وزارة التعليم العالي والمتوسط التخصصي بجمهورية أوزبكستان
جامعة ميرزة ألوغ بيك الحكومية طشقند
كلية الصحافة - قسم الإعلام الدولي
الدكتور محمد البخاري
محاضرات في الدراسات الإعلامية وتحليل المضمون الإعلامي
TAHLIL VA SHARHLASH JURNALISTIKASI
طشقند - 1998
تطور الأبحاث العلمية واتجاهاتها الحديثة: ازدادت أهمية الاتصال في العصر الحديث بشكل كبير، بفضل تطور وسائل الاتصال وتقنياتها الحديثة. فالمعلومات تحيط بنا في كل مكان ومن كل اتجاه حتى أصبحت طبقة تحيط بالكرة الأرضية كالغشاء الهوائي الذي يوفر لنا الحياة، طبقة تعود الإنسان عليها حتى كاد ينساها أو يجهل وجودها، عدا قلة من الناس الذين يتعاملون مع هذه الطبقة المعلوماتية ويدركون مدى فاعليتها وتأثيرها. وقد أطلق الباحث في علم الاتصال بيير تايلهارد على هذه الطبقة المعلوماتية التي تحيط بالكرة الأرضية اسم "نوسفير"، ويستفيد الإنسان المعاصر من هذه الطبقة متلقياً سيلاَ من المعلومات تتضمن حقائق وآراء مختلفة يستخدمها في مواقف اتصالية يدخل فيها مع آخرين كمتحدث ومستمع، ولكنه لا يؤثر في عملية الاتصال كغيره من الفئات الاجتماعية الأكثر تأثيراً في عملية الاتصال كالمفكرين والصحفيين والكتاب والسياسيين ورجال الدين والأساتذة والمعلنين الذين يعطون من خلال وسائل الاتصال أفكاراً ومعلومات في المواقف الاتصالية أكثر مما يأخذون من معلومات، بحكم أدوارهم الاجتماعية التي تسمح لهم بالتأثير والتحكم بتفكير غيرهم من الناس. وأصبح الاتصال اليوم حقيقة طاغية في حياتنا اليومية المعاصرة، وأصبح الناس أداة فاعلة في عملية الاتصال المستمرة على مدار الساعة مرسلين ومستقبلين على حد سواء بفضل تقنيات الاتصال الحديثة التي حولت العالم بأسره إلى قرية الأمس في عمليات الاتصال المباشرة والمعقدة، والتي لم تعد تعترف لا بالحدود الجغرافية ولا بالحدود السياسية للدول المختلفة في العالم. وفرض تطور التقنيات الحديثة للاتصال على الإنسان المعاصر تعلم مهارات جديدة لم يكن بحاجة لتعلمها قبل عدة عقود فقط، وأصبحت ضرورية له لمواكبة العصر واستخدام وسائل الاتصال الحديثة المعقدة حتى في اتصالاته الشخصية عبر شبكات الحاسبات الإلكترونية (الكمبيوتر) التي جعلت من الاتصال عملية سريعة وفورية وسهلة بالاتجاهين. ومع تزايد أهمية الاتصال في حياتنا اليومية المعاصرة، ازدادت أهمية أبحاث الاتصال. فما هي أبحاث الاتصال؟
معنى أبحاث الاتصال: يميل بعض علماء الاجتماع إلى التفريق بين الأبحاث الصحفية، والأبحاث الإعلامية. رغم امتداد الدراسات التي استهدفت الصحافة خلال القرن العشرين إلى سائر مجالات الإعلام وقنواته انطلاقاً من مفهوم وحدة الفنون الصحفية والإعلامية رغم تشعبها. ورغم اهتمام بعض المعاهد الصحفية في العالم بدراسة مجال واحد من المجالات الإعلامية، كدراسة الإذاعة والتلفزيون، أو الصحافة المطبوعة، أو الاتصال الشخصي كل على حدى. إلا أننا نعتبر أن مثل هذه الدراسات الناقصة لا تلبي حاجة البحث العلمي في مجال الإعلام والاتصال بشكله الملائم والمطلوب على أعتاب القرن الواحد العشرين، في زمن تشعبت فيه قنوات الاتصال وتداخلت من خلال شبكات الاتصال الحديثة سمة الحقبة الأخيرة من القرن العشرين.
فالأسلوب العلمي الصحيح اليوم يربط بين أساليب الاتصال وتقنياته الحديثة كوحدة واحدة تتلاقى فيها قنوات الإعلام أصولاً وفروعاً. رغم التقسيم الذي سار عليه بعض الباحثين حينما فرقوا بين الأبحاث الصحفية، التي حاولوا حصرها بدراسة وسائل الإعلام أو الرسائل الإعلامية فقط، بينما حاول البعض الآخر حصر أبحاث الاتصال بعملية الاتصال فقط. لأنه من الصعب جداً دراسة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية دون الاهتمام بعمليات الاتصال والمواقف الاتصالية التي يتم من خلالها توجيه وتبادل المعلومات. فأي بحث يتناول الاتصال يجب أن يهتم بالجانبين معاً. فنحن لا نستطيع فهم ما تنشره وما تنقله أو تذيعه أو تبثه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، دون أن ندرك عملية الاتصال، وكيف يؤثر مضمون وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على الأفراد والجماعات المختلفة. وحينما نحاول أن نعرِّف المادة الإعلامية، نجد صعوبة بالغة في وضع حدود واضحة تحدد الأبحاث الإعلامية وتميزها عن غيرها من أبحاث العلوم الإنسانية. فأهداف واهتمامات أبحاث الاتصال واسعة جداً، لأنها لا تدرس وسائل الاتصال فقط، بل تتعداها لدراسة عمليات الاتصال. وهذا يحتم علينا الاهتمام بعلوم إنسانية أخرى منها التربية، وعلم النفس الفردي، وعلم النفس الاجتماعي، والاقتصاد، والأنثروبولوجيا، والقانون، والستسيولوجيا، والسياسة... الخ، فالصحافة أو الإعلام تشارك العلوم الإنسانية مسؤولية الكشف عن مختلف أوجه المشاكل التي تتضمنها عملية الاتصال في مختلف مراحلها.
ولقد أدرك علماء الاتصال منذ أواسط القرن العشرين، حقيقة أنه لا يمكن فهم الاتصال عن طريق وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بدون فهم عملية الاتصال المباشر بين شخص وآخر، وعملية الاتصال داخل الجماعة الصغيرة. فبدون إدراك وفهم عملية الاتصال الفردي، والاتصال داخل الجماعة الصغيرة، لا يمكن فهم عملية الاتصال عن طريق مؤسسات ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ولا نستطيع كذلك تقدير تأثير تلك المؤسسات والوسائل. ومن المسلم به أن فهم ودراسة وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية هي من مسؤولية علماء الإعلام أساساً، ولكننا لا نستطيع أن ننكر اشتراك علماء السياسة والاقتصاد والمجتمع في هذه المسؤولية بشكل أو بآخر. ولكن المسؤولية تبقى أساساً على عاتق علماء الإعلام والاتصال المسؤولين عن دراسة عمليات الاتصال الجماهيري، والتعرف على تنظيم مؤسسات الاتصال والإعلام، وأساليب السيطرة الاجتماعية عليها، ومركز تلك المؤسسات في التنظيم الاجتماعي بشكل عام، ووظيفة تلك المؤسسات وجمهورها ومسؤوليتها، وطريقة اضطلاعها بتلك المسؤوليات، ودراسة طبيعة تأثير تلك المؤسسات. واكتشاف السبل لتحقيق فاعلية الإعلام والاتصال، واختيار أنجع الوسائل، والتعرف على طبيعة كل وسيلة منها. وطبيعة الجمهور المتلقي، ومشاكل نقل المعاني والرموز عبر وسيلة الاتصال.
تطور الأبحاث العلمية في مجال الإعلام والاتصال: يمر التطور التاريخي لأي علم من العلوم الحديثة، بمراحل تطور متشابهة تبدأ بالمرحلة الفلسفية، حيث ينصب الاهتمام فيها على تحديد المسارات الأساسية، وتكوين مفاهيم كلية وافتراضات أساسية، وتحديد طرق وأساليب للبحث العلمي، ويعاد النظر فيها بشكل يمكن بواسطتها جمع المعلومات والحقائق عن العلم المقصود. وتنتهي هذه المرحلة عند التوصل إلى اتفاق عام على بعض المبادئ والافتراضات الأساسية وبعض طرق وأساليب البحث العلمي. وينتقل الاهتمام في المرحلة الثانية إلى تطبيق أساليب جديدة للبحث، مهمتها قياس صحة الافتراضات التي تم الاتفاق عليها في المرحلة الأولى الفلسفية، يرافقها تجميع حقائق مفصلة عن تلك الافتراضات. وتنتهي المراحل التجريبية بجمع جملة من الحقائق تستخدم في بناء نظرية علمية محددة، وهي المرحلة الثالثة التي تتابع فيها الأبحاث والتجارب التي تؤدي إلى تطور البحث العلمي والوصول إلى نتائج جديدة ومقترحات تؤدي للوصول إلى نظريات علمية جديدة. وقد بدأت الأبحاث العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشرينات من القرن العشرين، وركزت الأبحاث الأولى على دراسة وصفية لتاريخ الصحافة، والشخصيات الصحفية التي قامت بإصدار وتحرير صحف كل مرحلة من المراحل المدروسة. وركزت على مفاهيم فلسفية معينة كحرية الصحافة وحق الأفراد في نشر آرائهم بدون تدخل السلطات، ودور الصحافة في المجتمع إلى آخره من الاهتمامات العلمية.
وظهرت في المرحلة التالية دراسات اعتمدت على الأبحاث التجريبية والميدانية الكمية. خرجت بدراسات موضوعية بعيدة عن تحيز الباحث، معتمدة على حقائق علمي ثابتة، مستخدمة أساليب القياس والتجربة للوصول إلى نتائج علمية مقنعة. توصل العلماء بفضله إلى تكوين نظرية علمية طورت خلال الخمسينات والستينات من القرن العشرين. وتوسع البحث العلمي في مجال الاتصال ليشمل دراسات في الإعلام الدولي وطبيعة الإعلام في الدول الأخرى وخاصة تلك التي تختلف مع الولايات المتحدة الأمريكية إيديولوجياً، أو التي تدخل ضمن مجال اهتمامات سياستها الخارجية والمصالح الأمريكية في العالم عامة. ورافق هذا التطور في الأبحاث العلمية بمجال الإعلام اهتمام علماء السياسة والاقتصاد والمجتمع وعلم النفس والأنثروبولوجيا بعلوم الاتصال، الذين ساهموا في تطوير وبناء نظريات ومفاهيم أساسية لعلم الاتصال. مما أعطى الدراسات الإعلامية طابعاً متميزاً ساهم في اتساعها وإثرائها خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
تطور للدراسات العلمية الإعلامية واتجاهاتها: الاتجاه النظري الفلسفي للدراسات الإعلامية: استخدم اصطلاح " أبحاث الاتصال الجماهيري في مطلع الثلاثينات من القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكننا لا نستطيع اعتبار هذا التاريخ بداية للأبحاث العلمية في مجال الاتصال والإعلام. لأن الاهتمام بفهم وتفسير عملية الاتصال بدأـ قبل ذلك بكثير. فأرسطو (284-322 ق . م) مثلاً عرَّف في كتابه "فن البلاغة"، دراسة البلاغة (أي الاتصال) بأنه: " البحث عن جميع وسائل الإقناع المتوافرة"، وحدد عملية الاتصال بالمواقف التالية: المتحدث، الحديث، المستمع. في ذلك الوقت الذي كان الاتصال الجماهيري فيه يعتمد على الخطابة للاتصال السياسي في المدينة الإغريقية الصغيرة. ولم تخرج النماذج الاتصالية فيما بعد عن الإطار العام الذي وضعه وسار عليه أرسطو.
أما بدايات الاهتمام بالأبحاث العلمية الإعلامية فتعود لأوائل القرن العشرين، وبدأت كما وسبق وأشرنا بالدراسات التاريخية والفلسفية والقانونية والأدبية. ورافق ذلك ظهور أولى الكتب عن الرأي العام، وكان أهمها كتاب جابريل تارد "الرأي العام" الذي ظهر عام 1910، وكتاب جراهام ولاس "الطبيعة البشرية في مجال السياسة" الذي ظهر عام 1909، ومن الكتب الهامة التي تناولت دور الجماعات المنظمة في عملية اتخاذ القرار كتاب بنتلي "عملية الحكم" الذي صدر عام 1908، وتناول موضوع ما عرف فيما بعد بجماعات الضغط وعلاقتهم بالرأي العام والسياسة. وكانت الحرب العالمية الأولى التي نشبت عام 1914 نقطة البداية التي سمحت للدول الكبرى وخاصة بريطانيا باستخدام الإعلام كسلاح للتأثير على العقول عن طريق الدعاية المنظمة، وازداد الاهتمام بعد ذلك تباعاً بدراسة الإعلام بشكل لم يسبق له نظير. فقد لفتت الحرب أنظار الباحثين إلى أبعاد جديدة للدعاية، وازداد الاهتمام بوسائل الاتصال وأساليب التأثير على الرأي العام حتى أنه اعتبرت الفترة الممتدة من عام 1920 وحتى عام 1930 نقطة تحول هامة على طريق الدراسات العلمية الإعلامية، وبداية حقيقية لتطبيق مناهج البحث التجريبية الحديثة في مجال دراسة الإعلام ووسائله وأساليبه وتقنياته.
وقد ظهرت بعد الحرب عدة مؤلفات لباحثين أمثال: جورج كريل، وهارولد لازويلد، وج. برنشتورف، وجورج ديمرشيل Demartial، وهانز ثيم Thimme، وف. شونمان F. Schoenemann، وكميل ستيوارت، وادجار شترن Stern، وولتر ليبمان. وقد فرضت الحاجة ضرورة تطبيق طرقاً جديدة في البحث العلمي لمعرفة أفضل الطرق لجذب المعلنين، ولكن الدفعة القوية للبحث العلمي في مجال وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري كانت بفضل اهتمام الحكومات خلال الحرب بالدعاية ودراسة الروح المعنوية للقوات المسلحة والمدنيين، وسيكولوجية القيادة ومشاكلها، والعلاقة بين الضباط والجنود وما رافقها من حاجة للأبحاث التجريبية. وكان هذا الاهتمام بمثابة الحافز الذي دفع الباحثين والخبراء والعلماء إلى تطوير بحوثهم العلمية لتشمل مجالات السياسة وعلم النفس، وقياس تأثير الرسائل الإعلامية، فظهرت أسماء جديدة من الباحثين العلميين الذين كان لهم أبلغ الأثر في تطوير البحوث العلمية في مجال الاتصال والإعلام واستخدام أساليب حديثة في البحث كجون لونج، وبارنيز، وريس، وأبراهام ليسكي، وايفي لي، ورالف كيس، وغيرهم. وفضلا عن ذلك فقد شهدت العشرينات من القرن العشرين بداية تطبيق أساليب حديثة في البحث الميداني لدراسة المستهلكين، واهتمامات قراء الصحف والمجلات ومستمعي الراديو ورواد صالات السينما واستفتاء الرأي العام. وبدأت مجلة Literary Digest استطلاعات الرأي العام في تلك الفترة بطريقة غير رسمية لمعرفة المرشح الذي سيصوت لصالحه الجمهور، وهو ما عرف آنذاك باسم Straw Votes.
كما وشهدت نفس الفترة مع نطور أساليب القياس وطرق الإعداد للاستطلاعات والدراسات التجريبية، اختراع بعض الآلات البسيطة لاستخراج النتائج وتلخيص كميات كبيرة من المعلومات بصورة أسرع من الطرق التقليدية المتبعة آنذاك. وهو ما ساعد على القيام بدراسات إحصائية كمية، رافقتها محاولات لقياس الآراء والاتجاهات، لعب فيها الباحثان لويس ثرستون Louis L. Thurstone في مجال علم النفس، وستيوارت رايس Stewart Rise في مجال السياسة والإحصاء دوراً بارزاً. ولفتت في نفس الوقت أنظار الباحثين نجاحات الدعاية السوفييتية، والفاشية الإيطالية في استخدام الدعاية كسلاح من أسلحة السياسة الخارجية للدولة، وكوسيلة ناجحة للسيطرة على الجماهير في الداخل، والتقدم الهائل للإعلان التجاري في الولايات المتحدة الأمريكية. وهي الدروس التي استفاد منها أدولف هتلر في كتابه "كفاحي" الذي صدر الجزء الأول منه عام 1925، وصدر الجزء الثاني عام 1927، لتستخدم ببراعة في الدعاية الألمانية النازية. وشهد العام 1925 صدور أول مجلة ربع سنوية متخصصة تعنى بتشجيع ونشر الأبحاث والدراسات الإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية حملت اسم Journalism Quarterly.
ومع حالة الكساد الاقتصادي التي سادت العالم في ثلاثينات القرن العشرين، التي انتهت بالحرب العالمية الثانية المدمرة واستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية فيها لأول مرة القنابل الذرية لتدمير مدن يابانية بأكملها وقتل سكانها الأبرياء، دخلت الإذاعات الدولية كسلاح من الأسلحة الهامة في الحرب من قبل الدول الكبرى آنذاك كإيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية، واليابان، والإتحاد السوفييتي، وبريطانيا العظمى، والولايات المتحدة الأمريكية. وبدأت الإذاعات الدولية بالبث باللغات الأجنبية كاللغة الإنكليزية والفرنسية والعربية والإسبانية والبرتغالية. بهدف التأثير على شعوب الدول الأخرى وكسب الرأي العام العالمي لصالح قضاياها ومصالحها في العالم. وهو ما ساعد على تطوير أساليب تحليل المضمون بمختلف الطرق والوسائل كمياً وموضوعياً.
وكان من العوامل الهامة التي ساعدت على تطوير البحوث العلمية في الإعلام والاتصال في تلك المرحلة: 1- ازدياد اهتمام الهيئات الحكومية بالدعاية، وتشجيعها على تطوير مناهج البحث وتطبيقها على نطاق واسع لقياس تأثير المادة الإعلامية. وتشجيع دراسات التسويق والإعلان على نطاق واسع. 2- قلق المجتمعات الديمقراطية من السيطرة السياسية على وسائل الإعلام الجماهيرية في الإتحاد السوفييتي وألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، واستخدام هذه الدول لها لدعم نفوذها السياسي في الداخل والخارج. الوضع الذي استغله بعض علماء الاجتماع لتضخيم قدرات وسائل الإعلام الجماهيرية في التأثير على العقول والسيطرة عليها. 3- تركز ملكية وسائل الإعلام الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية، في أيدي قلة من المالكين في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، واختفاء المنافسة في السوق الإعلامية في المجتمعات الغربية. وما رافقها من قلق حيال احتكار وسيطرة أقلية من المالكين لوسائل التوجيه والإعلام الجماهيري. مما خلق الحاجة لدراسة ظاهرة الاحتكار الإعلامي. 4- اشتداد المنافسة بين وسائل الإعلام الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية للحصول على أكبر قدر من الدخل والتمويل عن طريق جذب الإعلانات والدعاية إليها. مما حفز دراسات قياس تأثير كل من تلك الوسائل الإعلامية على حدى ومقارنتها ببعضها البعض، من حيث الانتشار والتأثير. ورافقها في الخمسينات من القرن العشرين التركيز على دراسة تأثير التلفزيون على الأطفال، وتأثير برامج العنف والجريمة على انحراف الإحداث، ودور التلفزيون في التعليم. 5- الاهتمام بدراسة التأثير السياسي لوسائل الإعلام الجماهيرية، وخاصة أثناء الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية. مما دفع مركز الدراسات الاجتماعية والتطبيقية بجامعة كولومبيا، ومؤسسات البحث العلمي في جامعات ييل، وستانفورد، وآلينوي، للقيام بدراسات لاكتشاف الحقائق عن الدور الذي يلعبه الاتصال الشخصي في المجتمعات المتقدمة، ودور الجماعة في التأثير على أعضائها، وتأثير الإشاعة، وخصائص وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة. والعمل على تطوير تلك الأبحاث. ومن الأساليب الشهيرة في الثلاثينات من القرن العشرين، كان أسلوب جورج جالوب في قياس اهتمامات قراء الصحف، والذي عرف باسم "أسلوب التعرف". واستخدمته مؤسسة أبحاث الإعلان في دراستها المستمرة لقراء الصحف في الفترة من عام 1939 وحتى عام 1953 وشملت عينات من قراء 130 صحيفة يومية من جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، لخصت نتائجها في 138 تقريراً. وقد شملت "الدراسة المستمرة" تطور الإعلانات في الصحف، وأسلوب تحرير الصحف بشكل عام، وجمعت معلومات كبيرة عن قراء الصحف، والمواد الأكثر قراءة في الصحف. كما وأدى تكرار هذه الدراسات إلى تراكم المادة العلمية وتطوير أساليب البحث المتبعة. حيث طور كلاً من: سوانسون، وجونز، وبلدو أساليب علمية لقياس اهتمامات قراء الصحف، وابتكروا طرقاً سهلة لتسجيل وتفريغ البيانات. 6- تعاون مؤسسات التعليم العالي وهيئات البحث العلمي في النصف الثاني من القرن العشرين في مجال الدراسات الإعلامية، ومن أبرزها كان البحث الذي موله معهد الصحافة الدولي في زيورخ IPIودرس طبيعة الأخبار الدولية في عينة من صحف الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا الاتحادية، وبريطانيا، وفرنسا، وهولندا، وبلجيكا، وسويسرا، والسويد، والهند. ونشرت نتائجه عام 1953 تحت عنوان "تدفق الأخبار".
وقد أدى تراكم البحوث الإعلامية إلى ظهور أكثر من خمسين وصفاً لعملية الاتصال، وإلى وضع نماذج كثيرة تشرح عملية الاتصال، منها النموذج الرياضي لكلود شانون عام 1948، ونظرية الاتصال الرياضية لشانون وويفر. وتجنبت الأبحاث دراسة الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام الجماهيرية، رغم أن الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام الجماهيرية هو الأساس لمعرفة دور وسائل الإعلام الجماهيرية في إقناع الجماهير في أي مجتمع من المجتمعات. ورغم استخدام أساليب التحليل الوظيفي في دراسة طبيعة ودور الاتصال الجماهيري على الفرد والمجتمع في الإتحاد السوفييتي السابق.
الاتجاه السياسي للدراسات الإعلامية: يعتبر عالم السياسة الأمريكي هارولد لازويل، الذي تدرب ومارس التدريس في جامعة شيكاغو، وعمل لسنوات طويلة في جامعة ييل، ممثلا للاتجاه السياسي الذي اهتم باستخدام تحليل المضمون كأسلوب من أساليب القياس في الدراسات الإعلامية. وقد درس لازويل الدعاية ودور وسائل الإعلام الجماهيرية في المجتمعات والدول، والنفوذ السياسي للقائمين بالاتصال، وتحليل المضمون على أسس علمية. ومن الموضوعات التي اهتم لازويل بدراستها: وظيفة الاتصال في المجتمع؛ وعلاقة الاتصال بالحكومات؛ وممارسة السلطة وتوزيعها؛ وعوامل الإشراف والسيطرة على وسائل الإعلام الجماهيرية؛ واستخدام الاتصال كوسيلة أو أداة سياسية من قبل الحكومات؛ ومقارنة نظم الاتصال في الدول والثقافات المختلفة؛ واقتصاديات الاتصال؛ وطبيعة وعمل القائمين بالاتصال؛ ومضمون وسائل الإعلام الجماهيرية. ومن الذين درسوا عملية التحضير للاتصال السياسي دانيل لونر، ولوشيان باي. كما ودرس أثيل دوسولا بول، وكارل دويتش، أنظمة الاتصال في الدول النامية والإعلام الدولي.
الاتجاه السيكولوجي الاجتماعي للدراسات الإعلامية: يعتبر علم النفس الاجتماعي من المجالات الأساسية والهامة في الدراسات الإعلامية. ويعتبر كارل هوفلاند، وبول لزرفيلد، وكورت لوين، من أوائل الباحثين في هذا الاتجاه الهام. وقد ركز كلاً من هوفلاند عالم الاجتماع في جامعة ييل، على عملية الإقناع في دراساته. بينما ركز لوين عالم الاجتماع في جامعة أيوا، وجامعة ماساتشوسيت للتكنولوجيا دراساته على الجماعات والأدوار الاجتماعية. بينما ركز لزرفيلد دراساته في مركز الأبحاث الاجتماعية التطبيقية بجامعة كولومبيا، على استقصاء الرأي العام، وتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية، والعلاقة بين التأثير الشخصي، وتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية. ولد لزرفيلد في فيينا وتعلم فيها إلى أن حصل على درجة الدكتوراه، وفي عام 1923 ترك مسقط رأسه مهاجراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث صب اهتمامه على دراسة الساحة الإعلامية وتأثير الوسيلة الإعلامية الجماهيرية الجديدة آنذاك. حيث كان الباحثون مهتمون فعلاً بقياس مدى نجاح الإذاعة المسموعة كوسيلة إعلامية جديدة لفتت انتباه المعلنين. وانصبت دراسات القياس على معرفة عدد المستمعين والبرامج التي يفضلون الاستماع إليها. فاهتم لزرفيلد بمعرفة الأسباب التي دفعت المستمعين لسماع برامج إذاعية بعينها، واهتم باستنباط الطريقة التي تمكنه من كيفية استخدامهم للمعلومات التي يحصلون عليها وسائل الإعلام الجماهيرية، وتأثيرها على أذواقهم واتجاهاتهم الاجتماعية وتأثير الحملات الانتخابية على خياراتهم الانتخابية، وعلاقة الاتصال الشخصي بوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وبدأ اهتمام لزرفيلد بالإذاعة المسموعة عام 1937 عندما عين مديراً لمركز أبحاث الإذاعة المسموعة الذي أفتتح للتو بجامعة برنستون بتمويل من مؤسسة روكفلر. مستفيداً من خبرة فرانك ستانتون المدير السابق لشبكة س. ب. إس، في الإذاعة الأمريكية. وفي عام 1940 انتقل المركز تحت إشراف لزرفيلد إلى جامعة كولومبيا وأصبح مركزاً للأبحاث الاجتماعية التطبيقية. وأثمرت أبحاث لزرفيلد عن مجموعة من الكتب ذات المستوى الرفيع في موضوعات كالتصويت ، والبطالة، والاتصال، ومناهج البحث في العلوم الاجتماعية التطبيقية، إضافة لتدريب مجموعة من الباحثين الشباب الذين ذاع صيتهم فيما بعد.
أما عالم النفس الخبير بوسائل وأساليب إجراء التجارب العلمية، وعلم النفس الاجتماعي كورت لوين Kurt Lewin فقد هاجر في مطلع الثلاثينات من مسقط رأسه في أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أتم تحصيله العلمي في فيينا. وتمتع بتأثير كبير على طلبته في جامعة أيوا ومعهد ماساتشوسيت للتكنولوجيا، حيث اهتم خلال الحرب العالمية الثانية بدراسة حركة الجماعة، والاتصال في الجماعة، وتأثير جماعات الضغط الاجتماعي، وتأثير الجماعة على اتجاهات وتصرفات أعضائها. وقد ركزت دراسات لوين في علم النفس الاجتماعي على الفرد في ظروف المحيط الاجتماعي، وتحليل المؤثرات الاجتماعية على الطفل، وطبيعة الاختلافات القومية بين الأمريكيين والألمان، والمشاكل الاجتماعية الناتجة عن انتماء الفرد للأقلية الاجتماعية.
أما كارل هوفلاند فقد تخرج من جامعة ييل وبرز بين علماء النفس التجريبي قبل الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1942 استدعي للخدمة العسكرية والحق بقسم الأبحاث الإعلامية في الجيش حيث صب اهتمامه على دراسات الاتصال وتغيير الاتجاهات. وبعد الحرب عاد هوفلاند إلى جامعة ييل ووضع برنامجاً للبحث في الاتصال وتغيير الاتجاهات، وتمتع برنامجه بأسلوب دقيق للقياس يعتمد على التجربة المنظمة. ودرس هوفلاند تأثير القائم بالاتصال الذي يؤمن الجمهور الإعلامي بصدقه، والقائم بالاتصال الذي يتمتع بالنفوذ، وتأثير عرض الجانب الذي يسعى القائم بالاتصال لترويجه، وعرض الجانبين المؤيد والمعارض في وقت واحد، وتأثير الرسائل الإعلامية التي تثير الخوف الشديد لدى المستقبل، مقارنة بتأثير الرسائل الإعلامية التي تثير خوفاً معتدلاً أو خفيفاً، وأساليب تحصين الجماهير ضد الدعاية المضادة. وتعتبر كتبه من أهم ما وضع من كتب في علم الاتصال حتى وقت قريب. وقد توفي هوفلاند عام 1961 متأثراً بمرض السرطان عن 48 عاماً، ولم تتوقف أبحاثه التي استمرت على أيدي تلاميذه الذين استمروا على تطويرها والتوسع بها من بعده.
ومن دراستنا لأبحاث الرواد الأربعة في تطوير أبحاث الاتصال الجماهيري: لازويلد، ولزرفيلد، ولوين، وهوفلاند، فإننا نستنتج أن لازويل قد اتسمت أبحاثه بالشمول الذي يهتم بالمجال العام. أما لزرفيلد وهوفلاند فقد اتسمت بالمجال الأضيق الذي يهتم بالتفاصيل. أما أبحاث لوين عن الجماعات الصغيرة، فقد جاءت في الوسط بين المجالين.
وقد أضاف الباحث الأمريكي برنارد ولسون إلى المجالين أنفي الذكر خمسة مجالات فرعية للبحوث الإعلامية وهي: المجال الإصلاحي: الذي مثلته لجنة حرية الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية التي شكلت عام 1943، وأصدرت تقريرها عام 1947 الذي اهتم بتنظيم وسائل الاتصال وتكوينها، وأساليب السيطرة عليها، ومسؤولية وسائل الإعلام الجماهيرية اتجاه المجتمع. وهو المجال الذي تجاهلته الجامعات، ووقفت وسائل الاتصال التجارية ضده، وضد لجنة حرية الصحافة. والمجال التاريخي: والذي تمثل بدراسات ديفيد رايسمان D. Reisman، وهارولد إنيس H. Innis، واهتم بالتأريخ لحياة القائمين بالاتصال ولوسائل الإعلام الجماهيرية. وتدخل ضمنها مؤلفات فرانك موت F. B. Mott، وأرنولد هاوسر A. Hauser، التي اعتمدت على السرد والسير الشخصية. والمجال الصحفي: ويمثله نشاط معاهد الصحافة ومراكز البحث العلمي الإعلامية، وبعض الأساتذة أمثال: كيسي Casey، وريمو ب. نيكسون R. B. Nixon، وولبر شرام W. Schramm. واهتم بالسيطرة على وسائل الاتصال الجماهيرية، وخصائص القائم بالاتصال، واهتمامات قراء الصحف، ومسؤولية الإعلام في المجتمع. ومجال دراسة فلسفة اللغة والمعاني: الذي حاول من خلاله الباحثون تطبيق نظرية المعرفة على الاتصال الجماهيري، واشتغل فيه إضافة للفلاسفة، علماء الأنثروبولوجيا، واللغويين، وعلماء النفس، وعلماء الرياضيات. ومجال دور وسائل الإعلام الجماهيرية في نشر الأفكار المستحدثة: الذي اهتم أصلاً بالمجتمعات الزراعية ونشر الأفكار المستحدثة، وله علاقة كبيرة باهتمامات الدول النامية وأساليب التغيير السريع للمعتقدات والقيم. ومن رواده روجر، وكير، وشوميكر. ويبقى من مميزات الربع الأخير من القرن العشرين التركيز على دراسات الاتصال والإعلام الدولي على ضوء التطورات الهائلة لوسائل الاتصال الجماهيرية وخروجها من إطار المحلية إلى إطار الدولية، وما نتج عن ذلك من مشاكل معقدة تحتاج للدراسة والبحث لمعرفة وفهم المتغيرات التي طرأت على نظم الاتصال والإعلام الجماهيري في مختلف دول العالم.
ويبقى التصنيف الذي وضعه كتاب "نظريات الإعلام الأربع" الذي صدر عام 1956، قائماً في تصنيفه رغم انهيار الإتحاد السوفييتي السابق ومعه المنظومة الاشتراكية التي كان يقودها في مطلع التسعينات من القرن العشرين، واتجاه معظم الدول المستقلة إلى تبني نظم ديمقراطية في سياساتها الإعلامية. ونبقى في حاجة لدراسات تركز تأثير الانفتاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي على وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وتأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في شكلها الراهن على هذا الانفتاح. تتناول في البحث أيضاً المتغيرات في التعليم والدخل القومي وتوزيع الثروات والاستقرار السياسي والاجتماعي ومشاكل البيئة والتلوث ...وغيرها من البحوث التي لها علاقة مباشرة بنظم الإعلام الجماهيري في مختلف دول العالم. وهو ما تنبهت له الدول الأوروبية وانعكست صورته في ما نشرته مجلة اتحاد الإذاعات الأوروبية E. B. U. Review، ومجلة معهد الإذاعة الدولي Inter Media في لندن، ومجلة Gazette في هولندا، وغيرها من المجلات المتخصصة.
عملية الاتصال الجماهيري ونماذجها: ظاهرة الاتصال بين الأفراد والأمم والشعوب ظاهرة قديمة قدم الإنسان والأمم، لكن الاهتمام بدراسة الاتصال والإعلام والدعاية والرأي العام دراسة منهجية منتظمة قد اتضح في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية كما سبق وأشرنا، كما وظهرت خلال الخمسينات والستينات من القرن العشرين بعض الكتب والدراسات القيمة في الاتصال والإعلام الجماهيري الدولي، وكان الاهتمام فيها منصب نحو دراسة الإنتاج الفكري للفترة الممتدة بين الحرب الكونيتين الأولى والثانية. ولكن قبل أن نتحدث عن نماذج الاتصال لابد أن نوضح المقصود من اصطلاحات الاتصال، والجماهيري، وعملية الاتصال بحد ذاتها.
تعريف الاتصال: الاتصال هو من أقدم النشاطات الإنسانية على الإطلاق، وهو من الظاهر المألوفة لدى الإنسان. ومعنى مصطلح الاتصال واضح وغامض في نفس الوقت، والمعنى يصبح واضحاً حينما نستخدمه بشكل تقليدي ضيق، ولكنه يتسم بالغموض عندما نستخدمه بشكل شمولي واسع. فإذا تحدث فرد مع آخر وأدى هذا الحديث إلى تفاهم متبادل بين الطرفين، فيمكننا القول أنه حدث اتصال، أي تحقق الهدف من الحديث. أما إذا أدى الحديث إلى حدوث سوء تفاهم، فيمكننا القول أنه لم يحدث اتصال أي لم يتحقق الهدف من الحديث. أو نصبح غير واثقين مما إذا حدث الاتصال فعلاً أم لا. ويقول كارل هوفلاند، أن الاتصال هو العملية التي ينقل من خلالها الفرد (القائم بالاتصال) مثيرات (رموزاً لغوية، رسالة)، لكي يعدل من سلوك الأفراد الآخرين (مستقبلي الرسالة). وفي هذه الحالة ينقل القائم بالاتصال الرسالة عمداً، أي بشكل هادف لإحداث تأثير معين. أما تشارلس موريس، فيقول أن اصطلاح الاتصال حينما نستخدمه بشكل واسع النطاق، فإنه يتناول أي موقف يشارك فيه عدة أفراد بموضوع معين. ولكنه يحصر الاتصال في استخدام الرموز لكي تحقق انتشاراً ومشاركة ذات مغزى. أي أن يتحقق تفاهم حول موضوع معينٍ، سواء عن طريق الرموز أو أية وسيلة أخرى سماها تشارلس موريس Communization. كأن ينتقل الغضب من شخص إلى شخص آخر، أو أن لا يغضب الشخص فعلاً ولكنه يبدي دلائل توحي بالغضب، وهذا الموقف ينطوي على إحساس ومشاركة نسميها اتصال. ويعتبر جورج لندبرج أن الاتصال هو نوع من التفاعل يحدث بواسطة الرموز، ويستخدم للإشارة إلى التفاعل بواسطة العلامات والرموز، التي يمكن أن تكون حركات أو صور أو لغة أو أي شيء آخر يمكن أن يثير السلوك الإنساني. والسلوك الناتج عن هذا التفاعل قد لا يكون بسبب التعرض للرموز نفسها، إن لم يكن المتلقي مهيأً للاستجابة للرمز بصورة معينة. وأن الاتصال يختلف عن التوصيل، وأن الاتصال الحقيقي هو نوع من التفاعل يتم بواسطة الرموز والعلامات، ويؤدي إلى تخفيف أو زيادة التوتر والشك وزيادة أو تشويش الفهم لدى الأفراد. أما إدوار سابير فقد كتب عن الاتصال المحدد، والاتصال الضمني، ما يلي: الاتصال المحدد، هو: اتصال بالمعنى التقليدي، أما الاتصال الضمني، فهو: التفسير البديهي للرموز اللاشعورية نسبياً، والاستيعاب اللاشعوري للأفكار والسلوك في ثقافة الفرد. بينما يعتبر بعض علماء الاتصال أن مفهوم الاتصال يتضمن كل العمليات التي يؤثر من خلالها الناس على بعضهم البعض. بينما عرف ستيفنز الاتصال باستجابة الكائن الحي على منبه معين بشكل متميز، ويقدم بنتيجتها على استجابة أو ردة فعل متميزة. والرسالة التي لا تحظى باستجابة لدى المستقبل لا تعتبر اتصالاً. عكس نوبرت وينر الذي عرف الاتصال بشكل أوسع يشمل التفاعل بين الآلات، عندما يقول: الاتصال بمعناه الواسع يتضمن كل الإجراءات التي يمكن بمقتضاها أن يؤثر عقل بشري على عقل آخر، أو يؤثر جهاز على جهاز آخر كأجهزة الرصد والتوجيه الأوتوماتيكي، وأجهزة الاستشعار عن بعد مثلاً. ولكننا نرى ورغم الاختلاف في التعريف نرى أنه هناك اتفاق على استخدام مصطلح اتصال لنقل المعاني، وانه في صيغة المفرد يستخدم الاتصال للإشارة إلى عملية الاتصال، وفي صيغة الجمع ,يستخدم للإشارة إلى الرسائل الإعلامية ومؤسسات الاتصال والإعلام الجماهيري بشكل عام.
تعريف جماهيري: يشير مصطلح جماهيري إلى جمهرة أو حشد أو مجموعة كبيرة من الناس مؤلفة من جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية، يختلف أفرادها في مراكزهم الاجتماعية ومهنهم وثقافاتهم وثرواتهم، مجهولي الهوية ولا يتفاعل الواحد منهم مع الآخرين ولا يتبادل معهم المشورة والخبرة، غير منظمين لا يمكن أن يعملوا كوحدة واحدة، ولا تتاح لهم فرصة الاختلاط والتقارب. وكل ما يشدهم إلى بعضهم البعض هو حدث يعنيهم جميعاً وطني أو قومي هام يشدهم إلى متابعة تطوراته. وقد ازداد حجم الجماهيري وأهميته في ظروف التطور العلمي والتقني والصناعي الحديث. ولعدة قرون خلت كانت المجتمع البشري منغلقاً في مجتمعات صغيرة، في المزارع والقرى والمدن، وكان عدد المدن الكبيرة محدود جداً حتى أن روما في قمة مجدها لم يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، يعيش غالبيتهم في جماعات صغيرة مكونة من الأقارب والأصدقاء وجماعات العمل والجيش. ولكن الحروب والغزوات والاحتلال والهجرات الجماعية أدت إلى اتصال الجماعات المعزولة نسبياً ببعضها البعض. بينما نجد في حياتنا المعاصرة اليوم أنه وخلال جيل واحد بسبب من الحروب الحديثة وانتقال قوات هائلة من قارات إلى قارات أخرى، وما رافقها من تطور لوسائل المواصلات والاتصال الحديثة، وانتشار وسائل الإعلام الجماهيرية الحديثة في جميع أنحاء العالم، أدى إلى خروج الناس عن إطار ثقافاتهم الأصلية المغلقة، ليعيشوا في عالم منفتح جديد وواسع.
تعريف عملية الاتصال: هي عملية ظاهرة تتغير بشكل مستمر خلال فترة محددة من الزمن، لا بداية ولا نهاية ولا تسلسل لأحداثها. وإذا رجعنا إلى ثورة الفلسفة العلمية التي أحدثها اينشتين وراسل ووايت هيد، نجد أن الثورة العلمية قد نفت نظرية ثبات الأشياء، كما نفت وجود أشياء مستقلة تقوم بعملها منفردة. وأدى هذا إلى ظهور نظرية النسبية التي تقول: أولاً: أن أي ظاهرة يمكن تحليلها ووصفها على ضوء ظاهر أخرى متصلة بها أو عمليات تدخل في ملاحظتها فقط. ثانياً: أظهرت الملاحظة القوية أن الأشياء الثابتة مثل الكرسي أو المائدة يمكن النظر إليها كظواهر خاضعة لغير مستمر، فهي تتغير تماماً مثل الإنسان الذي يقوم بملاحظتها. وتعود أسباب عدم القدرة على ملاحظة التغييرات إلى قصور أعضاء الحس لدى الإنسان.
فالكون يتغير دائماً ويتأثر بعوامل عديدة، نعرف بعضها ونجهل بعضها الآخر. والعلم كنشاط إنساني، يهدف إلى كشف العلاقات المشتركة بين الظواهر المختلفة، وتجعلها تؤثر على بعضها البعض. وكشف العلاقة والفهم هما شيء واحد، ففهم الظواهر معناه كشف العلاقة التي تربط بينها وبين ظواهر أخرى. أما إذا لم نعثر على تلك العلاقة، فإنها ستظل غير مفهومة لدينا أو بدون تفسير محدد لتلك الظواهر. فالمعرفة والفهم لا يتمان من دون اكتشاف العلاقات المختلفة بين المتغيرات موضوع الفهم والمعرفة. ولا يمكن فهم جانب واحد من السلوك البشري دون ربطه بالجوانب الأخرى.
ونحن نفهم معنى الأحداث من خلال ربطها بالأحداث الأخرى التي سبقتها والظروف المحيطة بها. فالفهم إذن يتم بعملية ربط أو إدراك العلاقات بين الظواهر المطلوب تفسيرها، وربطها بالأحداث الأخرى التي تلازمها والتي سبقتها والتي تؤثر فيها. فالفهم لن يتحقق إلا بربط الظاهرة بالمتغيرات والظروف الأخرى الخارجة عنها، والتي يعتبر وجودها مسؤولاً عن أحداث الظاهرة نفسها.
والأسلوب الوظيفي لدراسة التفاعل البشري يفترض أن الناس عندما يتصلون يستخدمون كل إمكانياتهم وطاقاتهم، لأن عملية الاتصال تتطلب استغلال كل إمكانيات وطاقات الفرد، من مدارك وتعلم ودوافع وعواطف واتجاهات ومعتقدات وقيم ومعاني وظروف اجتماعية. فالاتصال البشري هو عبارة عن عملية واحدة مركبة تجمع العديد من العمليات والقوى المعقدة والمستمرة والتي تتفاعل ظرف متبدل لا بداية ثابتة له ولا نهاية ثابتة. وكل أوجه النشاط تلك تؤثر على الاتصال البشري الذي يعتبر تجميعاً لعناصر وقوى متفاعلة مادية وسيكولوجية واجتماعية. علينا التنبؤ بكيفية تفاعل تلك المتغيرات أو ردود الفعل المحتملة لإحداث نتائج معينة. وتأثير الرسالة الإعلامية لا يمكن تفسيره على ضوء نموذج المثير والاستجابة البسيط، لوجود عدة متغيرات خارجة عن عملية الاتصال ذاتها، تؤثر على نتيجة عملية الاتصال تأثيراً مباشراً. لأننا نبحث عن تفسير ظاهرة وعن مؤثرات ومتغيرات خارجة عن عملية الاتصال وتربطها بها علاقة وظيفية محددة. منطلقين من مبدأ أن وسائل ا‘لام الجماهيرية تؤثر في الجمهور الإعلامي، وأن الجمهور الإعلامي يؤثر بدوره على مضمون وسائل الإعلام الجماهيرية. وأن السياسة تغير الرأي العام، وأن الرأي العام يغير السياسة، وأن التغيير الاقتصادي يحدث تغييراً في الاتصال والإمكانيات الإعلامية التي بدورها تعاون على التغيير الاقتصادي. وبمعنى آخر أن الأسلوب الوظيفي لتفسير عملية الاتصال يأخذ في اعتباراته ظواهر متعددة لتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية.
وظائف الاتصال الأساسية: نستطيع أن ندرس أهداف عملية الاتصال من وجهة نظر المرسل أو من وجهة نظر المستقبل على حد سواء. كما ونستطيع تحديد وظائف عملية الاتصال على أساس الفرد أو على أساس المجتمع. فمن وجهة نظر الفرد القائم بالاتصال، أي المرسل بشكل عام، هي: الإعلام؛ والتعليم؛ والترفيه؛ والإقناع. أما من وجهة نظر المستقبل، أي الطرف الآخر في عملية الاتصال، فهي: المشاركة في عملية الاتصال؛ وفهم ما يحيط به من ظواهر وأحداث؛ وتعلم مهارات جديدة؛ والاستمتاع والاسترخاء والهرب من مشاكل الحياة؛ والحصول على معلومات جديدة تساعده على اتخاذ القرارات والتصرف بشكل مقبول اجتماعياً. وكانت هذه الأهداف قبل اختراع الطباعة تحقق عن طريق الأفراد، ومن ثم أصبحت تتحقق تدريجياً عن طريق وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تباعاً مع دخول تلك الوسائل ميدان الخدمة الاجتماعية، حتى أصبحت من الأجهزة المهمة والمؤثرة على حياتنا اليومية إلى جانب مؤسسات التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية الأخرى. وتقوم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية اليوم وكما كانت عليه بالسابق بمهام محددة لا تخرج عن إطار: توفير معلومات عن الأوضاع المحيطة بنا (أخبار)؛ ونقل التراث الثقافي عبر الأجيال، والمساهمة في تنشئة الأجيال الجديدة، وصهر الوافدين الجدد في المجتمع الوافدين إليه؛ والترفيه عن الجماهير وتخفيف أعباء حياتهم؛ ومساعدة نظام الحكم لتحقيق التفاهم، والاتفاق بين الفئات الشعبية، والوحدة الوطنية، وتعبة الرأي العام. عن طريق الإقناع، والحوار، بدلاً من استخدام القوة والعنف للسيطرة على المجتمع.
أهداف الفرد من المساهمة في عملية الاتصال: يتعرض الفرد لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي تنقل إليه خبرات وتجارب الآخرين، ويتصل الفرد بأفراد آخرين بشكل مباشر، ويمر بتجارب معينة تكسبه خبرات محدد. ويتحول إلى مصدر من مصادر المعلومات، يستفاد من خبراته. والاتصال هو أساس التفاعل والصلات بين الفرد والمحيط من حوله. وحينما يتفاعل الإنسان مع الآخرين من حوله، يقاسمهم المعلومات والتجارب، بصبح هدفه الأساسي تغيير العلاقات القائمة بينه والمحيط من حوله. محاولاً التقليل قدر الإمكان من التأثير الخارجي عليه، مدعماً من قدراته الذاتية ليتحول إلى قوة مؤثر في ذلك المحيط. وباختصار: نحن نتصل لنؤثر بهدف. فالاتصال بهدف هو الذي يحقق رد فعل أو استجابة معينة لدى المستقبل. وفشل عملية الاتصال في تحقيق أهدافها تعود عادة إلى: ضعف قدراتنا وعجزنا عن تحديد هدفنا بدقة؛ وسوء فهمنا للهدف الحقيقي من مساهمتنا في عملية الاتصال. وقد أثبتت بعض الدراسات الإعلامية، عن القائمين بالاتصال في الولايات المتحدة الأمريكية، أن أغلبية القائمين بالاتصال المسؤولين عن الأخبار الدولية، يهدفون من أدائهم لعملهم كسب احترام زملائهم، وتقدير رؤساهم في العمل. أو السعي للعمل في وسيلة اتصال أكبر، أو شغل منصب في العلاقات العامة أو الإعلان يوفر لهم دخلاً مادياً أكبر. متناسين الهدف الأساسي من عملهم وهو: خدمة الجمهور الإعلامي. وبذلك نراهم قد انصرفوا عن الهدف الأساسي نحو تحقيق مكاسب شخصية لا أكثر. وتحليل أية رسالة إعلامية لا يمكن دون معرفة الهدف منها، وهذا الهدف لابد أن تكون له استجابات محددة لدى المتلقي، ودوافع تدفع المتلقي للتعرض للرسالة الإعلامية. لابد أن تؤخذ كلها بعين الاعتبار لدى دراسة عملية الاتصال. وتنطوي عملية الاتصال عادة على نوعين من الاستجابات هما: استجابة يهدف إليها صانع الرسالة الإعلامية؛ واستجابة يقدم عليها متلقي الرسالة الإعلامية. وهنا يجب أن نراعي حقيقة مفادها، أن أهداف القائم بالاتصال، لا تتلقى دائماً نفس الاستجابة التي هدف إليها في رسالته الإعلامية، ولا تحقق التأثير المطلوب على الآراء والاتجاهات كما رسمها القائم بالاتصال في رسالته الإعلامية تلك.
طبيعة تأثير الرسالة الإعلامية: ذكر الباحثان الأمريكيان ولبر شرام، وديفيد برلو، أن بعض أهداف عملية الاتصال تتحقق بمجرد استهلاك الرسالة الإعلامية، وانتهاء التعرض لها. وهو الهدف العاجل الاستهلاكي، كقتل الوقت، أو التسلية، أو التخلص مكن التوتر. وفي أحول أخرى يسعى مضمون الرسالة الإعلامية تحقيق أهداف مؤجلة، كما في المقتلات السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، لفهم الظروف التي تحيط بنا فهماً أفضل. وهو الهدف البعيد المدى. ويشير ديفيد برلو إلى أنه هناك الكثير من الأدلة التي تثبت أن أهداف القائم بالاتصال والمتلقي قد تختلف، ورغم ذلك نراهما ينجحان في تحقيق ما يهدفان إليه. فقد يشتري القارئ مجلة ليطالع قصة فيها (هدف المتلقي)، ولكنه لا يلبث أن يشتري سلعة أعلن عنها في تلك المجلة (هدف القائم بالاتصال). وقد يشاهد الجمهور دراما تلفزيونية لمجرد الاستمتاع، ولكنه قد يغير من تصرفاته مع الآخرين متأثراً بما شاهده في تلك الدراما التلفزيونية.
مبررات استخدام النماذج التي تشرح عملية الاتصال: النظرية أو النموذج محاولة لتقديم العلاقة الكامنة التي يفترض وجودها بين المتغيرات التي تصنع حدثاً معيناً، أو تؤدي إلى نظام معين. والنماذج في واقع الأمر هي أدوات ثقافية تساعدنا على فهم أي ظاهرة أو نظام، وأدوات تصورية توفر لنا إطارات للافتراضات التي تتحدد نطاقها المتغيرات الهامة. والنماذج المثالية أو الأساسية تتضمن خطوات متتابعة للتجريد، تقوم على تصور الظروف المادية التي استمدت منها.
طبيعة النماذج: يوفر نموذج الاتصال للعلماء والباحثين أبسط الطرق لتفسير التفاعل البشري من خلال عملية الاتصال. وللنماذج أشكال عديدة، منها النماذج الإحصائية. وتختلف التمازج في المتغيرات التي تظهرها أو تؤكدها، ولكن هذه الاختلافات سطحية. وتصنف النماذج ضمن فئتين أساسيتين هما: 1- النماذج البنائية: التي تظهر الخصائص العامة للحدث، من خلال مكوناته وحجمه وترتيب أجزائه المنفصلة عن بعضها. 2- والنماذج الوظيفية: التي تحاول تقديم صورة طبق الأصل الذي يعمل من خلاله النظام الإعلامي. وهي نماذج تشرح طبيعة القوى أو المتغيرات التي تؤثر على النظام الإعلامي. وتعد النماذج أساساً لتوضيح ظاهرة أو حدث معين، لتساعد الباحث على التنبؤ والتفسير، وفهم المعلومات المتراكمة. ويعتمد نجاح النماذج على مدى تشجيعها ودفعها الباحثين لإجراء بحوث إضافية، ومدى قدرتها على تنظيم الحقائق والنتائج المتنوعة بشكل يسهل فهمه. وعند تصميم أو اختيار نموذج، يجب مراعاة الواقعية والتركيز، وأن يحتوي على صورة قريبة قدر الإمكان من الواقع. مع مراعاة استخدام مصطلحات تشير إلى الخصائص الأساسية المطلوبة. والتركيز عادة يتطلب التبسيط، وعدم التعرض لبعض التفاصيل الثانوية غير الهامة. ومع اعتبارات التركيز والواقعية، يجب مراعاة اختيار النماذج التي تساعد على الخروج بتنبؤات جديدة وخطوط جديدة لدراسة عملية الاتصال.
وظائف النماذج: تخدم نماذج دراسة عملية الاتصال أربعة أهداف أساسية، هي: الحصول على المعلومات وتنظيمها؛ وتشجيع القائم بأبحاث علمية؛ والمساعدة على التنبؤ؛ والسيطرة على الظواهر الإعلامية والتحكم بها.
1- الوظيفة التنظيمية لنماذج دراسة عملية الاتصال: النموذج هو محاولة لإعادة خلق العلاقات التي يفترض وجودها بين المكونات أو القوى التي ندرسها، رمزياً أم مادياً. ولا يمكن وصف عملية الاتصال المتغيرة دائماً بسهولة، ولكن الإطار الذي يوفره النموذج يجدد هذه العملية ويساعد الباحث على عزل المتغيرات الهامة، ووصف دورها في عملية الاتصال بكاملها. ويساعد أيضاً على إعادة بناء الحدث أو الظاهرة الإعلامية، وتحديد عناصرها. وإعادة تقديم الخصائص الرئيسية للنظام الذي نخضعه للدراسة والتمحيص. ووضع عدد كبير من المتغيرات في تكوين واضح، وربط تأثيرات تلك المتغيرات ببعضها البعض، ومحاولة استنتاج طبيعة التفاعل بينها. وهذا يضمن عدم تجزئة الأحداث المدروسة.
2- النماذج تعمل على تطوير الأبحاث العلمية: النماذج وكما سبق وأشرنا تجعل من نظريات الاتصال أكثر بساطة وفهماً. فالنموذج يقدم أفكار من قام ببنائه عما يعتقد بأنه المتغيرات الهامة في عملية الاتصال، بشكل يمكن الدارس من تحليل الأسلوب الذي تعمل بموجبه تلك المتغيرات. كما ويظهر المتغيرات التي يمكن تجاهلها في البحث، ويشجع على التوسع في البحث والدراسة. ومن أمثلة التشجيع على التوسع في البحث والدراسة نورد النموذج اللفظي التالي الذي يتضمن العناصر الرئيسية للاتصال التالية: المرسل، المتلقي، الرسالة، التشويش. مرسل < رسالة { تشويش } رسالة < مستقبل. فان هذا النموذج سيدفع الباحث لدراسة قدر التشويش بين المرسل والمتلقي، ومدى دقة الرسالة التي تلقاها المستقبل، بأسلوب علمي دقيق. 3- وظيفة التنبؤ: هناك علاقة قوية بين الفهم والتنبؤ، فالتنبؤ مبني على الفهم، الذي هو نقطة البداية للوصول إلى المجهول. ومن خلال هذه العلاقة يمكن أن نفترض وجود علاقة وظيفية بين أحداث ومكونات الحدث الإعلامي، والاستفادة منها. والتنبؤ الذي هو جزء من خطة التحقق التي تختبر بها صحة معلوماتنا، سيساعد من ناحية أخرى على زيادة الفهم بناء على المعلومات المتوفرة لدينا. والتأكد من قدرة النموذج على ربط العناصر غير المرتبطة بالحدث، وغير المعروفة سابقاً، وإظهار التماثل والارتباط بينها. وتنظيم المعلومات المنفصلة بشكل يسهل تخزينها في الذاكرة. 4- وظيفة التحكم: وبعد الفهم والتنظيم والتنبؤ، نصل للهدف الأخير من أهداف نماذج الاتصال وهو التحكم، الذي يعتبر من مستلزمات تطوير المعرفة. من خلال السيطرة على الظواهر واستخدامها لصالح الإنسان. والأهداف الثلاثة: الفهم والتنظيم والتنبؤ، تخدم التحكم من خلال معالجة الظروف التي تحدد حدوث الظاهرة، والتمكن من الوصول إلى هدف معين. والقدرة على التحكم مرتبطة بالقدرة على التنبؤ. وبدوره يساعد التحكم على اختبار صحة التنبؤات، ومدى فهم الظاهرة بشكل عام. ولكي يتحقق التنبؤ لابد من التحكم بالظروف التي تحدد الظاهرة ذاتها. صعوبات تصميم نماذج عملية الاتصال: من أهم الصعوبات في تصميم نماذج عملية الاتصال: 1- الاضطرار إلى تجميد عملية الاتصال، لوصف عناصرها ومكوناتها. وهي أشبه بالصورة التي تجمد الحدث، ولكنها لا تمثل الحدث. وتغفل العلاقات بين العناصر وتجمد حركة تفاعل الأحداث. 2- إغفال بعض العناصر بسبب تجميد عملية الاتصال. أو فصل بعض العناصر التي لا تقبل الفصل. لأنه في عملية الاتصال لا يوجد خط يحدد الحدود بين أجزاء عملية الاتصال، ووضع الفواصل سيؤدي إلى إغفال طبيعة الاتصال الدائرية، مرسل؛ رسالة؛ متلقي؛ راجع صدى. 3- الاضطرار إلى استخدام اللغة في الوصف، واللغة بحد ذاتها تخضع للتغيير من وقت لآخر. لأن استخدام اللغة لوصف شيء يتطلب استخدام كلمات بعينها، بحيث نضطر إلى تجميد العالم المادي بشكل ما، ووضع كلمات قبل أخرى، أو حذف بعض الكلمات. لذلك لا يكون اختيار الكلمات في الوصف موضوعياً تماماً. الأنواع المختلفة لنماذج عملية الاتصال: تتعدد نماذج عملية الاتصال بتعدد الأسئلة التي يطرحها البشر في بحثهم عن المعرفة. ويميل بعض علماء الاتصال إلى تقسيمها وفق مستويات الاتصال التالية: الاتصال الذاتي؛ والاتصال بين فردين؛ والاتصال الجماعي؛ والاتصال عبر الثقافات؛ والاتصال العام؛ والاتصال عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ويرى البعض الآخر تقسيم النماذج الاتصالية على أساس الهدف والمادة، إلى نماذج بنائية تهدف إلى إظهار الخصائص الأساسية لأي حدث. وتعتمد هذه النماذج على عدد وحجم وترتيب الأجزاء المتصلة داخل النظام. وإلى نماذج وظيفية تعرض القوى التي تكون ذلك النظام، وتحدد اتجاهها وعلاقتها بالتأثير. ويرى البعض الآخر من العلماء تقسيم النماذج الاتصالية إلى أربعة أنواع رئيسية، وهي: 1- النماذج اللفظية. التي تتكون من سلسلة من العبارات التي تحاول تحديد أهداف المشتركين في عملية الاتصال. ووصف طبيعة عملية الاتصال. وهي من أقدم النماذج على الإطلاق (الخطابة). ومن النماذج اللفظية الهامة، نموذج كينيث برك Burke Kenneth، ونموذج لازويل Harold Lasswell، ونموذج فرانكلين فيرنج. ويقسم كينيث برك المجالات الأساسية لدراسة دوافع الاتصال إلى خمسة مجالات هي: الحدث؛ وخلفية الحدث؛ والقائم بالاتصال؛والوسائل؛ والدوافع. وجاء نموذج كينيث كنموذج معاصر للنموذج الكلاسيكي السابق الذي وضعه أرسطو. أما هارولد لازويل رائد تحليل المضمون الإعلامي، فقد قدم خمسة أسئلة يمكن من خلالها وصف السلوك الاتصالي، وهي: من؟؛ وماذا يقول ؟؛ وبأي وسيلة؟؛ ولمن؟؛ وبأي تأثير؟. وهذا النموذج أقرب لنموذج أرسطو الذي يتضمن: المصدر. من؟؛ والرسالة. يقول ماذا؟؛ والمتلقي. لمن؟ ولكن لازويل أعطى نفس الأهمية للوسيلة التي تنقل الرسالة، ولتأثير الرسالة الإعلامية. أما جربنر Grebner فقد حدد لعملية الاتصال عشرة عناصر متغيرة هي: شخص ما؛ يدرك حدث ما؛ ويقوم برد فعل؛ في ظرف ما؛ وبوسائل معينة؛ لتوفير مادة؛ بشكل ما؛ وإطار؛ ينقل المضمون؛ وله نتيجة معينة. 2- النماذج الرياضية: وهي النماذج الإحصائية. 3- النماذج اللفظية المصورة: ( النماذج الرمزية) وهو امتداد للنموذج اللفظي. هدفه توضيح عناصر النموذج اللفظي، وتقديم صورة الهدف وتفسير العلاقات المعقدة لعملية الاتصال التي لا تستطيع الكلمات عرضها. ويمثل المخطط التالي عناصر النموذج اللفظي المصور لعملية الاتصال، ويتضمن: مصدر، ينقل رسالة إعلامية إلى متلقي. آ- مصدر < رسالة < ب- متلقي. ومن النماذج اللفظية المصورة الهامة، نموذج شانون وويفر، ونموذج وستلي وماكلين، ونموذج بارتلند، ونموذج ولبر شرام. 4- النماذج التفسيرية: وسنتحدث عنها في فصل خاص. مثل نموذج التوازن عند هيدر، ونموذج نيوكومب، ونموذج اسجود وتاننباوم، ونموذج فستنجر عن التعارض في المعرفة. كما وسنستعرض في الفصول القادمة عملية الاتصال، من خلال ثلاث مسارات رئيسية، وهي: 1- نماذج الاتصال الذاتي: من خلال خمسة نماذج، وهي: نموذج باركر ووايزمان، ونموذج صامويل بويس، ونموذج بولدنغ، ونموذج بارتلند، ونموذج ابلباوم (الإنسان كمركز لتنسيق المعلومات). 2- نماذج الاتصال بين فردين: من خلال ستة نماذج، وهي: نموذج روس، ونموذج شانون وويفر، ونموذج ديفيد برلو، ونموذج التعليم، ونموذج بارتلند، ونموذج وستلي وماكلين. 3- نماذج الاتصال الجماهيري: من خلال ثلاثة نماذج، وهي: نموذج ولبر شرام، ونموذج التحليل الوظيفي لتشارلس رايت، ونموذج ملفن ذوفلور. نماذج الاتصال الذاتي: الاتصال الذاتي هو ما يحدث داخل الفرد، حينما يتحدث مع نفسه. وهو اتصال يحدث داخل عقل الإنسان ويتضمن أفكاره وتجاربه ومدركاته الشخصية. وفي هذه الحالة يكون المرسل والمستقبل شخصاً واحداً. فالفرد قد يناقش مع نفسه ما إذا كان سيقرأ كتاباً، أم لا يقرأ كتاباً من الكتب. أو يشاهد، أو لا يشاهد برنامجاً تلفزيونياً. أو يسمع، أو لا يسمع حديثاً إذاعياً. فإذاً الاتصال الذاتي عبارة عن أنماط يطورها الإنسان من خلال إدراكه، وهو الأسلوب الذي من خلاله يلاحظ الإنسان ويقيم ويعطي معنى للأفكار التي تدور داخله عن الأحداث والتجارب المحيطة به. خلفية عملية الإدراك واكتساب المعاني: يولد الإنسان في هذا العالم مجرداً من المعاني، وسرعان ما يكتسب من محيطه معاني تجعل من الحياة مفهومة من حوله. ومصطلح اتصال يعني التفاعل الذي يتطور من خلاله المعنى داخل الإنسان. فالاتصال ينشأ من الحاجة إلى اليقين وتحقيق الذات. وهدف الاتصال زيادة المعاني وتثبيتها في حدود الاتجاهات والدوافع وأنماط السلوك التي أثبتت نجاحها في الماضي، وما يبرز منها مستقبلاً، في ظروف سيكولوجية معينة. والاتصال ليس رد فعل، بقدر ما هو عملية يستنبط فيها الإنسان معاني للأشياء لتحقيق أهدافه الحياتية. وهنا يجب التأكيد على حقيقة أن المعنى هو شيء مستنبط من قبل الأفراد، ويتم إعطاؤه ولا يتلقاه الأفراد. فالرموز لا تتضمن معاني، ولكن المعاني تفرض عليها فرضاً. وتحليل أجزاء المعلومات الأساسية في المادة الإعلامية، لا تهتم بالوحدات الدلالية للمادة الإعلامية، لأن هذه الوحدات هي من أهداف العالم الذي يدرس علاقة الاتصال بالظروف الاجتماعية المحيطة بالكائن الحي، بما فيها المواد الإعلامية التي يتعرض الإنسان لها، ويمكن أن تزيد من تنوع المعاني التي يستنبطها. وعملية تراكم المعرفة، كما أشار كنيث بولدنج في نظريته الإنسان كقائم بالاتصال، تنمو من خلال مبدأ داخلي منظم تماماً، مثل الجهاز الذي ينظم نمو الجسم. هذا المبدأ الداخلي المنظم في حالة الإنسان يشار إليه عادة بالتجريد، وكل معنى جديد يأتي به الاتصال يريح الإنسان ويزيد من توتره في نفس الوقت، ويؤدي إلى عملية بحث لا تتوقف عن طرق جديدة يواجه بها ما يحيط به من حقائق. وهدف الإدراك المساعدة على القيام بهذه العملية، ولمواجهة العالم من حولنا عن طريق إضفاء معاني على الأحداث يمكن أن تصمد أمام اختبار التجارب التالية. والإنسان يحدد ما يدركه، من خلال تصوره عن العالم، واتجاهاته وتجاربه السابقة، وتوقعاته للمستقبل. ويعمل الإدراك كمرشح تمر من خلاله مختلف المنبهات. وقد يعدل هذا المرشح الإدراك حيال أية تجارب سابقة، ويؤثر بها، ويؤثر الإدراك الذي كونه الحاضر على أهداف المستقبل. وهناك ميول إدراكية يشترك بها أغلب الناس، وميول أخرى يختلفون بها. من خلال استخدام الحواس التي يتمتع بها البشر. وتتضاءل أوجه التماثل في الإدراك بين البشر، أمام الاختلافات الموجودة في الأسلوب الذي يدرك بموجبه الناس. رغم تماثلهم ككائنات حية. لأن كل فرد فريد مكن النواحي الثقافية والعاطفية والخبرة الذاتية. ويرى كلاً من وار، وكنابر هذه الاختلافات من خلال ثلاثة عناصر، هي: 1- عنصر تخصيص المعاني وإعطاء الصفات: الذي يعطي الفرد خصائص معينة لإدراكه. مثل: الحجم والوزن واللون والذكاء والسلوك..الخ. وهي التي تساعد الإنسان على تصنيف الأشياء والأحداث، وتخيلها. 2- عنصر الخروج بتوقعات: وينطوي على توقعات تنبع من الخصائص والصفات التي نعزوها للأشياء أو الفئات. وتؤثر على إدراكنا للحدث المستقبلي، ويدعم الدلالات والصفات المدركة لدينا عن أشياء معينة أو أحداث معينة أو أفرد معينين. 3- العنصر العاطفي: ويلعب دوراً هاماً في إدراكنا عن أفراد معينين، أو أشياء بحد ذاتها. نصفها ونخرج بتنبؤات عنها، ونخرج بردود فعل عاطفية حيالها. كالتقدير والاشمئزاز، والاحترام والاحتقار، والتعاطف والرفض... الخ. وللغة تأثير كبير على الإدراك، لارتباطها بتفكير الإنسان وإدراكه ووجوده. فاللغة تملي على الإنسان الطريقة التي يرى من خلالها العالم ويفسر وجوده وتجاربه فيها. واللغة لا تعيد تقديم التجارب فقط، بل تشكل تلك التجارب. والفرد يختار منبهات معينة من العالم الذي يحيط به، ثم يفرض تصنيف لتلك المنبهات في فئات، تتكون من التجارب السابقة التي مر بها وتعتمد على اللغة والخلفية الثقافية. واللغة لا تستخدم بشكل علمي، بل إنها تستخدم بشكل فيه قدر كبير من الذاتية، وقدر كبير من الفرض والإجبار، مما يجعل عملية الفهم والاتصال بين الأفراد والجماعات والشعوب أكثر صعوبة. واللغة لا توازي الواقع بل تحاول وضعه في إطار قابل للاستخدام. وقد تضللنا اللغة عندما نقوم بتجريد ما ندركه جزئياً دون أن نفهم أن الجزء لا يمثل الكل. وتصورنا للعالم متصل بشكل عضوي بلغتنا وبالفئات التي نستخدمها في تصنيف مدركاتنا. وما نقوله لأنفسنا عما ندركه، يخضع بشكل مباشر لسيطرة عادات استخدامنا للغة. ولهذا فالاتصال يتأثر بشكل مباشر بعادات استخدام اللغة، وبهذا تصبح اللغة جزء لا يتجزأ من هذه العملية. نموذج وايزمان وباركر: ويعتمد نموذج وايزمان وباركر على أن الكائن الحي يتأثر بمنبهات داخلية سيكولوجية وفسيولوجية، مثل: القلق والجوع. ومنبهات خارجية، موجودة في الظروف الخارجية المحيطة بالإنسان علنية، مثل: إشارة المرور. أو لاشعورية، مثل: الموسيقى التصويرية التي تصاحب مسهداً سينمائياً. وتنتقل هذه المنبهات على شكل نبضات عصبية إلى العقل، الذي يختار بعضها ويفكر بها تمهيداً لاتخاذ قرار بعد عملية تمييز تجري خلال التفكير. وبعد إعادة ترتيب المنبهات التي اختارها العقل خلال مرحلة التمييز، يتم ترتيب هذه المنبهات في إطار له معنى عند الفرد القائم بالاتصال. وبعد تجميعها في إطار ، يتم فك شيفرة الرموز التي تم تمييزها ويقوم القائم بالاتصال بتحويلها إلى رموز فكرية لها معنى. فإذا كان القائم بالاتصال يقرأ كتاباً، وهو جالس في الحديقة فإنه يتعرض إلى منبهات عديدة، يقوم عقله بفك رموزها، مثل: إحساس يديه بنوعية ورق الكتاب، أو عدم الراحة، أو حرارة الشمس المرتفعة. وبعد اختيار المنبهات، ينتقل العقل إلى التفكير والتخطيط وترتيب الأفكار، وربط الدلالات التي تتصل بالمعرفة والخبرة السابقة، وبعد تجميع وتقييم المعلومات التي لها علاقة بالمسألة المهمة، يقوم العقل بإعداد رسالة لإرسالها أو نقلها. ومن ثم ينتقل العقل لمرحلة التأهب للظهور التي تتيح الفرصة للأفكار بالنمو والتطور حتى تأخذ أشكالاً واتجاهات مفيدة. وتتميز هذه المرحلة بأن الدلالات الفكرية قد أصبحت جاهزة لوضعها في شيفرة ورموز لها معنى، ككلمات أو حركات. وفي مرحلة الإرسال النهائية يتم إخراج الكلمات والحركات التي وضعها القائم بالاتصال في الشيفرة بشكل مادي ملموس، بواسطة الكلام أو الكتابة أو الحركة... الخ، حتى يستطيع المستقبل تلقيها كمنبهات. والجانب الآخر من نموذج وايزمان وباركر، هو راجع الصدى أو التأثير المرتد. كسماع الفرد لنفسه عند الكلام في التأثير المرتد الخارجي. أو إحساساته الداخلية في التأثير المرتد الداخلي. ويسمح التأثير المرتد للقائم بالاتصال بتعديل وتصحيح موقفه الاتصالي أثناء عملية الاتصال. نموذج صامويل بويس: يعتبر صامويل بويس في نموذجه الإنسان كمفاعل دلالي، ويركز على ما يفعله الإنسان، من خلال أربعة مجالات أساسية للنشاط الإنساني، تتفاعل مع بعضها في آن معاً داخل الإنسان، وهي: 1- المجال الكهروكيميائي: وهو عبارة عن ردود فعل كهربائية وكيميائية في جسم الإنسان. 2- مجال يتحرك ذاتياً: ويشمل الأحاسيس والحركات اللاإرادية لأعضاء جسم الإنسان, والحركات الإرادية له. 3- الشعور: ويشمل العواطف والدوافع والاحتياجات والقيم. 4- التفكير: ويشمل عمليات فك الشيفرات والرموز، والاتصال الذاتي. والإنسان في نموذج بويس لا يعيش منعزلاً، لأنه محاط بظروف طبيعية متفاعلة دائماً، ومتصلة بالمجالات الأربع أنفة الذكر. والإنسان لا يعيش الحاضر فقط، بل يعود رد فعله الدلالي ويتأثر بردود أفعاله السابقة، ويتأثر بتنبآته المبدئية عن المستقبل. ويفسر هذا النموذج الأسلوب الذي يدرك به الإنسان الظروف المحيطة به، وكيف يفسرها ويتفاعل معها. وكيف يعطي لتجاربه معنى. نموذج بولدينج: ويهتم نموذج بولدينج أصلاً، بسلوك الإنسان. نظريات مراحل انتقال المعلومات: كان الاعتقاد لوقت قريب بأن وسائل الإعلام الجماهيرية تتعامل مع أفراد منعزلين عن بعضهم البعض، متصلين بوسائل الإعلام الجماهيرية مباشرة. ولم يتنبه الباحثون في الاتصال الجماهيري إلى تأثير العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع على النتائج التي يحققها مضمون المادة الإعلامية التي تحملها إليهم وسائل الإعلام الجماهيرية. ولكن الأبحاث العلمية التي أجريت خلال العقود الماضية وما رافقها من تطور هائل في وسائل وتقنيات الاتصال أثبتت أن العلاقات المباشرة القائمة بين الأفراد المتصلون في الأسرة أو العمل أو الشريحة الاجتماعية قد تساعد أو تعرقل الوصول لأهداف عملية الاتصال. وهو ما عرف بنظرية انتقال المعلومات على مرحلتين. وقد توصل مؤلفو كتاب "اختيار الناس"، إلى نتيجة مفادها أن سريان مفعول مضمون المادة الإعلامية التي تحملها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية قد لا يكون مباشراً كما كان مفترضاً من قبل، بل يصل أولاً إلى قادة الرأي في الشريحة الاجتماعية المعينة، ومن ثم ينتقل عن طريقهم إلى الآخرين. وأطلقوا على هذه العملية اسم "انتقال المعلومات على مرحلتين". وذلك أثناء تحليلهم لعملية اتخاذ القرار أثناء الحملات الانتخابية في المجتمع الديمقراطي، وتوصلوا إلى أن الأفراد مازالوا متأثرين بالجدال والأخذ والرد مع الآخرين، أكثر تأثرهم بوسائل الإعلام الجماهيرية. مما سمح لهم بتكوين فكرة تقضي بأن الأفراد يشكلون شبكات متصلة فيما بينهم، ينتقل من خلالها مضمون المادة الإعلامية التي تحملها وسائل الإعلام الجماهيرية. ومنذ عام 1957 حاول مركز الأبحاث الاجتماعية التطبيقية في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية أن يدرس هذه النتائج ويعمل على تطويرها. فظهرت نتائج دراسات مرتون عن التأثير الشخصي والسلوك الاتصالي في منطقة روفير، ودراسة ديكاتور عن اتخاذ القرار في مجال ترويج موضة الأزياء، وعادات التردد على صالات السينما، والشؤون العامة، التي قام بها كاتز ولزرزفيلد، ودراسة كولمان وكاتز ومينزل عن أسلوب تعميم الأدوية الجديدة بين الأطباء. وهي الدراسات التي أعتمد عليها كاتز ليعرض فرضيته عن انتقال المعلومات على مرحلتين. عناصر انتقال المعلومات على مرحلتين: وقع التأثير الشخصي؛ وسريان التأثير الشخصي؛ والعلاقة بين قادة الرأي ووسائل الإعلام الجماهيرية. دراسة روفير: حاولت تحديد دور قائد الرأي وتأثيره على المحيط، ودراسة سلوكهم الاتصالي، وتحديد طبيعة التفاعل بين القادة والتابعين الذين قاموا أصلاً بتحديد القادة. دراسة ديكاتور: وأجريت خلال الفترة 1945-1946 وجاءت خطوة بعد دراسة روفير، وشملت إضافة للتصويت في الانتخابات، القرارات في مجالات التسويق والتردد على صالات السينما، والشؤون العامة للأفراد. وتركز محور الدراسة على: الأهمية النسبية للتأثير الشخصي، ودراسة واقع القائد والتابع. وحاولت الدراسة استخلاص ما إذا كان قادة الرأي يأتون من نفس الشريحة الاجتماعية للتابعين، وكيفية انتقال التأثير. إذ ذكر حوالي ثلثي الأشخاص الذين تأثروا بآراء الآخرين حقيقة أنه حدث حوار بينهم وشخص ذكروا أنه من المؤثرين حول الموضوع المطروح، وعلاوة عن ذلك أكد 80% منهم أنهم تلقوا نصيحة من الغير. بينما أكد قادة الرأي أنفسهم على أنهم قد تأثروا بالآخرين قبل اتخاذهم لقراراتهم. 1- واقع التأثير الشخصي: أشارت الدراسات إلى أن التأثير الشخصي كان أكثر وقعاً من تأثير وسائل الإعلام الجماهيرية، وخاصة لدى أولئك الذين غيروا آراءهم خلال الحملة الانتخابية (ديكاتر). ويتحكم به عنصران أساسيان هما: الاتصال بين الأفراد؛ والتأييد الجماعي الذي تلعب به الشخصية المؤثرة دوراً أساسياً. ويدخل فيها: تآلف الرأي في الجماعات التحتية: العائلة، الأقارب، الأصدقاء، العمل .. الخ؛ والأدوار المختلفة لتأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية: لأن وسائل الإعلام تلعب دوراً تدعيمياً في تقوية الاتجاهات السابقة والقرارات التي تتخذ فعلاً. فلوسائل الإعلام دوراً إخبارياً وتضفي الشرعية على القرارات المتخذة (إسناد). 2- سريان التأثير الشخصي: قادة الرأي موجودين في كل الشرائح الاجتماعية. ويتمتعون بـ: بالقيم الشخصية الذاتية؛ والقدرة والكفاءة والمعرفة والخبرة؛ والموقع الاجتماعي المتميز. 3- قادة الرأي ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية: قادة الرأي يتعرضون لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية أكثر من أعضاء الجماعة. يتراوح تأثرهم بوسائل الاتصال والإعلامية الجماهيرية المحلية والقومية والعالمية. الخلاصة: يتعرض قادة الرأي مثلهم مثل أفراد الجماعة الآخرين بآراء الغير، إضافة لـأثرهم بمضمون المادة الإعلامية التي تحملها لهم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. لأن وسائل الإعلام الجماهيرية هي: وسائل لنقل المعلومات؛ ومصادر للضغوط الاجتماعية؛ ومصادر للتأييد الاجتماعي. مضمون المادة الإعلامية: اهتم علم البلاغة بفن الخطابة وفن الإقناع منذ القدم، وقد عرف أفلاطون علم البلاغة بأنه علم /كسب العقول بالكلمات/، بينما عرفه أرسطو بأنه /القدرة على كشف جميع السبل الممكنة للإقناع في كل حالة على حدى/ كما وأدرك كلاً من أفلاطون وأرسطو ارتباط فن الإقناع بعلم النفس (علم العقل) الذي كان يحبو خطواته الأولى في ذلك الزمان، وهو ما يفسر اهتمام أرسطو بفن الإقناع ومحاولته دراسة الطريقة التي يعمل بها العقل، معتمداً على علم العقل كما كان معروفاً آنذاك، محاولاً القيام بتحليل موضوعي لتلك الطريقة مبتعداً عن المعرقلات والاعتبارات الأخلاقية التي كانت سائدة آنذاك أيضاً. ولم يختلف علم البلاغة الحديث عن سواه، إلا بتوفر الحقائق العلمية التي كان يفتقر لها علم البلاغة القديم. بعد أن وفرتها له العلوم الحديثة ومكنته من معرفة السلوك الإنساني الذي اهتم به علم النفس الحديث. واستطاع الإعلاميون توظيفها في رسائلهم الإعلامية لإقناع الجمهور الإعلامي المستهدف بتأثير أكبر. وقد شهد الربع الثاني من القرن العشرين العديد من التجارب والأبحاث التي استهدفت تغيير الاتجاهات السيكولوجية، وقام بقدر كبير منها البروفيسور كارل هوفلاند وزملائه وتلاميذه بجامعة بيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وساعدت على بناء أسس نظرية اتصال حديثة، وعلم بلاغة حديث يعتمد على أسس علمية واضحة. وحينما نتحدث عن الرسالة الإعلامية، فهذا يعني أننا نتحدث عن مضمونها. منطلقين من فرضية أنه على القائم بالاتصال أن يتخذ عدة قرارات هامة قبل تقديم مدة مقنعة. فعليه أن يحدد الأدلة التي سوف يستخدمها والأدلة التي سيصرف النظر عنها أو يستبعدها، والحجج التي سيعتمد عليها، أو يسهب في وصفها أو يأخذ باختصارها. وماهية الأساليب التي سوف يتبعها لاستمالة المستهدف من المادة الإعلامية. ومنه نفهم أن أية رسالة إعلامية يقصد منها الإقناع هي ناتج لعدة قرارات مسبقة يتخذها القائم بالاتصال للوصول إلى الغرض المطلوب، تتعلق ليس بالشكل وحده بل وبالمضمون والأسلوب، تمليها كلها خصائص الجمهور الإعلامي ومهارات القائم بالاتصال. والهدف من تقديم مضمون المادة الإعلامية بالأساس هو جعل المتلقي يقبل الآراء التي نقدمها له، أو أن يعدل من معتقداته واتجاهاته، منطلقين من فرضية أن بعض العوامل المتصلة بالدوافع الشخصية سوف تلعب دوراً بارزاً في هذه العملية. لأن التجارب الفردية تجعل من المستهدف يفضل الأشياء التي تشبع احتياجاته، ويبتعد عن الأشياء التي لا تشبع تلك الاحتياجات. مطوراً معتقداته السياسية والاجتماعية والأخلاقية مكتسباً الجديد منها، من خلال الاتصال الشخصي والاتصال الجماهيري الذي يحدث من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وبالرغم من أن علماء السياسة والاجتماع وعلم النفس يؤكدون وباستمرار على أهمية الدوافع في تكوين الرأي العام، وعلاقتها بالتغيير الاجتماعي، إلا أنه ليس هناك سوى قدر قليل من المعلومات الدقيقة عن الظروف التي يتم في إطارها تسهيل العوامل ذات الصلة بدوافع تغيير الرأي. ولا يتوفر سوى قدر ضئيل جداً من الدراسات التجريبية التي تتناول تأثير مضمون الرسالة الإعلامية بمختلف صورها على الدوافع الفردية المختلفة. الإستمالات العاطفية، والإستمالات المنطقية: لا توجد قاعدة ثابتة نعمم على أساسها أي من الإستمالات أفضل في أغلب الأحيان، إذ تشير التجارب المختلفة إلى أن الإستمالات المنطقية أفضل في بعض الأحيان من الإستمالات العاطفية، رغم أن الإستمالات العاطفية قد تصلح أكثر في بعض الظروف. وقد قارنت التجربة التي قام بها هارتمان Hartmann بين نوعين من الإستمالات من خلال فاعليتهما في دفع الناخبين للإدلاء بأصواتهم لصالح الحزب الاشتراكي في انتخابات عام 1936. فقد استخدمت في بعض المنشورات التي وزعت في إطار الحملة الانتخابية استمالة عاطفية قوية أكدت أن الاشتراكية تساعد على التخلص من الحروب، والفاقة، والخوف، وأن لها تأثير إيجابي على مستقبل الوطن، والرفاهية، والدولة. بينما استخدم في منشور آخر استمالة منطقية تعتمد على حجج واضحة تؤيد الاشتراكية. وزعت كلها في مجموعة من الدوائر الانتخابية. وتم الاحتفاظ ببعض الدوائر كمجموعة ضابطة ولم توزع فيها أية منشورات على الإطلاق. وكانت النتيجة أن الدوائر التي وزعت فيها منشورات الاستمالة العاطفية قد أعطت زيادة قدرها 50% أكثر مقارنة بنتائج الانتخابات التي كانت قد جرت في العام السابق، في حين بلغت الزيادة في الدوائر التي وزعت فيها منشورات الإستمالات المنطقية 35% فقط، بينما أظهرت المجموعة الضابطة التي لم نوزع فيها أية منشورات زيادة بلغت 24% بالمقارنة مع انتخابات العام السابق. وهو الشيء نفسه الذي توصل إليه أيضاً مانيفي وجرينبرغ من دلائل تثبت أن الدعاية العاطفية تتفوق على الحجج المنطقية في أكثر الحالات. بينما فشلت الدراسات الأخرى في التوصل إلى مؤشرات قاطعة تثبت تفوق نوع معين من الإستمالات المستخدمة على غيره من الأنواع. بينما أثبتت الدراسات التي أجراها الباحث كنور أن الأسلوبين يتمتعان بنفس الفاعلية والتأثير تقريباً، في الدراسة التي أجراها على الحظر الذي كان مفروضاً آنذاك على الخمور في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الجوانب الهامة في هذا المجال أيضاً المقارنة بين الإستمالات الإيجابية والإستمالات السلبية، لأن الاستجابة الإيجابية أصلاً معدة للوصول إلى نتيجة معينة مرغوبة أصلاً، بينما أن الاستجابة السلبية معدة لتجنب نتيجة غير سارة. إستمالات التخويف: من بين الأنواع المختلفة للرسائل الإعلامية التي يحتمل أن يكون لها تأثير على دوافع الجمهور، تلك الرسائل الإعلامية التي تدعو بشكل محدد أو بشكل ضمني إل قبول توصيات القائم بالاتصال لأنها سوف تجنب الفرد عدم القبول اجتماعياً أو أن يتجنب خطراً محدداً، أو حرماناً من نوع محدد. وهو ما يطلق عليه اصطلاح "استمالة التهديد" للإشارة إلى مضمون الرسالة الإعلامية التي تتناول النتائج غير المرغوب بها التي قد تحدث فيما لو امتنع متلقي الرسالة الإعلامية عن قبول توصيات القائم بالاتصال، من خلال إثارة التوتر العاطفي لدى المتلقي وجعله أكثر عرضة للتعرض للاستجابة لمضمون الرسالة الإعلامية وتبنيه وفقاً لذلك المضمون. وكثيراً ما تلجأ وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية إلى هذا الأسلوب لإثارة المخاوف لدى الجمهور الإعلامي من أخطار الحرب لتبرير الزيادة في النفقات العسكرية المرصودة في موازنة الدولة، أو إثارة المخاوف من الأمراض الخبيثة كي تحث الجمهور الإعلامي على مراجعة الأطباء في الوقت الملائم. فما هي العوامل الأساسية التي تحدد نجاح أو فشل استعمال إستمالات التخويف للوصول إلى الهدف المحدد لمضمون الرسالة الإعلامية؟ هناك قدر كبير من الأدلة التجريبية التي تؤيد الافتراض القائل بأن أية عاطفة قوية تسبب الاضطراب كالخوف، أو الإحساس بالإثم (عقدة الذنب) أو الخجل أو الغضب أو الاشمئزاز.... الخ، وكلها تتمتع بخصائص الحافز الوظيفي للفرد. ولكن ماذا يحدث عندما يتعرض الفرد لمضمون رسالة إعلامية تسبب لديه ردود فعل عاطفية لا تبعث لديه السرور؟ في هذا الظرف هناك مبررات تدفع الفرد بشدة لتجربة الاستجابات الرمزية والعلنية المختلفة حتى يقلل من وقع هذه الحالة العاطفية المرهقة.وستحدد الاستجابات المختلفة التي يجربها الفرد أساساً خبرات التعلم السابقة التي نجحت في تخليص الفرد من الحالات العاطفية المماثلة. أي استجابة تقلل من شدة الحالة العاطفية، أو تريح الفرد يتم تدعيمها. وبهذا تصبح استجابة اعتيادية. بهذا يفترض أن الاستمالة التي تنطوي على تهديد يحتمل أن تجعل المتلقي يقبل نتائج القائم بالاتصال إذا كان: التوتر العاطفي الذي أثير خلال الاتصال شديد بحيث يشكل حافزاً؛ وإذا تضمنت الرسالة تأكيدات تخلق توقعات عند الفرد بأنه في الإمكان تجنب الأضرار وبالتالي تقلل التوتر العاطفي. ومن الأساليب الأساسية لإثارة الاطمئنان أن يتخيل الفرد نفسه مشتركاً في نوع من أنواع النشاط يجنبه الأخطار الناجمة عن التهديد، وبهذا يتخلص من التوتر. وكثيراً ما تسبب الرسائل التي تنطوي على تخويف تأثيرات غير مرغوبة أو عكسية. فهناك من الدلائل التي تشير إلى أنه حينما يثير القائم بالاتصال الغضب برسائل هجومية، يشعر المتلقي بالكراهية ليس نحو القائم بالاتصال فقط،، بل أيضاً نحو الجماعات والمشروعات والأهداف المقترنة به. العوامل التي تؤثر على إثارة التوتر العاطفي: إن مضمون الاستمالة التي تنطوي على تهديد يجب أن يكون له معنى عند المتلقي وإلا فإنه لن يستجيب لها. فإذا لم يجرب الفرد أبدأً التهديد أو يسمع عنه فالتوقعات الناتجة عنه لن تثير توتراً عاطفياً. ويضاف إليها: العوامل المتصلة بالمصدر ومدى وثوق المتلقي بقدرات القائم بالاتصال؛ ومدى تعرض المتلقي لرسائل سابقة، سبق وناقشت وتنبأت بنفس الموضوع. لأن الافتراض الأساسي أن يثار الخوف والمشاعر غير السارة بشدة، لدفع الفرد لتجنب الحالة العاطفية المؤلمة، أو الهرب منها، كأن "يتخيل نفسه مثلاً يقوم بعمل دفاعي ناجح أو بصرف انتباهه بأحلام اليقظة السارة". والأفراد يتأثرون بالخوف بطرق عاطفية متعددة منها: زيادة يقظتهم واهتمامهم بالمعلومات عن الخطر، والتفكير بالتصرف المطلوب لمواجهة كل الاحتمالات؛ والبحث عن تأكيدات تبعث الطمأنينة وتخفف التوتر العاطفي؛ وزيادة احتمالات تكوين اتجاهات جديدة تعتبر حلاً وسطاً بين الحذر والميول الباعثة للطمأنينة. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار نوع استجابة الجمهور المستهدف لتحقيق أقصى قدر من الفاعلية وإثارة درجة عالية من التوتر العاطفي، والتي تعتمد على: درجة الخوف التي يستطيع الفرد تحملها؛ وما إذا كان سيطبق التهديد على نفسه؛ وقبوله للبدائل؛ وخصائص شخصيته. وباختصار يجب أن نوازن بين استخدام إستمالات التخويف القوية، بخطة محددة للعمل أو السلوك ذات فاعلية واضحة. ولا يجب أن يكون التهديد معتدلاً بحيث يجعل المتلقين يتهاونون، أو مبالغاً فيه بحيث يبدو مضحكاً. مضمون الرسالة وأسلوب تقديمها: أولاً: الوضوح والضمنية: وتشير الأبحاث العلمية إلى أن الإقناع يصبح أكثر فاعلية إذا حاولت الرسالة الإعلامية أن تذكر نتائجها أو أهدافها بوضوح، بدلاً من أن تترك للجمهور عبء استخلاص النتائج بنفسه. فقد وجد الباحثان هوفلاند وماندل أن نسبة الأفراد الذين عدلوا اتجاهاتهم تمشياً مع مضمون الرسالة الإعلامية بلغت الضعف عند ذكر النتائج بشكل محدد، مقارنة بالرسالة الإعلامية التي ترك نتائجها ليستخلصها الجمهور الإعلامي بنفسه. وعرض الباحثان ماندل وهوفلاند على عينة من الطلبة تسجيلات لبرنامجين مستمدان من برنامج إذاعي يساند إعادة تقييم العملة، متماثلين تماماً باستثناء أن أحدهما ذكر نتائجه بوضوح وتحديد، بينما ترك الآخر نتائجه ضمنية ليستنتجها المستمع. وكانت نسبة التغيير بين أفراد المجموعة التي استمعت للبرنامج الذي ذكر أهدافه بوضوح 47,9% في حين بلغت نسبة التغيير 19,3% فقط بين أفراد المجموعة الثانية التي استمعت إلى البرنامج الذي لم يوضح أهدافه، وتركها ضمنية ليستنتجها المستمع. وهو ما أكده أيضاً كاتز ولزرزفيلد عندما أكدا "أنه كلما كان الاقتراح الذي يقدمه القائم بالاتصال محدداً، كلما ازداد احتمال إتباع النصيحة المقدمة. وهنا يجب أن نعير اهتمامنا لاعتبارات أخرى إضافة للوضوح والضمنية في تحديد الأهداف، مثال: مستوى ذكاء وتعليم المتلقي؛ ودرجة صلة الموضوع بالذات أو أهمية الموضوع؛ ونوعية القائم بالاتصال. ثانياً: تقديم الرسالة الإعلامية لأدلة وشواهد: لتدعيم تأثيرها، مستمدة من معلومات واقعية أو آراء تنسب لمصادر أخرى غير القائم بالاتصال. ثالثاً: عرض جانب واحد من جوانب الموضوع أو عرض الجانبين المؤيد والمعارض في نفس المادة الإعلامية: وهو ما أكده هوفلاند ولمزدين وشيفلد في كتابهم "تجارب على الاتصال الجماهيري" الذي تتضمن نتائج سلسلة أبحاث أجراها قسم المعلومات والتعليم في وزارة الدفاع الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية. عندما أيدوا أن تقديم الحجج المؤيدة والمعارضة هو أكثر فاعلية وأقدر على تغيير وتحويل الفرد المتعلم، خاصة عندما يكون الجمهور الإعلامي متردداً، يكون تقديم الرأي والرأي الآخر أكثر فاعلية وتأثيراً بكثير من تقديم رأيٍ أحادي الجانب من الموضوع المطروح، بينما يختلف الوضع بالنسبة للأفراد الأقل تعليماً الذي يبلغ التأثير فاعلية ملحوظة عندما يتم طرح جانب واحد من جوانب الموضوع، وهذا ينطبق أيضاً على الأفراد الذين يؤيدون أصلاً وجهة النظر المعروضة في الرسالة الإعلامية، وتأثيرها هنا لا يتعدى كونه مدعماً ومعززاً للمواقف الجاهزة لديه. بينما توصل بتنجهاوس وبيسهارت إلى نتائج تؤكد أن تقديم الرأي والرأي الآخر في المادة الإعلامية أكثر فاعلية في تغيير اتجاهات الشرائح الاجتماعية الحاصلة على تعليم عالي. كما وظهر أن تقديم الرأي والرأي الآخر في حياد واضح، وإن كان هذا الحياد وهمياً، قد يحدث تأثيراً سلبياً في الحالات التالية: إذا ساور المتلقي أدنى شك بحياد المصدر. وإذا كان الحياد متوازناً مما يؤدي إلى ضياع التأثير المطلوب. لأن هذه الحجج تلغي بعضها بعضاً. وظهر هذا في البحث الذي أجراه شانك وجولدمان عندما استخدما حججاً تؤيد وتعارض الخدمة المدنية. وفي البحث الذي أجراه تستلويت وكمنتزي على عينة من 750 طالب في معاهد الطيران في الولايات المتحدة الأمريكية، و400 طالب من طلبة المدارس العليا يؤيدون أصلاً اشتراك الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الكورية. والمادة الإعلامية التي تعرض الرأي والرأي الآخر أكثر قدرة على تحصين الجمهور الإعلامي من الدعاية المضادة، أكثر من المادة الإعلامية التي تعرض وجهة نظر واحدة من الموضوع. وهو ما توصل إليه لمزدين وجانيس في البحث الذي أجرياه عام 1954 على مجموعة من الطلبة الجامعيين، جرى تعريض مجموعتين منهم لنصين من برنامج إذاعي واحد، تضمن أحدهما رأياً واحداً من الحقيقة، وتضمن النص الآخر الرأي والرأي الآخر، ونجحت الطريقتان في إحداث تغيير في الاتجاه المطلوب. ومن ثم تم تعريض الجميع لمادة إعلامية تعرب عن وجهة النظر المعارضة فقط، فكانت النتيجة أن هبطت نسبة التأييد إلى 2% في المجموعة التي تعرضت لمادة إعلامية تعرض الرأي المؤيد فقط. بينما استمرت نسبة التغيير السابقة في المجموعة التي تعرض للمادة الإعلامية التي عرضت الرأي والرأي الآخر، وهو ما يدعم وجهة النظر حول تحصين الجمهور الإعلامي ضد الدعاية المضادة. وقد لخص هوفلاند وجانيس وكيلي في البحث الذي أجروه عام 1953 فوائد المواد الإعلامية التي تعرض رأياً واحدا من الموضوع، والمواد الإعلامية التي تعرض الرأي والرأي الآخر، بالتالي: 1- عرض الرأي والرأي الآخر أكثر فاعلية على المدى الطويل من عرض جانب واحد في الأحوال التالية: عندما يتعرض الجمهور الإعلامي بغض النظر عن الرأي الأصلي لهذا الجمهور للدعاية المضادة بعد تعرضه للمادة الإعلامية التي تضمنت الرأي والرأي الآخر؛ وعندما لا يتفق رأي الجمهور الإعلامي أصلاً مع وجهة نظر القائم بالاتصال، بغض النظر عن تعرضه للدعاية المضادة بعد ذلك. 2- تقديم الرأي والرأي الآخر أقل فاعلية من تقديم رأياً واحداً، إذا كان الجمهور الإعلامي يتفق أصلاً مع موقف القائم بالاتصال ولا يتعرض بعد ذلك للدعاية المضادة. رابعاً: ترتيب الحجج الإعلامية: في الرسالة الإعلامية التي تؤيد وجهة نظر معينة يتطلب من القائم بالاتصال أن يقرر ما إذا كان القائم بالاتصال سيقدم حججه الأساسية في بداية النص أم أنه سيحتفظ بها لنهاية النص، أما في الرسائل الإعلامية التي تعرض الرأي والرأي الآخر فالقائم بالاتصال يجد نفسه أمام مشكلة أي من ألرأيين يقدم أولاً. فحينما نقدم جانباً واحداً للموضوع، إما أن نؤجل أقوى الحجج إلى نهاية الرسالة الإعلامية وهو ما يسمى بالذروة، أو تقدم الحجج الرئيسية في البداية تليها الحجج الأضعف، بترتيب عكس ترتيب الذروة. وتتوقف فاعلية الرسالة الإعلامية في تغيير الاتجاهات على مقدرة الجمهور الإعلامي على فهم مضمون الرسالة الإعلامية وتذكره، وهو ما يرتبط بدوافع التعلم لدى الفرد، في ظروف الاتصال الجماهيري. إذ يؤدي غياب اهتمام المتلقي بالرسالة الإعلامية إلى عدم تعرضه لها، والذي يفسره بإغلاقه لجهاز الراديو أو جهاز التلفزيون أو تحوله لقنال أو برنامج آخر، أو انصرافه عن مطالعة المادة المطبوعة. فعندما لا يهتم المتلقي بما يقال فمن الأفضل البدء بالحجج القوية والأكثر إثارة للاهتمام، لإثارة انتباهه. أما عندما يكون المتلقي مهتماً فالأفضل تأجيل الحجج القوية إلى نهاية المادة الإعلامية وفق ترتيب الذروة لتهيئته للحجج الأقوى. ومعنى ذلك أن ترتيب الحجج يخضع لتقييم الجمهور الإعلامي، وأنه لا توجد قاعدة ثابتة لترتيب الحجج في عملية الإقناع. خامساً: استخدام الاتجاهات أو الاحتياجات الموجودة: وهي ربط المادة الإعلامية بالاتجاهات القائمة لدى الجمهور الإعلامي. والسعي لإعادة تشكيل القيم السائدة، وليس استخدام تلك القيم، وهو ما يجعل من العملية الإعلامية أكثر صعوبة. ولكنها تجعل الجمهور الإعلامي يشعر بالراحة وبإمكانية إشباع احتياجاته القائمة. سادساً: تأثير رأي الأغلبية: حيث أثبتت التجارب أن الجمهور الإعلامي يميل ببساطة لتلك الآراء التي تتفق ورأي الأغلبية أو الرأي الشائع. سابعاً: التكرار: بتنويع وتأثير تراكم التعرض للمادة الإعلامية، وخاصة التكرار على فترات مدروسة ومتنوعة، مما يزيد من فاعلية المادة الإعلامية، وتذكر الجمهور الإعلامي بالهدف المقصود، وتثير رغباته واحتياجاته في الاتجاه المطلوب. وهو ما أيدته بحوث روز، وعالم النفس ثورندايك، وجوزيف جوبلز، وبارتليت، وفيري مرتون، وكيت سميث، ولزرزفيلد، وأنيس، وماير. المصدر الإعلامي: المصدر الإعلامي قد يكون فرداً ينقل أو مؤسسة إعلامية تنقل رسالة ما بقصد أو بغير قصد، لفرد واحد أو مجموعة أفراد. والمصدر الإعلامي قد يكون محاضراَ أو خطيباً أو شخصية سياسية أو اجتماعية، أو معلقاً في الإذاعة المسموعة أم المرئية... الخ. ومن الصعب تحديد مدى تأثير المصدر على المادة الإعلامية وتأثير المادة الإعلامية على المتلقي، إلا أننا نستطيع تحديد السمات الواضحة لناقل المادة الإعلامية، من خلال استجابة الجمهور الإعلامي له، ومدى إيمانهم بصدق هذا المصدر أو ذاك. وأفضل طريقة لتحديد مدى تأثير المتغيرات المتعلقة بالمصدر، هي دراسة المتلقي. ومنذ أيام أرسطو استخدم مصطلح Ethos للتعبير عن عنصر التصديق لدى الجمهور، هذا المصطلح الذي تطور مع الأيام وأصبح اليوم يستخدم تعبيرات كثيرة منها: تصور، مكانة، إعجاب، للتعبير عن تصديق المصدر. لأن عنصر التصديق هو صلب عملية الاتصال، وهو الذي يحدد أهمية ومكانة القائم بالاتصال،وتأثيره على الحدث الاتصالي بشكل عام. وعنصر التصديق يتضمن كل المتغيرات التي تحيط بالمصدر الإعلامي، التي يدركها المتلقي والتي تؤثر على استجابته لعملية الاتصال. عناصر تصديق المصدر: حاول عدد من العلماء تحديد الخصائص التي تجعل المتلقي يصدق المصدر الإعلامي. ومنهم أرسطو الذي وصفها بأنها: القدرة على التمييز الحسن والأخلاق الطيبة، وأن حسن نية المصدر تجعل المتلقين يستجيبون بشكل إيجابي للرسالة الإعلامية نفسها. وأضاف هوفلاند وجانيس إلى تلك الخصائص: الخبرة والكفاءة، ومدى الثقة بالمصدر الإعلامي. والمتلقي يدرك الخبرة والكفاءة اللتان يتمتع بهما المصدر الإعلامي من الطريقة التي تقدم بها المادة الإعلامية، ومدى معرفة المصدر الإعلامي لموضوع مادة عملية الاتصال. أما الثقة بالمصدر الإعلامي فتأتي من خلال إدراك نوايا القائم بالاتصال، وهدفه من عملية الاتصال، والحجج والعبارات التي يستخدمها للوصول لذلك الهدف. بينما حدد كلاً من برلو ومرتز ولمبرت ثلاثة عوامل اعتبروها من خصائص صدق المصدر الإعلامي، وهي: 1- الإحساس بالأمان والطمأنينة للمصدر الإعلامي. وهو عامل الأمان والطمأنينة الذي يدخله المتحدث إلى نفوس المتلقين للمادة الإعلامية، والنابع من إحساس الجمهور الإعلامي بعدل وأمانة وطيبة ونزاهة المصدر الإعلامي. 2- مؤهلات المصدر الإعلامي. وهي المؤهلات والكفاءة، النابعة من خبرة المصدر الإعلامي ومهارته في تناول الموضوع وقدرته على عرضه أمام الجمهور الإعلامي. 3- ديناميكية المصدر الإعلامي. وهي الحالة التي يبدوا فيها القائم بالاتصال من طاقة وجرأة ونشاط وحيوية، أو خجل وخمول وكسل وتعب وإرهاق، أو عدوانية وغطرسة وتكبر. وكلها عوامل هامة تنعكس سلباً أو إيجاباً على المصدر الإعلامي وتؤدي إلى تصديقه أو الانصراف عنه. وهي التي تحدد العلاقة بين المتلقي والمصدر الإعلامي. والتصديق يمر عبر عدة مراحل من خلال متغيرات تنبع من ظروف الموقف الاتصالي، وهي: 1- التصديق المبدئي الذي يشعر به المتلقي قبل أن يبدأ القائم بالاتصال في تقديم الرسالة الإعلامية. وتتعلق بالتجارب الشخصية للقائم بالاتصال، ومظهره الخارجي. 2- التصديق النابع من الظرف الاتصالي، وهي التي تتكون أثناء عملية الاتصال. 3- التصديق بعد انتهاء عملية الاتصال، أي بعد أن يكون المتلقي قد كون صورة شاملة عن القائم بعملية الاتصال. وهو التصديق النهائي. ولتصديق المصدر الإعلامي أهمية وتأثيرٍ كبيرين، قام على دراسته خلال نصف قرن من الزمن العديد من الباحثين، نذكر منهم: هيمن وكلمان وهوفلاند وماندل أثبتت كلها أن تقسيم تصديق المصدر الإعلامي إلى ثلاثة مراحل يعتبر طريقة مثلى لفهم تأثير صدق المصدر من خلال العملية الاتصالية. فالتصديق المسبق للقائم بالاتصال يؤثر على استعداد المتلقي لتلقي المادة الإعلامية. فإذا كانت استجابة المتلقي المبدئية فيها تأييد للمصدر الإعلامي، فقد يتلقى المادة الإعلامية على الأقل. ولكن إذا كانت استجابته الأولى سلبية، فقد يعزف عن تلقيها. وإذا كان المتلقي غير مهتم بالمادة الإعلامية، فسيعجز المصدر الإعلامي عن إقناعه بالمشاركة في عملية الاتصال وبالتالي عن تحقيق أي تأثير عليه. والمتلقي يحدد بنفسه المشاركة أو عدم المشاركة في عملية الاتصال. ويأتي قراره بالمشاركة أو عدم المشاركة على أساس إدراكه لمواقف القائم بالاتصال، وللمادة الإعلامية ومدي صدق المصدر الإعلامي، وجدارة القائم بالاتصال بالثقة ومدى الخبرة والديناميكية لديه. وبقدر القناعة المتولدة بالمصدر الإعلامي والقائم بالاتصال والمادة الإعلامية بقدر ما يكون التأثير أكبر أو أقل حسب الظروف. ومع مرور الزمن يضعف تأثير المصدر الإعلامي والقائم بالاتصال والمادة الإعلامية لسبب بسيط هو أن الناس بحكم طبيعتهم ميالون مع مرور الوقت إلى عدم ربط المضمون الإعلامي بالمصدر الإعلامي، وهو ما يطلق عليه "التأثير القائم" أو "التأثير النائم". جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية: من المعروف أن ظهور وسائل الإعلام الجماهيرية ارتبط ارتباطاً قوياً بعملية نمو الثقافات الوطنية والقومية، وبتطور ثورة وسائل الاتصال الجماهيرية ابتداء من اختراع الطباعة مروراً بتطور وسائط الاتصال الإذاعي والتلفزيوني، إلى آخر ما أنتجته تكنولوجيا الاتصال الحديثة من حاسبات إلكترونية وأقمار صناعية مخصصة لأغراض الاتصال، إلى أن توجتها أحدث شبكة عالمية للحاسبات الإلكترونية "شبكة الإنترنيت العالمية" التي ما إن ظهرت حتى أصبحت جزأً لا يتجزأ وطرفاً رئيسياً في شبكة التبادل الإعلامي الدولي بعصر العلمنة والانفتاح والتدفق الإعلامي متعدد الأطراف. وكان المفكرون ينظرون لوسائل الإعلام الجماهيرية دائماً، على أنها الشريك الفاعل والقوي والمسيطر، الذي يشكل اتجاهات الرأي العام. وعلى الرغم من ذلك فإننا نجد أن القائم بالاتصال يتأثر ويؤثر بالجمهور الإعلامي، في عملية تبادلية تشبه في كثير من جوانبها عملية الاتصال بين فردين، إلا أنه لا يستطيع أن يرى جمهوره، ولا يستطيع أن يكيف نفسه وفقاً لراجع الصدى الذي يصل إليه عبر مختلف الأقنية. لأن عملية التفاعل بين القائم بالاتصال، والجمهور الإعلامي تصبح معقدة جداً عندما يكون القائم بالاتصال مؤسسة ضخمة غاية في التعقيد. ومن العقبات التي تواجه القائم بالاتصال في محاولاته لمعرفة طبيعة جمهوره الإعلامي، ومدى التأثير الذي يمكن أن توقعه المادة الإعلامية عليه: 1- أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية هي مؤسسات ضخمة واسعة الانتشار، وتستخدم لأداء وظيفتها الإعلامية جماعة متميزة اجتماعياً لها مستوى معين من التعليم والثقافة، لا تربطها في أكثر الأحيان أي جوانب مشتركة مع قطاعات واسعة من الجمهور الإعلامي. 2- وأن القائم بالاتصال لا يستطيع اختيار الجمهور الذي يود التوجه إليه بدقة. 3- ضآلة راجع الصدى المتاح للقائم بالاتصال، رغم الأساليب الحديثة في التعامل مع الجمهور الإعلامي التي أتاحتها وسائل الاتصال الحديثة للقائم بالاتصال (مشاركة الجمهور الإعلامي من أي مكان في العالم عن طريق الاتصال المباشر مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بواسطة أجهزة الهاتف الثابتة والمحمولة - البث الإذاعي والتلفزيوني المباشر، وسهولة استقبال ما يرسله الجمهور الإعلامي من مواد إعلامية بواسطة الفاكس والبريد الإليكتروني). ومن المعروف أن التأثيرات في عمليات الاتصال الجماهيري لا تقتصر على تأثير القائم بالاتصال، وتأثير المادة الإعلامية على الجمهور الإعلامي أثناء تلقيه المادة الإعلامية فقط، بل وتتعداها أيضاً إلى تأثير الجمهور الإعلامي على القائم بالاتصال أثناء إعداده للمادة الإعلامية وإرسالها عبر قنوات الاتصال الجماهيرية، من خلال توقعات القائم بالاتصال عن ردود الفعل المحتملة من قبل الجمهور الإعلامي. لأن ردود الفعل المحتملة من قبل الجمهور الإعلامي تلعب دوراً كبيراً وإيجابياً في عملية الاتصال. أهمية دراسة جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية: تهتم وسائل الإعلام الجماهيرية كثيراً بمعرفة مدى اتساع جمهورها، والفئات والشرائح التي يتكون منها هذا الجمهور،لعدة أسباب منها: 1- جذب المعلنين، وتحديد السياسة السعرية للإعلان. 2- إنتاج مواد وبرامج إعلامية شيقة تجذب الجمهور الإعلامي، وبالتالي تجذب المعلنين. 3- إنتاج مواد إعلامية وبرامج شبيهة بتلك المواد والبرامج الناجحة. 4- التأكد من مدى الإقبال وقبول المواد والبرامج الإعلامية من قبل الجمهور الإعلامي. 5- الاستغناء عن إنتاج المواد الإعلامية والبرامج التي فشلت في كسب الجمهور الإعلامي، أو تلك التي بدأ الجمهور الإعلامي بالانصراف عنها، واستبدالها بالأفضل. ودراسة جمهور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية مرتبطة تاريخياً بعلم النفس التطبيقي، وأول دراسة علمية لقياس الجمهور الإعلامي للصحافة، كانت الدراسة التي قام بها الباحث الأمريكي جورج جالوب بجامعة أيوا. وأول دراسة علمية لقياس الجمهور الإعلامي للإذاعة، كانت الدراسة التي قام بها عالما النفس الأمريكيين لملي Lumley وستانتون Stanton. بدأت بعدها دراسات قياس القراء والمستمعين والمشاهدين بالاتساع والتطور والدقة في الأهداف والمرامي والأبعاد. ففي مجال قياس عادات القراءة كان جورج جالوب أول من ابتكر في الثلاثينات من القرن العشرين أسلوباً علمياً للتعرف على عادات قراءة الصحف والمجلات وهو "طريقة الاعتراف". عندما كانت وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية آنذاك تعتمد في التعرف على اهتمامات الجمهور الإعلامي على البريد الوارد من الجمهور الإعلامي، وخاصة الشكاوي. أو من خلال استطلاعات الرأي التي كانت تنظمها بين الحين والآخر. أو من خلال دراسة أسباب عدم تجديد الاشتراكات، والمسابقات ... الخ. وقد اعتمد جالوب في طريقته العلمية على أسلوب الاستفتاء المباشر، طالباً من القارئ الإشارة على المواد التي قرأها من الصحيفة التي بين يديه خلال الاستفتاء. وهي طريقة غاية في الصعوبة ومرهقة جداً للباحث. وقام قسم الأبحاث بكلية الصحافة بجامعة منسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك بتطوير أساليب البحث العلمي في هذا الاتجاه، بشكل أكثر دقة وسهولة لدراسة اهتمامات الجمهور الإعلامي (القراء) خلال النصف الأول من القرن العشرين، وبالتحديد من عام 1941 وحتى عام 1952، بإشراف: رالف نافزجر من عام 1944 وحتى عام 1949، وتشارلس سوانسون من عام 1949 وحتى عام 1952، وروبرت جونز من عام 1952 وحتى عام 1972. وتركزت التطويرات على أساليب جمع المادة ميدانياً، وتبويبها، وقياس عادات المطالعة بشكل أكثر دقة وتفصيلاً من ذي قبل. كما وقام المركز الأمريكي للتحقق من توزيع الصحف بتوفير أول أرقام عن توزيع المجلات الأمريكية. ولكن سرعان ما اكتشف قصور هذه الطريقة، لأن عدد القراء فعلياً هو أكثر من أرقام التوزيع الفعلي، لسبب بسيط أن النسخة الواحدة يطالعها عدة أشخاص. ومن ثم تطورت الأبحاث لتشمل تصنيف الصحف والمجلات وفقاً لعادات المطالعة، إضافة لإلقاء الضوء على نوعية القارئ. أما في مجال دراسة الجمهور الإعلامي للإذاعة والتلفزيون، فقد بدأت بأبحاث لزرزفيلد في مركز الأبحاث التطبيقية بجامعة كولومبيا. قامت بتطويرها فيما بعد مؤسسات الأبحاث التجارية، مستخدمة أساليب متعددة من دراسة عادات الاستماع والمشاهدة، كالمقابلة والحديث التلفوني أثناء بث البرنامج على الهواء (الطرقة العرضية). وتحديد عدد محطات البث، وعدد أجهزة الاستقبال ... وغيرها من الأساليب. كما ويهتم الباحث برأي الجمهور الإعلامي بالبرامج المختلفة التي تبثها الإذاعة المسموعة، والإذاعة المرئية. لأن راجع الصدى للقائم بالاتصال ضئيل جداً ولا يعرف كاتب ومعد ومخرج ومقدم البرنامج رأي الجمهور الإعلامي بما قدموه لهم، إن لم يستطلع رأي الجمهور الإعلامي بين الفينة والأخرى للوقوف على آراء المستمعين والمشاهدين من البرامج المختلفة المقدمة لهم. وطبيعي أن آراء الجمهور الإعلامي هي بمثابة المعيار الذي يحدد ملامح قيمه وأذواقه واحتياجاته. وبقسم الجمهور الإعلامي عادة عند دراسته إلى ثلاثة فئات هي: حسب الجنس، والعمر، والتعليم والدخل المادي؛ وحسب الميول الشخصية في التعامل مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المختلفة؛ وحسب الاحتياجات الإعلامية وطريقة حصوله عليها. ومن الدراسات المبكرة في هذا الاتجاه الهام من دراسة الجمهور الإعلامي، الدراسات التي قام بها الباحث الأمريكي ولبر شرام خلال الأربعينات من القرن العشرين، وتناول فيها العلاقة بين العمر والتعليم والوضع الاقتصادي ومطالعة الصحف. وتوصل في نتائج أبحاثه إلى: 1- أن قراءة الأخبار بشكل عام ترتفع طرداً مع ازدياد السن والتعليم، والإمكانيات المادية. وأن قراءة الأخبار تزيد بسرعة كبيرة خلال فترة المراهقة، وتصل أعلى مدى لها خلال فترة العمر من 30 إلى 50 سنة، ثم تبدأ بالهبوط. وأن الحاصلين على التعليم الجامعي هم أكثر قراءة من الحاصلين على التعليم الثانوي. 2- وأن القراء صغار السن مابين 10 و 15 عاماً، أكثر اهتماماً بالصور والمواد الفكاهية والطرائف المصورة. 3- وأن أقصى مدى في مطالعة الأخبار في سن مبكرة، هي أكثر بين الرجال بالمقارنة مع النساء. 4- أن التعليم هو السبب الرئيسي لاختلاف عادات المطالعة بين الرجال والنساء في آن معاً. 5- وأن الوضع الاقتصادي يسبب اختلافاً جوهرياً في عادات المطالعة بين الرجال والنساء. 6- وأن المراهقون، وذوي التعليم الابتدائي، والجماعات منخفضة الدخل والمستوى الاقتصادي،هم أكثر اهتماماً بمطالعة أخبار الجريمة والكوارث والحوادث من الأخبار الأخرى. ويستمر هذا الوضع بالازدياد حتى سن الثلاثين، حيث يستقر بعد ذلك، ولا يتأثر بتحسن الوضع الاقتصادي، بينما ينخفض مع ارتفاع مستوى التعليم. 7- وأن ازدياد مطالعة الافتتاحيات والشؤون العامة مرتبط بازدياد السن والتعليم، وتحسن الوضع الاقتصادي. 8- وأن أعلى مستوى لمطالع المواد الفكاهية هي في سن المراهقة، وتبدأ بالانخفاض من سن الخامسة عشرة، وزيادة مستوى التعليم وتحسن الوضع الاقتصادي. 9- وأن الاهتمام بالأخبار المصورة تبدأ في سن مبكرة، وتستمر في الزيادة حتى منتصف العمر. ويساهم زيادة مستوى التعليم وتحسن الوضع الاقتصادي في ارتفاعها. 10- وأن الاهتمام بالافتتاحيات السياسية يبدأ في سن المراهقة، ويستمر في زيادة ونقصان مع تحسن الوضع الاقتصادي. 11- وأن مطالعة أخبار المجتمع تنخفض في سن المراهقة وترتفع بشكل ملحوظ مابين سن الثلاثين، وسن الستين. وتزداد عند النساء مع تحسن الوضع الاقتصادي. 12- وأن مطالعة أخبار الرياضة تصل أقصى مدى لها في العقد الثاني من العمر، وخاصة بين طلاب المدارس الإعدادية والثانوية، وتبدأ بعد ذلك بالتناقص تدريجياً. وتتحسن مع تحسن الوضع الاقتصادي. 13- وأن مطالعة رسائل القراء المنشورة في الصحف هي أكثر عند كبار السن من الشباب. 14- وأن مطالعة الصحف في سن متأخرة هي أكثر منها للترفيه ، من أنها مصدراً للمعلومات ووجهات النظر. كما وتوصلت بحوث ولبر شرام إلى نتائج تفيد بأهمية: 1- افتتاحيات الصحف والأخبار الرئيسية. 2- والصحف التي تهتم بالطرائف والأخبار المصورة. 3- وعلاقة الصحف وتعرض القراء لوسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى. 4- وطبيعة الأخبار نفسها، التي قسمها ولبر شرام إلى فئتين متقاربتين وتقسيم سيجموند فرويد للسلوك الإنساني، لمبدأ الواقع (الحقيقة) ومبدأ اللذة (الاستمتاع). وذكر شرام: "أن القراء والمستمعين يتعاملون مع الأخبار وفق احتياجاتهم ورغباتهم العاجلة أو الآجلة. وأن الأخبار العامة والاقتصادية والمشاكل الاجتماعية والعلوم والتعليم والصحة هي للرغبات والحاجات الآجلة. أما أخبار الجريمة والفساد والحوادث والكوارث الطبيعية والرياضة والترفيه والاهتمامات الاجتماعية والإنسانية فهي لإشباع حاجات ورغبات عاجلة أي مباشرة". 5- وتأثير الجنس على عادات المطالعة. 6- وعمق المطالعة. 7- والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. 8- وتأثير التعرض لوسائل الاتصال والإعلام المختلفة. 9- وتأثير مضمون المادة الإعلامية على أذواق الجمهور الإعلامي. خصائص الشخصية: من الحقائق المعروفة أن الضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الفرد في المجتمع، تولد ردود فعل متباينة لدى الأفراد. وردود الفعل هذه ترتبط ليس بمصدر المادة الإعلامية فقط، بل وبمضمون المادة الإعلامية أيضاً. وتحدد طبيعة ردود الفعل هذه الخصائص الاجتماعية والفردية لكل المتعرضين للمادة الإعلامية. وتبقى الشخصية الفردية كعامل مؤثر من عوامل الاستعداد للاقتناع وتغيير السلوك والمواقف وفق الإستمالات والحجج المستخدمة في المادة الإعلامية. وقد عكف علماء الاتصال على دراسة الاختلافات الفردية لدى الجمهور الذي تعرض لنفس المواد الإعلامية لمعرفة مدى الاستعداد الفردي لديه. فاكتشفوا نوعين من الاستعداد الفردي للاقتناع بمضمون المادة الإعلامية هما: الاستعداد لتقبل أو رفض وجهة نظر معينة عن موضوع معين تتم مناقشته؛ والاستعداد بشكل عام للاقتناع بصرف النظر عن الموضوع. ومن السمات الشخصية التي تجعل من الفرد أكثر تقبلاً أو مقاومة للمادة الإعلامية: 1- العلاقة بين المستويات الذهنية والاستعداد للاقتناع: وهي أدلة قدمها هوفلاند وزملاؤه عن: الأفراد الذين يتمتعون بمستوى عالي من الذكاء، ويتأثرون أكثر من الذين يقل مستوى الذكاء عندهم. لأنهم أقدر على استنتاج المواد الإعلامية المعتمدة على حجج منطقية مؤثرة؛ والأفراد الأكثر ذكاء، هم أكثر قدرة على المحاكمة وأقل تأثراً بالمواد الإعلامية السطحية المدعمة بحجج غير منطقية. 2- والعوامل المتصلة بالحوافز المثيرة للاستعداد العالي للاقتناع: كانخفاض تقدير الفرد لذاته؛ والإحساس بالقلق وعدم الاستقرار؛ وخصوبة الخيال؛ والتفتح الذهني؛ والتأثر بالآخرين. 3- الدوافع المتصلة بالاستعداد المنخفض للاقتناع، وتشمل السمات الشخصية التالية: الشعور بالعداء لآخرين؛ والميل للعزلة الاجتماعية؛ والحالات العصبية الشديدة. 4- الحاجة للمعلومات، وطرق الحصول عليها، وغموض عملية الاتصال، وهي أبحاث عكف عليها الباحثون كوهين، وكلمان وكوهلر الذين توصلوا عام 1959 إلى أن طبيعة هذه الفئة التي تركز على التبسيط وتمييز التفاصيل لحاجتهم الماسة لوضوح المادة الإعلامية وليس غموضها.
جامعة ميرزة ألوغ بيك الحكومية طشقند
كلية الصحافة - قسم الإعلام الدولي
الدكتور محمد البخاري
محاضرات في الدراسات الإعلامية وتحليل المضمون الإعلامي
TAHLIL VA SHARHLASH JURNALISTIKASI
طشقند - 1998
تطور الأبحاث العلمية واتجاهاتها الحديثة: ازدادت أهمية الاتصال في العصر الحديث بشكل كبير، بفضل تطور وسائل الاتصال وتقنياتها الحديثة. فالمعلومات تحيط بنا في كل مكان ومن كل اتجاه حتى أصبحت طبقة تحيط بالكرة الأرضية كالغشاء الهوائي الذي يوفر لنا الحياة، طبقة تعود الإنسان عليها حتى كاد ينساها أو يجهل وجودها، عدا قلة من الناس الذين يتعاملون مع هذه الطبقة المعلوماتية ويدركون مدى فاعليتها وتأثيرها. وقد أطلق الباحث في علم الاتصال بيير تايلهارد على هذه الطبقة المعلوماتية التي تحيط بالكرة الأرضية اسم "نوسفير"، ويستفيد الإنسان المعاصر من هذه الطبقة متلقياً سيلاَ من المعلومات تتضمن حقائق وآراء مختلفة يستخدمها في مواقف اتصالية يدخل فيها مع آخرين كمتحدث ومستمع، ولكنه لا يؤثر في عملية الاتصال كغيره من الفئات الاجتماعية الأكثر تأثيراً في عملية الاتصال كالمفكرين والصحفيين والكتاب والسياسيين ورجال الدين والأساتذة والمعلنين الذين يعطون من خلال وسائل الاتصال أفكاراً ومعلومات في المواقف الاتصالية أكثر مما يأخذون من معلومات، بحكم أدوارهم الاجتماعية التي تسمح لهم بالتأثير والتحكم بتفكير غيرهم من الناس. وأصبح الاتصال اليوم حقيقة طاغية في حياتنا اليومية المعاصرة، وأصبح الناس أداة فاعلة في عملية الاتصال المستمرة على مدار الساعة مرسلين ومستقبلين على حد سواء بفضل تقنيات الاتصال الحديثة التي حولت العالم بأسره إلى قرية الأمس في عمليات الاتصال المباشرة والمعقدة، والتي لم تعد تعترف لا بالحدود الجغرافية ولا بالحدود السياسية للدول المختلفة في العالم. وفرض تطور التقنيات الحديثة للاتصال على الإنسان المعاصر تعلم مهارات جديدة لم يكن بحاجة لتعلمها قبل عدة عقود فقط، وأصبحت ضرورية له لمواكبة العصر واستخدام وسائل الاتصال الحديثة المعقدة حتى في اتصالاته الشخصية عبر شبكات الحاسبات الإلكترونية (الكمبيوتر) التي جعلت من الاتصال عملية سريعة وفورية وسهلة بالاتجاهين. ومع تزايد أهمية الاتصال في حياتنا اليومية المعاصرة، ازدادت أهمية أبحاث الاتصال. فما هي أبحاث الاتصال؟
معنى أبحاث الاتصال: يميل بعض علماء الاجتماع إلى التفريق بين الأبحاث الصحفية، والأبحاث الإعلامية. رغم امتداد الدراسات التي استهدفت الصحافة خلال القرن العشرين إلى سائر مجالات الإعلام وقنواته انطلاقاً من مفهوم وحدة الفنون الصحفية والإعلامية رغم تشعبها. ورغم اهتمام بعض المعاهد الصحفية في العالم بدراسة مجال واحد من المجالات الإعلامية، كدراسة الإذاعة والتلفزيون، أو الصحافة المطبوعة، أو الاتصال الشخصي كل على حدى. إلا أننا نعتبر أن مثل هذه الدراسات الناقصة لا تلبي حاجة البحث العلمي في مجال الإعلام والاتصال بشكله الملائم والمطلوب على أعتاب القرن الواحد العشرين، في زمن تشعبت فيه قنوات الاتصال وتداخلت من خلال شبكات الاتصال الحديثة سمة الحقبة الأخيرة من القرن العشرين.
فالأسلوب العلمي الصحيح اليوم يربط بين أساليب الاتصال وتقنياته الحديثة كوحدة واحدة تتلاقى فيها قنوات الإعلام أصولاً وفروعاً. رغم التقسيم الذي سار عليه بعض الباحثين حينما فرقوا بين الأبحاث الصحفية، التي حاولوا حصرها بدراسة وسائل الإعلام أو الرسائل الإعلامية فقط، بينما حاول البعض الآخر حصر أبحاث الاتصال بعملية الاتصال فقط. لأنه من الصعب جداً دراسة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية دون الاهتمام بعمليات الاتصال والمواقف الاتصالية التي يتم من خلالها توجيه وتبادل المعلومات. فأي بحث يتناول الاتصال يجب أن يهتم بالجانبين معاً. فنحن لا نستطيع فهم ما تنشره وما تنقله أو تذيعه أو تبثه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، دون أن ندرك عملية الاتصال، وكيف يؤثر مضمون وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على الأفراد والجماعات المختلفة. وحينما نحاول أن نعرِّف المادة الإعلامية، نجد صعوبة بالغة في وضع حدود واضحة تحدد الأبحاث الإعلامية وتميزها عن غيرها من أبحاث العلوم الإنسانية. فأهداف واهتمامات أبحاث الاتصال واسعة جداً، لأنها لا تدرس وسائل الاتصال فقط، بل تتعداها لدراسة عمليات الاتصال. وهذا يحتم علينا الاهتمام بعلوم إنسانية أخرى منها التربية، وعلم النفس الفردي، وعلم النفس الاجتماعي، والاقتصاد، والأنثروبولوجيا، والقانون، والستسيولوجيا، والسياسة... الخ، فالصحافة أو الإعلام تشارك العلوم الإنسانية مسؤولية الكشف عن مختلف أوجه المشاكل التي تتضمنها عملية الاتصال في مختلف مراحلها.
ولقد أدرك علماء الاتصال منذ أواسط القرن العشرين، حقيقة أنه لا يمكن فهم الاتصال عن طريق وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بدون فهم عملية الاتصال المباشر بين شخص وآخر، وعملية الاتصال داخل الجماعة الصغيرة. فبدون إدراك وفهم عملية الاتصال الفردي، والاتصال داخل الجماعة الصغيرة، لا يمكن فهم عملية الاتصال عن طريق مؤسسات ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ولا نستطيع كذلك تقدير تأثير تلك المؤسسات والوسائل. ومن المسلم به أن فهم ودراسة وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية هي من مسؤولية علماء الإعلام أساساً، ولكننا لا نستطيع أن ننكر اشتراك علماء السياسة والاقتصاد والمجتمع في هذه المسؤولية بشكل أو بآخر. ولكن المسؤولية تبقى أساساً على عاتق علماء الإعلام والاتصال المسؤولين عن دراسة عمليات الاتصال الجماهيري، والتعرف على تنظيم مؤسسات الاتصال والإعلام، وأساليب السيطرة الاجتماعية عليها، ومركز تلك المؤسسات في التنظيم الاجتماعي بشكل عام، ووظيفة تلك المؤسسات وجمهورها ومسؤوليتها، وطريقة اضطلاعها بتلك المسؤوليات، ودراسة طبيعة تأثير تلك المؤسسات. واكتشاف السبل لتحقيق فاعلية الإعلام والاتصال، واختيار أنجع الوسائل، والتعرف على طبيعة كل وسيلة منها. وطبيعة الجمهور المتلقي، ومشاكل نقل المعاني والرموز عبر وسيلة الاتصال.
تطور الأبحاث العلمية في مجال الإعلام والاتصال: يمر التطور التاريخي لأي علم من العلوم الحديثة، بمراحل تطور متشابهة تبدأ بالمرحلة الفلسفية، حيث ينصب الاهتمام فيها على تحديد المسارات الأساسية، وتكوين مفاهيم كلية وافتراضات أساسية، وتحديد طرق وأساليب للبحث العلمي، ويعاد النظر فيها بشكل يمكن بواسطتها جمع المعلومات والحقائق عن العلم المقصود. وتنتهي هذه المرحلة عند التوصل إلى اتفاق عام على بعض المبادئ والافتراضات الأساسية وبعض طرق وأساليب البحث العلمي. وينتقل الاهتمام في المرحلة الثانية إلى تطبيق أساليب جديدة للبحث، مهمتها قياس صحة الافتراضات التي تم الاتفاق عليها في المرحلة الأولى الفلسفية، يرافقها تجميع حقائق مفصلة عن تلك الافتراضات. وتنتهي المراحل التجريبية بجمع جملة من الحقائق تستخدم في بناء نظرية علمية محددة، وهي المرحلة الثالثة التي تتابع فيها الأبحاث والتجارب التي تؤدي إلى تطور البحث العلمي والوصول إلى نتائج جديدة ومقترحات تؤدي للوصول إلى نظريات علمية جديدة. وقد بدأت الأبحاث العلمية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشرينات من القرن العشرين، وركزت الأبحاث الأولى على دراسة وصفية لتاريخ الصحافة، والشخصيات الصحفية التي قامت بإصدار وتحرير صحف كل مرحلة من المراحل المدروسة. وركزت على مفاهيم فلسفية معينة كحرية الصحافة وحق الأفراد في نشر آرائهم بدون تدخل السلطات، ودور الصحافة في المجتمع إلى آخره من الاهتمامات العلمية.
وظهرت في المرحلة التالية دراسات اعتمدت على الأبحاث التجريبية والميدانية الكمية. خرجت بدراسات موضوعية بعيدة عن تحيز الباحث، معتمدة على حقائق علمي ثابتة، مستخدمة أساليب القياس والتجربة للوصول إلى نتائج علمية مقنعة. توصل العلماء بفضله إلى تكوين نظرية علمية طورت خلال الخمسينات والستينات من القرن العشرين. وتوسع البحث العلمي في مجال الاتصال ليشمل دراسات في الإعلام الدولي وطبيعة الإعلام في الدول الأخرى وخاصة تلك التي تختلف مع الولايات المتحدة الأمريكية إيديولوجياً، أو التي تدخل ضمن مجال اهتمامات سياستها الخارجية والمصالح الأمريكية في العالم عامة. ورافق هذا التطور في الأبحاث العلمية بمجال الإعلام اهتمام علماء السياسة والاقتصاد والمجتمع وعلم النفس والأنثروبولوجيا بعلوم الاتصال، الذين ساهموا في تطوير وبناء نظريات ومفاهيم أساسية لعلم الاتصال. مما أعطى الدراسات الإعلامية طابعاً متميزاً ساهم في اتساعها وإثرائها خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
تطور للدراسات العلمية الإعلامية واتجاهاتها: الاتجاه النظري الفلسفي للدراسات الإعلامية: استخدم اصطلاح " أبحاث الاتصال الجماهيري في مطلع الثلاثينات من القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكننا لا نستطيع اعتبار هذا التاريخ بداية للأبحاث العلمية في مجال الاتصال والإعلام. لأن الاهتمام بفهم وتفسير عملية الاتصال بدأـ قبل ذلك بكثير. فأرسطو (284-322 ق . م) مثلاً عرَّف في كتابه "فن البلاغة"، دراسة البلاغة (أي الاتصال) بأنه: " البحث عن جميع وسائل الإقناع المتوافرة"، وحدد عملية الاتصال بالمواقف التالية: المتحدث، الحديث، المستمع. في ذلك الوقت الذي كان الاتصال الجماهيري فيه يعتمد على الخطابة للاتصال السياسي في المدينة الإغريقية الصغيرة. ولم تخرج النماذج الاتصالية فيما بعد عن الإطار العام الذي وضعه وسار عليه أرسطو.
أما بدايات الاهتمام بالأبحاث العلمية الإعلامية فتعود لأوائل القرن العشرين، وبدأت كما وسبق وأشرنا بالدراسات التاريخية والفلسفية والقانونية والأدبية. ورافق ذلك ظهور أولى الكتب عن الرأي العام، وكان أهمها كتاب جابريل تارد "الرأي العام" الذي ظهر عام 1910، وكتاب جراهام ولاس "الطبيعة البشرية في مجال السياسة" الذي ظهر عام 1909، ومن الكتب الهامة التي تناولت دور الجماعات المنظمة في عملية اتخاذ القرار كتاب بنتلي "عملية الحكم" الذي صدر عام 1908، وتناول موضوع ما عرف فيما بعد بجماعات الضغط وعلاقتهم بالرأي العام والسياسة. وكانت الحرب العالمية الأولى التي نشبت عام 1914 نقطة البداية التي سمحت للدول الكبرى وخاصة بريطانيا باستخدام الإعلام كسلاح للتأثير على العقول عن طريق الدعاية المنظمة، وازداد الاهتمام بعد ذلك تباعاً بدراسة الإعلام بشكل لم يسبق له نظير. فقد لفتت الحرب أنظار الباحثين إلى أبعاد جديدة للدعاية، وازداد الاهتمام بوسائل الاتصال وأساليب التأثير على الرأي العام حتى أنه اعتبرت الفترة الممتدة من عام 1920 وحتى عام 1930 نقطة تحول هامة على طريق الدراسات العلمية الإعلامية، وبداية حقيقية لتطبيق مناهج البحث التجريبية الحديثة في مجال دراسة الإعلام ووسائله وأساليبه وتقنياته.
وقد ظهرت بعد الحرب عدة مؤلفات لباحثين أمثال: جورج كريل، وهارولد لازويلد، وج. برنشتورف، وجورج ديمرشيل Demartial، وهانز ثيم Thimme، وف. شونمان F. Schoenemann، وكميل ستيوارت، وادجار شترن Stern، وولتر ليبمان. وقد فرضت الحاجة ضرورة تطبيق طرقاً جديدة في البحث العلمي لمعرفة أفضل الطرق لجذب المعلنين، ولكن الدفعة القوية للبحث العلمي في مجال وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري كانت بفضل اهتمام الحكومات خلال الحرب بالدعاية ودراسة الروح المعنوية للقوات المسلحة والمدنيين، وسيكولوجية القيادة ومشاكلها، والعلاقة بين الضباط والجنود وما رافقها من حاجة للأبحاث التجريبية. وكان هذا الاهتمام بمثابة الحافز الذي دفع الباحثين والخبراء والعلماء إلى تطوير بحوثهم العلمية لتشمل مجالات السياسة وعلم النفس، وقياس تأثير الرسائل الإعلامية، فظهرت أسماء جديدة من الباحثين العلميين الذين كان لهم أبلغ الأثر في تطوير البحوث العلمية في مجال الاتصال والإعلام واستخدام أساليب حديثة في البحث كجون لونج، وبارنيز، وريس، وأبراهام ليسكي، وايفي لي، ورالف كيس، وغيرهم. وفضلا عن ذلك فقد شهدت العشرينات من القرن العشرين بداية تطبيق أساليب حديثة في البحث الميداني لدراسة المستهلكين، واهتمامات قراء الصحف والمجلات ومستمعي الراديو ورواد صالات السينما واستفتاء الرأي العام. وبدأت مجلة Literary Digest استطلاعات الرأي العام في تلك الفترة بطريقة غير رسمية لمعرفة المرشح الذي سيصوت لصالحه الجمهور، وهو ما عرف آنذاك باسم Straw Votes.
كما وشهدت نفس الفترة مع نطور أساليب القياس وطرق الإعداد للاستطلاعات والدراسات التجريبية، اختراع بعض الآلات البسيطة لاستخراج النتائج وتلخيص كميات كبيرة من المعلومات بصورة أسرع من الطرق التقليدية المتبعة آنذاك. وهو ما ساعد على القيام بدراسات إحصائية كمية، رافقتها محاولات لقياس الآراء والاتجاهات، لعب فيها الباحثان لويس ثرستون Louis L. Thurstone في مجال علم النفس، وستيوارت رايس Stewart Rise في مجال السياسة والإحصاء دوراً بارزاً. ولفتت في نفس الوقت أنظار الباحثين نجاحات الدعاية السوفييتية، والفاشية الإيطالية في استخدام الدعاية كسلاح من أسلحة السياسة الخارجية للدولة، وكوسيلة ناجحة للسيطرة على الجماهير في الداخل، والتقدم الهائل للإعلان التجاري في الولايات المتحدة الأمريكية. وهي الدروس التي استفاد منها أدولف هتلر في كتابه "كفاحي" الذي صدر الجزء الأول منه عام 1925، وصدر الجزء الثاني عام 1927، لتستخدم ببراعة في الدعاية الألمانية النازية. وشهد العام 1925 صدور أول مجلة ربع سنوية متخصصة تعنى بتشجيع ونشر الأبحاث والدراسات الإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية حملت اسم Journalism Quarterly.
ومع حالة الكساد الاقتصادي التي سادت العالم في ثلاثينات القرن العشرين، التي انتهت بالحرب العالمية الثانية المدمرة واستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية فيها لأول مرة القنابل الذرية لتدمير مدن يابانية بأكملها وقتل سكانها الأبرياء، دخلت الإذاعات الدولية كسلاح من الأسلحة الهامة في الحرب من قبل الدول الكبرى آنذاك كإيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية، واليابان، والإتحاد السوفييتي، وبريطانيا العظمى، والولايات المتحدة الأمريكية. وبدأت الإذاعات الدولية بالبث باللغات الأجنبية كاللغة الإنكليزية والفرنسية والعربية والإسبانية والبرتغالية. بهدف التأثير على شعوب الدول الأخرى وكسب الرأي العام العالمي لصالح قضاياها ومصالحها في العالم. وهو ما ساعد على تطوير أساليب تحليل المضمون بمختلف الطرق والوسائل كمياً وموضوعياً.
وكان من العوامل الهامة التي ساعدت على تطوير البحوث العلمية في الإعلام والاتصال في تلك المرحلة: 1- ازدياد اهتمام الهيئات الحكومية بالدعاية، وتشجيعها على تطوير مناهج البحث وتطبيقها على نطاق واسع لقياس تأثير المادة الإعلامية. وتشجيع دراسات التسويق والإعلان على نطاق واسع. 2- قلق المجتمعات الديمقراطية من السيطرة السياسية على وسائل الإعلام الجماهيرية في الإتحاد السوفييتي وألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، واستخدام هذه الدول لها لدعم نفوذها السياسي في الداخل والخارج. الوضع الذي استغله بعض علماء الاجتماع لتضخيم قدرات وسائل الإعلام الجماهيرية في التأثير على العقول والسيطرة عليها. 3- تركز ملكية وسائل الإعلام الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية، في أيدي قلة من المالكين في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، واختفاء المنافسة في السوق الإعلامية في المجتمعات الغربية. وما رافقها من قلق حيال احتكار وسيطرة أقلية من المالكين لوسائل التوجيه والإعلام الجماهيري. مما خلق الحاجة لدراسة ظاهرة الاحتكار الإعلامي. 4- اشتداد المنافسة بين وسائل الإعلام الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية للحصول على أكبر قدر من الدخل والتمويل عن طريق جذب الإعلانات والدعاية إليها. مما حفز دراسات قياس تأثير كل من تلك الوسائل الإعلامية على حدى ومقارنتها ببعضها البعض، من حيث الانتشار والتأثير. ورافقها في الخمسينات من القرن العشرين التركيز على دراسة تأثير التلفزيون على الأطفال، وتأثير برامج العنف والجريمة على انحراف الإحداث، ودور التلفزيون في التعليم. 5- الاهتمام بدراسة التأثير السياسي لوسائل الإعلام الجماهيرية، وخاصة أثناء الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية. مما دفع مركز الدراسات الاجتماعية والتطبيقية بجامعة كولومبيا، ومؤسسات البحث العلمي في جامعات ييل، وستانفورد، وآلينوي، للقيام بدراسات لاكتشاف الحقائق عن الدور الذي يلعبه الاتصال الشخصي في المجتمعات المتقدمة، ودور الجماعة في التأثير على أعضائها، وتأثير الإشاعة، وخصائص وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة. والعمل على تطوير تلك الأبحاث. ومن الأساليب الشهيرة في الثلاثينات من القرن العشرين، كان أسلوب جورج جالوب في قياس اهتمامات قراء الصحف، والذي عرف باسم "أسلوب التعرف". واستخدمته مؤسسة أبحاث الإعلان في دراستها المستمرة لقراء الصحف في الفترة من عام 1939 وحتى عام 1953 وشملت عينات من قراء 130 صحيفة يومية من جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، لخصت نتائجها في 138 تقريراً. وقد شملت "الدراسة المستمرة" تطور الإعلانات في الصحف، وأسلوب تحرير الصحف بشكل عام، وجمعت معلومات كبيرة عن قراء الصحف، والمواد الأكثر قراءة في الصحف. كما وأدى تكرار هذه الدراسات إلى تراكم المادة العلمية وتطوير أساليب البحث المتبعة. حيث طور كلاً من: سوانسون، وجونز، وبلدو أساليب علمية لقياس اهتمامات قراء الصحف، وابتكروا طرقاً سهلة لتسجيل وتفريغ البيانات. 6- تعاون مؤسسات التعليم العالي وهيئات البحث العلمي في النصف الثاني من القرن العشرين في مجال الدراسات الإعلامية، ومن أبرزها كان البحث الذي موله معهد الصحافة الدولي في زيورخ IPIودرس طبيعة الأخبار الدولية في عينة من صحف الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا الاتحادية، وبريطانيا، وفرنسا، وهولندا، وبلجيكا، وسويسرا، والسويد، والهند. ونشرت نتائجه عام 1953 تحت عنوان "تدفق الأخبار".
وقد أدى تراكم البحوث الإعلامية إلى ظهور أكثر من خمسين وصفاً لعملية الاتصال، وإلى وضع نماذج كثيرة تشرح عملية الاتصال، منها النموذج الرياضي لكلود شانون عام 1948، ونظرية الاتصال الرياضية لشانون وويفر. وتجنبت الأبحاث دراسة الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام الجماهيرية، رغم أن الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام الجماهيرية هو الأساس لمعرفة دور وسائل الإعلام الجماهيرية في إقناع الجماهير في أي مجتمع من المجتمعات. ورغم استخدام أساليب التحليل الوظيفي في دراسة طبيعة ودور الاتصال الجماهيري على الفرد والمجتمع في الإتحاد السوفييتي السابق.
الاتجاه السياسي للدراسات الإعلامية: يعتبر عالم السياسة الأمريكي هارولد لازويل، الذي تدرب ومارس التدريس في جامعة شيكاغو، وعمل لسنوات طويلة في جامعة ييل، ممثلا للاتجاه السياسي الذي اهتم باستخدام تحليل المضمون كأسلوب من أساليب القياس في الدراسات الإعلامية. وقد درس لازويل الدعاية ودور وسائل الإعلام الجماهيرية في المجتمعات والدول، والنفوذ السياسي للقائمين بالاتصال، وتحليل المضمون على أسس علمية. ومن الموضوعات التي اهتم لازويل بدراستها: وظيفة الاتصال في المجتمع؛ وعلاقة الاتصال بالحكومات؛ وممارسة السلطة وتوزيعها؛ وعوامل الإشراف والسيطرة على وسائل الإعلام الجماهيرية؛ واستخدام الاتصال كوسيلة أو أداة سياسية من قبل الحكومات؛ ومقارنة نظم الاتصال في الدول والثقافات المختلفة؛ واقتصاديات الاتصال؛ وطبيعة وعمل القائمين بالاتصال؛ ومضمون وسائل الإعلام الجماهيرية. ومن الذين درسوا عملية التحضير للاتصال السياسي دانيل لونر، ولوشيان باي. كما ودرس أثيل دوسولا بول، وكارل دويتش، أنظمة الاتصال في الدول النامية والإعلام الدولي.
الاتجاه السيكولوجي الاجتماعي للدراسات الإعلامية: يعتبر علم النفس الاجتماعي من المجالات الأساسية والهامة في الدراسات الإعلامية. ويعتبر كارل هوفلاند، وبول لزرفيلد، وكورت لوين، من أوائل الباحثين في هذا الاتجاه الهام. وقد ركز كلاً من هوفلاند عالم الاجتماع في جامعة ييل، على عملية الإقناع في دراساته. بينما ركز لوين عالم الاجتماع في جامعة أيوا، وجامعة ماساتشوسيت للتكنولوجيا دراساته على الجماعات والأدوار الاجتماعية. بينما ركز لزرفيلد دراساته في مركز الأبحاث الاجتماعية التطبيقية بجامعة كولومبيا، على استقصاء الرأي العام، وتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية، والعلاقة بين التأثير الشخصي، وتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية. ولد لزرفيلد في فيينا وتعلم فيها إلى أن حصل على درجة الدكتوراه، وفي عام 1923 ترك مسقط رأسه مهاجراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث صب اهتمامه على دراسة الساحة الإعلامية وتأثير الوسيلة الإعلامية الجماهيرية الجديدة آنذاك. حيث كان الباحثون مهتمون فعلاً بقياس مدى نجاح الإذاعة المسموعة كوسيلة إعلامية جديدة لفتت انتباه المعلنين. وانصبت دراسات القياس على معرفة عدد المستمعين والبرامج التي يفضلون الاستماع إليها. فاهتم لزرفيلد بمعرفة الأسباب التي دفعت المستمعين لسماع برامج إذاعية بعينها، واهتم باستنباط الطريقة التي تمكنه من كيفية استخدامهم للمعلومات التي يحصلون عليها وسائل الإعلام الجماهيرية، وتأثيرها على أذواقهم واتجاهاتهم الاجتماعية وتأثير الحملات الانتخابية على خياراتهم الانتخابية، وعلاقة الاتصال الشخصي بوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وبدأ اهتمام لزرفيلد بالإذاعة المسموعة عام 1937 عندما عين مديراً لمركز أبحاث الإذاعة المسموعة الذي أفتتح للتو بجامعة برنستون بتمويل من مؤسسة روكفلر. مستفيداً من خبرة فرانك ستانتون المدير السابق لشبكة س. ب. إس، في الإذاعة الأمريكية. وفي عام 1940 انتقل المركز تحت إشراف لزرفيلد إلى جامعة كولومبيا وأصبح مركزاً للأبحاث الاجتماعية التطبيقية. وأثمرت أبحاث لزرفيلد عن مجموعة من الكتب ذات المستوى الرفيع في موضوعات كالتصويت ، والبطالة، والاتصال، ومناهج البحث في العلوم الاجتماعية التطبيقية، إضافة لتدريب مجموعة من الباحثين الشباب الذين ذاع صيتهم فيما بعد.
أما عالم النفس الخبير بوسائل وأساليب إجراء التجارب العلمية، وعلم النفس الاجتماعي كورت لوين Kurt Lewin فقد هاجر في مطلع الثلاثينات من مسقط رأسه في أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أتم تحصيله العلمي في فيينا. وتمتع بتأثير كبير على طلبته في جامعة أيوا ومعهد ماساتشوسيت للتكنولوجيا، حيث اهتم خلال الحرب العالمية الثانية بدراسة حركة الجماعة، والاتصال في الجماعة، وتأثير جماعات الضغط الاجتماعي، وتأثير الجماعة على اتجاهات وتصرفات أعضائها. وقد ركزت دراسات لوين في علم النفس الاجتماعي على الفرد في ظروف المحيط الاجتماعي، وتحليل المؤثرات الاجتماعية على الطفل، وطبيعة الاختلافات القومية بين الأمريكيين والألمان، والمشاكل الاجتماعية الناتجة عن انتماء الفرد للأقلية الاجتماعية.
أما كارل هوفلاند فقد تخرج من جامعة ييل وبرز بين علماء النفس التجريبي قبل الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1942 استدعي للخدمة العسكرية والحق بقسم الأبحاث الإعلامية في الجيش حيث صب اهتمامه على دراسات الاتصال وتغيير الاتجاهات. وبعد الحرب عاد هوفلاند إلى جامعة ييل ووضع برنامجاً للبحث في الاتصال وتغيير الاتجاهات، وتمتع برنامجه بأسلوب دقيق للقياس يعتمد على التجربة المنظمة. ودرس هوفلاند تأثير القائم بالاتصال الذي يؤمن الجمهور الإعلامي بصدقه، والقائم بالاتصال الذي يتمتع بالنفوذ، وتأثير عرض الجانب الذي يسعى القائم بالاتصال لترويجه، وعرض الجانبين المؤيد والمعارض في وقت واحد، وتأثير الرسائل الإعلامية التي تثير الخوف الشديد لدى المستقبل، مقارنة بتأثير الرسائل الإعلامية التي تثير خوفاً معتدلاً أو خفيفاً، وأساليب تحصين الجماهير ضد الدعاية المضادة. وتعتبر كتبه من أهم ما وضع من كتب في علم الاتصال حتى وقت قريب. وقد توفي هوفلاند عام 1961 متأثراً بمرض السرطان عن 48 عاماً، ولم تتوقف أبحاثه التي استمرت على أيدي تلاميذه الذين استمروا على تطويرها والتوسع بها من بعده.
ومن دراستنا لأبحاث الرواد الأربعة في تطوير أبحاث الاتصال الجماهيري: لازويلد، ولزرفيلد، ولوين، وهوفلاند، فإننا نستنتج أن لازويل قد اتسمت أبحاثه بالشمول الذي يهتم بالمجال العام. أما لزرفيلد وهوفلاند فقد اتسمت بالمجال الأضيق الذي يهتم بالتفاصيل. أما أبحاث لوين عن الجماعات الصغيرة، فقد جاءت في الوسط بين المجالين.
وقد أضاف الباحث الأمريكي برنارد ولسون إلى المجالين أنفي الذكر خمسة مجالات فرعية للبحوث الإعلامية وهي: المجال الإصلاحي: الذي مثلته لجنة حرية الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية التي شكلت عام 1943، وأصدرت تقريرها عام 1947 الذي اهتم بتنظيم وسائل الاتصال وتكوينها، وأساليب السيطرة عليها، ومسؤولية وسائل الإعلام الجماهيرية اتجاه المجتمع. وهو المجال الذي تجاهلته الجامعات، ووقفت وسائل الاتصال التجارية ضده، وضد لجنة حرية الصحافة. والمجال التاريخي: والذي تمثل بدراسات ديفيد رايسمان D. Reisman، وهارولد إنيس H. Innis، واهتم بالتأريخ لحياة القائمين بالاتصال ولوسائل الإعلام الجماهيرية. وتدخل ضمنها مؤلفات فرانك موت F. B. Mott، وأرنولد هاوسر A. Hauser، التي اعتمدت على السرد والسير الشخصية. والمجال الصحفي: ويمثله نشاط معاهد الصحافة ومراكز البحث العلمي الإعلامية، وبعض الأساتذة أمثال: كيسي Casey، وريمو ب. نيكسون R. B. Nixon، وولبر شرام W. Schramm. واهتم بالسيطرة على وسائل الاتصال الجماهيرية، وخصائص القائم بالاتصال، واهتمامات قراء الصحف، ومسؤولية الإعلام في المجتمع. ومجال دراسة فلسفة اللغة والمعاني: الذي حاول من خلاله الباحثون تطبيق نظرية المعرفة على الاتصال الجماهيري، واشتغل فيه إضافة للفلاسفة، علماء الأنثروبولوجيا، واللغويين، وعلماء النفس، وعلماء الرياضيات. ومجال دور وسائل الإعلام الجماهيرية في نشر الأفكار المستحدثة: الذي اهتم أصلاً بالمجتمعات الزراعية ونشر الأفكار المستحدثة، وله علاقة كبيرة باهتمامات الدول النامية وأساليب التغيير السريع للمعتقدات والقيم. ومن رواده روجر، وكير، وشوميكر. ويبقى من مميزات الربع الأخير من القرن العشرين التركيز على دراسات الاتصال والإعلام الدولي على ضوء التطورات الهائلة لوسائل الاتصال الجماهيرية وخروجها من إطار المحلية إلى إطار الدولية، وما نتج عن ذلك من مشاكل معقدة تحتاج للدراسة والبحث لمعرفة وفهم المتغيرات التي طرأت على نظم الاتصال والإعلام الجماهيري في مختلف دول العالم.
ويبقى التصنيف الذي وضعه كتاب "نظريات الإعلام الأربع" الذي صدر عام 1956، قائماً في تصنيفه رغم انهيار الإتحاد السوفييتي السابق ومعه المنظومة الاشتراكية التي كان يقودها في مطلع التسعينات من القرن العشرين، واتجاه معظم الدول المستقلة إلى تبني نظم ديمقراطية في سياساتها الإعلامية. ونبقى في حاجة لدراسات تركز تأثير الانفتاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي على وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وتأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في شكلها الراهن على هذا الانفتاح. تتناول في البحث أيضاً المتغيرات في التعليم والدخل القومي وتوزيع الثروات والاستقرار السياسي والاجتماعي ومشاكل البيئة والتلوث ...وغيرها من البحوث التي لها علاقة مباشرة بنظم الإعلام الجماهيري في مختلف دول العالم. وهو ما تنبهت له الدول الأوروبية وانعكست صورته في ما نشرته مجلة اتحاد الإذاعات الأوروبية E. B. U. Review، ومجلة معهد الإذاعة الدولي Inter Media في لندن، ومجلة Gazette في هولندا، وغيرها من المجلات المتخصصة.
عملية الاتصال الجماهيري ونماذجها: ظاهرة الاتصال بين الأفراد والأمم والشعوب ظاهرة قديمة قدم الإنسان والأمم، لكن الاهتمام بدراسة الاتصال والإعلام والدعاية والرأي العام دراسة منهجية منتظمة قد اتضح في الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية كما سبق وأشرنا، كما وظهرت خلال الخمسينات والستينات من القرن العشرين بعض الكتب والدراسات القيمة في الاتصال والإعلام الجماهيري الدولي، وكان الاهتمام فيها منصب نحو دراسة الإنتاج الفكري للفترة الممتدة بين الحرب الكونيتين الأولى والثانية. ولكن قبل أن نتحدث عن نماذج الاتصال لابد أن نوضح المقصود من اصطلاحات الاتصال، والجماهيري، وعملية الاتصال بحد ذاتها.
تعريف الاتصال: الاتصال هو من أقدم النشاطات الإنسانية على الإطلاق، وهو من الظاهر المألوفة لدى الإنسان. ومعنى مصطلح الاتصال واضح وغامض في نفس الوقت، والمعنى يصبح واضحاً حينما نستخدمه بشكل تقليدي ضيق، ولكنه يتسم بالغموض عندما نستخدمه بشكل شمولي واسع. فإذا تحدث فرد مع آخر وأدى هذا الحديث إلى تفاهم متبادل بين الطرفين، فيمكننا القول أنه حدث اتصال، أي تحقق الهدف من الحديث. أما إذا أدى الحديث إلى حدوث سوء تفاهم، فيمكننا القول أنه لم يحدث اتصال أي لم يتحقق الهدف من الحديث. أو نصبح غير واثقين مما إذا حدث الاتصال فعلاً أم لا. ويقول كارل هوفلاند، أن الاتصال هو العملية التي ينقل من خلالها الفرد (القائم بالاتصال) مثيرات (رموزاً لغوية، رسالة)، لكي يعدل من سلوك الأفراد الآخرين (مستقبلي الرسالة). وفي هذه الحالة ينقل القائم بالاتصال الرسالة عمداً، أي بشكل هادف لإحداث تأثير معين. أما تشارلس موريس، فيقول أن اصطلاح الاتصال حينما نستخدمه بشكل واسع النطاق، فإنه يتناول أي موقف يشارك فيه عدة أفراد بموضوع معين. ولكنه يحصر الاتصال في استخدام الرموز لكي تحقق انتشاراً ومشاركة ذات مغزى. أي أن يتحقق تفاهم حول موضوع معينٍ، سواء عن طريق الرموز أو أية وسيلة أخرى سماها تشارلس موريس Communization. كأن ينتقل الغضب من شخص إلى شخص آخر، أو أن لا يغضب الشخص فعلاً ولكنه يبدي دلائل توحي بالغضب، وهذا الموقف ينطوي على إحساس ومشاركة نسميها اتصال. ويعتبر جورج لندبرج أن الاتصال هو نوع من التفاعل يحدث بواسطة الرموز، ويستخدم للإشارة إلى التفاعل بواسطة العلامات والرموز، التي يمكن أن تكون حركات أو صور أو لغة أو أي شيء آخر يمكن أن يثير السلوك الإنساني. والسلوك الناتج عن هذا التفاعل قد لا يكون بسبب التعرض للرموز نفسها، إن لم يكن المتلقي مهيأً للاستجابة للرمز بصورة معينة. وأن الاتصال يختلف عن التوصيل، وأن الاتصال الحقيقي هو نوع من التفاعل يتم بواسطة الرموز والعلامات، ويؤدي إلى تخفيف أو زيادة التوتر والشك وزيادة أو تشويش الفهم لدى الأفراد. أما إدوار سابير فقد كتب عن الاتصال المحدد، والاتصال الضمني، ما يلي: الاتصال المحدد، هو: اتصال بالمعنى التقليدي، أما الاتصال الضمني، فهو: التفسير البديهي للرموز اللاشعورية نسبياً، والاستيعاب اللاشعوري للأفكار والسلوك في ثقافة الفرد. بينما يعتبر بعض علماء الاتصال أن مفهوم الاتصال يتضمن كل العمليات التي يؤثر من خلالها الناس على بعضهم البعض. بينما عرف ستيفنز الاتصال باستجابة الكائن الحي على منبه معين بشكل متميز، ويقدم بنتيجتها على استجابة أو ردة فعل متميزة. والرسالة التي لا تحظى باستجابة لدى المستقبل لا تعتبر اتصالاً. عكس نوبرت وينر الذي عرف الاتصال بشكل أوسع يشمل التفاعل بين الآلات، عندما يقول: الاتصال بمعناه الواسع يتضمن كل الإجراءات التي يمكن بمقتضاها أن يؤثر عقل بشري على عقل آخر، أو يؤثر جهاز على جهاز آخر كأجهزة الرصد والتوجيه الأوتوماتيكي، وأجهزة الاستشعار عن بعد مثلاً. ولكننا نرى ورغم الاختلاف في التعريف نرى أنه هناك اتفاق على استخدام مصطلح اتصال لنقل المعاني، وانه في صيغة المفرد يستخدم الاتصال للإشارة إلى عملية الاتصال، وفي صيغة الجمع ,يستخدم للإشارة إلى الرسائل الإعلامية ومؤسسات الاتصال والإعلام الجماهيري بشكل عام.
تعريف جماهيري: يشير مصطلح جماهيري إلى جمهرة أو حشد أو مجموعة كبيرة من الناس مؤلفة من جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية، يختلف أفرادها في مراكزهم الاجتماعية ومهنهم وثقافاتهم وثرواتهم، مجهولي الهوية ولا يتفاعل الواحد منهم مع الآخرين ولا يتبادل معهم المشورة والخبرة، غير منظمين لا يمكن أن يعملوا كوحدة واحدة، ولا تتاح لهم فرصة الاختلاط والتقارب. وكل ما يشدهم إلى بعضهم البعض هو حدث يعنيهم جميعاً وطني أو قومي هام يشدهم إلى متابعة تطوراته. وقد ازداد حجم الجماهيري وأهميته في ظروف التطور العلمي والتقني والصناعي الحديث. ولعدة قرون خلت كانت المجتمع البشري منغلقاً في مجتمعات صغيرة، في المزارع والقرى والمدن، وكان عدد المدن الكبيرة محدود جداً حتى أن روما في قمة مجدها لم يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، يعيش غالبيتهم في جماعات صغيرة مكونة من الأقارب والأصدقاء وجماعات العمل والجيش. ولكن الحروب والغزوات والاحتلال والهجرات الجماعية أدت إلى اتصال الجماعات المعزولة نسبياً ببعضها البعض. بينما نجد في حياتنا المعاصرة اليوم أنه وخلال جيل واحد بسبب من الحروب الحديثة وانتقال قوات هائلة من قارات إلى قارات أخرى، وما رافقها من تطور لوسائل المواصلات والاتصال الحديثة، وانتشار وسائل الإعلام الجماهيرية الحديثة في جميع أنحاء العالم، أدى إلى خروج الناس عن إطار ثقافاتهم الأصلية المغلقة، ليعيشوا في عالم منفتح جديد وواسع.
تعريف عملية الاتصال: هي عملية ظاهرة تتغير بشكل مستمر خلال فترة محددة من الزمن، لا بداية ولا نهاية ولا تسلسل لأحداثها. وإذا رجعنا إلى ثورة الفلسفة العلمية التي أحدثها اينشتين وراسل ووايت هيد، نجد أن الثورة العلمية قد نفت نظرية ثبات الأشياء، كما نفت وجود أشياء مستقلة تقوم بعملها منفردة. وأدى هذا إلى ظهور نظرية النسبية التي تقول: أولاً: أن أي ظاهرة يمكن تحليلها ووصفها على ضوء ظاهر أخرى متصلة بها أو عمليات تدخل في ملاحظتها فقط. ثانياً: أظهرت الملاحظة القوية أن الأشياء الثابتة مثل الكرسي أو المائدة يمكن النظر إليها كظواهر خاضعة لغير مستمر، فهي تتغير تماماً مثل الإنسان الذي يقوم بملاحظتها. وتعود أسباب عدم القدرة على ملاحظة التغييرات إلى قصور أعضاء الحس لدى الإنسان.
فالكون يتغير دائماً ويتأثر بعوامل عديدة، نعرف بعضها ونجهل بعضها الآخر. والعلم كنشاط إنساني، يهدف إلى كشف العلاقات المشتركة بين الظواهر المختلفة، وتجعلها تؤثر على بعضها البعض. وكشف العلاقة والفهم هما شيء واحد، ففهم الظواهر معناه كشف العلاقة التي تربط بينها وبين ظواهر أخرى. أما إذا لم نعثر على تلك العلاقة، فإنها ستظل غير مفهومة لدينا أو بدون تفسير محدد لتلك الظواهر. فالمعرفة والفهم لا يتمان من دون اكتشاف العلاقات المختلفة بين المتغيرات موضوع الفهم والمعرفة. ولا يمكن فهم جانب واحد من السلوك البشري دون ربطه بالجوانب الأخرى.
ونحن نفهم معنى الأحداث من خلال ربطها بالأحداث الأخرى التي سبقتها والظروف المحيطة بها. فالفهم إذن يتم بعملية ربط أو إدراك العلاقات بين الظواهر المطلوب تفسيرها، وربطها بالأحداث الأخرى التي تلازمها والتي سبقتها والتي تؤثر فيها. فالفهم لن يتحقق إلا بربط الظاهرة بالمتغيرات والظروف الأخرى الخارجة عنها، والتي يعتبر وجودها مسؤولاً عن أحداث الظاهرة نفسها.
والأسلوب الوظيفي لدراسة التفاعل البشري يفترض أن الناس عندما يتصلون يستخدمون كل إمكانياتهم وطاقاتهم، لأن عملية الاتصال تتطلب استغلال كل إمكانيات وطاقات الفرد، من مدارك وتعلم ودوافع وعواطف واتجاهات ومعتقدات وقيم ومعاني وظروف اجتماعية. فالاتصال البشري هو عبارة عن عملية واحدة مركبة تجمع العديد من العمليات والقوى المعقدة والمستمرة والتي تتفاعل ظرف متبدل لا بداية ثابتة له ولا نهاية ثابتة. وكل أوجه النشاط تلك تؤثر على الاتصال البشري الذي يعتبر تجميعاً لعناصر وقوى متفاعلة مادية وسيكولوجية واجتماعية. علينا التنبؤ بكيفية تفاعل تلك المتغيرات أو ردود الفعل المحتملة لإحداث نتائج معينة. وتأثير الرسالة الإعلامية لا يمكن تفسيره على ضوء نموذج المثير والاستجابة البسيط، لوجود عدة متغيرات خارجة عن عملية الاتصال ذاتها، تؤثر على نتيجة عملية الاتصال تأثيراً مباشراً. لأننا نبحث عن تفسير ظاهرة وعن مؤثرات ومتغيرات خارجة عن عملية الاتصال وتربطها بها علاقة وظيفية محددة. منطلقين من مبدأ أن وسائل ا‘لام الجماهيرية تؤثر في الجمهور الإعلامي، وأن الجمهور الإعلامي يؤثر بدوره على مضمون وسائل الإعلام الجماهيرية. وأن السياسة تغير الرأي العام، وأن الرأي العام يغير السياسة، وأن التغيير الاقتصادي يحدث تغييراً في الاتصال والإمكانيات الإعلامية التي بدورها تعاون على التغيير الاقتصادي. وبمعنى آخر أن الأسلوب الوظيفي لتفسير عملية الاتصال يأخذ في اعتباراته ظواهر متعددة لتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية.
وظائف الاتصال الأساسية: نستطيع أن ندرس أهداف عملية الاتصال من وجهة نظر المرسل أو من وجهة نظر المستقبل على حد سواء. كما ونستطيع تحديد وظائف عملية الاتصال على أساس الفرد أو على أساس المجتمع. فمن وجهة نظر الفرد القائم بالاتصال، أي المرسل بشكل عام، هي: الإعلام؛ والتعليم؛ والترفيه؛ والإقناع. أما من وجهة نظر المستقبل، أي الطرف الآخر في عملية الاتصال، فهي: المشاركة في عملية الاتصال؛ وفهم ما يحيط به من ظواهر وأحداث؛ وتعلم مهارات جديدة؛ والاستمتاع والاسترخاء والهرب من مشاكل الحياة؛ والحصول على معلومات جديدة تساعده على اتخاذ القرارات والتصرف بشكل مقبول اجتماعياً. وكانت هذه الأهداف قبل اختراع الطباعة تحقق عن طريق الأفراد، ومن ثم أصبحت تتحقق تدريجياً عن طريق وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تباعاً مع دخول تلك الوسائل ميدان الخدمة الاجتماعية، حتى أصبحت من الأجهزة المهمة والمؤثرة على حياتنا اليومية إلى جانب مؤسسات التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية الأخرى. وتقوم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية اليوم وكما كانت عليه بالسابق بمهام محددة لا تخرج عن إطار: توفير معلومات عن الأوضاع المحيطة بنا (أخبار)؛ ونقل التراث الثقافي عبر الأجيال، والمساهمة في تنشئة الأجيال الجديدة، وصهر الوافدين الجدد في المجتمع الوافدين إليه؛ والترفيه عن الجماهير وتخفيف أعباء حياتهم؛ ومساعدة نظام الحكم لتحقيق التفاهم، والاتفاق بين الفئات الشعبية، والوحدة الوطنية، وتعبة الرأي العام. عن طريق الإقناع، والحوار، بدلاً من استخدام القوة والعنف للسيطرة على المجتمع.
أهداف الفرد من المساهمة في عملية الاتصال: يتعرض الفرد لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي تنقل إليه خبرات وتجارب الآخرين، ويتصل الفرد بأفراد آخرين بشكل مباشر، ويمر بتجارب معينة تكسبه خبرات محدد. ويتحول إلى مصدر من مصادر المعلومات، يستفاد من خبراته. والاتصال هو أساس التفاعل والصلات بين الفرد والمحيط من حوله. وحينما يتفاعل الإنسان مع الآخرين من حوله، يقاسمهم المعلومات والتجارب، بصبح هدفه الأساسي تغيير العلاقات القائمة بينه والمحيط من حوله. محاولاً التقليل قدر الإمكان من التأثير الخارجي عليه، مدعماً من قدراته الذاتية ليتحول إلى قوة مؤثر في ذلك المحيط. وباختصار: نحن نتصل لنؤثر بهدف. فالاتصال بهدف هو الذي يحقق رد فعل أو استجابة معينة لدى المستقبل. وفشل عملية الاتصال في تحقيق أهدافها تعود عادة إلى: ضعف قدراتنا وعجزنا عن تحديد هدفنا بدقة؛ وسوء فهمنا للهدف الحقيقي من مساهمتنا في عملية الاتصال. وقد أثبتت بعض الدراسات الإعلامية، عن القائمين بالاتصال في الولايات المتحدة الأمريكية، أن أغلبية القائمين بالاتصال المسؤولين عن الأخبار الدولية، يهدفون من أدائهم لعملهم كسب احترام زملائهم، وتقدير رؤساهم في العمل. أو السعي للعمل في وسيلة اتصال أكبر، أو شغل منصب في العلاقات العامة أو الإعلان يوفر لهم دخلاً مادياً أكبر. متناسين الهدف الأساسي من عملهم وهو: خدمة الجمهور الإعلامي. وبذلك نراهم قد انصرفوا عن الهدف الأساسي نحو تحقيق مكاسب شخصية لا أكثر. وتحليل أية رسالة إعلامية لا يمكن دون معرفة الهدف منها، وهذا الهدف لابد أن تكون له استجابات محددة لدى المتلقي، ودوافع تدفع المتلقي للتعرض للرسالة الإعلامية. لابد أن تؤخذ كلها بعين الاعتبار لدى دراسة عملية الاتصال. وتنطوي عملية الاتصال عادة على نوعين من الاستجابات هما: استجابة يهدف إليها صانع الرسالة الإعلامية؛ واستجابة يقدم عليها متلقي الرسالة الإعلامية. وهنا يجب أن نراعي حقيقة مفادها، أن أهداف القائم بالاتصال، لا تتلقى دائماً نفس الاستجابة التي هدف إليها في رسالته الإعلامية، ولا تحقق التأثير المطلوب على الآراء والاتجاهات كما رسمها القائم بالاتصال في رسالته الإعلامية تلك.
طبيعة تأثير الرسالة الإعلامية: ذكر الباحثان الأمريكيان ولبر شرام، وديفيد برلو، أن بعض أهداف عملية الاتصال تتحقق بمجرد استهلاك الرسالة الإعلامية، وانتهاء التعرض لها. وهو الهدف العاجل الاستهلاكي، كقتل الوقت، أو التسلية، أو التخلص مكن التوتر. وفي أحول أخرى يسعى مضمون الرسالة الإعلامية تحقيق أهداف مؤجلة، كما في المقتلات السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، لفهم الظروف التي تحيط بنا فهماً أفضل. وهو الهدف البعيد المدى. ويشير ديفيد برلو إلى أنه هناك الكثير من الأدلة التي تثبت أن أهداف القائم بالاتصال والمتلقي قد تختلف، ورغم ذلك نراهما ينجحان في تحقيق ما يهدفان إليه. فقد يشتري القارئ مجلة ليطالع قصة فيها (هدف المتلقي)، ولكنه لا يلبث أن يشتري سلعة أعلن عنها في تلك المجلة (هدف القائم بالاتصال). وقد يشاهد الجمهور دراما تلفزيونية لمجرد الاستمتاع، ولكنه قد يغير من تصرفاته مع الآخرين متأثراً بما شاهده في تلك الدراما التلفزيونية.
مبررات استخدام النماذج التي تشرح عملية الاتصال: النظرية أو النموذج محاولة لتقديم العلاقة الكامنة التي يفترض وجودها بين المتغيرات التي تصنع حدثاً معيناً، أو تؤدي إلى نظام معين. والنماذج في واقع الأمر هي أدوات ثقافية تساعدنا على فهم أي ظاهرة أو نظام، وأدوات تصورية توفر لنا إطارات للافتراضات التي تتحدد نطاقها المتغيرات الهامة. والنماذج المثالية أو الأساسية تتضمن خطوات متتابعة للتجريد، تقوم على تصور الظروف المادية التي استمدت منها.
طبيعة النماذج: يوفر نموذج الاتصال للعلماء والباحثين أبسط الطرق لتفسير التفاعل البشري من خلال عملية الاتصال. وللنماذج أشكال عديدة، منها النماذج الإحصائية. وتختلف التمازج في المتغيرات التي تظهرها أو تؤكدها، ولكن هذه الاختلافات سطحية. وتصنف النماذج ضمن فئتين أساسيتين هما: 1- النماذج البنائية: التي تظهر الخصائص العامة للحدث، من خلال مكوناته وحجمه وترتيب أجزائه المنفصلة عن بعضها. 2- والنماذج الوظيفية: التي تحاول تقديم صورة طبق الأصل الذي يعمل من خلاله النظام الإعلامي. وهي نماذج تشرح طبيعة القوى أو المتغيرات التي تؤثر على النظام الإعلامي. وتعد النماذج أساساً لتوضيح ظاهرة أو حدث معين، لتساعد الباحث على التنبؤ والتفسير، وفهم المعلومات المتراكمة. ويعتمد نجاح النماذج على مدى تشجيعها ودفعها الباحثين لإجراء بحوث إضافية، ومدى قدرتها على تنظيم الحقائق والنتائج المتنوعة بشكل يسهل فهمه. وعند تصميم أو اختيار نموذج، يجب مراعاة الواقعية والتركيز، وأن يحتوي على صورة قريبة قدر الإمكان من الواقع. مع مراعاة استخدام مصطلحات تشير إلى الخصائص الأساسية المطلوبة. والتركيز عادة يتطلب التبسيط، وعدم التعرض لبعض التفاصيل الثانوية غير الهامة. ومع اعتبارات التركيز والواقعية، يجب مراعاة اختيار النماذج التي تساعد على الخروج بتنبؤات جديدة وخطوط جديدة لدراسة عملية الاتصال.
وظائف النماذج: تخدم نماذج دراسة عملية الاتصال أربعة أهداف أساسية، هي: الحصول على المعلومات وتنظيمها؛ وتشجيع القائم بأبحاث علمية؛ والمساعدة على التنبؤ؛ والسيطرة على الظواهر الإعلامية والتحكم بها.
1- الوظيفة التنظيمية لنماذج دراسة عملية الاتصال: النموذج هو محاولة لإعادة خلق العلاقات التي يفترض وجودها بين المكونات أو القوى التي ندرسها، رمزياً أم مادياً. ولا يمكن وصف عملية الاتصال المتغيرة دائماً بسهولة، ولكن الإطار الذي يوفره النموذج يجدد هذه العملية ويساعد الباحث على عزل المتغيرات الهامة، ووصف دورها في عملية الاتصال بكاملها. ويساعد أيضاً على إعادة بناء الحدث أو الظاهرة الإعلامية، وتحديد عناصرها. وإعادة تقديم الخصائص الرئيسية للنظام الذي نخضعه للدراسة والتمحيص. ووضع عدد كبير من المتغيرات في تكوين واضح، وربط تأثيرات تلك المتغيرات ببعضها البعض، ومحاولة استنتاج طبيعة التفاعل بينها. وهذا يضمن عدم تجزئة الأحداث المدروسة.
2- النماذج تعمل على تطوير الأبحاث العلمية: النماذج وكما سبق وأشرنا تجعل من نظريات الاتصال أكثر بساطة وفهماً. فالنموذج يقدم أفكار من قام ببنائه عما يعتقد بأنه المتغيرات الهامة في عملية الاتصال، بشكل يمكن الدارس من تحليل الأسلوب الذي تعمل بموجبه تلك المتغيرات. كما ويظهر المتغيرات التي يمكن تجاهلها في البحث، ويشجع على التوسع في البحث والدراسة. ومن أمثلة التشجيع على التوسع في البحث والدراسة نورد النموذج اللفظي التالي الذي يتضمن العناصر الرئيسية للاتصال التالية: المرسل، المتلقي، الرسالة، التشويش. مرسل < رسالة { تشويش } رسالة < مستقبل. فان هذا النموذج سيدفع الباحث لدراسة قدر التشويش بين المرسل والمتلقي، ومدى دقة الرسالة التي تلقاها المستقبل، بأسلوب علمي دقيق. 3- وظيفة التنبؤ: هناك علاقة قوية بين الفهم والتنبؤ، فالتنبؤ مبني على الفهم، الذي هو نقطة البداية للوصول إلى المجهول. ومن خلال هذه العلاقة يمكن أن نفترض وجود علاقة وظيفية بين أحداث ومكونات الحدث الإعلامي، والاستفادة منها. والتنبؤ الذي هو جزء من خطة التحقق التي تختبر بها صحة معلوماتنا، سيساعد من ناحية أخرى على زيادة الفهم بناء على المعلومات المتوفرة لدينا. والتأكد من قدرة النموذج على ربط العناصر غير المرتبطة بالحدث، وغير المعروفة سابقاً، وإظهار التماثل والارتباط بينها. وتنظيم المعلومات المنفصلة بشكل يسهل تخزينها في الذاكرة. 4- وظيفة التحكم: وبعد الفهم والتنظيم والتنبؤ، نصل للهدف الأخير من أهداف نماذج الاتصال وهو التحكم، الذي يعتبر من مستلزمات تطوير المعرفة. من خلال السيطرة على الظواهر واستخدامها لصالح الإنسان. والأهداف الثلاثة: الفهم والتنظيم والتنبؤ، تخدم التحكم من خلال معالجة الظروف التي تحدد حدوث الظاهرة، والتمكن من الوصول إلى هدف معين. والقدرة على التحكم مرتبطة بالقدرة على التنبؤ. وبدوره يساعد التحكم على اختبار صحة التنبؤات، ومدى فهم الظاهرة بشكل عام. ولكي يتحقق التنبؤ لابد من التحكم بالظروف التي تحدد الظاهرة ذاتها. صعوبات تصميم نماذج عملية الاتصال: من أهم الصعوبات في تصميم نماذج عملية الاتصال: 1- الاضطرار إلى تجميد عملية الاتصال، لوصف عناصرها ومكوناتها. وهي أشبه بالصورة التي تجمد الحدث، ولكنها لا تمثل الحدث. وتغفل العلاقات بين العناصر وتجمد حركة تفاعل الأحداث. 2- إغفال بعض العناصر بسبب تجميد عملية الاتصال. أو فصل بعض العناصر التي لا تقبل الفصل. لأنه في عملية الاتصال لا يوجد خط يحدد الحدود بين أجزاء عملية الاتصال، ووضع الفواصل سيؤدي إلى إغفال طبيعة الاتصال الدائرية، مرسل؛ رسالة؛ متلقي؛ راجع صدى. 3- الاضطرار إلى استخدام اللغة في الوصف، واللغة بحد ذاتها تخضع للتغيير من وقت لآخر. لأن استخدام اللغة لوصف شيء يتطلب استخدام كلمات بعينها، بحيث نضطر إلى تجميد العالم المادي بشكل ما، ووضع كلمات قبل أخرى، أو حذف بعض الكلمات. لذلك لا يكون اختيار الكلمات في الوصف موضوعياً تماماً. الأنواع المختلفة لنماذج عملية الاتصال: تتعدد نماذج عملية الاتصال بتعدد الأسئلة التي يطرحها البشر في بحثهم عن المعرفة. ويميل بعض علماء الاتصال إلى تقسيمها وفق مستويات الاتصال التالية: الاتصال الذاتي؛ والاتصال بين فردين؛ والاتصال الجماعي؛ والاتصال عبر الثقافات؛ والاتصال العام؛ والاتصال عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ويرى البعض الآخر تقسيم النماذج الاتصالية على أساس الهدف والمادة، إلى نماذج بنائية تهدف إلى إظهار الخصائص الأساسية لأي حدث. وتعتمد هذه النماذج على عدد وحجم وترتيب الأجزاء المتصلة داخل النظام. وإلى نماذج وظيفية تعرض القوى التي تكون ذلك النظام، وتحدد اتجاهها وعلاقتها بالتأثير. ويرى البعض الآخر من العلماء تقسيم النماذج الاتصالية إلى أربعة أنواع رئيسية، وهي: 1- النماذج اللفظية. التي تتكون من سلسلة من العبارات التي تحاول تحديد أهداف المشتركين في عملية الاتصال. ووصف طبيعة عملية الاتصال. وهي من أقدم النماذج على الإطلاق (الخطابة). ومن النماذج اللفظية الهامة، نموذج كينيث برك Burke Kenneth، ونموذج لازويل Harold Lasswell، ونموذج فرانكلين فيرنج. ويقسم كينيث برك المجالات الأساسية لدراسة دوافع الاتصال إلى خمسة مجالات هي: الحدث؛ وخلفية الحدث؛ والقائم بالاتصال؛والوسائل؛ والدوافع. وجاء نموذج كينيث كنموذج معاصر للنموذج الكلاسيكي السابق الذي وضعه أرسطو. أما هارولد لازويل رائد تحليل المضمون الإعلامي، فقد قدم خمسة أسئلة يمكن من خلالها وصف السلوك الاتصالي، وهي: من؟؛ وماذا يقول ؟؛ وبأي وسيلة؟؛ ولمن؟؛ وبأي تأثير؟. وهذا النموذج أقرب لنموذج أرسطو الذي يتضمن: المصدر. من؟؛ والرسالة. يقول ماذا؟؛ والمتلقي. لمن؟ ولكن لازويل أعطى نفس الأهمية للوسيلة التي تنقل الرسالة، ولتأثير الرسالة الإعلامية. أما جربنر Grebner فقد حدد لعملية الاتصال عشرة عناصر متغيرة هي: شخص ما؛ يدرك حدث ما؛ ويقوم برد فعل؛ في ظرف ما؛ وبوسائل معينة؛ لتوفير مادة؛ بشكل ما؛ وإطار؛ ينقل المضمون؛ وله نتيجة معينة. 2- النماذج الرياضية: وهي النماذج الإحصائية. 3- النماذج اللفظية المصورة: ( النماذج الرمزية) وهو امتداد للنموذج اللفظي. هدفه توضيح عناصر النموذج اللفظي، وتقديم صورة الهدف وتفسير العلاقات المعقدة لعملية الاتصال التي لا تستطيع الكلمات عرضها. ويمثل المخطط التالي عناصر النموذج اللفظي المصور لعملية الاتصال، ويتضمن: مصدر، ينقل رسالة إعلامية إلى متلقي. آ- مصدر < رسالة < ب- متلقي. ومن النماذج اللفظية المصورة الهامة، نموذج شانون وويفر، ونموذج وستلي وماكلين، ونموذج بارتلند، ونموذج ولبر شرام. 4- النماذج التفسيرية: وسنتحدث عنها في فصل خاص. مثل نموذج التوازن عند هيدر، ونموذج نيوكومب، ونموذج اسجود وتاننباوم، ونموذج فستنجر عن التعارض في المعرفة. كما وسنستعرض في الفصول القادمة عملية الاتصال، من خلال ثلاث مسارات رئيسية، وهي: 1- نماذج الاتصال الذاتي: من خلال خمسة نماذج، وهي: نموذج باركر ووايزمان، ونموذج صامويل بويس، ونموذج بولدنغ، ونموذج بارتلند، ونموذج ابلباوم (الإنسان كمركز لتنسيق المعلومات). 2- نماذج الاتصال بين فردين: من خلال ستة نماذج، وهي: نموذج روس، ونموذج شانون وويفر، ونموذج ديفيد برلو، ونموذج التعليم، ونموذج بارتلند، ونموذج وستلي وماكلين. 3- نماذج الاتصال الجماهيري: من خلال ثلاثة نماذج، وهي: نموذج ولبر شرام، ونموذج التحليل الوظيفي لتشارلس رايت، ونموذج ملفن ذوفلور. نماذج الاتصال الذاتي: الاتصال الذاتي هو ما يحدث داخل الفرد، حينما يتحدث مع نفسه. وهو اتصال يحدث داخل عقل الإنسان ويتضمن أفكاره وتجاربه ومدركاته الشخصية. وفي هذه الحالة يكون المرسل والمستقبل شخصاً واحداً. فالفرد قد يناقش مع نفسه ما إذا كان سيقرأ كتاباً، أم لا يقرأ كتاباً من الكتب. أو يشاهد، أو لا يشاهد برنامجاً تلفزيونياً. أو يسمع، أو لا يسمع حديثاً إذاعياً. فإذاً الاتصال الذاتي عبارة عن أنماط يطورها الإنسان من خلال إدراكه، وهو الأسلوب الذي من خلاله يلاحظ الإنسان ويقيم ويعطي معنى للأفكار التي تدور داخله عن الأحداث والتجارب المحيطة به. خلفية عملية الإدراك واكتساب المعاني: يولد الإنسان في هذا العالم مجرداً من المعاني، وسرعان ما يكتسب من محيطه معاني تجعل من الحياة مفهومة من حوله. ومصطلح اتصال يعني التفاعل الذي يتطور من خلاله المعنى داخل الإنسان. فالاتصال ينشأ من الحاجة إلى اليقين وتحقيق الذات. وهدف الاتصال زيادة المعاني وتثبيتها في حدود الاتجاهات والدوافع وأنماط السلوك التي أثبتت نجاحها في الماضي، وما يبرز منها مستقبلاً، في ظروف سيكولوجية معينة. والاتصال ليس رد فعل، بقدر ما هو عملية يستنبط فيها الإنسان معاني للأشياء لتحقيق أهدافه الحياتية. وهنا يجب التأكيد على حقيقة أن المعنى هو شيء مستنبط من قبل الأفراد، ويتم إعطاؤه ولا يتلقاه الأفراد. فالرموز لا تتضمن معاني، ولكن المعاني تفرض عليها فرضاً. وتحليل أجزاء المعلومات الأساسية في المادة الإعلامية، لا تهتم بالوحدات الدلالية للمادة الإعلامية، لأن هذه الوحدات هي من أهداف العالم الذي يدرس علاقة الاتصال بالظروف الاجتماعية المحيطة بالكائن الحي، بما فيها المواد الإعلامية التي يتعرض الإنسان لها، ويمكن أن تزيد من تنوع المعاني التي يستنبطها. وعملية تراكم المعرفة، كما أشار كنيث بولدنج في نظريته الإنسان كقائم بالاتصال، تنمو من خلال مبدأ داخلي منظم تماماً، مثل الجهاز الذي ينظم نمو الجسم. هذا المبدأ الداخلي المنظم في حالة الإنسان يشار إليه عادة بالتجريد، وكل معنى جديد يأتي به الاتصال يريح الإنسان ويزيد من توتره في نفس الوقت، ويؤدي إلى عملية بحث لا تتوقف عن طرق جديدة يواجه بها ما يحيط به من حقائق. وهدف الإدراك المساعدة على القيام بهذه العملية، ولمواجهة العالم من حولنا عن طريق إضفاء معاني على الأحداث يمكن أن تصمد أمام اختبار التجارب التالية. والإنسان يحدد ما يدركه، من خلال تصوره عن العالم، واتجاهاته وتجاربه السابقة، وتوقعاته للمستقبل. ويعمل الإدراك كمرشح تمر من خلاله مختلف المنبهات. وقد يعدل هذا المرشح الإدراك حيال أية تجارب سابقة، ويؤثر بها، ويؤثر الإدراك الذي كونه الحاضر على أهداف المستقبل. وهناك ميول إدراكية يشترك بها أغلب الناس، وميول أخرى يختلفون بها. من خلال استخدام الحواس التي يتمتع بها البشر. وتتضاءل أوجه التماثل في الإدراك بين البشر، أمام الاختلافات الموجودة في الأسلوب الذي يدرك بموجبه الناس. رغم تماثلهم ككائنات حية. لأن كل فرد فريد مكن النواحي الثقافية والعاطفية والخبرة الذاتية. ويرى كلاً من وار، وكنابر هذه الاختلافات من خلال ثلاثة عناصر، هي: 1- عنصر تخصيص المعاني وإعطاء الصفات: الذي يعطي الفرد خصائص معينة لإدراكه. مثل: الحجم والوزن واللون والذكاء والسلوك..الخ. وهي التي تساعد الإنسان على تصنيف الأشياء والأحداث، وتخيلها. 2- عنصر الخروج بتوقعات: وينطوي على توقعات تنبع من الخصائص والصفات التي نعزوها للأشياء أو الفئات. وتؤثر على إدراكنا للحدث المستقبلي، ويدعم الدلالات والصفات المدركة لدينا عن أشياء معينة أو أحداث معينة أو أفرد معينين. 3- العنصر العاطفي: ويلعب دوراً هاماً في إدراكنا عن أفراد معينين، أو أشياء بحد ذاتها. نصفها ونخرج بتنبؤات عنها، ونخرج بردود فعل عاطفية حيالها. كالتقدير والاشمئزاز، والاحترام والاحتقار، والتعاطف والرفض... الخ. وللغة تأثير كبير على الإدراك، لارتباطها بتفكير الإنسان وإدراكه ووجوده. فاللغة تملي على الإنسان الطريقة التي يرى من خلالها العالم ويفسر وجوده وتجاربه فيها. واللغة لا تعيد تقديم التجارب فقط، بل تشكل تلك التجارب. والفرد يختار منبهات معينة من العالم الذي يحيط به، ثم يفرض تصنيف لتلك المنبهات في فئات، تتكون من التجارب السابقة التي مر بها وتعتمد على اللغة والخلفية الثقافية. واللغة لا تستخدم بشكل علمي، بل إنها تستخدم بشكل فيه قدر كبير من الذاتية، وقدر كبير من الفرض والإجبار، مما يجعل عملية الفهم والاتصال بين الأفراد والجماعات والشعوب أكثر صعوبة. واللغة لا توازي الواقع بل تحاول وضعه في إطار قابل للاستخدام. وقد تضللنا اللغة عندما نقوم بتجريد ما ندركه جزئياً دون أن نفهم أن الجزء لا يمثل الكل. وتصورنا للعالم متصل بشكل عضوي بلغتنا وبالفئات التي نستخدمها في تصنيف مدركاتنا. وما نقوله لأنفسنا عما ندركه، يخضع بشكل مباشر لسيطرة عادات استخدامنا للغة. ولهذا فالاتصال يتأثر بشكل مباشر بعادات استخدام اللغة، وبهذا تصبح اللغة جزء لا يتجزأ من هذه العملية. نموذج وايزمان وباركر: ويعتمد نموذج وايزمان وباركر على أن الكائن الحي يتأثر بمنبهات داخلية سيكولوجية وفسيولوجية، مثل: القلق والجوع. ومنبهات خارجية، موجودة في الظروف الخارجية المحيطة بالإنسان علنية، مثل: إشارة المرور. أو لاشعورية، مثل: الموسيقى التصويرية التي تصاحب مسهداً سينمائياً. وتنتقل هذه المنبهات على شكل نبضات عصبية إلى العقل، الذي يختار بعضها ويفكر بها تمهيداً لاتخاذ قرار بعد عملية تمييز تجري خلال التفكير. وبعد إعادة ترتيب المنبهات التي اختارها العقل خلال مرحلة التمييز، يتم ترتيب هذه المنبهات في إطار له معنى عند الفرد القائم بالاتصال. وبعد تجميعها في إطار ، يتم فك شيفرة الرموز التي تم تمييزها ويقوم القائم بالاتصال بتحويلها إلى رموز فكرية لها معنى. فإذا كان القائم بالاتصال يقرأ كتاباً، وهو جالس في الحديقة فإنه يتعرض إلى منبهات عديدة، يقوم عقله بفك رموزها، مثل: إحساس يديه بنوعية ورق الكتاب، أو عدم الراحة، أو حرارة الشمس المرتفعة. وبعد اختيار المنبهات، ينتقل العقل إلى التفكير والتخطيط وترتيب الأفكار، وربط الدلالات التي تتصل بالمعرفة والخبرة السابقة، وبعد تجميع وتقييم المعلومات التي لها علاقة بالمسألة المهمة، يقوم العقل بإعداد رسالة لإرسالها أو نقلها. ومن ثم ينتقل العقل لمرحلة التأهب للظهور التي تتيح الفرصة للأفكار بالنمو والتطور حتى تأخذ أشكالاً واتجاهات مفيدة. وتتميز هذه المرحلة بأن الدلالات الفكرية قد أصبحت جاهزة لوضعها في شيفرة ورموز لها معنى، ككلمات أو حركات. وفي مرحلة الإرسال النهائية يتم إخراج الكلمات والحركات التي وضعها القائم بالاتصال في الشيفرة بشكل مادي ملموس، بواسطة الكلام أو الكتابة أو الحركة... الخ، حتى يستطيع المستقبل تلقيها كمنبهات. والجانب الآخر من نموذج وايزمان وباركر، هو راجع الصدى أو التأثير المرتد. كسماع الفرد لنفسه عند الكلام في التأثير المرتد الخارجي. أو إحساساته الداخلية في التأثير المرتد الداخلي. ويسمح التأثير المرتد للقائم بالاتصال بتعديل وتصحيح موقفه الاتصالي أثناء عملية الاتصال. نموذج صامويل بويس: يعتبر صامويل بويس في نموذجه الإنسان كمفاعل دلالي، ويركز على ما يفعله الإنسان، من خلال أربعة مجالات أساسية للنشاط الإنساني، تتفاعل مع بعضها في آن معاً داخل الإنسان، وهي: 1- المجال الكهروكيميائي: وهو عبارة عن ردود فعل كهربائية وكيميائية في جسم الإنسان. 2- مجال يتحرك ذاتياً: ويشمل الأحاسيس والحركات اللاإرادية لأعضاء جسم الإنسان, والحركات الإرادية له. 3- الشعور: ويشمل العواطف والدوافع والاحتياجات والقيم. 4- التفكير: ويشمل عمليات فك الشيفرات والرموز، والاتصال الذاتي. والإنسان في نموذج بويس لا يعيش منعزلاً، لأنه محاط بظروف طبيعية متفاعلة دائماً، ومتصلة بالمجالات الأربع أنفة الذكر. والإنسان لا يعيش الحاضر فقط، بل يعود رد فعله الدلالي ويتأثر بردود أفعاله السابقة، ويتأثر بتنبآته المبدئية عن المستقبل. ويفسر هذا النموذج الأسلوب الذي يدرك به الإنسان الظروف المحيطة به، وكيف يفسرها ويتفاعل معها. وكيف يعطي لتجاربه معنى. نموذج بولدينج: ويهتم نموذج بولدينج أصلاً، بسلوك الإنسان. نظريات مراحل انتقال المعلومات: كان الاعتقاد لوقت قريب بأن وسائل الإعلام الجماهيرية تتعامل مع أفراد منعزلين عن بعضهم البعض، متصلين بوسائل الإعلام الجماهيرية مباشرة. ولم يتنبه الباحثون في الاتصال الجماهيري إلى تأثير العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع على النتائج التي يحققها مضمون المادة الإعلامية التي تحملها إليهم وسائل الإعلام الجماهيرية. ولكن الأبحاث العلمية التي أجريت خلال العقود الماضية وما رافقها من تطور هائل في وسائل وتقنيات الاتصال أثبتت أن العلاقات المباشرة القائمة بين الأفراد المتصلون في الأسرة أو العمل أو الشريحة الاجتماعية قد تساعد أو تعرقل الوصول لأهداف عملية الاتصال. وهو ما عرف بنظرية انتقال المعلومات على مرحلتين. وقد توصل مؤلفو كتاب "اختيار الناس"، إلى نتيجة مفادها أن سريان مفعول مضمون المادة الإعلامية التي تحملها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية قد لا يكون مباشراً كما كان مفترضاً من قبل، بل يصل أولاً إلى قادة الرأي في الشريحة الاجتماعية المعينة، ومن ثم ينتقل عن طريقهم إلى الآخرين. وأطلقوا على هذه العملية اسم "انتقال المعلومات على مرحلتين". وذلك أثناء تحليلهم لعملية اتخاذ القرار أثناء الحملات الانتخابية في المجتمع الديمقراطي، وتوصلوا إلى أن الأفراد مازالوا متأثرين بالجدال والأخذ والرد مع الآخرين، أكثر تأثرهم بوسائل الإعلام الجماهيرية. مما سمح لهم بتكوين فكرة تقضي بأن الأفراد يشكلون شبكات متصلة فيما بينهم، ينتقل من خلالها مضمون المادة الإعلامية التي تحملها وسائل الإعلام الجماهيرية. ومنذ عام 1957 حاول مركز الأبحاث الاجتماعية التطبيقية في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية أن يدرس هذه النتائج ويعمل على تطويرها. فظهرت نتائج دراسات مرتون عن التأثير الشخصي والسلوك الاتصالي في منطقة روفير، ودراسة ديكاتور عن اتخاذ القرار في مجال ترويج موضة الأزياء، وعادات التردد على صالات السينما، والشؤون العامة، التي قام بها كاتز ولزرزفيلد، ودراسة كولمان وكاتز ومينزل عن أسلوب تعميم الأدوية الجديدة بين الأطباء. وهي الدراسات التي أعتمد عليها كاتز ليعرض فرضيته عن انتقال المعلومات على مرحلتين. عناصر انتقال المعلومات على مرحلتين: وقع التأثير الشخصي؛ وسريان التأثير الشخصي؛ والعلاقة بين قادة الرأي ووسائل الإعلام الجماهيرية. دراسة روفير: حاولت تحديد دور قائد الرأي وتأثيره على المحيط، ودراسة سلوكهم الاتصالي، وتحديد طبيعة التفاعل بين القادة والتابعين الذين قاموا أصلاً بتحديد القادة. دراسة ديكاتور: وأجريت خلال الفترة 1945-1946 وجاءت خطوة بعد دراسة روفير، وشملت إضافة للتصويت في الانتخابات، القرارات في مجالات التسويق والتردد على صالات السينما، والشؤون العامة للأفراد. وتركز محور الدراسة على: الأهمية النسبية للتأثير الشخصي، ودراسة واقع القائد والتابع. وحاولت الدراسة استخلاص ما إذا كان قادة الرأي يأتون من نفس الشريحة الاجتماعية للتابعين، وكيفية انتقال التأثير. إذ ذكر حوالي ثلثي الأشخاص الذين تأثروا بآراء الآخرين حقيقة أنه حدث حوار بينهم وشخص ذكروا أنه من المؤثرين حول الموضوع المطروح، وعلاوة عن ذلك أكد 80% منهم أنهم تلقوا نصيحة من الغير. بينما أكد قادة الرأي أنفسهم على أنهم قد تأثروا بالآخرين قبل اتخاذهم لقراراتهم. 1- واقع التأثير الشخصي: أشارت الدراسات إلى أن التأثير الشخصي كان أكثر وقعاً من تأثير وسائل الإعلام الجماهيرية، وخاصة لدى أولئك الذين غيروا آراءهم خلال الحملة الانتخابية (ديكاتر). ويتحكم به عنصران أساسيان هما: الاتصال بين الأفراد؛ والتأييد الجماعي الذي تلعب به الشخصية المؤثرة دوراً أساسياً. ويدخل فيها: تآلف الرأي في الجماعات التحتية: العائلة، الأقارب، الأصدقاء، العمل .. الخ؛ والأدوار المختلفة لتأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية: لأن وسائل الإعلام تلعب دوراً تدعيمياً في تقوية الاتجاهات السابقة والقرارات التي تتخذ فعلاً. فلوسائل الإعلام دوراً إخبارياً وتضفي الشرعية على القرارات المتخذة (إسناد). 2- سريان التأثير الشخصي: قادة الرأي موجودين في كل الشرائح الاجتماعية. ويتمتعون بـ: بالقيم الشخصية الذاتية؛ والقدرة والكفاءة والمعرفة والخبرة؛ والموقع الاجتماعي المتميز. 3- قادة الرأي ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية: قادة الرأي يتعرضون لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية أكثر من أعضاء الجماعة. يتراوح تأثرهم بوسائل الاتصال والإعلامية الجماهيرية المحلية والقومية والعالمية. الخلاصة: يتعرض قادة الرأي مثلهم مثل أفراد الجماعة الآخرين بآراء الغير، إضافة لـأثرهم بمضمون المادة الإعلامية التي تحملها لهم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. لأن وسائل الإعلام الجماهيرية هي: وسائل لنقل المعلومات؛ ومصادر للضغوط الاجتماعية؛ ومصادر للتأييد الاجتماعي. مضمون المادة الإعلامية: اهتم علم البلاغة بفن الخطابة وفن الإقناع منذ القدم، وقد عرف أفلاطون علم البلاغة بأنه علم /كسب العقول بالكلمات/، بينما عرفه أرسطو بأنه /القدرة على كشف جميع السبل الممكنة للإقناع في كل حالة على حدى/ كما وأدرك كلاً من أفلاطون وأرسطو ارتباط فن الإقناع بعلم النفس (علم العقل) الذي كان يحبو خطواته الأولى في ذلك الزمان، وهو ما يفسر اهتمام أرسطو بفن الإقناع ومحاولته دراسة الطريقة التي يعمل بها العقل، معتمداً على علم العقل كما كان معروفاً آنذاك، محاولاً القيام بتحليل موضوعي لتلك الطريقة مبتعداً عن المعرقلات والاعتبارات الأخلاقية التي كانت سائدة آنذاك أيضاً. ولم يختلف علم البلاغة الحديث عن سواه، إلا بتوفر الحقائق العلمية التي كان يفتقر لها علم البلاغة القديم. بعد أن وفرتها له العلوم الحديثة ومكنته من معرفة السلوك الإنساني الذي اهتم به علم النفس الحديث. واستطاع الإعلاميون توظيفها في رسائلهم الإعلامية لإقناع الجمهور الإعلامي المستهدف بتأثير أكبر. وقد شهد الربع الثاني من القرن العشرين العديد من التجارب والأبحاث التي استهدفت تغيير الاتجاهات السيكولوجية، وقام بقدر كبير منها البروفيسور كارل هوفلاند وزملائه وتلاميذه بجامعة بيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وساعدت على بناء أسس نظرية اتصال حديثة، وعلم بلاغة حديث يعتمد على أسس علمية واضحة. وحينما نتحدث عن الرسالة الإعلامية، فهذا يعني أننا نتحدث عن مضمونها. منطلقين من فرضية أنه على القائم بالاتصال أن يتخذ عدة قرارات هامة قبل تقديم مدة مقنعة. فعليه أن يحدد الأدلة التي سوف يستخدمها والأدلة التي سيصرف النظر عنها أو يستبعدها، والحجج التي سيعتمد عليها، أو يسهب في وصفها أو يأخذ باختصارها. وماهية الأساليب التي سوف يتبعها لاستمالة المستهدف من المادة الإعلامية. ومنه نفهم أن أية رسالة إعلامية يقصد منها الإقناع هي ناتج لعدة قرارات مسبقة يتخذها القائم بالاتصال للوصول إلى الغرض المطلوب، تتعلق ليس بالشكل وحده بل وبالمضمون والأسلوب، تمليها كلها خصائص الجمهور الإعلامي ومهارات القائم بالاتصال. والهدف من تقديم مضمون المادة الإعلامية بالأساس هو جعل المتلقي يقبل الآراء التي نقدمها له، أو أن يعدل من معتقداته واتجاهاته، منطلقين من فرضية أن بعض العوامل المتصلة بالدوافع الشخصية سوف تلعب دوراً بارزاً في هذه العملية. لأن التجارب الفردية تجعل من المستهدف يفضل الأشياء التي تشبع احتياجاته، ويبتعد عن الأشياء التي لا تشبع تلك الاحتياجات. مطوراً معتقداته السياسية والاجتماعية والأخلاقية مكتسباً الجديد منها، من خلال الاتصال الشخصي والاتصال الجماهيري الذي يحدث من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وبالرغم من أن علماء السياسة والاجتماع وعلم النفس يؤكدون وباستمرار على أهمية الدوافع في تكوين الرأي العام، وعلاقتها بالتغيير الاجتماعي، إلا أنه ليس هناك سوى قدر قليل من المعلومات الدقيقة عن الظروف التي يتم في إطارها تسهيل العوامل ذات الصلة بدوافع تغيير الرأي. ولا يتوفر سوى قدر ضئيل جداً من الدراسات التجريبية التي تتناول تأثير مضمون الرسالة الإعلامية بمختلف صورها على الدوافع الفردية المختلفة. الإستمالات العاطفية، والإستمالات المنطقية: لا توجد قاعدة ثابتة نعمم على أساسها أي من الإستمالات أفضل في أغلب الأحيان، إذ تشير التجارب المختلفة إلى أن الإستمالات المنطقية أفضل في بعض الأحيان من الإستمالات العاطفية، رغم أن الإستمالات العاطفية قد تصلح أكثر في بعض الظروف. وقد قارنت التجربة التي قام بها هارتمان Hartmann بين نوعين من الإستمالات من خلال فاعليتهما في دفع الناخبين للإدلاء بأصواتهم لصالح الحزب الاشتراكي في انتخابات عام 1936. فقد استخدمت في بعض المنشورات التي وزعت في إطار الحملة الانتخابية استمالة عاطفية قوية أكدت أن الاشتراكية تساعد على التخلص من الحروب، والفاقة، والخوف، وأن لها تأثير إيجابي على مستقبل الوطن، والرفاهية، والدولة. بينما استخدم في منشور آخر استمالة منطقية تعتمد على حجج واضحة تؤيد الاشتراكية. وزعت كلها في مجموعة من الدوائر الانتخابية. وتم الاحتفاظ ببعض الدوائر كمجموعة ضابطة ولم توزع فيها أية منشورات على الإطلاق. وكانت النتيجة أن الدوائر التي وزعت فيها منشورات الاستمالة العاطفية قد أعطت زيادة قدرها 50% أكثر مقارنة بنتائج الانتخابات التي كانت قد جرت في العام السابق، في حين بلغت الزيادة في الدوائر التي وزعت فيها منشورات الإستمالات المنطقية 35% فقط، بينما أظهرت المجموعة الضابطة التي لم نوزع فيها أية منشورات زيادة بلغت 24% بالمقارنة مع انتخابات العام السابق. وهو الشيء نفسه الذي توصل إليه أيضاً مانيفي وجرينبرغ من دلائل تثبت أن الدعاية العاطفية تتفوق على الحجج المنطقية في أكثر الحالات. بينما فشلت الدراسات الأخرى في التوصل إلى مؤشرات قاطعة تثبت تفوق نوع معين من الإستمالات المستخدمة على غيره من الأنواع. بينما أثبتت الدراسات التي أجراها الباحث كنور أن الأسلوبين يتمتعان بنفس الفاعلية والتأثير تقريباً، في الدراسة التي أجراها على الحظر الذي كان مفروضاً آنذاك على الخمور في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الجوانب الهامة في هذا المجال أيضاً المقارنة بين الإستمالات الإيجابية والإستمالات السلبية، لأن الاستجابة الإيجابية أصلاً معدة للوصول إلى نتيجة معينة مرغوبة أصلاً، بينما أن الاستجابة السلبية معدة لتجنب نتيجة غير سارة. إستمالات التخويف: من بين الأنواع المختلفة للرسائل الإعلامية التي يحتمل أن يكون لها تأثير على دوافع الجمهور، تلك الرسائل الإعلامية التي تدعو بشكل محدد أو بشكل ضمني إل قبول توصيات القائم بالاتصال لأنها سوف تجنب الفرد عدم القبول اجتماعياً أو أن يتجنب خطراً محدداً، أو حرماناً من نوع محدد. وهو ما يطلق عليه اصطلاح "استمالة التهديد" للإشارة إلى مضمون الرسالة الإعلامية التي تتناول النتائج غير المرغوب بها التي قد تحدث فيما لو امتنع متلقي الرسالة الإعلامية عن قبول توصيات القائم بالاتصال، من خلال إثارة التوتر العاطفي لدى المتلقي وجعله أكثر عرضة للتعرض للاستجابة لمضمون الرسالة الإعلامية وتبنيه وفقاً لذلك المضمون. وكثيراً ما تلجأ وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية إلى هذا الأسلوب لإثارة المخاوف لدى الجمهور الإعلامي من أخطار الحرب لتبرير الزيادة في النفقات العسكرية المرصودة في موازنة الدولة، أو إثارة المخاوف من الأمراض الخبيثة كي تحث الجمهور الإعلامي على مراجعة الأطباء في الوقت الملائم. فما هي العوامل الأساسية التي تحدد نجاح أو فشل استعمال إستمالات التخويف للوصول إلى الهدف المحدد لمضمون الرسالة الإعلامية؟ هناك قدر كبير من الأدلة التجريبية التي تؤيد الافتراض القائل بأن أية عاطفة قوية تسبب الاضطراب كالخوف، أو الإحساس بالإثم (عقدة الذنب) أو الخجل أو الغضب أو الاشمئزاز.... الخ، وكلها تتمتع بخصائص الحافز الوظيفي للفرد. ولكن ماذا يحدث عندما يتعرض الفرد لمضمون رسالة إعلامية تسبب لديه ردود فعل عاطفية لا تبعث لديه السرور؟ في هذا الظرف هناك مبررات تدفع الفرد بشدة لتجربة الاستجابات الرمزية والعلنية المختلفة حتى يقلل من وقع هذه الحالة العاطفية المرهقة.وستحدد الاستجابات المختلفة التي يجربها الفرد أساساً خبرات التعلم السابقة التي نجحت في تخليص الفرد من الحالات العاطفية المماثلة. أي استجابة تقلل من شدة الحالة العاطفية، أو تريح الفرد يتم تدعيمها. وبهذا تصبح استجابة اعتيادية. بهذا يفترض أن الاستمالة التي تنطوي على تهديد يحتمل أن تجعل المتلقي يقبل نتائج القائم بالاتصال إذا كان: التوتر العاطفي الذي أثير خلال الاتصال شديد بحيث يشكل حافزاً؛ وإذا تضمنت الرسالة تأكيدات تخلق توقعات عند الفرد بأنه في الإمكان تجنب الأضرار وبالتالي تقلل التوتر العاطفي. ومن الأساليب الأساسية لإثارة الاطمئنان أن يتخيل الفرد نفسه مشتركاً في نوع من أنواع النشاط يجنبه الأخطار الناجمة عن التهديد، وبهذا يتخلص من التوتر. وكثيراً ما تسبب الرسائل التي تنطوي على تخويف تأثيرات غير مرغوبة أو عكسية. فهناك من الدلائل التي تشير إلى أنه حينما يثير القائم بالاتصال الغضب برسائل هجومية، يشعر المتلقي بالكراهية ليس نحو القائم بالاتصال فقط،، بل أيضاً نحو الجماعات والمشروعات والأهداف المقترنة به. العوامل التي تؤثر على إثارة التوتر العاطفي: إن مضمون الاستمالة التي تنطوي على تهديد يجب أن يكون له معنى عند المتلقي وإلا فإنه لن يستجيب لها. فإذا لم يجرب الفرد أبدأً التهديد أو يسمع عنه فالتوقعات الناتجة عنه لن تثير توتراً عاطفياً. ويضاف إليها: العوامل المتصلة بالمصدر ومدى وثوق المتلقي بقدرات القائم بالاتصال؛ ومدى تعرض المتلقي لرسائل سابقة، سبق وناقشت وتنبأت بنفس الموضوع. لأن الافتراض الأساسي أن يثار الخوف والمشاعر غير السارة بشدة، لدفع الفرد لتجنب الحالة العاطفية المؤلمة، أو الهرب منها، كأن "يتخيل نفسه مثلاً يقوم بعمل دفاعي ناجح أو بصرف انتباهه بأحلام اليقظة السارة". والأفراد يتأثرون بالخوف بطرق عاطفية متعددة منها: زيادة يقظتهم واهتمامهم بالمعلومات عن الخطر، والتفكير بالتصرف المطلوب لمواجهة كل الاحتمالات؛ والبحث عن تأكيدات تبعث الطمأنينة وتخفف التوتر العاطفي؛ وزيادة احتمالات تكوين اتجاهات جديدة تعتبر حلاً وسطاً بين الحذر والميول الباعثة للطمأنينة. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار نوع استجابة الجمهور المستهدف لتحقيق أقصى قدر من الفاعلية وإثارة درجة عالية من التوتر العاطفي، والتي تعتمد على: درجة الخوف التي يستطيع الفرد تحملها؛ وما إذا كان سيطبق التهديد على نفسه؛ وقبوله للبدائل؛ وخصائص شخصيته. وباختصار يجب أن نوازن بين استخدام إستمالات التخويف القوية، بخطة محددة للعمل أو السلوك ذات فاعلية واضحة. ولا يجب أن يكون التهديد معتدلاً بحيث يجعل المتلقين يتهاونون، أو مبالغاً فيه بحيث يبدو مضحكاً. مضمون الرسالة وأسلوب تقديمها: أولاً: الوضوح والضمنية: وتشير الأبحاث العلمية إلى أن الإقناع يصبح أكثر فاعلية إذا حاولت الرسالة الإعلامية أن تذكر نتائجها أو أهدافها بوضوح، بدلاً من أن تترك للجمهور عبء استخلاص النتائج بنفسه. فقد وجد الباحثان هوفلاند وماندل أن نسبة الأفراد الذين عدلوا اتجاهاتهم تمشياً مع مضمون الرسالة الإعلامية بلغت الضعف عند ذكر النتائج بشكل محدد، مقارنة بالرسالة الإعلامية التي ترك نتائجها ليستخلصها الجمهور الإعلامي بنفسه. وعرض الباحثان ماندل وهوفلاند على عينة من الطلبة تسجيلات لبرنامجين مستمدان من برنامج إذاعي يساند إعادة تقييم العملة، متماثلين تماماً باستثناء أن أحدهما ذكر نتائجه بوضوح وتحديد، بينما ترك الآخر نتائجه ضمنية ليستنتجها المستمع. وكانت نسبة التغيير بين أفراد المجموعة التي استمعت للبرنامج الذي ذكر أهدافه بوضوح 47,9% في حين بلغت نسبة التغيير 19,3% فقط بين أفراد المجموعة الثانية التي استمعت إلى البرنامج الذي لم يوضح أهدافه، وتركها ضمنية ليستنتجها المستمع. وهو ما أكده أيضاً كاتز ولزرزفيلد عندما أكدا "أنه كلما كان الاقتراح الذي يقدمه القائم بالاتصال محدداً، كلما ازداد احتمال إتباع النصيحة المقدمة. وهنا يجب أن نعير اهتمامنا لاعتبارات أخرى إضافة للوضوح والضمنية في تحديد الأهداف، مثال: مستوى ذكاء وتعليم المتلقي؛ ودرجة صلة الموضوع بالذات أو أهمية الموضوع؛ ونوعية القائم بالاتصال. ثانياً: تقديم الرسالة الإعلامية لأدلة وشواهد: لتدعيم تأثيرها، مستمدة من معلومات واقعية أو آراء تنسب لمصادر أخرى غير القائم بالاتصال. ثالثاً: عرض جانب واحد من جوانب الموضوع أو عرض الجانبين المؤيد والمعارض في نفس المادة الإعلامية: وهو ما أكده هوفلاند ولمزدين وشيفلد في كتابهم "تجارب على الاتصال الجماهيري" الذي تتضمن نتائج سلسلة أبحاث أجراها قسم المعلومات والتعليم في وزارة الدفاع الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية. عندما أيدوا أن تقديم الحجج المؤيدة والمعارضة هو أكثر فاعلية وأقدر على تغيير وتحويل الفرد المتعلم، خاصة عندما يكون الجمهور الإعلامي متردداً، يكون تقديم الرأي والرأي الآخر أكثر فاعلية وتأثيراً بكثير من تقديم رأيٍ أحادي الجانب من الموضوع المطروح، بينما يختلف الوضع بالنسبة للأفراد الأقل تعليماً الذي يبلغ التأثير فاعلية ملحوظة عندما يتم طرح جانب واحد من جوانب الموضوع، وهذا ينطبق أيضاً على الأفراد الذين يؤيدون أصلاً وجهة النظر المعروضة في الرسالة الإعلامية، وتأثيرها هنا لا يتعدى كونه مدعماً ومعززاً للمواقف الجاهزة لديه. بينما توصل بتنجهاوس وبيسهارت إلى نتائج تؤكد أن تقديم الرأي والرأي الآخر في المادة الإعلامية أكثر فاعلية في تغيير اتجاهات الشرائح الاجتماعية الحاصلة على تعليم عالي. كما وظهر أن تقديم الرأي والرأي الآخر في حياد واضح، وإن كان هذا الحياد وهمياً، قد يحدث تأثيراً سلبياً في الحالات التالية: إذا ساور المتلقي أدنى شك بحياد المصدر. وإذا كان الحياد متوازناً مما يؤدي إلى ضياع التأثير المطلوب. لأن هذه الحجج تلغي بعضها بعضاً. وظهر هذا في البحث الذي أجراه شانك وجولدمان عندما استخدما حججاً تؤيد وتعارض الخدمة المدنية. وفي البحث الذي أجراه تستلويت وكمنتزي على عينة من 750 طالب في معاهد الطيران في الولايات المتحدة الأمريكية، و400 طالب من طلبة المدارس العليا يؤيدون أصلاً اشتراك الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الكورية. والمادة الإعلامية التي تعرض الرأي والرأي الآخر أكثر قدرة على تحصين الجمهور الإعلامي من الدعاية المضادة، أكثر من المادة الإعلامية التي تعرض وجهة نظر واحدة من الموضوع. وهو ما توصل إليه لمزدين وجانيس في البحث الذي أجرياه عام 1954 على مجموعة من الطلبة الجامعيين، جرى تعريض مجموعتين منهم لنصين من برنامج إذاعي واحد، تضمن أحدهما رأياً واحداً من الحقيقة، وتضمن النص الآخر الرأي والرأي الآخر، ونجحت الطريقتان في إحداث تغيير في الاتجاه المطلوب. ومن ثم تم تعريض الجميع لمادة إعلامية تعرب عن وجهة النظر المعارضة فقط، فكانت النتيجة أن هبطت نسبة التأييد إلى 2% في المجموعة التي تعرضت لمادة إعلامية تعرض الرأي المؤيد فقط. بينما استمرت نسبة التغيير السابقة في المجموعة التي تعرض للمادة الإعلامية التي عرضت الرأي والرأي الآخر، وهو ما يدعم وجهة النظر حول تحصين الجمهور الإعلامي ضد الدعاية المضادة. وقد لخص هوفلاند وجانيس وكيلي في البحث الذي أجروه عام 1953 فوائد المواد الإعلامية التي تعرض رأياً واحدا من الموضوع، والمواد الإعلامية التي تعرض الرأي والرأي الآخر، بالتالي: 1- عرض الرأي والرأي الآخر أكثر فاعلية على المدى الطويل من عرض جانب واحد في الأحوال التالية: عندما يتعرض الجمهور الإعلامي بغض النظر عن الرأي الأصلي لهذا الجمهور للدعاية المضادة بعد تعرضه للمادة الإعلامية التي تضمنت الرأي والرأي الآخر؛ وعندما لا يتفق رأي الجمهور الإعلامي أصلاً مع وجهة نظر القائم بالاتصال، بغض النظر عن تعرضه للدعاية المضادة بعد ذلك. 2- تقديم الرأي والرأي الآخر أقل فاعلية من تقديم رأياً واحداً، إذا كان الجمهور الإعلامي يتفق أصلاً مع موقف القائم بالاتصال ولا يتعرض بعد ذلك للدعاية المضادة. رابعاً: ترتيب الحجج الإعلامية: في الرسالة الإعلامية التي تؤيد وجهة نظر معينة يتطلب من القائم بالاتصال أن يقرر ما إذا كان القائم بالاتصال سيقدم حججه الأساسية في بداية النص أم أنه سيحتفظ بها لنهاية النص، أما في الرسائل الإعلامية التي تعرض الرأي والرأي الآخر فالقائم بالاتصال يجد نفسه أمام مشكلة أي من ألرأيين يقدم أولاً. فحينما نقدم جانباً واحداً للموضوع، إما أن نؤجل أقوى الحجج إلى نهاية الرسالة الإعلامية وهو ما يسمى بالذروة، أو تقدم الحجج الرئيسية في البداية تليها الحجج الأضعف، بترتيب عكس ترتيب الذروة. وتتوقف فاعلية الرسالة الإعلامية في تغيير الاتجاهات على مقدرة الجمهور الإعلامي على فهم مضمون الرسالة الإعلامية وتذكره، وهو ما يرتبط بدوافع التعلم لدى الفرد، في ظروف الاتصال الجماهيري. إذ يؤدي غياب اهتمام المتلقي بالرسالة الإعلامية إلى عدم تعرضه لها، والذي يفسره بإغلاقه لجهاز الراديو أو جهاز التلفزيون أو تحوله لقنال أو برنامج آخر، أو انصرافه عن مطالعة المادة المطبوعة. فعندما لا يهتم المتلقي بما يقال فمن الأفضل البدء بالحجج القوية والأكثر إثارة للاهتمام، لإثارة انتباهه. أما عندما يكون المتلقي مهتماً فالأفضل تأجيل الحجج القوية إلى نهاية المادة الإعلامية وفق ترتيب الذروة لتهيئته للحجج الأقوى. ومعنى ذلك أن ترتيب الحجج يخضع لتقييم الجمهور الإعلامي، وأنه لا توجد قاعدة ثابتة لترتيب الحجج في عملية الإقناع. خامساً: استخدام الاتجاهات أو الاحتياجات الموجودة: وهي ربط المادة الإعلامية بالاتجاهات القائمة لدى الجمهور الإعلامي. والسعي لإعادة تشكيل القيم السائدة، وليس استخدام تلك القيم، وهو ما يجعل من العملية الإعلامية أكثر صعوبة. ولكنها تجعل الجمهور الإعلامي يشعر بالراحة وبإمكانية إشباع احتياجاته القائمة. سادساً: تأثير رأي الأغلبية: حيث أثبتت التجارب أن الجمهور الإعلامي يميل ببساطة لتلك الآراء التي تتفق ورأي الأغلبية أو الرأي الشائع. سابعاً: التكرار: بتنويع وتأثير تراكم التعرض للمادة الإعلامية، وخاصة التكرار على فترات مدروسة ومتنوعة، مما يزيد من فاعلية المادة الإعلامية، وتذكر الجمهور الإعلامي بالهدف المقصود، وتثير رغباته واحتياجاته في الاتجاه المطلوب. وهو ما أيدته بحوث روز، وعالم النفس ثورندايك، وجوزيف جوبلز، وبارتليت، وفيري مرتون، وكيت سميث، ولزرزفيلد، وأنيس، وماير. المصدر الإعلامي: المصدر الإعلامي قد يكون فرداً ينقل أو مؤسسة إعلامية تنقل رسالة ما بقصد أو بغير قصد، لفرد واحد أو مجموعة أفراد. والمصدر الإعلامي قد يكون محاضراَ أو خطيباً أو شخصية سياسية أو اجتماعية، أو معلقاً في الإذاعة المسموعة أم المرئية... الخ. ومن الصعب تحديد مدى تأثير المصدر على المادة الإعلامية وتأثير المادة الإعلامية على المتلقي، إلا أننا نستطيع تحديد السمات الواضحة لناقل المادة الإعلامية، من خلال استجابة الجمهور الإعلامي له، ومدى إيمانهم بصدق هذا المصدر أو ذاك. وأفضل طريقة لتحديد مدى تأثير المتغيرات المتعلقة بالمصدر، هي دراسة المتلقي. ومنذ أيام أرسطو استخدم مصطلح Ethos للتعبير عن عنصر التصديق لدى الجمهور، هذا المصطلح الذي تطور مع الأيام وأصبح اليوم يستخدم تعبيرات كثيرة منها: تصور، مكانة، إعجاب، للتعبير عن تصديق المصدر. لأن عنصر التصديق هو صلب عملية الاتصال، وهو الذي يحدد أهمية ومكانة القائم بالاتصال،وتأثيره على الحدث الاتصالي بشكل عام. وعنصر التصديق يتضمن كل المتغيرات التي تحيط بالمصدر الإعلامي، التي يدركها المتلقي والتي تؤثر على استجابته لعملية الاتصال. عناصر تصديق المصدر: حاول عدد من العلماء تحديد الخصائص التي تجعل المتلقي يصدق المصدر الإعلامي. ومنهم أرسطو الذي وصفها بأنها: القدرة على التمييز الحسن والأخلاق الطيبة، وأن حسن نية المصدر تجعل المتلقين يستجيبون بشكل إيجابي للرسالة الإعلامية نفسها. وأضاف هوفلاند وجانيس إلى تلك الخصائص: الخبرة والكفاءة، ومدى الثقة بالمصدر الإعلامي. والمتلقي يدرك الخبرة والكفاءة اللتان يتمتع بهما المصدر الإعلامي من الطريقة التي تقدم بها المادة الإعلامية، ومدى معرفة المصدر الإعلامي لموضوع مادة عملية الاتصال. أما الثقة بالمصدر الإعلامي فتأتي من خلال إدراك نوايا القائم بالاتصال، وهدفه من عملية الاتصال، والحجج والعبارات التي يستخدمها للوصول لذلك الهدف. بينما حدد كلاً من برلو ومرتز ولمبرت ثلاثة عوامل اعتبروها من خصائص صدق المصدر الإعلامي، وهي: 1- الإحساس بالأمان والطمأنينة للمصدر الإعلامي. وهو عامل الأمان والطمأنينة الذي يدخله المتحدث إلى نفوس المتلقين للمادة الإعلامية، والنابع من إحساس الجمهور الإعلامي بعدل وأمانة وطيبة ونزاهة المصدر الإعلامي. 2- مؤهلات المصدر الإعلامي. وهي المؤهلات والكفاءة، النابعة من خبرة المصدر الإعلامي ومهارته في تناول الموضوع وقدرته على عرضه أمام الجمهور الإعلامي. 3- ديناميكية المصدر الإعلامي. وهي الحالة التي يبدوا فيها القائم بالاتصال من طاقة وجرأة ونشاط وحيوية، أو خجل وخمول وكسل وتعب وإرهاق، أو عدوانية وغطرسة وتكبر. وكلها عوامل هامة تنعكس سلباً أو إيجاباً على المصدر الإعلامي وتؤدي إلى تصديقه أو الانصراف عنه. وهي التي تحدد العلاقة بين المتلقي والمصدر الإعلامي. والتصديق يمر عبر عدة مراحل من خلال متغيرات تنبع من ظروف الموقف الاتصالي، وهي: 1- التصديق المبدئي الذي يشعر به المتلقي قبل أن يبدأ القائم بالاتصال في تقديم الرسالة الإعلامية. وتتعلق بالتجارب الشخصية للقائم بالاتصال، ومظهره الخارجي. 2- التصديق النابع من الظرف الاتصالي، وهي التي تتكون أثناء عملية الاتصال. 3- التصديق بعد انتهاء عملية الاتصال، أي بعد أن يكون المتلقي قد كون صورة شاملة عن القائم بعملية الاتصال. وهو التصديق النهائي. ولتصديق المصدر الإعلامي أهمية وتأثيرٍ كبيرين، قام على دراسته خلال نصف قرن من الزمن العديد من الباحثين، نذكر منهم: هيمن وكلمان وهوفلاند وماندل أثبتت كلها أن تقسيم تصديق المصدر الإعلامي إلى ثلاثة مراحل يعتبر طريقة مثلى لفهم تأثير صدق المصدر من خلال العملية الاتصالية. فالتصديق المسبق للقائم بالاتصال يؤثر على استعداد المتلقي لتلقي المادة الإعلامية. فإذا كانت استجابة المتلقي المبدئية فيها تأييد للمصدر الإعلامي، فقد يتلقى المادة الإعلامية على الأقل. ولكن إذا كانت استجابته الأولى سلبية، فقد يعزف عن تلقيها. وإذا كان المتلقي غير مهتم بالمادة الإعلامية، فسيعجز المصدر الإعلامي عن إقناعه بالمشاركة في عملية الاتصال وبالتالي عن تحقيق أي تأثير عليه. والمتلقي يحدد بنفسه المشاركة أو عدم المشاركة في عملية الاتصال. ويأتي قراره بالمشاركة أو عدم المشاركة على أساس إدراكه لمواقف القائم بالاتصال، وللمادة الإعلامية ومدي صدق المصدر الإعلامي، وجدارة القائم بالاتصال بالثقة ومدى الخبرة والديناميكية لديه. وبقدر القناعة المتولدة بالمصدر الإعلامي والقائم بالاتصال والمادة الإعلامية بقدر ما يكون التأثير أكبر أو أقل حسب الظروف. ومع مرور الزمن يضعف تأثير المصدر الإعلامي والقائم بالاتصال والمادة الإعلامية لسبب بسيط هو أن الناس بحكم طبيعتهم ميالون مع مرور الوقت إلى عدم ربط المضمون الإعلامي بالمصدر الإعلامي، وهو ما يطلق عليه "التأثير القائم" أو "التأثير النائم". جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية: من المعروف أن ظهور وسائل الإعلام الجماهيرية ارتبط ارتباطاً قوياً بعملية نمو الثقافات الوطنية والقومية، وبتطور ثورة وسائل الاتصال الجماهيرية ابتداء من اختراع الطباعة مروراً بتطور وسائط الاتصال الإذاعي والتلفزيوني، إلى آخر ما أنتجته تكنولوجيا الاتصال الحديثة من حاسبات إلكترونية وأقمار صناعية مخصصة لأغراض الاتصال، إلى أن توجتها أحدث شبكة عالمية للحاسبات الإلكترونية "شبكة الإنترنيت العالمية" التي ما إن ظهرت حتى أصبحت جزأً لا يتجزأ وطرفاً رئيسياً في شبكة التبادل الإعلامي الدولي بعصر العلمنة والانفتاح والتدفق الإعلامي متعدد الأطراف. وكان المفكرون ينظرون لوسائل الإعلام الجماهيرية دائماً، على أنها الشريك الفاعل والقوي والمسيطر، الذي يشكل اتجاهات الرأي العام. وعلى الرغم من ذلك فإننا نجد أن القائم بالاتصال يتأثر ويؤثر بالجمهور الإعلامي، في عملية تبادلية تشبه في كثير من جوانبها عملية الاتصال بين فردين، إلا أنه لا يستطيع أن يرى جمهوره، ولا يستطيع أن يكيف نفسه وفقاً لراجع الصدى الذي يصل إليه عبر مختلف الأقنية. لأن عملية التفاعل بين القائم بالاتصال، والجمهور الإعلامي تصبح معقدة جداً عندما يكون القائم بالاتصال مؤسسة ضخمة غاية في التعقيد. ومن العقبات التي تواجه القائم بالاتصال في محاولاته لمعرفة طبيعة جمهوره الإعلامي، ومدى التأثير الذي يمكن أن توقعه المادة الإعلامية عليه: 1- أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية هي مؤسسات ضخمة واسعة الانتشار، وتستخدم لأداء وظيفتها الإعلامية جماعة متميزة اجتماعياً لها مستوى معين من التعليم والثقافة، لا تربطها في أكثر الأحيان أي جوانب مشتركة مع قطاعات واسعة من الجمهور الإعلامي. 2- وأن القائم بالاتصال لا يستطيع اختيار الجمهور الذي يود التوجه إليه بدقة. 3- ضآلة راجع الصدى المتاح للقائم بالاتصال، رغم الأساليب الحديثة في التعامل مع الجمهور الإعلامي التي أتاحتها وسائل الاتصال الحديثة للقائم بالاتصال (مشاركة الجمهور الإعلامي من أي مكان في العالم عن طريق الاتصال المباشر مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بواسطة أجهزة الهاتف الثابتة والمحمولة - البث الإذاعي والتلفزيوني المباشر، وسهولة استقبال ما يرسله الجمهور الإعلامي من مواد إعلامية بواسطة الفاكس والبريد الإليكتروني). ومن المعروف أن التأثيرات في عمليات الاتصال الجماهيري لا تقتصر على تأثير القائم بالاتصال، وتأثير المادة الإعلامية على الجمهور الإعلامي أثناء تلقيه المادة الإعلامية فقط، بل وتتعداها أيضاً إلى تأثير الجمهور الإعلامي على القائم بالاتصال أثناء إعداده للمادة الإعلامية وإرسالها عبر قنوات الاتصال الجماهيرية، من خلال توقعات القائم بالاتصال عن ردود الفعل المحتملة من قبل الجمهور الإعلامي. لأن ردود الفعل المحتملة من قبل الجمهور الإعلامي تلعب دوراً كبيراً وإيجابياً في عملية الاتصال. أهمية دراسة جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية: تهتم وسائل الإعلام الجماهيرية كثيراً بمعرفة مدى اتساع جمهورها، والفئات والشرائح التي يتكون منها هذا الجمهور،لعدة أسباب منها: 1- جذب المعلنين، وتحديد السياسة السعرية للإعلان. 2- إنتاج مواد وبرامج إعلامية شيقة تجذب الجمهور الإعلامي، وبالتالي تجذب المعلنين. 3- إنتاج مواد إعلامية وبرامج شبيهة بتلك المواد والبرامج الناجحة. 4- التأكد من مدى الإقبال وقبول المواد والبرامج الإعلامية من قبل الجمهور الإعلامي. 5- الاستغناء عن إنتاج المواد الإعلامية والبرامج التي فشلت في كسب الجمهور الإعلامي، أو تلك التي بدأ الجمهور الإعلامي بالانصراف عنها، واستبدالها بالأفضل. ودراسة جمهور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية مرتبطة تاريخياً بعلم النفس التطبيقي، وأول دراسة علمية لقياس الجمهور الإعلامي للصحافة، كانت الدراسة التي قام بها الباحث الأمريكي جورج جالوب بجامعة أيوا. وأول دراسة علمية لقياس الجمهور الإعلامي للإذاعة، كانت الدراسة التي قام بها عالما النفس الأمريكيين لملي Lumley وستانتون Stanton. بدأت بعدها دراسات قياس القراء والمستمعين والمشاهدين بالاتساع والتطور والدقة في الأهداف والمرامي والأبعاد. ففي مجال قياس عادات القراءة كان جورج جالوب أول من ابتكر في الثلاثينات من القرن العشرين أسلوباً علمياً للتعرف على عادات قراءة الصحف والمجلات وهو "طريقة الاعتراف". عندما كانت وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية آنذاك تعتمد في التعرف على اهتمامات الجمهور الإعلامي على البريد الوارد من الجمهور الإعلامي، وخاصة الشكاوي. أو من خلال استطلاعات الرأي التي كانت تنظمها بين الحين والآخر. أو من خلال دراسة أسباب عدم تجديد الاشتراكات، والمسابقات ... الخ. وقد اعتمد جالوب في طريقته العلمية على أسلوب الاستفتاء المباشر، طالباً من القارئ الإشارة على المواد التي قرأها من الصحيفة التي بين يديه خلال الاستفتاء. وهي طريقة غاية في الصعوبة ومرهقة جداً للباحث. وقام قسم الأبحاث بكلية الصحافة بجامعة منسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك بتطوير أساليب البحث العلمي في هذا الاتجاه، بشكل أكثر دقة وسهولة لدراسة اهتمامات الجمهور الإعلامي (القراء) خلال النصف الأول من القرن العشرين، وبالتحديد من عام 1941 وحتى عام 1952، بإشراف: رالف نافزجر من عام 1944 وحتى عام 1949، وتشارلس سوانسون من عام 1949 وحتى عام 1952، وروبرت جونز من عام 1952 وحتى عام 1972. وتركزت التطويرات على أساليب جمع المادة ميدانياً، وتبويبها، وقياس عادات المطالعة بشكل أكثر دقة وتفصيلاً من ذي قبل. كما وقام المركز الأمريكي للتحقق من توزيع الصحف بتوفير أول أرقام عن توزيع المجلات الأمريكية. ولكن سرعان ما اكتشف قصور هذه الطريقة، لأن عدد القراء فعلياً هو أكثر من أرقام التوزيع الفعلي، لسبب بسيط أن النسخة الواحدة يطالعها عدة أشخاص. ومن ثم تطورت الأبحاث لتشمل تصنيف الصحف والمجلات وفقاً لعادات المطالعة، إضافة لإلقاء الضوء على نوعية القارئ. أما في مجال دراسة الجمهور الإعلامي للإذاعة والتلفزيون، فقد بدأت بأبحاث لزرزفيلد في مركز الأبحاث التطبيقية بجامعة كولومبيا. قامت بتطويرها فيما بعد مؤسسات الأبحاث التجارية، مستخدمة أساليب متعددة من دراسة عادات الاستماع والمشاهدة، كالمقابلة والحديث التلفوني أثناء بث البرنامج على الهواء (الطرقة العرضية). وتحديد عدد محطات البث، وعدد أجهزة الاستقبال ... وغيرها من الأساليب. كما ويهتم الباحث برأي الجمهور الإعلامي بالبرامج المختلفة التي تبثها الإذاعة المسموعة، والإذاعة المرئية. لأن راجع الصدى للقائم بالاتصال ضئيل جداً ولا يعرف كاتب ومعد ومخرج ومقدم البرنامج رأي الجمهور الإعلامي بما قدموه لهم، إن لم يستطلع رأي الجمهور الإعلامي بين الفينة والأخرى للوقوف على آراء المستمعين والمشاهدين من البرامج المختلفة المقدمة لهم. وطبيعي أن آراء الجمهور الإعلامي هي بمثابة المعيار الذي يحدد ملامح قيمه وأذواقه واحتياجاته. وبقسم الجمهور الإعلامي عادة عند دراسته إلى ثلاثة فئات هي: حسب الجنس، والعمر، والتعليم والدخل المادي؛ وحسب الميول الشخصية في التعامل مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المختلفة؛ وحسب الاحتياجات الإعلامية وطريقة حصوله عليها. ومن الدراسات المبكرة في هذا الاتجاه الهام من دراسة الجمهور الإعلامي، الدراسات التي قام بها الباحث الأمريكي ولبر شرام خلال الأربعينات من القرن العشرين، وتناول فيها العلاقة بين العمر والتعليم والوضع الاقتصادي ومطالعة الصحف. وتوصل في نتائج أبحاثه إلى: 1- أن قراءة الأخبار بشكل عام ترتفع طرداً مع ازدياد السن والتعليم، والإمكانيات المادية. وأن قراءة الأخبار تزيد بسرعة كبيرة خلال فترة المراهقة، وتصل أعلى مدى لها خلال فترة العمر من 30 إلى 50 سنة، ثم تبدأ بالهبوط. وأن الحاصلين على التعليم الجامعي هم أكثر قراءة من الحاصلين على التعليم الثانوي. 2- وأن القراء صغار السن مابين 10 و 15 عاماً، أكثر اهتماماً بالصور والمواد الفكاهية والطرائف المصورة. 3- وأن أقصى مدى في مطالعة الأخبار في سن مبكرة، هي أكثر بين الرجال بالمقارنة مع النساء. 4- أن التعليم هو السبب الرئيسي لاختلاف عادات المطالعة بين الرجال والنساء في آن معاً. 5- وأن الوضع الاقتصادي يسبب اختلافاً جوهرياً في عادات المطالعة بين الرجال والنساء. 6- وأن المراهقون، وذوي التعليم الابتدائي، والجماعات منخفضة الدخل والمستوى الاقتصادي،هم أكثر اهتماماً بمطالعة أخبار الجريمة والكوارث والحوادث من الأخبار الأخرى. ويستمر هذا الوضع بالازدياد حتى سن الثلاثين، حيث يستقر بعد ذلك، ولا يتأثر بتحسن الوضع الاقتصادي، بينما ينخفض مع ارتفاع مستوى التعليم. 7- وأن ازدياد مطالعة الافتتاحيات والشؤون العامة مرتبط بازدياد السن والتعليم، وتحسن الوضع الاقتصادي. 8- وأن أعلى مستوى لمطالع المواد الفكاهية هي في سن المراهقة، وتبدأ بالانخفاض من سن الخامسة عشرة، وزيادة مستوى التعليم وتحسن الوضع الاقتصادي. 9- وأن الاهتمام بالأخبار المصورة تبدأ في سن مبكرة، وتستمر في الزيادة حتى منتصف العمر. ويساهم زيادة مستوى التعليم وتحسن الوضع الاقتصادي في ارتفاعها. 10- وأن الاهتمام بالافتتاحيات السياسية يبدأ في سن المراهقة، ويستمر في زيادة ونقصان مع تحسن الوضع الاقتصادي. 11- وأن مطالعة أخبار المجتمع تنخفض في سن المراهقة وترتفع بشكل ملحوظ مابين سن الثلاثين، وسن الستين. وتزداد عند النساء مع تحسن الوضع الاقتصادي. 12- وأن مطالعة أخبار الرياضة تصل أقصى مدى لها في العقد الثاني من العمر، وخاصة بين طلاب المدارس الإعدادية والثانوية، وتبدأ بعد ذلك بالتناقص تدريجياً. وتتحسن مع تحسن الوضع الاقتصادي. 13- وأن مطالعة رسائل القراء المنشورة في الصحف هي أكثر عند كبار السن من الشباب. 14- وأن مطالعة الصحف في سن متأخرة هي أكثر منها للترفيه ، من أنها مصدراً للمعلومات ووجهات النظر. كما وتوصلت بحوث ولبر شرام إلى نتائج تفيد بأهمية: 1- افتتاحيات الصحف والأخبار الرئيسية. 2- والصحف التي تهتم بالطرائف والأخبار المصورة. 3- وعلاقة الصحف وتعرض القراء لوسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى. 4- وطبيعة الأخبار نفسها، التي قسمها ولبر شرام إلى فئتين متقاربتين وتقسيم سيجموند فرويد للسلوك الإنساني، لمبدأ الواقع (الحقيقة) ومبدأ اللذة (الاستمتاع). وذكر شرام: "أن القراء والمستمعين يتعاملون مع الأخبار وفق احتياجاتهم ورغباتهم العاجلة أو الآجلة. وأن الأخبار العامة والاقتصادية والمشاكل الاجتماعية والعلوم والتعليم والصحة هي للرغبات والحاجات الآجلة. أما أخبار الجريمة والفساد والحوادث والكوارث الطبيعية والرياضة والترفيه والاهتمامات الاجتماعية والإنسانية فهي لإشباع حاجات ورغبات عاجلة أي مباشرة". 5- وتأثير الجنس على عادات المطالعة. 6- وعمق المطالعة. 7- والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. 8- وتأثير التعرض لوسائل الاتصال والإعلام المختلفة. 9- وتأثير مضمون المادة الإعلامية على أذواق الجمهور الإعلامي. خصائص الشخصية: من الحقائق المعروفة أن الضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الفرد في المجتمع، تولد ردود فعل متباينة لدى الأفراد. وردود الفعل هذه ترتبط ليس بمصدر المادة الإعلامية فقط، بل وبمضمون المادة الإعلامية أيضاً. وتحدد طبيعة ردود الفعل هذه الخصائص الاجتماعية والفردية لكل المتعرضين للمادة الإعلامية. وتبقى الشخصية الفردية كعامل مؤثر من عوامل الاستعداد للاقتناع وتغيير السلوك والمواقف وفق الإستمالات والحجج المستخدمة في المادة الإعلامية. وقد عكف علماء الاتصال على دراسة الاختلافات الفردية لدى الجمهور الذي تعرض لنفس المواد الإعلامية لمعرفة مدى الاستعداد الفردي لديه. فاكتشفوا نوعين من الاستعداد الفردي للاقتناع بمضمون المادة الإعلامية هما: الاستعداد لتقبل أو رفض وجهة نظر معينة عن موضوع معين تتم مناقشته؛ والاستعداد بشكل عام للاقتناع بصرف النظر عن الموضوع. ومن السمات الشخصية التي تجعل من الفرد أكثر تقبلاً أو مقاومة للمادة الإعلامية: 1- العلاقة بين المستويات الذهنية والاستعداد للاقتناع: وهي أدلة قدمها هوفلاند وزملاؤه عن: الأفراد الذين يتمتعون بمستوى عالي من الذكاء، ويتأثرون أكثر من الذين يقل مستوى الذكاء عندهم. لأنهم أقدر على استنتاج المواد الإعلامية المعتمدة على حجج منطقية مؤثرة؛ والأفراد الأكثر ذكاء، هم أكثر قدرة على المحاكمة وأقل تأثراً بالمواد الإعلامية السطحية المدعمة بحجج غير منطقية. 2- والعوامل المتصلة بالحوافز المثيرة للاستعداد العالي للاقتناع: كانخفاض تقدير الفرد لذاته؛ والإحساس بالقلق وعدم الاستقرار؛ وخصوبة الخيال؛ والتفتح الذهني؛ والتأثر بالآخرين. 3- الدوافع المتصلة بالاستعداد المنخفض للاقتناع، وتشمل السمات الشخصية التالية: الشعور بالعداء لآخرين؛ والميل للعزلة الاجتماعية؛ والحالات العصبية الشديدة. 4- الحاجة للمعلومات، وطرق الحصول عليها، وغموض عملية الاتصال، وهي أبحاث عكف عليها الباحثون كوهين، وكلمان وكوهلر الذين توصلوا عام 1959 إلى أن طبيعة هذه الفئة التي تركز على التبسيط وتمييز التفاصيل لحاجتهم الماسة لوضوح المادة الإعلامية وليس غموضها.
المراجع المستخدمة في البحث:
1. : د. أحمد بدر الدين: الإعلام الدولي، دراسات في الاتصال والدعاية الدولية. دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع. القاهرة 1998. 2. د. جيهان أحمد رشتي: الأسس العلمية لنظريات الإعلام. دار الفكر العربي، القاهرة . A. F. Bentley, The Process of Government (1908) A. H. Hastorf, D. J. Schneider, and J. Palatka, Person Perception (Reading, Mass,: Addition - Wesley, 1970). 3. Alex Inkeles, Public Opinion. in Soviet Russia: A Study in Mass Persuasion (Harvard University Press, 1962). 4. Arthur p. Cohen, Attitude Change and Social Influence (N.Y.: Basic Books, 1964). 5. Arthur Clark, "Messages from the Invisible Universe", New York Times Magazine, Nov. 30, 1958. 6. Arthur A. Lumezdaine & Irving L. Janis, "Resistance to Counter Propaganda Produced py One-Sided and Two-Sided Propaganda Presentations", Public Opinion Quarterly, 1953 7. Barnlund, "A Transactional Model of Communication", in Sereno and Mortensen (eds.) (1970) 8. Bernard Berelson, "The State of Communication Research" in Dexter and White (eds.) People, Society and Mass Communication (Glencoe, The Free Press, 1964) 9. Carl Hovland. Communication and Persuasion: Psychological studies of Opinion Change. (New Haven. Yale University Press, 1963) B. I. Hovland, A.A. Lumsdaine and F.D. Sheffield, Experiments on Mass Communication ( New York: John Wiley and Sons, 1965) 10. Charles Bigelow, "Some Suggested Refinement in Newspaper Readership Studies", Journalism Quarterly, 1946 11. Charles Morris, Signs, Language and Behavior (New York: Prentice-Hall, 1946) 12. Colin Leys, "Models, Theories, and the Theory of Political Parties", in Harry Eckstein and David A. Apter, (eds.) Comparative Politics: A Reader (Glencoe, the Free Press, 1963) C. L. Thistle Waite and Kamenetzky, "Attitude Change Through Refutations and Elaboration of Audience Counterarguments", Journal of Abnormal and Social Psychology, 1955 13. David K. Berlo, The Process of Communication: An Introduction to Theory and Practice (N. Y.: Holt, Rinehart and Winston, 1963) 14. David Manning White, "Mass Communication Research: A View in Perspective", in Lewis Antony Dexter and David Manning White (eds.) People, Society and Mass Communication (Glencoe, Illinois: The Free Press, 1964. 15. Dean C. Barnlund, Interpersonal Communication: Survey and Studies (Boston, Houghton Miftlin Company, 1968) 16. Donald F. Cox, "Clues For Advertising Strategists" in Dexter and White (eds). People, Society and Mass Communication. 17. Edward Sapir, "Communication" Encydopedila of the Social Sciences (N. Y.: Macmillan, 1933) 18. Eliot Freidson, " Communications Research and the Concept of the Mass," in W. Schramm (ed.) The Process and Effects of mass Communication 19. Elihu Katz, "The Two-Step-Flow of Communication," in W. Schramm (ed.) Mass Communications 20. Elihu Katz and Paul Lazarsfeld, Personal Influence: The Part Played by People in the Flow of Mass Communication, (The Free Press of Glencoe, 1975) 21. G. Grebner, "Toward a General Model of Communication," Audio-Visual Communication Review, 1956 22. G. Wiseman & L. Barker, Speech - International Communication (San Francesco; Chandler, 1967). 23. G. W. Hartmann. "A Field Experiment on the Comparative Effectiveness of Emotional and Rational political Leaflets in Determining Election Results" Journal of Abnormal and Social Psych0l0gy. 1936 24. Gerhart D. Wiebe, "Merchandizing Commodities and Citizenship on Television", Public Opinion Quarterly, 1951 25. George Lundberg, Foundations of Sociology (New York: Macmillan, 1939). 26. George Gallup, "A Scientifle Method for Determining Reading Interest", Journalism Quarteriv, 1930 27. Gene F. Seehafer and Jack Laema, Successful Radio and Television advertising (N. Y.: Mc Graw-Hill 1959) 28. Gobriel Tarde, L'opinion et la Foulé (1910) 29. Graham Wallas, Human Nature in Polities (1909) 30. H. Toch and M. S. MacLean. Jr. " Perception and Communication: A Transactional View", in Sereno & Mortesen (eds.) (1970) 31. H. Menzel and Elihu Katz, "Social Relations and Innovation in the Medical Profession," Public Opinion Quarterly, 1955 32. Harold Lasswell, "The Structure and Function of Communication in Society", in Schramm and Roberts (eds). The Process and Effect of Mass Communications. 2nd. ed. (Urbana, Illinois, University of Illinois Press, 1971). 33. Herbert Blumer, "The Crowd, the public, and the Mass" in W. Schramm, (ed.) The Process and Effects of Mass Communication, (Urbana: University of Illinois Press 1961) 34. Hovland C., Jans, and Kelley, Communication and Persuasion (New Haven: Yale 35. International Press Institute, The Flow of The News (N. Y.: Arno Press, 1972). 36. Irving L. Janis, "Effects of Fear Arousal on attitude Change: Recent Developments in Theory and Experimental Research" in Beiseeker et:1. (1972) 37. J. Samuel Bois, The Art of Awareness (Dubuque Iowa, William C, Brown 1966) 38. John C. Maloney, "Advertising Research and an Emerging science of Mass Persuasion", in Lee Richardson (ed.) Dimensions of Communication (N. Y.: Appleton Century Crofts, 1969) 39. Joseph Klapper, The Effects of Mass Communication (The Free Press, 1963) 40. Joseph B. Ford, "The Primary Group in Mass Communication," Sociology and Social Research, 1954 41. K. Boulding, The Image (Ann Arbor, University of Michigan Press, 1950). 42. Karl W. Deutsch, The Nerves of Government: Models of Political Communication and Control. (Glencoe: Illinois: The Free Press, 1963) 43. Kat z and Lazarsfeld, Personal Influence (Glencoe, Illinois: The Free Press, 1955). 44. Kenneth Burke, A Grammar of Motive (N. Y.: Prenticeiiall, 1945). 45. Kenneth Boulding, The Image (University of Michigan Press, 1961) 46. Lazarsfeld and Merton, "Mass Communication, Poplar Taste cation of Ideas, (N. Y.: Harper. 1918). 47. Lucas and Britt, Measuring advertising Effectiveness (N. Y.: McGraw-Hill, 1959) 48. Lindley Fraser, Propaganda (N. Y.: Oxford University Press, 1957) 49. Melvin B. Defleur, "Mass Media as Social Systems", in Theories of Mass Communication (N. Y.: David Mcay, 1970) 50. Merton, Mass Persuasion (N. Y.: Harper, 1946) 51. Nathan Maccoby, "The New Scientifle Rhetoric", in W. Schramm, (ed). The Sclence of Human Communication (N. Y.: Basic Books, 1963) 52. Paul F. Lazarsfeld, "Audience Research" in Bernard Berelson and Morris Janowitz (eds.) Reader in Public Opinion and Communication (Glencoe, Illinois, the Free Press, 1953) 53. Paul F. Lazarfeld, Bernard Berelson, and Hazel Gaudiest, The People's Choice (N. Y.: Colombia University Press.1948) 54. Reed H. Blake and Edwin O. Haroldsen, A Taxonomy of Concepts in Communication (N. Y.: Hasting House, 1975) 55. Ronald H. Applbaum et al, Fundamental Concepts in Human Communication, (San Francesco: Canfield Press, 1973) 56. Ronald L. Applpaum, et. al, Fundamental Concepts in Human Communication (N. Y.: Harper Row, 1973) 57. Robert L. Jones and Leslie A. Beldo, "Methodological Improvements in Readership Date Gathering" Journalism Quarterly, 1953 58. Robert K. Merton, "Patterns of Influence: A Study of Interpersonal Influence and Communications Behavior in a Local Community," in Paul F. Lazarfeld and Frank N. Stanton (Eds.) Communications Research, 1948-49 (N. Y.: Harper, 1949) 59. Sereno and Mortensen (eds.) Foundation of Communication Theory. (New York: Harper and Row, 1970) 60. Thomas D. Beiseker and Denn Parson, The Process of Social Influence (New Jersey, Prentice Hall, 1972) 61. W. Schramm, "Communication Research in the United States", in W. Schramm (ed.) The Science of Human Communication (New York: Basic Books, 1963).W. Schramm, "The Challenge to Communication Research". in Ralph O. Nafziger and David Manning White (Eds.) Introduction to Mass Communications Research (Baton Rouge, Louisiana State University Press, 1958) 62. W. Schramm and David Manning White, "Age, Education, Economic Status: Factors in Newspaper Reading", Journalism Quarterly, 1949 63. W. P. Davison, International Political communication (N. Y.: Frederick A. Prager, 1965) 64. Wilbur Schramm, "The Nature of Communication between Humans" in Schramm and Roberts. (eds.) The process and Effects of Mass Communication (Urbana, Chicago: University of Illinois Press, 1971) 65. W. Schramm, Mass Communication. (1960) 66. Winston Lamont Bareback and William Smiley Howell, Persuasion: A Means of social Control (N. J.: Prentice Hall, 1961)