أ.د. محمد البخاري: العلاقات الدولية في ظروف الثورة المعلوماتية
7 من كتابي "التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة".
7
العلاقات الدولية في ظروف الثورة المعلوماتية
العولمة
والثورة
المعلوماتية
أصبحت
في
الآونة
الأخيرة
من
أهم
المواضيع
حساسية
في
إطار
الحوار
الدولي
الجاري
لتحليل
تأثيرات
الثورة
المعلوماتية
المختلفة
وطرق
التحكم
بتطور
الأحداث
على
الساحة
الدولية.
ويجري
هذا في
الوقت
الذي
شكك
فيه
البعض
بإيجابيات
العولمة
على
الجوانب
المالية
والاقتصادية
والسياسية
والثقافية
والأيديولوجية
والإعلامية
والاتصالية
في
العلاقات
الدولية
المعاصرة.
في
الوقت
الذي
صور
صندوق
النقد
الدولي
العولمة
بأنها:
"مستوى
متصاعد
من
التكامل
الحثيث
للأسواق
السلعية
والخدمية
ورؤوس
الأموال".
وأشار
ي. س. إيفانوف وزير الخارجية الروسي في كتابه "السياسة الخارجية الروسية في عصر العولمة" إلى بعض العناصر الرئيسية لعملية العولمة، السياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية وحاول تحليلها من وجهة النظر الروسية، وذكر أنها فجرت الحياة الحضارية وغيرت صورة الإنسانية. ومع ذلك نرى أنها أدت فعلاً لمصير واجه العالم فيه أزمة
إقتصادية ومالية مستعصية رافقت نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة وهو ما فرض
أبعاداً جديدة لتحليل تطورات العولمة المالية والإقتصادية. بينما اعتبر أكثر المتخصصون أن العولمة تعني مرحلة حديثة من التطور الرأسمالي الدولي، أو أنها تمثل المرحلة الأخيرة للإمبريالية. والتعريف الأكثر وضوحاً جاء على لسان الأكاديمي الروسي المعروف أ. ي. أوتكين الذي قال أن "العولمة فرضت نفسها بعد انتهاء الحرب الباردة، وأفرزت نظاماً عالمياً يوحد الاقتصادات الوطنية لدول العالم ويجعلها تعتمد على حرية تنقل رؤوس الأموال، والاعتماد على الانفتاح الإعلامي الدولي، وعلى التجدد السريع للتكنولوجيا، وتخفيض الحواجز الجمركية وإطلاق حركة البضائع ورؤوس الأموال، وزيادة التقارب الاتصالي بين الدول الذي هو من ميزات الثورة العلمية التي ترافقها حركة اجتماعية دولية أصبحت تستخدم أشكال جديدة من وسائل النقل وتكنولوجيا الاتصال المرئية، وخلقت نوعاً من التعليم الأممي".
ولكن
الآراء
اختلفت
عند
الحديث عن بدايات العولمة فالبعض اعتبر بداياتها منذ عصر الفاتحين الغربيين الأوائل أمثال: ماركو بولو وماجيلان
وكولومبوس.
في
الوقت
الذي
اعتبر
البعض
الآخر
أن
نصف
العالم
كان
معولماً
منذ
العصر
الروماني
القديم،
وعصر
الإسكندر
المقدوني، وعصر جينغيز خان، متجاهلين تماماً العولمة التي نتجت عما قدمته الحضارة العربية والإسلامية للإنسانية في عصر ازدهارها عندما كانت أوروبا تسبح في غياهب الظلمات. واعتبر بعض الباحثون أن التاريخ المعاصر كان المرحلة الأولى للعولمة، وتلتها المرحلة الثانية التي نعيشها اليوم. وقالوا أن الأولى بدأت خلال المرحلة الانتقالية التي امتدت خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، أي فترة حروب التوسع الاستعمارية الغربية التي اجتاحت قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، والحربين العالميتين الأولى والثانية وما رافقهما من منجزات تكنولوجية وعلمية حديثة سرعان ما تطورت بشكل هائل أثر مباشرة في الاقتصاد الوطني والدولي، ورافقه ظهور وسائل اتصال جماهيرية متطورة دخلت عالم التجارة العالمية، وانتقال رؤوس الأموال والأشخاص بشكل واسع. وأدت إلى تشابك المصالح الاقتصادية والتجارية الداخلية والخارجية لتصبح معها المصالح المتبادلة بين الدول الكبرى الأهم، وتبعد معها خطر الحروب بين تلك الدول حتى تصبح شبه مستحيلة. ولم ينسوا طبعاً الإشارة إلى أن ذلك التوجه لم يستطع إبعاد شبح الحرب وأشعل نيران حربين عالميتين خلال أقل من نصف قرن هما: الحرب العالمية الأولى: التي انتهت بالقضاء على الدولة العثمانية وتثبيت السيطرة الاستعمارية واقتسام معظم مناطق العالم. والحرب العالمية الثانية: التي استخدمت فيها الولايات المتحدة الأمريكية ولأول مرة القنبلة الذرية أشد أسلحة الدمار الشامل فتكاً مرتين وبشكل متعمد ضد الشعب الياباني، ولم تستطع أية علاقات اقتصادية أو تجارية منعها بل على العكس كانت سبباً لها.
واعتبر
بعض
الباحثون
أن
الأرضية
التي
انطلقت
منها
المرحلة
الثانية
للعولمة
كانت
خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، عندما أشاعوا أن المسيرة نحو العولمة بدأت في الغرب. وكانت في البداية تستخدم كمصطلح الترابط
المشترك، ولكن الحركة الفعلية باتجاهها بدأت بالفعل مع حملات العلاقات العامة الدولية خلال أربعينات وخمسينات القرن العشرين، لتبدو العولمة وكأنه مخطط لها ودخلت حيز التنفيذ من قبل الأوساط المهيمنة في عالم المال والاقتصاد في الدول الغربية وحكومات تلك الدول والبنك الدولي للإنشاء والتنمية وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية. وهكذا أصبحت بعض إيجابيات التطور الإنساني في ظروف العولمة مرئية حتى لضيقي الأفق، وأدت إلى ارتفاع المستوى المعيشي للناس، ووفرت وسائل اتصال وإعلام دولية تجتاز الحدود السياسية للدول بسهولة بالغة. وحققت قفزات اقتصادية متقدمة لبعض الدول كما حدث في دول آسيان النمور الآسيوية وشملت جمهورية كوريا وسنغافورة وماليزيا وغيرها من الدول الآسيوية، وأصبحت الهند منتجاً للصناعات الإلكترونية الغربية وتحولت إلى واحدة من كبار مصدري المنتجات الإلكترونية وبرامج الكمبيوتر إلى العالم.
وأدت
العولمة
بالتدريج
إلى
نمو
حركة
تدفق
رؤوس
الأموال
حتى
أصبح
حجم
التعامل
المالي
الدولي
اليومي
يبلغ
حوالي
1.5 تريليون
دولار
أمريكي
لتصبح
عبارة
التصدير
يحكم
العالم
حقيقة
ملموسة.
ومع بدايات خمسينات القرن الماضي كانت الصادرات العالمية تقدر بـ 53 مليار دولار أمريكي، أما اليوم فتشير بعض المراجع إلى أنها بلغت حوالي 7 تريليون دولار أمريكي. وأخذت تظهر جزر كاملة للتكنولوجيا المتطورة في الدول النامية كـ: سان باولو في البرازيل، والشريط الحدودي من مصانع التجميع في شمال المكسيك، ومدن كاملة في الهند، وكل تايوان وغيرها من الدول. وسهلت العولمة انتقال القوى العاملة والسياح. وتشير معطيات البنك الدولي إلى أن العمال المهاجرين يحولون من الدول الغنية التي تستخدمهم إلى أسرهم في الدول الفقيرة حوالي 70 مليار دولار أمريكي في السنة، وهذا الرقم يفوق بكثير الأرقام الرسمية للمساعدات التي تمنحها الدول المتطورة للدول النامية، وأن مئات الآلاف من العائلات تعيش معتمدة على تلك الأموال ولا تعرف أي شيء عن مصطلح العولمة. وأن تطور السياحة الدولية يعتبر من الظواهر الإيجابية للعولمة حيث وصل عدد السياح في العالم إلى 500 مليون سائح في السنة. وأن الإنسان العادي يصطدم يومياً في حياته اليومية العادية بمظاهر العولمة بكل أشكالها من شراء البضائع، ومشاهدة البرامج الإذاعية المرئية،
واستعمال
أجهزة
الاتصال
المحمولة،
وغيرها.
حتى
أن
البعض
أصبحوا
يقولون
أن
العولمة
وفرت
السبل
من
أجل
مشاركة
عشرات
الدول
والشعوب
بالتقدم
المالي
والاقتصادي
والعلمي
المشترك وأثبتته
تأثيرت الأزمة المالية والإقتصادية العالمية الأخيرة. ولم تعلن أية دولة حتى الآن في خطها السياسي الرسمي على الأقل معاداتها للعولمة، ليبدوا أن الجميع يتقبلون العولمة كمؤشر إيجابي ولكن بوجهات نظر متفاوتة.