجرد تدفق للمعلومات في إتجاه واحد، وليصبح التدفق حراً
لا بد من تحقيق شئ من التوازن الحقيقي بين الدول.
وقد يحدث عدم التوازن داخل
دورة التبادل الإعلامي الدولي بأشكال مختلفة، مثلاً: - بين الدول المتقدمة والدول
الأقل تقدماً والدول النامية؛ - بين الدول ذات الأنظمة السياسية والإقتصادية
والإجتماعية المختلفة؛ - بين الدول المتقدمة المنتمية لنفس المنظومة السياسية، من
حيث الإمكانيات، كالفروقات بين الدول الكبيرة والدول الصغيرة؛ - بين الدول النامية
نفسها، كالدول الفقيرة ذات الدخل المنخفض، والدول الغنية ذات الدخل المرتفع من
عائدات الموارد الطبيعية؛ - بين الأنباء المشجعة والأنباء السيئة.
وكل هذه الأشكال من حالة
عدم التوازن، لا تقتصر فقط على الإتصال والتدفق الإعلامي والتبادل الإعلامي الدولي
فقط، بل تتعداها لتشمل جمع وإعداد ونشر المعلومات لأغراض التطور العلمي، ونقل
التكنولوجيا الجديدة المتطورة، وتلبية حاجات الإقتصاد الوطني ... الخ. وبالتالي
يؤدي هذا إلى إتساع الفجوة بين الدول المرسلة، أي منابع التدفق الإعلامي الدولي،
وبين الدول المستقبلة، أي المستهلكة للمادة الإعلامية الدولية.
ودعت الدول المنتسبة لبعض
التكتلات الدولية، كمنظمة دول عدم الإنحياز، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والمنظمات
الإقليمية كجامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الإفريقية، وغيرها من المنظمات،
إلى تحقيق إستقلالية لوسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، وإلى تحقيق
توازن في تدفق الأنباء والتخفيف من آثارها السلبية، ونادت هذه الدول بإقامة نظام
عالمي جديد للتبادل الإعلامي الدولي، ليحل مكان النظام القديم، من خلال بناء نظام
دولي للإتصال أكثر حرية ومرونة، وأكثر عدلاً وفاعلية وتوازناً. نظام جديد مبني على
أسس المبادئ الديمقراطية وتكافؤ الفرص بين مختلف دول العالم (Sean MacBride and Others: One
World: Many Voices More Efficient World Inform-Just and Towards a New Moreation
and Communication Order, Paris: Unesco, 1980, p. 34).
والتدفق الإعلامي، ونظام
الإتصال الدولي، والتبادل الإعلامي الدولي، ترتبط بمفاهيم متداخلة، مثل حرية
الإعلام، والتدفق الإعلامي الحر، والتدفق الإعلامي المتوازن، والنمو الحر لوسائل
الإتصال والإعلام.
وهناك صعوبات ناتجة عن
تصرفات سياسية تعيق حرية التبادل الإعلامي الدولي، ويمكن تداركها بسهولة لو توفرت
النوايا الحسنة. كإستخدام العنف الجسدي ضد الصحفيين، والتشريعات القمعية، والرقابة
المجحفة، وإدراج أسماء الصحفيين في القوائم السوداء، ومنعهم من النشر، وحظر إنتقال
الصحف والمجلات والكتب ومنع إستيرادها، أو تصديرها في بعض الأحيان من قبل الدول
المتقدمة، خوفاً من تسرب التكنولوجيا المتطورة.
وإستخدم مبدأ التدفق
الإعلامي الحر كوسيلة سياسية في الصراع، كان قائماً بين الدول الإشتراكية
بقيادة الإتحاد السوفييتي السابق، والدول الرأسمالية المتطورة بقيادة الولايات
المتحدة الأمريكية، إبان الحرب الباردة. ووسيلة إقتصادية استخدمتها الدول الغنية
لتحقيق أهداف سياساتها الخارجية الموجهة للدول النامية. ولهذا رأت الدول النامية
في مبدأ التدفق الإعلامي الحر، تأكيداً لسيطرة عدد قليل من الدول الصناعية
المتقدمة على سيل المعلومات المتدفق إلى الدول النامية. ورأت أن حرية الإعلام تعني
أن يكون تدفق المعلومات بإتجاهين، تأكيداً للعدالة في عملية التبادل الإعلامي
الدولي.
وأدى مبدأ التدفق الإعلامي
الحر إلى تدفق أحادي الجانب للمعلومات والرسائل الإعلامية، والبرامج الإذاعية
المسموعة والمرئية، وبرامج الحاسب الآلي والمنتجات الثقافية من الدول المتطورة
صناعياً إلى الدول الصغيرة الأقل تطوراً والدول النامية، وإلى تعزيز سيطرة مراكز
القوة في العالم، وإحكام سيطرتها على عملية التدفق الإعلامي من الشمال الغني إلى
الجنوب الفقير.
والتدفق الإعلامي بإتجاه
واحد يعتمد على أنماط تاريخية وثقافية معينة، تؤثر حتى على بعض الدول الداخلة في
إطار إقليم جغرافي واحد، إذ نرى في أوروبا أن بعض الدول المسيطرة على سيل
المعلومات المتدفقة من القارة الأوربية، تتجاهل أثناء بثها للمعلومات من خلال
عملية التبادل الإعلامي الدولي الإنجازات والنجاحات التي حققتها بعض الدول
الأوربية الصغيرة.
وعلى هذا الأساس يمكننا
إستنتاج: - أنه هناك سيل جارف من المعلومات بين شمال القارة الأمريكية، والقارة
الأوربية؛ - وأنه هناك إتجاه واحد للتدفق الإعلامي، يتركز من شمال الكرة الأرضية
إلى جنوبها، يستقبل من خلاله العالم أكثر من 90 % من المواد الإعلامية
والمعلوماتية عبر لندن وباريس ونيويورك.
ويظهر هذا بوضوح في عدم
التوازن في إنتاج الصحف والمجلات والكتب والبرامج الإذاعية المسموعة والمرئية،
وغيرها من المواد الإعلامية، ونشرها وتوزيعها عبر الشبكات الدولية لوسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية، وتعكس في نفس الوقت الوضع الحقيقي للتبادل الإعلامي الدولي.
وكانت ردة فعل الدول
المتقدمة والمسيطرة على وسائل الإتصال والتدفق الإعلامي الدولي بشكل عام، على
مساعي مجموعة الدول غير المنحازة لتقوية وضعها في إطار التبادل الإعلامي الدولي
غير مرضية (د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق.
مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 72).
والتدفق الإعلامي بإتجاه
واحد، يعد إنعكاساً لسيطرة النظم السياسية والإقتصادية للدول المتطورة في العالم،
مؤكداً دائماً على تبعية الدول الأقل تطوراً والدول النامية للدول المتقدمة، من
خلال تركيز وسائل إتصالها وإعلامها الدولية على الأزمات والصراعات والصدامات
العنيفة في الدول النامية.
ويعد التدفق الإعلامي
الدولي رأسياً، بدلاً من أن يكون أفقياً كونه أحادي الجانب، ويأتي من الأعلى من
الدول المتقدمة، إلى الأسفل للدول الأقل تطوراً والدول النامية. وكل ما سبق ذكره
يظهر معادلات القوة في التبادل الإعلامي الدولي ضمن العلاقات الدولية المعاصرة.
ومن الظواهر الواضحة في
التبادل الإعلامي الدولي، بعد التطور الهائل لوسائل الإتصال الحديثة، طرح
المعلومات كسلعة وخدمات تتمثل في نقل وحفظ وإسترجاع البيانات والمعلومات. وإحتلال
الأنشطة التجارية حيزاً كبيراً من المساحة الإعلامية. وهو ما يظهر في الصحف
والمجلات والبرامج الإذاعية المسموعة والمرئية وبرامج الحاسب الآلي وفي القنوات
والشبكات العالمية، مما يقلل من القيمة الثقافية والإجتماعية لوسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية الدولية، ضمن عملية التبادل الإعلامي الدولي.
التدفق الإعلامي الدولي من وجهة نظر
تحليل المضمون
قام جوهان جالتونج Gohan Galtung بدراسة
إتجاه التدفق الإعلامي الدولي، في النمط الذي قدمه ( المركز - الهامش ) في دراسته
عن النظرية الهيكلية للإحتكار الدولي. وقسم العالم إلى جزئين "المركز"
الذي يمثل الدول المسيطرة، و"الهامش" الذي يمثل المناطق التابعة لتلك
الدول. وخرج بنتيجة مفادها أن التفاعل الرأسي يعد العامل الرئيسي الذي يؤكد إنعدام
المساواة بين دول العالم. وخلص جالتونج إلى: أن "المركز" يسيطر على
تدفق الأنباء في العالم؛ وأن الأنباء التي تتحدث عن "المركز" تشغل الحيز
الأكبر من مضمون الأنباء الأجنبية في وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية لدول
"الهامش"، أكثر مما تشغله أنباء دول "الهامش" في وسائل
الإتصال والإعلام الجماهيرية لدول "المركز"؛ وأنه هناك تدفق إعلامي أقل
نسبياً للأنباء ضمن مجموعة دول "الهامش"؛ وأن التدفق الإعلامي الدولي،
يعد واحداً من المجالات الرئيسية للإتصال والتبادل الإعلامي الدولي؛ وأن الوكالات
الأنباء الأربع AP, AFP, UPI, Reuters تعد من المصادر الإعلامية
المسيطرة على تدفق الأنباء الخارجية لمعظم دول شمال القارة الأمريكية، وغرب القارة
الأوروبية، وقارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وأن وكالة أنباء TASS السوفييتية
كانت تعتبر المصدر الرئيسي لمعظم الدول الإشتراكية قبل إنهيار المنظومة الإشتراكية
والإتحاد السوفييتي السابق.
ويتمثل الحجم الإجمالي
للأنباء التي توزعها الوكالات الرئيسية الأربع للأنباء في العالم بحوالي
32,85 مليون كلمة يومياً موزعة على الشكل التالي: AP 17
مليون كلمة؛ UPI 11
مليون كلمة؛ AFP 3,35
مليون كلمة؛ Reuter 1,5
مليون كلمة؛ أي ما مجموعه 32,85 مليون كلمة يومياً (Paul A. V. Ansah: Intenational News:
Mutual Responsibilities of Developed and Developing Nations in World
Communication. Edited by Gerbner
& Siefert, N. y., Longman inc, 1984, pp. 83-85).
بينما بلغ حجم الأنباء التي
توزعها يومياً بعض وكالات الأنباء الأخرى في العالم: DPA 115
أف كلمة؛ ANSA 300
أف كلمة؛ EFE 500
ألف كلمة؛ Tanjug 75
ألف كلمة؛ APS 100
ألف كلمة؛ أي ما مجموعه 1,090 مليون كلمة يومياً. ويوضح هذا مدى سيطرة الوكالات
الأربع الرئيسية للأنباء في العالم، على التدفق الإعلامي الدولي، إضافة
لبثها مواد الإذاعة المرئية المصورة.
كما وأوضحت الدراسات أن هذه
الوكالات تركز في أنبائها على الأخبار السلبية والسيئة عن الدول الأقل تطوراً
والنامية في العالم، كالفساد والعنف، والكوارث، أكثر من تناولها لأنباء التنمية
الإجتماعية والإقتصادية والعلمية وإحتياجاتها الفعلية للتنمية، بتأكيد على الأحداث
الجارية دون تناول العوامل المسببة لتلك الأحداث. إضافة لتركيز تلك الوكالات على
الصفوة في المجتمع، أكثر من إهتمامها بالقطاعات العريضة من المجتمع. كما أوضح
تأثير الفوارق الإجتماعية والثقافية بين شعوب العالم على عملية التدفق الإعلامي
الدولي بشكل عام، تلك الفوارق التي تشكل عائقاً فعلياً يعيق عملية التبادل
الإعلامي الدولي.
وأظهرت الدراسات أن الإذاعة
المرئية تعتبر من أكثر وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية تأثيراً على الجمهور
الإعلامي، وما يؤكد تأثيره النسبة المرتفعة لساعات المشاهدة اليومية، في أوساط
مشاهدي برامج الإذاعة المرئية (Hamid
Mowlana: International Flow of Information: a Global Report and Analysis,
Paris: Unesco, 1985, pp. 21-23. - Ithiel de Sola Pool: The Changing Flow of Television,
Journal of Communication, Spring 1977).
والتدفق الإعلامي الدولي
عبر القنوات التلفزيونية الفضائية، يعد مؤثراً بصورة خاصة على النساء والأطفال
الأكثر تعرضاً لبرامج الإذاعة المرئية في الدول المتقدمة، ومجمل سكان الدول الأقل
تقدماً. وتعتبر أن النموذج الإعلامي للإذاعة المرئية الغربية المسيطرة، أو النموذج
الإشتراكي الآخذ بالأفول، لا يلبيان الحاجات الإعلامية للدول النامية.
ويعد التبادل الإعلامي
الدولي، أحد الإتجاهات الرئيسية للتدفق العالمي للإتصال ونقل البيانات والمعلومات،
حيث يتزايد إعتماد البنوك، وشركات التأمين العالمية، وخطوط النقل الجوي، وشركات
الملاحة البحرية، والشركات متعددة الجنسية، ووكالات الأنباء .. وغيرها، على وسائل
الإتصال الحديثة من تلكس وفاكس وشبكات الحاسب الألي عبر خطوط الهاتف والأقمار
الصناعية المخصصة لأغراض الإتصال.
وأصبح هذا النوع من الإتصال
الدولي ممكناً، بفضل التطور العلمي والتقني الهائل في نظم الإتصال الإلكترونية عبر
الفضاء. مما سمح للولايات المتحدة الأمريكية الأكثر تطوراً في وسائل الإتصال
الفضائية الإلكترونية، والتي تملك أوسع شبكة كمبيوتر منتشرة عالمياً (الإنترنيت)،
بإحتلال موقع المسيطر في هذا المجال الحيوي للإتصال في العالم. وعلى سبيل المثال
في عام 1981 كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها مسؤولة عن نقل وتوزيع 80% من
البيانات والمعلومات في العالم. بفضل ثورة الحاسبات الإلكترونية التي توغلت في كل
مناحي الحياة وامتزجت بكل وسائل الإتصال واندمجت معها، ولعل شبكة الإنترنيت
الأمريكية الشهيرة تمثل جوهر ذلك المزج حيث يتم تخزين معلومات واردة من 21 ألف
شبكة معلومات بشكل منظم منسق يسهل عملية استرجاعها بواسطة أي مستخدم، من خلال
الحاسبات الإلكترونية، ثم تقوم بعد ذلك بواسطة تقنيات الإتصال المتطورة التي توظف
الخطوط الهاتفية والأقمار الصناعية في توصيلها إلى 33 مليون مشترك في جميع أنحاء
العالم (C.
Anthony Giffard: The Inter-Press Service: New Information for a New Order,
Journalism Quarterly, Spring 1985. pp. 17-18).
التبادل الإعلامي الدولي وتكوين وجهات
النظر
تساهم وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية الدولية في خلق التصور وفهم أو سوء فهم أو عدم فهم الشعوب
لبعضها البعض، وقد تكونت هذه الظاهرة، كنتيجة حتمية لإنعدام التوازن في التدفق
الإعلامي الدولي، ونتيجة للتشويه الناتج عن وصف الدول الأقل تطوراً، والدول النامية
من خلال المواد التي تنشرها وتبثها مصادر الأنباء المسيطرة في العالم، بشكل سلبي
يعطي صورة الإضطراب والفوضى والعنف والفساد والفشل عن تلك الدول.
وقد خلصت بعض الدراسات إلى
أن قيام الأفراد ببناء وتقويم التصور الذهني لدى الشعوب، تماثل عملية قيامهم ببناء
الصورة الذهنية الواقعية. وأن قيمة أحكامهم ترجع إلى خليط من العوامل
الجغرافية والسياسية والعرقية أو إلى جوانب أخرى عن هذه الدول. ويميل القائمون
بالإتصال في الدول الغربية عامة، إلى التأكيد على الصراعات والأحداث المشؤومة، مع
التركيز على التأثيرات السلبية في تقويمهم للحكومات أو المجتمعات.
كما خلصت بعض الدراسات
الميدانية إلى نتيجة مفادها، أن التعليم في كل بلد يظل العامل المستقل والمسيطر
على عملية التنبؤ المعرفي، حتى بعد إضافة عوامل التعرض لوسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية. وأن الرجال أكثر ميلاً من النساء للتعرف على الخصائص الجغرافية
والإجتماعية والإقتصادية المتعلقة بالبلاد.
ويتأثر التصور الذهني لدى
الإنسان، من خلال أخبار العالم التي يتعرض لها بأوجه القصور التالية: - أن الأنباء
الدولية تركز على الغرب أساساً، لأن مصادر الأنباء هي غربية بشكل عام؛ - وأن
التغطية الإخبارية للدول النامية تتم بطريقة سلبية واضحة؛ - وأن الأنباء الدولية
تميل للتعقيد بدلاً من أن تميل للبساطة والوضوح.
ومما سبق كله نستطيع الخروج
بخلاصة مفادها، أن التدفق الإعلامي الدولي يخدم ويؤكد أساساً تكوين التصور الذهني
الإيجابي عن الغرب وحده. في نفس الوقت الذي يكون فيه التصور الذهني السلبي عن
الدول النامية، رابطاً بين تلك الدول والجوانب السلبية من عنف وفساد وإرهاب وعنف
وفشل ... إلخ، من صور التشويه في إطار التدفق الإعلامي الدولي، وعملية التبادل
الإعلامي الدولي.
التبادل الإعلامي الدولي والتعاون
الدولي
ولمواجهة المشاكل التي
خلقها التدفق الإعلامي الدولي للدول النامية، طالبت هذه الدول عبر المحافل الدولية
بإقامة نظام عالمي جديد للتبادل الإعلامي الدولي. يحقق العدالة ويحسين وضع الدول
النامية في عملية التدفق الإعلامي الدولي. وقد تحقق تحسن ملحوظ في إطار التدفق الإعلامي
الدولي، بين الدول النامية والدول الصناعية المتقدمة، بعد ظهور بعض الأنظمة
الإعلامية الجديدة، وإنشاء العديد من وكالات الأنباء التابعة للتجمعات الدولية
والإقليمية. ومن ضمن تلك الوكالات، وكالة الأنباء الدولية: (IPS) The Inter Press Service المتخصصة بتوزيع أنباء الدول النامية، والعمل على تدعيم
وتشجيع ربط التبادل الإعلامي الأفقي بين الدول النامية، وتوزيع أنبائها على وسائل
الإعلام في أوروبا وأمريكا الشمالية. وافتتحت هذه الوكالة مكاتب لها في أكثر من 60
دولة ثلثيها في الدول النامية.
وعقدت وكالة الأنباء الدولية IPS إتفاقيات
ثنائية مع 30 وكالة أنباء وطنية في الدول النامية، لتبادل الأنباء بينها. إضافة
لتركيزها على قضايا التنمية الإقتصادية والإجتماعية والعلمية، والتطور الحاصل في
الدول النامية. كما عقدت وكالة الأنباء الدولية إتفاقيات مع عدد من وكالات منظمة
الأمم المتحدة لتغطية أخبار أنشطتها المختلفة (د. محمود علم الدين: ثورة
المعلومات ووسائل الإتصال، الـتأثيرات السياسية لتكنولوجيا الإتصال. السياسة
الدولية العدد 123، مؤسسة الأهرام، القاهرة يناير 1996؛ ود. عارف رشاد: التعامل مع انترنيت:
العالم رهن إشارتك. مجلة عالم الكمبيوتر العدد 86، السنة الثامنة، فبراير 1995. ص
ص 18-22. والعدد 87، مارس 1995. ص ص 18-23؛ ود. عارف
رشاد: انترنيت: نشأتها، تطورها، حجمها، وسبل الولوج إليها. مجلة الكمبيوتر
والإتصالات والإلكترونيات العدد 7، المجلد 12، سبتمبر 1995. ص ص 26-74).
وتحصل وكالة الأنباء
الدولية IPS على
70 % من الأنباء التي توزعها، من مراسليها الموزعين في مختلف دول النامية. أما الـ
30 % الباقية فتحصل عليها من وكالات الأنباء الوطنية في الدول النامية، التي أبرمت
معها إتفاقيات للتبادل الإعلامي، بالإضافة لبعض وكالات الأنباء الصغيرة.
وتوزع وكالة الأنباء
الدولية IPS أخبارها
يومياً، من خلال شبكتين رئيسيتين ناطقتين باللغتين الإسبانية حوالي 30 ألف كلمة
يومياً، والإنجليزية 20 ألف كلمة يومياً. إضافة لترجمة وتوزيع مجموعة مختارة من
تلك الأنباء إلى اللغات الفرنسية والألمانية والعربية والبرتغالية والهولندية
والنرويجية والسويدية.
ووزعت وكالات الأنباء
الوطنية للدول النامية وغيرها المشاركة في شبكة توزيع أنباء وكالة الأنباء الدولية IPS:
عبر الشبكة الناطقة
بالإنجليزية: JANA ليبيا؛ INA العراق؛ WAM الإمارات
العربية المتحدة؛ MANE نيجيريا؛ QNA قطر؛ TAP تونس؛ LAKAPUVAT سري
لانكا؛ WAFA فلسطين؛ IPS – TAP تونس؛ IPS – JANA ليبيا؛ APA النمسا؛ GNA غرينادا؛ PNA الفلبين.
عبر الشبكة الناطقة
بالإسبانية: VENPRESS فنزويلا؛ NOTIMEX المكسيك؛ TANJUG يوغسلافيا؛ COLPISA إسبانيا؛ ANN نيكاراغوا؛ IFDA دولية؛ P. L كوبا؛ BOLPRESS بوليفيا؛ ILET المكسيك؛ QNA قطر؛ COLPRESS كولومبيا؛ ECUAPRESS الإكوادور؛ INA العراق؛ JANA ليبيا؛ WAM الإمارات
العربية المتحدة؛ PANAPRESS بنما؛ DOMPRESS الدومنيكان؛ NAN نيجيريا؛ RSS نيبال.
ومن كل ذلك نستنتج أن وكالة
الأنباء الدولية IPS تشارك
بشكل مختلف تماماً في عملية التدفق الإعلامي الدولي، وفي عملية التبادل الإعلامي
الدولي، فهي تعكس الوضع في الدول النامية بكل مشاكله وتحدياته، وتسعى إلى خلق
تأثير إيجابي في المعرفة والآراء وإتجاهات الرأي العام الدولي المتعلقة بقضايا
الدول النامية.
وخلاصة القول فإن التدفق
الحر للإتصال والإعلام في وضعه الراهن، ليس أكثر من تدفق لسيل من المعلومات بإتجاه
واحد يخدم مصالح الدول الصناعية المتقدمة، المسيطرة على وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية الحديثة. وأن الدول النامية تنظر بقلق بالغ نحو واقعها المؤلم، والمتمثل
بسيطرة الدول الصناعية المتقدمة على وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة،
ومصادر الأنباء وتوظيفها لصالح دعايتها على حساب المصالح الوطنية للدول النامية
العاجزة إقتصادياً وتقنياً وعلمياً عن حل هذه المعضلة التي تقف عاجزة تماماً
أمامها.
وأن التبادل الإعلامي
الدولي بحد ذاته هو تبادل رأسي، لا يراعي متطلبات التبادل الأفقي بين كل دول
العالم، وفي أكثر الأحيان يكون تدفقاً إعلامياً بإتجاه واحد، ووجهة نظر واحدة تعبر
عن رأي القوي المسيطر فقط.
ووفقاً لنموذج جوهان جالتونج Gohan Galtung
"المركز والهامش" فإن العالم مقسم إلى جزئين غير متكافئين هما:
"المركز" المسيطر وتمثله الدول الصناعية المتقدمة، وهي قليلة العدد،
و"الهامش" الأقل تطوراً والمتخلف والذي يمثل دور التابع في النموذج،
ويتفاعل مع التبادل الإعلامي الدولي رأسياً من فوق (الدول المتطورة صناعياً) إلى
أسفل (الدول الأقل تطوراً والدول النامية). إضافة لسيطرة الوكالات الأربع للأنباء
في العالم AP, UPI, Reuter, AFP على مصادر الأنباء الأجنبية
في معظم دول العالم. من خلال توزيعها حوالي 32,85 مليون كلمة في اليوم. إضافة
للصور ومواد الإذاعة المرئية المصورة. وأن تصاعد دور تكنولوجيا وسائل الإتصال
الحديثة، وخاصة شبكات الكمبيوتر العالمية وقنوات الإذاعة المرئية الفضائية (د.
محمود علم الدين: ثورة المعلومات ووسائل الإتصال. التأثيرات السياسية
لتكنولوجيا الإتصال. مجلة السياسة الدولية العدد 123- يناير 1996. ص ص 102-116)،
في عملية التبادل الإعلامي الدولي، قد يسهم في التخفيف من أحادية الجانب المسيطرة
حالياً. ويساعد على ظهور نظام إعلامي دولي جديد ما زالت الدول النامية تطالب به.
لمواجهة مشاكل التدفق الإعلامي الذي يشوه صورة الدول النامية من خلال تركيزه على
السلبيات دون الإيجابيات في تلك الدول. نظام إعلامي جديد يقوم بدور أكثر فاعيلة في
التفاهم الدولي والعلاقات الدولية بشكل عام.
وهذا بحد ذاته يحتاج إلى
الإستمرار والصبر وعدم التراجع من قبل الدول الأقل تطوراً والدول النامية.
للإنتقال إلى وضع أفضل ومناسب، يستفيد من التغييرات العالمية السريعة والتطورات التي
تلت إنهيار المنظومة الإشتراكية والإتحاد السوفييتي السابق، وهيأت العالم لتقبل
نظام دولي جديد بعيد عن ظروف الحرب الباردة بين الشرق الغرب ونتائجها على الدول
النامية.
وهذا يرتبط بتغييرات فعالة
وجذرية في بنى وسياسات عديدة، للتخلص من المعوقات التي تقف حائلاً دون ظهور نظام
إعلامي دولي ديمقراطي جديد. يشمل تطوير النظام الدولي للإتصال ليتمشى والتحديات
القائمة، من قضايا مثل: القائم بالإتصال، ومضمون الإتصال، ووسائل الإتصال، وجمهور
الإتصال، وتأثير الإتصال، وأهداف الإتصال. وإختيار أنسب العناصر الملائمة لعملية
التبادل الإعلامي الدولي، ليسهم على المدى القريب في تحسين وضعية الدول النامية
والدول الأقل تطوراً في إطار نظام إعلامي ديمقراطي عالمي جديد.
والدعوة إلى نظام إعلامي
جديد، ليست سوى دعوة من قبل أكثرية دول العالم لتحقيق العدالة والتوازن في عملية
التدفق الإعلامي (د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية
والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 84. و- International Information and
Communication Order. Source Book, Prague: International Organization of
Journalists, 1986). وهي دعوة للتأثير المعنوي لا
أكثر، لأن تغيير واقع النظام الإعلامي الدولي، وتحسين ظروف التبادل الإعلامي
الدولي لا يتم إلا بالإعتماد على النفس، والسعي الدائم من قبل الدول النامية
لتطوير إمكانياتها الإقتصادية والتكنولوجية والعلمية، وإقامة وسائل إتصال وإعلام
جماهيرية حديثة قادرة على مخاطبة الرأي العام الدولي دون وسيط.
أساليب وتقنيات وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية الدولية
أشارت بعض البحوث العلمية
إلى أن أهم عناصر نجاح حملات الدعاية الموجهة والإعلام الموجه للجمهور الإعلامي في
الخارج، هي الأساليب والتقنيات والتكتيكات التي يستخدمها الصحفيون للوصول
إلى النجاح، وإقناع القارئ والمستمع والمشاهد، بما يقدمونه له وصولاً
للأهداف المرسومة في الخطة الإعلامية.
وبينت أن الأساليب
المستخدمة في الحملات الإعلامية والدعائية الدولية، تساعد على (Ralph k. Whito: Propaganda,
Morally Questionable and Morally Unquestionable Techniques, The Annals of the
American Academy of Political and social Science, Vol. 398, Nov. 1971. pp.
26-35. - Charles A. Siepmann: Propaganda Techniques, Voice of the people
Readings in Public Opinion and Propaganda, Edited by Reo M. Christenson and
Robert O. Mc Williams, 2nd Edition, New York, Mc Graw - Hill Book Company.
1967. pp. 331-339): جذب إنتباه مستقبل الرسالة
الإعلامية، وتشده إلى مضمونها من خلال مراعاتها لإهتماماته وميوله الثقافية.
عندما تعتمد على أسلوب شيق لصياغة المادة الإعلامية بشكل تصبح معه قابلة
للتصديق بعيدة عن الشك أو التشكيك لأن ذلك يؤدي إلى إستغلال هذا الشك أو
التشكيك من قبل الدعاية المضادة، ويصبح الشك أو التشكيك عنصر إضعاف للحملة
الإعلامية وعائقاً لوصولها إلى النتائج المرجوة من الحملة الإعلامية والدعائية.
وأن استخدام تقنيات الكذب وحبكه بشكل محكم يحرك مشاعر مستقبل الرسالة الإعلامية
ويصعب عليه إكتشاف الكذب المخفي داخل الرسالة الإعلامية. كما وتسعى الحملات
الإعلامية الدعائية إلى توريط مستقبل الرسالة الإعلامية، وشده للمشاركة معها في
العمل مجبرة إياه على تأييد خطتها وأسلوبها في العمل، والبحث عن تبريرات لتأييده
لها.
كما وتستخدم وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية الدولية في حملاتها الدعائية، أسلوب التكرار وعرض الموضوع
أكثر من مرة للتأكد من وصوله إلى الجمهور الإعلامي المقصود والتأكد من تحقق أكبر
قدر ممكن من التأثير المطلوب، ويتم ذلك عادة بمراعاة الوقت الملائم والظروف
المؤاتية والوسائل الناجعة للتكرار. وتستخدم كذلك إسلوب المبالغة بشكل يصعب معه
إكتشافها من قبل القارئ والمستمع والمشاهد، للتهويل على الجمهور الإعلامي، وصولاً
للحد الأقصى من التأثير المعنوي عليه. وتستخدم معه إسلوب الكذب والتضليل لتبرير
أمور أو مواقف معينة جرت فعلاً.
ومن الأساليب الشائعة جداً
أسلوب التلميح والغمز عند توجيه الإتهام لشخص ما أو جماعة معينة أو دولة بحد
ذاتها، كون تأثير هذا الإسلوب أكبر من تأثير الإتهام المباشر على الجمهور
الإعلامي. وكذلك تستخدم إسلوب عرض المواضيع بقالب يوحي بأنها حقيقة ثابتة، لا تقبل
الجدل لمنع تسرب الشك إلى أذهان الجمهور الإعلامي.
وتسعي وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية الدولية دائماً للتقرب من الجمهور الإعلامي بإستخدام أشخاص
يعرفون ثقافة وميول ورغبات وإستعدادات مستقبل الرسالة الإعلامية، ويعرضون المادة
الإعلامية بالصورة واللغة التي يفهمها الجمهور الإعلامي المستهدف جيداً،إضافة
لمحاولة تقمص شخصية القارئ والمستمع والمشاهد أثناء تنفيذ الحملات الإعلامية
والدعائية.
وتلجأ وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية الدولية، في حملاتها الإعلامية والدعائية إلى الإعتماد على
المصادر الموثوقة عند إعداد وصياغة المادة الإعلامية، بهدف زيادة الثقة لدى
الجمهور الإعلامي وتدعيم تقبله للمادة الإعلامية الموجهة له. أو إلى التجاهل
المتعمد لأحداث معينة أو ما تروجه وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية والدعائية
المضادة، من مواضيع لا يمكن الرد عليها بسبب ضعف الموقف المواجه للدعاية المضادة.
كما وتلجأ وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية الدولية إلى إستخدام لغة إعلامية واضحة من خلال العبارات
المستخدمة تجنباً للإلتباس في المعاني والتفاسير، وتأكيداً للوصول إلى الهدف
المرسوم. أو تلجأ إلى الربط المزيف لترك مستقبل الرسالة الإعلامية يتقبل موقفاً
معيناً ويرفض موقفاً آخر، معتمداً على خبراته السابقة، دون وعي أو إدراك أو تفكير.
ويزداد أثر هذا الإسلوب على الجمهور الإعلامي الذي يتمتع بمستوى تعليمياً
ضعيفاً.
وكثيراً ما تستخدم وسائل
الإتصال والإعلام الجماهيرية الدولية في حملاتها الدعائية، العاطفة وغريزة القطيع
في توجيه الحملة الإعلامية للجماعات الإنسانية التي تربط بينها روابط مشتركة
كالدين والعقيدة أو العنصر البشري أو الجنس أو البيئة أو المهنة أوالعمل أو
الإنتماء لتنظيم معين أو الإشتراك في حمل جنسية معينة.
ومعروف للجميع أنه من الصعب
جداً تحديد مدى إلتزام، أو عدم إلتزام، وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية الدولية
بأخلاقية العمل الصحفي، إذ قد تلجأ في بعض الأحيان مضطرة، أو عن سابق ترصد وإصرار
إلى أساليب وتقنيات تتعارض مع أخلاقيات العمل الصحفي المعروفة والمعترف بها
دولياً، في حملاتها الدعائية بقصد الوصول لأهداف معينة. في نفس الوقت الذي تنفي
فيه عن نفسها هذه التهمة، مؤكدة إلتزامها بأخلاقيات العمل الصحفي، لأن إعترافها
بالخروج عن مواثيق أخلاق العمل الصحفي الدولية، يعني فقدان مصداقيتها وإنتهاء
دورها الإعلامي الدولي، وهذا وضع لا يستطيع قبوله أحد.
الجوانب الثقافية للتبادل الإعلامي
الدولي
هناك جانب ثقافي للحملات
الإعلامية والدعائية الدولية (Arthur
Goodfriend: The Dilemma of Cultural Propaganda. "Let It Be", The
Annals of the American Academy of Political and Social Science, Voi. 398, Nov.
1971. pp. 104-112)، يطلق عليه إسم الدعاية الثقافية
الدولية وتزداد فاعلية هذا الدور طرداً بالتناسب مع قوة ومكانة ودور الدولة التي
تمارسه في النظام الدولي. حيث تركز هذه الدولة على نشر ثقافتها داخل الدول الأخرى،
مما حذى بالبعض لوصف هذا النشاط الموجه لمجتمعات الدول الأضعف بالإستعمار الثقافي،
إلا أن تطور العلاقات الدولية يقتضي تفاعلاً أكثر بين ثقافات مختلف الأمم. وهناك
فرق واضح بين التفاعل الحر بين الثقافات، وبين فرض ثقافة معينة على حساب تحطيم
الثقافة الأصلية لشعب معين، من خلال إستغلال عملية التبادل الإعلامي الدولي من قبل
الدول المتقدمة، في حملات دعايتها الثقافية الموجهة للدول الأقل تطوراً والدول
النامية.
ويدخل هذا النشاط الثقافي
الهادف للتأثير على المجتمعات الأخرى ضمن الحملات الدعائية الدولية، ويشمل في
طياته الآداب والفنون والتعليم والرياضة والتبادل الثقافي والمنح التعليمية ودعوة
الصفوة من مثقفي الدول الأضعف لزيارة الدولة الأقوى والأكثر تطوراً للإطلاع على
المنجزات الثقافية فيها.
وعلى سبيل المثال تمارس
الولايات المتحدة الأمريكية حملاتها الدعائية الثقافية، من خلال وسائل الإعلام
الجماهيرية الدولية وهيئة الإستعلامات الأمريكية التي تمارس أنشطة متعددة خارج
الولايات المتحدة، ومن خلال المكتبات والمراكز الثقافية المنتشرة في العديد من دول
العالم.
ومن خلال سعيها الحثيث لنشر
تعليم اللغة الإنكليزية وأنظمة التعليم الأمريكية في الخارج، وتقديم المنح
الدراسية لطلاب من الدول الأخرى، وإستيعاب الطلاب الوافدين من الدول الأخرى
الراغبين في الحصول على التعليم في مؤسسات التعليم والجامعات الأمريكية. ومن خلال
إتفاقيات التعاون الثقافي الموقعة بينها وبين الدول الأخرى، إضافة لبرامج
المساعدات الثقافية الأمريكية للدول النامية.
أما بريطانيا فهي إضافة
لوسائلها للإتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، تمارس حملاتها الإعلامية والدعائية
والثقافية الدولية من خلال المجلس البريطاني الذي تمده بثلث مخصصاته المالية (Geoffrey Reeves:
Communications and the Third World, London, Routledge, 1993,p.1)، مؤسسة التنمية البريطانية فيما وراء البحار Overseas Development Administration.
وتدخل معظم الوظائف التعليمية التي يقوم بها المجلس البريطاني في إطار برامج
المعونة الفنية. ويعمل المجلس في أكثر من ثمانين دولة، بتعليم اللغة الإنكليزية،
مركزاً على تدريب معلمي اللغة الإتكليزية في هذه الدول. وللمجلس البريطاني مكتبات
في أكثر من خمسين دولة، ويعمل على تنمية الإتصالات بين العلماء والفنانين
والمهنيين وغيرهم من مثقفي الدول النامية، إضافة لإيفاده العديد من الدارسين من
تلك الدول إلى أنكلترا للتحصيل العلمي والدراسي. وتختلف أوضاع العاملين في الخارج
من موظفي المجلس البريطاني عن الدبلوماسيين المعتمدين. وفي حالات نادرة يكون ممثل
المجلس في البلد المتواجد فيها ملحقاً ثقافياً في سفارة بلاده.
أما فرنسا فتمارس حملاتها
الإعلامية والدعائية الثقافية الدولية، إضافة لوسائل الإعلام الدولية، من خلال
رابطة Alliance Francaise التي أحدثت في عام 1883 بهدف مضاعفة تأثير فرنسا في الخارج،
ونشر الثقافة واللغة الفرنسية في العالم. ويتبع لرابطة أليانس فرنسيس 1010 لجنة
وجمعية في الخارج تقوم بتنظيم المؤتمرات والإجتماعات، وتفتتح المكتبات. و600 مركز
منتشرة في أنحاء مختلفة من العالم (LE
PETIT LAROUSSE: Dictionnaire encyclopedique. Larousse, Paris 1993. p. 1124).
ومن الشائع أن تمارس الدول
نشاط دعايتها الثقافية من خلال المراكز الثقافية التابعة لسفاراتها في الدول
الأخرى، ويتولى إدارة تلك المراكز المستشارون أو الملحقون الثقافيون المعتمدون في
السلك الدبلوماسي المتواجد في ذلك البلد. بينما تكتفي الدول غير القادرة على
إفتتاح مركز ثقافي لها في البلدان الأخرى، على نشاط المستشارين والملحقين
الثقافيين المعتمدين في سفاراتها بالخارج.
وتبدلت الصورة بعد أن جاء
عصر التخطي المعلوماتي للحدود القومية خلال العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين،
والذي يتضمن تحولات جذرية في وسائل تخزين، ومعالجة واسترجاع المعلومات، والنمو
السريع لتقنيات وتجهيزات الإتصالات السلكية واللاسلكية من ميكروويف، وألياف بصرية،
وتكنولوجيا الأقمار الصناعية للإتصالات، وبرامج الحاسب الآلي، والإذاعتين المسموعة
والمرئية (د. إلفت حسن آغا: النظام الإعلامي الأوروبي في عالم متغير. مجلة
السياسة الدولية، العدد 109، يوليو 1993. ص 318). حاملة معها ظاهرة الثقافة عابرة
القوميات، وهي عملية أساسية يحل فيها بدرجات متفاوتة وفي سياقات مختلفة، تنظيم
الشعوب في مجموعات "أفقية" محل تنظيمهم رأسياً في مجموعات وطنية، وبمعنى
آخر ترتبط الشعوب بعضها ببعض بأساليب إلكترونية، وليس بالجوار الجغرافي (نفس
المرجع السابق)، وليس بالثقافة الوطنية أو القومية. ويذهب البعض إلى أن ظاهرة
التخطي المعلوماتي، للحدود المعترف بها لدول العالم، أو الثقافة عابرة القوميات،
هي ظاهرة الأمركة (Josiane
Jouet &
Sylvie: New Communication Technologies: Research Trends, Reports and Papers on
Mass Communication, No. 105, Unisco, Paris, 1991, pp. 27-39)، بسبب التفوق الأمريكي الواضح في هذا المجال.
ويثير التخطي المعلوماتي
للحدود القومية والوطنية، تساؤلات محورية وأساسية ومهمة لكل المجتمعات، بغض النظر
عن وضعها الإقتصادي الراهن أو المشاكل التي تواجهها أو الضغوط التي تتعرض لها.
وتتصل هذه التساؤلات بعدد من القضايا الأساسية، وهي: السيطرة الثقافية، والإنتاج
الثقافي، وتوزيع الإنتاج الثقافي، والنفاذ إلى المعلومات السياسية والإقتصادية
والإجتماعية....الخ للدول الأخرى. وخلق نظام إعلامي عالمي جديد، وتنظيم عمليات
تدفق البيانات عبر الحدود الوطنية، والتحكم فيها عن بعد، وتحديد سياسة الدولة في
المجالات الإقتصادية والثقافية والإجتماعية ....الخ، وتنمية طاقات وطنية تكنولوجية
وإنتاجية، وإعادة بناء الفهم لما هو وطني وقومي بالمعنى الثقافي والتاريخي
والتراثي وغيره (د. محمود علم الدين: ثورة المعلومات ووسائل الإتصال،
التأثيرات السياسية لتكنولوجيا الإتصال. مجلة السياسة الدولية، العدد 123، يناير
1996. ص 105).
ولهذه القضايا المطروحة
دائماً للبحث، بعدها العالمي وانعكاساتها على معظم دول العالم، إلا أنها تبدو
بالنسبة للعديد من دول العالم الثالث، أكثر ضغطاً وإلحاحاً لآن الدول في إفريقيا
وآسيا والشرق الأوسط، هي بالمعنى الجوهري من الدول التي بمعظمها قد إستقلت حديثاً
وما زالت تعاني من مشاكل التخلف الموروثة من العهد الإستعماري (Harold Beeley: The Changing
Role of British International Propaganda, The Annals of the American Academy of
Political and Social Science, Vol. 398 Nov. 1971, pp. 125-127). ونضيف إليها الدول المستقلة حديثاً بعد إنهيار المنظومة
الإشتراكية والإتحاد السوفييتي السابق، والتي تعاني من مشاكل الإنتقال من النظام
الإشتراكي، إلى النظام الديمقراطي الحر وإقتصاد السوق والسيادة الوطنية، وتسعى
حثيثاً لإيجاد مكان لائق لنفسها في النظام الإعلامي العالمي، وللمشاركة الفاعلة في
عملية التبادل الإعلامي الدولي.
فاعلية التبادل الإعلامي الدولي
تساعد وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية الدولية، على تكوين المواقف من القضايا المطروحة، أو تضخيمها.
وتلعب دوراً كبيراً في عملية التغيير السياسي والإجتماعي والثقافي والفكري، لدى
القراء والمستمعين والمشاهدين. كما وتساعد وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية
الدولية في تدعيم سلوك الجمهور الإعلامي من موقف معين، أو التشكيك به، أو رفضه، أو
تغييره لصالح موقف جديد. وهذا متوقف على مدى تكثيف الحملة الإعلامية والوسائل
المستخدمة فيها، ومدى وضوح موقف مستقبل الرسالة الإعلامية للقائم بالإتصال. أو
تعرض مستقبل الرسالة الإعلامية لموقف إعلامي غير متماسك أو لصور نمطية سبق لمستقبل
الرسالة الإعلامية وتعرض لها، ومدى تحيزه من مضمون الرسالة الإعلامية بحد ذاتها (John Martin: Effectiveness of
International Propaganda, The Annals of the American Academy of Political and
social Science, Vol. 398, Nov. 1971, p. 61. - د.
محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو
المصرية، القاهرة 1990. ص ص 97-100). ولابد للقائم بعملية الإتصال من معايير خاصة
يعتمد عليها، من أجل الوصول إلى فاعلية أكبر من الحملات الإعلامية الدولية،
وإمكانيات أكثر للوصول إلى الأهداف المرسومة للحملة الإعلامية. ولابد من مقاييس
يعتمد عليها المخططون للحملات الإعلامية، والقائمون بالإتصال لتحديد مدى نجاح أو
فشل الحملة الإعلامية. ومن تلك المعايير مثلاً القدرة على التصدي للإعلام المضاد
الموجه لنفس الساحة الإعلامية، ومدى قدرة وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية
الدولية المستخدمة من قبل القائمين بالإتصال على إنتزاع المبادرة من الإعلام
المضاد والتوجه إلى الجمهور الإعلامي بشكل أكثر فاعلية في المواضيع المطروحة.
والمعيار من الأمور الهامة
جداً لقياس راجع صدى الرسالة الإعلامية، ومعرفة مدى نجاح الحملة الإعلامية. ولو أن
الظروف الدولية من تأزم أو إنفراج العلاقات الدولية، تعتبر من الأمور الخارجة عن
نطاق المعايير الإعلامية، ولكن الحملات الإعلامية قد تؤدي في بعض الحالات إلى
إنفراج أو خلق الأزمات في العلاقات الدولية المتشعبة. ومن المناهج المستخدمة لقياس
راجع الصدى في الحملات الإعلامية الدولية، نذكر:
- المناهج الإستقرائية: التي
طورتها إدارة الإعلام والتعليمInformation
and Educational Division في
جيش الولايات المتحدة الأمريكية من خلال البحوث التطبيقية التي أجرتها إبان الحرب
العالمية الثانية، وأعقبتها أبحاث هوفلاند وزملائه. وجرى من خلال هذه
الأبحاث قياس تأثير الإتصال من خلال التجريب المحكم بالتركيز على العناصر التالية
(المصدر السابق. و- Joseph
T. Klapper: The Effects of Mass Communication. New York, Free Press, 1960, pp.
108-109):
- القائم بالإتصال: إذ تبين أن
تأثير الرسالة الإعلامية يزداد في حالة إذا كان القائم بالإتصال ينقل مواقف تتماشى
ومواقف مستقبل الرسالة الإعلامية. وأن المستقبل يبدأ بنسيان مصدر الرسالة
الإعلامية، أو القائم بالإتصال بعد مدة وجيزة، وهو ما أطلق عليه إسم الأثر النائم
وأنه هناك عوامل مساعدة أخرى لزيادة التأثير الذي يمارسه القائم بالإتصال، على
مستقبل الرسالة الإعلامية كالسن والجنس والمظهر الخارجي للقائم بالإتصال.
- الرسالة الإعلامية: إذ تبين أن
زيادة فاعلية الحملة الإعلامية الدولية يمكن أن يتم في حالة إذا تمشت الرسالة
الإعلامية مع أهداف الحملة الإعلامية الدولية، وإحتياجات مستقبلي الرسالة
الإعلامية، والقيم السائدة والمواقف الفكرية والأراء والمعتقدات الخاصة بهم. ولوحظ
أيضاً أن العرض الجزئي للمشكلة أكثر تأثيراً على المستقبل إذا كان محدود الثقافة
والتعليم. وأن عرض المشكلة من كل جوانبها يكون أكثر تأثيراً على المستقبل الذي حصل
على نسبة أعلى من التعليم والثقافة. أو إذا كان المستقبل يعارض مبدئياً مضمون
الرسالة الإعلامية، وهذا يمكن أن يساعد على تحصين المستقبل ضد الدعاية المضادة
مستقبلاً، فيما لو روعيت عناصر إختيار المصادر الإعلامية، والطريقة التي يتم من
خلالها عرض الرسالة الإعلامية، مع التطورات السابقة واللاحقة للقضية المطروحة.
- الوسيلة الإعلامية: إذ تبين أن
الرسالة الإعلامية والوسيلة الإعلامية مرتبطتان الواحدة بالأخرى، لأن طريقة عرض
وتقديم الرسالة الإعلامية مرتبط بالتأثير الإعلامي إلى درجة تعادل أهمية الرسالة
الإعلامية نفسها. وأنه لابد من مراعاة مدى إنتشار كل وسيلة إعلامية جماهيرية في
الأوساط المستهدفة من الحملة الإعلامية الدولية قبل إستخدامها، وإختيار الوسيلة
التي يمكن أن تعطي أكبر قدر ممكن من التأثير والفاعلية الإعلامية. وهناك من يرجح
الإتصال المباشر، ومن يرجح الإذاعة المسموعة، ومن يرجح الإذاعة المرئية، وهناك من
يرجح المادة المطبوعة، وكلها إحتمالات يمكن الإستفادة منها في حدودها الممكنة.
- مستقبل الرسالة الإعلامية:
ويتوقف على معرفة خصائص مستقبل الرسالة الإعلامية من النواحي الثقافية والفكرية
والمعتقدات والمواقف السياسية وأنماط السلوك والسن والجنس والوضع التعليمي والوضع
الإجتماعي والإقتصادي، والعنصري والإقليم الجغرافي والتنظيم أو النظام الذي ينتمي
إليه.
- المناهج الإستنباطية: المعتمدة
على النظرية السلوكية، التي
تركز على تغيير المواقف وتكوينها وتعديلها. ونظرية المعرفة، التي تعمل على
شرح تكوين المواقف وتعديلها والتنبؤ بأثر عملية الإتصال، والتركيز على تعديل
المواقف من خلال معتقدات وعواطف الفرد، وتحقيق التوافق المنطقي لمعارف الفرد،
تعتمد كلها على عملية الإتصال. فما هو الإتصال ؟
وسائل الإتصال كمصدر للتبادل الإعلامي
الدولي
عملية الإتصال في التبادل
الإعلامي الدولي، هي مجموعة الوسائل التي تربط بني البشر ببعضهم، وتحقق التفاعل
والعلاقات الإنسانية. وقد تعرَّف على أنها عمل لتغيير المفاهيم باستعمال اللغة أو
أي من الوسائل الأخرى المتيسرة. وعملية الإتصال تهدف إلى إحداث تجاوب مع الشخص أو
الأشخاص المتصل بهم. وبعبارة أخرى تحاول أن تشاركه أو تشاركهم في استيعاب
المعلومات أو في نقل فكرة أو اتجاه فكري إليه أو إليهم (ليستريبرسون: ماذا يجري في
العالم الغني والعالم الفقير. إعداد إبراهيم نافع، القاهرة، دار المعارف بمصر
1971. ص 35 ومابعدها؛ ود. جبار عودة العبيدي، هادي حسن عليوي: مدخل في سياسة
الإعلام العربي والإتصال. مكتبة الجيل الجديد، صنعاء 1993. ص ص 7-13). ويعرَّف
الإتصال أيضاً بأنه عملية يتم من خلالها تبادل المفاهيم بين الأفراد وذلك باستخدام
نظام الرموز المتعارف عليها، ويعتبر استخدام الكلمة طريقة من أكثر وسائل الإتصال
شيوعاً بين المرسل والمتلقي.
عناصر الإتصال:
وعلم الإتصال يمتد بجذوره
في التاريخ إلى أرسطو الذي وضع أسساً علمية لعملية الإتصال لم
تزل قائمة حتى الآن للتفاعل بين (الخطيب - المرسل) و(الجمهور - المستقبل) تقوم على
أن يعد المرسل (رسالته - خطبته) بصورة شيقة وجذابة ومقنعة، حتى يمكن أن تؤثر
بالجماهير بالصورة المستهدفة. وذلك لأنه لا قيمة للإتصال، من وجهة نظر أرسطو ما لم يكن مقبولاً ومفهوماً من (الجمهور
- المستقبلين). (محمد عاطف غيث: التنمية الشاملة والتغير الإجتماعي. مطبعة
كريدية. بيروت 1974؛ وسها سهيل المقدم: مقومات التنمية الإجتماعية
وتحدياتها. معهد الإنماء العربي. بيروت 1978)
وهنا يتضح محور العلاقة
التي أوجدها وحددها أرسطو بين المرسل، والرسالة والمستقبل. حيث قسم أرسطو الموقف
الإتصالي إلى ثلاث مراحل: - الخطيب؛
- الخطبة؛ - الجمهور. وأوجب أرسطو على (الخطيب - المرسل) أن يدرك ما يعتمل
في نفوس الجمهور من قيم ومبادئ ومعايير وسنن إجتماعية. وعلى أساس إدراك الجمهور
للرسالة يتأثر بتفسيره لهذه الرسالة. وهذا التفسير يعتمد على الوضعية الإجتماعية
للجمهور من حيث تنشئته الإجتماعية، والإطار أو النسق القيمي الذي يأخذ به (Carlo Mongardini: A new
definition of the concept of development. The New International Economic Order, Vienna 1980. p. 41).
أما الموقف الإتصالي لدى
ابن خلدون فينحصر بالآتي:
المرسل: ومن رأي ابن خلدون أن
الناقلين " الصحفيين"
لا يعرفون القصد مما عاينوا أو سمعوا، وينقلون الخبر على ما في ظنهم وتخمينهم
فيقعون في الكذب في كثير من الأحيان.
الرسالة: والتي من الضروري
مناقشتها في ذاتها للوقوف على مدى اتفاقها مع طبيعة الأمور، ومع الظروف والملابسات
التي يحكيها الراوي - المرسل - ومناقشة مادة تلك الرواية - الرسالة.
المستقبل: وقد أوجب عليه ابن خلدون أن يتأكد من أمانة الراوي - المرسل،
وصدقه وسلامة ذهنه، وطهارة عقيدته، ومتانة خلقه، وقيمته الشخصية (حسين العودات: الإعلام والتنمية. دراسة مقدمة إلى ندوة
خبراء السياسات الإعلامية والوطنية. بنغازي 25-28 نيسان/ أبريل 1983. ص 105؛ و-
مقدمة اين خلدون. دار القلم، بيروت 1978).
وتسلط هذه النظرة الضوء على
حقيقة الرسالة والأمانة عند المرسل، والذكاء الإجتماعي عند المستقبل، وبما أننا
لسنا بصدد المقارنة بين أرسطو وابن خلدون ولكننا نلاحظ أن رؤية أرسطو أكثر شمولاً وإتساعاً من نظرة ابن خلدون للإتصال التي تبدو عليها المسحة
المثالية. ولكنها مع ذلك تظل أقرب لأخلاقيات الإتصال المطلوبة (د. جبار عودة
العبيدي، هادي حسن عليوي: مدخل في سياسة الإعلام العربي والإتصال. مكتبة الجيل
الجديد، صنعاء 1993. ص 8).
وهناك عدة نظريات حديثة
للإتصال منها على سبيل المثال لا الحصر نظرية كولن في الإتصال والتي يمكن تلخيص الموقف
الإتصالي فيها على النحو التالي:
المرسل: يستمد من عقله الرسالة
التي يرغب في توصيلها إلى شخص آخر؛
الرسالة: التي يستخدم الإنسان عقله
وقدراته واستعداداته النفسية مثل التذكر والإدراك والإنتباه لإستيعاب تلك الرسالة؛
التغذية العكسية: أو راجع الصدى وهي
الإستجابة للرسالة (المثير) التي تعود إلى المرسل، وبذلك تكمل الدورة الإتصالية
(التقرير الختامي لندوة خبراء " اسـتـراتيجـيـة تنميـة القـوى العاملـة
العـربية في بغداد" 4-6 تشرين أول/أكتوبر 1982. مجلة العمل العربي
العدد 25/1982. ص 105).
وتعتمد هذه النظرية على عقل
الإنسان بإعتباره المركز الرئيسي للإتصال سواء في الإرسال أم في الاستقبال.
أما ستيفنسون فقد ربط بين نظريته في الاتصال و"الإمتاع"
على أساس أن "المستقبل" يشعر بالإستغراق والمتعة فيما يقرأ أو يشاهد
لاسيما في الإتصال الجماهيري، وأنه لكي تستمر المتعة فيما يقرأه أو يسمعه أو
يشاهده فمن الضروري أن تتخلل العملية الاتصالية بعض القطع الموسيقية أو الأغنيات
الخفيفة لتقليل حالة الضغط الإعلامي على المستقبل.
ويلاحظ أن من شروط الموقف
الإتصالي في هذه النظرية:
- إلزام المرسل بإيديولوجية
المجتمع التي من أهدافها ربط المواطنين
بمجتمعهم والإرتقاء بأذواقهم في مختلف النواحي الإجتماعية والثقافية؛
- صياغة الرسالة بإسلوب شيّق يعتمد على الإمتاع بشكل
يجعل المستقبل على إتصال مستمر بمصادر المعلومات (د. كمال بلان، وسليمان الخطيب:
المؤشرات الإقتصادية والإجتماعية في الوطن العربي ومدلولاتها على التنمية. مجلة
الإعلام العربي. العدد 2 المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليسكو).
تونس 1982. ص 78)؛
- إتاحة الفرصة للمستقبل
الدخول في حوار مع المرسل،
حتى يؤدي ذلك إلى تكوين رأي عام مستنير، يعتمد على الحقائق الواضحة، وليس على ما
تقدمه له الأجهزة التنفيذية، دون أن تكون للجماهير حق معرفة مصادر وصدق وثبات ما
يقدم لها من معلومات (أوسكار لانجه: التخطيط والتنمية الإقتصادية. مركز
الدراسات الإقتصادية. دمشق 1970. ص 9 وما بعدها).
أما نظرية لازر سفيلن فتلخص الموقف الإتصالي على النحو التالي:
- المرسل: مؤلف وناقل الرسالة؛
- الرسالة: وهي ما يرغب المرسل
إرساله إلى المستقبل عبر وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية؛
- المستقبل (الجمهور الإعلامي): وهذا
الجمهور، من وجهة نظر تلك النظرية لا يتأثر بالرسالة مباشرة وإنما يتأثر بها أكثر
إذا ما نقلت إليه تلك الرسالة مرة أخرى عن طريق قادة الرأي ويمكن تصور مفهوم قادة
الرأي من خلال الدراسات التي أجريت على بنية الإتصال في المجتمعات القروية. حيث
يحتكر قائد الرأي بعض الأساليب الإتصالية (القراءة) أو أجهزة الإتصال (راديو
مثلاً). ومن خلال متابعته للقراءة أو الإستماع، فإنه يستطيع إعادة صياغة الرسالة
بشكل يتفق مع الحالة المعنوية للمستقبل (ليستر يبرسن: ماذا يجري في العالم
الغني والعالم الفقير. إعداد إبراهيم نافع، دار المعارف بمصر، القاهرة 1971. ص
233).
أما نظرية إسفيروس في الإتصال فقد ركزت على العملية
الإتصالية كظاهرة إجتماعية تقوم على التفاعل الذي يتحقق في المجتمع وعلى ارتباط
ببقية الظواهر الإجتماعية الأخرى. وبذلك إعتبرها موضوعاً إنسانياً بالدرجة الأولى
(د. طلال البابا: قضايا التخلف والتنمية في العالم الثالث. دار الطليعة.
بيروت 1971. ص 74). وعلى ذلك فإن الموقف الإتصالي في هذه النظرية يقوم على: - المرسل: وهو المجتمع؛ - الرسالة: وهي التعبير الموضوع عن
عقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها؛ - المستقبل:
وهو المجتمع أيضاً؛ - وسائل
الإتصال: مثل الإذاعة المسموعة أو المرئية، والصحف، وهي المنابر التي لا
يرتقيها القادة السياسيون وحسب، بل وترتقيها الجماهير أيضاً، كي تعبر عن مطالبها
وآمالها، وكي تشترك بالرأي في إدارة شؤون المجتمع التي ليست حكراً على أحد (محمد
مصالحة: نحو مقترب علمي لحق الإتصال في الوطن العربي. مجلة شؤون عربية العدد
24 آذار/مارس 1983).
أما ويفر وشانون فحددا العلاقة بين المرسل والرسالة
والمستقبل في:
- المرسل: (أخصائي إجتماعي) ينتخب
أو يختار رسالة (مجموعة توجيهات) يرغب في توصيلها إلى مستقبل (مبحوث) الأمر الذي
يجبر المرسل على تحويل رسالته إلى شكل أو هيئة أو رمز، بحيث يمكن نقلها عبر قنوات
الإتصال إلى المستقبل (المبحوث). وبذلك يكون عقل الأخصائي الإجتماعي هو مصدر
المعلومات؛
- الرسالة: وهي عبارة عن مجموعة
توجيهات من أخصائي إلى مبحوث يتولى صوت الأخصائي الإجتماعي توصيلها، وتقوم الموجات
الصوتية بدور قناة الإتصال الرئيسية لعملية الإتصال؛
- المستقبل: وهو الذي يتلقى الرسالة
ويقوم بتحويلها إلى شكل أو رمز كان عليه في هيئته الأولى، وبذلك يكون عقل المبحوث
هو الهدف الذي يرمي الأخصائي الإجتماعي إلى وصول التوجيهات إليه. على حين تمثل أذن
المبحوث جهاز الإستقبال الذي يتلقى المعلومات (إدوارد كوين: مقدمة إلى
وسائل الاتصال. ترجمة وديع فلسطين، مطابع الأهرام، القاهرة 1977. ص 28).
وحدد هودينت العناصر الفعالة في عملية الاتصال بسبعة
أجزاء هي: - مشكلة؛ - مرسل؛ -
رسالة؛ - وسيلة؛ - وأحياناً ناقل؛ - وسيلة مستقبل؛ - إستجابة (اليونيسكو: التقرير الختامي
للجنة الدولية لدراسة مشكلات الإعلان. باريس 1978. ص 21 ومابعدها).
والسؤال الذي يمكن طرحه
الآن، هو: كيف تؤثر وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية في إشباع حاجات الفرد
الإجتماعية ؟ لأن الوسائل تنشر المعلومات وتزوِّد الأفراد بعدد من الموضوعات
تسهِّل على المؤسسة الإعلامية عملية الاتصال المتبادل. وهذا يعني أن وسائل الإتصال
والإعلام الجماهيرية تقدم إلى جمهور واسع من الناس معلومات عن حوادث أو ظواهر
معينة لها أهمية وقيمة إجتماعية.
ولا يتوفر للإنسان دائماً
فرصة تكوين علاقات مع آخرين، وهو وحيد لأسباب مختلفة. لأن هذا النقص في الإرتباط
بالعالم الخارجي ربما يؤدي به إلى اليأس، وتستطيع الإذاعتين المسموعة والمرئية أن
تسدي له خدمة كبرى. لأن صوت الراديو يبعد عنه الشعور بالوحدة، وهذه إحدى الخدمات
النفسية الهامة التي تؤديها الإذاعة المسموعة وهذا ينطبق على الإذاعة المرئية ولو
أن تأثير الأولى أوسع في هذا المجال من الثانية. ولكن لماذا يعير عدد كبير من
الناس الذين يعانون من هذا النقص في الروابط الإجتماعية، إهتماماً كبيراً لوسائل
الإتصال والإعلام الجماهيرية ؟ (د. الإدريس العلمي: الإعلام الذي نريده:
دراسة مقدمة إلى لجنة أليسكو لدراسة قضايا الإعلام والاتصال في الوطن العربي.
1983. ص 11)
لأن الإنسان يحتاج للإرتباط
بالآخرين، وهذه حقيقة لا جدال فيها، ولكن هذه الإرتباطات تتطلب منه درجة معينة من
التكيف. وتستطيع وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية أن تزوده بتعويضات تتطلب منه
درجة معينة من التكيِّف. كما وتستطيع وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية أن
تزوِّده بتعويضات لإشباع حاجاته للإتصال الإجتماعي. وليستطيع أن يكون صلات
إجتماعية مع أشخاص يتمتعون بأهمية إجتماعية كبيرة عبر وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية، ويستطيع كذلك أن يناقش ويجادل، ويستطيع أن ينهي المناقشة بإشارة من
يديه عندما يرغب ذلك ( د. سهير بركات: الإعلام الإنمائي وإعداد البنية
البشرية الإعلامية العربية. مجلة الإعلام العربي العدد 2، كانون أول/ديسمبر 1982.
ص 82).
وهكذا فإن إشباع حاجات
التكيُّف (الملائمة) عبر وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية، أصبحت عنصراً ضرورياً
في حياة إنسان هذا العصر. وتظهر أن قضية التكيُّف ليست متعلقة بسؤال (ماذا) وحسب،
وإنما كذلك بـ (كيف) و(لماذا) وهذا يعني أن الإنسان يحتاج أيضاً للتكيُّف كي
يتعلم، وإن هذا التكيف يعلمه أي سلوك عليه أن يتبنى بالنسبة لمواقف معينة، ويسدي
له النصيحة في كيفية التصرف في مواقف معينة كي يصل إلى إشباع أكبر لحاجاته. وتأثير
وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية في هذا المجال واسع جداً لأنها تزوِّد الفرد
بخلاصات مميزة لقيم المجتمع ومستجداته (ولبرشرام: وسائل الإعلام والتنمية
القومية. ترجمة اديب يوسف. وزارة الثقافة، دمشق 1969).
ولا تكتمل دائرة الإتصال
إلا حين تتوفر للموقف التعليمي جميع العناصر اللازمة لعملية الإتصال ويدل توافر
هذه العناصر على أن الدائرة تؤدي عملها بصرف النظر عن طبيعة التعليم المنتظر.
ولتقدير فاعلية التعليم ينبغي مراعاة إعطاء إنتباه خاص للتغييرات التي تبدو
متداخلة ومؤثرة على هذه العملية. ويمكن تحديد العلاقة بين عناصر الإتصال في:
أولاً: المصدر: سواء أكان فرداً
أو مجموعة من الأفراد. فهو عامل هام في الإتصال ويتوقف أداؤه لمهمته على أنواع
المتغيرات التي تضمنها عملية الإتصال بصرف النظر عن إمكانية توجيهها أوضبطها. وقد
لا تتوافر لها مصادر معلومات كافية ومناسبة، وربما تعوز المصدر المهارة اللازمة
لإعداد مضمون رسالته بدقة وفعالية.
فإذا كان المصدر شخصاً ما،
فما هي إتجاهاته نحو عمله ونحو مستقبلي الرسائل الإعلامية، ونحو وسيلة الإتصال
والإعلام التي يستخدمها. إذا كانت هناك وسيلة إتصال وإعلام ! وهي من العوامل التي
تؤثر على عملية الإتصال في التعليم (د. عبد الوهاب مطر الداهري: دراسات في
إقتصاديات الوطن العربي. معهد البحوث والدراسات العربية. بغداد 1983. ص 31
ومابعدها).
ثانياً: إستكمال دائرة الإتصال تتطلب تواجد المصدر في جانب، والمستقبل
في جانب آخر. ولو أن المصدر قد يكون هو المستقبل في نفس الوقت. فإننا نتحدث هنا عن
شخصين مختلفين. وكما كانت توجهات المصدر مهمة فإن اتجاهات المستقبل لاتقل أهمية
عنها.
فإذا كان للمستقبل اتجاه
سلبي نحو المصدر فإن التعليم يصبح أقل فاعلية، وقد تكون النتيجة مشابهة للشعور
المماثل الذي يشعر به المستقبل اتجاه الكتاب أو إلى المواد التعليمية الأخرى،
عندما لا يكون في حالة تقبل للمصدر. والأكثر من ذلك فإن إستقبال الرسالة الإعلامية
يتطلب مهارات معينة، وبصرف النظر عن قدرة المستقبل على استخلاص المعاني والقراءة
المناسبة والإستماع والمشاهدة والتفكير فإن هناك متغيرات هامة ينبغي
إعتبارها في الموقف التعليمي والإتصالي.
ثالثاً: الرسالة الإعلامية: وتعتبر عملية
تضمين الرسالة الإعلامية واستخلاص محتواها خطوة هامة في الإتصال. فقد يستخدم
المصدر بعض المصطلحات كرموز لجميع أجزاء ومقاطع المعلومات. مما يؤدي إلى صعوبة
فهمها من قبل المستقبل، مما يؤدي إلى إضعاف عملية الإتصال. ومثال ذلك ما يحدث في
تعليم لغة أجنبية، فإذا أغفل المصدر مستوى المستقبل، وطبيعة الرسالة والأسلوب الذي
تقدم به المعلومات، والأفكار. فمن دون شك أن كثيراً من المعلومات ستتعرض للضياع،
بصرف النظر عن شكل وإسلوب الإتصال الذي يستخدم. لهذا يجب على القائم بالإتصال أن
يعالج الرسالة الإعلامية بشكل ملائم ومنسق وأن يعيد صياغة الرسالة الإعلامية في كل
مرة لضمان استقبال نافع وفعال.
رابعاً: التوافق بين المرسل والمستقبل:
ويمكن أن يكون عندما يراعى في عملية الإتصال مستوى الخبرة المتوفرة لديهما في إطار
المعلومات الإجتماعية والثقافية... إلخ. وفي بعض الحالات التي لا يملك فيها المصدر
صورة واضحة عن مستوى فهم المستقبل وقدراته فإننا نجد أن اللغة المستخدمة والأمثلة
المختارة والأسلوب الذي تقدم به المعلومات قد لا تؤدي إلى إستقبال واضح ودقيق لدى
المستقبل. الذي يمكنه في هذه الحالة أن يستجيب للمثير فقط من خلال خبراته
ومعلوماته المتعلقة بموضوع الرسالة الإعلامية (نادي روما: من التحدي إلى
الحوار. ج2، ترجمة عيسى عصفور. وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق 1980. ص 150).
وخلاصة القول أن وسائل
الإتصال والإعلام الجماهيرية هي ركائز أساسية لتبادل الأفكار والمعلومات بين أفراد
المجتمع، وتعد أساساً لتفاعلاته الإجتماعية وتقريب وجهات النظر بين المجتمعات
المختلفة وبين مواطني البلد الواحد وموطني الدول الأخرى.
طشقند في 20/7/2012
بروفيسور محمد البخاري
دراسة قيّمة .. الله يعطيك العافية دكتور .. O.Beik
ردحذفشكراً
حذفلم يتم الاشارة باستفاضة تليق بحجم هذا المضمون، المميز، الى مساعي شون ماكبرايد ولجنته الدولية .
ردحذفما ذكرتيه يحتاج لبحث خاص، آملاً ن تقومي به مستقبلاً. مع خالص المودة والإحترام
ردحذف