تراث
الفنان التشكيلي الأوزبكي الراحل تشنغيز أحماروف
كتبها: أ.د. محمد
البخاري
يبقى اسم الفنان التشكيلي
المبدع والحائز على لقب فنان الشعب الأوزبكي تشنغيز أحماروف (1912-1995) على نفس
مستوى الكوكبة الرائعة من الفنانين التشكيليين العالميين في القرن الـ 20 ويشغل
مكانة رئيسية في تاريخ الفنون الجميلة الأوزبكية الحديثة. عن هذا جرى الحديث خلال
اللقاء الذي أجراه الرئيس الأوزبكستاني مع الشخصيات الثقافية والفنية في أوزبكستان
خلال حملته الانتخابية التي جرت في نوفمبر/تشرين ثاني عام 2016.
ويرتبط تراث الفنان التشكيلي الأوزبكي تشنغيز أحماروف الإبداعي بالأرض الأوزبكية،
ولكن ومع الأسف الشديد لم تتم دراسة إبداعاته بالكامل حتى الآن، رغم أنه يجذب
اهتمام المتخصصين ومحبي الفنون الجميلة في كل مكان. فالتناظر بين الأشكال الرائعة
التي أبدعها الفنان التشكيلي، تدفع بنا لا إرادياً للتفكر بالطريقة التي تمكن من
خلالها هذا الفنان التشكيلي الكبير من إنجاز أعماله الضخمة، وبماذا كان يفكر وهو
ينجزها ؟ وما الذي أراد إيصاله لمحبي الفنون الجميلة ؟
ويفسر المتخصصون سر جاذبية إبداعات تشنغيز أحماروف بأن أعماله بقيت حتى اليوم
ملهماً روحياً يكرر الشعر الجميل ويبحث عن الجمال، وهذا يعني أنه خلق عالمه الفني
الخاص الذي يشبه الطريق نحو الجمال الذي أراد الفنان التشكيلي التعبير عنه من خلال
أعماله، ولهذا نرى عشاق الفنون الجميلة غارقون بالأسئلة
والشكوك حول أسرار أعماله المبدعة.
وأثناء حياته كتب تشنغيز أحماروف في كتابه
"على الطريق نحو الجمال... ذكريات" هل يمكنني أن أجسد في الفنون الجميلة،
وأرسم مشاعري وأفكاري وأحلامي وآمالي وطموحاتي والتحديات التي وقفت أمامي ؟ كي أحصل
على حب واحترام الشعب الذي أنتمي إليه، الشعب الذي من دونه كان يمكنني الضياع في
متاهات الحياة ؟ وكيف يمكنني تربية تلاميذي على الشعور الدائم بالحب للمشاهدين
؟".
وخلال حياته تمكن تشنغيز أحماروف من إحياء أفضل التقاليد الشعرية في فن
المنمنمات الشرقية. ولو أنه كان مترجماُ للشعر في لوحاته المنمنمة، وكان فناناً
غاية في الدقة والإحساس بجماليات الشعر الشرقي المتميز.
وأعمال تشنغيز أحماروف محفوظة اليوم في العديد من متاحف العالم، ومن بينها:
متحف الفنون الجميلة الحكومي في أوزبكستان، وصالة معارض تريتياكوفسكي، والمتحف
الحكومي لشعوب الشرق في روسيا، ومتحف كازان في تتارستان، وفي متاحف اليابان، وفي
المجموعات الشخصية ومن بينها مجموعة الفنان التشكيلي السوري د. محمد غنوم.
وخلال حياته الإبداعية شارك الفنان التشكيلي تشنغيز أحماروف في تزيين محطات مترو
موسكو، وصالة فندق "أوكرانيا" بموسكو، وصالة مسرح كازان. وبقيت أعماله
الضخمة في كيميروفو، وسوتشي وكراسنويارسك في روسيا. كما قام بتزيين صالة متحف علي
شير نوائي الحكومي للآداب، ومعهد أبو ريحان البيروني للدراسات الشرقية، ومعهد الأبحاث
الفنية، والمدرسة الحكومية العليا للرقص القومي، ومحطة مترو علي شير نوئي في طشقند
وغيرها من المباني العامة.
وفي كل عمل من أعماله كان تشنغيز أحماروف يضع حلاً فريداً لأي شكل من الأشكال أو
أي موضوع أو أي مسرح لإيماءآت رمزية معتمداً على الغرض منها وطبيعتها
الداخلية، وعن نقوشه في إحدى صالات متحف علي شير نوائي للآداب بطشقند كتب الفنان
الكبير أني كنت: "أسعى لتحقيق أقصى قدر من الانسجام بين الخطوط والألوان، من
أجل تصوير مزاج الشخصيات الرئيسية، وصوت أرواحهم بدقة ... فالخلفيات مستوحاة من
غزليات علي شير نوائي، ولهذا استخدمت خلفيات مختارة من أشعار الشاعر لتأطير
التراكيب، التي نفذتها بالنص العربي". وفي معهد البيروني للدراسات الشرقية بطشقند كانت المواضيع
الفلسفية الأبدية في الفنون أساساً للوحات الجدارية كـ: الصراع بين الخير والشر، والحرب
والسلام، وتمجيد الإنسان المبدع الخلاق.
وعن تراثه قال عضو أكاديمية الفنون الجميلة أكبر حكيموف رئيس مشروع دراسة
إبداعات تراث الفنان التشكيلي الراحل تشنغيز أحماروف: مع الأسف أظهرت التحليلات أن
الكثير من أعمال الفنان الكبير هي في حالة يرثى لها اليوم.
ولهذا نواجه وبحدة مسألة الحفاظ عليها، كجزء لا يتجزأ من التراث الثقافي الأوزبكستاني،
وأود على وجه الخصوص أن أشير إلى موضوع الحفاظ على اللوحة الضخمة التي نفذها عام
1980 في قصر أبو علي بن سينا للثقافة في بخارى، بمناسبة الذكرى السنوية الألفية لمولد
العالم الموسوعي والفيلسوف والطبيب البارز أبو علي بن سينا، وهي لوحة فريدة من حيث
ضخامتها إذ يبلغ طولها 18 متراً وارتفاعها 6 أمتار، وتعتبر من أكبر اللوحات
الجدارية التي نفذها هذا الفنان الكبير.
وتجدر الإشارة إلى أن اللوحة أصبحت في حالة
مزرية وتحتاج لأعمال ترميم جدية منذ فترة طويلة. وخاصة بعد أن وضع المبنى تحت تصرف
اتحاد الشباب في أوزبكستان، وبدأت فيه أعمال ترميم واسعة، رافقها إزالة لوحة
تشينغيز أحماروف الجدارية بالكامل. ولكن مجموعة من الفنانين التشكيليين البخارية
برئاسة إركين جوراييف قامت في الوقت المناسب بالإعتناء بمستقبل وسلامة هذه اللوحة
الفريدة، والحفاظ عليها للأجيال القادمة. وبمبادرة منهم جرى تصوير وتثبيت الصور على
الورق للبحث عن المفقود منها.
وكل هذه الصور موجودة اليوم في متحف الفنون الجميلة ببخارى.
وتابع أكبر عبد الله يفيتش أكباروف: بفضل مبادرة الفنانين التشكيليين البخاريين
الذين تألمت أروحهم على التراث الثقافي لبلدهم، تمكنا اليوم من الحفاظ على هذه
اللوحة. وتجدر الإشارة إلى حقيقة أن تشينغيز أحماروف نفذ اللوحة، بمساعدة أساتذة
الريشة الماهرين المعروفين اليوم من بين أعضاء أكاديمية الفنون الجميلة أكمال إكرامجانوف،
وتيمور سعد الله ييف، اللذان قاما بتنفيذ الرسومات الرئيسية
التي وضعها الفنان الكبير.
واقتضت التكنولوجيا حينها تنفيذ اللوحة تحت درجة حرارة معينة على الجص الجاف، ونفذت
الرسومات كلها في البداية على لوحات صغيرة قياس مترين على مترين بالتكنولوجيا
القديمة "سيوح قلم"، وبعد ذلك جرى نقلها وتثبيتها على الجدار. واليوم يستعد
أكمال
إكرامجانوف لإدارة أعمال إستعادة هذه التحفة الفنية.
وأضاف أكبر عبد الله ييف: مع الأسف
مشكلة الحفاظ على تراث تشنغيز أحماروف في بخارى هي ليست الوحيده لأنها تعاني من
نفس المشكلة في غيرها من المواقع الثقافية، وتحتاج لاهتمام كبير ومتابعة من قبل
المتخصصين. وتحتاج الأعمال المنفذة في مرصد ألوغ بيك لأعمال كبيرة
لاستعادة التحفة الفنية المحفوظة في متحف سمرقند، وما قام
به الفنان التشكيلي الكبير في كل لوحته كبيرة الحجم التي يبلغ قياسها مترين ونصف على
أربعة أمتار، تم إزالتها أثناء الترميم وحفظت في متحف تاريخ وثقافة وفنون شعوب
أوزبكستان الحكومي بسمرقند. ونفس المشكلة تواجه عملية الحفاظ على جدارياته في
المدرسة العليا للرقص القومي في طشقند. وأعماله في متحف علي شير نوائي للآداب،
ومعهد الدراسات الشرقية وغيرها التي تحتاج للترميم. وهناك خطر جدي يهدد بعض
إبداعاته الجميلة ويعرضها للفقدان إلى الأبد.
مع الفنان الأوزبكي الكبير بهادر جلالوف
وأضاف حكيموف: أتمنى أن تأخذ وزارة الثقافة
على عاتقها مهمة الرقابة على مواقع التراث الثقافي المادي هذه، ودعوة المتخصصين من
أكاديمية الفنون الجميلة ومعهد البحوث الفنية لتنفيذ أعمال الترميم اللازمة.
وأضاف أكبر حكيموف: الحفاظ على تراث تشنغيز أحماروف يتمتع
بأهمية كبيرة، وكل اللوحات الجدارية تتمتع بأهمية. وبقيت ساطعة في القرن الـ 21، ولا
يمكن حجب الضوء المنبعث من إبداعاته غير القابلة للظهور. فالتحولات التكنوقراطية المذهلة، والأحداث الدرامية وموجات العواطف
الجديدة، اجتاحت مشهد تاريخ العالم الحديث،
وفجأة أعطت شاعرية وصور فلسفيه فنية منقحة وجودياً. فالفن الرفيع على مثال
حياة هذا الفنان الكبير تظهر أن تاريخ الانسانية يضم شخصيات، جسدت العصر الذهبي
للفن. وهذا الفنان بقي صادقا
مع نفسه، ومع مبادئه الحياتية، وطريقه الفني حتى النهاية.
وأشار حكيموف إلى أني: "شاهدت خلال طريقي
في البحث أمثلة على المثابرة، والثبات، وقوة الروح، والقوة الروحية التي ساعدت
الناس ليكونوا سعداء على الرغم من أن أكثر تجارب الحياة هي قاسية! وعلى العكس: كم من مرة رأئيت أنه يجب على المرء مراقبة الخمول
الروحي، والبؤس الروحي لأولئك الذين على ما يبدو، لم يحرموا من الصحة، ولا من الرفاه
ولا من الثروة... وعلى ما يبدوا، أن بعض مصادر السعادة البشرية تجعلهم يعيشون في
انسجام مع العالم، دون مادة وفيرة، ولكن مع ثراء الروح ، وأفضال الروح".
وفي الختام أود أن أتمنى لتراث الفنان التشكيلي
العظيم تشنغيز أحماروف أن يسعد الأجيال القادمة من مواطني أوزبكستان، وأن تبعث
أعماله الفريدة للحياة من جديد. وفي المستقبل القريب بإطار قرار رئيس أوزبكستان
"حول التدابير الرامية لتسريع تطوير الإمكانات السياحية
لمدينة بخارى ومنطقة بخارى خلال الفترة الممتدة من عام 2017 وحتى عام 2019" الصادر
بتاريخ 19 مايو/أيار عام 2017 لتعزيز موقع المدينة العريقة كمركز سياحي دولي أكثر،
ولتكون واحدة من المواقع السياحية الساطعة في أوزبكستان، ولتصبح إبداعات تشنغيز
أحماروف لؤلؤة حقيقية فيها.
طشقند
11/11/2018
المراجع:
إيرينا ريبار: ضوء خافت للتراث الروحي.
طشقند، صحيفة برافدا فاستوكا، 25/7/2017. وأكاديمية الفنون الجميلة الأوزبكية عى
الرابط: وhttp://art-academy.uz/category/художники/ باللغة الروسية
أ.د. محمد البخاري: تشنغيز أحماروف أبرز رواد الفن التشكيلي الأوزبكي
المعاصر. نشرت بتاريخ 18/1/2018 على الرابط: http://bukharimailru.blogspot.com/2018/01/blog-post_18.html
أ.د. محمد البخاري:
تشنغيز أحماروف. نشر يوم 1/12/2013 على الرابط: http://bukharimailru.blogspot.com/2013/12/blog-post.html
أ.د. محمد البخاري: تشنغيز أحماروف رائد
النهضة الحديثة في الفن التشكيلي الأوزبكي 8/8/2009 http://bukharimailru.blogspot.com/2009/08/blog-post_08.html