مستقبل العلاقات الدولية
أ.د. محمد البخاري
التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة
طشقند -
2011
تأليف: محمد البخاري: دكتوراه
في
العلوم
السياسية
DC،
اختصاص:
الثقافة
السياسية
والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة؛ بروفيسور
قسم
العلاقات
العامة
والإعلان،
كلية
الصحافة،
جامعة
ميرزة
ألوغ
بيك
القومية
الأوزبكية.
مستقبل العلاقات
الدولية
وفي
مقارنة
قام
بها
بعض
المؤرخين
للتنبؤات
التي
وضعها
السياسيون
عام
1900. وما حدث فعلاً خلال قرن من الزمن، ظهر أنهم لم يتوقعوا من خلال تنبؤاتهم لا بالأحداث الهامة التي جرت خلال القرن العشرين، ولا بالحربين العالميتين، ولا بثورة أكتوبر البلشفية في روسيا، ولا بتشكل الدول الاشتراكية، ولا بانهيار النظم الاستعمارية العالمية، ليثبتوا أن التنبؤ في مجال التطور العالمي صعب جداً، وهو أصعب بكثير من التنبؤ في مجال برامج الاستنساخ الطبية أو في مجال غزو الفضاء وانتقال البشر إلى الكواكب الأخرى، ومع ذلك فقد حاول البعض وضع سيناريوهات ممكنة للمستقبل منطلقين من حقائق العصر، منها: أن توقع مستقبل انفراد الولايات المتحدة الأمريكية في مسعاها لفرض هيمنتها على العالم خلال السنوات العشرين القادمة ممكن لأن هذه الدولة مستمرة في المضي على طريق زيادة الهوة بينها وبين المجتمع الدولي في مجالات العلاقات المالية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والعسكرية والسياسية وغيرها. وخلال سنوات الفترة الرئاسية الأولى من حكم بيل كلينتون (1992 – 1996) للولايات المتحدة الأمريكية، ارتفع المؤشر الاقتصادي للدخل القومي بحوالي 4% سنوياً، وهو ما حدث للدخل القومي الألماني. وخلال الفترة الرئاسية الثانية لبيل كلينتون (1996 - 2000) زاد الدخل القومي الياباني، وتحدث الكثيرون عن المعجزات الاقتصادية الأخرى، وفي الواقع أن المعجزة جرت في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
لأن العولمة في ظروف القطب العالمي الواحد تضيق على الدول المستقلة الكبرى الأخرى، ولا تدعهم يسلمون بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعولمة، ولا يستبعد أن واشنطن كقائد ستقوم بتنفيذ خطط إستراتيجية لإضعاف أو إنهاك تلك الدول. وهنا لابد من التذكير بما كتبه س. هنتنجتون: من أن "النظام أحادى القطبية يبشر بقيام دولة عظمى واحدة، وغياب الدول العظمى الأخرى وعدد كبير من الدول الصغيرة". لنستنتج أن دولاً كبيرة مثل روسيا، والصين، والهند، غير مرغوب بها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ليبرز سؤال مهم إلى متى ستستمر حالة عالم القطب الواحد هذه ؟ وهو ما حاول الإجابة عنه الأكاديمي الروسي ن. مويسييف، معتمداً على قوانين الرياضيات مؤكداً على عدم إمكانية الاحتفاظ بهذا الوضع لفترة طويلة، لأن التاريخ أثبت أنه في كل مرة أدارت فيها قوة عظمى واحدة العالم دون أن يكون لها قوة معادلة انهارت كروما والإمبراطوريات
الأخرى
التي
سيطرت
على
العالم
القديم
منفردة.
وشبه
هذا
الوضع
بكرسي
يستند
على
ساق
واحدة.
وذكر
أنه:
"بعد
التدمير
الإجرامي
لمركز
القوة
الثاني
(الاتحاد
السوفييتي
السابق)، الذي قامت به جماعة صغيرة انهار التوازن السلمي لعالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، ودمرت طبيعة تطور الأحداث في عملية التفاعل الكوني، وأصبح كل شيء مرتبط بشكل جديد من أشكال القوة العسكرية" وبدأت تظهر مساعي واشنطن التي تعلم أنه لا يمكنها الصمود طويلاً وحيدة، للحصول على مساندة غرب أوروبا لتكون الشريك الاستراتيجي الأصغر. في الوقت الذي أخذت فيه بالظهور دعوات تدعوا الغرب للسعي لبناء تحالف أمريكي أطلسي من أجل تحقيق الاستقرار في العالم.
وأدى تركز مراكز القوة المالية والاقتصادية والتجارية، إلى تحول شرق وجنوب شرق آسيا إلى مركز لنصف الاقتصاد العالمي المالي والتجاري والسكاني. وتوقع البعض أن تملك الصين أكبر اقتصاد عالمي حتى عام 2020، مشيرين إلى أن هذا لا يعني وزنها العسكري والسياسي فقط، بل ومستوى الحياة في الصين نفسها الذي سيتفوق على نظيره في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وأن الصين لن تترك واشنطن تتحكم بالعالم وحدها. وأن الهند بسكانها الـ 1.2 مليار نسمة ستصبح الدولة الرابعة في عالم الاقتصاد، ووفق توقعات البنك الدولي، ستبقى ثلاث دول غربية هي الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، والبرازيل، ضمن الدول العشر الأكثر تتطوراً اقتصادياً في العالم حتى عام 2020 والسبع الباقية في آسيا. رغم أن التأثير المباشر على العلاقات الدولية خلال العشر سنوات القادمة سيبقى كما كان في السابق متركزاً في ثلاثة مراكز للقوة هي الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، واليابان، ومن المتوقع أن تنضم إليهم الصين والهند وأن تلعب روسيا وحلفائها دور مركز الثقل في تطور الأحداث العالمية.
ومن تحليل لتوقعات المتخصصين الأجانب، يمكن أن نجد أن العولمة: عززت التشابك الاقتصادي والأمني لمختلف الدول، وتغيرت الأجندة السياسية الدولية إلى حد بعيد، ورافقها تغيير لأفضليات مصالح الدول على الساحة الدولية وتبدلت إمكانيات وسائل تنفيذ سياساتهم الخارجية. وأن مفهوم قوة الدولة تغير من الاعتماد على القوة العسكرية، إلى الاعتماد على تطوير الموارد المالية والاقتصادية والمعلوماتية والفكرية للدولة. وأن دور اللاعبين الرئيسيين على الساحة الدولية تبدل من التحالفات والاتحادات العسكرية والسياسية، إلى التحالفات والاتحادات التجارية والاقتصادية الإقليمية، والدولية مثال: الاتحاد الأوروبي؛ والاتحاد الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي؛ والرابطة الاقتصادية أوروآسيا؛ ومنظمة شنغهاي للتعاون؛ ومجلس تعاون دول الخليج العربية؛ وغيرها لتبقى في مقدمتها مجموعة دول الثمانية الكبرى، وهو ما يعني تحول السياسة العالمية والدبلوماسية نحو الاقتصاد.
وأن العولمة، كانت السبب في ارتفاع نسبة الوعي القومي بين سكان الكرة الأرضية، ويمكن أن تؤدي إلى ارتفاع عدد الدول المستقلة. خاصة وأن عدد الدول المستقلة كان 50 دولة بعد الحرب العالمية الثانية، بينما تضم منظمة الأمم المتحدة في عضويتها الآن أكثر من 200 دولة، مع إمكانية زيادة هذا العدد خلال السنوات القادمة، بسبب وجود أقليات عرقية في أكثر من 100 دولة ويزيد عدد أفراد كل جالية عن المليون نسمة، مع إمكانية انهيار تلك الدول وانقسامها إلى دول مستقلة، كما حدث في الاتحاد السوفييتي السابق الذي انقسم إلى خمسة عشر دولة مستقلة، ويوغوسلافيا التي انقسمت إلى عدة دول ولم يزل الصراع قائماً بينها حتى الآن، وتشيكوسلوفاكيا
التي
انقسمت
سلمياً إلى دولتين مستقلتين، وإثيوبيا التي انقسمت إلى دولتين مستقلتين بعد صرع طويل.
وفي
أحسن
الظروف
يمكن
قيام
فيدراليات
شبه
مستقل
ذاتياً
في
بعض
تلك
الدول
متعددة
القوميات،
وهو
ما
تسعى
إليه
الدول
العظمى
وفي
طليعتها
الولايات
المتحدة
الأمريكية
في
الوقت
الحاضر،
مثل
الحالة
العراقية
التي
اتخذ
الكونغرس
الأمريكي
قراراً
في
عام
2007 يدعو
قوى
الاحتلال
إلى
تقسيمه
لكيانات
فيدرالية
على
أسس
عرقية
ودينية،
والحالة
السودانية،
والحالة
الروسية،
وغيرها.
وأن ارتفاع عدد الدول قد يؤدي، إلى تراجع دور تلك الدول وشخصيتها ضمن الحدود الدولية المعترف بها (كما يجري الآن في غرب أوروبا). وأنه من المرجح زيادة عدد الصراعات العرقية والحدودية وإعلان أكثر من 50 منطقة مناطق نزاع، بالإضافة إلى أكثر من 150 صراعاً على الحدود البحرية، وأكثر من 30 جزيرة تقع ضمن مناطق النزاعات. وتوقع انهيار دور المنظمات الدولية الحكومية بداية من منظمة الأمم المتحدة مع ازدياد تأثير المنظمات غير الحكومية، مثل: الخضر، وأطباء بلا حدود، وغيرهم. ومطالبة أغلبية الدول النامية بحق تقرير المصير مما سيعرض مبدأ عدم المساس بحدود الدولة الوطنية ووحدة أراضيها إلى خطر كبير، ولنتصور ماذا سيحدث لو أعلنت التيبت، ومنغوليا الداخلية، وسينزيان حق تقرير المصير في جمهورية الصين الشعبية، أو إذا أعلنت كشمير حق تقرير مصيرها في جمهورية الهند، أو إعلان السكان السود واللاتينيين في الولايات المتحدة الأمريكية حق تقرير مصيرهم ؟ وزيادة خطر انتشار السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل وزيادة عدد الدول التي تملك السلاح النووي بعد انضمام إسرائيل بشكل غير رسمي، والهند، وباكستان، رسمياً لتلك الدول إضافة لعشرات الدول القريبة من امتلاك السلاح النووي.
وتأثير العولمة على العلاقات الدولية والعمل الدبلوماسي منذ بداية القرن الحادي والعشرين حيث أخذت تظهر على الخط الأول مسائل عسكرية وسياسية. رافقتها أزمات عسكرية، ولقاءات قمة، غلبت عليها مسائل التجارة الخارجية، والمالية، وحماية البيئة، والتبادل الإعلامي الدولي وغيرها. وظهور هنتيجتون س. الذي تحدث في كتابه "تصادم الحضارات" عن الصراع بين سبع حضارات قائمة حالياً في العالم، وبجيزينسكي ز. الذي دعى في كتابه "رقعة الشطرنج العظمى" إلى هيمنة الولايات المتحدة على أوروبا وآسيا.
وبقيت المشكلة أمام روسيا (القطب المنافس السابق للولايات المتحدة الأمريكية قبل انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية) تدور حول التعامل مع العولمة، دون خلق مشكلة منها. والعمل على أن تتكامل روسيا مع العولمة دون إلحاق خسائر بمصالحها القومية، خاصة وأنها تشغل المركز 15 في العالم من حيث عدد أجهزة الحاسب الآلي المستخدمة فعلاً، إضافة لتخلفها عن الدول الأوروبية بـ 8 مرات تقريباً من حيث حصة الفرد في عدد أجهزة الحاسب الآلي لكل ألف نسمة من السكان، ونسبة المشتغلين في إنتاج تكنولوجيا المعلوماتية وخدماتها التي لا تزيد في روسيا عن 1%، بينما هي أكثر من 20% في الدول المتقدمة. في الوقت الذي يدعو فيه المتفائلون إلى عدم التخوف، مذكرين بالإمكانيات الضخمة التي تملكها روسيا، من ثروات طبيعية وبشرية يمكنها إخراجها من أزمتها الراهنة. وهو ما أعلنه رئيس الحكومة الروسية السابق م. كاسيانوف في المؤتمر الدولي لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الذي عقد في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا وذكر أن روسيا تملك 25% من احتياطي الثروات الباطنية (12% من الفحم، و13% من النفط، و20% من المياه الصالحة للشرب، و20% من الكوبالت، و27% من الحديد، و30% من النيكل، و35% من الغاز، و40% من البلاتين)، ولكنها كلها خامات، والأسواق الدولية تنتظر منتجات متطورة جاهزة، تنتج وتباع وهي غير كافية في روسيا. بالإضافة لمواجهتها بمنافسة شديدة على صعيد الاقتصاد والتجارة الدولية. الأمر الذي يدفعها وبإصرار للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية وهو ما لم يتحقق لها بعد، لتسهل خروجها إلى الأسواق الخارجية، وتبديل هياكل صادراتها. وسعيها من خلال برنامج العشر سنوات للدخول في حلبة التقدم العلمي الاقتصادي الذي تفرضه العولمة. وعلى الرغم من امتلاك روسيا لصواريخ نووية قوية عابرة للقارات، والعضوية الدائمة في مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة، ومشاركتها في مؤتمرات قمة الدول الثمانية المتطورة في العالم، ومشاركتها في مؤتمرات الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، ورابطة الدول المستقلة، والرابطة الاقتصادية أوروآسيا، ومنظمة شنغهاي للتعاون، وغيرها إلا أنه هناك محاولات حثيثة للتضييق عليها على صعيد السياسة الدولية، من أجل تهميش مصالحها الوطنية. حتى أن عضو أكاديمية العلوم الروسية مويسييف ن. كان مضطراً للإعلان عن: أن الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في السنوات القريبة التالية هو التضييق على روسيا لإخراجها من بحر البلطيق (عن طريق قبول دول البلطيق في حلف الناتو) وإخراجها من البحر الأسود (عن طريق استدراج أوكرانيا إلى حلف الناتو) وحصرها في المحيط المتجمد الشمالي، وتحويلها إلى دولة بحرية شمالية. أو كما كتب بجيزينسكي ز. تحويلها إلى دولة هامشية. وأن هذا الهدف مخفي تحت عبارات براقة عن الشراكة، وعن العلاقات الجديدة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو.
بينما نرى أن الدبلوماسيون يفهمون أن العولمة غيرت جوهر جداول أعمال السياسة الدولية وأفضلياتها؛ ووسعت
من
إمكانيات
العمل
المشترك
لمختلف
الدول؛ وفتحت
الآفاق
أمام
المجتمع
الدولي
للتعاون
متعدد
الأطراف؛ وأبرزت وزن الدبلوماسية الاقتصادية، التي رافقتها الدبلوماسية البيئية، مع ازدياد أهمية الدبلوماسية الشعبية (العلاقات العامة)،
ودبلوماسية
التنمية
لحل
مشاكل
دول
الجنوب
الفقيرة. الأمر الذي يدعو العالم إلى تشكيل منظومة عالمية لمواجهة التهديدات والأخطار الجديدة، الناتجة عن العولمة في القرن الحادي والعشرين. وهو ما دعى إليه مجلس وزراء خارجية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بجلسته التي عقدها بمدينة بورتو في بداية ديسمبر/كانون أول 2002 بمشاركة روسيا من خلال إصدار قرار لإعداد إستراتيجية تتعامل من خلالها المنظمة مع التهديدات الجديدة للأمن والاستقرار في القرن الحادي والعشرين. وتبعته موافقة الهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة في منتصف ديسمبر/كانون أول 2002 على مشروع القرار الروسي للتعامل مع تهديدات وأخطار العولمة، والنظر في إمكانية تشكيل نظام عالمي لمواجهة تلك التهديدات والأخطار، على أن يتم دراستها وتقديم تقرير عنها للدورة التالية للهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق