خصائص التبادل الإعلامي الدولي
أ.د. محمد البخاري
التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة
طشقند -
2011
تأليف:
محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة؛ بروفيسور قسم العلاقات العامة والإعلان، كلية الصحافة، جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.
خصائص التبادل الإعلامي الدولي
من المعروف أنه لا يمكن النظر إلى مضمون الرسائل الإعلامية بمعزل عن التقنيات التي تستخدمها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، فالكيفية التي تعرض بها المؤسسات الإعلامية الموضوعات، وطبيعة الجمهور الذي توجه إليه رسالتها الإعلامية، يؤثران على ما تنقله تلك الوسائل، وأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها، تحدد طبيعة وكيفية معالجتها لمشاكل المجتمع. وأن أي وسيلة إعلامية جديدة تشكل ظروفاً جديدة محيطة تسيطر على ما يفعله الأفراد الذين يعيشون في ظل ظروف معينة، وتؤثر على الطريقة التي يفكرون ويعملون وفقاً لها. ووسيلة الاتصال والإعلام هي امتداد لحواس الإنسان، فالكاميرة التلفزيونية تمد أعيننا، والميكرفون يمد آذاننا، والآلات الحاسبة الإليكترونية توفر بعض أوجه النشاط التي كانت في الماضي تحدث في عقل الإنسان فقط، وهي مساوية لامتداد الوعي الإنساني، ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة، كامتداد لحواس الإنسان توفر للإنسان الزمن والإمكانيات، وتشكل تهديداً له، لأنه عندما تمتد يد الإنسان وحواسه عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، تستطيع هذه الوسائل أن تمد يد المجتمع إليه، كي تستغله وتسيطر عليه. ولكي نمنع احتمالات التهديد يجب مراعاة أهمية إحاطة الناس بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، لأنه بمعرفة كيفية تشكيل التكنولوجيا الحديثة للبيئة المحيطة بنا نستطيع أن نسيطر عليها ونتغلب تماماً على نفوذها أو قدرتها الحتمية.
وفي
الواقع،
بدلاً من الحديث عن الحتمية التكنولوجية، قد يكون من الأدق أن نقول أن متلقي الرسالة الإعلامية يجب أن يشعر بأنه مخلوق له كيانه المستقل، وأنه قادر على التغلب على هذه الحتمية التي تنشأ نتيجة لتجاهل الناس لما يحدث حولهم، كما ويجب اعتبار التغيير التكنولوجي حتمياً لا مفر منه، وهو ما يحدث فعلاً، لأننا إذا فهمنا عناصر التغيير يمكننا أن نسيطر عليها ونستخدمها لصالحنا في أي وقت نريده بدلاً من الوقوف في وجهها، كما يحدث لدى البعض أحياناً !. ومن المشاكل التي تواجه عملية التبادل الإعلامي الدولية أهمية مراعاة الظروف البيئية المحيطة بالإنسان، واختلافها من دولة إلى دولة، بل واختلافها من منطقة إلى أخرى داخل الدولة ذاتها، ومن هنا فمن الأهمية بمكان أن يحيط خبراء الإعلام والصحفيين بالاعتبارات البيئية والظروف المحيطة بالإنسان، وإذا كان هذا الإلمام أكثر سهولة في الإعلام الداخلي، فإنه أكثر صعوبة بالنسبة للإعلام الخارجي، حيث تتعدد الاعتبارات البيئية وتتنوع الظروف واللغات، وتختلف من دولة إلى دولة، ومن منطقة إلى منطقة، ومن قارة إلى قارة. ومع تزايد وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وتطورها واتساعها، أصبح العالم أقرب إلى القرية العالمية، ومما ساعد على ذلك تطور وسائل المواصلات وسهولة انتقال الأفراد والسياح، وهجرة السكان من أماكن سكنهم الأصلية، والإقامة الطويلة لرعايا دولة معينة لدى دولة أخرى بقصد الدراسة أو العمل، وتزايد حجم وسرعة وتنوع المراسلات، ودخولها عصر الحوار المباشر عبر شبكات الاتصال العالمية بين مختلف دول العالم، وتطور البث الإذاعي المسموع والمرئي واتساع استخدام الأقمار الصناعية لأغراض الاتصال ونقل المعلومات، وهو ما ساعد على الاحتكاك بالأمم المتقدمة وحدوث تحول ثقافي واجتماعي عالمي، برزت معه قيم ومعتقدات جديدة لم تكن متوقعة من قبل، ولم يجر تقدير أثرها بالكامل بعد.
ومن
هنا فإن على خبراء الإعلام والصحفيين أن يدركوا كل تلك المتغيرات عند إعدادهم وتنفيذهم للحملات الإعلامية الموجهة للداخل والخارج على السواء، كي لا تحدث إخفاقات تؤدي إلى عدم استجابة المستقبل لمضمون الرسائل الإعلامية الموجهة إليه، وأن لا تكون ردات فعله مغايرة لأهداف الحملة الإعلامية الموجهة. وأن يؤخذ في الحسبان أيضاً اختلاف درجات التقدم الاجتماعي والثقافي والعلمي والتكنولوجي، وتباين النظم والمعتقدات السياسية والإيديولوجية بين دول العالم المختلفة، ودرجات التباين بين دول النظام المتشابه.
الاحتكار في التبادل الإعلامي الدولي
ورغم
أن العالم لم يزل يتجه باضطراد نحو تحطيم الحواجز القائمة بين الشعوب، واتجاه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في العديد من دول العالم نحو الاتسام بطابع العالمية، ورغم التقدم الهائل لوسائل الاتصال نرى أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في العالم، لم تزل تعتمد في القسط الأكبر من أخبارها على وكالات الأنباء العالمية: رويتر، والأسوشيتد بريس، واليونيتد بريس، ووكالة الأنباء الفرنسية، رغم الجهود الحثيثة التي تقوم بها وكالات الأنباء الوطنية، وشبكة المراسلين الأجانب في جميع دول العالم تقريباً، والذين يراسلون مباشرة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي ينتمون إليها والمنتشرة في مختلف دول العالم.
ونرى
أن الاحتكار والتركيز في عملية التبادل الإعلامي الدولي لم تزل مرتبطة بالمشاكل الاقتصادية
والسياسية التي سبق وأشرنا إليها، والتي نتج عنها احتكار قلة قليلة من دول العالم لمصادر الأنباء العالمية من خلال وكالات الأنباء والإذاعات المسموعة
والمرئية والصحف والمجلات الهامة والمنتشرة عالمياً، إضافة لاحتكارها لوسائل الاتصال الحديثة وخاصة شبكة الأقمار الصناعية التي تتولى نقل ما تبثه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية إلى كافة أنحاء العالم.