الخميس، 18 أبريل 2019

خطة البلاشفة الناجحة لاحتلال إمارة بخارى

خطة البلاشفة الناجحة لاحتلال إمارة بخارى
طشقند 18/4/2019 ترجمها وأعدها للنشر أ.د. محمد البخاري
تحت عنوان "إجتياح بخارى. الحمر ضد الإقطاعيين" نشرت الصفحة الإلكترونية  www.centrasia.ru يوم 26/8/2015 مقالة كتبها: فاليري شامباروف، تروي قصة التخطيط لاحتلال بخارى حتى قبل قيام السلطة السوفييتية في تركستان الروسية، ومنها مد السكك الحديدية وإقامة البؤر الاستيطانية داخل أراضي إمارة بخارى واتباع سياسة فرق تسد وجاء فيها:
بدأ الحمر (الجيش الأحمر، المترجم) قبل قبل 95 عاماً مضت حربهم ضد آخر دولة إقطاعية في وسط آسيا، إمارة بخارى. وفي البداية كانت هناك دولتان أخريتان في المنطقة، هما خانيتي: قوقند وخيوة. وكانوا (البلاشفة، المترجم) يعتبرونهم أعشاشاً لحيوانات مفترسة، إذ منهما كانت تشن غارات مدمرة على الأراضي الخاضعة للحكم الروسي، وخلال ستينات القرن التاسع عشر قامت الحكومة القيصرية بتنظيم حملة عسكرية ضدهم، بهدف إبعادهم نحو جنوب خط الحصون الروسية. وكان رد الحكام الآسيويون الحرب. وفي أفغانستان تمركز الإنكليز، الذين استمالوا المعادين للروس ووضعوهم تحت جناحهم، ومدوهم بالسلاح. لأن الدول الثلاث لم تكن مهزومة بعد. واعترفت (الدول الثلاث) بوضعها تحت حماية "القيصر الأبيض"، وحظرت تجارة الرقيق. وهذا لم يعجب نبلاء قوقند. فقاموا بالأطاحة بالخان خودايار الخاضع لروسيا، وجددوا الحرب ضد "الكفار". ولكن محافظ تركستان كاوفمان والجنرال سكوبليف قاما بتدميرهم مرة أخرى، وتم القضاء على الخانية بالكامل.


تجمع العمال والوحدات الثورية في بخارى بعد إسقاط الأمير 2 سبتمبر/إيلول 1920
ولكن تصرف بخارى وخيوه كان أكثر حكمة، فقد أصبح حاكميهما تابعان للقيصر، ولكنهما حافظا على استقلالهم الذاتي، وعاشوا وفق قوانينهم الخاصة. وهكذا انتقلوا من زمن الحجي نصر الدين إلى القرن العشرين مع القصور والحريم والأسوق ومقرات القوافل التجارية. وفي بخارى حملت الرشاشات على فيلة معدة للحرب. وفي خيوه كان أساس الجيش من قبائل التركمان الرحل. وعبر أراضي بخارى امتدت السكك الحديدية الروسية. واعتبرت غير تابعة لدولة بخارى، وحتى طريق السكك الحديدية والمحطات وقرى العمال كانت تابعة لروسيا أيضاً.
وقبل الحرب العالمية الأولى قامت تركيا بأعمال تخريبية في وسط آسيا، وسعت لانهاض تأثيرها على الشعوب المسلمة. وزاد تأثير حزب الشباب التركي الماسوني، الذي نظم أحزاب تابعة له، على مثال: شباب بخارى، وشباب خيوه. وكانوا ثواراً منضوين تحت جناح تركيا الجديدة، ولكن تلك الأحزاب كانت ضعيفة، وقليلة العدد، ولم تكن لها أيديولوجية واحدة. ووقفت الشخصيات المعتدلة وراء مطلب إقامة حكم دستوري في الإمارة والخانية، وكان المتزمتون يؤيدون إقامة جمهورية إسلامية. وفي هاتان الدولتان منعت تلك الأحزاب. وقطعت الرؤوس وسلخت الجلود، عقاباً على الإنتماء لهذه الأحزاب وفقاً لرغبة الحكام.
وفي عام 1917 عمت الفوضى الثورية والحرب الأهلية روسيا, وانهارت السلطة في وسط آسيا. وأقيمت في طشقند السلطة السوفييتية، وظهرت حكومتها المؤلفة من مجلس نواب الشعب. وحصلت بخارى وخيوه على الاستقلال التام. وفي منطقة ما وراء بحر القوقاز (تركمانيا) قضي على البلاشفة وتم دعوة الإنكليز. وأيد الكوزاك سلطة البيض (الجيش الأبيض، المترجم). وفي فرغانه وقوقند ظهرت عصابات الباسماتشي (الجماعات المحلية المسلحة، المترجم). وبقرار من مؤتمر فرسال وضعت آسيا الوسطى تحت الإنتداب الإنكليزي، وقام الإنكليز بدعم وتسليح الباسماتشي، ووضعوا خيوه وبخارى تحت حمايتهم. ولكن الحرب الأهلية هنا لم تأخذ طبيعة "طبقية" فقط، بل وحرب بين القوميات. وقامت عصابات القورباشيين المحليين بقتل الروس بغض النظر عن وجهات نظهرهم. وساعدهم على ذلك حكام خيوه وبخارى. ولهذا كان السكان الروس في تركستان والسكان المحليين الموالين للروس إلى جانب الحمر.
وحاول البلاشفة في طشقند شد بخارى وخيوه للثورة. وتحويل شباب بخارى وشباب خيوه لحلفاء لهم، وتشكيل أحزاب شيوعية على قاعدتهم. ومن بين القادة الشباب في بخارى كان المغامر الكبير فايز الله حجاييف، الذي سافر إلى موسكو وتحدث هناك مع سفيردلوف، وأكد له ولبلاشفة طشقند أن سلطة الأمير معلقة على شعرة، وعلى الحمر التوجه إلى بخارى لأن 15 ألف ثائر سيتمردون هناك. وعلى مايبدو كان القيام بذلك ليس صعباً، فعلى أراضي بخارى كانت هناك المستوطنات الروسية: بخارى الجديدة (كاغان)، وتشارجو الجديدة (تشارجو)، وترمذ (كيركي) وكانت خارج سلطة إمارة بخارى، وأقيمت فيها السلطة السوفييتية.
وتحمس لذلك رئيس مجلس مفوضي الشعب كوليسوف وأرسل إلى بخارى بضعة آلاف من جنود الجيش الأحمر مزودين بالمدافع. فقام الأمير سيد عالم خان بالتظاهر وأعلن عن أنه موافق على الإستسلام وتسليم السلطة للجنة الثورية بقيادة حجاييف. ودعا وفداً لإجراء المحادثات في بخارى وأمر بتقطيعهم إرباً إرباً. وأسرع لمغادرة المدينة مع جيشه وانقض على المهاجمين. وبالكاد حرك كولوسوف وحجاييف وبقايا الجيش أقدامهم. وعاشت خيوه بهدوء تحت حماية أهوار قره قوم، وقزل قوم، وأموداريا. حيث لم يذهب أحد إلى هناك حتى ذلك الوقت.
وفي عام 1919 ومن أجل تطهير الطريق في آسيا الوسطى أمام روسيا السوفييتية تم إحداث جبهة تركستان بقيادة ميخائيل فاسيليفيتش فرونزة، وضمت الجبهة القوات الموجودة داخل تركستان. وكان عدد الخصوم متفوق بعدة مرات ولكنهم كانوا مفككين. وواجه فرونزة بشكل مباشر كوزاك الأورال بقيادة الجنرال تولستوف، وكوزاك أورنبورغ بقيادة دوتوف. وفي الشرق قاتل كوزاك سيميريتش. ودافع الحرس الأبيض بقيادة الجنرال ليتفينوف والخاضعين لدينيكين عن ما وراء بحر قزوين. وسيطر الباسماتشي على فرغانة ولم يقتلوا الروس فقط هناك، بل تصارعوا فيما بينهم بسبب الظروف الصعبة. ووقع أمير بخارى الذي هزمه الحمر على اتفاقية سلام معهم على أمل الحصول على مساعدة من الإنكليز لاحقاً. وكانت خيوه في البداية متحالفة مع بخارى وكانت تحت حكم أسفانديار قريب وصديق سيد عالم. وبعد ذلك أزاحه الخان جنيد عن السلطة. وطبعاً اختلفت الدولتان.
وفي البداية سحق الحمر خصومهم على التوالي. وبينما كان فرونزة مشغولاً بعملياته في الأورال، قاد تركستان عضو المجلس العسكري للجبهة كويبشيف. ووجه الضربة الأولى إلى منطقة ما وراء بحر قزوين، وأخرج البيض بقيادة ليتفينوف من عشق آباد، وقيزل أروات. وحاولوا التمركز وبنوا مواقع إلى جانب خط السكك الحديدية، ولكن الحمر قاموا بالتفافات نحو العمق عبر الصحراء ووصلوا إلى تولا. وخطوة خطوة أجبروا البيض على الإنسحاب نحو كراسنوفودسك. ودافع البيض عن مواقعهم لفترة طويلة ولكن لم يستطع أحد تقديم المساعدة لهم ووقعوا في الحصار. وهناك كان من استطاع الإنسحاب بالسفن إلى إيران، بينما استسلم الآخرون.
وموقع الضربة التالية كانت خيوه وشكلت للعملية الموجهة ضدها مجموعة من القوات بقيادة شايداكوف. وساند الحمر كوزاك أموداريا، من قناعتهم أن الروس "إخوتنا"! والخان "غريب". وحتى ذلك الوقت كان جنيد مغتصباً وتسلم كرسي الحكم منذ عدة أشهر مضت. وداخل الخانية كان له الكثير من الخصوم. الذين استخدموا حزب شباب خيوة برئاسة مللوأرزو خوجاماميدوف. وزودوه بالسلاح والمال.
وفي ديسمبر/كانون أول 1919 تمرد شباب خيوه ووجهوا طلب مساعدة إلى الجيش الأحمر التركستاني. وأصدر كويبيشيف أمراً للقوات بدخول حدود خانية خيوه. وتحركت مجموعة شايداكوف عبر نهر أموداريا على متن سفن الركاب والسفن الحربية. وتضمن النداء الذي وزع أثناء الإجتياح: "يا شعوب خيوه نحن نعلم أن جنيد أصبح للكثيرين منكم عدواً ومغتصباً. ونتوجه ضده وحده للحفاظ على السلام الطيب مع الجميع، وكل الذين لا يدعمونه بالكلام والسلاح، ونحن نتمنى ليس كأعداء بل كأصدقاء تلقي الدعم الصادق الطيب من القلب. الموت للسارق جنيد! تحيا خيوه حرة مستقلة!" وانضمت إليهم قبائل ماشيريبوف وشايداروف الرحل المعادية لقبيلة جنيد بسلاحها.
وتم القضاء على قوات خيوه بالقرب من خوجيلي. وبتاريخ 2/1/1920 واحتل الحمر كونيا-أورغينيتش، وبعدها نوفوأورغينيتش. وبتاريخ 1 فبراير/شباط سقطت خيوه. وغادر جنيد إلى قره قوم. ولكن الصراع ضده استمر طويلاً، وتحول إلى زعيم للباسماتشي كواحد من الكثيرين. وتحولت الخانية إلى جمهورية خوارزم الشعبية السوفييتية.
وأنهى فرونزة العملية ضد كوزاك الأورال وأورينبورغ. وأظهر نفسه كقائد حربي رائع، وسياسي حكيم، وشخص نبيل وإنساني. وقبل الهجوم الحاسم سافر إلى موسكو وإستطاع هناك الحصول من لينين على عفو عن المستسلمين. وأثبت أنه بهذه الطريقة يمكن إنهاء الصراع الطويل في صحارى الأورال. وفي نفس الوقت بدأ عملياته الحربية، وعلى هذا الشكل تمكن من كسر الكوزاك. وتوجه الأورنبورجيين مع دوتوف نحو الشرق، إلى سيميريتش ومن هناك إلى الصين. وانسحب الأوراليون في شتاء البوادي والصحارى إلى جبهة أليكساندروفسك، ونقلوا بقايا قواتهم بالسفن إلى فارس المجاورة.
وبعد تلك الانتصارات وصل فرونزة إلى تركستان. وكان على رأس السلطة وليس قائد للجبهة فقط، وممثل مطلق الصلاحية لمفوض اللجنة التنفيذية المركزية لعموم روسيا ومجلس مفوضي الشعب. وهو الذي ولد وترعرع في هذه المناطق، وعرف بشكل رائع التقاليد المحلية. وفهم بشكل جيد أن "الشرق – مسألة حساسة". واستطاع الحصول على إحترام عميق وحقيقي من السكان. وزار الأماكن المقدسة المحلية، وقبر تيمور تيمورلانغ، و"عرش سليمان" في أوش. والتقى مع الشيوخ وبحث معهم المسائل الهامة.
وفي فرغانة بدت الحرب وكأنها دون نهاية. فالقوات السوفييتية احتلت دون مقاومة المدن والقرى، ومع اقترابهم منها غادرها الباسماتشيون، ولكنهم عادوا بعد ذلك مجدداً. ولعبوا على الأجهزة السوفييتية، والمليشيات. وعلى جميع المتعاطفين مع "الكفار". ولكن انتشرت العداوات بين قادة القورباشيين كما في السابق. وتصارعوا على مجالات النفوذ. وتمكن فرونزة من اللعب على ذلك. وبدأ بإستمالة البعض إلى جانبه، وعين القورباشيين قادة للأفواج. وظهر في الجيش الأحمر الفوج الأوزبكي المرغيلاني الأول، وفوج فرسان الترك الأول. وحتى تسميات فرونزة أخذت طابع غرور مؤلم. ولم يكن هناك أي فوج "ثاني"، كلها كانت "الأول". وأصبح بعضها مباشرة قطعات سوفييتية جيدة. ولكنها تصرفت بشكل مخادع، وأظهرت أمزجة مهتزة، ولم يكن هذا خطراً كبيراً. لأن الأفواج وضعت تحت المراقبة. وأحاطت بها قوات مضمونة، وعند الخطر نزع سلاحها واعتقل قادتها.
وأنهى فرونزة المعركة في سمرقند تقريباً بنفس الشكل، كصراع مع كوزاك الأورال. وقام بالهجوم وخلال الإستيلاء على المحطات لم يكن هناك تجاوزات ونهب وإطلاق نار. وتضمن أمر قائد الفرقة بيلوف في هذا المجال: "...كل شيء يتعلق بكم – أو يمكن إنهاء الجبهة، أو دفع الكوزاك نحو حرب جديدة". الكوزاك متعبون جداً من الحرب المستمرة دون آفاق. وأدهشهم تغير سلوك البلاشفة، ولم يصدقوا عيونهم. وقالوا: "الحمر أوقفوا الحرب ضد الكوزاك" – وبدأوا بتخزين أسلحتهم. واستسلمت قلعة كوبال الجبلية الحصينة، التي صدت عدة هجمات. حتى أن جزءاً من القوزاق بدؤوا بالعودة، رغم أنه كان لديهم الوقت الكافي للتوجه إلى الخارج.
ولم تزل هناك بخارى. ومعها كما سبق وأشير وقعت اتفاقية سلام. حتى أن فرونزة قام بزيارة الأمير، وكإشارة لـ"الصداقة" أهداه 4 مدافع (والحقيقة، "نسي" قذائفها). ومع ذلك لم تخدع الأمير "الصداقة" وهو الذي أعطى على أراضيه ملاذاً للباسماتشيين، وأطعمهم وسلحهم. وتسكع حول الأمير عملاء البريطانيين، وأجروا محادثات لتنتقل الدولة رسمياً إلى تحت حماية إنكلترا. ولم يوقع سعيد عالم حتى ذلك الوقت على الاتفاقية، فقط لخوفه من أن تكون صفقة سيئة. ولكنه كان يمكنه عدم الشك والتوقيع. وكان يجب الإسراع بذلك...
وفي صيف عام 1920 بدأ فرونزة يستعد للحرب ضد بخارى. وعزز أسطول أموداريا، وبلغ عدد سفنه 38 مع 26 مدفع على متن كل سفينة. وأضاف 6 قوارب وفرقة طائرات مائية أرسلت من سامارة بناء على طلبه. والمهمة الرئيسية للأسطول كانت قطع الطريق بين بخارى وغيرها من دول الشرق، والتي اعتمدت أساساً على الطرق المائية، نهر أمودريا إلى أفغانستان. وعلى هذا الشكل حرم الأمير من إمكانية الحصول الدعم من خارج الحدود.
وأعيد تشكيل الجناح اليساري لحزب البخارية الشباب ليصبح "حزب بخارى الشيوعي". وبلغ عدد أعضائه 5 آلاف شخص، وتولى قيادته فايز الله حجاييف. وأرسلت لهم الأسلحة، والأموال، والمواد الدعائية. وأصبحت المحطات غير الخاضعة للدولة والقرى التي أنشأت على طول السكك الحددية كقواعد للتحضير للهجوم. وفي تشارجو السوفييتية الجديدة عقد مؤتمر لشيوعيي بخارى، وأعلنوا عن هدفهم، القيام بانتفاضة مسلحة. وهنا أيضاً بدأ في القرى غير الخاضعة لسلطة الدولة تشكيل "جيش بخارى الأحمر". وحتى أغسطس/آب وصل عدد أفراده نحو 7 آلاف شخص. وبتاريخ 12 أغسطس/آب أصدر فرونزة أمراً كما كان من المنتظر "قيام شعب بخارى على طريق المعركة المفتوحة ضد الأمير".
وحصل سيد عالم على إشارات تنبؤ بالخطر، ولكنه تعامل معها باستهتار إلى حد ما. آملاً أن يتمكن من التعامل مع الأوضاع. لأنه في الواقع وكما حصل في الحرب السابقة أخرجوا الحمر بسهولة كالغبار! وعلقوا رؤوسهم على الآوتاد! وكما كان واضحاً لم يلاحظ الأمير تدهور الأوضاع. ففي البداية منع المواطنين السوفييت من تخطي حدود مناطق سكنهم. وبعدها أمر بردم الجداول التي تزود مناطق سكن الروس غير الخاضعة للدولة بالمياه ومنع فلاحيه من حمل المنتجات إلى هناك. وأعلن التعبئة العامة. وكان عدد جيش بخارى يبلغ نحو 60 ألف شخص، مع الباسماتشيين، ومفارز البكوات التابعين له (معتبراً، أنهم باسماتشي).
وبلغت قطعات النخبة في الجيش النظامي للأمير 16 ألف حربة وسيف. وجمع فرونزة ضدهم 17 ألف جندي أحمر، إضافة لـ 7 آلاف من "جيش بخارى الأحمر". ولكن جاهزيتهم القتالية كانت موضع شك، وقسم كبير منهم كانوا عبارة عن حشد فوضوي. ولكنهم كانوا يشكلون أهمية للـ"تمثيل"، وكانوا كافين لتغطية المناطق الثانوية. وتفوق الجانب السوفييتي كان بالطائرات والمدرعات والمدفعية الجيدة. وحتى الجنود مع خبرة حرب أو حربين. ومع ازياد التوتر أمر الأمير جنوده بتفكيك "مصدر كل البلاوي" طريق السكك الحديدية ولكن القطارات المدرعة للحمر كانت عليها ومنعت بإطلاق النار كل محاولات الإقتراب من السكك الحديدية. واختار فرونزة محطة نوفي كاغان التي تبعد عن مدينة بخارى مسافة 20 كيلو متر نقطة إنطلاق لتركيز حشد قواته.
وبتاريخ 28 أغسطس/آب بدأ تنفيذ السيناريو الموضوع. الشيوعيون البخارية بدأوا بالإنتفاضة في بازار السكر بالقرب من تشارجو. ومن تشارجو الجديدة السوفييتية "لمساعدة الإخوة" مباشرة بدأ "الجيش الأحمر البخاري"بالهجوم. ومن دون قتال سيطروا على تشارجو القديمة، وبعدها شهريسابز، وكيرمان. وبسرعة أعلنوا تأسيس الحكومة التي طلبت المساعدة من تركستان السوفييتية. وهنا كاد حدوث خلل! فقد وقف تروتسكي فجأة ضد الحملة. وفي اللجنة المركزية التركستانية أثار مناصريه والقوميين فضيحة. واتهموا فرونزة وكويبشيف بالمغامرة. وصرخوا بأنهم "بأعمالهم تلك أثاروا البخارية للهجوم".
ولكن لم تستطع مثل هذه الإحتجاجات والمحاولات تعطيل حملة ميخائيل فاسليفيتش. ووقفت قطعاته عند مواقع الهجوم، وأعطى أمراً تضمن: "في صفوف البخارية المحليين بدأت حركة ثورية. القطعات التي ولدت من الجيش الأحمر البخاري تقدمت لمساعدة شعبها الأصيل. وعلى القطعات الحمراء والعمال والفلاحين الروس الوقوف إلى جانبهم. وأمر كل القوات المسلحة بتقديم المساعدة للشعب البخاري في ساعة الحسم...".
ومساء 29 أغسطس/آب تقدمت قطعات الحمر نحو الأمام. ولم يكن تمركزهم في كاغان الجديدة صدفة. وبقفزة واحدة وصلت القوات إلى أسوار مدينة بخارى. وخلال بضع ساعات من بداية الحرب تم قطع الأمير عن تابعيه! وقطعت عن العاصمة الوحدات العسكرية التي أرسلها سيد عالم للقضاء على الإنتفاضة. وفي صباح اليوم التالي بدأ الهجوم. والدفاع كان مهياً جيداً، وهيأت المواقع بشكل مبكر. والقلعة كانت قوية. وأحاطت بالمدينة الأسوار الطينية بإرتفاع 5 أمتار مع 11 بوابة و130 برج.
ولم تستطع قذائف مدفعية الميدان فتح ثغرات في الجدار، ولم يحرز اليوم الأول من الهجوم أي نجاح. ولو أن القتال في بعض المواقع وصل للإشتباك بالأيدي، وتم صدهم في كل الأماكن. وبلغت الخسائر أكثر من 550 شخص. وبتاريخ 31 غسطس/آب أحضرت مدافع إضافية وبدأت بالقصف الشامل. وبقي كويبشيف في طشقند وعمل على إرسال كل ماهو ضروري بشكل سريع إلى الجبهة. وأرسل الاحتياطيات التي طلبها فرونزة، لواء المتربين، ومركبات مدرعة.
وحتى المساء تمكنوا من إحداث ثغرة في الحائط. وخلال الليل أغلقها البخاريون، ومع ذلك بدأ هجوم جديد في اليوم التالي. والمركبات المدرعة سارت تحت أسوار المدينة، دون التعرض لخطر المدافعين. وفي أحد الأماكن وتحت حمايتها فجر سلاح المهندسين السور. ومن خلال الفجوة اندفعت فرقة الوحدت الخاصة ... وحتى الساعة الـ 6 وتحت دعم مدفعي قوي احتلوا بوابة مزار شريف. وفي الساعة الـ 10 احتلت قطعات لواء التتار بوابة قارشي. وانتقل القتال إلى الشوارع. واشتعلت النيران في المدينة، وهرب السكان. ومن تبقى من المدافعين تحصنوا داخل القلعة – أرك.
وبتاريخ 2 سبتمبر/أيلول بدأ الحمر اجتياح القلعة. وبعد معركة استمرت 12 ساعة وقعت القلعة في أيديهم. وغادر الأمير المدينة ليلاً عبر البوابة الشمالية، التي لم تزل حرة وهرب إلى قرية دوشمبة. وفي هذا الوقت أعلن أنه يوافق على إعطاء الإمارة جنسية بريطانيا العظمى. ولكنه تأخر بذلك قليلاً. وعملياً لم يعد لهذا التصرف أية عواقب، لأن سيد عالم فقد السلطة واقعياً، وفقد دولته. ومكان الإمارة شكلت جمهورية بخارى السوفييتية الشعبية. وكانت حكومتها من مجلس النظراء الشعبيين، وترأسها فايز الله حجاييف البالغ من العمر 24 عاماً. وإلى جانبه كان السفير المفوض السوفييتي ف.ف. كويبيشيف. الذي نظم وصحح سياسته. أما الجيش الأحمر البخاري فبدأ الكفاح ضد الباسماتشيين.
فاليري شامباروف. 25/8/2015
المصدر: الصفحة الإلكترونية زافترا. العنوان الدائم للمقالة باللغة الروسية: http://www.centrasia.ru/newsA.php?st=1440572160