التبادل الاعلامي الدولي كوظيفة
للدبلوماسية الرسمية
أ.د. محمد البخاري
التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة
طشقند -
2011
تأليف:
محمد
البخاري: دكتوراه
في
العلوم
السياسية
DC،
اختصاص:
الثقافة
السياسية
والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة؛ بروفيسور
قسم
العلاقات
العامة
والإعلان،
كلية
الصحافة،
جامعة
ميرزة
ألوغ
بيك
القومية
الأوزبكية.
التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة للدبلوماسية الرسمية
من المسلم به أن العمل الدبلوماسي يعد من الوسائل الأساسية لتنفيذ السياسات الخارجية للدول. ومن مهام وزارات الخارجية، مزاولة الوظيفة الدبلوماسية، من خلال إداراتها المركزية، وهي إدارات:
جغرافية: كإدارات غرب وشرق أوروبا، وأمريكا الشمالية، والشرق الأوسط … الخ؛
ووظيفية: كالاقتصادية، والثقافية، والإعلامية … الخ؛
وإدارية: كالشؤون القنصلية، والبعثات الدبلوماسية … الخ. وتزود السفارات والقنصليات في
الخارج
عادة بمستشارين أو ملحقين في الشؤون الإعلامية، والعسكرية، والاقتصادية، يشرف عليهم رئيس البعثة الدبلوماسية (السفير)، ولكنهم يتبعون الجهة الرسمية التي أوفدتهم في الدولة المعنية.
وكانت
الدبلوماسية
في السابق سرية إلى أن تحولت إلى دبلوماسية مفتوحة وعلنية أكثر، بعد الأحداث الهامة في تاريخ العمل الدبلوماسي التي أقدمت عليها السلطة البلشفية بعد استيلائها على السلطة في الإمبراطورية الروسية عام 1917، وقيامها بكشف الالتزامات السرية لروسيا القيصرية أمام المجتمع الدولي. وإعلان الرئيس الأمريكي ويلسون لمبادئه الأربعة عشر عام 1918. وقيام عصبة الأمم بمطالبة الدول الأعضاء فيها بتسجيل معاهداتها والتزاماتها الدولية لتقوم بعد ذلك بتوثيقها، وهو الدور الذي تقوم به منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها إثر الحرب العالمية الثانية، وتنشر المعاهدات والالتزامات ضمن إطار الدبلوماسية المفتوحة. ورغم ذلك فهناك جوانب كثيرة في العمل الدبلوماسي، لم تزل تحمل طابع السرية، كالمفاوضات الخاصة بالمعاهدات، والاتفاقيات، واتفاق الأطراف المعنية على بعض البنود السرية، تمشياً مع ضرورات الأمن القومي، والمصلحة القومية العليا، وضرورات السياسة الخارجية لتلك الدول.
وينقسم
العمل الدبلوماسي إلى:
الدبلوماسية التقليدية: التي تتم من خلال المحادثات الثنائية التي تجري بين طرفين، ولم تزل متبعة حتى الآن؛
ودبلوماسية المؤتمرات: وهي الدبلوماسية الجماعية التي تمارس من خلال المؤتمرات الدولية، وتشمل كل الجوانب السياسية، والاقتصادية، والقانونية، والاجتماعية، والمهنية، والعلمية، والثقافية… الخ. وتحتم الدبلوماسية الجماعية أن يكون المندوب المشارك، على إطلاع ودراية بموضوع أو موضوعات المؤتمر، وأن يتمتع بقدرات إعلامية من خلال ما يدلي به من تصريحات داخل المؤتمر، أو خارجه لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛
والدبلوماسية البرلمانية: وضمنها دبلوماسية المنظمات الدولية، ويتم ممارستها من خلال إلقاء البيانات، والمناورات الدبلوماسية، والاتصالات من وراء الكواليس. وهنا يظهر واضحاً الدور القوي الذي تلعبه التكتلات السياسية والاقتصادية الدولية والإقليمية. كما ويؤثر النظام الدولي على العمل الدبلوماسي، في إدارة الصراع بين الدول والسياسات الخارجية المتعلقة بها، والمواقف السياسية المتعددة في العلاقات الدولية، وخير مثال على ذلك: الدبلوماسية التي تدور في إطار منظمة الأمم المتحدة؛
ودبلوماسية القمة: وهي سمة أساسية من سمات العصر الراهن، وتتميز بالسرعة في اتخاذ القرارات الهامة، بعد التطور الهائل الذي شمل وسائل الاتصال والمواصلات، وأثر بدوره على العمل الدبلوماسي الذي كان في السابق يعتمد على الدبلوماسي نفسه، ليتحول إلى تنفيذ تعليمات دولته في أكثر الأحيان. وأصبح من المعتاد اليوم أن يجتمع رؤساء الدول والحكومات لبحث الأمور الهامة. ويسبقها عمل دبلوماسي يمهد لتلك اللقاءات، وأشكال أخرى للعمل الدبلوماسي الذي يؤمن استمرارية العمل الدبلوماسي، كالدبلوماسية الثقافية والاقتصادية … الخ؛
والدبلوماسية الشعبية: وتدخل في إطارها العلاقات العامة الدولية، والدبلوماسية الإعلامية، ودبلوماسية المنظمات المهنية والشعبية والمؤسسات العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال الاتصالات التي تتم مع مثيلاتها في مختلف دول العالم. وتسعى الدبلوماسية الشعبية دائماً لخدمة أهداف الدولة وأهداف سياستيها الداخلية والخارجية،
وأهداف الجهة التابعة لها.
ومما
ذكر نستنتج أن العمل الدبلوماسي هو وسيلة هامة لتنفيذ السياسة الخارجية للدولة،
وهي
إدارة العلاقات الدولية من خلال التفاوض، كما وتعرف بفن التفاوض من أجل تحقيق الحد الأقصى للأهداف بالحد الأدنى من النفقات، لحل مشاكل نظام سياسي أو اقتصادي يمكن أن تؤدي إلى نشوء حرب. ولو افترضنا بأنه هناك دبلوماسية إعلامية بحد ذاتها، فإننا نستطيع القول بأن تطور وظيفة العمل الدبلوماسي، قد جعل الدبلوماسي يقوم بمهام إعلامية من خلال إلقاء البيانات، وإطلاق التصريحات، ونشر الأخبار، وإجراء الاتصالات، وإقامة علاقات مع صانعي القرار السياسي، والصفوة الاجتماعية وقادة الرأي. وعملية الاتصال بالجماهير أصبحت اليوم من المهام المرتبطة بالعمل الدبلوماسي، وهكذا نرى أن العمل الدبلوماسي أصبح مرتبطاً بالعمل الإعلامي، وهذا يفسر الأسباب التي دعت بعض فروع العلوم السياسية لتعتبر الاتصال والإعلام، والعلاقات العامة الدولية فرعاً من فروعها الدراسية التي يتحتم على الطالب دراستها، حتى أن ملامح العمل الدبلوماسي خلال القرن العشرين اتخذت منحى الرغبة في نشر ثقافة الدولة التي يمثلها الدبلوماسي، بالإضافة لممارسته الوظيفة الإعلامية الدولية.
المستشارون والملحقون الإعلاميون
وبعد
التطور
الكبير
الذي شمل مهام عمل البعثات الدبلوماسية المعتمدة منذ القرن العشرين وتزويدها بالمستشارين والملحقين الثقافيين والتجاريين والعسكريين وغيرهم، تمشياً مع وزن الدول التي يمثلونها، والرغبة بزيادة عدد أعضاء البعثة الدبلوماسية العاملة في الخارج بمختلف التخصصات لرعاية مصالحها في الدول المعتمدة فيها، وتنفيذ المهام المطلوبة منها ضمن إطار سياستها الخارجية. بدأت بعض الدول بتعيين مستشارين وملحقين إعلاميين، ضمن بعثاتها الدبلوماسية المعتمدة في الخارج. ونرى أن المستشارون والملحقون الإعلاميون، يمارسون الوظيفة الإعلامية الدولية، أو وظيفة التبادل الإعلامي الدولي من خلال الاتصال بالجماعات المؤثرة في الدول المعتمدين لديها، كالمسؤولين في الدولة، وأعضاء البرلمان، والأحزاب السياسية، وجماعات الضغط،، وقادة الرأي وغيرهم من القوى المؤثرة في صناعة القرارات السياسية بشكل عام. كما ويمارسون وظيفة الاتصال الجماهيري من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، عن طريق كتابة المقالات ومتابعة والرد على ما تنشره وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وإلقاء المحاضرات، وعقد المؤتمرات الصحفية، والمشاركة في البرامج الإذاعية
المسموعة والمرئية،
وإصدار
المطبوعات،
وإقامة
المعارض
الإعلامية
والاقتصادية،
والأسابيع
الثقافية
والفنية
والسياحية،
وتشجيع
السياحة،
وتبادل
الوفود
الإطلاعية
… الخ. ويخطرون دولهم بأوجه نشاطاتهم الإعلامية، وعن تطور الإعلام المضاد واقتراح طرق مواجهته، والأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومواقف الرأي العام الرسمي والشعبي في الدولة المعتمدين فيها وغيرها من القضايا التي تهم دولهم.
ولكن
من الملاحظ أن الدول المستقلة حديثاً، والدول الأقل تطوراً، والدول النامية والفقيرة تعاني من انخفاض في مستوى كفاءة مستشاريها وملحقيها الإعلاميين، ومن اختيارهم في أكثر الأحيان انطلاقاً من اعتبارات أخرى خاصة بتلك الدول، خارجة عن إطار الكفاءة المطلوبة للوظيفة التي اختيروا من أجلها. ولهذا نعتقد بأن تلك الدول بحاجة دائماً لتطوير أجهزتها وكوادرها الإعلامية لتتماشى مع احتياجات العمل المطلوب في عصر تكنولوجيا الاتصال والإعلام الجماهيري المتطورة، وفي هذا المجال يمكن أن تسهم المنظمات الدولية والدول المتقدمة في العالم، بتقديم المساعدة لتلك الدول للولوج في عملية الحوار الثقافي الإيجابي العالمي.
ومن
بين الدول التي عملت على تدعيم بعثاتها الدبلوماسية المعتمدة في الخارج، بالملحقين الإعلاميين، جمهورية أوزبكستان بعد استقلالها عام 1991، وأحدثت لهذا الغرض وكالة أنباء JAHON التابعة لوزارة الخارجية، والتي يتبع لها المستشارون والملحقون الإعلاميون المعتمدون في الخارج، ويتلقون تعليماتهم منها، ويرسلون تقاريرهم الإعلامية لها، عن أوجه نشاطاتهم الإعلامية، وعن تطور الرأي العام في الدول المعتمدين لديها، في القضايا التي تهم أوزبكستان، والتي كثيراً ما ينشر بعضها في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الأوزبكستانية. ويخضع الملحقون الإعلاميون في الوقت نفسه لإشراف رؤساء البعثات الدبلوماسية الأوزبكستانية في الدول المعتمدين لديها.
ومن
الخبرة
العالمية
لوظيفة
المستشار
أو الملحق الصحفي في البعثات الدبلوماسية المعتمدة في الخارج الولايات المتحدة الأمريكية، التي يتبع
المستشار أو الملحق الصحفي في البعثات الدبلوماسية المعتمدة في الخارج لوحدة خدمات الإعلام الأمريكية، وهي الجهة المسؤولة عن العمل الإعلامي الأمريكي في الخارج، وتتبع وكالة الاستعلامات الأمريكية، ويخضعون في نفس الوقت لإشراف رؤساء البعثات الدبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية المعتمدة في الخارج، ويشرفون على مراكز الإعلام التي تتوفر فيها المواد الإعلامية عن الولايات المتحدة الأمريكية اللازمة للإطلاع عليها في الدول الأجنبية. وقد تطور الإعلام الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية بعد موافقة الرئيس السابق جيمي كارتر، على إنشاء وكالة جديدة للإعلام الدولي لتحل مكان وحدة خدمات الإعلام الأمريكية، ومارست الوكالة الجديدة مهامها الإعلامية رسمياً في 1/4/1978، ومهمتها العمل على زيادة التفاهم بين شعوب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى في العالم، وتوضيح معالم المجتمع الأمريكي، وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الدولي، وخاصة ما يتعلق منها بالجانب الثقافي والحريات الفردية، وتوضيح صورة العالم للولايات المتحدة الأمريكية بغية إثراء الثقافة الأمريكية، وتمكين الولايات المتحدة الأمريكية من تفهم القضايا العالمية والتفاعل معها بشكل فعال.
وفي بريطانيا يتبع ضباط الإعلام في البعثات الدبلوماسية البريطانية المعتمدة في الخارج لوزارة الشؤون الخارجية والكومنولث. ويركزون في عملهم على إقامة علاقات شخصية مع كبار المحررين والصحفيين وغيرهم من رجال الإعلام. وفي هذا الصدد قال السير هارولد بيلي السفير السابق في الخارجية البريطانية "أنه لحد معين، فإن هذا يبين العودة للمفهوم التقليدي للملحق الصحفي، الذي يعمل بشكل وثيق مع القسم السياسي لسفارته… ويهتم بتوثيق العلاقات مع الصحف". بينما حددت لجنة بلودين البريطانية عام 1964 مواصفات الملحق الصحفي، من حيث المستوى السياسي، بالمواصفات الفنية من الدرجة الأولى، وأن الملحق الصحفي يحتاج بالدرجة الأولى للتعاون الوثيق مع زملائه في البعثة الدبلوماسية في الشؤون السياسية والتجارية، وتقدير ما يحاولون القيام به، كعضو في السفارة، وأن حصوله على موافقة رؤسائه وزملائه في السفارة سيزيد من وزنه وتأثيره في العمل.
ومع ذلك فهو يحتاج إلى قدر كبير من المواد الإعلامية التي تساعده على أداء وظيفته الإعلامية، والتي يمده بها المكتب المركزي للإعلام في لندن وهو مؤسسة مهنية تتولى تزويد الإدارات الحكومية في داخل بريطانيا وخارجها بالمواد الإعلامية.
وفي
الختام
نرى أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية قد عززت وجودها على ساحة الدبلوماسية الشعبية وتعمل إلى جانب الدبلوماسية الرسمية لتنفيذ المهام المنوطة بها ضمن السياسة الخارجية للدولة في عصر العولمة والانفتاح وأصبح لها دوراً لا يستهان به في إطار التبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية المعاصر.