وجهة نظر خبراء روس حول مستقبل دول آسيا المركزية
كتبها أ.د. محمد البخاري: دكتوراه
في العلوم السياسية (DC)، تخصص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم
الدولية وتطور العولمة ، ودكتوراه فلسفة في الأدب (PhD)، تخصص: صحافة.
بروفيسور متقاعد
اعتبر خبراء روس بعد انهيار الإتحاد
السوفييتي أن آسيا المركزية من أهم مواقع السياسة العالمية في ذلك الوقت، لأن الأعمال
الإرهابية التي جرت بتاريخ 11/9/2011 في نيويورك وواشنطن أظهرت أن إنهيار الدول في
منطقة آسيا المركزية وتوقفها عن مراقبة حدودها الدولية يمكن أن يؤدي إلى نتائج كارثية
على غيرها من مناطق العالم. وبالإضافة لذلك ستثير إهتمامات سياسة جدية لدى القوى
العظمى في العالم المعاصر كالصين، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، ودول
الإتحاد الأوروبي، والهند، وباكستان، للتدخل بشؤون دول آسيا المركزية، وأن هذا
يشير إلى إمكانية تغيير حدود دول آسيا المركزية لمصلحة لاعبين كبار من خارج
الإقليم.
فكيف يمكن أن تتغير حدود هذه الدول خلال المئة
عام القادمة ؟
اعتبر كازانتسيف أ.أ. الخبير بمعهد
العلاقات الدولية الحكومي في موسكو أن الحدود في آسيا المركزية متنقلة، وأن مناقشة
موضوع مستقبل الحدود بين دول آسيا المركزية ليس سهلاً ولو أن تلك الحدود هي حدوداً
إقليمية دولية "قائمة"، وهي مرتبطة بغيرها من أقاليم العالم، وكل ما جرى
أنه لم يتم تحديدها بدقة قبل إستقلال تلك الدول، استناداً لوجهة نظر الجغرافيين
الكلاسيكيين في القرن الـ 19.
وتضم "آسيا المركزية" من
وجهة نظر العلاقات الدولية المعاصرة خمسة جمهوريات سوفييتية سابقة هي: قازاقستان،
وقرغيزستان، وطاجكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان. وتجري فيها أنهاراً داخلية لاتصب
في المحيطات، وتشغل منطقة آسيا المركزية مساحة كبيرة تمتد من الصين والهند شرقاً نحو
الشرق الأوسط غرباً.
وكان مفهوم "آسيا المركزية"
في العهد السوفييتي منحصراً بالمنطقة المحيطة بمنغوليا، واستخدم السوفييت آنذاك مصطلح
"آسيا الوسطى" للمنطقة التي كانت لا تضم قازاقستان.
ومن وجهة نظر المصطلحات المعاصرة في
العلاقات الدولية فإن مفهوم "آسيا المركزية" هو مفهوم ظهر إثر إنهيار
إتحاد الجمهوريات السوفييتية الإشتراكية، الذي كان يضم الجمهوريات السوفييتية السابقة
الخمس، وهي: قازاقستان، وقرغيزستان، وطاجكستان، وتركمانستان، وأوزبكستان.
ووردت بدائل أخرى للمصطلح الجديد، منها المفهوم
الأمريكي لـ"آسيا المركزية الكبرى"، الذي كان يمكن أن يضم
أفغانستان وجزءاً من باكستان أيضاً. بالإضافة للمفاهيم الثقافية والتاريخية، والجغرافية
والاقتصادية، والسياسية المتعددة المرتبطة بمنطقة آسيا المركزية، التي تتصارع فيها
القوى العظمى الآن حول البعد الأيديولوجي الرمزي لـ"اللعبة الكبيرة
الجديدة"، التي تلعبها القوى العظمى المتصارعة من أجل التأثير على هذه المنطقة
الحساسة من العالم (أنظر كازانتسيف أ.أ.:
"اللعبة الكبيرة" مع قواعد غير معروفة: السياسة العالمية وآسيا
المركزية. موسكو، معهد العلاقات الدولية الحكومي بموسكو؛ تراث يوروآسيا، 2008.).
وعلى ما نعتقد أن الأهمية النهائية لتغيير
الحدود الدولية لدول الإقليم على آفاق المئة عام القادمة تأتي من خلال عاملين
اثنين:
الأول:
خارجي (وتلعبه السياسة العالمية، وخاصة سياسة الدول العظمى)؛
والثاني: داخلي (وتلعبه التغيرات
الهيكلية الجارية داخل دول آسيا المركزية).
وعلى هذا الأساس يمكن تصور عدة
سيناريوهات لتغيير الحدود الدولية داخل آسيا المركزية. أو ما يطلق عليه اليوم
تسمية "اللعبة الكبرى" حول مستقبل الحدود الدولية في آسيا
المركزية والتي قد تشمل حتى أفغانستان.
ولنبدأ من العامل الخارجي:
فالجغرافية السياسية "المركزية"
لآسيا المركزية، (Frank A.G. The Centrality of Central Asia. Amsterdam: VU
University Press, 1992.) وحاجة دول المنطقة للمساعدات الخارجية تجلب لها تدخلات واقعية في
شؤونها الداخلية من قبل قوى عظمى مثل: جمهورية الصين الشعبية، والفيدرالية الروسية،
والولايات المتحدة الأمريكية، ودول الإتحاد الأوروبي، وجمهورية الهند، وغيرها من
القوى المؤثرة في العالم. وهذه الإتجاهات يمكن تمريرها مستقبلاً ولو أن دول
المنطقة غير ملزمة بقبول صراعات القوى العظمى الواردة ضمن آفاق "اللعبة
الكبرى الجديدة". ولكن الحديث يمكن أن يدور حول التعاون من أجل حل القضايا
الإقليمية الهامة، مثل: الإرهاب، أو "مصير الدول غير المكتملة" أو تجارة
المخدرات. بالإضافة لمحاولات القوى العظمى للمحافظة على مصالحها في المنطقة التي
تشكل مصدراً لنواقل الطاقة، ومن الطرق الجديدة المحتملة لمرور التجارة بين الشرق والغرب،
ومن الشمال نحو جنوب منطقة أوروآسيا.
وفي هذه الحالة يمكن توقع خيارات عديدة لنتائج
التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة من قبل قوى خارجية من خارج الإقليم. وفي
حال حدوث تعاون موجه نحو تطوير المنطقة، فسيتم الحفاظ على الحدود الدولية الحالية
لدول المنطقة، مع تصاعد المنافسة بين القوى العظمى لخلق توازن بينها، وعلى سبيل
المثال:
المنافسة الجارية بين الصين أو
"التحالف" بين جمهورية الصين الشعبية والفيدرالية الروسية، مع القوى الغربية،
وهذا قد لا يؤدي إلى حدوث تغيير في الحدود الإقليمية، لأن قيادات هذه الدول تعتمد في
إطار التقاليد "السياسة الممتدة عبر قرون عديدة" والباقية حتى اليوم،
على التوازن القائم بين أعمدة تلك القوى.
ولأن الجغرافية السياسية "المركزية"
لآسيا المركزية، وحاجات دول المنطقة للحصول على مساعدات خارجية تستدعي تدخل نشيط
من قبل القوى العظمى في شؤونها الداخلية. وفي حال توافق العديد من عوامل الهيمنة
على آسيا المركزية يمكن إنتقالها بالكامل إلى أيدي الصين (السيناريو رقم 1
"سلام صيني مركزي"). ومن بين تلك الحقائق الخروج الكامل للأمريكيين من
أفغانستان وآسيا المركزية خلال الأعوام الممتدة من عام 2014 وحتى عام 2020،
والأزمة الاقتصادية الطويلة والمستمرة في أوروبا والتي سببت وتسببت الـ"ركود"
الاقتصادي والديموغرافي في الفيدرالية الروسية والتي يمكن أن تتجنب الفشل من خلال
عملية التكامل الأوروآسيوي.
ولكن انتقال الهيمنة إلى الصين سيجرى على
مراحل: في البداية ستكون بمساعدة الأدوات الاقتصادية، وسياسة عدم فرض الهيمنة،
وبعدها تأتي إليهم بـ"القوة الخفيفة" على شكل نشر اللغة والثقافة
وسط الشرائح العليا في المجتمع. وستجد الصين لغة مشتركة مع النخب العلمانية في
المنطقة، ومع المتطرفين الإسلاميين (بمساعدة حليفتها باكستان)، وستحاول توجيه
طاقاتهم لمواجهة التأثير الغربي. ومن عام 2015 وعلى قاعدة "السوق المشتركة"
المحدثة بين دول منظمة شنغهاي للتعاون، وبغض النظر عن المقاومة الخفية للفيدرالية
الروسية، بدأت الهيمنة الصينية بالإنتشار على آسيا المركزية والقسم الآسيوي من
روسيا، وضمت جملة من الأعضاء المنتسبين على الساحة السوفييتية السابقة، مثل: القسم
الأوروبي من روسيا، وأرمينيا، وبيلاروسيا. لتبدأ عملية تعميق التكامل الاقتصادي
والسياسي. وفي النهاية وخلال ستة عقود او قرن من الزمن سيتم "تمدد
الصين".
وهنا لابد من تذكر أن حدود إمبراطورية
تانغ في الصين إمتدت بعمق نحو غرب الحدود المعاصرة، حتى أن الشاعر الصيني
الشهير لي بو ولد على أراضي قرغيزيا الحالية، أو المقاطعة الصينية السابقة
آنذاك. وبالإضافة لذلك هناك حدوداً مشتركة لدول آسيا المركزية اليوم مع جمهورية
الصين الشعبية تختلف عن حدود المرحلة السوفييتية، لأن عملية ترسيم الحدود في إطار
"عملية شنغهاي" تم تحريكها لصالح جمهورية الصين الشعبية.
وفي إطار إعلان التكامل الاقتصادي
الأوروآسيوي الذي وقع في الكرملين عام 2011، من الممكن أن تتمكن الفيرالية الروسية
من تشكيل نموذج فعال وجذاب للدول الجارة من أجل التطور الإجتماعي والاقتصادي السريع،
ليكون السناريو الـ 2 وهو: "إعادة دمج الساحة السوفييتية السابقة".
ولكن هذا المسار لـ"اللعبة الكبيرة الحديدة" كان غير واقعي قبل
نحو عشرين سنة مضت. حيث كان من الممكن أكثر إحياء الاتحاد السوفييتي أو
الإمبراطورية الروسية. وهذه الإمكانية تعادل عامل الصفر اليوم، وتتراجع عاماً بعد
عام. وإذا استطاعت الفيدرالية الروسية أن تشكل نموذجاً للتطور الإجتماعي
والاقتصادي الفعال والجذاب للجيران بشكل سريع، فهذا يعني إمكانية أن يصبح السيناريو
الـ 2 وهو: "إعادة دمج الساحة السوفييتية السابقة" أمراً ممكناً.
مثال: التكامل الاقتصادي الأوروآسيوي. وعندها يمكن في المستقبل توقع اختفاء الحدود
والعودة للأوضاع التي كانت قائمة في النصف الثاني من القرن الـ 19 وحتى تسعينات القرن
الـ 20.
وخلال تسعينات القرن الماضي نوقش بديل
آخر لتغيير الحدود الدولية الداخلية في آسيا المركزية. اعتماداً على فكرة تكامل
آسيا المركزية وفق النموذج الأوروبي. وكانت كل محاولات دول آسيا المركزية للتعاون
داخل الإقليم حتى الوقت الراهن فعالة، من خلال الأجهزة الإقليمية، مثل: جماعة آسيا
المركزية الاقتصادية، ومنظمة التعاون في آسيا المركزية، رغم أنها لم تؤدي إلى
نتائج إيجابية بسبب بعض قضايا الخلاف في العلاقات بين دول المنطقة وخاصة حول المياه،
والطاقة، والبيئة، والتي يصعب حلها على آفاق السنوات القريبة القادمة. بالإضافة للتوتر الناجم
عن أسباب موضوعية في العلاقات بين أوزبكستان وطاجكستان والتي يمكن أن تستمر لفترة
طويلة.
ومع ذلك يمكن تصور أنه خلال الثلاثين سنة
القادمة ومن خلال نموذج الإدارة الفعالة لمياه الأنهار العابرة لآراضي دول الإقليم
يمكن أن يبدأ تكامل ناجح في آسيا المركزية، ليظهر في النهاية وخلال المئة عام
القادمة "إتحاد آسيا المركزية" مع أجهزته المشابهة للإتحاد
الأوروبي. كما ويمكن أن نتصور توسعه وفق نموذج ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية إلى
"آسيا المركزية الكبرى" ليضم أفغانستان وباكستان مع إجراء
إصلاحات ليبرالية في إيران وهو: السيناريو الـ 3: "تكامل آسيا المركزية".
وهناك تكهنات لتنفيذ سيناريو التكامل على ساحة أصغر، عن طريق إقامة إتحاد اقتصادي
بين قازاقستان وقرغيزستان أو عن طريق إقامة حلف عسكري وسياسي حول أوزبكستان التي
تتعزز قدراتها يوماً بعد يوم.
وهناك تكهنات أخرى حول مسار "اللعبة
الجديدة الكبرى". برزت تحت تأثير الأوضاع السائدة في أفغانستان، وتصاعد
التطرف الإسلامي على ضوء القضايا الإجتماعية والاقتصادية والديموغرافية الضخمة،
آخذين بعين الإعتبار الصراعات العشائرية والسياسة التي يمكن أن تؤدي إلى تنفيذ
السيناريو الـ 4 وهو: "الخلافة"، ومن المتوقع أن لا يشمل هذا
السناريو كل دول آسيا المركزية، بل بعض مناطقها فقط وخاصة وادي فرغانة.
وتشير العوامل المشتركة للمصالح متعددة
الجوانب في آسيا المركزية بالاضافة لضعف دول المنطقة، وهشاشة حدودها القائمة، إلى
أنه يمكن أن يكون من طبيعة تطور الأحداث في آسيا المركزية خلال القرن القادم، العمل
المشترك من خلال عاملين داخليين هامين، يعتمدان على التقارب القومي من جانب، وعلى
التناقضات القومية الداخلية من خلال التركيبة الموضوعية المشتركة والإقليمية من
جهة أخرى. وسنبحث العوامل الداخلية. التي ظهرت في دول المنطقة عام 1991 على أساس
الجمهوريات السوفياتية السابقة، والتي كنت كلها تتعرض لتحديات أمنية غير عادية
عالية كالإرهاب، والتطرف الديني، وتهريب المخدرات. وتميز بعضها كقرغيزستان، وطاجكستان
بـ"الضعف" واعتمادهما على توازن "الدول الفاشلة". والدور
الكبير في تصاعد التهديدات الجديدة تلعبه الجارة أفغانستان، ففي "الدول
الفاشلة" كلاسيكياً كل العوامل الموضوعية حدثت في نهاية القرن الـ20 وبداية
القرن الـ21، وتحدثت عن آفاق إمكانية تغيير نظام حدود دول المنطقة خلال فترة محددة.
والحدود الداخلية في آسيا المركزية المعاصرة جرى تحديدها نتيجة لإيجاد
تركيبات عرقية، وعرقية مشتركة متناقضة. وكما هو معروف قام البلاشفة برسم حدود
الدول القائمة بشكل مصطنع أثناء رسم الحدود القومية التي جرت خلال الفترة الممتدة
من عام 1920 وحتى عام 1930. وتجاهل البلاشفة فيها تركيبة الجوزات، والقبائل (لدى
القازاق والتركمان)، والمناطق (لدى القرغيز، والأوزبك، والطاجيك) وفوق كل ذلك تجاهلوا
تركيبة القبائل "سارتي"، و"تركي"، و"مسلمين"، وتجاهلوا
ما حددته الإدارات السياسية القديمة كإمارة بخارى، وخانية خيوة، وخانية قوقند. وتجاهلوا
العوامل اللغوية لدى السكان الناطقين باللغة الطاجيكية في سمرقند، والسكان
الناطقين باللغة الأوزبكية في طاجكستان، وتجاهلوا كذلك رسم الحدود بين الواحات:
وادي فرغانة، الجزء السابق من خانية
قوقند، والوادي الممتد أسفل مجرى نهر أموداريا والذي كان ضمن خانية خيوة، وهكذا.
وكل هذا كان سبباً لحدوث نزاعات عشائرية وقبائلية وإقليمية جدية داخل الدول
المستقلة الجديدة. ولا توجد أية آمال لتوقع إمكانية تجاوز هذه النزاعات نهائياً
خلال السنوات القريبة القادمة.
وهنا يمكن الإشارة إلى الخبرة المشابهة
في إفريقيا، حيث أدت القضايا المصطنعة المشابهة لرسم الحدود وارتباطاتها بالتوترات
الداخلية للدول التي غلبت عليها مظاهر تصاعد التوتر، والإبتعاد عن الحلول. ومن
بينها كانت تلك الدولة التي ولدت على أساس التقسيمات القبلية القديمة، وأثمرت منذ
مدة قريبة عن ظهور دولة جديدة حملت إسم "جنوب السودان".
وإقامة التوافق القومي الجديد الناجح يعتبر
حقيقة أيضاً في الوقت الراهن. فقد ظهرت هويات عرقية وقومية في كل جمهوريات الإتحاد
السوفييتي السابق في وسط آسيا، ففي قازاقستان ظهرت هوية المواطن القازاقستاني، وضمت
القازاق أو القازاقستانيين، والقرغيز، والأوزبك، والتركمان، والطاجيك من سكان البلاد
معاً، مع هوية دولتهم المستقلة قازاقستان وأراضيها التي هي بمثابة واقع مفروض، فرضته
السلطات السوفييتية السابقة والتاريخ السوفييتي. ومن غير المتوقع أن يستطيع أي
منهم "العودة نحو الوراء" بهذه الحقائق الحياتية في القريب العاجل من
أجل إقامة "الخلافة"، أو إحياء الإتحاد السوفييتي السابق أو أية تركيبة
إمبراطورية فوق القومية. وهذه المحاولات لا تقبلها أكثرية السكان بل حتى بالإجماع.
وهكذا سيكون من طبيعة تطور الأحداث في آسيا
المركزية خلال القرن القادم العمل المشترك من خلال عاملين داخليين، يعتمدان على
الهوية القومية من جانب، وعلى التناقضات الداخلية بسبب التركيبة العرقية والقومية
المشتركة من جانب آخر.
وما ذكر أعلاه يشير بالكامل إلى إمكانية
تطبيق السيناريو الـ 5 وهو: "الإنحلال الكامل". وفي الحالات
القصوى يمكن البدء بتطور الأحداث في المنطقة وخاصة القسم الجنوبي منها، وفق
سيناريو طويل المدى يشبه ما يجرى في أفغانستان.
ويمكن اعتبار سيناريو "السلام
المركزي" معقولاً جداً، لأن موقف الصين بالذات يبدو في الوقت الراهن وكأنه
أكثر قوة مقارنة مع غيرها من القوى العظمى التي لها مصالح في آسيا المركزية.
و"جزئياً" لا يستثنى إنحلال الدول، وخاصة "الهشة" منها. وهذا يجعل
تعديل السيناريو الـ 5 الذي هو أكثر إحتمالاً. ففي تسعينات القرن الماضي جرت
أحاديث كثيرة حول إضمحلال دول آسيا المركزية في دولة واحدة. وأثارت الحرب الأهلية
في طاجكستان مزاودات على موضوع الإضمحلال الكامل لهذه الدول. وأدت المواجهات التي
جرت على جبال بدهشان في صيف عام 2012 إلى "صب الزيت على النار" فقط على تلك
النقاشات. ولم يزل الإنقسام الجغرافي والسياسي العميق بين الشمال والجنوب مسألة
هامة للبحث حول انقسام قرغيزستان، لأن سيطرة حكومة بشكيك على جنوب البلاد وخاصة
مدينة أوش يحمل طابعاً رمزياً حتى الآن.
وتعتبر أوزبكستان وتركمانستان وقازاقستان
عادة دولاً مستقرة، ولكن التطرف الإسلامي في وادي فرغانه، والتوتر العشائري على
جميع أراضي البلاد مع وجود مطالب حدودية تشمل المتحدثين باللغة الطاجيكية في
سمرقند من جانب النخبة الطاجيكستانية، أثارت الأحاديث حول إمكانية تفكك أوزبكستان.
كما ودارت شائعات أيضاً في أوساط المعارضة التركمانية حول إمكانية خروج الأراضي
الغنية بالأوغلوفودورود والتي تسكنها قبائل يومود، وتشكيل دولة
"يوموديستان" في المستقبل. وفي النهاية حتى قازاقستان التي هي حتى الآن
وفق المقاييس الإقليمية تتمتع بمستوى عال من الإستقرار، إلا أن المناقشات الروسية التي
كانت دائرة في تسعينات القرن الماضي أشارت
إلى أنها مرشحة للتفكك. وأساس تلك التوقعات كان حقيقة هيمنة السكان الروس على
القسم الشمالي من البلاد، وحتى أن القسم الذي يشمل القازاق منهم يتمسك بالمشاعر الإنفصالية.
وكل هذه الإحتمالات والتوقعات وبغض النظر عن القضايا الممكنة في دول المنطقة،
فإنها لم تثبت واقعيتها حتى الآن.
ولكن تصاعد التطرف الإسلامي والصراعات
العشائرية والسياسية يمكن أن يؤدي إلى تنفيذ السيناريو الـ 4 وهو: "الخلافة
الإسلامية" في وادي فرغانة على الأقل. وفي النهاية لا بد من الإشارة إلى أن
اتجاهات التحليلات الواقعية المتداولة حتى الآن، والممتدة عبر قرن من الزمن
بالإضافة للتفاعلات الجارية في الوقت الراهن، فإن أكثر المحللين يعتبرون أن
السيناريوهات 1 و5 هما الأكثر إحتمالاً من غيرهما من السيناريوهات ويمكن تنفيذها
في آن معاً، لأنها غير متناقضة. بل على العكس إحتمال تفكك بعض دول المنطقة يمكن أن
يزيد من إهتمام جمهورية الصين الشعبية ونزوعها نحو التدخل في الشؤون الداخلية لآسيا
المركزية. لأن سيناريو "السلام المركزي" يمكن أن يعتبر واقياً
بشكل كامل، ولأنه يمثل موقف الصين في الوقت الراهن، ويبدو أكثر قوة مقارنة بمواقف غيرها
من القوى العظمى التي لها مصالح في آسيا المركزية. ولأن سيناريو "الإضمحلال
الكامل" يمكن النظر إليه كسيناريو واقعي بشكل كاف في بعض الدول الأكثر
إستقراراً في المنطقة، إعتماداً على القضايا الإجتماعية والاقتصادية والسياسية
التي تواجهها اليوم.
واستعراض الإتجاهات المشار إليها أعلاه
والسيناريوهات المقدمة، آخذ بعين الإعتبار أهمية منطقة آسيا المركزية للفيدرالية الروسية
ويبعث القلق لدى نخبة من السياسيين الروس في عالم اليوم.
ولكن الذي حدث بعد انتخاب شوكت
ميرضيائيف وتوليه منصب رئيس جمهورية أوزبكستان أن سياسة جديدة ظهرت في المنطقة
تدعوها بمبادرة منه للتعاون من أجل تحقيق المصالح الوطنية مع مراعاة المصالح
المتبادلة وحسن الجوار في العلاقات المشتركة السياسية والاقتصادية والثقافية
والانسانية والبيئية، وبذلك ساعدت سياسته الإقليمية والدولية الناجحة على طوي صفحة
أخرى من صفحات سياسة فرق تسد التي مارستها وتمارسها القوى العظمى عادة لتحقيق
مآربها في شتى أنحاء العالم منذ عدة قرون.
للمزيد يمكن الرجوع إلى:
- تحدث الرئيس الأوزبكستاني
أمام الدورة الـ 72 للأمانة العامة بمنظمة الأمم المتحدة. نشرت بتاريخ 21/9/2017
على الرابط: http://muhammad-2009.blogspot.com/2017/09/72.html
- حماية مصالح أوزبكستان على الساحة الدولية هي المهمة
الرئيسية لبعثاتنا الدبلوماسية. نشر بتاريخ 14/1/2018 على الرابط: http://muhammad-2009.blogspot.com/2018/01/blog-post_34.html
- رسالة فخامة الرئيس شوكت ميرضيائيف رئيس جمهورية
أوزبكستان الموجهة إلى المجلس الأعلى بجمهورية أوزبكستان. نشرت بتاريخ 30/12/2017
على الرابط: http://muhammad-2009.blogspot.com/2017/12/blog-post_30.html
- كازانتسيف
أ.، دكتور في العلوم السياسية، مدير مركز التحليلات في مغيمو لدى وزارة
الخارجية الروسية، خبير في الخدمة الروسية للدبلوماسية الدولية: خمس سيناريوهات
لمستقبل الحدود في آسيا المركزية. مركز آسيا. 19/4/2013. russiancouncil.ru
- كازانتسيف
أ.أ.: "اللعبة الكبيرة" مع قواعد غير معروفة: السياسة العالمية
وآسيا المركزية. م. مغيمو (معهد العلاقات الدولية الحكومي بموسكو)؛ تراث يوروآسيا،
2008.
- كلمة التهنئة التي وجهها فخامة
رئيس جمهورية أوزبكستان شوكت ميرضيائيف للشعب الأوزبكستاني. نشرت بتاريخ 1/1/2018
على الرابط: http://muhammad-2009.blogspot.com/2018/01/blog-post.html
- كلمة رئيس جمهورية أوزبكستان
شوكت ميرزيوييف أمام القمة الأولى للعلوم والتكنولوجيا بمنظمة التعاون الإسلامي.
نشر بتاريخ 11/9/2017 على الرابط: http://muhammad-2009.blogspot.com/2017/09/blog-post_11.html
- كلمة الرئيس الأوزبكستاني
بمناسبة الذكرى الـ 26 لاستقلال جمهورية أوزبكستان. نشرت بتاريخ 2/9/2017 على
الرابط: http://muhammad-2009.blogspot.com/2017/09/26.html
- Frank A.G. The
Centrality of Central Asia. Amsterdam: VU University Press, 1992.
- Выступление
Президента Республики Узбекистан Шавката Мирзиёева на международной конференции
«Центральная Азия: одно прошлое и общее будущее, сотрудничество ради устойчивого
развития и взаимного процветания» в Самарканде. 11.11.2017г.: http://muhammad-bukhari.blogspot.com/2017/11/blog-post_11.html
- Выступление Президента Республики Узбекистан Шавката
Мирзиёева на первом саммите Организации исламского сотрудничества по науке и
технологиям. 11.09.2017г.: http://muhammad-bukhari.blogspot.com/2017/09/blog-post_11.html
- Продвижение
интересов Узбекистана на международной арене – основная задача нашего
дипломатического корпуса. 13.01.2018г.: http://muhammad-bukhari.blogspot.com/2018/01/blog-post_13.html
- Послание Президента Республики Узбекистан Шавката
Мирзиёева Олий Мажлису. 23.12.2017г.: http://muhammad-bukhari.blogspot.com/2017/12/blog-post_23.html
- Президент
Узбекистана Шавкат Мирзиёев выступил на 72-й сессии Генеральной Ассамблеи ООН.
20.09.2017г.: http://muhammad-bukhari.blogspot.com/2017/09/72.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق