وكالات الأنباء العالمية ودورها في
تحديد أطر السياسات الخارجية وتنفيذها 1
أ.د. محمد البخاري
التبادل
الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية
المعاصرة
طشقند -
2011
تأليف:
محمد
البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC، اختصاص:
الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة؛ بروفيسور قسم العلاقات العامة والإعلان، كلية الصحافة، جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.
وكالات
الأنباء العالمية
ودورها
في تحديد أطر السياسات الخارجية وتنفيذها
وتعتبر
وكالات الأنباء العالمية من المصادر الهامة للأنباء الدولية التي تعتمد عليها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية لإعداد موادها عما يجري حولنا من أحداث في العالم العاصف دائم المتغيرات الاقتصادية، والعلمية، والتكنولوجية، والسياسية، والاجتماعية. خاصة وأن الكثيرين يعتبرون وكالات الأنباء العالمية جزء لا يتجزأ من سياسات القوة التي تعتمد عليها القوى العظمى لتحقيق جزء هام من سياساتها الخارجية والدفاع عن مصالحها الحيوية في أنحاء مختلفة من العالم.
وتعتبر
فرنسا
المهد الذي رأت فيه أول وكالة أنباء عالمية النور عام 1845، والتي أشار لدورها الهام أنوريه دي بلزاك في مقالة كتبها عام 1840 ونشرتها إحدى المجلات الباريسية "بأن الجمهور يمكن أن يصدق أنه يوجد صحف كثيرة، ولكن في الحقيقة لا توجد سوى صحيفة واحدة..... فللسيد هافاس مراسلين في العالم بأسره، وتصله الصحف من بلدان مختلفة في الكون، وهو الأول لأن كل الصحف الباريسية امتنعت، لأسباب مادية عن العمل لحسابها تجنباً للمصاريف، ولكن المصاريف التي يتحملها السيد هافاس هي أكبر، ولهذا كان الاحتكار له. وكل الصحف التي امتنعت في الماضي عن ترجمة الصحف الأجنبية، وعن اعتماد مراسلين لها في الخارج، تتلقى المساعدة اليوم من السيد هافاس الذي يزودها بالأخبار الأجنبية في ساعة محددة لقاء مبلغ شهري. وتقوم كل صحيفة بصبغ تلك الأخبار التي يرسلها السيد هافاس إليها باللون الأبيض أو الأزرق أو الأخضر أو الأحمر".
ويعتبر
شارل هافاس اليهودي الفرنسي، أول من أطلق اسم وكالة أنباء على الوكالة التي حملت اسمه أي وكالة هافاس، في باريس عام 1845، وكانت أول وكالة تمارس تجارة الأخبار والإعلانات في العالم. وقد استفاد هافاس من الخبرة التي تكونت لدى الصرافين في مراسلاتهم منذ القرن السادس عشر، واستفاد خاصة من الحادثة التي سمحت لأسرة روتشيلد التي كانت تمارس المراسلة مع الصرافين، أن تصبح من الأسر الثرية عندما علمت بخبر انتصار إنكلترا في معركة واترلو قبل حكومة ملك إنكلترا بثمان ساعات. كما
استفاد هافاس من الموقع الهام لمكتبه الذي افتتحه عام 1832، وسط العاصمة الفرنسية باريس بالقرب من مركز البريد، وبورصة باريس التجارية، والمحكمة، ومقرات الصحف الباريسية. ومنذ عام 1857 أخذت وكالة هافاس تتمتع بشهرة واسعة، تتناسب وشعارها (المعرفة الجيدة والسريعة)، واستعملت وكالة هافاس كل الوسائل المتاحة آنذاك للقيام بعملها، من استخدام الحمام الزاجل في الاتصالات اليومية بين باريس، ولندن، وبروكسل، إلى استخدام التلغراف الذي أخترع عام 1837، ووضع في الخدمة العامة عام 1850، وعبر الكبل البحري الذي امتد تحت مياه بحر المانش عام 1851، وتحت المحيط الأطلسي عام 1866، واستخدمت كذلك التيليسكربتور في عام 1880.
وكانت
وكالة
الأنباء
الفرنسية
وريثة وكالة هافاس أول من استخدم الراديو تيليسكربتور في العالم عام 1950. وعندما عانت وكالة هافاس من أزمة مالية حادة، أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية، في ثلاثينات القرن العشرين، قامت الحكومة الفرنسية بالتدخل لمساعدتها مادياً. وإثر هزيمة
فرنسا أمام ألمانيا النازية مع بداية الحرب العالمية الثانية، وقعت وكالة هافاس تحت السيطرة الألمانية، وحكومة فيشي الفرنسية الخاضعة لألمانيا، ووضعت تحت إشراف الديوان الفرنسي للإعلام، وخضعت لرقابة الحكومة الفرنسية وجماعة تجارية ألمانية اعتباراً من خريف عام 1940. في نفس الوقت الذي اتخذت فيه الحكومة الفرنسية الحرة من لندن مقراً لها تقود منها المقاومة ضد النازية، وليتحول بذلك مكتب وكالة هافاس في لندن وبعض مكاتبها الأخرى في العالم إلى أداة من أدوات كفاح حكومة فرنسا الحرة والحكومة المؤقتة في الجزائر ضد الاحتلال النازي.
وبعد
هزيمة النازيين وتحرير فرنسا من احتلالهم عام 1944، صدر مرسوم عن الحكومة الفرنسية بتاريخ 30/9/1944 يقضي بإنشاء وكالة الأنباء الفرنسية AFP،
كوريثة لما تبقى من وكالة هافاس، وتمتعت من الناحية القانونية باستقلالها كمؤسسة عامة مستقلة مالياً، مع إمكانية حصولها على إعانات مالية من الحكومة الفرنسية. وفي عام 1954 ترأس وكالة أنباء AFP جان ماران، وكان يعمل فيها آنذاك نحو 2000 موظف و700 صحفي، ولها 18 مكتباً في فرنسا، و92 مكتباً في الخارج، ومراسلين في 157 دولة، وكانت توزع حوالي 500 ألف كلمة يومياً، إضافة لمصالحها في 138 دولة، و12400 مشترك بين صحيفة ومحطة إذاعية مسموعة ومرئية،
و447
مشتركاً خاصاً. ووزعت
وكالة أنباء AFP أنباءها باللغات الفرنسية والإنكليزية والإسبانية والألمانية والعربية والبرتغالية. إضافة لامتلاكها مراكز استماع للإذاعات الأجنبية، وخاصة إذاعة موسكو وبعض الدول الشرقية، والشرق الأوسط والشرق الأقصى. وكان مركزيها في ليما وسنغافورة يرسلان الأنباء الهامة مباشرة للمشتركين في أمريكا اللاتينية وقارة آسيا دون الحاجة لإرسالها عبر باريس. وحققت
أعمال وكالة أنباء AFP عام 1967 نتائج بلغت 60.081.189 فرنك فرنسي، في الوقت الذي كانت فيه ميزانيتها لذلك العام لا تزيد عن 50 مليون فرنك فرنسي فقط.
وحسب
مصادر وكالة أنباء AFP فهي تنقل الأنباء بصدق وموضوعية، وتتسم بطابع استقلالي. ولكن المتابعة الموضوعية لما تنشره فعلاً يظهر بوضوح أنها وسيلة من وسائل السياسة الخارجية الفرنسية، من خلال تركيزها على نقل الأخبار وفق الأولويات التي تراها مناسبة لها، وبما يتناسب والمواقف الفرنسية، ومما ساعدها على الانتشار الواسع في العالم الخبرة الطويلة التي تكونت لديها، والمناخ السياسي السائد في فرنسا، وإمكانياتها المادية والتقنية وقدرات السياسة الخارجية الفرنسية، إضافة لدعم الحكومة الفرنسية.
أما
في بريطانيا افتتح جوليوس رويتر اليهودي الألماني الذي اكتسب الجنسية الإنكليزية عام 1857، وتعلم في باريس على يد شارل هافاس، مكتباً للأنباء في لندن عام 1851 كشركة تجارية عادية، وسرعان ما تحول هذا المكتب إلى وكالة للأنباء ووسيلة هامة من وسائل السياسة الخارجية البريطانية، الأمر الذي ظهر جلياً واضحاً إبان الحرب العالمية الثانية. واستفاد رويتر من مد الكبل البحري بين دوفر وكالي، ليوفر عامل السرعة في إرسال واستقبال الأنباء. ومن ثم حصوله على موافقة سرية أثناء الحرب الأمريكية لمد كبل بحري عبر المحيط الأطلسي ربط بين مينائي كروك، وكروكابين على ساحل إيرلاندا، وسير سفناً أبحرت بمحاذاة السفن الأمريكية لتلتقط محافظ الأخبار الجاهزة منها وإيصالها لمراكز التلغراف التابعة له موفراً بذلك حوالي ثمان ساعات من الطرق المألوفة آنذاك. وأطلق على تلك الطريقة اسم التلغراف الناقص. وهي
الفكرة التي استفادت منها الصحافة الأمريكية عندما أنشأت كبريات الصحف في نيويورك أول وكالة للأنباء واتفقت مع سفن الركاب المتوجهة عبر المحيط الأطلسي لالتقاط الأخبار الواردة من أوروبا عام 1848 بسرعة أكثر من انتظارها في نيويورك.
ومنذ
عام
1941 تحولت
وكالة
أنباء رويتر
إلى مؤسسة مستقلة "تروست" وفق المفهوم البريطاني. وضم هذا التروست: نيوزبيبر بروبيتورز أسوسيشن، وشركة الصحف اللندنية، وشركة الصحافة، وشركة الصحافة الجهوية، وشركة الصحافة الاسترالية، وصحافة نيوزيلندة، وتعاونية الصحف الاسترالية والنيوزيلندية. ومعنى ذلك أن وكالة رويتر كانت ملكاً غير قابل للتجزئة لعموم الصحف في المملكة المتحدة، باستثناء الصحافة الشيوعية غير الممثلة في تلك الشركات، وعمل في الوكالة آنذاك نحو 2000 موظف و500 صحفي، وكان لها 75 مكتباً في 69 دولة، وكانت توزع حوالي 1.3 ملايين كلمة في اليوم على 6500 مشتركاً و4770 صحيفة في 120 بلداً في العالم. وكانت تملك أكثر مراكز الرصد الإذاعي في العالم، وأوسع خط للتيليسكربتور في العالم، يبلغ طوله 990.700 كلم حتى عام 1967 بامتياز استخدام نافذ لمدة خمسين عاماً. ومنذ عام 1961 استخدمت الكبل البحري الممتد تحت مياه المحيط الأطلسي بين لندن ونيويورك. وأثناء
الحرب العالمية الثانية تعرضت وكالة رويتر لأزمة مالية حادة، دعت الحكومة البريطانية لتقديم المساعدات لها، إلا أنها سرعان ما استغنت عن تلك المساعدات.
ويقول
الرسميون في وكالة رويتر، أن وكالتهم هي مؤسسة تمثل الصحافة البريطانية أساساً، وأنها تتوخى الموضوعية والدقة في أخبارها، ولكن تحليل مضمون موادها الإعلامية يبين أنها وسيلة من الوسائل الفعالة للسياسة الخارجية البريطانية، وأنها كسائر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية البريطانية تستخدم أساليب غاية في الدقة لإخفاء نواياها الحقيقية، الأمر الذي يساعدها على القول بأنها تعمل بموضوعية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق