الأربعاء، 13 مايو 2020

تأثير اللغة على نماذج الاتصال

تأثير اللغة على نماذج الاتصال
تأثير اللغة على نماذج الاتصال


كتبها: أ.د. محمد البخاري.
تأثير اللغة:
للغة تأثير كبير على الإدراك، لارتباطها بتفكير الإنسان وإدراكه ووجوده. فاللغة تملي على الإنسان الطريقة التي يرى من خلالها العالم ويفسر وجوده وتجاربه فيها.
واللغة لا تعيد تقديم التجارب فقط، بل تشكل تلك التجارب. والفرد يختار منبهات معينة من العالم الذي يحيط به، ثم يفرض تصنيف لتلك المنبهات في فئات، تتكون من التجارب السابقة التي مر بها وتعتمد على اللغة والخلفية الثقافية. واللغة لا تستخدم بشكل علمي، بل تستخدم بشكل فيه قدر كبير من الذاتية، وقدر كبير من الفرض والإجبار، مما يجعل من عملية الفهم والاتصال بين الأفراد والجماعات والشعوب أكثر صعوبة.
واللغة لا توازي الواقع بل تحاول وضعه في إطار قابل للاستخدام. وقد تضللنا اللغة عندما نقوم بتجريد ما ندركه جزئياً دون أن نفهم أن الجزء لا يمثل الكل.
وتصورنا للعالم متصل بشكل عضوي بلغتنا وبالفئات التي نستخدمها في تصنيف مدركاتنا. وما نقوله لأنفسنا عما ندركه، يخضع بشكل مباشر لسيطرة عادات استخدامنا للغة.
ولهذا فالاتصال يتأثر بشكل مباشر بعادات استخدام اللغة، وبهذا تصبح اللغة جزءاً لا يتجزأ من هذه العملية.
نموذج وايزمان وباركر:
يعتمد نموذج وايزمان وباركر على أن الكائن الحي يتأثر بمنبهات داخلية، سيكولوجية وفسيولوجية، مثل:
- القلق
- والجوع.
ومنبهات خارجية، ملموسة تحيط بالإنسان، مثل:
- إشارة المرور،
أو لاشعورية، مثل:
- الموسيقى التصويرية التي تصاحب مشهداً سينمائياً،
وتنتقل هذه المنبهات على شكل نبضات عصبية إلى العقل، الذي يختار بعضها ويفكر بها تمهيداً لاتخاذ قرار بعد عملية تمييز تجري خلال التفكير، وبعد إعادة ترتيب المنبهات التي اختارها العقل خلال مرحلة التمييز، يتم ترتيب هذه المنبهات في إطار له معنى عند الفرد القائم بالاتصال.
وبعد تجميعها في إطار معين يتم تفسير الرموز التي تم تمييزها ويقوم القائم بالاتصال بتحويلها إلى رموز فكرية لها معنى. فإذا كان القائم بالاتصال يقرأ كتاباً، وهو جالس في الحديقة فإنه يتعرض إلى منبهات عديدة، يقوم عقله بفك رموزها، مثل:
- إحساس يديه بنوعية ورق الكتاب،
- أو عدم الراحة،
- أو الكتلة الهوائية المحيطة به،
- أو حرارة الشمس المرتفعة.
وبعد اختيار المنبهات، ينتقل العقل إلى التفكير والتخطيط وترتيب الأفكار، وربط الدلالات التي تتصل بالمعرفة والخبرة السابقة، وبعد تجميع وتقييم المعلومات التي لها علاقة بالمسألة المهمة، يقوم العقل بإعداد رسالة لإرسالها أو نقلها.
ومن ثم ينتقل العقل لمرحلة التأهب للظهور والاحتضان Incubation التي تتيح الفرصة للأفكار بالنمو والتطور حتى تأخذ أشكالاً واتجاهات مفيدة.
وتتميز هذه المرحلة بأن الدلالات الفكرية قد أصبحت جاهزة لوضعها في رموز لها معنى، ككلمات أو حركات.
وفي مرحلة الإرسال النهائية يتم إخراج الكلمات والحركات التي وضعها القائم بالاتصال في الرموز بشكل مادي ملموس، بواسطة الكلام أو الكتابة أو الحركة... الخ، حتى يستطيع المستقبل تلقيها كمنبهات.
والجانب الآخر من نموذج وايزمان وباركر، هو راجع الصدى أو التأثير المرتد. كسماع الفرد لنفسه عند الكلام في التأثير المرتد الخارجي. أو إحساساته الداخلية في التأثير المرتد الداخلي. ويسمح التأثير المرتد للقائم بالاتصال بتعديل وتصحيح موقفه الاتصالي أثناء عملية الاتصال.
نموذج صامويل بويس:
يعتبر صامويل بويس في نموذجه الإنسان كمفاعل دلالي، ويركز على ما يفعله الإنسان، من خلال أربعة مجالات أساسية للنشاط الإنساني، تتفاعل مع بعضها في آن معاً داخل الإنسان، وهي:
1- المجال الكهروكيميائي: وهو عبارة عن ردود فعل كهربائية وكيميائية في جسم الإنسان.
2- مجال يتحرك ذاتياً: ويشمل الأحاسيس والحركات اللا إرادية لأعضاء جسم الإنسان, والحركات الإرادية له.
3- الشعور: ويشمل العواطف والدوافع والاحتياجات والقيم.
4- التفكير: ويشمل عمليات فك الرموز، والاتصال الذاتي.
والإنسان في نموذج بويس لا يعيش منعزلاً، لأنه محاط بظروف طبيعية متفاعلة دائماً، ومتصلة بالمجالات الأربع أنفة الذكر. والإنسان لا يعيش الحاضر فقط، بل يعود رد فعله الدلالي ويتأثر بردود أفعاله السابقة، ويتأثر بتنبأته المبدئية عن المستقبل. ويفسر هذا النموذج الأسلوب الذي يدرك به الإنسان الظروف المحيطة به، وكيف يفسرها ويتفاعل معها. وكيف يعطي لتجاربه معنى.
نموذج بولدينج:
ويهتم نموذج بولدينج أصلاً، بسلوك الإنسان، الذي يطور وينمي تصور منظم للعالم عند الإنسان، ويخلق لديه بناءاً عاماً له معنى محدد. لأن مدركات الفرد مرتبطة بتجربة الحياة لديه، وكل تجربة جديدة تجد مكانها في التصور الذي تكون عن العالم، وكل تجربة تؤيد التصور الأساسي لديه.
ويتم تفسيرها بإحدى الطرق الأربع التالية:
- إضافة معلومات جديدة إلى التصور الحالي،
- أو تدعم التصور الحالي،
- أو تحدث تعديلات طفيفة على التصور الحالي،
- أو تؤدي إلى إعادة بناء التصور الحالي لواقع الفرد من جديد.
وكل ذلك يعطي تلك المدركات معنى محدداً عن التجربة التي يمر بها الإنسان.
نموذج بارنلند:
يؤكد نموذج بارنلند على حقيقة أن الاتصال له طبيعة دائرية ويسير في اتجاهين من المرسل إلى المتلقي، ومن المتلقي إلى المرسل.
واهتم هذا النموذج إضافة للخصائص البنائية للاتصال:
- المصدر،
- والرسالة،
- والوسيلة،
- والمتلقي،
بالعلاقة الوظيفية للاتصال التي تتحكم بالجوانب التكوينية. ويؤكد أن الاتصال هو عملية، مع التركيز على العلاقات الفعلية التي تدخل في ظاهرة الاتصال.
وأدى تركيز نموذج بارنلند على الوظائف الاتصالية، إلى ازدياد الاهتمام بالإطار الذي يحدث فيه الاتصال، والقالب الاجتماعي الذي يحدث فيه التفاعل. وأكد على أهمية الدلالات المتنوعة التي تؤدي إلى التأثيرات الداخلية والخارجية.
ويرى بارنلند أن نقل المعنى في الاتصال الشخصي هو أمر شديد التعقيد وديناميكي مستمر ودائري، لا يتكرر ولا يرتد. والمعنى يصنعه القائمون بالاتصال عندما يستجيبون للدلالات المادية والسيكولوجية للقائمين بالاتصال الآخرين. بالاشتراك مع دلالات أخرى موجودة داخل الظروف المحيطة والزمن والمساحة.
والدلالات الإدراكية هي:
1- دلالات عامة: مثل درجة حرارة الأشياء، وتنقسم إلى:
أ) دلالات طبيعية: يوفرها العالم المادي دون تدخل الإنسان، الأحوال الجوية من حرارة ورطوبة، وخصائص البصر واللمس، وتمييز الألوان، والظواهر الطبيعية.
ب) دلالات صنعية: ناتجة عن تأثير الإنسان وتعديله للظروف المحيطة.
2- دلالات خاصة: مثل الإحساس بالألم، والطعم، والسماع والمشاهدة بواسطة أدوات خاصة.
3- دلالات سلوكية غير لفظية: وتتكون من الملاحظات التي يصنعها القائم بالاتصال بنفسه.
المقالة التالية نموذج الإنسان كمركز لتنسيق المعلومات