تشنغيز أحماروف أبرز رواد الفن التشكيلي الأوزبكي المعاصر
كتبها
في طشقند: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC اختصاص:
الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة.
ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD اختصاص:
صحافة. بروفيسور متقاعد.
منذ فترة مضت نظم في مركز الفنون القومية التابع لأكاديمية الفنون الجميلة الأوزبكستانية معرضاً حمل اسم "ما عرف وما لم يعرف عن الفنان التشكيلي تشنغيز أحماروف" وشمل المعرض الذي اكتظ بالزوار أكثر من 100 عملاً فنياً وأعمال غرافك لأحد ألمع أساتذة ريشة الفنون الجميلة في أوزبكستان، وشمل المعرض الكثير من الأشياء التي تصور حياته الإبداعية الرائعة والخاصة، وكانت المفاجأة التي لم أكن أتوقعها أن أشاهد بين المعروضات اسكيز صغير رسمه ويحمل توقيع الفنان التشكيلي العربي السوري د. محمد غنوم الذي أهداه له أثناء زيارته لمرسمه في مطلع تسعينات القرن الماضي، وأعادت هذه الصدفة لذاكرتي مجريات ذلك اللقاء الذي كنت فيه بين الحاضرين والمستمعين لتقييم وحب هذا الفنان الكبير لتراث الفنون الجميلة والمنمنمات العربية الإسلامية التي ازدهرت في العالم الإسلامي خلال القرون الوسطى.
وتشير
الدراسات النقدية الصادرة في النصف الثاني من القرن الماضي في أوزبكستان إلى تعدد
آراء النقاد حول تاريخ هذه الفنون الجميلة منذ بدايات عودة الاهتمام إليها، وساد
بين النقاد فيها آنذاك استنتاج مفاده "أن فن المنمنمات الإسلامية في القرون
الوسطى كان محصوراً بفن تزيين صفحات الكتب، وفي بعض النقوش والزخارف الأخرى على
جدران مباني تلك الحقبة التاريخية.
ولكن
الفنان التشكيلي الكبير الراحل تشنغيز أحماروف وتلامذته الشباب أثبتوا
وبشكل قاطع "أن هذا الفن العريق كان موجوداً في المنطقة"، وأدت الأحداث
التي عصفت بالمنطقة خلال تلك الحقبة التاريخية، من حروب داخلية وما رافقها من
إراقة دماء، ودمار شديد في العمران، إلى خلو مناطق شاسعة من السكان تقريباً في ما
وراء النهر. وحدث هذا خاصة بعد انهيار حكم الأسرة التيمورية، خلال القرن السادس
عشر، ومع بدايات الاحتلال الروسي لتركستان منذ قرنين تقريباً، الاحتلال الذي استمر
حتى مطلع تسعينات القرن العشرين. والاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية، وهو ما
أدى بالنتيجة إلى ضياع نماذج كثيرة من الأعمال لفريدة التي خطها أساتذة فنون
المنمنمات وكانت تصور كائنات حية خلال تلك الفترة الهامة من تاريخ المنطقة.
ولكننا
ومن خلال بعض اللقيات الأثرية المحفوظة في متحف الفنون الجميلة بجمهورية أوزبكستان،
نتعرف اليوم على نماذج رائعة من هذا الفن العريق، ونتعرف أيضاً على نماذج أخرى، من
خلال النقوش التي تزين أغلفة مخطوطات القرون الوسطى، بتقنية الورق المعجون
(المعروفة باسم "جلدي روغاني")، والمحفوظة اليوم ضمن مجموعة معهد
أبي ريحان البيروني للإستشراق التابع لأكاديمية العلوم الأوزبكستانية.
ورافق
انبعاث وتجدد هذا الفن العريق، مولد شكل جديد معاصر من أشكال الفنون الجميلة في
أوزبكستان، تمثل بفنون المنمنمات المطلية والمنفذة بتقنية "طاش قاغاز"
(أي الورق المقوى) المصنوع من لدائن الورق المعالجة بطريقة خاصة، والتي ابتكرها
أساتذة الفنون الجميلة في إتحاد "أسطى"، التابع لصندوق الفنون
الجميلة في إتحاد الفنانين التشكيليين الأوزبكستاني آنذاك... أكاديمية الفنون الجميلة
اليوم. والذي أحدث بهدف الحفاظ على الفنون القومية الأوزبكية المتميزة وتطويرها،
ولبعث أشكال الفنون الجميلة الشعبية الآخذة بالزوال. وتكللت الجهود بإحداث ورشة
علمية إنتاجية تجريبية، تحت إشراف الفنان الأوزبكي الراحل تشينغيز أحماروف.
وبين جدران هذه الورشة ظهرت أولى الأعمال الفنية الرائعة لفناني المنمنمات المطلية
الشباب الأوزبكستانيين.
ويعود إنشاء الورشة العلمية التجريبية لفنون المنمنمات
المطلية في إتحاد "أسطى"، إلى مطلع سبعينات القرن الماضي حيث
أنتج تحت إشراف تشنغيز أحماروف أول عمل تجريبي بتقنية رسم الصور المطلية
بالورنيش. الذي عرف في النماذج القديمة للرسوم المنمنمة لكتب القرون الوسطى،
ومختلف مدارسها الفنية، وفي الطرق القديمة لتحضير الألوان، وامتلك تشنغيز
أحماروف تقنيات وطرق عمل أساتذة الشرق القديم، وكانت الخبرة التي تكونت لديه مبعثاً لتك الطرق من جديد
حيث جعلها محط اهتمام المختصين بتاريخ ونظرية الفنون الجميلة رغم غياب وجهة النظر
الواحدة عن المنمنمات المطلية في آسيا الوسطى. وساد استنتاج عن أنها كانت لا تتعدى
منمنمات الكتب والنقوش والزخارف في القرون الوسطى بمنطقة وسط آسيا. ولكن تشنغيز
أحماروف وتلامذته الشباب آمنوا بقوة: بأن هذا الشكل من الفن كان موجوداً، ولكن
الأحداث العاصفة في تلك المرحلة التاريخية، وإراقة الدماء نتيجة للحروب الداخلية،
أفرغت واحات آسيا الوسطى بعد سقوط الأسرة التيمورية في القرن السادس عشر من
السكان، وكانت من أسباب فقدان نماذج كثيرة للمنمنمات التي صورت كائنات حية.