الجمعة، 24 أغسطس 2012

نظرية الصحافة والتنمية



نظرية الصحافة والتنمية


كتبها: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب Ph.D اختصاص: صحافة. بروفيسور قسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية. بتاريخ 21/8/2012
ومع اختلاف الظروف في العالم النامي، وخاصة في الدول التي ظهرت إلى الوجود في منتصف القرن العشرين، واختلفت عن الدول المتقدمة من حيث الإمكانيات المادية والاجتماعية، كان لابد من نموذج إعلامي لهذه الدول يختلف عن النظريات التقليدية، يناسب الأوضاع القائمة في المجتمعات النامية، وظهرت نظرية الصحافة والتنمية في ثمانينات القرن الماضي، وقامت على الأفكار والآراء التي وردت في تقرير لجنة واك برايل حول مشكلات الاتصال في العالم الثالث.
وخرجت هذه النظرية عن نطاق بعدي الرقابة والحرية كأساس لتصنيف أنظمة الاتصال والإعلام الجماهيرية، فالأوضاع المتشابهة في دول العالم الثالث تحد من إمكانية تطبيق نظريات الإعلام التي أشرنا إليها سابقاً، لغياب العوامل الأساسية للاتصال والإعلام الجماهيري كالمهارات المهنية والمواد الثقافية والجمهور المتاح.
والمبادئ والأفكار التي تضمنتها نظرية الصحافة والتنمية تعتبر مهمة ومفيدة لدول العالم النامي، لأنها تعارض التبعية وسياسة الهيمنة الخارجية. وهذه المبادئ تعمل على:
- تأكيد الهوية الوطنية والسيادة القومية والخصوصية الثقافية للمجتمعات.
وعلى الرغم من أن هذه النظرية لا تسمح إلا بقدر قليل من الديمقراطية، حسب الظروف السائدة، إلا أنها في نفس الوقت، تفرض التعاون وتدعو إلى تضافر الجهود بين مختلف القطاعات الاجتماعية لتحقيق أهداف التنمية، وتكتسب النظرية الصحافة والتنمية وجودها المستقل من نظريات الإعلام الأخرى ومن اعترافها وقبولها للتنمية الشاملة والتغيير الاجتماعي.
وتتلخص أفكار هذه النظرية في التالي:
- أن وسائل الاتصال والإعلام يجب أن تقبل تنفيذ مهام التنمية بما يتفق مع السياسة الوطنية القائمة؛
- وأن حرية وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية يجب أن تخضع للقيود التي تفرضها أولويات التنمية والاحتياجات الاقتصادية للمجتمع؛
- ويجب أن تعطي وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الأولوية للثقافة الوطنية واللغة الوطنية في المضمون الإعلامي؛
- وأن وسائل الاتصال والإعلام مدعوة لإعطاء أولوية فيما تقدمه من أفكار ومعلومات للدول النامية الأخرى القريبة جغرافيا وسياسيا وثقافيا؛
- وأن الصحفيين والإعلاميين العاملين في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية لهم الحرية في جمع وتوزيع المعلومات والأخبار؛
- وأن للدولة الحق في مراقبة وتنفيذ أنشطة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية واستخدام الرقابة خدمة لأهداف التنمية.
وعرف ليونارد سوسمان صحافة التنمية بأنها صحافة يركز الصحفيون الموضوعيون فيها على أخبار الأحدث والتطورات في مجالات التنمية الأمر الذي يؤدي إلى نجاح التنمية الاقتصادية وتحقيق الوحدة الوطنية في الدول النامية.
وأشار ناريندر أجاروالا إلى أن صحافة التنمية تفرض على الصحفي تفحص وتقييم ما يكتبه بعين ناقدة، ومدى ارتباط مشروع التنمية بالحاجات المحلية والقومية، وتفحص الاختلافات بين الخطة وتطبيقها، والاختلاف بين آثارها الاجتماعية الفعلية وتصريحات المسئولين، والتناقض بين الاستخدام الحكومي للصحافة في خدمة التنمية، وبين الدور الرقابي للصحافة في ظل السيطرة الحكومية وتراجع النقد وتحول أخبار التنمية إلى دعاية سياسية للحكومة وقيادتها.
وتتلخص وجهة النظر هذه في مهام وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في عملية التنمية بالتالي:
- تشكيل اتجاهات الشعب وتنمية هويته الوطنية؛
- ومساعدة المواطنين على إدراك أن الدولة قامت بالفعل بأداء التزاماتها على الوجه الأكمل؛
- وأن الحكومة تنتهج سياسات هادفة للمساعدة على تحقيق التنمية الوطنية؛
- وتشجيع المواطنين على الثقة بالمؤسسات والهيئات والسياسات الحكومية مما يضفي الشرعية على السلطة السياسية ويدعم مركزها؛
- والإسهام في تحقيق التكامل السياسي والاجتماعي من خلال تجنب الصراعات السياسية والاجتماعية وإحباط أصوات التشرذم والتفرقة والتخفيف من التناقضات في القيم والاتجاهات بين الجماعات الاجتماعية المتباينة؛
- والمساعدة على الاستقرار والوحدة الوطنية وتغليب المصالح الوطنية على المصالح الذاتية؛
- وإبراز الإيجابيات وتجاهل السلبيات وتقليل حجم النقد إلى حجمه الأدنى.
ومن هنا تبرز مشكلة سوء استخدام صحافة التنمية في إطار الاحتكار الحكومي لوسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية، حيث تتحول طاقاتها لخدمة هدف تدعيم مركز السلطة السياسية وتصبح أهداف التنمية الوطنية ذات أهمية ضئيلة، وتتحول حرية الصحافة كما أشار جراهام مايتون إلى نوع من الترف الفكري من وجهة نظر المتحمسين لمفهوم صحافة التنمية، وأوضح فاروق أبو زيد أن بعض الدول العربية ادعت ضرورة توجيه وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية لخدمة التنمية والقضايا القومية انتهى الأمر فيها إلى توظيف الصحف لتدعيم النظم السياسية الحاكمة والترويج لأفكارها والدفاع عن سياساتها وأن نظرية صحافة التنمية لم تلبي واقع أنظمة الاتصال والإعلام الجماهيري في دول العالم الثالث، الأمر الذي يؤكد ضرورة صياغة نظريات جديدة ينتجها مفكرو العالم الثالث، لتخاطب الواقع في الدول النامية بمفاهيمه وتعقيداته.
===




الخميس، 23 أغسطس 2012

نظرية التبعية الإعلامية


نظرية التبعية الإعلامية

كتبها: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب Ph.D اختصاص: صحافة. بروفيسور قسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية. بتاريخ 21/8/2012
ظهرت نظرية التبعية الإعلامية في دول أمريكا اللاتينية في حقبة ما بعد الاستقلال كرد فعل لإخفاق نظريات التحديث الغربية في تفسير أسباب تخلف الدول النامية، وتتلخص في أن ما تقدمه الدول الصناعية من تكنولوجيا الإتصال والإعلام، وأنظمة وممارسات مهنية إعلامية ومواد وبرامج إعلامية لتستهلك في الدول النامية يعمل على صنع وتعميق التبعية الإعلامية لهذه الدول، وزيادة اعتمادها على الدول الصناعية المتقدمة.
ومن أهم منظري هذه النظرية شيلر وماتللارات وبويد باريت، اللذين قالوا: أن التكنولوجيا والأنظمة والممارسات الإعلامية المنقولة من دول العالم المتقدم تعمل على تشويه البنية الثقافية في دول العالم النامي، وتسهم في إحداث سلبيات عديدة منها:
- خلق ثقافة مهجنة؛
- والتغريب الثقافي؛
- والغزو الثقافي.
وفي هذا الإطار جاءت جهود منظمة اليونسكو لتسهم في تقديم منظور نقدي يتميز بالشمول والموضوعية في محاولة لتجاوز الرؤى الجزئية التي تسعى إلى سيادة الرؤية الغربية (دول الشمال) في الاتصال والإعلام الجماهيري وتجاهل وإغفال حقوق الاتصال والإعلام الجماهيري لشعوب الجنوب.
وحرصت لجنة ماكبرايد على طرح تصور شامل يتضمن رؤية ومطالب دول الجنوب في مجال الاتصال والإعلام الجماهيري أبرزها في تقرير اللجنة:
- ضرورة المبادرة لتطوير المفهوم التقليدي السائد عن سياسات الاتصال والإعلام الجماهيري؛
- والعمل على تغيير الهياكل الاتصالية والإعلامية الجماهيرية السائدة؛
- والأخذ بالنظام المفتوح للاتصال والإعلام الجماهيري الذي يتيح إشراك الجماهير في العملية الاتصالية.
وكشفت النظرة المتعمقة لتجارب العالم الثالث لنا حقيقة الدور الذي تقوم به بعض وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في تشكيل اتجاهات الرأي العام بصورة خادعة ومضللة ومستهدفة في الأساس، ولإضفاء الشرعية على السياسات الاستبدادية للسلطات الحاكمة، واعتمادها على تكنولوجيا الاتصال الجماهيرية والمعلوماتية التي تتحكم فيها الشركات متعددة الجنسيات، والقوى المحلية المتمتعة بالنفوذ السياسي والاقتصادي.
لنفهم أن نظرية التبعية الإعلامية أعطت اهتماماً كبيراً للأبعاد الثقافية والتاريخية والدولية في تفسيرها للعلاقة القائمة بين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية والسلطات السياسية ودورها في إطار التبعية الإعلامية والغزو الثقافي. ولو أنه يمكن أن يؤخذ عليها مبالغتها في تقدير أهمية المتغيرات الخارجية وتأثيرها على الأنظمة والسياسات الاتصالية لدول العالم الثالث، وهو ما يقلل من أهمية المتغيرات الداخلية، بالرغم مما تمثله الضغوط الدولية من أهمية إلا أن صياغة السياسات الإتصالية والإعلامية الجماهيرية تبقى مسؤولية وطنية في المقام الأول ويفترض أن تعكس الإرادة الشعبية وتصون الشخصية الثقافية الوطنية.
ورغم ذلك فنظرية التبعية الإعلامية بحاجة لجهود كبيرة لمراجعتها على ضوء المتغيرات الدولية التي برزت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ابتداءً من انهيار الشيوعية والمعسكر الاشتراكي الدائر في فلكها وسقوط القطبية الثنائية، مروراً بالنظام العالمي الجديد وعولمة الاقتصاد والسياسة والثورة التكنولوجية في عالم الاتصال، وعولمة الثقافة والدفع نحو صراع الحضارات.
خاصة وأن أنظمة الاتصال والإعلام في العالم الثالث تقوم على:
- نظام إتصالي وإعلامي جماهيري تسيطر عليه الدولة في إطار مفهومي التنمية والوحدة الوطنية، والرقابة فيه على المضمون الإعلامي صارمة؛
- ونظام إتصالي وإعلامي جماهيري موجه من الدولة وظيفته الأساسية تعبئة الجماهير من أجل التنمية وتدعيم الوحدة الوطنية لتحل المسؤولية الوطنية محل المسؤولية الاجتماعية؛
- ونظام إتصالي وإعلامي جماهيري مستقل تتمتع فيه وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية بقدر من الحرية بعيداً عن التدخل المباشر للحكومة لتستطيع وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية في ظله أن تظهر استقلالية في مواجهة الضغوط الحكومية.
ويعتبر هذا التصنيف أكثر مرونة في تصنيف أنظمة الإتصال والإعلام الجماهيرية في العالم الثالث، لأنه من الصعب إخضاعها لتصنيفات جامدة نظراً لما تتضمنه من تناقضات وتعقيدات كثيرة.





الأربعاء، 22 أغسطس 2012

نظرية المسؤولية العالمية للصحافة



نظرية المسؤولية العالمية للصحافة


كتبها: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم   DC اختصاص: الثقافة السياسية الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD اختصاص: صحافة. بروفيسور قسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية. بتاريخ 21/8/2012
وتهدف نظرية المسؤولية العالمية للصحافة، إلى:
- ربط أجهزة الاتصال والإعلام الجماهيرية والعاملين فيها بقضية الإنسان في كل مكان؛
- ورفع مسؤولية الاتصال والإعلام الجماهيري إلى مستوى القضايا العالمية التي تحتاج إلى كلمة الحق المنزهة عن الهوى، وإلى الموضوعية التي تفتقر لها أجهزة الاتصال والإعلام الجماهيرية في المجتمعات المختلفة؛
- وتحقيق المساهمة الإيجابية لأجهزة الاتصال والإعلام الجماهيرية في معركة الوجود الإنساني نفسه؛
- ونبذ ومحاربة التهديدات الإنسانية المصيرية والمتمثلة في الحرب النووية والاحتكارات والمصالح الدولية.
وأهداف وغايات نظرية المسؤولية العالمية للصحافة بالأساس تنبثق من مفهوم خدمة المجتمع الإنساني ككل وهذه النظرية تعتبر امتداداً للنظريات الإعلامية السابقة ولكنها قد تكون أكثر شمولاً منها كونها تنطلق من وإلى المجتمع الإنساني الأشمل. دون تحديد لجنس هذا المجتمع لأنها ترفض الأفكار العنصرية والعرقية والدينية وتعمل على خدمة الإنسان من كل جوانب حياته، وتؤمن بتوفير الحرية الكاملة والكافية التي تمكن الإنسان من إبداء رأيه وأفكاره، من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المتاحة.
وتتلخص فلسفة نظرية المسؤولية العالمية للصحافة بالعبارة التالية: (حب الإنسان للإنسان). ومهما تكن الاختلافات بين الإنسان والإنسان الآخر، فإن شعار هذه النظرية يؤكد على التآخي، ودعوتها الصريحة تتسم بالبساطة والوضوح، واستندت إلى حقيقة موضوعية في ارتباط الإنسان بالإنسان الآخر، من حيث: الحضارة والمصالح والتاريخ والجغرافيا والثقافة والديانات، وكل ذلك يستدعي من الإنسان أن يحب لأخيه الإنسان ما يحب لنفسه في عالم إنساني واسع فسيح الأرجاء.
وقد تختلف أو لا تختلف الغاية من الأهداف التي تتضمنها هذه النظرية إلا أن الغاية الأساسية تركز على تكييف طبيعة الصراع الإنساني لتحقيق الغاية الأسمى، غير أن هذه النظرية لا يمكن تحقيقها ما لم يظهر من بين دعاتها أفراداً مخلصون لمبادئ الإنسانية عموماً، لأن الذاتية كنزعة إنسانية فردية تقود بعض المنظرين والسياسيين المتزعمين لحركة المجتمع أو المتزعمين لحركته الفلسفية والفكرية إلى ضيق الأفق. والإخلاص هنا يرتكز على مبادئ الإنسانية جمعاء، وليس على المبادئ الذاتية التي تضلل الناس المتطلعين إلى السلام والحرية ومحاربة كل وسائل الاتصال والإعلام الرأسمالية التي تعمل على استلاب حياة الناس واستلاب رغيف الخبز الذي يعيشون عليه.
وتعتبر أن الإنسان المتطلع إلى مبادئ المسؤولية العالمية بحق، هو ذلك الإنسان المنادي بالحرية الحقيقية وبمفهومها الحقيقي، ومعناها المناهض للوسائل المتخلفة التي تعمل على تفكيك وتجزئة شعوب العالم من خلال النزاعات الدينية والتوسعية والعبودية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي في النهاية تحطم الإنسان في كل مكان.
لذلك ومع توسع الثورة المعلوماتية والتكنولوجية وخضوع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية للاحتكارات أو لفئات حاكمة والسير في ركابها وعدم ارتباطها بالمجتمع وتسخير قدراتها لخدمة قضاياه، فإن تطبيق هذه النظرية العالمية يحتاج إلى أولئك الرجال الذين يستطيعون تخطي الحواجز الإقليمية والارتفاع فوق الصراعات والمصالح الشخصية والمحلية والإقليمية، والنظر إلى الإنسان كإنسان في كل مكان.
وجرت محاولات فردية كالمحاولة التي قام بها الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، وعارض فيها الحرب الفيتنامية، وجهود بعض الكتاب الأحرار في مقاومة الاحتلال والحروب والتفرقة العنصرية.
ولكن الذي يحدث هنا وهناك لم تواته القوة المؤثرة بعد، ولا زالت تلك النظرية بعيدة عن الرواج أو التأثير، ونجد أن الكثير من المحاولات الإعلامية والسياسية العالمية لمناصرة حقوق الشعوب المضطهدة وقضاياها العادلة، وفضح المخططات التوسعية والعنصرية في العالم، دون المستوى المطلوب.
ونرى أن منظمة الأمم المتحدة معنية في إعادة النظر في جميع الممارسات الاتصالية والإعلامية الجماهيرية الدولية المستندة على مبدأ حق امتلاك التكنولوجيا، الذي يعني حق احتكار المعلومات فالقضايا الإنسانية وحقوق الشعوب المهضومة جميعها تمثل جوهر عملية الاتصال والإعلام الإنساني الموالي للحب والسلام والوئام بين شعوب العالم على أساس الاحترام المتبادل وتبادل المنافع والمصالح الإنسانية.




الثلاثاء، 21 أغسطس 2012

نظريات الإعلام


نظريات الإعلام

كتبها: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية، DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD اختصاص: صحافة. بروفيسور قسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية. بتاريخ 19/8/2012
والقصد من نظريات الإعلام هو خلاصات ما توصل إليه الباحثين في مجالات الاتصال والإعلام الجماهيري ومن بينها كتاب نظريات الصحافة الأربع الذي ألفه لبيترسون، وشرام ووضعا فيه أسس العلاقة المتبادلة بين نظريات الإعلام وفلسفة الإعلام لأنه هناك علاقة متبادلة بين نظريات الإعلام وفلسفة الإعلام، ففلسفة الإعلام تبحث العلاقة الجدلية بين الإعلام وتطبيقاته في المجتمع، أي تحليل التفاعل بين الإعلام كعلم وبين ممارساته الفعلية في الواقع الاجتماعي، ورأى منظري نظريات الإعلام أنها جزء من فلسفة الإعلام لأن فلسفة الإعلام هي أعم واشمل من النظريات، لأن استخدام تعبير نظريات الإعلام كان في مجمله انعكاسا للحديث عن الأيديولوجيات والمعتقدات الاجتماعية والاقتصادية، والحديث عن أصول منابع العملية الإعلامية المؤلفة من: - مرسل؛ - ومستقبل؛ - ووسيلة.
وترتبط نظريات الإعلام بالسياسات الإعلامية في المجتمع، ومدى التحكم بالوسيلة الإعلامية من النواحي السياسية، وفرص الرقابة عليها وعلى مضامينها التي تنشر أو تذاع من خلالها، ليبرز سؤال هل تسيطر الحكومة فعلاً على وسائل الإتصال والإعلام ؟ أم أن لها مطلق الحرية في التحرك ؟ أم التقيد بالقواعد التي تحددها القوانين النافذة ؟. خاصة وأن مجموعة العوامل التي تشترك في تأسيس منطق النظرية العلمية في المجالات الإنسانية والحياتية المختلفة، في حقيقتها نابعة من بيئة الإنسان ومجموعة المنبهات والاستجابات التي تتكون وفقاً لها.
واستطاع الإنسان تشخيص تلك العوامل البيئية والاجتماعية والنفسية بعد أن عرف اللغة ومفرداتها، لأن اللغة في شكلها الأول وبطبيعتها البسيطة البدائية كانت ضرورية لحياة الجماعة وأساساً لتكوين علاقات بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبمرور الزمن تطورت اللغة لتصبح ذاكرة للمجتمع ومكنت الإنسان من تنسيق جهوده وتوحيدها في مجرى مشترك عام وجعلت الكتابة تداول الخبرة ممكناً بين الأفراد والأجيال والمجتمعات. واللغة بهذا المعنى الواسع أصبحت أداة اتصال رئيسية بين بني البشر، كما أنها في الجانب الثاني أصبحت أداة فكر وأداة لتبادل الآراء والأفكار بين الناس.
ومعروف أن المطبعة جاءت لتفتح الطريق أمام الثورة الصناعية بعد أن مهدت لها الثورة العلمية، وما أن دخل القرن العشرين حتى صار العالم يعيش ثورة شاملة في وسائل الاتصال والإعلام. وانحسرت المسافات الجغرافية أمام القدرات التكنولوجية لوسائل الاتصال والإعلام. ومن أجل تسخير هذه القدرات وتوظيفها لخدمة المعلومات وتبادلها بين المجتمعات أخضعتها الحكومات والدول إلى نظرياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. مما دفع علماء الاتصال والإعلام لوضع نظريات إعلامية مستنتجة من تلك النظريات السياسية الأوسع وتطبيقاتها العملية في المجتمعات المختلفة من رأسمالية واشتراكية وهجينة وخاصة وغيرها. ولا غرابة في أن يكون لإعلام الدول النامية قولٌ في هذا المجال لاسيما وأنها ابتليت بالأوضاع التي فرضتها عليها السياسات الاستعمارية، وما تعانيه من شدة الخلافات السياسية التي انعكست بالنتيجة على فعالياتها الإعلامية. ورغم دخول العالم القرن الحادي والعشرين، وعصر المعلوماتية ووسائل الاتصال المتطورة فإننا نلاحظ استمرار تخبط الدول النامية في مشاكلها الإعلامية والاتصالية التي ازدادت صعوبة وتعقيداً. وبقي الإتصال والإعلام ظلاً للسياسة في الحركة الاتصالية اليومية لتطبيق المناهج السياسية والاقتصادية والفكرية والتربوية والتعليمية والثقافية، في هذا البلد أو ذاك.
وارتباط وعي الإنسان بهذه العوامل والتكوينات الاجتماعية وبتقديره للظروف الموضوعية والذاتية التي تحيط به، والتي ترتبط ارتباطاً مباشراً بلغته القومية، لاسيما وأن اللغة هي التعبير عن تقديرنا للواقع الموضوعي، وقد ظهر الوعي واللغة في مرحلة محددة من التطور الاجتماعي للبشرية، ليتمكن بنو البشر من التواصل والاتصال ببعضهم البعض.
واللغة تمنح الإنسان بالإضافة إلى وراثته البيولوجية فرصة للاستثمار الأمثل للثقافة والمعرفة. وقد أتاح العلم الحديث للغة ممكنات ووسائل متعددة للتعبير عن دقائق الأحكام الفعلية في صورها النظرية والتطبيقية لمختلف الحاجات الإنسانية.
ونظراً لتعدد خصوصيات تلك الحاجات الإنسانية وأساليب إشباعها من الوجهة الاتصالية والإعلامية فقد عمد رجال الإعلام إلى إتباع النظرية المناسبة لهم في خطابهم الإعلامي والاتصالي لتجسيد المستويات الإعلامية الوظيفية المطلوبة، وهي:
- المستوى المعلوماتي: الذي يتوسل باللغة لتوصيل المعلومات إلى المتلقي بأسلوب مباشر وبصياغة واضحة ودقيقة؛
- والمستوى الإقناعي: والذي يقصد به إقناع المتلقي ودعوته إلى الالتزام الأولي ومن ثم تبني المضمون المطروح أو الفكرة المقصودة أو الرأي المراد إيصاله ومن ثم تدعيمه عن طريق خلق القناعات لدى الشرائح الاجتماعية؛
- والمستوى التعبيري: الذي يدخل ضمن باب فن الأدب المستخدم في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية السمعية والمرئية والمقروءة لاسيما المستندة منها على استعمال الصورة المتحركة أو الثابتة. ومن النظريات الإعلامية السائدة في العالم: نظرية السلطة المطلقة على الصحافة؛ ونظرية الصحافة الحرة؛ والنظرية الصحافة الإشتراكية؛ ونظرية المسؤولية الإجتماعية للصحافة؛ ونظرية المسؤولية العالمية للصحافة؛ ونظرية الصحافة والمشاركة الديمقراطية؛ ونظرية الصحافة والتنمية؛ ونظرية التبعية الإعلامية؛ وغيرها من النظريات.
===



الاثنين، 20 أغسطس 2012

العلاقات العامة وإدارة الأزمات



العلاقات العامة وإدارة الأزمات

تأليف: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD اختصاص: صحافة. بروفيسور قسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية. 19/8/2012

تأخذ العلاقات العامة أهمية خاصة لدى الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني عند تعرضها لأزمات تهدد مقدرتها على المنافسة والاستمرار في أداء وظائفها، وتعرضها للنقد اللاذع من قبل الشرائح الاجتماعية والقوى السياسية المختلفة، عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، لأن مصالح تلك الشرائح والقوى مرهونة بنجاح الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني أو فشلها في أداء الوظائف المنتظرة منها. وتعتبر الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني الأزمات التي تتعرض لها نقطة تحول مفاجئة تؤدي إلى انهيار الاستقرار الداخلي وتهدد المصالح والبنى الأساسية للمجتمع.
وينتج عن تعقد العلاقات الدولية المتشابكة نتائج غير مرغوبة تفرض على الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني ضرورة اتخاذ قرارات تتبعها إجراءات محددة خلال فترة قصيرة لمواجهة الأزمات في وقت تكون فيه جميع الأطراف المعنية غير مستعدة عملياً لذلك وغير قادرة على المواجهة ومهددة بخروج الأزمة ومشاكلها المطروحة للتداول عن نطاق السيطرة، وسرعان ما تتلاقى الأحداث، وتتشابك الأسباب ليفقد أصحاب القرار بدورهم قدرة السيطرة على مجريات الأمور وتصريف الأمور في الهيئة أو المؤسسة المعنية وعلى اتجاهاتها المستقبلية.
ولهذا جرت العادة أن تقوم الحكومات وإدارات مؤسسات المجتمع المدني في ظروف الأزمات بتشكيل مجموعات عمل خاصة لإدارة الأزمـات ومواجهة آثارها المحتملة والتخفيف من نتائجها، وتعنى مجموعات العمل تلك بإدارة الأزمة والبحث عن طرق للتغلب عليها والتخفيف من ضغوطاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والعسكرية والتحكم بمساراتها واتجاهاتها وتجنب سلبياتها، مستفيدة من الإيجابيات الممكنة والمتوفرة لتحقيق أقصى قدر ممكن من المكاسب في أقصر مدة ممكنة، والحدّ من الخسائر لأدنى حدّ ممكن. وتستخدم مجموعات العمل لأداء العمل المطلوب منها كل المقدرات المتاحة لوظائف العلاقات العامة، لماذا ؟ لأن وظائف العلاقات العامة تتضمن طرقاً للحيلولة دون حدوث أزمات والتغلب عليها في حال حدوثها ضمن ما يسمى  بـ (إدارة الأزمات).
ويبدأ العاملون ضمن مجموعات العمل من خبراء العلاقات العامة والباحثين في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والعسكرية الاهتمام بالقدر اللازم بالأزمة ومجرياتها ومضاعفاتها، بهدف البحث عن إمكانيات لفعل شيء ما حيال مجريات الأزمة وتحليل أسبابها ومصادرها، آخذين بعين الإعتبار آخر منجزات علم إدارة الأزمات الذي بدأ وأخذ بالتطور مع ظهور نتائج التطور العلمي والتكنولوجي، التي أسهمت بتقديم وسائل وأدوات متطورة للتعامل مع الأزمات وإدارتها، والاتصال بغرض جمع المعلومات وتحليلها، ليتمكن خبراء العلاقات العامة والباحثين في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والعسكرية من القيام بدور كبير وفعّال لمواجهة الأزمات والتغلب عليها والتخفيف من تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على البيئية المحلية.
والمبدأ الأساسي للاتصال خلال الأزمات المحافظة على قدرة الاتصال والتواصل مع الجمهور المستهدف لأن الاتصال خلال الأزمات يكون أكثر فاعلية منه في أي ظرف آخر، ويمكن خبراء العلاقات العامة من الحصول على معلومات سريعة لتحليلها، وتقدم معلومات إيجابية عن الأحداث الجارية تخدم أهداف الحملات الإعلامية المخطط لها بدقة عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بسرعة كبيرة ودون انتظار أن تطلب وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تلك المعلومات بهدف الحد من الشائعات والتصدي للطروحات المعادية، وتهدئة الأوساط الاجتماعية والسيطرة على مستجدات الأزمة والحيلولة دون بروز أية تعقيدات جديدة للأزمة.
ولتحقيق أهداف العلاقات العامة في ظروف الأزمات لا بد:
أولاً: من وضع حد نهائي وفوري للأزمة.
وثانياً: الإقلال من الخسائر إلى الحد الأدنى.
وثالثاً: إعادة الثقـة بالمؤسسة المعنية.
ويعد التخطيط للعمل أحد الشروط الهامة للنجاح والسيطرة على تداعيات الأزمة دون أية مفاجآت غير منتظرة. وهنا يؤكد خبراء العلاقات العامة أنه من الضروري أن تقوم المؤسسات المعنية بتقويم أداء وفعالية قنوات الاتصال عند نشوء أزمات، وخاصة قنوات الاتصال مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. والحصول على أجوبة كافية على جملة من الأسئلة الهامة من بينها:
1- ما الفائدة المرجوة التي يمكن أن تجنيها الهيئة أو المؤسسة المعنية من خلال تعاونها مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وقنواتها المختلفة ؟
2- ما الفائدة المتوقعة من تزويد وسيلة اتصال وإعلام جماهيرية معينة بمعلومات دقيقة طلبتها عن الهيئة أو المؤسسة صاحبة العلاقة ؟
3- ما درجة المخاطرة التي تقدم عليها الهيئة أو المؤسسة المعنية من نشر تلك المعلومات عبر وسيلة اتصال وإعلام جماهيرية معينة ؟
4- ما الفوائد والمصالح التي تجنيها وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية تلك من إيصال المعلومات التي تحصل عليها من الهيئة أو المؤسسة إلى ساحتها الإعلامية ؟
5- مما تتألف تركيبة وبنية الساحة الإعلامية التي تتوجه إليها وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية المعنية وإلى أي مدى تهتم تلك البنية والتركيبة بمصالح الهيئة أو المؤسسة صاحبة العلاقة ؟
6- ما مدى استجابة قادة الرأي في القطاعات المستهدفة مع ما تطرحه وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية تلك ؟
7- ما مدى ملائمة طروحات الأنظمة والقوانين المعمول بها، ومدى تلبيتها لاحتياجات المجتمع قبل نشرها ؟
8- هل هناك وسيلة اتصال وإعلام جماهيرية أفضل لنشر المعلومات المقرر توجيهها إلى ساحة إعلامية أو شريحة اجتماعية معينة ؟
وكل ذلك من أجل تحقيق أفضل صورة من التعاون بين مجموعات العمل المختصة بإدارة الأزمات ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية كأفضل وسيلة للاتصال بالشرائح الاجتماعية المستهدفة من الحملة الإعلامية المعدة بدقة لمواجهة الأزمات من قبل إدارة العلاقات العامة في المؤسسة المعنية.
وترتبط عملية الاتصال في ظروف الأزمات، بالتقديرات الدقيقة التي يضعها الخبراء للمخاطر، والفوائد المتوقعة من نشر المعلومات، لأن فاعلية المعلومات المنشورة مرتبطة بالقدر الذي تؤخذ فيه النصائح المقدمة من كبار الخبراء، والمتخصصين العاملين في مجال العلاقات العامة.
وتفرض الأزمات عادة إتباع طرقاً معينة مرتبطة بخصائص المشكلة لمواجهة الأزمة دون تقديم ضمانات تكفل الخروج السريع من الأزمة التي تواجهها الهيئة الحكومية أو مؤسسة المجتمع المدني اعتماداً على خبرات الخبراء والمتخصصين العاملين في مجال العلاقات العامة للخروج من الأزمة من خلال العوامل الرئيسية التي يمكن أن تضمن نجاح عملية الاتصال خلال الأزمة والتي تعتمد على:
1. وجود خطة محددة للاتصال من ضمن الخطة العامة المرسومة للتغلب على الأزمة؛
2. وتشكيل فريق متخصص لمواجهة الأزمة عند نشوبها؛
3. وتسمية شخص محدد للقيام بدور الناطق الرسمي لطرح البيانات الإعلامية والصحفية طيلة الفترة التي تمتد خلالها الأزمة. من ضمن معادلة: من يتحدث ؟ ومع من يتحدث ؟ وعن ماذا يتحدث ؟ ومتى يتحدث ؟ وما الفائدة المرجوة من الحديث ؟.
وعلى مجموعات العمل المختصة بإدارة الأزمات عدم تجاهل العامل الاجتماعي في سياق الأزمة لأن العاملين في الجهة التي تعاني من أزمة معينة سيخوضون نقاشات دون تفويض من الجهة المعنية مع الأوساط الاجتماعية التي يعيشون ويعملون فيها وسيردون وفق إمكانياتهم الذاتية على الأسئلة التي ستوجه إليهم من مختلف الجهات، ولهذا على ما نعتقد يجب تضمين الخطة الموضوعة إشراك العاملين على مختلف مستوياتهم وتحديد أدوارهم في تنفيذ خطة مواجهة الأزمة للوصول إلى حد يمنع الإدلاء بتصريحات خاصة من خارج الخطة الموضوعة عن طريق شرح مساوئها للعاملين في الجهة المعنية وأخطار بث الشائعات من قبل غير المختصين بمواجهة الأزمة، والإعلان عن الجهة المختصة للرجوع إليها داخل الجهة المعنية عد الحاجة، وعدم الاكتفاء بوسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية وحدها.
ولا بد أيضاً من تسمية جهة مختصة معنية بجمع وتدقيق وتحليل وتقدير راجع صدى ومدى تأثير التصريحات الرسمية وغير الرسمية والشائعات واقتراح أساليب محددة للتعامل معها طيلة فترة الأزمة. لأنه من المعروف أن التصريحات الرسمية يقوم بإعدادها خبراء متخصصون متفرغون لمواجهة الأزمات يساعدهم مستشارون في المجالات القانونية والإعلامية بشكل مركزي وبتفويض من إدارة الجهة المعنية في الأزمة توخياً للحذر والدقة للوصول إلى الأهداف المرسومة. وأن نأخذ بعين الاعتبار ضرورات الصراحة والعلنية في التصريحات، وتجنب نشوء نزاعات قانونية قد تثير أزمات قضائية غير متوقعة نتيجة لتلك التصريحات، لأن الخصوم يتمسكون عادة بحرفية ما يتم إعلانه لتحقيق أهدافهم وإثارة الأزمات، لأن الصراحة والعلنية من مسوغات مواجهة الأزمات من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وهو ما أكده روبرت ديلينشنايدر المدير السابق لإحدى كبريات الشركات المتخصصة في العلاقات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية بقوله أنه: "على المؤسسة التي تتعرض لأزمة الخروج إلى الجمهور مباشرةً بعد الإعلان عن الأزمة عبر قنوات الاتصال ووسائل الإعلام الجماهيرية".
وبرأيينا هذا لا يمكن أن يتم دون ناطق رسمي متخصص في مجالات العلاقات العامة يتحرك داخل وخارج الجهة المعنية في الأزمة على حد سواء. ودور الناطق الرسمي عادة يسند لمدير الجهة المعنية بحكم وظيفته، ولكن الجهات المعنية خلال الأزمات كثيراً ما تلجأ لتعيين ناطق رسمي متخصص في مجال الأزمة الطارئة قادر على تقدير أهميتها وآثارها المحتملة وله إلمام كامل بطرق الاتصال والحوار مع الجمهور المستهدف والتعامل مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
وعادة ما يكون الناطق الرسمي من أعضاء فريق العمل لمواجهة الأزمة، ومراعاة أن يكون هناك أكثر من بديل لاستبدال الناطق الرسمي خلال فترة الأزمة دون تعريض خطة الخروج من الأزمة لأية هزات قد لا يحمد عقباها. وعلى مدير الجهة المعنية في الأزمة أن لا ينسى أن يختار الناطق الرسمي من بين أكثر الأشخاص قبولاً من قبل القطاعات المستهدفة من الخطة المعدة للخروج من الأزمة، لأنه على عملية اختيار شخصية الناطق الرسمي تتوقف النتائج السلبية والإيجابية لعملية إدارة الأزمة.
ويأتي دور العاملين في الجهة المعنية في الأزمة ضمن الخطة الموضوعة رديفاً ومكملاً لعمل الناطق الرسمي في حال لو أحسن فريق العمل مواجهة الأزمة، والعمل في أوساط العاملين في الجهة المعنية لإدخال الطمأنينة إلى نفوسهم على مصائرهم التي تهددها الأزمة العابرة، أولاً، ومن ثم رسم دور واضح لهم في عملية الاتصال الجارية مع الأوساط الاجتماعية اللذين هم جزءاً منها والاستفادة من عملية نقلهم لراجع الصدى الإعلامي للبيانات والتصريحات التي يسوقها فريق العمل من خلال نشاطاته لمواجهة الأزمة والخروج منها، ومما يدور حول الجهة المعنية في الأزمة من شائعات وأقاويل لأن مصير الجهة المعنية في النهاية هو مصيرهم ومستقبلهم أيضاً وما يعنيها يعنيهم بشكل مباشر.
خاصة وأن مهام العلاقات العامة لدى الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني على الدوام تشمل العمل على تعزيز الثقة بين الإدارة والعاملين في الجهة المعنية وتعزيز الثقة المتبادلة بين الجهة المعنية وجمهورها، ومضاعفة العمل خلال الأزمات التي يتعقد خلالها سلوك قيادة الجهة المعنية ومرد ذلك بعض العناصر التي أشار إليها المتخصص الأمريكي بوب كاريل وتتمثل في:
1. صعوبة تحديد أبعاد الأزمة لحظة وقوعها؛
2. وصعوبة تحديد الجهات التي قد تطالها الأزمة؛
3. وصعوبة تفسير أسباب حدوث الأزمة والتي قد تطالهم في بعض الحالات حتى نهاية الأزمة؛
4. واستمرار شعور الأوساط الاجتماعية التي تمسها الأزمة بالخطر؛
5. وتضخيم الشعور بالخطر في الأوساط الاجتماعية المعنية بالأزمة من خلال انتظارهم للخبر اليقين الذي ينتظرونه؛
6. واتخاذ قرارات نشر الأخبار التي تفرض نفسها من خلال الأزمة في حالة من التوتر الشديد؛
7. وضرورة تقوية العوامل الانفعالية في سلوك من تمسهم الأزمة.
فيما يؤكد أكثرية خبراء العلاقات العامة على أن سلوك الإدارة خلال الأزمات يتحدد من الانغلاق أو الانفتاح الذي تنتهجه الإدارة المعنية ومن فهمها للبعد النظري للثقافة الجماعية ومدى تلبيته لمطالب الأوساط الاجتماعية الداخلية والخارجية للجهة المعنية. والأولويات التي تضعها للاتصال بالأوساط الاجتماعية المعنية بالأزمة مركزياً وهامشياً، ومن ثوابت مواجهة الأزمات:
1. أن الأوساط الاجتماعية تتناقل الخبر عن طريق قنوات الاتصال الشخصي بين الأفراد بشكل سريع حتى قبل نشره في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، مثال: وقوع انفجار في مصنع للكيماويات قريب من مناطق سكنية يسكنها العاملون في المصنع المذكور، أو وقوع كارثة في منجم تسكن أسر العاملين فيه بمنطقة قريبة من المنجم؛
2. وميل البشر لتفسير مدى الأزمة وتأثيرها من منظورهم الشخصي والأخطار التي تهدد الحياة وكلها عوامل موضوعية أكثر منها ذاتية؛
3. وهيبة المصادر الحكومية التي هي أكثر تأثيراً من المصادر الأخرى على الأوساط الاجتماعية؛
4. وقياس جدية وحجم واتساع الأزمة من قبل الأوساط الاجتماعية، اعتماداً على مدى تغطية وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية لتداعيات الأزمة؛
5. وتوفير أخبار عن الأزمة عبر وسائل اتصال وإعلام سهلة الانتشار، للحد من الشائعات ومساعدة الأوساط الاجتماعية على تقدير الأوضاع بدقة.
ويبقي أن نقول أن إدارة الجهة المعنية بالأزمة هي المسؤولة بالكامل عن التغلب عليها من خلال تقديرها لمواقف الجهات الأخرى من الأزمة، وعلى نجاحها في إدارة الأزمة والتغلب عليها، وعلى التعامل مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية يتوقف مدى ثقة الآخرين بها.


الأحد، 19 أغسطس 2012

تعريف الدبلوماسية الشعبية


تعريف الدبلوماسية الشعبية (العلاقات العامة)

كتبه: أ.د. محمد البخاريدكتوراه علوم في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب Ph.D اختصاص: صحافة. بروفيسور قسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية. 18/8/2012

اتسمت العلاقات العامة في المجتمعات البدائية بالمباشرة والبساطة، وأخذت تلك العلاقات بالتعقد مع التقدم الحضاري والاجتماعي، وأدت التغييرات التقنية والعلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية في العالم، مع نهاية ثمانينات القرن العشرين، إلى تداخل المصالح الدولية، بسبب سهولة الاتصال التي أتاحتها وسائل الاتصال الحديثة. مما زاد من أهمية دور وفاعلية العلاقات العامة في العلاقات الدولية، وتعتبر العلاقات العامة حلقة وصل بين مؤسسات المجتمع الواحد، وبين المجتمعات البشرية في العالم، عن طريق تقديم خدمات معينة مبنية على الثقة المتبادلة، وانطلاقاً من أهمية الفرد والشرائح الاجتماعية المختلفة، وقوة وتأثير الرأي العام في المجتمعات على مختلف المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وللدبلوماسية الشعبية (العلاقات العامة) تعريفين أساسيين هما:
التعريف المهني المتخصص
ويقصد به إقامة علاقات حسنة داخل المؤسسات وخارجها، مبنية على التفاهم والثقة المتبادلة. من خلال إبراز والاهتمام بالوظائف الأساسية التي تضطلع بها إدارة العلاقات العامة، في مؤسسة أو منظمة حكومية كانت أم خاصة، لتكون وظيفتها بذلك إدارية بحتة. وتبلور هذا التعريف مع ظهور جماعة من المتخصصين في العلاقات العامة مع بداية القرن العشرين، أمثال: إيفي لي، وإدوارد بيرنيز، وجون هيل. وتبع ذلك قيام جمعيات واتحادات علمية ومهنية ضمت المتخصصين في العلاقات العامة في القارتين الأوروبية والأمريكية، خلال أربعينات وخمسينات القرن العشرين. وساهمت تلك الجمعيات والمنظمات بدورها في زيادة تعريف العلاقات العامة، وساعدت على تحديد مهامها ووظائفها. وفي عام 1947 نشرت مجلة أخبار العلاقات العامة Public Relation News خلاصة لتعريف العلاقات العامة، أخذته من نتائج الاستقصاء الذي أجرته بين مشتركيها، والعاملين في مجالات العلاقات العامة، وجاء فيه أن: "العلاقات العامة: هي وظيفة الإدارة التي تقوم بتقويم اتجاهات الجمهور وربط سياسات وأعمال فرد أو منشأة مع الصالح العام، وتنفيذ برنامج لكسب تأييد الجمهور وتفهمه".
بينما اعتبر إيفي لي أحد رواد العلاقات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، أن مهمتها مزدوجة، وتبدأ من دراسة اتجاهات الرأي العام، ونصح الشركات بتغيير خططها، وتعديل سياساتها لخدمة المصلحة العامة، ثم إعلام الجمهور بما تقوم به الشركات من أعمال تهمهم وتخدم مصالحهم.
أما إدوارد بيرنيز خبير العلاقات العامة الأمريكي، فيعتبر أن العلاقات العامة هي: محاولة لكسب تأييد الرأي العام لنشاط أو قضية أو حركة أو مؤسسة، عن طريق الإعلام والإقناع والتكيف، أي إيجاد التكيف والتكامل والتوافق بين مواقف مؤسسة معينة وسلوكها، مع مواقف جماهيرها ورغباتهم، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر.
أما جمعية العلاقات العامة الأمريكية فقد عرفتها بأنها: نشاط أي صناعة أو إتحاد أو هيئة أو مهنة، أو حكومة، أو أي منشأة أخرى في بناء وتدعيم علاقات سليمة منتجة بينها وبين فئة من الجمهور: كالعملاء والموظفين والمساهمين والجمهور بشكل عام، والعمل على تكييف أهداف المؤسسة مع الظروف المحيطة بها، وشرح أهدافها للمجتمع.
وقدم معهد العلاقات العامة البريطاني، تعريف للعلاقات العامة بأنها: الجهود الإدارية المرسومة، والمستمرة التي تهدف إلى إقامة وتدعيم التفاهم المتبادل بين المنظمة وجمهورها.
بينما جاء تعريف جمعية العلاقات العامة الفرنسية، بأن العلاقات العامة هي: طريقة للسلوك، وأسلوب للإعلام والاتصال، اللذان يهدفان إلى إقامة علاقات من الثقة، والمحافظة عليها، وتقوم هذه العلاقات على المعرفة والفهم المتبادلين، بين المنشأة ذات الشخصية الاعتبارية، التي تمارس وظائف وأنشطة محددة، وبين الجماهير الداخلية والخارجية التي تتأثر بتلك الأنشطة والخدمات.
أما جمعية العلاقات العامة الدولية، فقد توصلت إلى تعريف العلاقات العامة بأنها: وظيفة الإدارة المستمرة والمخططة، التي تسعى بها المؤسسات والمنظمات الخاصة والعامة، إلى كسب التفاهم والتعاطف مع سياساتها وأنشطتها. وكسب المزيد من التعاون الخلاق، والأداء الفعال للمصالح المشتركة باستخدام الإعلام الشامل والمخطط.
التعريف الاجتماعي الشامل
وهو الاتجاه الاجتماعي للعلاقات العامة، الذي ظهر خلال ثلاثينات القرن العشرين، إثر الأزمة الاقتصادية التي عانى منها الاقتصاد العالمي عام 1929، وعرفه د. محمد البادي، بأنه: الاتجاه الاجتماعي للعلاقات العامة، كمهنة ذات طابع خاص، ويشمل كل ما يصدر عن المؤسسة من أعمال وتصرفات وقرارات، وكل ما يتصل بها من مظاهر واستعدادات وتكوينات مادية لأن ما يصدر عن المؤسسة أو يتصل بها له تأثيراته، المعنوية على الجماهير، التي ترتبط مصالحها بها، وهذه التأثيرات هي التي تعطي لهذه العناصر طبيعتها، كأنشطة للعلاقات العامة، وهي أيضاً التي تعطي لاتجاه العلاقات العامة صفتها الاجتماعية. وهو نشاط يشترك فيه كل أفراد المؤسسة من خلال تكوين علاقات عامة مرنة في سلوكهم واتصالاتهم ومعاملاتهم مع الجماهير داخل المؤسسة وخارجها. وأن لا يكون الهدف من النشاط السعي لتحقيق الربح فقط، بل إلى تقديم خدمات للمجتمع، عن طريق إنتاج سلع وخدمات جيدة ومتطورة تناسب الأذواق، وأداء الوظيفة المسندة إليهم بشكل جيد، مراعين الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها المسؤولية الاجتماعية في مشاركة المجتمع المحلي همومه وأفراحه وأحزانه، والعمل على تقليل الأضرار الناجمة عن نشاطاتهم، والمحافظة على البيئة، والعمل على النهوض بالمجتمع ثقافياً وعلمياً وحضارياً ومادياً.
وعرف كانفيلد العلاقات العامة، بأنها: الفلسفة الاجتماعية للإدارة، التي ترغب من خلال أنشطتها وسياساتها المعلنة للجمهور كسب ثقته وتفهمه.
أما نولت فقد عرف العلاقات العامة، بأنها: مسؤولية الإدارة التي تهدف إلى تكييف المنظمة مع بيئتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كما تهدف إلى تكييف البيئة المحيطة لخدمة المنظمة لتحقيق مصلحة الطرفين.
وهو ما يظهر بوضوح في أن الربط بين المجتمع والسياسة والاقتصاد وإعطاء الأولية للاقتصاد كان ولم يزل في موقع الأهمية منذ مطلع القرن العشرين وحتى الآن.
ومما سبق نستطيع استنتاج أن دور خبير العلاقات العامة ينحصر في: إقناع الإدارة العليا للقيام بالنشاطات التي تجعل الجمهور راضياً عن المؤسسة؛ وإقناع الجمهور بأن المؤسسة تستحق بالفعل تأييده ودعمه المعنوي والمادي. وأن دور العلاقات العامة ينحصر في:
- تبني مصلحة الجمهور والمصلحة العامة؛
- ووضع السياسات الملائمة لها؛
- والسعي لإيصال المعلومات عن نشاطات المؤسسة وسياساتها للجمهور؛
- وخلق رأي عام مؤيد للمؤسسة، لدى الجمهور؛
- وإنشاء مواقف محددة ومطلوبة اتجاه المؤسسة؛
- وتقييم مواقف الرأي العام من قبل المتخصصين في العلاقات العامة؛
- وإيصال المعلومات عن تلك المواقف لإدارة المؤسسة.
ويشمل نشاط العلاقات العامة اليوم:
في المجال الحكومي:
التوعية والإرشاد والإعلام، في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدبلوماسية، للوصول إلى مساندة الجماهير لها؛
- ومشاركة الجماهير معنوياً ومادياً في البرامج التنموية الشاملة التي تخطط لها الحكومة؛
- وكسب الرأي العام للسياسات الحكومية الداخلية والخارجية؛
- والتعرف على توجهات الرأي العام؛
- وتقييم الخدمات العامة لوظائفها المحددة، ومدى تلبيتها لرغبات الجمهور؛
- والعمل على دحض الشائعات؛
- والتصدي للحملات الإعلامية المضادة؛
- وإبراز الحقائق عن طريق مصارحة الجماهير؛
- والاهتمام بشؤون الموظفين الحكوميين.
وفي مجال المنظمات والهيئات الحكومية:
التعريف بأهدافها وسياساتها، وتوثيق الصلة والتعاون بين المواطن والمنظمة أو الهيئة الحكومية للوصول إلى الهدف المطلوب؛
- ودراسة مواقف الرأي العام، ونقل رغبات ومطالب الجماهير العريضة للمسؤولين فيها، تمهيداً لإيجاد الحلول لها، وتلبيتها وفق الظروف المتاحة؛
- والاهتمام بشؤون العاملين في تلك المنظمات والهيئات الحكومية؛
- والاتصال بالهيئات والمنظمات الحكومية المشابهة، لتحقيق أفضل صورة من التعاون بينها في الداخل والخارج؛
- وإصدار المواد الإعلامية المطبوعة والمرئية والمسموعة، عن نشاطات المنظمة أو الهيئة الحكومية، وتبادلها وتوزيعها في الداخل والخارج؛
- وتوثيق كل ما تنشره وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في الداخل والخارج؛
- وتنظيم الزيارات الرسمية والخاصة.
وهناك مجالات أخرى تشمل المؤسسات الاقتصادية والإنتاجية والخيرية، والمنظمات المهنية والسياسية وغيرها، ولا تختلف من حيث نشاطات العلاقات العامة عما تم تفصيله أعلاه.
ومن الملاحظ اليوم أن العلاقات العامة في القارة الأوروبية تستخدم كوسيلة من وسائل تدعيم الوحدة الأوروبية، وزيادة التلاحم والتفاهم بين مختلف شعوب القارة الأوروبية. لأنه من المعروف أنه كلما زاد التقدم الثقافي والعلمي والتقني في أي دولة من دول العالم، زاد دور الدبلوماسية الشعبية فيها، وتوجهت تلك الدولة نحو تأسيس جمعيات وهيئات تعنى بالعلاقات العامة، وإلى تدعيم المؤسسات الحكومية بأقسام خاصة تعنى بهذا المجال الهام، يطلق عليها تسمية "أقسام العلاقات العامة". وقد تطورت العلاقات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أصبحت تضاهي مثيلاتها في دول العالم الأخرى، وشهدت الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وغيرها من دول العالم، تطوراً خاصاً لمفهوم العلاقات العامة. لتصبح ممارسة العلاقات العامة ذات مفهوم دولي يمارس فعلاً في العلاقات الدولية.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً: تتحمل وكالة الاستعلامات الأمريكية، التي أنشئت عام 1953، مسؤولية العلاقات العامة الدولية، وغيرها من المسؤوليات، من أجل تحقيق أهداف السياسة الأمريكية، عن طريق شرح وتفسير ونشر السياسة الأمريكية، ومواجهة الدعاية المضادة الموجهة ضد الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، ويقدم مدير الوكالة تقاريره عن سير العمل في الوكالة للرئيس الأمريكي مباشرة من خلال مجلس الأمن القومي.
وفي بريطانيا جرى تأسيس  المعهد البريطاني للعلاقات العامة عام 1948 بهدف تجميع جهود ممارسي وظيفة العلاقات العامة وصب الاهتمام على العلاقات العامة في أجهزة الدولة المركزية والمحلية، وفي القوات المسلحة البريطانية، والمؤسسات الاقتصادية والاستشارية. ويمارس ضباط الإعلام في البعثات الدبلوماسية البريطانية المعتمدة في دول العالم، وظيفة العلاقات العامة الدولية من خلال وظيفتهم الإعلامية الأساسية.
وفي فرنسا تطورت العلاقات العامة كوظيفة هامة من وظائف المشروعات الاقتصادية والتجارية والصناعية، بعد إنشاء الجمعية الفرنسية للعلاقات العامة عام 1955، بهدف تطوير العلاقات العامة الفرنسية.
و في إيطاليا تزايد الاهتمام بالعلاقات العامة إثر إنشاء جمعية تطوير العلاقات العامة الإيطالية في روما عام 1954، ورافق ذلك تزايد اهتمام الشركات الإيطالية بوظيفة العلاقات العامة.
وفي بلجيكا ظهر الاهتمام بالعلاقات العامة مع تأسيس جمعية العلاقات العامة عام 1953 لتطوير دور العلاقات العامة في بلجيكا.
وفي مصر تضطلع الهيئة العامة للاستعلامات وهي هيئة حكومية تابعة لوزارة الإعلام المصرية بدورها "كجهاز للإعلام الرسمي والعلاقات العامة للدولة"، ومنذ إنشائها عام 1954 قامت الهيئة العامة للاستعلامات بأدوار عديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي لشرح سياسة الدولة في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومواقفها إزاء مختلف القضايا. وفى الوقت الراهن تقوم الهيئة بعدد من المهام الأساسية منها:
- توفير تسهيلات للصحفيين والمراسلين الأجانب في مصر لأداء عملهم على أفضل مستوى ممكن لنقل صورة حقيقية عما يجرى في مصر إلى العالم؛
- وتقديم صورة مصر إلى الرأي العام العالمي ونقل الحقائق عنها إلى وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم. وكذلك عبر مكاتب الإعلام الملحقة بالسفارات المصرية في العديد من العواصم والمدن الكبرى؛
- وتوفير مصدر للمعلومات الدقيقة والصحيحة والحديثة عن مصر في مختلف المجالات كالتاريخ والحقائق الأساسية عن النظام السياسي والسياسة الخارجية والثقافية والمجتمع والفنون والاقتصاد والسياحة وغيرها، وإتاحتها عبر موقع الهيئة على شبكة الانترنت باللغتين العربية والانجليزية لكل من يحتاج إليها في كل مكان من العالم، كما تصدر مطبوعات عن هذه الموضوعات باللغات المختلفة؛
- وتقوم الهيئة العامة للاستعلامات أيضا بدور مهم في التثقيف السياسي والتوعية الاجتماعية للمواطنين وشرح السياسات الوطنية لهم والمساهمة في التوعية بالقضايا والمشكلات الوطنية (مثل قضية زيادة السكان وقضايا البيئة) وبالقضايا المحلية والبيئية في المناطق الريفية والنائية في أنحاء مصر من خلال مراكز النيل للإعلام ومراكز الإعلام الداخلي؛
- كما توفر الهيئة مركز معلومات يتابع الإعلام الدولي ويوفر معلومات صحيحة ودقيقة عن صورة مصر في الإعلام العالمي للمهتمين والمعنيين بذلك في أجهزة الدولة ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
وللهيئة مقر يقع في ضاحية مدينة نصر بالعاصمة القاهرة، إضافة إلى مراكز الإعلام الداخلي التي تتبعها في جميع محافظات مصر ويعمل بالهيئة عدد كبير من الإعلاميين والفنيين والإداريين المدربين على استخدام تقنيات الاتصال والإعلام الحديثة في أداء مهامهم.
أما في أوزبكستان فقد بدأ الاهتمام الجدي بالعلاقات العامة الدولية بعد الاستقلال عام 1991، حيث تم في 8/11/1995 تأسيس وكالة أنباء JAHON التابعة لوزارة الخارجية:
- لتوزيع الأخبار الإيجابية عن سير الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في أوزبكستان؛
- وتطوير الصلات مع وكالات الأنباء والمراكز الإعلامية الدولية؛
- وتسريع عملية دخول الجمهورية إلى الساحة الإعلامية الدولية.
وجمع  وتوزيع الأخبار داخل الجمهورية عن:
- الأوضاع السياسية والحقوقية وغيرها في الدول الأجنبية؛
- واحتياجات السوق العالمية؛
- ونشاطات المنظمات الدولية؛
- ونشاطات كبريات المؤسسات والشركات الأجنبية المهتمة بالتعاون مع جمهورية أوزبكستان.
وفي 21/11/1996 تم إحداث المركز الإعلامي في ديوان رئيس الجمهورية، لتعريف الرأي العام بالإصلاحات الديمقراطية الجارية في الجمهورية، والتجاوب مع التفاعلات الاجتماعية والسياسية المحلية والدولية، عبر شبكة الإنترنيت.
ومع انتشار مفهوم العلاقات العامة في العالم سارعت مؤسسات التعليم العالي في مختلف دول العالم لافتتاح أقسام لتدريس مادة العلاقات العامة في جامعاتها ومعاهدها وكلياتها المتخصصة.
وتعد العلاقات العامة الدولية اليوم وظيفة من وظائف المنظمات الدولية، ويمارسها في منظمة الأمم المتحدة، مكتب الإعلام في نيويورك من خلال العلاقات الخارجية والصحافة والمطبوعات والخدمات العامة، التي تعرض من خلالها المشاكل التي تواجه منظمة الأمم المتحدة، وخلق فهم أفضل لأهداف المنظمة. كما وتمارس مكاتب منظمة الأمم المتحدة في العالم العلاقات العامة الدولية من خلال الاتصال بالمنظمات غير الحكومية في الدول المعتمدة فيها، في جميع المجالات الثقافية والفنية والعلمية والتعليم والصحة والعمل … الخ. وتوزيع الأفلام وبرامج الإذاعتين المسموعة والمرئية والمطبوعات، والإدلاء بالتصريحات الصحفية في إطار مساعيها لخلق فهم أفضل عن منظمة الأمم المتحدة.
وزاد من دور العلاقات العامة الدولية دخول شبكات الكمبيوتر العالمية عالم الاتصال المعاصر، وزاد اهتمام الشركات متعددة الجنسية بالعلاقات العامة الدولية عبر شبكات الاتصال الدولية، واعتمادها عليها في العلاقات التجارية والمصرفية والنقل والتأمين، وتبادل المعلومات على الصعيد الدولي. وتساعد العلاقات العامة، وسائل الإعلام الجماهيرية في الحصول على المعلومات والمواد الإعلامية، مما يزيد من إمكانية انتشارها على الصعيد العالمي. ولعل منافذ وكالات الأنباء والصحف والمجلات والإذاعات المسموعة والمرئية، والمراكز الإعلامية الدولية عبر شبكة الإنترنيت، خير مثال على تحول العالم في مجال الاتصال والإعلام الجماهيري بالفعل إلى قرية كونية.
والعلاقات العامة الدولية كوظيفة لم تستثنى من وظائف السلك الدبلوماسي، وأصبحت من المهام الأساسية للبعثات الدبلوماسية المعتمدة في الخارج، وفق ما تسمح به إمكانيات كل دولة من دول العالم.