العالم الموسوعي محمود التشاغميني المنحدر من خوارزم
تعتبر أراضي
أوزبكستان مهد من مهود الحضارات الشرقية والعالمية، حيث تطورت العلوم والثقافة من
أقدم العصور. ومنذ القرن التاسع الميلادي افتتحت في سمرقند، وبخارى، وترمذ، وشاش،
وخوارزم، وغيرها من مدن ما وراء النهر أولى المدارس التي أصبحت فيما بعد من أضخم
مراكز كل الإتجاهات العلمية.
كانت مدينة غورغانج
(أورغينتش المعاصرة) الرائعة في القرن الحادي عشر الميلادي العاصمة الخوارزمية التي
تمتعت بثقافة عالية. وكان حاكم الدولة خوارزم شاه أبو العباس بن مأمون،
يظهر اهتماماً ملحوظاً بالثقافة والعلوم، وكان يدعم العلماء والشعراء،
والمعماريين، والفنانين، بالكامل. وكان قصور خوارزم شاه ملتقى لمفكري الشرق
العظام، أمثال: المعلم الطبيب أبو علي بن سينا، والعالم الموسوعي أبو
ريحان بيروني، والمؤرخ ابن ميسكويه، وعالم الرياضيات أبو نصر بن عراق،
والفيلسوف أبو سهل مسيحي، والطبيب ابن خمار، وغيرهم من العلماء
والمفكرين العظام. وتطور الفكر العلمي في خوارزم بنجاح حتى القرن الثالث عشر
الميلادي.
ولا يمكن تقديم كوكبة
من العلماء الموسوعيين العظماء، المنحدرين من الواحة الخوارزمية، دون تقديم رائد
العلوم محمود بن محمد بن عمر التشاغميني الخوارزمي (عاش من نهاية القرن
الثاني عشر الميلادي وحتى بداية القرن الثالث عشر الميلادي توفي عام 1221م)، الذي
حصل على شهرة كبيرة بفضل إبداعاته المتنوعة. ولم تقتصر نشاطاته العلمية مع غيره من
علماء القرون الوسطى، على مجال علمي واحد. ومن الإطلاع على مؤلفات الجد الأوزبكي
العظيم، نرى أنها تشملت إتجاهات علمية متنوعة كـ: علم الفلك، والرياضيات، والطب،
والجيوديسيا (فرع من الرياضيات)، والجغرافيا، والفلسفة، وغيرها من مواد العلوم
الدقيقة.
وإنتشرت أعمال محمود
التشاغميني العلمية بشكل واسع في الغرب والشرق على حد سواء. ولكن سيرة حياته
لم تدرس دراسة وافية. ومن المعلومات القليلة التي وصلت إلينا حتى اليوم، تشير إلى
أنه ولد في قرية تشاغمين، الواقعة بالقرب من عاصمة خوارزم شاه مدينة غورغانج. وكانت
خوارزم آنذاك (القرون الوسطى) معروفة كواحدة من المراكز العلمية المؤثرة، ولهذا
نراها أنها أثرت بشكل ملحوظ على وجهات نظر الشاب محمود التشاغميني. الذي
حصل على تعليمه الأولي في خوارزم، وبعد ذلك غادرها إلى سمرقند لإغناء معارفه العلمية
وتكوين مستقبله العلمي. وفيها ركز إهتماماته على مجالات العلوم الدقيقة الواسعة.
ويمكن قياس إسهامات محمود
التشاغميني في تطوير العلوم الدقيقة بالدرجة الأولى من اكتشافاته الفلكية. إذ يعتبر
كتابه "الملخص في الهيئة" أشبه بموسوعة فلكية، وعرض فيه دراساته للإجسام
الفضائية، وغيرها من مجالات علم الفلك. ويتألف الكتاب من مقدمة وجزأين تناول فيهما
"المجرات السماوية" و"الأرض". وتضمن الجزء الأول دراسات عن
دوران الكواكب الضخمة. وبحث فيه للمرة الأولى وبالتفصيل نظام للتنسيق، مبني على
مراقبة السطح الأفقي.
وتبقى القيمة العلمية
لهذا العمل في أن الدارسين وجدوا فيه انعكاسات لإنجازات ونجاحات مفكري الشرق وآسيا
الوسطى آنذاك، وكذلك نتائج الأبحاث التي جرت في مدارس علم الفلك اليونانية القديمة.
ومجموعات مؤلفات محمود التشاغميني ومفاهيم أبحاثه حول مجالات العالم المحيط
بنا، تنقسم إلى الأجرام السماوية، وكسوف الشمس والقمر، وطول النهار والليل في
اليوم الواحد، وغيرها من المسائل العلمية. واعتبر العالم الكبير أن "الشمس
يمكن أن اعتبارها مركزاً للإشعاع على الكواكب الأخرى، وأن الكواكب، ومنها القمر، غير
متوهجة". وأن القمر يحصل على النور من الشمس ويعكسه على الأرض، ولهذا اعتبر
العالم، الشمس مركزاً للأجرام السماوية.
كما تجب الإشارة إلى أن محمود التشاغميني
كان يعير إهتماماً كبيراً لمسائل استخدام الرياضيات في مجال حل المسائل الفلكية.
وبالنتيجة أصبحت أعماله المثمرة اساساً لعلم
المثلثات الكروية، الذي وجدت مفاهيمه الأساسية إنعكاس لها في مؤلفه "الملخص
في الهيئة".
ومحمود التشاغميني
هو مؤلف الكثير من الأعمال، ومن ضمنها: "مكانة الرقم 9 في الرياضيات"،
و"تعليق على الطرق الرياضية لتوزيع الوراثة". وتضمنت مؤلفاته هذه
وجهة نظره من أعماله في الرياضيات واستعمالاتها العملية، كما بحث في الكثير من الجوانب
غير المكتشفة أو قليلة المعرفة في مسائل الرياضيات.
واعتمد محمود التشاغميني
في أعماله التي شملت علم الفلك، والرياضيات، والطب، على أعمال علماء مختلف المراحل
الزمنية التي سبقته. وخاصة تلك التي كانت استخدم في التدريس آنذاك في مدرسة ألوغ
بيك بسمرقند خلال القرن الخامس عشر الميلادي. وكتب علماء معروفون تعليقات
وافية على مؤلفات محمود بن محمد التشاغميني، ومن بينهم: علي بن محمود بن
علي حسين جورجاني، وقاضي زاده رومي، ومير سعيد شريف، وبقيت تلك
التعليقات حتى أيامنا هذه.
وعلى هذا الشكل نرى
أنه كان لأعمال محمود التشاغميني تأثيراً كبيراً على تطوير مواد العلوم
الدقيقة، ومنها: الرياضيات، والهندسة، وعلم الفلك. حتى ليصعب القول إلى اي مدى كان
يمكن أن تتطور العلوم الحديثة دون التراث المعنوي والتنويري للعلماء الأوزبك
الكبار، ومفكري القرون الوسطى الشرقيين العظام غير المعروفين لقراء اللغة العربية.
*****
بحث أعده أ.د. محمد البخاري في طشقند بتاريخ 27/1/2016 بتصرف نقلاً عن
مقالة محمود التشاغميني – العالم الموسوعي المنحدر من خوارزم. // طشقند:
وكالة أنباء "Jahon" 27/1/2016، وبعض
المصادر الإلكترونية باللغة الروسية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق