السبت، 26 يناير 2019

أحد عشر فناناً في صالة أدونيا حساسيات مختلفة وتجارب تقترح جمالياتها الجديدة

أحد عشر فناناً في صالة أدونيا حساسيات مختلفة وتجارب تقترح جمالياتها الجديدة
طشقند 26/1/2019 أعدها للنشر أ.د. محمد البخاري
تحت عنوان "أحد عشر فناناً في صالة أدونيا.. حساسيات مختلفة وتجارب تقترح جمالياتها الجديدة" نشرت صحيفة تشرين الصادرة في دمشق يوم 19/11/2016 مقالة كتبتها: هدى قدور، وجاء فيها:


تجارب مختلفة من أعمار ومدارس متعددة ضمها معرض صالة «أدونيا»، بمشاركة أحد عشر فناناً تراوحت أعمالهم بين الرهان على اللون واللجوء إلى الخط، وفيما اعتمدت بعض الأعمال على البساطة عند فنانين، عادت لتركز على التفاصيل والتأمل والإغراق في اكتشاف الأشياء لدى آخرين، في هذا المعرض نكتشف تجارب بدأها الفنان خليل الدرويش في مجموعة بورتريهات مرسومة بأسلوب بسيط ومتداخل الخطوط، لكنه يوحي بمكانة أولئك الأشخاص الذين استحضرَهم من الذاكرة كي يقدمهم بلا رتوش أو تلاوين لأنهم خرجوا من العفوية والانفعال إلى سطح العمل الفني كي يذكّرونا بأنفسهم.


لوحات الفنان وليد الآغا المعروف بأسلوبيته الحروفية واعتماده على دهشة اللون في الحصول على مساحات تحمل المعاني البعيدة عبر مزج التباينات في العمل الفني، ذهبت في اتجاه جمالية مختلفة، إذ في الإمكان اكتشاف فضاءات الألوان الحارة مع القاتمة وزرعها بالتدرجات أو بالانبلاجات اللونية المفاجئة، وهو أسلوب اشتهر به الآغا حيث تحضر الحروف غالباً في خلفية العمل الفني أو على الهامش أو إنها تتربع في الواجهة كأنها تتآلف في وحدة عضوية مع اللون.
خلود السباعي حاولت استحضار الوجوه العائمة على بحيرات من اللون بعيداً عن التفاصيل الدقيقة للشخصيات، حيث كان الحشد في كل مرة منهمكاً بتصوير طقس هام من التاريخ تصدره السيد المسيح وإكليل الشوك على رأسه وفي المحيط غابات من الألوان المتجسدة كشخصيات ومدن وتفاصيل تحدق بالحدث الذي يوشك أن يقع؛ وهو المعاناة والحوار مع الناس ومن ثم الصلب.. أسلوبية بانورامية من الوجوه والأجساد ميزت لوحات السباعي وجعلتها تجمع الكثير من الأشكال في بحيرات اللون الموزعة بعناية على سطح العمل الفني، حيث على المهتم أن يفكك التقاطعات ليحصل على الغابات الشائكة من الأفكار والجماليات التي اشتغلت عليها السباعي في هذا المعرض.. التواتر بين بساطة البورتريه المرسوم بالأبيض والأسود على شكل خطوط عند خليل الدرويش، والاحتمالات اللونية الواسعة عند وليد الآغا وخلود السباعي، يصل إلى احتمالات مغايرة في اللوحة حملتها أعمال الفنان أيمن الدقر الذي قدم بانوراما غنية بالأبيض والأسود المضيء بلطخات مضيئة من اللون المقصود منه إحداث انبلاجات تشبه الفجر عندما يسقط على رؤوس شخصيات مغرقة في التأمل ومستمتعة بالسكينة.


اللافت في أعمال الفنان الدقر حضور الشخصيات المستغرقة والمغمضة التي تتجاور كأنها في حشد معين وفي محيط العمل والخلفية الكثير من المفردات والتفاصيل الدقيقة المرسومة بعناية فائقة والتي ميزت تجربة الدقر في هذا النوع من التقنيات.
في لوحة حملت عنوان «الحياة الأوغاريتية» رسمت الفنانة لينا ديب مفردات الحياة في تلك المرحلة التاريخية على شكل تفاصيل وأشكال تصور احتمالات المدن الأوغاريتية بطقوسها وسلوك سكانها في مختلف الشؤون، مستخدمة الطباعة إضافة إلى تقنيات مختلفة في العمل الفني بشكل جعل الأعمال تتشابه مع المكتشفات القديمة التي تكتشف في المواقع الأثرية والتي تصور أحداثاً جساماً حدثت في مختلف العصور..
الاحتمالات اللونية في أعمال الفنانة عناية البخاري أخذت الأشكال الهندسية المتشابكة التي تشير تقاطعاتها إلى المدن والطبيعة مع الحرص على الوصول إلى انفعالات في المشهد عبر اللون الذي ظهر في أماكن كأنه يحمل شخصيات متلاشية مع التقاطعات في حين كان اللون هو الغاية في أعمال أخرى قدمت لقطات جمالية عبر التقارب والتناقض، الاتحاد والنفور بين الألوان التي تركت تفاعلاتها قواسم مشتركة تثير الأسئلة في كل لوحة من أعمال الفنانة بخاري.
في أعمال أخرى ضمها المعرض، كان للوحات الفنان نذير إسماعيل البصمة المختلفة في تعميق الدهشة إلى جانب أعمال أخرى قدمها أيضاً الفنان زهير حسيب، هذان الأسلوبان ظهرا وكأنهما يراهنان على جوانب متناقضة من الشخصيات، فحسيب استند إلى المرأة في مشهدية مختلفة قدمتها كل لوحة، أما إسماعيل فذهب عبر أسلوبه الشهير باتجاه الغرابة في استحضار الوجوه كأن على رؤوسها الطير، ورغم أن المقصود لم يكن رسم بورتريهات لأحد، إلا أن إسماعيل كان يرسم في تجربته كل الناس مجتمعين، إذ إن كل فرد يرى نفسه ضمن الكادر وتلك ميزة تفردت بها تجربته المتميزة على هذا الصعيد. بالمقارنة مع المرأة التي تكاد تكون نفسها في لوحات زهير حسيب الثلاث المشاركة، فإن الجماليات العالية في وجه المرأة المتأملة والساكنة أو المنتظرة إضافة إلى المحدقة بثقة، أعطى بعداً آخر للوحات المتجاورة مع بعضها في احتمالات اللون والفكرة، وكان الانتقال إلى حروفيات محمد غنوم الشهيرة بمنزلة فضاء مختلف يحضر في المعرض، حيث الغابات اللونية من الحروف المتداخلة بشكل جمالي تحمل احتمالات الحرف العربي لنقرأ كلمات مثل «الله، دمشق، حُبّ» باحتمالات لونية متداخلة تنسجم مع دلالات اللفظة، وهي ميزة اشتغل عليها غنوم في تجربته الطويلة على هذا الصعيد، حيث تتآلف معاني اللغة مع التعبير اللوني لخلق جماليات غير متوقعة للحرف والتلوين في وقت واحد.. في هذا الفضاء اللوني المتنوع، فإن الأعمال الخزفية للفنانة صريحة شاهين أخذت الاحتمالات الجمالية إلى أفق مختلف من الكتلة والفراغ للتمتع بمشاهدة من نوع مختلف عن السطوح الملونة في اللوحات، ليعود الخط البياني إلى لوحات خير الله الشيخ سليم الذي اشتغل على بورتريهات لأشخاص معروفين مثل المهرج ولمجموعة وجوه قسّم من خلالها اللوحة إلى عدة مربعات حملت اختلاف الجسد مع تقدم العمر والانقلابات التي يحدثها الزمن عندما يغير العيون وتقاطيع الوجه ويسحب الجماليات بشكل هادىء ورصين..
في معرض أدونيا الأول، حشد من الألوان والتجارب الفنية المنتمية إلى أجيال وأسلوبيات مختلفة، ربما تكون فاتحة لمشهدية جديدة تثري التشكيل السوري وتترك بصمة مختلفة في الفضاء.
تصوير- محمد فندي