الحكيم الترمذي
محمد بن علي أبو عبد الله الحكيم الترمذي (824-892م)، هو مفكر صوفي شهير، ومتخصص بارز في الشريعة
الإسلامية وعلم الحديث، وشهد معاصروه بسعة آفاقه وعمق معارفه، وأطلقوا عليه لقب "الحكيم
الترمذي".
سيرة حياته
ولد محمد بن علي أبو عبد الله الحكيم الترمذي بمدينة
ترمذ. وحصل على تعليم تقليدي، واشتغل منذ سن الـ8 سنوات بالعلوم الدينية. وفي سن
الـ28 سنة أدى فريضة الحج إلى مكة المكرمة، وفي الطريق طور معارفه بالإختلاط برجال
الدين والمربين الصوفيين. وبعد عودته إلى موطنه استمر بدراسة الصوفية. وكان من بين
معلميه الشيوخ الخراسانيين المشهورين: أبو تراب النخشابي، ويحيى الجلا،
وأحمد بن خضراواهي وغيرهم.
واتبع الحكيم الترمذي أسلوب حياة زهد جذب له احترام
السكان المحليين، مما دفع مجموعة من التلاميذ للإلتفاف حوله. ولكن نشاطاته لم تعجب
الحكام المحليين والفقهاء، وخوفاً من الملاحقة اضطر الحكيم الترمذي لمغادرة
وطنه. وغادر في البداية إلى بلخ، وبعدها إلى نيشابور.
وكان كتابه "ختم الأولياء" الإسهام الرئيسي في
تطوير الصوفية، وتحدث فيه عن الأولياء الصالحين. ووفقاً لنظريته هذه فالأولياء
الصالحين يديرون العالم: وساوى الحكيم الترمذي بينهم وبين الأنبياء المرسلين
من عند الله (ج).
واعتبر أنه هناك أولياء مكرمون "قطب" أو "معاون"
بين الأولياء الصالحين. وبعدهم أورد في الهرم 3، 7، 40، 300 و400 ولي صالح، ولكل
منهم دوره الخاص في التعليم الديني وتطوير العلوم الدينية. وربط مركز الولي الصالح
بالخبرة الدينية والمستوى المعرفي الذي وصل إليه.
وفي كتابه "ختم الأولياء" كتب وللمرة الأولى
في العالم الإسلامي عن الشعارات المستخدمة للتعريف بمعنى كلمة "زكر".
وأكد الحكيم الترمذي على أن للولي الصالح (ولاية) محدودة الزمن، لأنها أشبه
بالحصول على الهداية (النبوة)، ومختومة بختم يظهر في نهاية الكون.
وبالإضافة لهذا الكتاب كتب الحكيم الترمذي نحو 80 مؤلف تحدثت عن أهمية الخبرات
الخفية التي مارسها الصوفيون. وفي دراسة "الروح" (أوضاعها
و"حركتها")، وطرق تطوير الذات وتبدل الغرائز، وتحمل المشقة ودورها كوسيلة
للتطهر، وشهدت كلها على عمق معرفته لسلوك الإنسان. واعتبرت مؤلفاته لاحقاً كمؤلفات
كلاسيكية من المؤلفات الصوفية الإيرانية الشرقية. وأفردت الحاجة لتنظيم القوى
الفكرية الخارقة.
وأول مجموعة ألفها الحكيم الترمذي كانت لسير حياة الصوفيين في تاريخ
الصوفية. ولكن هذه الأعمال بقيت معروفة في مراجع من سار على دربه من بعده فقط.
واعتبر الحكيم الترمذي أن قيمة الإنسان العليا هي
المعرفة الباطنية ("معرفة"، أو "حكمة")، وتأتي مع "النور
الإلهي"، المحفوظ في قلوب الناس. وميز بين المعرفة العادية "علم"، والمعرفة
التي تؤدي لفهم الشريعة، و"الموهبة" التي بفضلها يتم التوصل إلى أسرار
فكر "الجوهر الإلهي". وأن المعرفة التقليدية يمكن الحصول عليها أثناء
التعلم، كمعرفة في ذلك الوقت، و"الجوهر الإلهي" هدية ربانية للذين
يختارهم الله (ج). وأن مجال ووقت الحصول على العلم محدود، بينما لا يوجد للمعرفة
حدود. واعتبر الحكيم الترمذي، أن "الموهبة" هدية ربانية
للناس الذين تسعى أفكارهم نحو الله (ج) والذين لهم روحاً خالية من ارتباطات
الحياة. وهؤلاء الناس هم الصوفيون، الذين هم "أولياء"، أو
"قديسين"، متميزين عن غيرهم من المؤمنين.
وثبت تصور التسلسل الهرمي للصوفيين
المعترف بكمالهم بعد الحكيم
الترمذي.
وفي كتابه "ختم القديسين" بحث بالتفصيل عن إمكانية الوصول إلى وضع
المنور والقديس، واقترح لذلك طريقين، إما التقيد الصارم بما تفرضه الشريعة
والطريقة، أو من خلال النعمة الإلهية.
وكان الحكيم الترمذي أول المفكرين الصوفييين الذين
أفردوا بالتفصيل مكانة الزهد المقدس، وساوى بين الزهاد وبين "الرسل" و"الأنبياء" عملياً.
وكان الحكيم الترمذي متعلماً، ملماً بالبوذية،
والمسيحية، والدراسات المذهبية، ويمكن اكتشاف تأثير ذلك في مؤلفاته. ولهذا أعطاه معاصريه
حق قدره لسعة آفاقه وعمق معارفه، وأطلقوا عليه لقب "الحكيم الترمذي".
وأطلق الباحث في التصوف و.ف.
أكيموشكين على الحكيم
الترمذي لقب سلف المفكر والشاعر العربي ابن
عربي من القرون الوسطى، لأن ابن عربي أدخل في مؤلفاته أكثر من مرة مقتطفات
كبيرة من مؤلفات الحكيم الترمذي.
وأمضى الحكيم الترمذي نهاية حياته في موطنه حيث عاد من
منفاه الإضطراري. وأحيط بتلامذته وكان من بينهم: أبو علي الجوزجاني، وأبو
بكر الوراق، وبقي ملتزماً بخفايا الصوفية حتى آخر آيامه.
المرجع: http://www.ziyonet.uz/ru//
باللغة الروسية.
إعداد: أ.د. محمد البخاري،
طشقند، 30/9/2013.