الأبعاد النفسية لانهيار الدولة العثمانية في المجتمع التركي من المراجع الروسية
كتبها: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب، PhD اختصاص صحافة. بروفيسور قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
مخطط الدراسة
تمهيد
انهيار السلطنة العثمانية كان كارثة شاملة للأتراك
بناء الدولة العلمانية
مفهوم الحرب لدى الأتراك
غروب شمس الإمبراطورية
الدور الخاص للجيش في التاريخ التركي
الانتماء للكتلة الإسلامية
التركيبة الاجتماعية في الريف التركي
تجمع الأحزاب القومية في السلطنة العثمانية والحركة الطورانية
دعم تركيا من عناصر خارج السلطنة العثمانية
التناقض الأيديولوجي للقوى العلمانية التركية
اشتداد التأثير الإسلامي داخل المجتمع التركي
الدعوة للفكر القومي في الريف
التوازن المبدئي للحافظ على بقاء الجمهورية العلمانية
تركيبة الجيش التركي
تحول الانقلابات العسكرية إلى عيد شعبي
الجيش مصدر الصراع التاريخي الدائم في تركيا
الخاتمة
مراجع استخدمت في الدراسة
تمهيد: نحاول في هذه الدراسة الموجزة تسليط بعض الضوء على أسباب انهيار السلطنة العثمانية في بعض مراجع الإستشراق الروسي التي نشرت خلال القرن التاسع عشر وحتى أواسط القرن العشرين، وهو الانهيار الذي كان منتظراً من قبل مستشرقي الإمبراطورية الروسية التي تأصل عداءها للعثمانيين عبر قرون من الحروب الشرسة للتوسع على حساب السلطنة العثمانية من خلال الدور الفاعل الذي لعبه المستشرقون الروس في تحقيق المصالح والأهداف التوسعية للإمبراطورية الروسية.
انهيار السلطنة العثمانية كان كارثة شاملة للأتراك: ونجد أن انهيار السلطنة العثمانية كان انتصاراً لهم، بينما صوره المستشرقون وكأنه كارثة شاملة للأتراك عانت منها القوى الفكرية والبنية الاجتماعية في السلطنة على حد سواء، حيث تنبأ فامبيري بأن يغير انهيار السلطنة العثمانية أسلوب تفكير الأتراك لأن "الفلاحين الأتراك ما هم إلا أحفاداً لأولئك الأبطال الشجعان الذين أتوا من الشرق وأسسوا إمبراطوريتهم على بقايا أملاك الإمبراطورية البيزنطية المسيحية". بينما أكد ذلك نوفيتشيف من بعده بفترة طويلة إثر انهيار السلطنة العثمانية وبعد الحرب العالمية الأولى أن حالة الأتراك الذين باتوا يشعرون وكأن العالم الإسلامي بأسره قد دمر، لما رافقها من انحطاط أخلاقي وفوضى لأن السلطنة العثمانية كانت مكتظة آنذاك بالهاربين من الجيش ومن المعتقلات. واعتبر سكولسكي معاهدة سفير للسلام التي أعقبت الحرب العالمية الأولى بمثابة "الرمز الذي يمثل الوفاة السياسة للسلطنة العثمانية" لأن المعاهدة اعترفت باحتلال الدول العظمى لأجزاء من السلطنة العثمانية المنهارة، لأن القوات الفرنسية نزلت فعلاً في موانئ سورية وكليكية، والإنكليزية في العاصمة العثمانية القسطنطينية، واليونانية في سميرني (إزمير) التي كانت للأتراك بمثابة الجنة، مشيراً إلى أن اليونانيين كانوا ينتظرون اضطهادهم بعد انتهاء الجيش العثماني من اضطهاد الأرمن، وما كان منهم إلا أن أمعنوا في المدينة التركية النهب والتخريب بشكل منقطع النظير. لهذا أشارت بعض المراجع إلى أن ما حدث كان بمثابة نقطة الصفر للأتراك الذين أخذوا وبصورة خاطفة بتنظيم مقاومة عفوية غير منتظمة ولكنها قوية لمواجهة تلك الأوضاع التي فرضت عليهم، الأمر الذي سهل على مصطفى كمال إعلان "وعده القومي" واضعاً أطر الدولة التركية الحديثة التي كان يريدها ورغم العفوية التي تميز الوعد بها كان له تأثيراً سحرياً على أتراك آسيا الصغرى الذين هبوا للوقوف بقوة إلى جانب الجيش القومي التركي الذي أعلن الحرب لا من أجل الحياة بل من أجل الموت حسب تعبير الباحث بالوفيتش.
بناء الدولة العلمانية: وأشار الباحث أستاخوف إلى أن مصطفى كمال المنتصر في الحرب بدأ ببناء تركيا الجديدة كجمهورية علمانية، محددا بدقة حدودها الجغرافية، وبدأ إصلاحاته الشاملة التي طالت الحكومة والإدارة، والحياة الدينية، والثقافية، وظروف معيشة سكانها دون أن يواجه أية اعتراضات أو احتجاجات من قبل القاطنين في الدولة التركية الجديدة وكأنها بالإجماع تؤيد مصطفى كمال أتاتورك وإصلاحاته الجذرية، ولأول مرة أخذ الشعب التركي يحدد هويته القومية التي لم يكن لها شأناً خاصاً منذ قرون من تاريخ السلطنة العثمانية، لأن الهوية القومية في الإمبراطورية المنهارة (المقصود السلطنة العثمانية) كانت دائماً دينية ولا تقبل إقامة أي دولة قومية. ورغم ذلك تقبل الشعب التركي المسلم بكل هدوء ما أقدم عليه مصطفى كمال أتاتورك من القضاء على الخلافة الإسلامية التي حمت الدين والشريعة الإسلامية رغم أن إجراءات القضاء عليها كانت تصرفات فجة تبعتها عملية تحريم الزي التقليدي للأتراك الذي كان دائماً مصدراً للشخصية التركية واستبداله بالقبعة الأوروبية التي كانت محتقرة من قبل الأتراك لفترة طويلة بسبب إعاقة مرتديها أداء فروض الصلاة.
واعتبر المستشرقون الروس ذلك بمثابة تقدم جوهري في الوعي التركي، مركزين على عدم وجود أية مؤشرات تنذر بأزمات قد يواجهها الشعب التركي رغم مؤشرات عدم الرضا المحدودة التي ظهرت لدى جماعات محددة من المثقفين الأتراك، ولكن الشعب التركي الذي يشكل الفلاحين معظمه كان يشعر وكأن شيئاً لم يحدث. وهو ما سمح للمستشرقين بالخروج باستنتاجات طالت تلك المرحلة من خلال دراستهم لعصر الأزمات الاجتماعية والسياسية العميقة التي عاشتها السلطنة العثمانية خلال حروبها الطويلة مع الإمبراطورية الروسية وما رافقها من أحداث عالمية أثرت بشكل مباشر على الوضع الفكري والوعي الجماهيري التركي الذي كان لا يقبل الجدل، وعكفت تلك الدراسات طيلة قرن من الزمن على دراسة التبدلات الفكرية والاجتماعية الجارية في السلطنة العثمانية، ودراسة غيرها من المؤثرات الخارجية المباشرة التي بدلت بعضها بعضاً مركزة على مقاومة الحكومة للحركات الأيديولوجية التي واجهت الفكر الرسمي للسلطنة العثمانية حينها، ومدى استجابة تلك الحركات لمراحل التطور الفكري والسياسي والفلسفي في أنحاء السلطنة العثمانية مترامية الأطراف. وعمل المستشرقون على دعم تلك التبدلات لزيادة الهوة بين الحركات الأيديولوجية في السلطنة العثمانية والنظام الحاكم آنذاك، من خلال تركيزهم على كيفية تعامل الشعوب الخاضعة للحكم العثماني مع تاريخهم وخاصة خلال المرحلة التي سبقت العهد العثماني، وعلى تصرفات تلك الشعوب حيال ما خلفته السلطات العثمانية من تأثيرات على الوعي الجماهيري عما يجري في الدولة فعلاً. واستمرت تلك الدراسات دون انقطاع رغم تبدل السلطة في روسيا واستمرت حتى سبعينات القرن العشرين ولكنها لم تتعرض لتبدلات الوعي الجماهيري التركي خلال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين لانشغال المستشرقين الروس آنذاك بما كان يجري من تبدلات جوهرية في بلدهم أدت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية العالمية معه.
مفهوم الحرب لدى الأتراك: وخرجت تلك الدراسات بنتيجة مفادها أن الوعي الجماهيري التركي كان قد تكون خلال عصر التوسع السريع للسلطنة العثمانية، حيث لم يكن هناك أي فارق بين الجندي والفلاح آنذاك، وعند دعوة القادة العسكريين للجماهير التركية للمشاركة في الجهاد وكان الفلاحين يتركون قراهم سعداء بتلبية "نداءات" الواجب والتوجه إلى الأماكن المحددة حيث ينتظرهم القادة العسكريون اللذين كانوا يسلحونهم ويسلموهم الخيول وغيرها من المعدات الضرورية للحرب كما أشار أحد جنود الإنكشارية في مذكراته، من أجل توسيع رقعة الدولة العثمانية، وأضاف أن الأتراك خلال تلك السنوات لم يعرفوا الهدوء أبداً، وكانوا في حالة حرب دائمة تمتد من سنة إلى سنة، وتنتقل من أرض إلى أرض.
وذكر غلينكا في بحث كتبه خلال القرن التاسع عشر أن الأتراك تمكنوا من نقل الحرب إلى الأراضي الأوروبية وهي من مزايا الروح التركية. واعتبر بارتولد أن تلك الحروب كانت مصدراً للخيرات التي تمتع بها الأتراك آنذاك، وأن وظيفة الحكومة العثمانية آنذاك كانت الاستمرار بالحرب المقدسة؛ يليها بعد ذلك الاهتمام بالاقتصاد والإدارة. وأن الأراضي التي أخضعت بالسيف باسم الله كانت توضع تحت تصرف القادة العسكريين للسلطان العثماني الذي جمع في شخصيته مناصب القائد الأعلى للجيش، والحاكم، والمرجع الديني الأعلى (الخليفة). وأنه كان يغلب على البنية الحكومية الطابع العسكري، وأن القيادة العسكرية تسلسلت من الأعلى إلى الأسفل، وشملت حتى قيادات المجتمعات الفلاحية والعسكرية المحلية، وأعفيت الأراضي التي عاش عليها الفلاحون من دفع الرسوم إلى الأبد، لتجنيب الفلاحين أية خسائر مادية أو معنوية، لأن الحروب المقدسة كانت تجبر الفلاحين الأتراك على الانتقال من مكان إلى مكان آخر دائماً.
غروب شمس الإمبراطورية: واعتبرت بعض المصادر المنشورة خلال القرن التاسع عشر أن القرن السابع عشر كان بداية لمرحلة تغييرات جذرية كانت تبشر بغروب شمس الإمبراطورية التي بناها العثمانيون وأدت إلى إجبارها على وقف سياسة التوسع والحرب مما أوقعها في أزمة حقيقية، لأن الأتراك اعتادوا الخضوع للقيادة العسكرية وحدها، ولم يكن للموظف المدني أية سلطة من وجهة نظر عامة الأتراك الذين كانوا ينظرون إلى الموظفين كأشخاص مساوين لهم وليس كقادة. وخضوع الأتراك لأشخاص مساوين لهم كان غاية في الصعوبة وهو ما شمل حتى الشعوب الأوروبية الخاضعة للسلطنة العثمانية آنذاك. ووضعت حقيقة توقف حروب التوسع الأتراك أمام خطر حقيقي يهدد وجود السلطنة العثمانية بكاملها. مما دفع بالأتراك المؤمنين بالقدر منذ بداية القرن التاسع عشر بالتفكير الجدي بأن السلطنة العثمانية لم تعد تتمتع بتلك القوة التي كانت تحظى بها منذ قرون مضت وأن نهاية الأسرة العثمانية حتمية ولا مرد لها، وأنه حان وقت مغادرة المعسكرات والتوجه إلى مناطق سكنهم الأصلية لأنهم كانوا يعتبرون آسيا الصغرى أرضاً غريبة احتلوها بقوة السلاح وأنها ليست سوى مكان مؤقت للإقامة ويجب الجلاء عنها عاجلاً أم آجلاً، وأشارت بعض المصادر الروسية إلى أن مصطلح "وطن" وفق مفهوم شعوب جنوب شرق آسيا لا يعني مصطلح الوطن الذي يفهمه الروس؛ لأن مصطلح "وطن" غير موجود في اللغة التركية أساساً، وأنه غير مفهوم تماماً عند أتراك الأناضول.
وذكر فامبيري أن الفلاحين الأتراك، أحفاد الغزاة الشجعان الذين جاؤا من الشرق أصابهم الفقر المدقع، وأصبح كل شيء حولهم يعاني من الفقر، ثياب وأحذية قديمة مستهلكة؛ ولم يعد لهم سوى الذكريات تذكرهم بماضيهم التليد من ملك وحكم كانوا يستأثرون به. والأكثر من ذلك تداعت بيوتهم، وأصبحت الأرض غير صالحة للزراعة، وهجرت البساتين، وأصاب الصدأ سيوفهم، وفقدوا حيوانات النقل ومواشيهم. ورغم كل ذلك كانوا يجيبون عن أسباب ذلك "قسمت" أي القدر باللغة التركية حتى ليكاد أن يكون من الصعب العثور على أي شعب يعاني من الفقر أكثر من الشعب التركي في العالم.
وعن طبيعة التفكير الفرد التركي تحدث بعض الباحثين في كتاباتهم التي صدرت خلال القرن التاسع عشر مشيرين إلى طبيعة تمجيد القوة والغنى والاستخفاف بالضعفاء عند الأتراك. حتى أن الجندي التركي كان أكثر قوة وتحملاً مقارنة بالعسكريين في جيوش العالم الأخرى، وكان دائماً على استعداد لتحمل أعباء كثيرة، حتى أن نايت أشار في واحدة من دراساته إلى حقيقة أن العنصر التركي كان مستعداً دائماً لمواجهة الموت في أي معركة يخوضها، وكان سقوطه في المعركة مصدر سعادة له ولأقاربه وأن الأمهات كن يتمنين الشهادة لأبنائهم. واتفق معظم الباحثين بالرأي أنه رغم الضعف الذي أصاب الأتراك فإنهم كانوا يتمتعون بالشجاعة ويمجدون القوة ويزدرون الضعف وأشارت بعض الدراسات إلى الأمثال الشعبية المفضلة والسائدة لدى الأتراك واختار منها كمثال: "عندما تبصق الدم قل أنك شربت شراب الكرز". وجاء تأكيد فاسيلييف مع نهاية سبعينات القرن العشرين على استمرار تلك الصفات لدى الأتراك وأورد مثالاً عليها: أنه عندما تلقى الأتراك نبأ نزول جيشهم في جزيرة قبرص " تحولت قبرص في تركيا إلى قيمة قومية، وكان النجاح العسكري مصدر زهو وفرح ولكنهم عندما سمعوا بقرار وقف إطلاق النار، كانت شتائمهم تسمع في المحلات التجارية. وأن الصحف الصادرة في تركيا حينها تناولت في عناوينها الرئيسية وعلى صفحاتها الأولى كاملة عبارة "قبرص لنا" وها قد عدنا إلى قبرص بعد 400 عام.
الدور الخاص للجيش في التاريخ التركي: وركز بعض الباحثين على الدور الخاص للجيش في التاريخ التركي، واعتبروا أن تاريخ الجيش يعتبر تاريخاً للسلطنة العثمانية. فالسلطنة العثمانية الغازية كانت تعتمد على القوة التي مثلتها الإنكشارية. وأشار البعض إلى أنه لم تزل حتى الآن معلقة في المدارس التركية صور لغزاة أمثال: جينغيز خان، وتيمور لانك. ولم تزل حياة الضباط في تركيا مثار إعجاب للجميع حتى اليوم وأن الشباب من أبناء الفلاحين يفضلون الخدمة في الجيش عن غيرها من الأعمال لارتباطهم بمشاعر تعود بهم إلى عصر البطولات العسكرية كفاتحين، وأن تلك المشاعر تعطي الأتراك مشاعر التفوق وحقهم بالسيادة والسيطرة على الشعوب الأخرى، وهو نفس الشعور الذي كان سائداً في الأوساط التركية حتى مطلع القرن العشرين حيال مسيحيي الأناضول ليس بسبب اختلافهم بالدين بل لأنهم من الشعوب المقهورة مثلهم مثل أي شعب من الشعوب التي قهرتها السلطنة العثمانية.
ويشير غوردليفسكي إلى مفهوم الحرب المقدسة عند الأتراك الفاتحين التي هي من أجل نشر القرآن الكريم والجهاد في سبيل الله. ويشير إلى أن الأتراك قاموا بتأسيس إمبراطورية إسلامية يوحدها الدين، وليس التركيبة السكانية، وأورد مثالاً على ذلك رد أي تركي على سؤال من أنت ؟ بقوله "أنا مسلم"، أي دون اعتبار بأنه تركي. وهذا يعادل حسب رأي فاسيليف سياسة "الإمبراطورية العثمانية" الموجهة نحو صهر كل العناصر القومية بأكملها في بوتقة العنصر التركي، وهذا يعني أن يصبح الأتراك موجودين في كل مكان. وكانت البنية الفوقية العثمانية آنذاك تتألف بمعظمها من الأتراك والمتتركين من أبناء القوميات الأخرى أي أن الطبقة الحاكمة في "الإمبراطورية العثمانية" كانت تمثل بأصولها مختلف الشعوب المسلمة الخاضعة للحكم العثماني وضمت حتى عناصر من البلقان إلا أن نخبة الجيش التركي الإنكشاري كانت بالكامل من غير الأتراك وتشكلت من صبيان أخذوا عنوة من الأسر المسيحية، وكانت الإنكشارية القوة التي اعتمدت عليها السلطنة العثمانية لتنفيذ سياستها المبنية على التوسع وقهر الشعوب الأخرى عن طريق فرض الجهاد على كل المسلمين، حتى أصبح مفهوم الفاتح والقاهر يشمل كل المسلمين، الذين فرضت عليهم السلطنة العثمانية واجب الحرب المقدسة. وفي نفس الوقت كان الأتراك يعتبرون أنفسهم استثناءاً من القاعدة العامة التي شملت العالم الإسلامي كله مما أدى إلى فقدان جوهر كل القيم التي كانوا يدعون إليها.
الانتماء للكتلة الإسلامية: وأكد معظم الباحثين الروس على أن العقلية التركية أثناء التوسع "الإمبراطوري" للسلطنة العثمانية كان تعتمد على الانتماء للكتلة الإسلامية، وأن قتالهم كان باسم الله، وإيمانهم بأن التفوق للمؤمنين حتمي في الحرب المقدسة، وهو ما ظهر جلياً خلال مرحلة الفتوحات وأمن لهم التفوق على غيرهم في حروبهم المقدسة. وخرج الباحثين باستنتاج أن الكتلة المحاربة كانت متفوقة بشكل خاص أثناء الحرب، وهو ما منحها ميزة الحق بالسيادة على العالم لتأصلها في العقلية التركية وأسلوب تفكيرها، وأن خريطة العالم بالنسبة للأتراك كانت "نحن" التي تعني الشعب التركي، ومن خلالها أخذت عملية التأقلم منذ البداية عن طريق التكاثر الدائم في المجتمعات التي يجب أن تنصهر حتماً في إطار المجتمع العثماني أي الأسرة العثمانية، والمجتمع العثماني. وعلى الدولة مواجهة الخطر الخارجي القادم من العالم الآخر غير المسلم. وهو ما سمح للباحثين الروس بالقول بأن للمجتمع العثماني نوعية خاصة تميزه عن سائر شعوب العالم لأنه جزء من المجتمع العالمي واحتاج الأتراك فيه لشعور خاص يميزهم عن غيرهم كي لا يفقدوا شخصيتهم وأهميتهم الاجتماعية ضمن المجموع العام، وأن الانعزال عن الآخرين لم يكن ملحوظاً في العقلية التركية بل على العكس كان الانصهار الأخوي بالجماهير العريضة التي عاشوا في ظهرانيها هو السائد بينهم، أما "العدو" في العقلية التركية فكان قادماً من العالم الخارجي ومن الجهات التي تقاوم غزوهم بشدة، كما أشار الباحثين الروس وأن الانتصارات التي حققها الروس على الأتراك طيلة قرنين من الزمن عززت في الذهن التركي نموذج الروسي العدو الأبدي المجهول والحاقد. مما نمى شعورهم نحو الشعوب التي عاشوا بينها، واعتبروها القوة التي توفر لهم استمرار الكفاح ضد القوى المعتدية القادمة من الخارج، من أجل التوسع والفتوحات الجديدة، وأن تلك الشعوب يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من الشعب التركي وأن تكون تلك الشعوب شعوباً مقاتلة.
واتفق معظم الباحثين الروس على أن الإسلام الذي اعتنقه الأتراك عند منتصف الطريق كي يكون وسيلة لتأسيس "إمبراطوريتهم" العثمانية، هو الذي دفعهم للتفكير بأن: الجماهير التي تتكون منها دولتهم هي كتلة إسلامية واحدة، تتكون من محاربين باسم الله، تتفوق من خلال الأسس الدينية الإسلامية المتفوقة بفضل الله، وأن الحرب والاحتلال هو جوهر بقاء الشعب إلى جانب جهادهم وحربهم المقدسة، وأن الحرب ما كانت إلا شكلاً من أشكال التعبير عن العقلية التركية المتجهة نحو السيطرة على العالم، وأن الرفاهية التي تمتعوا بها خلال فترة استمرار نجاحاتهم في حملات الفتح التي يخوضونها.
وما أن غابت نجاحاتهم العسكرية حتى بدءوا يعانون من أزمة حقيقية شاملة أدت إلى تخلخل تفكيرهم ورافقه تقلص الرفاهية التي كانوا يتمتعون بها، وتدريجياً تبدلت البنية الداخلية للسلطنة العثمانية ولم تعد توازي العالم الذي تطلعوا إليه في عقليتهم العنصرية، ورافقها انهيار الجيش الذي كان من المؤسسات الهامة في "الإمبراطورية" العثمانية. وأدى توقف الغزوات إلى انهيار وتدمير بنية الجيش الانكشاري. وظهر ذلك من خلال صورة العنصر التركي في الجيش العثماني الذي كان خلال القرن التاسع عشر غير مستعد للحرب ويحتاج لمساعدة خبراء أجانب مما دفع بالسلطان سليم للعمل على بناء جيش عصري على الطريقة الأوروبية، رافقه تفشي الأفكار التي توقعت أفول شمس "الإمبراطورية" العثمانية بين الأتراك أنفسهم الذين طالبوا بتقوية الجيش وهكذا لم تستطع العقلية التركية المعاصرة من الوصول إلى ما يعادل العالم الذي تطلع إليه أجدادهم، ويمكنه أن يوفر الرفاهية لهم كما عاش أجدادهم عبر مئات السنين رغم الحروب المتواصلة.
التركيبة الاجتماعية في الريف التركي: ورافق انهيار السلطنة العثمانية والمرحلة التي تلتها مراجع روسية تحدثت عن جوهر التركيبة الاجتماعية في الريف التركي والأسرة التركية واتفقت على أنه بقيت على حالها بشكل عام وأشارت بوزنيانسكايا ك. إلى أن "الريف التركي في سبعينات القرن العشرين بقي على حاله كما كان منذ مئات السنين". أما سيريبرياكوفا م.ن. فقد أشارت إلى أن "الريف التركي لم يزل يعيش في ظل قوانينه الخاصة التي تشكلت عبر التاريخ من خلال أجيال عديدة". وأكد أحميدوف م. م.، وأغابيكوف ج. غ. ذلك من خلال إشارتهما إلى أن "مؤشرات القيم الروحية عند الأتراك لا تتفق والمؤشرات الأوروبية" لأن أسلوب الحياة الغربية عند الأتراك عادة هي ستار مظهري يتستر وراءه مضمون ديني ودعما وجهة نظرهما بذكرهم أنه "في المقاهي وفي المطاعم على الطراز الأوروبي المنتشرة في تركيا تجد نساء بين الزبائن يجلسن خلف الطاولات دون خجل ويتبادلن الأحاديث بمرح مع مجالسيهن الذين حضروا معهن لقضاء السهرة، وهن مزينات بزينة تواكب آخر صرعات الموضة الأوروبية، وعندما تعزف الموسيقى يرقصن رقصات غربية حديثة تلبية لدعوة أحد جلسائهن فقط من الرجال، وتبدوا تصرفات الزائرات في أماكن الرقص وكأنها على الطريقة الأوروبية حسب اعتقادهن ولكن بشرط أن يصطحبهن أقاربهن من الرجال. وهذه هي حالة أتراك "الطريقة الغربية"، ولو فكر أحد الأغراب من الموائد المجاورة بدعوة امرأة تركية غريبة عنه ولا تمت له بصلة القرابة للرقص ففي أحسن الأحوال يتلقى رفضاً قاطعاً ويواجه النقد من الجميع وفي أسوأ الحالات قد يتحول الموقف إلى شجار".
وأشارت بوزنيانسكايا ك. إلى حالة الاهتزاز الفكري الذي عانت منه العقلية التركية عند اصطدامها بأفكار مصطفى كمال أتاتورك الذي دعى لإصلاحات أصطلح على تسميتها بـ"الكمالية"، وتضمنت تلك الأفكار إصلاحات جذرية لم تواجه أية احتجاجات أو مقاومة حتى عندما مست الحدود الأخلاقية للمجتمع، لأن الأكثرية العظمى من السكان لم تكن على علم بتلك الإصلاحات. ولأن الفلاحين الأتراك يعيشون اليوم في الريف كما عاش أجدادهم منذ أكثر من مئة سنة مضت، وهم متمسكون بعاداتهم وتقاليدهم المتوارثة عن السلطنة العثمانية. لأن "آلاف الفلاحين لا يعرفون حتى الآن أنهم يعيشون في جمهورية علمانية، ولم يزالوا يعتقدون أن الحرب هي من أجل الاستقلال، وأنها حرب دينية، وانتهت بانتصار الإسلام على الكفار" واستندت في رأيها هذا على سلسلة مقالات نشرها محمود ميكال بعنوان "لا جديد على الجبهة الشرقية" عام 1967، وأرد في واحدة منها حواراً مع امرأة لم تسمع شيئاً لا عن عصمت باشا ولا عن ديميريل الذي كان حينها رئيساً للوزراء. وفي معرض إجابتها على سؤال من هو رئيس الدولة ؟ أجابت السلطان الذي يعيش في اسطنبول أو أنقرة"، وعلى سؤال لمن أدليت بصوتك في الانتخابات الأخيرة أجابت: "أنا لا أعرف أعطوني ورقة وألقيتها في الصندوق".
وعزى البعض عدم دراية الفلاحين الأتراك بموضوع إلغاء الإسلام كدين للدولة في الدستور للجهل المطبق، ولكنهم تساءلوا كيف يمكن أن لا يكونوا على علم بإجراءات منع كل أنواع التعليم الديني حتى في المدارس الابتدائية وإغلاق كل روابط الدراويش ودور سكنهم وعبادتهم، ومنع لبس العمامة والطربوش، وتخلي النساء عن الحجاب (الملاية) ؟ رغم أن كل الشباب من أبناء الفلاحين كانوا يخدمون في الجيش التركي الذي كان سنداً للكمالية في تركياً، في الوقت الذي كانت فيه الحكومة التركية تتابع منعها للتعليم الديني، وما رافقه من منع لتعليم اللغة العربية واللغة التركية المكتوبة بالحروف العربية وممارستهم تعليم القرآن الكريم سراً في الريف بشكل واسع بعيداً عن أعين السلطات، واعتقدوا أن سبب ذلك كان طبيعة التفكير عند الفلاحين الأتراك الذين يميزهم عن غيرهم من الشعوب الإسلامية، وتصرفهم وكأنهم لم يروا ولم يسمعوا شيئاً، ومن هنا ركز الباحثين الروس على فهم جوهر الكمالية وغيرها من المبادئ الأيديولوجية السائدة في تركيا آنذاك دون غيرها.
وأشار كوتشار م. إلى حقيقة أن الأيديولوجية الإسلامية للفاتحين الأتراك كانت لازمة لهم، ولكن بوادر الأزمة التي عانت منها السلطنة العثمانية قبل انهيارها فرضت الحاجة لإيجاد مخرج من الأوضاع الصعبة التي وقعت فيها وأثرت بقوة على طبيعة السلوك الشعبي، لتبرز الحاجة ملحة لإيجاد أسس أيديولوجية جديدة تسمح للدولة ببعث قوتها القديمة والعودة لظروف حياتها السابقة. وكان من الطبيعي أن تتجه نظريات الأيديولوجيين الأتراك نحو الغرب لأن السلطنة العثمانية نفسها كانت في ذلك الوقت تتجه أكثر فأكثر نحو الغرب. وبدأ الفكر العثماني يأخذ من الغرب الشعارات مثل: الوطن، والمواطنة، والمساواة، وأدى ذلك بالتدريج إلى حصول مواطني الدولة على حقوق متساوية بغض النظر عن قوميتهم أو ديانتهم، وكانت الغاية الأساسية من تلك الإصلاحات صهر الشعوب الخاضعة للدولة العثمانية في "بوتقة اجتماعية متجانسة".
تجمع الأحزاب القومية في السلطنة العثمانية والحركة الطورانية: وكان من الطبيعي أن تواجه تلك الإصلاحات مقاومة شديدة من الأوساط الإسلامية المتشددة، ولهذا أخذ حزب تركيا الفتاة بجمع حوله العديد من الأحزاب القومية في السلطنة العثمانية من أرمينية، وألبانية، وعربية، ويهودية وغيرها. وقام بانقلابه عام 1908م بدعم من عواصم الدول الكبرى آنذاك، وتميزت تلك الفترة كما أوضحت كورتينوفا ل.ك. مستخدمة أمثلة عديدة منها "تحالف الأخوة" الذي جمع حزبي تركيا الفتاة، وحزب طاشناق تسوتون الأرمني، وهو ما رفضه تفكير الإنسان التركي العادي الذي تشبع بالفكر العثماني بمضمونه الإسلامي والذي يعتمد على شعارات: الجماهير الإسلامية، والمحاربين باسم الله، وتفوق المؤمنين، والحرب المقدسة. ورفض تقبل الشعارات التي جاءت بها تلك القوى من الغرب مثل: الزمالة، والخدمة الحكومية، والمساواة، والتنمية، التي أثرت إلى حد ما في وعي وطريقة تفكير الإنسان التركي العادي.
وأشار كل من كورتينوفا ل.ك.، ومانديلشتام أ. إلى التصور الأيديولوجي الجديد الذي أصطلح على تسميته بـ "بان توركيزم" ودعى إلى إنشاء دولة طورانية تحل مكان الدولة العثمانية واستبدال الشعارات القديمة بشعارات جديدة تلغي الشعارات الإسلامية لتحل مكانها عند الأتراك، ولتحل الدولة الطورانية مكان الدولة العثمانية، والحركة الطورانية: هي حركة سياسية من الحركات التي أفرزها التحالف الأوروبي المقدس المعقود في القرن السابع عشر، واعتمدت في أيديولوجيتها على الأفكار القومية التي تدعوا للوحدة التركية، وأفرزت جماعات سياسية خلال الفترة التي اشتد فيها الغزو الأوروبي للعالم الإسلامي تدعو لتتريك العناصر غير التركية في السلطنة العثمانية، ومن تلك الحركات حزب تركيا الفتاة، وجماعة الاتحاد والترقي، والحزب الوطني التركي الذي أوصل مصطفى كمال (أتاتورك) إلى السلطة في عام 1923م، وهو الذي أقدم على إلغاء الخلافة الإسلامية والسلطنة العثمانية في تركيا ولم يزل الحزب المهيمن على السلطة والمجتمع في تركيا.
وكان الطابع المسيطر لتلك الحركات السياسية في الدولة العثمانية الدافع لظهور حركات قومية أخرى غير تركية داخل المجتمع العثماني آنذاك ومنها الحركات القومية في الولايات والإيالات العربية في السلطنة العثمانية، التي دعت لمواجهة سياسة التتريك التي كانت تتبعها الحكومة العثمانية وحماية اللغة والثقافة العربية وإلى رفض تجنيد العرب خارج مناطق سكنهم في الوقت الذي كانت فيه السلطنة العثمانية تواجه غزو أوروبي لأراضيها، وأثمرت في 6/5/1916م إلى إعدام عدد من المثقفين العرب في دمشق وبيروت مما عجل باندلاع الثورة العربية الكبرى بقيادة شريف مكة مما سهل الاحتلال الفرنسي والبريطاني والايطالي والاسباني والروسي لمناطق شاسعة من الإمبراطورية العثمانية ومن ثم القضاء عليها من قبل الحركة التي أوصلت مصطفى كمال المولود في سالونيك (البوسنة والهرسك)، للسلطة في تركيا وكان حينها من قادة الجيش العثماني المتمركز في ولايات الشام.
ومنه نستطيع أن نستنتج أن الطورانية هي حركة من الحركات الكثيرة التي عملت على تفتيت الوحدة الدينية في ما تبقى من دول مستقلة في العالم الإسلامي واستبدالها بالوحدة القومية التي أفرت صراعات لم تكن على الساحة الإسلامية واستفادت منها الدول الأوربية لتفتيت قوة الخصم الإسلامي تمهيداً لاحتلال أراضيه وإخضاع شعوبه تحت شعار معاونتها لإحياء روابطهم القومية ومساعدتهم للحصول على حقوقهم القومية. ولكن الذي حصل كان على العكس تماماً إذ أبقيت شعوباً عدة تحت سيطرة الحكم التركي في تركيا من عرب، وأكراد، وجورجيين، وأرمن وغيرهم، وتم إخضاع الأتراك أنفسهم في مناطق أخرى للحكم الروسي، والصيني، والبريطاني، والإيراني، والأفغاني، والهندي، والباكستاني وبقيت الطورانية مجرد حلم يسعون إلى تحقيقه.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال جمهوريات آسيا المركزية ورغم محاولة السلطات السوفييتية تركيز الاستيطان فيها لمحو طابعها الإسلامي التركي كما حدث في أذربيجان، وتركمانيا، وقرغيزيا، وأوزبكستان، وقازاقستان، وطاجيكستان في وقت أبقي أتراك القرم خاضعين للحكم الأوكراني، وتتارستان، وأوفة، وسيبيريا، والقوقاز للحكم الروسي، وحاول رئيس الجمهورية التركية آنذاك تورغوت أوزال إحياء فكرة الطورانية وبدأ بسلسلة رحلات مكوكية لدول المنطقة داعياً إياها لجمع الشمل ووحدة الدول الناطقة بالتركية، وبدأت البضائع والمساعدات التركية ؟ !! تنهال على مناطقهم، وجرت عدة لقاءات جمعت قادة تلك الدول في اسطنبول وأنقرة خلال تسعينات القرن الماضي وانتهت إلى إعلان الدول المستقلة عن تمسكها باستقلالها الحديث دون أن تنفي انتمائها تاريخياً للعنصر التركي الذي أصبح من الذكريات التاريخية فقط بالنسبة لدول آسيا المركزية على الأقل وهي التي كانت تحمل اسم تركستان (بلاد الترك) قبل الاحتلال الروسي لها وظلت موحدة وخاضعة للحكم السوفيتي لأكثر من سبعة عقود كرس خلالها السوفييت حقائق جديدة أصبحت مصدراً للخلافات المحلية تحول دون تحقيق أي نوع من أنواع الوحدة الاقتصادية أو السياسية في حال عدم تطرقنا لغيرها من الحقائق التي خلقها الاتحاد السوفييتي عبر أكثر من سبعة عقود من حكمه للمنطقة التي قسمها على ما هي عليه اليوم، وهكذا نرى أن قرارات الحلف المقدس الأوروبي منذ القرن السابع عشر الميلادي لم تزل تأخذ طريقها للتطبيق رغم عدم إعلانها رسمياً حتى الآن ورغم انهيار الإمبراطوريات التي أسستها.
دعم تركيا من عناصر خارج السلطنة العثمانية: واستمدت حركة "بان توركيزم" فكرها من الفكر الأوروبي الذي كان شائعاً خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وخاصة طروحات القوميين الألمان الجدد، وهو ما أكده مانديلشتام أ. على أن حركة "بان توركيزم" حصلت على دعم كبير من العناصر التركية من خارج السلطنة العثمانية وخاصة العناصر "التركية والتترية" الخاضعة للحكم الروسي. وأورد مثالاً على ذلك بأن مؤسسي "بان توركيزم" كانوا من الأتراك والتتار الخاضعين للحكم الروسي أمثال: أحمد أغاييف، ويوسف أكتشورو، وعلي غوسين زادة، وإسماعيل غاسبرينسكي، وأن مؤسس الفكر الطوراني ضياء غيك ألب ومؤلف الكتاب الشهير "أسس القومية التركية" عام 1923 كان يدعوا إلى: نشر الطورانية في بلاد الترك، والتخلص من العناصر غير التركية، وتنقية اللغة التركية من المفردات العربية، وتأسيس ثقافة قومية تركية؛ وتوحيد البلدان التي يعيش فيها أحفاد الأغوز وتشمل: آسيا الصغرى، وأذربيجان بقسميها الروسي والإيراني؛ وإقامة فيدرالية تضم الشعوب الأخرى الناطقة باللغة التركية.
وبحث الفكر الطوراني مثله مثل الفكر العثماني عن إمكانيات إعادة أمجاد وتفوق العنصر التركي انطلاقاً من أسس جديدة تتضمن تفوق الفكر الطوراني عن غيره من الأفكار، ولهذا ركز مفكري الطورانية على إضعاف التأثير الديني الإسلامي، من خلال التحول عن الفكر الإسلامي، والكف عن التوجه نحو العالم الإسلامي، وإحلال الأيديولوجية الطورانية والتوجه نحو العالم التركي مكانها. وهو ما حاول تحقيقه أتباع حركة تركيا الفتاة (ملادوتورك) ولكن دون اللجوء إلى إثارة أي صراع بينهم وبين رجال الدين لإدراكهم ضعف مركزهم في المجتمع التركي ولتوفير إمكانية تحقيق أهدافهم، التي نجح مصطفى كمال بتحقيقها بسهولة ويسر كبيرين.
والمبادئ التي وضع أسسها ضياء غيك ألب لـ"بان طورانيزم" بنيت من حيث الجوهر على التناقضات الثقافية والحضارية للشعوب الإسلامية، وأبدت تحمسها للمبادئ والمنجزات الحضارية التي أعطت العالم الغربي قوته وتفوقه، وبدأت بتوضيح أهمية بناء الدولة القومية التركية القوية مستمدة قوتها من الثقافة والحضارة التركية فقط، والمحافظة عليها نظيفة خالية من الشوائب لحمايتها من الخطر الماثل في الدول المجاورة. وتحققت المرحلة الأولى مما بشرت به حركة "بان طورانيزم" بإقامة الدولة التركية الحديثة في آسيا الصغرى كنواة لقيام الدولة الطورانية التي دعى إليها أيضاً مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية في مبادئه الأيديولوجية.
التناقض الأيديولوجي للقوى العلمانية التركية: وأشار بعض الباحثين إلى أن التناقض الذي حصل بين المبادئ الأيديولوجية لمصطفى كمال أتاتورك، وأيديولوجية تركيا الفتاة، دفع للتأكيد على التناقض وذكرت المصادر أنه "إذا كان من المفيد توجيه سؤال لباحث تركي شريف عن الفارق بين برامج "حماية الحقوق"، و"الوحدة والتقدم"، و"الحرية والتفاهم"، فإنه رغم حبه وتعلقه بتركيا لن يستطيع التفريق بينها" وذكر مانديلشتان أ. أن "أكثرية أعضاء حزب تركيا الفتاة "ملادوتورك" المهتمين بالحركة القومية، بذلوا الكثير من الجهد والطاقة ليكونوا أكثر تفاعلاً مع نشاطاتها. وأن الكمالية كانت تعكس التوجهات القومية التركية 100 % "، بينما راح أستاخوف غ. إلى أبعد من ذلك عندما أعلن أن "من بين الذين ترعرعوا على حليب حزب الاتحاد والترقي خرج كثير من رجالات حركة الأناضول"، التي اعتبرت أن الأهداف التي وضعها مصطفى كمال أتاتورك لإقامة دولة تركية حديثة لم تكن إلا بداية لتطبيق مبادئ تركيا الفتاة، وأنها تتفق مع ما دعى إليه ضياء غيك ألب في إطار إيضاحه لـ "قضايا الطورانية" التي تشمل إقامة دولة تركية قوية بعيدة عن الفكر الإسلامي، وإقامة حضارة غربية على أرضية ثقافية تركية. وشملت المرحلة الأولى لبرنامج دقيق يعمل على إحياء التراث الشعبي التركي لتصبح الطورانية مقبولة من الأتراك وأن تكون مبنية على مفاهيم الشعب التركي مع إدخال إضافات عليها مستمدة من الثقافة الغربية يقبلها الأتراك وتشمل مفاهيم مثل: الجماعة المنظمة، والمساواة عن طرق الانتخاب، وإخلاص الموظف المتعلم للدولة، وهي الأفكار نفسها التي دعى إليها مصطفى كمال أتاتورك.
اشتداد التأثير الإسلامي داخل المجتمع التركي: ورغم تضمن أفكار مصطفى كمال أتاتورك لمفاهيم تشكيل الوعي التركي فقد تنبأ الباحثين الروس نشوء صراعات تحول دون تحقيق الإصلاحات التي تطلعت إليها الكمالية وأوردوا أمثلة من بعض المراجع الأدبية عن الفترة التاريخية الممتدة من عام 1960 وحتى عام 1980 وهي الفترة التي شهدت انقلابات عسكرية متكررة خلال كل عقد تقريباً هدفها الحرص على استمرار المبادئ الكمالية، ولكن ما كان يحدث مراراً أن السلطات المدنية ما أن تتسلم السلطة في تركيا حتى يبدأ التأثير الإسلامي بالاشتداد داخل المجتمع التركي. مما دفع بالباحثين الروس لطرح السؤال التالي: كيف تمكنت السلطة الكمالية المطلقة من الاحتفاظ بالسلطة طيلة عشرات السنين ؟ رغم رفض الجماهير الفلاحية التركية لمضمون الأيديولوجية الكمالية، مستندين في معرض ردهم على ما ورد في الأدب التركي المعاصر وخاصة في رواية خالدي أديب "اقتلوا العاهرة"، التي عرض فيها معاقبة الفلاحين لمعلمة وطنية حاولت نشر الفكر القومي في القرية التركية، ورواية يعقوب قادري "الغريب"، التي استقر بطلها الضابط التركي السابق جميل في قرية أناضولية، وخصص وقته لنشر الفكر الكمالي، ولكنه سرعان ما اقتنع بغياب المشاعر القومية عند الفلاحين الأناضوليين، الذين يصرون دائماً على أنهم "ليسوا أتراكاً، بل مسلمين". وأن كل ذلك كان يجرى في تركيا من وجهة نظر كوليسنيكوفا أ.أ. رغم النشاطات التي كانت تقوم بها "البيوت التركية" التي بادر لتأسيسها أكتشوري في عام 1908، وجددت نشاطاتها في نيسان/أبريل عام 1924، وتم تمويلها من قبل الدولة بموجب القرار الحكومي الذي صدر في أيار/مايو عام 1925 واعترف رسمياً بأنها من أجهزة الدعوة لأيديولوجية "بان توركيزم"، وأشارت كوليسنيكوفا أ.أ. إلى حقيقة أنه سرعان ما تحولت تلك البيوت إلى مقاهي شعبية تقليدية عديمة الفائدة أيديولوجياً، رغم لجوء السلطات الحكومية إلى إقامة "بيوت شعبية"، و"غرف شعبية" مرة أخرى إلا أنها لاقت نفس المصير الذي واجهته "البيوت التركية".
الدعوة للفكر القومي في الريف: واستعرضت بيلوفا ك.أ. مبادرات المثقفين الأتراك من أجل الدعوة للفكر القومي في الريف التركي والمحاولات التي قاموا بها من أجل تأسيس تعاونيات ريفية لتحسين أوضاع الفلاحين الاقتصادية والسياسية، واستعرضت ما تناولته بعض المراجع الأدبية التركية التي خرجت ببطل جديد بصور المثقف، والمعلم، والطبيب، والضابط، وتضحياتهم الكبيرة من أجل تصفية الأمية والجهل في الأوساط الفلاحية، وبث الروح القومية، والمفاهيم والقيم الجديدة مكانها. وأشارت لرواية "أنقرة" ليعقوب قدري، ورواية "تاتاروشكا" لخالدي أديب التي تنتهي كلاً منها بتغلب التشاؤم والتواكل والتعب على أبطالها. وروايات ثلاثينات القرن العشرين "تساقط الأوراق" و"الشفقة" لريشاد نوري التي عرض فيها بطل جديد يصور إنساناً حطمته الهزيمة والفشل وهو يحاول خدمة الناس. كما أشارت بيلوفا ك.أ. لنماذج التشاؤم في الروايات التي تناولت الكفاح التحرري القومي للفلاحين الأتراك. وأكد نوفيتشيف أ.د. أن الكفاح التحرري الذي نادت به الكمالية وحركة "بان توركيزم" استوعبته المفاهيم الفلاحية على أنه جهاد من أجل الإسلام، وأن "الكفاح التحرري في جوهره هو انتصار للمسلمين على الكفار، لا من أجل تثبيت الفكر القومي وإقامة الدولة التركية، وأنهم يناضلون من أجل الخليفة وهو ما أجبر مصطفى كمال على تضمينها لأهدافه المعلنة". وأشارت بوزنيانسكايا ك. إلى التفاف الفلاحين الأتراك حول مصطفى كمال رغم الإجراءات المعادية للدين الإسلامي التي اتبعها المجلس التركي العظيم وللمقاطعة التي كانت سائدة بين الحكومة العلمانية والجماهير الفلاحية المؤمنة بالله، ولكنها لم تتطور لتأخذ طابع الصراع الحاد بين الجانبين.
التوازن المبدئي للحافظ على بقاء الجمهورية العلمانية: وأوضح أحميدوف م.م.، وآغابيكوف ج.غ. أسباب ذلك لعدم تعرض الكمالية وأيديولوجية "بان توركيزم" للمفاهيم التي يدركها الوعي التركي، وعملت على تجنب الصراع مع الأوساط الشعبية التركية، ولم تحاول ردم الفجوة الفكرية والسياسية، ولم تسرع من عملية تبديل المفاهيم التقليدية وأسلوب حياة الإنسان التركي، وأوجدت نوعاً من الفراغ المؤقت لخلق توازن مبدئي يحافظ على بقاء الجمهورية العلمانية، وأن ذلك الفراغ المؤقت أخذ صفة الديمومة في بعض جوانبه من أجل المحافظة على التقاليد التي اعتاد عليها الفلاحين للتفرغ لمواجهة الصراعات الخارجية لأن مصطفى كمال وأيديولوجيي "بان تركيزم" كانوا يدركون حقيقة الولاء التام للفلاحين الأتراك للجيش الذي تعتمد عليه الجمهورية التركية لاستمرار بقائها. وهو ما أشارت إليه بوزنيانسكايا ك. مؤكدة على أهمية الجيش في عملية تشكل وعي الجماهير الفلاحية، ورأت أن الجمهورية العلمانية التركية قامت بتحديد علاقاتها بعدد كبير من المؤسسات لتغيير مقاييس القوة العسكرية التي كانت سائدة أيام السلطنة العثمانية، والتي كانت تعتمد آنذاك على التوسع واحتلال الأراضي الجديدة، وإضافة غنائم جديدة للخزنة الحكومية، وتوفير الرخاء لرعاياها. وهو ما كان مثاراً لإعجاب الجماهير التركية بالزي العسكري حتى الآن، وهو ما يدفع بعشرات المتفرجين للتزاحم أمام القصر الجمهوري للتفرج على عملية تبديل الحرس، ومشاهدة العناصر المختارة من الجيش وهي ترتدي ملابس العرض العسكري وتخطوا خطوات عسكرية متناسقة حتى ليكاد المرء يتصورهم رجلاً واحداً في حركاتهم، وأضافت أنه لم تزل العروض العسكرية بالمناسبات الرسمية الهامة حتى الآن تبدأ بخطوات القطعات العسكرية الإنكشارية وهي ترتدي الزي العسكري السلطاني العثماني. وأعربت عن استغرابها لأن هذا يحدث في جيش يعتبر في المرتبة الثانية من حيث عدد الأفراد بين جيوش حلف "الناتو"، ومع ذلك يبث بين الفلاحين الأميين فكرة أن جيوش السلطنة العثمانية لم تزل باقية وأن الجمهورية العلمانية هي استمرار لها وأن البلاد لم تزل تحت سلطة السلطان العثماني. ليعيشوا ذكريات بطولات مصطفى كمال أتاتورك الذي حققت قطعات من جيش السلطان العثماني تحت قيادته انتصارات كبيرة خلال الحرب العالمية الأولى، وحطمت القوات الإنكليزية في الدردنيل، وأنقذت الأتراك في أصعب الظروف، وتولى قيادة الجيش في حربه ضد قوات الاحتلال الأجنبية مما أعطاه الحق بإجراء الإصلاحات التي يراها لازمة في الدولة، ولهذا جاء لشغل منصبه على رأس المجلس القومي العظيم بعد وفاة مصطفى كمال بطل عسكري آخر يحمل نفس الصفات التي حملها وهو عصمت إينونو.
تركيبة الجيش التركي: كما وأشارت بوزنيانسكايا ك. إلى حقيقة هامة اعتمد عليها مصطفى كمال أتاتورك عند تشكيل جيشه الجديد ليكون من الفلاحين وبمثابة جيشهم الوطني الذي يمكنه الدفاع عن الإصلاحات التي سار عليها، وراح يجند الشباب من أبناء الأسر الفلاحية الفقيرة في الكلية العسكرية مؤمناً لهم السكن والطعام والملابس والرواتب السخية، ورأت أن الضباط الأتراك اليوم يتميزون عن غيرهم في دول الشرق الأوسط لأنهم ينتمون إلى الطبقات الوسطى في المجتمع التركي، وأن دعوة أبناء الفلاحين لأداء الخدمة العسكرية في الأناضول كانت بمثابة الاحتكاك الأول لهم بالعالم الخارجي خارج مناطق سكنهم. واتفق معها بالرأي دانيلوف د.ي. مشيراً إلى جاذبية الخدمة كضباط في الجيش لأبناء الطبقات الوسطى التركية لأنها تعني لهم "إمكانية الحصول على مكانة جيدة في المجتمع، دون الحسب والنسب، والجاه، والأموال. حتى أن بعض المنحدرين من الشرائح الفقيرة في المجتمع استطاعوا الخدمة حتى تولوا مناصب قيادية في الجيش"، وهذا يذكرنا بأسلوب القبول للخدمة في صفوف جيش السلطنة العثمانية أيام ازدهارها، حيث كانت الخدمة العسكرية الطريق السهل نحو المناصب العليا التي كانت مفتوحة للأشخاص المنحدرين من الشرائح الدنيا اللذين يتميزون في ساحة الحرب.
تحول الانقلابات العسكرية إلى عيد شعبي: وفي معرض إشارة علييف غ. ز. للانقلابات العسكرية التي باتت تقليدية في تركيا المعاصرة اعترف بأن ثورة حزب تركيا الفتاة كانت مؤامرة وسرعان ما تحولت إلى عيد شعبي حاول كل فرد من خلالها التعبير عن الحرية، وأضاف غيليرت ب. أن ما ميز الجماهير الشعبية التركية خلال ستينات القرن العشرين مظاهرات التأييد ورفع لافتات التأييد والصراخ بعبارة "حريت (الحرية)"، وترديدهم لأناشيد التحرر القومي ووضع باقات الزهور عند النصب التذكاري لمصطفى كمال أتاتورك. وأشار حتى لوجود عدد من النساء المحجبات بين المتظاهرين وهن يرفعن لافتات تحمل شعار "عاش الجيش". وأن مظاهر التعبير عن الانقلابات العسكرية في تركيا كانت وكأنها أعياد، أخذين بعين الاعتبار أن الأعياد في تركيا قليلة، وأن الشعب بحث دائماً عن أسباب للتعبير عن الفرحة، وكان ظهور نساء في العقد السادس من عمرهن متحجبات بحجابهم الإسلامي ما هو إلا تحية للجيش التركي حامي فكر مصطفى كمال أتاتورك العلماني رغم أنه منع ارتداء الحجاب في تركيا المعاصرة، ورغم أن الجيش هو القوة الوحيدة التي تدعم العلمانية وتحارب التأثير الإسلامي دون أي خوف معتمدة على حب الأتراك الذي يسمح لها بفعل ما تراه دون تخوف من أي ردود فعل شعبية.
وأكد دانيلوف ف. إ. على أن طالب الكلية العسكرية في تركيا منذ التحاقه للدراسة فيها يبدأ بتلقي دروساً تربيه على الإخلاص المطلق لثورة أتاتورك، وأن أتاتورك هو رمز كل شيء من الفنون العسكرية إلى حل المسائل الحياتية التي يواجهها في حياته. واستنتج أن الجيش هو القوة التي تحافظ على الأيديولوجية الكمالية التي هي أصلاً أيديولوجية "بان توركيزم"، ولم يعتبر وجود العقيد ألب أصلان تيوركيش بين منظمي الانقلاب العسكري عام 1960 مصادفة لأنه من منظري "بان توركيزم" المعاصرين ومن مؤسس حزب النهضة القومية ذو الصبغة الفاشية، ومؤلف منشورات "انهض يا تركي" الشهيرة في عام 1962. وأشارت غسانوفا إ. يو. بأن تلك المنشورات تضمنت اعترافاً صريحاً بخسارة رومانيا، وهنغاريا، وسورية، والعراق، وفلسطين، ومصر، وطرابلس، وتونس، والجزائر، وشبه جزيرة القرم، والقوقاز، ودعت للمحافظة على ما تبقى من الوطن التركي، لترفرف عليه رايات النصر مرة أخرى، ولتخفق فوق كل طوران. وأشارت للمؤيدين الكثيرين لدعوة العقيد ألب أصلان تيوركيش في صفوف الجيش التركي وهو ما أشار إليه أيضاً دانيلوف ف. إ. عندما ذكر أن الكثيرين من ضباط الجيش التركي لهم علاقات متينة مع الكتائب المسلحة لحزب النهضة القومية، ويؤيدون علناً أو سراً حزب النهضة القومية، ويؤيدون ما يدعو إليه العقيد ألب أصلان تيوركيش، في الوقت الذي يرفضون فيه أي تعامل مع الأحزاب الإسلامية.
الجيش مصدر الصراع التاريخي الدائم في تركيا: ومن خلال الثنائية التي تميز الجيش التركي اتفق الباحثون على أنه وحتى اليوم يعتبر الجيش مصدراً للصراع التاريخي الدائم في تركيا، فالجيش هو حامي الأيديولوجية العلمانية المعادية لتقاليد الوعي الجماهيري التركي المبنية على الفكر الإسلامي، في الوقت الذي يعمل فيه على إبعاد الصراع الحتمي معتمداً على القوة والقدرة العسكرية التي تقرب الوعي الجماهيري من الأيديولوجية الكمالية التي تدعو للوفاق من أجل المصالح الوطنية. وأوردوا ما يؤكد وجهة نظرهم عندما قام الجيش التركي بالنزول في شمال جزيرة قبرص، حيث اعتبر العلمانيين ذلك نصراً قومياً لتركيا، في الوقت الذي اعتبره الشارع التركي نصراً للمسلمين. وهكذا تتعايش في تركيا فكرتين متناقضتين رغم أن الثانية أقرب للحقيقة، رغم أن الجنود الأتراك الذين حاربوا في قبرص هم من أبناء الشعب التركي وفهموا دورهم الذي قاموا بأدائه قي قبرص على أنه من أجل القومية التركية ومن أجل إعادة شيء ما فقدته الدولة التركية أثناء تاريخها الطويل، وهو ما منح الجيش التضامن الإيجابي من الأوساط الشعبية التي تحلم بعودة سطوة القوة والنفوذ التي كان يتمتع بها الأتراك أيام السلطة والنفوذ والرفاهية إبان الحكم العثماني. وهذا جزء من الحقيقة التي تقول أن تركيا المعاصرة تستمد قوتها من أصوات وقع خطوات جنود الإنكشارية التي تسمع خلال العروض العسكرية، وأن قوة تركيا اليوم هي من الجيش الذي يمثل في الوعي الشعبي، إحياء السلطنة العثمانية القديمة، ويفرض حتمية العودة للتعايش السابق وإلغاء الصراع بين الوعي التركي وأسلوب حياة الأتراك المعاصرين.
الخاتمة: وهكذا أنتهي من بحث أعددته وحاولت من خلاله إلقاء بعض الضوء على وجهة نظر بعض الباحثين الروس عن أسباب وتأثيرات انهيار الدولة العثمانية على الشعب التركي. وما أتمناه أن أكون قد وفقت من خلاله على إلقاء نظرة سريعة في أبحاث روسية تعتبر جزءاً من الأبحاث الإستشراقية الأوروبية التي رافقت انهيار الدولة العثمانية وقيام الدولة التركية المعاصرة على أيدي مصطفى كمال البطل الذي واجه الغزو الأوروبي خلال الحرب العالمية الأولى من وجهة نظر العامة التركية وأيدته رغم قضائه على الخلافة الإسلامية التي كانت تحمي الدين والشريعة الإسلامية بطريقة فجة أتبعها بفصل الدين عن الدولة، وتحريم الحجاب الشرعي للنساء، والزي التقليدي للأتراك، وإلغاء تعليم الدين واللغة العربية، وإلغاء كتابة اللغة التركية بالحرف العربي واستبداله بالحرف اللاتيني.
ورافقت تلك المرحلة دراسات المستشرقين الروس للمؤثرات الداخلية والخارجية التي دفعت للمواجهة بين الحكومة العثمانية والحركات الأيديولوجية التي كانت على النقيض من الفكر الرسمي للسلطنة العثمانية حينها، ومدى استجابة تلك الحركات لمراحل التطور الفكري والسياسي والفلسفي في أنحاء السلطنة العثمانية مترامية الأطراف آنذاك. وعمل المستشرقون على تدعيم تلك التبدلات من الخارج لزيادة الهوة بين الحركات الأيديولوجية في السلطنة العثمانية والنظام الحاكم، من خلال تركيزهم على كيفية تعامل الشعوب الخاضعة للحكم العثماني مع تاريخهم وتراثهم الثقافي وخاصة خلال المرحلة التي سبقت العهد العثماني، وتصرفات تلك الشعوب حيال ما خلفته السلطات العثمانية من تأثيرات على الوعي الجماهيري عما يجري في الدولة فعلاً. واستمرت تلك الدراسات دون انقطاع رغم تبدل السلطة في روسيا في مطلع القرن العشرين بعد استيلاء البلاشفة على السلطة في روسيا القيصرية وإقامتهم للسلطة السوفييتية التي استمرت حتى مطلع العقد التاسع من القرن العشرين. واستمرت دراساتهم تتناول تركيا المعاصرة حتى سبعينات القرن العشرين ولكنها لم تتعرض لتبدلات الوعي الجماهيري وأسلوب التفكير التركي خلال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين لانشغال المستشرقين الروس آنذاك بما كان يجري من تبدلات جوهرية في بلدهم وأدت إلى انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية العالمية معه.
وقد تعرضت تلك الدراسات لمفهوم الحرب المقدسة عند الأتراك الفاتحين الأوائل من أجل نشر القرآن الكريم والجهاد في سبيل الله. وأشاروا إلى أن الأتراك قاموا بتأسيس إمبراطورية إسلامية وحدها الدين، وليس التركيبة السكانية أي صهر كل القوميات في الإطار الإسلامي التركي. وأن البنية الفوقية العثمانية آنذاك كانت تتألف بمعظمها من الأتراك والمتتركين من أبناء القوميات الأخرى أي من الطبقة الحاكمة في السلطنة العثمانية وكانت تمثل بأصولها مختلف الشعوب المسلمة الخاضعة للحكم العثماني وضمت حتى عناصر من البلقان. ولكن نخبة الجيش التركي الإنكشاري كانت بالكامل من غير الأتراك وتشكلت من صبيان أخذوا عنوة من الأسر المسيحية، واعتمدت عليها السلطنة العثمانية لتنفيذ سياستها المبنية على التوسع وقهر الشعوب الأخرى عن طريق فرض الجهاد على كل المسلمين، حتى أصبح مفهوم الفاتح والقاهر يشمل كل المسلمين، فرضت عليهم السلطنة العثمانية واجب الحرب المقدسة، ولكن الأتراك اعتبروا أنفسهم استثناءاً من تلك القاعدة التي شملت العالم الإسلامي كله مما أفقدهم المصداقية في القول والعمل.
وأشار الباحثون الروس إلى صورة العنصر التركي في الجيش العثماني خلال القرن التاسع عشر على أنه كان غير مستعد للحرب واحتاج لمساعدة خبراء أجانب مما دفع بالسلطان سليم للعمل على بناء جيش عصري على الطريقة الأوروبية، الأمر الذي أدى إلى تفشي أفكار توقعت أفول شمس "الإمبراطورية" العثمانية بين الأتراك أنفسهم الذين كانوا يطالبون بتقوية الجيش ليعيد إليهم أمجاد أجدادهم ويوفر الرفاهية لهم كما كانت عبر مئات السنين رغم الحروب المتواصلة.
وأشار الباحثين الروس إلى حقيقة أن أسلوب الحياة الغربية عند بعض المثقفين الأتراك أثناء انهيار السلطنة العثمانية وقبل قيام الدولة العلمانية وبعدها لم تكن سوى ستار مظهري استتر وراءه مضمون ديني إسلامي واضح مما دفع بحزب تركيا الفتاة لجمع العديد من الأحزاب القومية في السلطنة العثمانية حوله من أرمينية، وألبانية، وعربية، ويهودية وغيرها، وقام بانقلابه عام 1908م بدعم من عواصم الدول الكبرى آنذاك، من خلال فكر الحركة الطورانية: وهي حركة سياسية من إفرازات التحالف الأوروبي المقدس الذي تأسس في القرن السابع عشر، واعتمدت الحركة في أيديولوجيتها على الأفكار القومية التي دعت للوحدة التركية، وأفرزت جماعات سياسية خلال الفترة التي اشتد فيها الغزو الأوروبي للعالم الإسلامي ودعت لتتريك العناصر غير التركية في السلطنة العثمانية، وأن مؤسسي "بان توركيزم" عماد الطورانية كانوا من الأتراك والتتار في الإمبراطورية الروسية أمثال: أحمد أغاييف، ويوسف أكتشورو، وعلي غوسين زادة، وإسماعيل غاسبرينسكي، وحتى مؤسس الفكر الطوراني ضياء غيك ألب. ونجح مصطفى كمال أتاتورك في تحقيق أهدافهم بسبب انتمائه للجيش الذي يكن له الأتراك كل محبة احترام لأنه يعتبر عندهم وحتى الآن رمزاً لجبروت الدولة الإسلامية التي أسسها أجدادهم لا أكثر.
لهذا أشار الباحثين الروس إلى حقيقة اشتداد التأثير الإسلامي خلال الفترة التاريخية الممتدة من عام 1960 وحتى عام 1980 وشهدت سلسلة من الانقلابات العسكرية تكررت مرة خلال كل عقد تقريباً وكان هدفها الحرص على استمرار المبادئ الكمالية، ولكن الذي حدث أن السلطة في تركيا ما أن تنتقل للسلطات المدنية حتى يبدأ التأثير الإسلامي بالاشتداد داخل المجتمع التركي مرة أخرى. ونعتقد أن الصورة هذه واضحة حتى اليوم.
وفسر الباحثين الروس ذلك بعدم تعرض الكمالية وأيديولوجية "بان توركيزم" للمفاهيم التي يدركها الوعي التركي، وعملت على تجنب الصراع مع الأوساط الشعبية التركية، ولم تحاول ردم الفجوة الفكرية والسياسية، ولم تسرع من عملية تبديل المفاهيم التقليدية وأسلوب حياة الإنسان التركي، وأوجدت نوعاً من الفراغ المؤقت لخلق توازن مبدئي يحافظ على بقاء الجمهورية العلمانية، وأن ذلك الفراغ المؤقت أخذ صفة الديمومة في بعض جوانبه من أجل المحافظة على التقاليد التي اعتاد عليها الفلاحين لتتفرغ لمواجهة الصراعات الخارجية لأن مصطفى كمال وأيديولوجيي "بان تركيزم" كانوا يدركون حقيقة الولاء التام للفلاحين الأتراك للجيش الذي تعتمد عليه الجمهورية التركية لاستمرار بقائها. وأن الجيش هو حامي الأيديولوجية العلمانية المعادية لتقاليد الوعي الجماهيري التركي التقليدية المبنية على الفكر الإسلامي، في الوقت الذي يعمل فيه على إبعاد الصراع الحتمي معتمداً على القوة والقدرة العسكرية التي تقرب الوعي الجماهيري من الأيديولوجية الكمالية التي تدعو للوفاق من أجل المصالح الوطنية. وظهرت تلك الملامح بوضوح أثناء نزول القوات التركية في شمال جزيرة قبرص.
وأعتقد أن هذه الدراسة قد تفيد الباحثين العرب في وقت اشتدت فيه الحاجة لإلقاء نظرة جديدة في تاريخ أعتقد أنه كان شبه مجهول، وقد يتيح رؤية آفاق جديدة من التعاون والتفاهم للعلاقات العربية التركية في وقت اشتد تركيز قوى العداء التقليدي للعرب والمسلمين على التغلغل وخلق القلاقل في معظم دول عالم اليوم سريع التبدل مما يهدد وجود الكثير من دول العالم الإسلامي تحت مختلف الحجج وفي مقدمتها حجة نشر الديمقراطية التي تنادي بها قوى مؤثرة في عالم اليوم وتستثني نفسها حتى من التقيد بأبسط القواعد والأصول التي تحاول تصديرها وفرضها على الشعوب الأخرى من خلال علاقات دولية معاصرة معقدة وحيدة القطبية اختلت فيها موازين القوة التي عرفها العالم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
طشقند في 9/7/2006
مراجع استخدمت في الدراسة:
1. أحميدوف م.م.، آغابيكوف ج. غ.: دور الدين والتقاليد في تطور مجتمع تركيا المعاصرة // المشاكل الهامة لتركيا المعاصرة. باكو: علم، 1988.
(Ахмедов М. М., Агабеков Дж. Г. Роль религии и традиции в развитии современного турецкого общества // Актуальные проблемы современной Турции. Баку: Элм, 1988.)
2. أرسلان. تركيا الحديثة. موسكو: كراسنايا نوف، 1923.
(Арслан. Современная Турция. М.: Красная новь, 1923.)
3. أستاخوف غ.: من السلطنة إلى تركيا الديمقراطية. تاريخ الكمالية. موسكو: دار النشر الحكومية، 1926.
(Астахов Г. От султаната к демократической Турции. История кемализма. М.: Гос. изд-во, 1926.)
4. أوضاع آسيا الصغرى في وضعها الراهن. مكتبة سانت بيتربورغ: مطبعة ك. كرايا، 1839.
(Обозрение Малой Азии в нынешнем ее состоянии. СПб.: тип-фия К. Крайа, 1839.)
5. بارتولد ف.: من ماضي الأتراك. بتروغراد: مطبعة ب.ف. فوشينسكايا، 1917.
(Бартольд В. Из прошлого турок. Пг.: тип-фия П. Ф. Вощинской, 1917.)
6. بالوفيتش م.: تركيا الثورية. موسكو: دار النشر الحكومية، 1921.
(Палович М. Революционная Турция. М.: Гос. изд-во, 1921.)
7. بوزنيانسكايا ك.: تركيا القديمة والجديدة. موسكو: ناووكا، 1974.
(Позняньска К. Старая и новая Турция. М.: Наука, 1974.)
8. بيلوفا ك.أ.: مراحل تطور النموذج الاجتماعي في وعي المثقفين الأتراك // تركيا: التاريخ والحداثة. موسكو: ناووكا، 1988.
(Белова К. А. Эволюция общественного идеала в сознании турецкой интеллигенции // Турция: История и современность. М.: Наука, 1988.)
9. تعليق على آسيا الصغرى في وضعها الراهن. سانت بيتربورغ: مطبعة ك. كراي. 1839. ص 158.
)Обозрение Малой Азии в нынешнем ее состоянии. СПб.: тип-фия К. Крайа, 1839.(
10. دانيلوف ف.إ.: تركيا الثمانينات: من النظام العسكري إلى "الديمقراطية المحدودة" موسكو: ناووكا، 1991.
(Данилов В. И. Турция восьмидесятых: от военного режима до "ограниченной демократии". М.: Наука, 1991.)
11. دانيلوف د. إ.: الشرائح المتوسطة في الحياة السياسية لتركيا الحديثة خلال مرحلة الإعداد وإجراء الانقلاب العسكري يوم 27 أيار/مايو 1960. موسكو: ناووكا، 1968.
(Данилов Д. И. Средние слои в политической жизни современной Турции в период подготовки и проведения государственного переворота 27 мая 1960 года. М.: Наука, 1968.)
12. زيلينيف يي.إ.: العثمانية ودورها في الحياة الاجتماعية والسياسية السورية. ليننغراد: دار نشر جامعة ليننغراد الحكومية، 1990.
(Зеленев Е. И. Османизм и его роль в общественно-политической жизни Сирии. Л.: изд-во ЛГУ, 1990.)
13. سوكولسكي ن.: دراسات عن تركيا الحديثة. تبليسي: زاكرايكوم، 1930.
(Сокольский Н. Очерки современой Турции. Тифлис: Заккрайком, 1930.)
14. سيريبرياكوفا م.ن.: الأسرة والتقاليد الأسرية في الريف التركي (في الوقت الحاضر). موسكو: ناووكا، 1979.
(Серебрякова М. Н. Семья и семейная обрядность в турец-кой деревне (новейшие времена). М.: Наука, 1979.)
15. علييف غ.ز.: تركيا في مرحلة إدارة ملاداتورك "الأتراك الشباب". موسكو: ناووكا، 1972.
(Алиев Г. З. Турция в период правления младотурок. М.: Наука, 1972.)
16. غسانوفا إ. يو.: أيديولوجية البورجوازية الوطنية في تركيا خلال مرحلة ملاداتورك (1908 – 1914). باكو: دار نشر أكاديمية العلوم بجمهورية أذربيجان السوفييتية الاشتراكية، 1966.
(Гасанова Э. Ю. Идеология буржуазного национализма в Турции в период младотурок (1908 - 1914). Баку: изд-во АН Аз. ССР, 1966.)
17. غلينكا س.: خارطة تاريخ والوضع الراهن للموانئ العثمانية. موسكو: مطبعة ن. ستيبانوف، 1830.
(Глинка С. Картина истории и настоящее положение Порты Оттоманской. М.: тип-фия Н. Степанова, 1830.)
18. غوردليفسكي ف.أ.: أعمال مختارة. الجزء 3. موسكو: دار نشر الأدب الشرقي، 1962.
(Гордлевский В. А. Избр. соч. Т. 3. М.: Изд-во вос-точной лит-ры, 1962.)
19. غيليرت ب.: عملية "أتاتورك".// نوفويه فريميه. 1960 العدد 2.
(Геллерт П. Операция "Ататюрк". // Новое время. - 1960. - N2.)
20. فاسيليف أ. م.: جسر عبر البوسفور. موسكو: مالادايا غفارديا، 1979.
(Васильев А. М. Мост через Босфор. М.: Молодая гвардия, 1979.)
21. فامبيري أ.: دراسات وخرائط المعتقدات الشرقية. مكتبة سانت بيتربورغ: مطبعة الإبداع "للاستخدام العام"، 1877.
(Вамбери А. Очерки и картины восточных нравов. СПб.: Тип-фия тов-ва " Общественная польза ", 1877.)
22. كوتشار م.: العلاقات الاجتماعية والسياسية الأرمينية التركية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. يرفان: دار نشر جامعة يرفان، 1988.
(Кочар М. Армяно-турецкие общественно-политические связи в конце ХIХ - начале ХХ веков. Ереван: изд-во Ереванского университета, 1988.)
23. كورتينوفا ل. ك.: بعض خصائص البورجوازية القومية التركية أثناء تشكلها. // الشرقين الأدنى والأوسط. التاريخ، والاقتصاد، والسياسة. الجزء 1. موسكو: ناووكا، 1987.
(Куртынова Л. К. Некоторые особенности турецкого буржуазного национализма в период его зарождения. // Ближний и Средний Восток. История, экономика, политика. Ч. 1. М.: Наука, 1987.)
24. كوليسنيكوفا أ.أ.: البيوت الشعبية في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية في الجمهورية التركية. موسكو: ناووكا، 1984.
(Колесникова А. А. Народные дома в общественно-политической и культурной жизни Турецкой республики. М.: Наука, 1984.)
25. مانديلشتام أ.: مقدمة // زاريفيند. تركيا وبان طورانيزم. باريس: ب. ي. 1930.
(Мандельштам А. Введение // Заревенд. Турция и пантуранизм. Париж: б. и. , 1930.)
26. مذكرات إنكشاري. كتبها كونستانتين ميخائيلوفياش من أستروفيتس. ونشرت في ليتوميشله عام 1565. موسكو: ناووكا، 1978.
(Записки янычарa. Написаны Константином Михаиловичем из Островиц. Изданы в Литомышле в 1565 году. М.: Наука, 1978.)
27. نايت إ.ف.: انقلاب ثوري في تركيا. مكتبة سانت بيتربورغ: ب.إ. بيفن، 1914.
(Найт Э. Ф. Революционный переворот в Турции. СПб.: П. И. Певин, 1914.)
28. نوفيتشيف أ.د.: الحركة الفلاحية التركية في الوقت الحاضر. موسكو: دار نشر الأدب الشرقي، 1959.
(Новичев А. Д. Крестьянство Турции в новейшие времена. М.: Изд-во восточн. лит-ры, 1959.)
29. يريمييف د. يي.: عند ملتقى آسيا وأوروبا. كتابات عن تركيا والأتراك. موسكو: ناووكا، 1980.
(Еремеев Д. Е. На стыке Азии и Европы. Очерки о Турции и турках. М.: Наука, 1980.)