أ.د. محمد البخاري: العلاقات العامة كوظيفة من وظائف التبادل الإعلامي الدولي
27 من كتابي
"التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة".
27
العلاقات
العامة كوظيفة من وظائف التبادل الإعلامي الدولي
ومن المعروف أن الوظيفة الدولية للتبادل الإعلامي الدولي، تعتبر شكلاً من أشكال وظائف العلاقات العامة الدولية. وبدأ الإعلام بالظهور كوظيفة من وظائف العلاقات العامة الدولية المعاصرة إثر قيام عصبة الأمم في مطلع القرن الماضي
بالتعامل مع هذا المفهوم،
وتأصل هذا المفهوم بعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة إثر الحرب العالمية الثانية، والمنظمات الدولية الأخرى. ويقوم الموظفون الدوليون العاملون في الجوانب الإعلامية، بخدمة أهداف المنظمة التي يعملون في إطارها، ولا يتلقون أية تعليمات من مصادر أخرى، متمتعين بالموضوعية والحياد، من خلال الإدلاء بالتصريحات الصحفية، وإصدار البيانات، ونشر الوثائق، وإلقاء المحاضرات، والعمل في المكاتب الإعلامية التابعة للمنظمة الدولية المعنية في مختلف دول العالم. وتعتبر المراكز الإعلامية لمنظمة الأمم المتحدة في أنحاء العالم، أداة لنشر وإبراز نشاطات المنظمة. وقد أصدرت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة قراراً بتاريخ 1/2/1946 تضمن قيام الأمين العام للأمم المتحدة، بوضع تنظيم إداري يمكنه من أداء المهام الموكولة إليه، وكانت إدارة الإعلام واحدة من بين ثماني إدارات شملها ذلك التنظيم، وأشار القرار المذكور إلى إنشاء مكاتب فرعية للإعلام، وبالفعل تم إنشاء مركز للإعلام تابع لمنظمة الأمم المتحدة في عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية واشنطن عام 1946، وفي عاصمة الاتحاد السوفييتي السابق موسكو عام 1947، وتزايد عدد تلك المكاتب تباعاً في مختلف العواصم العالمية.
كما
وأصدرت
الجمعية
العامة
لمنظمة
الأمم المتحدة القرار رقم 595 بتاريخ 4/2/1952، طالبت فيه إدارة الإعلام بالمنظمة بوضع برنامج لعمل المنظمة في المجال الإعلامي، آخذة بعين الإعتبار النواحي الإقليمية واللغوية، وكلفت الإدارة بإنشاء شبكة من المراكز الإعلامية في مختلف دول العالم، للوصول إلى شعوب الأمم المتحدة، لتقوم: بنشر رسالة منظمة الأمم المتحدة؛
وتغطية نشاطاتها ومنجزاتها إعلامياً؛
وتسليط الأضواء على دور منظمة الأمم المتحدة في حل القضايا الدولية من خلال: المواد الإعلامية التي يمكن توزيعها؛
وتوفير المراجع الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة في مكتباتها؛
والتنسيق مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في العواصم الموجودة فيها.
ووافقت
الجمعية
العامة
لمنظمة
الأمم المتحدة عام 1962 على برنامج منظمة اليونسكو الخاص بتقديم المساعدة لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في الدول النامية، تأكيداً لدورها في مجال التبادل الإعلامي الدولي. بعد أن كان دورها محصوراً بتقديم المساعدة لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في الدول التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، وتدعيم التدفق الحر للمعلومات والأفكار والتعليم، بعد مؤتمر لندن الذي انعقد خلال الفترة من 1 وحتى 16/11/1945، وحضره مندوبون عن 45 دولة، وأسفر المؤتمر عن قيام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة UNESCO المتخصصة بمسائل التعاون الدولي بين الحكومات، في ميادين الثقافة والفكر.
وقامت
منظمة اليونسكو في أواخر الأربعينات من القرن العشرين، باستطلاع الاحتياجات التكنولوجية والتعليمية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، بعد أن أوفدت لهذا الغرض 29 باحثاً ميدانياً، تجولوا في 126 دولة مدن دول العالم، وتبادل المسؤولون في منظمة اليونسكو الرسائل مع شخصيات في 31 دولة. وظهرت بالنتيجة الحاجة للاهتمام بتدريس مادة الصحافة، وتوفير الوسائل السمعية والبصرية اللازمة لها، وضرورة قيام الحكومات بحل مشاكل الاتصال، وتقديم المساعدة لعدد من الدول لتطوير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية فيها، والإهتمام بربط حرية الإعلام بالتشريعات الإعلامية في دول العالم. وقامت منظمة اليونسكو بتشكيل لجنة مكونة من ستة عشر خبيراً دولياً بارزاً، ينتمون إلى أقاليم جغرافية وثقافية مختلفة لدراسة مشكلات الاتصال والإعلام. وترأس اللجنة العالم الايرلندي ماكبرايد، الحائز على جائزة نوبل للسلام. ونشرت منظمة اليونسكو تقرير هذه اللجنة بخمس عشرة لغة، تحت عنوان: "أصوات متعددة، وعالم واحد". وقد بحث التقرير بشكل مستفيض العلاقة بين عملية الاتصال والمجتمع، ببعديها التاريخي والمعاصر. وكذلك في إطارها الدولي، كما وبحث التقرير أوضاع عمليات الاتصال في عالم أواسط القرن العشرين، من حيث سماتها والإشكاليات التي تطرحها، وهموم مهنة الاتصال والإعلام وإطارها المؤسسي والحرفي …
الخ. وناقش التقرير ضمن العديد من القضايا، قضية احتكار بعض وكالات الأنباء العالمية للرسالة الإعلامية، وما تمارسه من سيطرة إعلامية تحمل في طياتها، خطر غزو ثقافي من نوع جديد، وتشويه مضمون الرسالة الإعلامية ذاتها، وسريانها بإتجاه واحد، قد لا يعبر عن الحقائق الموضوعية بالضرورة.
وحدد
التقرير
الأسس والقواعد التي يتعين أن يقوم عليها نظام إعلامي جديد أكثر عدلاً وقدرة على خدمة السلام والتنمية البشرية والتقدم في العالم، ومن أهمها: استئصال أوجه الخلل وعدم التوازن أو التكافؤ التي يتميز بها الوضع القائم في ذلك الوقت؛
والقضاء على الآثار السلبية للاحتكارات العامة والخاصة والتركيز الزائد في وسائل الإتصال والإعلام؛
وضمان تعدد مصادر الإعلام، وحصانة الإعلاميين... الخ؛ واحترام الذاتية الثقافية، وحق كل أمة في إعلام الرأي العام العالمي بوجهة نظرها، وبمصالحها وطموحاتها وقيمها الإجتماعية والثقافية؛
وإحترام حق كل الشعوب في المشاركة في عملية التبادل الإعلامي الدولي، على أساس من التوازن والتكافؤ والمصالح المتبادلة؛
وحق الجمهور والفئات الإجتماعية والإثنية، في الوصول إلى مصادر المعلومات، والمساهمة النشيطة في عملية الاتصال.
وأثار
هذا التقرير عند مناقشته في كل من المجلس التنفيذي، والمؤتمر العام لمنظمة اليونسكو جدلاً صاخباً، وخصوصاً عندما حاولت الدول النامية أن تترجمه إلى برامج وسياسات تضطلع بها منظمة اليونسكو أو إلى قواعد واجبة الاحترام من جانب الاحتكارات العالمية. ورأت فيه بعض الدول وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومعظم وكالات الأنباء العالمية، محاولة لتقويض حرية الإعلام والإعلاميين. لكن أياً كان الأمر فإن ما يهمنا هنا هو التأكيد على أن الخصوصيات والذاتيات الثقافية والحضارية، أصبحت في صلب مسألة التبادل
الإعلامي الدولي
التي يتوجب التوقف عندها طويلاً حتى الآن رغم مرور فترة زمنية طويلة والتطور العاصف في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في القرن الحادي والعشرين.
وقامت
منظمة اليونسكو بإصدار العديد من المطبوعات عن حرية الإعلام والتبادل الإعلامي الدولي ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في العالم. وأصدرت عام 1952 سلسلة "تقارير وأراق الإعلام الجماهيري"، وحتى عام 1970 أصدرت المنظمة 600 دراسة عن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في المناطق الريفية والنامية، وعن دور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في التعليم، وإعداد الكوادر الصحفية، ومعلومات إحصائية عن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ووسائل الاتصال، والاتصال عبر الأقمار الصناعية، وفي عام 1955 شكل الأمين العام للأمم المتحدة، لجنة خبراء لدراسة أنشطة منظمة الأمم المتحدة خارج مقرها، بما فيها النشاطات الإعلامية. ودعت تلك اللجنة منظمة الأمم المتحدة لتوجيه اهتمام أكبر لمراكز الإعلام التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في الخارج. وقدمت منظمة اليونسكو مساعدات ملموسة لإنشاء مراكز التدريب الصحفي في أنحاء مختلفة من العالم، ومنها: المركز الدولي للتعليم العالي الصحفي في استراسبورغ، الذي بدأ التدريس فيه عام 1957؛ والمركز الدولي للدراسات العليا في الصحافة بأمريكا اللاتينية، الذي أفتتح في كيوتو Quoit عام 1959؛ ومركز دراسات الإعلام الجماهيري في جامعة داكار بالسنغال، لتدريب الكوادر الصحفية الإفريقية الناطقة بالفرنسية؛
ومعهد الإعلام الجماهيري في جامعة مانيلا بالفلبين؛
ومعهد الإعلام في بيروت بلبنان؛ ومعهد الإعلام في أنقرة بتركيا؛ ومعهد الإعلام في نيودلهي، بالهند.
ونتيجة
لجهود منظمة اليونسكو تم تأسيس: المنظمة الدولية لبحوث الإعلام، في عام 1957؛ والمجلس الدولي للفيلم والإذاعة
المرئية في عام 1959؛ ومعهد دراسة الأفلام في أمريكا اللاتينية بمكسيكو سيتي عام 1958؛ وجمعية جنوب وشرق آسيا للمدرسين في مجال الصحافة عام 1961؛ وإتحاد وكالات الأنباء الإفريقية عام 1963. وفي عام 1959 قام المجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع لمنظمة الأمم المتحدة، بدعوة منظمة اليونسكو لدراسة المساعدات المقدمة للدول المتخلفة في المجال الإعلامي.
ومن
منتصف ستينات القرن العشرين، بدأت منظمة اليونسكو بصب إهتمامها على إستخدام وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، في المجالات التعليمية، وأقرت عام 1964 لهذا الغرض برنامجاً في السنغال مدته ست سنوات، وجه نحو إستخدام الوسائل السمعية والبصرية وغيرها من الوسائل في مجال تعليم الكبار، وشجعت على إستخدام الأفلام والوسائل الإلكترونية الحديثة في التعليم. ولم تزل منظمة اليونسكو تتابع جهودها لزيادة فعالية مساعداتها لمختلف دول العالم المحتاجة للمساعدة في مجال الاتصال والإعلام
الجماهيري، وتشارك في المؤتمرات واللقاءآت الدولية الخاصة بوسائل الاتصال والإعلام
الجماهيري، والاتصال عبر الأقمار الصناعية، وتدعوا دائماً لإستخدام الأقمار الصناعية لأغراض التعليم ونشر المعلومات العلمية والثقافية. وبعد إنهيار المنظومة الاشتراكية والإتحاد السوفييتي السابق، برزت مشكلات جديدة أمام منظمة اليونسكو، في مجال تقديم المساعدة للدول المستقلة حديثاً، لتحديث أطرها الإعلامية، للولوج في عالم الأسرة الإعلامية الدولية، بشكل يضمن التدفق الحر للمعلومات، ويدعم حرية الإتصال والإعلام
الجماهيري في تلك الدول.
وتظل
اليونسكو،
المنظمة
الرئيسية
للحكومات في العالم، التي
يمكن أن تسهم بدور فعال في تهيئة أفضل الشروط لمتابعة الحوار الثقافي بين الثقافات والحضارات في القرن الحادي والعشرين، على ضوء ما تفرضه ثورة الاتصالات والمعلومات، التي لابد وأن تؤدي في النهاية إلى مزيد من الكونية، التي قد تؤدي إلى نجاحات أكثر لدول الشمال المتطورة التي تحتكر اليوم أحدث وسائل الاتصال والإعلام في العالم، في فرض
نوع
من الهيمنة السياسية والثقافية والاقتصادية، ترجح الكفة لسيطرة نموذجها الثقافي والحضاري، وتجعل من الثقافات القومية، ثقافات مغلوبة على أمرها لا طائل لها ولا صوت لها للدفاع عن نفسها، وعن بقائها واستمرارها في الحياة على كوكب الأرض.