التوسع البريطاني الفرنسي في المشرق
العربي
6
(صفحات من تاريخ المشرق
العربي في سياسة المصالح الخارجية للدول المنتصرة في
الحرب العالمية الأولى)
انتصارات الحرب العالمية
الأولى أفسحت المجال
لبريطانيا وفرنسا لتوسيع إمبراطوريتيهما الاستعماريتين. وكان التوسع الأكبر على
حساب الأملاك العربية للدولة العثمانية المهزومة في الحرب العالمية الأولى، وتطلب
تثبيت إحتلال تلك المناطق مواجهة تناقضات آخذت بالازدياد بين الحلفاء داخل
الأنتانتا (أنتانتا: كلمة فرنسية "Entente cordiale"
تعني اتفاقية القلوب)، وهي الاتفاقية التي عقدت بين إنكلترا وفرنسا وروسيا (الأنتانتا:
للمزيد أنظر: القاموس الدبلوماسي. ج1. ص 85؛ والعلاقات الدولية في عصر
الإمبريالية. موسكو: 1931-1940).
وسميت بـ"الاتفاقية
الثلاثية"، أو "الاتفاقية الرباعية" بعد انضمام إيطاليا إليها عام
1915، واستكمل تأسيسها على أعتاب الحرب العالمية الأولى. في الوقت الذي كانت فيه
ألمانيا تسعى لإقامة تحالف تهيمن من خلاله على العالم، وعقدت عام 1882 تحالفاً مع
الدولة الهنغارية النمساوية وإيطاليا، وتم بعث هذا التحالف من جديد عام 1891. وكرد
على ذلك قامت فرنسا وروسيا بالتوقيع على اتفاقية عام 1893.
ومنذ عام 1871 وحتى عام
1893 كان العالم منقسماً إلى معسكرين يضمان فرنسا وروسيا من جهة، وألمانيا والنمسا
من جهة أخرى. وكانت بريطانيا خلال الفترة من 1880 وحتى مطلع القرن العشرين تحاول
الوصول لأهدافها من خلال اللعب على تناقضات الطرفين والحفاظ على دور الحكم لحل
الخلافات بينهما.
ومع تعاظم التناقضات
الألمانية الإنكليزية أجبرت إنكلترا على التقارب مع فرنسا أولاً ومن ثم مع روسيا،
ووقعت على اتفاقية تحالف مع فرنسا عام 1904، ومع روسيا عام 1907 وهي الإتفاقية
التي أعادت إلى الأذهان التنافس الاستعماري الذي كان أكثر حدة بالنسبة لموضوع
سورية ولبنان. ولعبت الحركة القومية العربية دوراً كبيراً في هذه القضية، وهي التي
نمت مع الانتفاضة ضد للأتراك العثمانيين خلال الأعوام 1916 و1918، ولمع
خلالها اسم الأمير فيصل بن
الحسين (1885 – 1933)، (فيصل
الأول: ولد في الطائف. ابن
الشريف حسين. ثار على العثمانيين في الحرب العالمية الأولى وكان قائداً عاماً
للجيش العربي المحارب في فلسطين. نودي به ملكاً على سورية 1920 وانسحب بعد دخول
الجيش الفرنسي. جلس على عرش العراق 1921. وقع مع إنكلترا صك الاستقلال لبلاده
1930. توفي في سويسرا ودفن في بغداد. المنجد في الأعلام. ص 536).
وكانت الدولة العثمانية قبل
اندلاع الحرب العالمية الأولى "مجالات للمصالح" (تعود الامتيازات
للمعاهدة الفرنسية العثمانية المعقودة في عام 1535. للمزيد راجع: بولارد سير ريدر:
بريطانيا والشرق الأوسط من أقدم العصور وحتى 1952. بغداد: مطبعة الرابطة، 1956. ص
56 وما بعد) غير المعترف بها رسمياً للدول العظمى آنذاك وهو مصطلح كان القصد منه
الدول الكبرى التي تلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً في العلاقات الدولية، وتتحمل مسؤولية
محددة للحفاظ على الأمن والاستقرار في النظام والأمن العالميين (الدول العظمى.
للمزيد أنظر القاموس
الدبلوماسي ج 1 ص 178).
وبغض النظر عن المبدأ
المعلن في القانون الدولي حول مساواة الدول دون النظر لحجمها، وسياستها، وتأثيرها،
وقدراتها العسكرية والاقتصادية. إلا أن الواقع الدولي ومن القديم كان يعترف بالدور
الخاص للدول العظمى. وأشار مؤتمر فيينا (1814-1815) إلى وجود خمس دول عظمى آنذاك
وهي: روسيا وبروسيا والنمسا وإنكلترا وفرنسا. وفي نهاية القرن التاسع عشر ومع
بداية القرن العشرين ازداد دور بعض الدول الأخرى في العلاقات الدولية.
وبعد الحرب الأمريكية
الإسبانية عام 1898 تم الاعتراف بالولايات المتحدة الأمريكية كدولة عظمى، وفي
نهاية القرن التاسع عشر بإيطاليا، وبعد الحرب الروسية اليابانية عام 1905 تم
الاعتراف باليابان كدولة عظمى. وبانتهاء الحرب العالمية الأولى انتهى دور الدولة
النمساوية الهنغارية كدولة عظمى، واختفت ألمانيا، ونتيجة لتوحيد الأراضي برزت في
عام 1871 بروسيا كدولة عظمى.
ومع بداية مؤتمر سان
فرانسيسكو عام 1945 برزت خمس دول عظمى هي: الاتحاد السوفييتي (الفيدرالية الروسية
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي)، والولايات المتحدة الأمريكية، والصين، وفرنسا،
وبريطانيا العظمى، والتي أصبحت الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن الدولي
بموجب نظام منظمة الأمم المتحدة وألقي على عاتقها مهمة الحفاظ على الأمن والسلام
العالمي كمكافأة لها لقاء دحر ألمانيا النازية.
وشملت المناطق التي وظفت
فيها رؤوس أموال الدول العظمى آنذاك والتي كانت من وجهة نظر تلك الدول مجالاً
للمصالح الاستعمارية المستقبلية. وبعد دخول ألمانيا دون سابق إنذار في
"مجالات المصالح" الذي استخدمته الدول العظمى في اتفاقياتها وسياساتها
الخارجية في نهاية القرن التاسع عشر كذريعة لتبرير سياستها الاستعمارية، وتبعية
بعض الدول لها (مبدأ مجال التأثير، أو المصالح، للمزيد أنظر القاموس الدبلوماسي ج 3 ص
440).
وأخذت الدول الاستعمارية
بمبدأ مجال المصالح عملياً في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين من أجل
تقسيم القارة الإفريقية، مثل: - اتفاقية بريطانيا العظمى مع وألمانيا، 1890-1898؛
- واتفاقيات بريطانيا العظمى مع فرنسا للأعوام (1890، 1898، 1899، 1904)؛ - وتقسيم
الهند الصينية وغيرها من مناطق العالم. وفي تلك الاتفاقيات اعترفت الدول
العظمى بمصالح بعضها البعض "الحقوق الخاصة لكل منها في منطقة جغرافية محددة،
كاتفاقيات أنتانتا لتقسيم أملاك الإمبراطورية العثمانية وألمانيا بعد الحرب
العالمية الأولى على سبيل المثال، وكان الاعتراف بمجالات المصالح خطوة أولى لضم
تلك الأراضي للدولة العظمى المعنية وكانت واحدة من أسباب الحرب العالمية الأولى.
وكان المجال الأساسي
للمصالح البريطانية يشمل منطقة الخليج الفارسي، وبلاد الرافدين، والمصالح الفرنسية
تشمل شرق البحر الأبيض المتوسط (وبالدرجة الأولى لبنان، وسورية وكليكيا). حتى أن
بعض السياسيين الفرنسيين كانوا يحلمون بالسيادة على "سورية الكبرى" من
جبال طوروس إلى الصحراء العربية (Gontaut-Biron
R. Comment la
France c’est installee en Syrie
(1918-1919), P., 1922. P. 27-28. هذا الكتاب كتبه ضابط فرنسي خدم في صفوف
الإدارة العسكرية الفرنسية في سورية خلال عامي 1918م-1919م. وبغض النظر عن تقيد
الكاتب بظروف تلك المرحلة، فهو يعتبر من الذين قاموا بتقييم الشواهد التاريخية عن
الأشهر الأولى للوجود العسكري البريطاني- الفرنسي في الشرق الأوسط. ومع الأسف لم
نتمكن هنا من التحقق من الحقائق التي ذكرها غيوتو-بيرون من خلال مصادر أخرى).
واستندت فرنسا في مطالبها على
"الحقوق التاريخية"، التي استندت بدورها على "المصالح
المادية" (رؤوس الأموال الضخمة التي وظفت في اقتصاد دول ليفانتا (ليفانت: بالفرنسية Levant، وبالإيطالية Levante، وتعني الشرق،
وهي تسمية عرفت به كلاً من: سورية، ولبنان، ومصر، وتركيا، واليونان، وغيرهم من دول
شرق البحر الأبيض المتوسط. وفي حالات أخرى سورية ولبنان تحديداً)) و"المصالح
الأخلاقية" (بعثات التبشير المسيحية التي استمرت بالعمل لسنوات، والنشاطات
الثقافية، والحماية التقليدية للكاثوليك وغيرهم من الذين يعتبروا من الموالين
لفرنسا في الشرق (الكنيسة الكاثوليكية: هي
الجماعة التي أسسها السيد المسيح ورتب مؤمنيها تحت سلطان الرسل والأساقفة من بعدهم
يرئسهم القديس بطرس هامة الرسل والحبر الأعظم خليفته. وهي تتفرع، في وحدة الإيمان
والسلطة، إلى طوائف تتباين بطقوسها ولغاتها. المنجد في الأعلام. ص 578) من السكان
المحليين، والمارونيين (مار مارون توفي حوالي عام 410م): راهب قديس. تنسك في القورشية (سورية
الشمالية). ذاع صيت فضائله فاصبح منسكه مزاراً.اتصل به يوحنا فم الذهب في منفاه.
كتب سيرته ثيودوريتس. عيده في 9 شباط/فبراير. إليه ينتسب الموارنة وتلاميذ مار
مارون هم رهبان دير مار مارون الـ 350، قتلهم المونوفيزيون لأمانتهم لمجمع
خلقيدونية 516م. المنجد في الأعلام ص 626) والملكيين (الملكيون: هو الاسم الذي أطلقه العرب على مسيحيي
سورية الذين خضعوا لقرارات المجمع الخلقيدوني 451م وهم في ذلك من جهة الإمبراطور.
انضم فرع منهم لى الكنيسة الكاثوليكية القرن 18. والفرع الثاني هم الروم
الأرثوذكس. لغتهم الطقسية اليونانية والعربية. المنجد في الأعلام. ص 684).
وأقام الفرنسيون عملياً في
سورية نظاماً تعليمياً موازياً للنظام العثماني (كان يدرس 58000 طالب في المدارس
الفرنسية عام 1914). وليس من الغريب أن نواة الحزب الاستعماري في فرنسا تشكلت
بمشاركة فعالة من قبل الغرف التجارية في ليون ومرسيل، ومن قبل الأوساط
الكاثولوليكية (رانشيسكي ف. ب.: المجتمعات المسيحية في سورية قبل الانتداب
الفرنسي // الدين، والوضع الفكري، الإيديولوجيا والتاريخ. بريانسك، 1996. ص 44)
وكانت قمتها جامعة الأب جوزيف في بيروت للجزويت (الجزويت: أعضاء جماعة رهبان كاثوليكية، اسمها
باللاتينية "Societas
Jesu" أو جمعية المسيح. أسسها في باريس عام 1534م الأرستقراطي
الإسباني إغناتيو لويولي واعترف بها البابا بافل الثالث في عام 1540م. هدفها نشر
الكاثوليكية في العالم والدفاع عنها. الموسوعة السوفييتية الكبيرة. ج 10 ص 44).
أما التحرك البريطاني في
إطار ليفانتا فقد انحصر في إطار إنشاء عدد محدود من المدارس للمبشرين البروتستانت.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية المنافس الرئيسي لفرنسا في المجال
"الإنساني". واعتمد في ذلك التنافس على المبشرين البروتستانت، والصليب
الأحمر الأمريكي (الكنائس لبروتستانتية: هي
الكنائس الغربية التي انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية تحت تأثير لوتر وكلفين.
انتشرت في ألمانيا والبلدان الاسكندنافية واسكتلندا وسويسرا ثم في أمريكا
الشمالية. وهي متشعبة إلى كنائس يختلف بعضها عن بعض في عقائدها وقوانينها. أهم
فروعها اللوثرية والكلفينية والأنكليكانية. وتعرف الفروع الأولى بالكنائس
الإنجيلية. وتعتبر هذه الكنائس الكتاب المقدس مصدراً وحيداً للوحي، ولا تعترف
بالكهنوت. المنجد في الأعلام ص 128).
ونظام التعليم الأمريكي
أيضاً ضم مؤسسات تعليمية من مختلف المستويات التعليمية، وكانت قمتها الكلية
البروتستانتية السورية. أما الحياد الذي أتبعته الولايات المتحدة الأمريكية حتى
عام 1917 وتمثل بعدم المشاركة بالحرب ضد تركيا فقد وفر لها إمكانية الحفاظ على
تواجد هام في المنطقة استمر حتى عقد الصلح بين المتحاربين، بينما أغلقت كل
المؤسسات الفرنسية منذ بداية الحرب.
وأثناء الحرب العالمية
الأولى حدد الحلفاء في أنتانتا خططهم لتقسيم التركة العثمانية في سلسلة من
الاتفاقيات السرية ثبتت فيها أساساً مناطق النفوذ التقليدية. والأهم منها كان
الاتفاق الفرنسي البريطاني لعام 1916 المعروف باسم اتفاقية سايكس بيكو ، وهي الاتفاقية السرية التي عقدتها
الدولتين في عام 1916 لتقسيم القسم الأسيوي من الدولة العثمانية، عن طريق تبادل
الرسائل بين فرنسا وروسيا في نيسان/أبريل، وفرنسا وبريطانيا في أيار/مايو؛ وفي
تشرين ثاني/نوفمبر انضمت إيطاليا للاتفاقية. واكتسبت الإتفاقية تسميتها من واضعي
مشروعها، الدبلوماسي البريطاني م.
سايكس، والدبلوماسي الفرنسي ف.ج.
بيكو (سايكس بيكو: للمزبد أنظر القاموس الدبلوماسي الجزء
3، ص 7-8. كلوتشنيكوف يو.ف.، سابانين أ.ف.: السياسة الدولية. القسم 2، ص
40-43، 54-56. وDe
Martens G.F. Nouveau recueil general de traites…, ser. 3, t. 10, p. 350).
وتضمنت الاتفاقية 5 مناطق
وهي: - زرقاء خاضعة للسيادة الفرنسية، وضمت غرب سورية، ولبنان، وكليكية مع جزء من
جنوب شرق الأناضول؛ - وحمراء خاضعة للسلطة البريطانية، وتضم جنوب ووسط العراق والموانئ
الفلسطينية حيفا وعكا؛ - وبنية خاضعة للإدارة الدولية بالاتفاق مع روسيا وغيرها من
الدول، وتضم بقية فلسطين؛ - ووضع شرق سورية وولاية الموصل ضمن منطقة المصالح
الفرنسية (المنطقة A)؛ -
وشرق الأردن والقسم الشمالي من ولاية بغداد ضمن منطقة المصالح البريطانية (المنطقة B).
واحتفظت بريطانيا وفرنسا
لنفسها في هذه المناطق بحقوق الأفضلية التجارية، ومد السكك الحديدية، والإمداد
بالسلاح، وتعيين المستشارين وغيرها. وناقضت هذه الاتفاقية بشدة التزامات بريطانيا
العظمى اتجاه العرب بموجب اتفاقية ماك
ماهون مع الشريف حسين.
وتبادلت روسيا المراسلات مع
بريطانيا خريف عام 1916، ولم يكن لها أية مطالب في البلدان العربية ولقاء الانضمام
لاتفاقية التحالف أعطيت لروسيا وعوداً بولاية أرمينيا التركية وشمال كردستان، مع
التأكيد على حقوقها في استنبول وحماية حقوق الأرثوذكس في فلسطين. و وأشير للأراضي
التي يجب أن تنتقل لروسيا بالمنطقة الصفراء. وبعد إعلان إيطاليا الحرب ضد ألمانيا
عقدت دول أنتانتا معها في 20/4/1917 اتفاقية سين جان دي مورين، وبالنتيجة ظهرت على
الخارطة المنطقة الخضراء، وضمت جنوب غرب الأناضول، و(المنطقة C)، وضمت قسم من
غرب ووسط الأناضول، لتخضع للسلطة الإيطالية.
وجاء في الاتفاقية وغيرها
من المباحثات السرية التي جرت بين الحكومة المؤقتة في الإمبراطورية الروسية،
وبريطانيا ونشرتها الحكومة السوفييتية في نهاية عام 1917 بعد أن أعلنت إلغائها.
ونتيجة لأوضاع القوى الجديدة التي ظهرت بين الحلفاء إثر انتهاء الحرب
العالمية الأولى، أعيد النظر بالاتفاقية لصالح بريطانيا، بموجب اتفاقية سيفيرس
للسلام لعام 1920، ومؤتمر سان ريمو لعام 1920. وأخضعت الدول العربية لانتداب عصبة
الأمم وهي التي سلمت المناطق الملونة ومنطقتي A, B للانتداب
البريطاني والفرنسي. وهذا يعني الاعتراف بحقوق فرنسا باحتلال لبنان، والساحل
السوري وكليكيا، وقسم من كردستان تركيا، وقسم من مركز الأناضول بما فيه مدينة
سيواس (المنطقة الزرقاء)، والاعتراف بحقوق بريطانيا العظمى في احتلال جنوب ومركز
بلاد الرافدين بما فيه مدينة بغداد (المنطقة الحمراء)، وبين تلك المناطق خصصت
أراضي واسعة لإقامة دولة عربية أو فيدرالية لدول عربية. قسمها الشمالي بما
فيها مدينة الموصل كان يجب أن يقع تحت النفوذ الفرنسي (المنطقة A)،
والجنوبي تحت النفوذ البريطاني (المنطقة B). وفي
فلسطين (المنطقة البنية) لإقامة إدارة دولية (السياسة الدولية للوقت الجديد في
الاتفاقيات، والمراسلات، والوثائق. القسم 2، موسكو؛ 1924. ص 37-43).
وقد أساءت الاتفاقيات
السرية وخاصة اتفاقية سايكس
بيكو للتعهدات الخطية التي
أعطاها باسم بريطانيا في عام 1915 المندوب السامي البريطاني في مصر غ. ماكماهون، لشريف مكة حسين الهاشمي الذي أعلن نفسه في عام 1916 ملكاً على
الحجاز المستقلة (اتفاقية ماكماهون الحسين: للمزيد أنظر: القاموس الدبلوماسي ج 2. ص
174-175. ولازارييف م.س.: انهيار
الدولة التركية في الشرق العربي، 1914-1918. موسكو: 1960. ص 101- 110؛ ولوتسكي ف.ب.: التاريخ الجديد للدول العربية. موسكو:
1965. ص 335-342).
وهي التي أدت إلى مشاركة
العرب في الحرب العالمية الأولى، وتوصل إليها الجانبان في حزيران/يونيو 1915
وآذار/مارس 1916 عن طريق تبادل الرسائل بين المندوب السامي البريطاني في القاهرة غ. ماكماهون، وحاكم ولاية مكة
الشريف حسين بن علي الهاشمي.
تعهد فيها الحسين بإعلان الثورة العربية ضد الأتراك،
وتعهدت بريطانيا العظمى بالاعتراف باستقلال العرب.
وطالب الحسين بأن تضم الدولة العربية المزمع إقامتها
سورية وكليكيا والعراق، وكامل الجزيرة العربية، باستثناء عدن. وبريطانيا العظمى
حذفت من هذه القائمة غرب سورية ولبنان وولايتي البصرة وبغداد في العراق، والمناطق
الواقعة تحت الحماية البريطانية في شبه الجزيرة العربية. وطالب ماكماهون بتسليم بريطانيا العظمى الدفاع عن
الدولة العربية المزمع إقامتها، وتثبيت مناصب المستشارين والموظفين الإنكليز في
الحكومة العربية المزمع إقامتها. وهو ما رفضه الحسين.
ورغم أن الاتفاقية لم تشر
بوضوح لحدود الدولة العربية وعلاقاتها ببريطانيا، إلا أنها ساعدت على إعلان الثورة
العربية ضد الأتراك في حزيران/يونيو 1916. و لم تفي بريطانيا بتعهداتها للعرب.
وبدلاً عن ذلك عقدت اتفاقية سايكس بيكو السرية في عام 1916 لاقتسام البلدان
العربية. رغم أن ماكماهون كان قد وعد بوضع الأراضي المحررة من
السلطة العثمانية التركية تحت تصرف الأسرة الهاشمية في الدولة العربية الجديدة،
وللحقيقة كان البريطانيون لا يعتبرون الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط بالكامل
عربياً. وكانت الوعود التي أعطاها البريطانيون موجهة لدعم انتفاضة العرب ضد
الأتراك العثمانيين فقط، الانتفاضة التي قادها الأمير فيصل ابن الحسين الذي ظهر كقائد قادر على جمع شمل مختلف
الجماعات العربية من حوله. ولم بكن خاف عن أحد الدور الكبير الذي لعبه الجاسوس
البريطاني العقيد ت.إ. لورانس في تنظيم تلك الانتفاضة (توما لورنس
(1888 – 1935): ضابط وكاتب
إنكليزي. كان معتمد دولته السري لدى زعماء العرب وخاصة الشريف حسين في الحرب
العالمية الأولى وبعدها. شجع الثورة على الأتراك وناصرها 1916 – 1918م لقبته
الصحافة "ملك العرب غير المتوج". له "أعمدة الحكمة السبعة".
المنجد في الأعلام ص 615).
وفي عام 1917م وعد وزير
خارجية بريطانيا العظمى أ.
بلفور (غراف أرتور جيمس
بلفور (1848 – 1930): دبلوماسي
ورجل دولة بريطاني. عضو البرلمان 1874 – 1922؛ من عام 1922 عضو مجلس اللوردات. في
عام 1878 – 1880 السكرتير الشخصي لوزير خارجية بريطانيا العظمى اللورد ساليسبيري،
شارك في رحلات ساليسبيري وديزرائيلي (ب. بيكونسفيلد) إلى برلين عام 1878؛ من عام
1885 عضو المجلس السري، خلال عامي 1885 – 1886 وزير شؤون الإدارة المحلية، خلال
عامي 1886 – 1887 لشؤون سكوتلانديا، خلال أعوام 1887 – 1891 لشؤون إيرلاندا؛ خلال
أعوام 1891 – 1892، و1895 – 1906 وزير المالية وزعيم مجلس النواب؛ خلال 1892 – 1895
زعيم الكتلة البرلمانية لحزب المحافظين؛ خلال أعوام 1902 – 1905 الوزير الأول،
وأحد المبادرين للاتحاد الإنكليزي الياباني 1902 1921 والاتفاقية الإنكليزية
الفرنسية 1904، التي كانت الأساس لتحالف أنتانتا؛ خلال 1915 – 1916 وزير الحرب
والبحرية، خلال 1916 – 1919 وزير الخارجية، خلال 1919 – 1922 و 1925 – 1929 لورد
ورئيس المجلس. وضع مشروع تأسيس "وطن قومي لليهود" في فلسطين. وكان أحد
منظمي الحملة المعادية للسوفييت خلال 1917 – 1922. وكان نائب رئيس الوفد البريطاني
الذي ترأسه ديفيد لويد جورج خلال أعوام 1919 – 1920 لمؤتمر السلام في باريس؛ ترأس
وفد بريطانيا العظمى لمؤتمر عصبة الأمم عام 1920، ومؤتمر واشنطن 1921 – 1922.
القاموس الدبلوماسي ج 1. ص 111 – 112) في رسالة وجهها للبارون روتشيلد ( ينتمي
لأسرة المصرفي اليهودي الألماني الأصل ماير أنسلم روتشيلد (1743 – 1812). المنجد في الأعلام. ص 311)
باسم الحكومة البريطانية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين (إعلان بلفور 1917:
للمزيد أنظر:القاموس السياسي ج، 1. ص 112) وللمزيد أنظر: كلوتشنيكوف يو.ف.،
سابانين أ.ف.: السياسة الدولية. القسم 2، ص 87؛ وBritish White Paper. Cmd. 1785,
L., 1922.)، وكانت بمثابة إعلان عن سياسة
بريطانيا العظمى في فلسطين، ونشرت بتاريخ 2/11/1917 على شكل رسالة من وزير خارجية
بريطانيا العظمى ا.ج. بلفور للمصرفي
اللورد روتشيلد. ذكر فيها
أن الحكومة البريطانية "تنظر باهتمام لإقامة وطن قومي في فلسطين (national home) للشعب اليهودي وستبذل كل جهودها من أجل تسهيل الوصول لهذا الهدف.
وأشار إلى أنه " لا يجب أن تتضرر الحقوق المدنية والدينية القائمة في فلسطين
للجماعات غير اليهودية، وأن لا يتضرر الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي
دولة أخرى".
وفي عام 1918 اعترفت فرنسا
بإعلان بلفور واعترفت به الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد ذلك وبإصرار من
بريطانيا جرى إدخاله في معاهدة سيفر للسلام. وفي قرار الانتداب على فلسطين، مما
أعطاه قوة الالتزام الدولي. ورسمياً كانت خلفية إعلان بلفور هي الحصول على تأييد
ومساعدة يهود الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا في الحرب ضد ألمانيا، ولكن الهدف
الواقعي كان حصول إنكلترا على إمكانية التهرب من التزاماتها بتطبيق اتفاقياتها
المعقودة مع العرب في عام 1915 (فيما يعرف بمراسلات مكماهون الحسين)، ومع فرنسا
وروسيا في عام 1916 (فيما يعرف باتفاقية سايكس
بيكو)، ولتبرير احتلالها لفلسطين. واعتمدت إنكلترا على إعلان بلفور لمنع إدخال فلسطين ضمن الدولة العربية،
وعن وضع فلسطين تحت الإدارة الدولية.
وقد أثار إعلان بلفور احتجاج العرب، وفي كانون ثاني/يناير
1918 أرسلت الحكومة البريطانية، المهتمة بمساعدة العرب في الحرب البروفيسور هوغارت لمقابلة ملك الحجاز الحسين من أجل "شرح" إعلان بلفور وتمخض عن الزيارة بيان هوغارت. واحتفظ إعلان بلفور بقوته القانونية كالتزام دولي لبريطانيا
العظمى طيلة فترة الانتداب البريطاني على فلسطين حتى تشرين ثاني/نوفمبر 1947، ولو
أنه تعرض للشرح والتأويل في بيان تشرتشل عام 1922، وتحدث بيان تشرتشل لعام 1922 عن سياسة حكومة بريطانيا
العظمى في فلسطين وكان أعلنه وزير شؤون المستعمرات ونستون تشرتشل بتاريخ 3/6/1922 في محاولة منه
لتبرئة ساحة السياسة البريطانية في فلسطين في أعين المجتمع الفلسطيني
والعربي في الشرق الأوسط، من الوعود التي وردت في إعلان بلفور لعام 1917، ومن أجل
الإسراع في الحصول من عصبة الأمم على الانتداب البريطاني على فلسطين. وأشار البيان
إلى الصدامات التي تحصل بين المنظمات العربية واليهودية في فلسطين وغيرها من
الشكوك حول الأهداف والمهام الحقيقية للحكومة البريطانية التي ازدادت في الأوسط
الاجتماعية العربية واليهودية في فلسطين بعد نشر إعلان بلفور، تعتبر نتيجة لما يمكن أن
يكون من سوء فهم لمضمونه.
وأشار البيان جزئياً إلى أن
تخوف العرب الفلسطينيين حول "ميول" حكومة بريطانيا العظمى نحو فكرة
إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ليس له أي أساس؛ - وان ضبط الهجرة اليهودية إلى
فلسطين سيخضع للضوابط الاقتصادية الصارمة وللحاجة إلى اليد العاملة وفي حدود تشغيل
اليهود المهاجرين؛ - وأن كل سكان فلسطين دون استثناء سيحتفظون بوضعهم القانوني؛ -
ونفى تخوف زعماء المنظمات العربية الفلسطينية من "الاختفاء" التدريجي
للعرب ولغتهم وثقافتهم وخضوعهم لليهود.
وأما ما يتعلق بالسكان
اليهود في فلسطين فأشار البيان إلى تخوف البعض من إمكانية تراجع الحكومة بريطانيا
العظمى عن الخط المرسوم في إعلان بلفور من أنه لا أساس لها من الصحة. ودعى البيان
إلى إصدار ضمانات دولية من أجل إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين والاعتراف به.
وهكذا أصبح البيان حلقة في السياسة البريطانية في فلسطين والتي بدأت منذ مراسلات
الحسين مكماهون عام 1915، واستمرت حتى نهاية انتداب بريطانيا على فلسطين. وفي
18/6/1922، أرسلت اللجنة التنفيذية للمنظمات الصهيونية في فلسطين ردها على البيان،
وعبرت فيه عن تأكيدها على أن نشاطات تلك المنظمات يهدف أن إقامة الوطن القومي
لليهود في فلسطين. وتبعه مشروع بيل عام 1937، ومؤتمر لندن حول المسألة
الفلسطينية عام 1939. وأساء وعد بلفور بالنتيجة للعلاقات العربية البريطانية
كثيراً. وظهرت أهمية خاصة لبرنامج السلام الذي أعده الرئيس الأمريكي ولسون (وودرو (توماس) ويلسون (1856 – 1924): سياسي ورجل دولة في
الولايات المتحدة الأمريكية. خلال أعوام 1911 – 1913 حاكم ولاية نيوجرسي؛ خلال
أعوام 1913 – 1921 رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. خلال فترة حكمة وسعت الولايا
المتحدة الأمريكية من وجودها في أمريكا اللاتينية. خلال أعوام 1914 – 1917 حافظ
على حياد الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الأولى. في عام 1917
أعلن الحرب على ألمانيا. أحد مؤسسي عصبة الأمم ورئيس لجنة إعداد نظامها. شارك في
مؤتمر باريس للسلام 1919 – 1920. القاموس الدبلوماسي الجزء 1. ص 202) وعرف بالنقاط
الـ 14 (نقاط ويلسون الـ 14: للمزيد أنظر: القاموس الدبلوماسي ج، 3. ص 574.
وأرشيف بولكوفنيك هاوزا. موسكو: 1944. ج. 4؛ إينوزيمتسوف
ن.ن.: سياسة الولايات المتحدة
الأمريكية في عصر الإمبريالية. موسكو: 1960. ص 141 – 146).
وتضمنت شروط السلام التي
وضعها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ويلسون في رسالته للكونغرس الأمريكي بتاريخ
8/1/1918، كأساس لمعاهدة السلام، التي تنهي الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918
النقاط التالية: - اتفاقية علنية للسلام؛ - الحرية الكاملة للملاحة بالبحار؛ -
حرية التجارة، وإزالة الحواجز الجمركية؛ - وضع الضمانات اللازمة لخفض التسلح؛ -
تسوية مسائل المستعمرات؛ - تحرير كل الأراضي الروسية التي تحتلها ألمانيا، وتوفير
الفرصة لروسيا لاختيار سياستها القومية، والانضمام لمجتمع القوميات الحرة؛ - تحرير
وإعادة إعمار بلجيكا؛ - إعادة الأراضي الفرنسية التي تحتلها ألمانيا لفرنسا، بما
فيها الإلزاس ولوتارينغ؛ - تصحيح حدود إيطاليا بما يتفق والحقائق القومية؛ - إعطاء
شعوب النمسا وهنغاريا الحكم الذاتي؛ - تحرير أراضي رومانيا، وصربيا، والجبل الأسود
التي تحتلها ألمانيا؛ وتأمين مخرج على البحر لصربيا؛ - البقاء المستقل لتركيا،
والحكم الذاتي لقوميات أجزاء الإمبراطورية العثمانية؛ - إنشاء الدولة البولونية
المستقلة؛ - إنشاء اتحاد للأمم بهدف تأمين الضمانات المتبادلة للاستقلال السياسي،
ووحدة الأراضي، والمساواة بين الدول الكبيرة والصغيرة.
وقبلت دول أنتانتا شكلياً
بهذه النقاط كأساس للحل السلمي. واستناداً لذلك البرنامج "كان يجب أن يحصل
القسم التركي المعاصر من الإمبراطورية العثمانية في وضعه القائم على سيادة قوية
وحقيقية، ولكن القوميات الواقعة آنذاك تحت سلطة الأتراك كان يجب أن تحصل على
ضمانات واضحة لإقامة ظروف غير قابلة للتبديل للتطور الذاتي" (نفس الصدر
السابق. ص 109) وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى توصلت الدول العظمى لملف كبير من
الاتفاقيات المتناقضة، والوعود والبيانات حول مستقبل أملاك الإمبراطورية
العثمانية. وتطبيق أي منها كان لابد أن يستدعي تناقضات هامة حتى بين البلدان
المنتصرة في الحرب. لأن العلاقات الدولية تعتمد أولاً وأخيراً على مصالح الدول
المنتصرة والقوية والساعية لفرض هيمنتها على الدول الأضعف منها، ولا مكان لتبادل
العواطف بين الدول في العلاقات الدولية، بل لابد من تبادل المصالح بينها فقط، ومن
يفرط بمصالحه الوطنية سيخضع حتماً لنفوذ من فرط له بمصالحه الوطنية، لأن القانون
الدولي لا يحمي مصالح الأغبياء.
طشقند
4/8/2012
بروفيسور محمد البخاري