الثلاثاء، 5 مايو 2020

العوامل التي ساعدت على تطوير بحوث الإعلام والاتصال

العوامل التي ساعدت على تطوير بحوث الإعلام والاتصال
العوامل التي ساعدت على تطوير بحوث الإعلام والاتصال


كتبها: أ.د. محمد البخاري.
مع الكساد الاقتصادي الذي سيطر على العالم خلال ثلاثينات القرن العشرين وانتهى باندلاع الحرب العالمية الثانية المدمرة التي استخدمت فيها الولايات المتحدة الأمريكية ولأول مرة في تاريخ الإنسانية القنابل الذرية لتدمير مدن يابانية بأكملها وقتل سكانها الأبرياء، دخلت إلى جانب أسلحة التمير الشامل الإذاعات المسموعة الدولية الموجهة كسلاح من أسلحة التمير الشامل في الحرب استخدمته الدول الكبرى آنذاك إيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية، واليابان، والإتحاد السوفييتي، وبريطانيا العظمى، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، بنجاح كبير.
وبدأت الإذاعات الموجهة الدولية بالبث باللغات الأجنبية كاللغة الإنكليزية والفرنسية والعربية والإسبانية والبرتغالية وغيرها من لغات العالم. بهدف التأثير على عقول شعوب الدول الأخرى، وكسب الرأي العام العالمي لصالح قضاياها ومصالحها في العالم، وهو ما ساعد على تطوير أساليب تحليل المضمون الإعلامي بمختلف الطرق والوسائل كمياً وموضوعياً.
وكان من العوامل الهامة التي ساعدت على تطوير البحوث العلمية الإعلامية والاتصالية آنذاك:
1- ازدياد اهتمام الهيئات الحكومية بالدعاية الأيديولوجية، وتشجيعها على تطوير مناهج البحث وتطبيقها على نطاق واسع لقياس تأثير المادة الإعلامية. وتشجيع دراسات التسويق والإعلان على نطاق واسع.
2- وقلق المجتمعات الديمقراطية من السيطرة السياسية على وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في الإتحاد السوفييتي وألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، واستخدام هذه الدول لها لدعم نفوذها السياسي في الداخل والخارج الوضع الذي استغله بعض علماء الاجتماع لتضخيم قدرات وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في التأثير على العقول والسيطرة عليها.
3- وأدى تركز ملكية وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية، في أيدي قلة من المالكين في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، لاختفاء المنافسة في السوق الإعلامية للمجتمعات الغربية. ورافقها قلق واضح من احتكار وسيطرة أقلية من المالكين لوسائل التوجيه والاتصال والإعلام الجماهيري مما أبرز حاجة لدراسة ظاهرة الاحتكار الإعلامي.
4- ومع اشتداد المنافسة بين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية للحصول على أكبر قدر من الدخل والتمويل عن طريق جذب الإعلانات والدعاية إليها، زادت الحاجة لدراسات قياس تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية كل على حدى ومقارنة تلك الوسائل بعضها ببعض من حيث الانتشار والتأثير الفعلي. ورافقها خلال خمسينات القرن العشرين التركيز على دراسة تأثير الإذاعة المرئية على الأطفال، وتأثير برامج العنف والجريمة على انحراف الأحداث، ودور الإذاعة المرئية في التعليم.
5- وأدى الاهتمام بدراسة التأثير السياسي لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وخاصة أثناء الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى دفع مركز الدراسات الاجتماعية والتطبيقية بجامعة كولومبيا، ومؤسسات البحث العلمي في جامعات ييل، وستانفورد، وآلينوي، للقيام بدراسات لاكتشاف الحقائق عن الدور الذي يلعبه الاتصال الشخصي في المجتمعات المتقدمة، ودور الجماعة في التأثير على أعضائها، وتأثير الإشاعة، وخصائص وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المختلفة. والعمل على تطوير تلك الأبحاث.
ومن الأساليب الشهيرة التي اتبعت خلال ثلاثينات القرن العشرين، كان أسلوب جورج جالوب في قياس اهتمامات قراء الصحف، والذي عرف باسم "أسلوب التعرف" واستخدمته مؤسسة أبحاث الإعلان في دراساتها المستمرة لقراء الصحف في الفترة من عام 1939 وحتى عام 1953 وشملت عينات من قراء 130 صحيفة يومية من جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، ولخصت نتائجها في 138 تقريراً. وشملت "الدراسة المستمرة" تطور الإعلانات في الصحف، وأسلوب تحرير الصحف بشكل عام، وجمعت معلومات كبيرة عن قراء الصحف، والمواد الأكثر قراءة في الصحف وأدى تكرار هذه الدراسات إلى تراكم المادة العلمية وتطوير أساليب البحث المتبعة. وطور كلاً من: سوانسون، وجونز، وبلدو أساليب علمية لقياس اهتمامات قراء الصحف، وابتكروا طرقاً سهلة لتسجيل وتفريغ البيانات.
6- وفي النصف الثاني من القرن العشرين بدأت خطوات تعاون بين مؤسسات التعليم العالي وهيئات البحث العلمي في مجال الدراسات الإعلامية، ومن أبرزها كان البحث الذي موله معهد الصحافة الدولي في زيورخ IPI ودرس طبيعة الأخبار الدولية في عينة من صحف الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا الاتحادية، وبريطانيا، وفرنسا، وهولندا، وبلجيكا، وسويسرا، والسويد، والهند. ونشرت نتائجه تحت عنوان "تدفق الأخبار" عام 1953.
وأدى تراكم البحوث الإعلامية إلى ظهور أكثر من خمسين وصفاً لعملية الاتصال الجماهيرية، وإلى وضع نماذج كثيرة تشرح عملية الاتصال الجماهيري، منها:
- النموذج الرياضي لكلود شانون عام 1948؛
- ونظرية الإتصال الرياضية لشانون وويفر.
وتجنبت الأبحاث دراسة الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام الجماهيرية، رغم أن الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام الجماهيرية هو الأساس لمعرفة دور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في إقناع الجماهير في أي مجتمع من المجتمعات. ورغم استخدام أساليب التحليل الوظيفي في دراسة طبيعة ودور الإتصال الجماهيري على الفرد والمجتمع في الإتحاد السوفييتي السابق.
الاتجاه السياسي للدراسات الإعلامية:
يعتبر عالم السياسة الأمريكي هارولد لازويل، الذي تدرب ومارس التدريس في جامعة شيكاغو، وعمل لسنوات طويلة في جامعة ييل، ممثلا للاتجاه السياسي الذي اهتم باستخدام تحليل المضمون كأسلوب من أساليب القياس في الدراسات الإعلامية. وقد درس لازويل الدعاية الأيديولوجية ودور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في المجتمعات والدول، والنفوذ السياسي للقائمين بالاتصال، وتحليل المضمون على أسس علمية. ومن الموضوعات التي اهتم لازويل بدراستها:
- وظيفة الإتصال في المجتمع.
- علاقة الإتصال بالحكومات.
- السلطة ممارستها وتوزيعها.
- عوامل الإشراف والسيطرة على وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
- استخدام الحكومات وسائل الاتصال كأداة سياسية.
- مقارنة نظم الإتصال بين الثقافات والدول المختلفة.
- اقتصاديات وسائل الاتصال والإعلام.
- طبيعة عمل القائمين على عملية الاتصال.
- مضمون وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
ومن بين الذين درسوا عملية التحضير للاتصال السياسي دانيل لونر، ولوشيان باي. ودرس كلاً من أثيل دوسولا بول، وكارل دويتش أنظمة الاتصال في الدول النامية من خلال دراستهم للإعلام الدولي.
المقالة التالية: الاتجاه السيكولوجي والاجتماعي للدراسات الإعلامية.