السبت، 5 سبتمبر 2009

مبادئ الصحافة الدولية والتبادل الإعلامي الدولي 1 من 2

وزارة التعليم العالي والمتوسط الفني بجمهورية أوزبكستان
معهد طشقند العالي الحكومي للدراسات الشرقية
الدكتور محمد البخاري
مبادئ الصحافة الدولية والتبادل الإعلامي الدولي 1 من 2
طشقند - 1997


المحتويات:
المقدمة.
الفصل الأول: وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية: الصحافة المطبوعة؛ الصحافة المسموعة ( الراديو )؛ الصحافة المرئية ( التلفزيون )؛ الصحافة الدولية؛ وظائف الصحافة الدولية؛ مشاكل الصحافة الدولية؛ الصحافة الدولية والصراعات الدولية.
الفصل الثاني: التبادل الإعلامي الدولي في إطار العلاقات الدولية: الصحافة الدولية في إطار السياسة الخارجية للدولة؛ التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة من وظائف المنظمات الدولية؛ التبادل الإعلامي الدولي والتفاهم الدولي؛ مشاكل التبادل الإعلامي الدولي: المعيقات السياسية لعملية التبادل الإعلامي الدولي؛ المعيقات الاقتصادية لعملية التبادل الإعلامي الدولي؛ خصائص التبادل الإعلامي الدولي؛ الاحتكار والتبادل الإعلامي الدولي؛ تأثير التبادل الإعلامي الدولي على أصحاب القرار.
الفصل الثالث: التدفق الإعلامي الدولي والتبادل الإعلامي الدولي: التدفق الإعلامي الدولي من وجهة نظر تحليل المضمون؛ التبادل الإعلامي الدولي وتكوين وجهات النظر؛ التبادل الإعلامي الدولي والتعاون الدولي؛ أساليب وتقنيات وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية؛ الجوانب الثقافية للتبادل الإعلامي الدولي؛ فاعلية التبادل الإعلامي الدولي؛ وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية كمصدر للتبادل الإعلامي الدولي؛ عناصر الاتصال.
الفصل الرابع: نظريات الصحافة الدولية: نظرية خضوع الصحافة للسلطة المطلقة؛ نظرية الصحافة الحرة؛ النظرية الاشتراكية للصحافة؛ نظرية المسؤولية الاجتماعية للصحافة؛ نظرية المسؤولية العالمية للصحافة.
الهوامش.
المقدمة: الحديث عن التبادل الإعلامي في حياة الأمم المعاصرة، وفي ظل النظام الدولي الراهن أصبح واحداً من أكثر الموضوعات إثارة للاهتمام، وذلك نظراً للإمكانيات الهائلة القائمة والمحتملة للتبادل الإعلامي الدولي على ضوء التطور الهائل لوسائل الاتصال الإليكترونية. التي تنبأ لها البروفيسور الياباني يونيجي ماسودا: بأن تمكن الإنسان في نهاية القرن الحالي من الحصول على أية معلومات يريدها بمنتهى السرعة واليسر والسهولة.
وهو ما حدث فعلاً عبر شبكات الكمبيوتر العالمية، والقنوات التلفزيونية الفضائية، ووسائل الاتصال الأخرى من فاكس وتلكس... الخ والتي أصبحت تستخدمها وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية فعلاً لمخاطبة العقول أينما كانـت، ومهما تباينت، وبأية لغة يفهمها الإنسان المعاصر الذي تميز بسعة الأفق والمعرفة التي وضعتها بين يديه وسائل الإعلام الجماهيرية أينما كان.
وسمحت تقنيات الاتصال الحديثة للتدفق الإعلامي أن يكون تبادلاً إعلامياً دولياً، تسيطر فيه الدول المتطورة من خلال إمكانياتها المادية والتقنية. في نفس الوقت الذي تستطيع فيه أية دولة أو أية جماعة مهما كان حجمها وإمكانياتها من ولوج عالم التبادل الإعلامي الدولي بالحرف والصوت والصورة.
وقد التفتت الدول والتجمعات الدولية، بعد أن تجلت لها حقيقة ثورة المعلومات خلال العقود الثلاثة الماضية، إلى التركيز على أهداف ووظائف التبادل الإعلامي الدولي، بعد أن كان مجرد مطالبة بتحقيق العدالة في التدفق الإعلامي الدولي، وردم الهوة بين الدول المتطورة والغنية، والدول الأقل تطوراً والمتخلفة والفقيرة.
وأصبح اليوم المدخل لدراسة مشاكل الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي، تدارس قضايا الإعلام والاتصال، والسعي لإقرار نظام عالمي جديد للتبادل الإعلامي الدولي، يهدف أساساً إلى الحد من اختلال التوازن بين الدول المتقدمة والدول النامية.
وقد تناولت بهذه الدراسة موضوع الصحافة الدولية والتبادل الإعلامي الدولي لسد شيء من حاجة طلاب كليات الصحافة، وأقسام الصحافة الدولية، والعلاقات الدولية للمراجع في هذا المجال.
وتناولت في الفصل الأول: الصحافة الدولية، المطبوعة، والمسموعة، والمرئية. إضافة لوظائف ومشاكل ودوافع الصحافة الدولية.
وفي الفصل الثاني: تناولت موضوع التبادل الإعلامي الدولي في إطار العلاقات الدولية، والسياسة الخارجية للدولة، ومشاكل التبادل الإعلامي الدولي ودوره في التفاهم الدولي.
أما الفصل الثالث: فقد تناول فيه التدفق الإعلامي الدولي، والتبادل الإعلامي الدولي ودورهما في التعاون الدولي وتكوين وجهات النظر، وفاعلية التبادل الإعلامي الدولي من جوانبه الثقافية والتقنية.
وتناولت في الفصل الرابع: عرضاً موجزاً لأكثر النظريات الإعلامية انتشاراً في العالم.
آملاً أن يكون هذا الجهد العلمي المتواضع ذخيرة تمد الباحثين وطلاب الصحافة والعلاقات الدولية، للاستفادة منها في دراساتهم وبحوثهم عن الإعلام والاتصال.
د. محمد البخاري طشقند في 28/7/1997
الفصل الأول: وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية.
1/1- الصحافة المطبوعة: تعد الصحف من أقدم وسائل الإعلام في العالم على الإطلاق، فقد سبقت منافستيها الإذاعة المسموعة والمرئية بعدة قرون. وللصحف خصائص تميزها عن سواها من وسائل الإعلام الجماهيرية، فالصحيفة لا تستطيع نقل الأخبار بتلك السرعة التي تنقلها بها الإذاعة، ولا يمكنها نقل وتقريب الواقع كما فعله الإذاعة المرئية، ولكنها تقوم بذلك بشكل متميز جعل من الصحيفة جزءاً لا يتجزأ من حياة الفرد المتعلم في كل أنحاء العالم.
وبداية ظهور الصحف بشكلها المعاصر يعود إلى عام 1454م عندما اخترعت الطباعة عن طريق صف الحروف،(1) وخدم هذا الاختراع المركز الرئيسي للسلطة في العالم المسيحي آنذاك، والمتمثل بسلطة الكنيسة. بينما تأخر استخدام هذه الوسيلة الحديثة في طباعة الكتب والنصوص لعدة قرون في العالم الإسلامي بسبب التحريم الديني.
وخدمت المطابع الكنيسة في نشر مواضيع تهم الدين والدنيا، وأصبحت من عوامل الإصلاح الديني في العالم المسيحي خلال الفترة الممتدة مابين القرنين السادس عشر والسابع عشر. ونشرت المطابع روائع كتب القرون الوسطى، وكتب عصر النهضة بنسخ كثيرة، ووضعتها بمتناول الجميع بعد أن كانت حبيسة خزائن الكتب. ونقلت أخبار التجارة والاقتصاد للتجار في كل مكان. ولعل المنشورات مجهولة المصدر والهوية، التي لعبت دوراً كبيراً إبان الثورتين الفرنسية والأمريكية، من أبلغ الأمثلة على الدور الهام الذي لعبته الطباعة في تغيير العلاقات الإنسانية في المجتمع الإنساني المعاصر.
وأصبحت الصحف بالتدريج حارساً للديمقراطية، بإتاحتها الفرصة للمرشح والناخب بالتعرف إلى بعضهما البعض دون اتصال مباشر، بل عن طريق انتقال الأفكار المنشورة على صفحاتها. وأصبحت من الوسائل الهامة التي يعتمد عليها التعليم في مختلف مراحله، وساعدت الصحف من خلال الإعلانات التي تنشرها على تصريف قدر هائل من السلع المنتجة في المصانع، وإيجاد فرص العمل، وتوفير الأيدي العاملة للباحثين عنها.(2)
وجاءت الثورة الصناعية للصحف مع مطلع القرن العشرين بالمطبعة البخارية أولاً، ومن ثم بالمطبعة الكهربائية، مما ساعد على خفض تكاليف طباعتها، وأجور الإعلانات على صفحاتها وزيادة عدد نسخها، مما ساعدها على الانتشار الواسع وتحولها إلى وسيلة اتصال جماهيرية، رخيصة الثمن توزع أعداد ضخمة من النسخ يعتمد عليها لنشر إعلانات مربحة للمنتج والناشر في آن معاً.
ومن الميزات الهامة الأخرى التي تنفرد بها المادة المطبوعة عن غيرها من وسائل الإعلام الجماهيرية، أنها تسمح للقارئ بالتكيف مع الظروف ومطالعتها في الوقت الملائم له، وإعادة القراءة كلما أراد. إضافة إلى أنها من أفضل الوسائل لمخاطبة الجماعات والشرائح الاجتماعية الصغيرة والمتخصصة.
1/2- الصحافة المسموعة ( الراديو ): تعتبر الإذاعة المسموعة من أفضل وسائل الاتصال الجماهيرية قدرة على الوصول للمستمعين في أي مكان بسهولة ويسر متخطية الحواجز الجغرافية والأمية، لأنها تستطيع مخاطبة الجميع دون تمييز وبغض النظر عن فارق السن ومستوى التعليم، ولا تحتاج لظروف وأوضاع خاصة للاستماع كما هي الحال بالنسبة للإذاعة المرئية (التلفزيون). حتى أنها أصبحت في بعض المجتمعات المتقدمة نوعاً من الوسائل الإعلامية التي يتعامل معها الإنسان دون اهتمام أو تركيز، كمصدر للترفيه أكثر من أنها مصدراً للمعلومات يحتاج للتركيز والاهتمام. (3)
ومن الصعب جداً تحديد أصل الاختراعات العلمية التي أدت إلى ظهور الإذاعة المسموعة، التي تعتبر اليوم واحدة من أهم وسائل الإعلام الجماهيرية. ففي الفترة من 1890 إلى 1894 اكتشف برافلي المبادئ الأساسية للمبرق اللاسلكي، ونجحت تجارب ماركوني التي أجراها خلال الفترة من 1894 وحتى 1899 عندما نجح في إرسال أول برقية لاسلكية عبر بحر المانش. (4)
وتطورت الأبحاث العلمية بعد ذلك، حتى استطاع المهندس الفرنسي رايموند برايار، وزميله الدكتور البلجيكي روبير فولدا سميث، من إرسال واستقبال بث إذاعي عن بعد عدة كيلو مترات عام 1914، وتوقفت التجارب بعد ذلك بسبب الحرب العالمية الأولى. إلى أن عادت مرة أخرى إلى دائرة الاهتمام بعد انتهاء الحرب.
وبدأت أول البرامج الإذاعية اليومية المنظمة بالبث من ديتروا نيوز في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1920، وتبعتها بريطانيا التي نظم فيها دايلي مايل أول برنامج إذاعي في نفس العام. أما فرنسا فقد نجح الجنرال فيري من إرسال أولى البرامج الإذاعية عام 1921.
وتعتبر عشرينات القرن العشرين فترة هامة في حياة هذا الاختراع الهام، الذي أخذ بالتطور والتوسع. ورافقه في عام 1925 اختراع البيك آب الكهربائي، وفي عام 1934 اختراع التسجيل على الاسطوانات المرنة، وآلة التسجيل عام 1945، وتمكن الأمريكيان براتان وباردن عام 1948 من اختراع المذياع، الذي انتشر في الأوساط الشعبية اعتباراً من عام 1950وتبع هذا الاختراع عام 1958 اختراع اسطوانة التسجيل الستريو التي نقلت البث الإذاعي معها إلى مرحلة جديدة. (5)
1/3- الصحافة المرئية ( التلفزيون ): بدأت أولى التجارب على إرسال الصور الثابتة باللونين الأسود والأبيض عن بعد في منتصف القرن التاسع عشر، وتطور هذا الاختراع حتى استطاع الألماني دي كورن من اختراع الفوتوتلغرافيا عام 1905، وجاء بعده الفرنسي إدوارد بلين، الذي طور الاختراع الأول وأطلق عليه اسم البيلينوغراف عام 1907. واستمرت هذه التجارب بالتطور مستخدمة وسائل ميكانيكية أولاً ثم راديو كهربائية، حتى توصل كلاً من الإنجليزي جون لوجي بيارد والأمريكي س. ف. جنكيس إلى وسيلة إرسال تستعمل فيها اسطوانة دورانية مثقوبة عام 1923.
وقد تكللت التجارب التي جرت خلال ثلاثينات القرن العشرين بالنجاح، حيث بدأ مركز أليكساندر بلاس البريطاني للتلفزيون، بالبث التلفزيوني لمدة ساعتين يومياً عام 1936، وتبعه المركز الفرنسي في لاتوريفال ببث برامج تلفزيونية يومية عام 1938، وتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في العام التالي ببث تلفزيوني لجمهور كبير. وأخرت الحرب العالمية الثانية البداية الفعلية لانتشار البث الإذاعي المرئي للجمهور العريض حتى عامي 1945 - 1946 أي عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وفي خمسينات القرن الحالي بدأ الانتقال التدريجي من نظام البث بالأسود والأبيض إلى نظام البث التلفزيوني الملون، وتبعه الانتشار العاصف للبث التلفزيوني بواسطة الدارات المغلقة، ومحطات التقوية الأرضية، إلى أن انتقل البث الإذاعي المرئي طريقه عبر الأقمار الصناعية مع تطور غزو الإنسان للفضاء الكوني الذي بدأ في نفس الفترة تقريباً.
ويعتقد أن للإذاعة المرئية فاعلية فريدة لأنها الوسيلة التي تعتمد على حاستي السمع والبصر في آن معاً. وقد لوحظ أنها تستحوذ على الاهتمام الكامل للجمهور الإعلامي، أكثر من الوسائل الإعلامية الأخرى، وخاصة في أوساط الأطفال واليافعين. وقد كشفت بعض الدراسات أن الصغار والكبار على حد سواء يميلون إلى تقبل كل ما تقدمه الإذاعة المرئية بدون مناقشة، لأنهم يعتبرونها واقعية وتعلق في أذهانهم بصورة أفضل. (6)
والاختلاف بين الإذاعة المرئية والإذاعة المسموعة، أن الإذاعة المرئية تحتاج لحاستي السمع والبصر وانتباهاً لا يستطيع المتفرج أن يفعل شيئاً آخر أثناء المشاهدة، في حين أن المستمع للإذاعة المسموعة يستطيع أثناء استماعه أن يقرأ ويمشي ويعمل ويقود سيارته، أو أن يستلقي مغمضاً عينيه سارحاً في خياله. ومن المزايا التي تتميز بها الإذاعة المرئية عن سواها من وسائل الإعلام الجماهيرية: 1- أنها أقرب للاتصال المباشر، وتجمع بين الصورة والصوت والحركة والألوان، وتتفوق عن الاتصال المباشر بأنها تكبر الأشياء الصغيرة، وتحرك الأشياء الثابتة. 2- أنها تنقل الأحداث فور حدوثها، أو بفارق زمني طفيف. 3- أنها تسمح بأساليب متعددة لتقديم المادة الإعلانية، مما يضاعف من تأثيرها على الجمهور. 4- أنها أصبحت وسيلة قوية بين وسائل الإعلام الجماهيرية بعد أن دخلت كل بيت، ووفرت لها الأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء الكوني انتشاراً عالمياً، مما زاد من فاعلية عملية التبادل الإعلامي والثقافي العالمي، لأصبح وسيلة تقارب بين الشعوب.
وهكذا نرى كيف تغير وضع الإنسان الذي عاش قديماً في مجتمعات صغيرة، محدودة العدد معزولة عن بعضها البعض، يصعب الاتصال فيما بينها. ليأتي القرن العشرين ليغير الوضع تماماً لسببين أساسيين نلخصهما: 1- نشوب الحرب العالمية الأولى ( 1914 - 1918 )، والحرب العالمية الثانية (1939 - 19945)، وما تمخض عنهما من انتقال للقوات العسكرية عبر الدول والقارات. وهذا بحد ذاته ساعد على تطوير وسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية، ومعها تطور الطرق البرية والمائية والسكك الحديدية والموانئ البحرية والجوية. 2- وانتشار وسائل الاتصال الحديثة، من تلغراف وتلفون وراديو وحاسبات إلكترونية (كمبيوتر). ووسائل الإعلام الجماهيرية، من صحف ومجلات وإذاعة وتلفزيون. مما " أحدث تغيرات جذرية على تصورات المواطنين في جميع أنحاء العالم، واتسع أفق الأفراد وإطارهم الدلالي بشكل لم يسبق له نظير، بحيث لم يعد بالإمكان عزل الناس عقلياً أو سيكولوجياً عن بعضهم البعض. لأن ما يحدث في أي بقعة من بقاع العالم، يترك آثاره على جميع الأجزاء الأخرى. فالعالم اليوم هو قرية الأمس. واتسعت تصورات الفرد التقليدي القديم التي كانت تتسم بالبساطة عن واقعه وأصبح عليه أن يجاهد حتى يفهم الأخبار التي تغمره بها وسائل الإعلام الجماهيرية يومياً عن أحوال الأمم والشعوب الأخرى المختلفة الألوان والعقائد ". (7)
وخرجت وسائل الإعلام الجماهيرية بالتدريج عن إطارها المحلي لتصبح أداة اتصال وتواصل بين الأمم لها دوراً مرسوماً ومحدداً في إطار العلاقات الدولية، وعملية التبادل الإعلامي الدولي. ودخلت ضمن الأدوات والوسائل التي تحقق من خلالها مختلف الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية بعضاً من سياساتها الخارجية.
1/4- الصحافة الدولية: المؤسسات الصحفية تعمل على نشر المبادئ والأفكار والمواقف والأخبار عن طريق وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة بغرض الإقناع والتأثير على الأفراد والجماعات داخل المجتمع. وعندما تخرج هذه المؤسسات عن نطاق المحلية وتجتاز وسائل إعلامها الجماهيرية الحدود الجغرافية والسياسية للدولة، لنقل تلك المبادئ والأفكار والمواقف والأخبار لمواطني دول أخرى، لخلق نوع من الحوار الثقافي معها، متجاوزة الحواجز اللغوية، تأخذ هذه المؤسسات الصحفية ووسائلها الإعلامية صفة الإعلام الدولي.
والإعلام الدولي جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية للدول المستقلة، ووسيلة فاعلة من الوسائل التي تحقق بعض أهداف السياسة الخارجية لكل دولة داخل المجتمع الدولي. تخدم من خلالها المصلحة الوطنية العليا للدولة، وفقاً للحجم والوزن والدور الذي تتمتع به هذه الدولة في المعادلات الدولية، وتأثيرها وتأثرها بالأحداث العالمية المستجدة كل يوم. وخاصة عند نشوب أزمات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو اجتماعية تطال تلك الدول، أو الدول المجاورة لها. أو تطال مناطق المصالح الحيوية للدول الكبرى في أنحاء العالم. أو في حال حدوث كوارث طبيعية، أو أخطار تهدد البيئة والحياة على كوكب الأرض. وللإعلام الدولي دوافع متعددة، سياسية، واقتصادية، وعسكرية، واجتماعية، وثقافية، وإنسانية، تتفق والسياسة الخارجية للدولة، وتنبع من المصالح الوطنية العليا للدولة، وتعمل من خلال ذلك على تعزيز التفاهم الدولي والحوار بين الأمم. بعد أن أدى التفاهم الدولي إلى خلق تصور واضح للدول بعضها عن بعض، مفاده التحول من النظام الثقافي القومي التقليدي المغلق، إلى نظام ثقافي منفتح يعزز التفاهم الدولي ويعمل على تطويره.
وكان لوسائل الإعلام الجماهيرية دوراً أساسياً في هذا التحول بعد التطور الهائل في التقنيات خلال القرن الحالي. ساعدت من خلاله على إحداث تغيير ثقافي واجتماعي واضح، رغم تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية والصراعات الإيديولوجية المؤثرة في القرار السياسي اللازم لأي تقارب أو حوار دولي.
1/5- وظائف الإعلام الدولي: من الأمور التي تميز البشر عن غيرهم من المخلوقات الحية أنهم قادرون على الاتصال، فالإنسان كان في حاجة دائماً إلى وسيلة تراقب له الظروف المحيطة به، وتحيطه علماً بالأخطار المحدقة به أو الفرص المتاحة له، وسيلة تقوم بنشر الآراء والحقائق وتساعد الجماعة على اتخاذ القرارات، وسيلة تقوم بنشر القرارات التي تتخذها الجماعة على نطاق واسع، وسيلة تقوم بنقل حكمة الأجيال السابقة والتطلعات السائدة في المجتمع إلى الأجيال الناشئة، ووسيلة ترفه عن الناس وتنسيهم المعاناة والصعوبات التي يواجهونها في حياتهم اليومية.
وقد عهدت القبائل البدائية بتلك المهام إلى الأفراد. فقام بعضهم بوظيفة الحراسة يحيطون القبيلة علماً بالأخطار المحيطة والفرص المتاحة، أو عند اقتراب قبيلة معادية من القبيلة، للاستعداد للدفاع عن الأرواح والأملاك، أو عند اقتراب قطيع من الحيوانات التي يمكن أن يصطادوا بعضها للطعام والزاد، فيكون هؤلاء الأفراد القائمون برصد الحياة من حول الجماعة أشبه بمراكز الإنذار المبكر، في حالتي الخطر والأمان.
كما وعهدت القبيلة إلى بعض الأفراد " مجلس القبيلة " بسلطة اتخاذ القرارات عن احتياجات وأهداف وسياسات القبيلة الداخلية والخارجية، والتأكد من أن تلك القرارات ستنفذ. وكان لابد من وجود رسل يحملون الأوامر والمعلومات من مجلس القبيلة إلى أفراد القبيلة، أو نقل الرسائل والمعلومات إلى القبائل المجاورة. وكفلت القبيلة لنفسها وسيلة تساعدها على الاحتفاظ بحكمتها وتراثها الثقافي للأجيال القادمة، ووسيلة وأسلوباً لنقل ذلك التراث الثقافي والحكمة إلى الأجيال الصاعدة، فقام الآباء والشيوخ بتعليم الجيل الصاعد، أو الأعضاء الجدد في القبيلة عادات القبيلة وتقاليدها. وعلمت الأمهات بناتهن طريقة إعداد الطعام، وحياكة الملابس، علم الآباء أبناءهم فنون الحرب والصيد والقنص. وتولى الرواة الذين يحكون الحكايات والقصص عن أمجاد الآباء والأجداد وما سلف من تاريخ القبيلة وظيفة الترفيه، وأسندوا للمغنين مهمة إنشاد الأغاني المحببة، والراقصين أداء الرقصات الدينية والفلكلورية في المناسبات المختلفة. (8)
وبالطبع لم تكن تلك هي جميع مهام الإعلام والاتصال في القبيلة القديمة، ولكنها كانت أهمها. ومن الغريب أن تلك المهام هي نفس مهام الإعلام والاتصال في المجتمع الحديث، ولكن بفارق أن تلك المهام تؤدى اليوم بشكل جماهيري واسع جداً، وبأساليب وتقنيات حديثة متطورة بعيدة المدى أحاطت بالكرة الأرضية برمتها وتعدتها إلى الفضاء الكوني. ومع ذلك فنحن مازلنا في حاجة إلى معلومات عن الظروف المحيطة بنا تصلنا بسرعة فائقة ودقة كبيرة عن طريق وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي باتت تستخدم أحدث وسائل الاتصال المزودة بأحدث المعدات الإلكترونية والتجهيزات المتطورة. تلك المعلومات التي تساعدنا على اتخاذ القرارات ونشرها. أي أن مهام الاتصال التي وجدت في المجتمعات القديمة هي نفسها الموجودة من حيث المبدأ في المجتمعات الحديثة، والفارق الوحيد أنها أصبحت متعددة ومتشعبة وأكثر دقة اليوم بفضل وسائل الاتصال الحديثة المتطورة التي لم تكن معروفة من قبل. وأصبحت الدولة حالياً تشارك عن طريق ممثليها في التأثير على الحياة الاجتماعية في الداخل والخارج من خلال سياساتها الداخلية والخارجية، وأصبحت المصالح العليا للدولة تؤثر في عملية اتخاذ القرارات على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ودخلت وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية القرية والمدينة والتجمعات السكانية أينما كانت، لتصبح نظاماً مفتوحاً أمام قوى التغيير التي تأتي من الداخل ومن الخارج، ومعنى هذا أن الوظائف القديمة للإعلام اختلفت في درجتها وحجمها فقط وليس في نوعها. ولكن لماذا كل هذا الاهتمام بوسائل الإعلام الجماهيرية؟ والجواب أن تلك الوسائل أصبحت تصل إلى جمهور واسع غفير. ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي كانت يوماً ما تصل إلى جمهور محدود وبتأثير محدد، أصبحت اليوم تصل إلى سكان العالم أجمع تقريباً، وتؤثر على آراء الناس وتصرفاتهم وأسلوب حياتهم. فالصحيفة والمجلة والكتاب الذي كان يقرؤه في الماضي عدد محدد من الأفراد، يقرؤه اليوم ملايين البشر، مطبوعاً أم منقولاً عبر البريد الإلكتروني عبر شبكات الكمبيوتر المتطورة. والبرنامج الإذاعي الذي كان يسمعه الناس في دائرة محدودة أصبحت تسمعه الملايين من البشر في مناطق متباعدة من العالم، والبرنامج الإذاعي المرئي الذي كان حكراً على منطقة جغرافية محدودة أصبح اليوم في متناول المشاهد في قارات العالم. والبريد الإلكتروني والفاكس والتلكس حلت مكان المبرقات التلغرافية القديمة، مما جعل الناس يؤمنون بأن تلك الوسائل قادرة على التأثير على المجتمع وتغييره بشكل أساسي ليس على الصعيد المحلي وحسب، بل وعلى صعيد العالم برمته. وبرز كإعلام دولي له مكانته وتأثيره ووظائفه. (9)
وكما كان للإعلام الدولي دوافعه المحددة، كما أشرنا سابقاً، فله وظائف محددة أيضاً يؤديها تنفيذاً للدور الذي تفرده له السياسة الخارجية للدولة، وهي:
1- الاتصال بالأفراد والشرائح الاجتماعية والجماعات والكتل السياسية والمنظمات داخل الدولة التي يمارس نشاطاته الإعلامية داخلها. وتتمثل بالحوار مع القوى المؤثرة في اتخاذ القرار السياسي من شخصيات وأحزاب وكتل برلمانية، سواء أكانت في السلطة أم في المعارضة على السواء، للوصول إلى الحد الأقصى من الفاعلية التي تخدم السياسة الخارجية لبلاده. وتخضع عملية الاتصال هذه عادة لمعطيات هامة من حيث المواقف من القضايا المطروحة قيد الحوار ومواقف السلطة والمعارضة منها والخط السياسي الرسمي للدولة حيالها. وتتراوح هذه المواقف عادة مابين المؤيد التام، والمؤيد، والحياد التام، والحياد، والمعارضة التامة، والمعارضة، والعداء التام، والعداوة. ولهذا كان لابد من التحديد الدقيق للموقف السياسي للدولة، والمواقف الأخرى، للعمل على كسب التأييد اللازم لصالح القضايا المطروحة للنقاش، والعمل على زحزحة المواقف السياسية المعلنة للدولة، لصالح تلك القضايا. أو خلق مناخ ملائم للحوار الإيجابي على الأقل. كما ويجب الأخذ بعين الاعتبار أيضاً طبيعة النظام السياسي السائد في تلك الدولة، ومدى ديمقراطية هذا النظام، وطرق اتخاذ القرارات السياسية في ظل النظام السياسي القائم، ومدى المشاركة الفعلية لكل القوى السياسية الموجودة في اتخاذ تلك القرارات.
لأن الاتصال بالجماهير الشعبية في أي دولة يتم من خلال تلك القوى التي تمثل النخبة المؤثرة، أولاً : بين أصحاب الحق باتخاذ القرارات، وثانياً: على الجماهير الشعبية، التي هي بمثابة قوة ضاغطة على أصحاب حق اتخاذ القرار. ومن هنا نفهم مدى أهمية إلمام خبراء الإعلام، المخططين للحملات الإعلامية الدولية، بالنظم السياسية للبلدان المستهدفة والقوى المؤثرة فيها سلطة أم معارضة، ودور كل من تلك القوى في اتخاذ القرارات. لاستخدامها في التخطيط للحملات الإعلامية المؤيدة أو المضادة، آخذين بعين الاعتبار الحقائق الاجتماعية والثقافية التي تساعد على نجاح الحملات الإعلامية الدولية.
2- الاتصال المباشر بالجماهير الشعبية، عن طريق وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية ومن خلال النشرات الإعلامية، والمؤتمرات الصحفية، والمقالات، والبرامج الإذاعية المسموعة والمرئية، والعروض السينمائية والمسرحية، وأفلام الفيديو، والمعارض الإعلامية، وتشجيع السياحة وتبادل الزيارات، وغيرها من الوسائل التي تتيح أكبر قدر ممكن من الصلات المباشرة مع الجماهير، للوصول إلى تأثير إعلامي أفضل وأكثر فاعلية. وتأخذ بعض الدول لتحقيق سياستها الخارجية أسلوب مخاطبة الجماعات المؤثرة فقط، توفيراً للنفقات التي تترتب من جراء استخدام أسلوب الاتصال بالجماهير الشعبية العريضة، وتوفيراً للوقت الذي يستغرق مدة أطول من الوقت اللازم عند مخاطبة قطاعات وشرائح اجتماعية متباينة من حيث المصالح والتطلعات، ومستوى التعليم، والثقافة، والاتجاه الفكري. ومزاجية تلك الجماهير العريضة في متابعة القضايا المطروحة، المحصورة في بوتقة اهتمامات شريحة اجتماعية معينة فقط. ولأن أسلوب الاتصال الفعال بالجماهير الشعبية يحتاج أيضاً لإمكانيات كبيرة ووسائل متعددة، تفتقر إليها الدول الفقيرة والنامية بينما نراها متوفرة لدى الدول الغنية القادرة من حيث الإمكانيات المادية والتقنية والخبرات الإعلامية، من استخدام الأسلوبين في آن معاً.
3- كما ويمثل الإعلام الدولي الدولة أو المنظمة التي ينتمي إليها، سواء أكانت محلية أم إقليمية أم دولية أم متخصصة أم تجارية. كمكاتب الأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة في العديد من دول العالم، ومكاتب منظمة الوحدة الإفريقية، والجامعة العربية، والأوبك، والسوق الأوربية المشتركة، وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية.
ونحن عندما نرى اليوم الدول الغنية تستخدم كل تقنيات وسائل الاتصال الحديثة في خدمة حملاتها الإعلامية الدولية، ومن أبسط صورها قنوات الإذاعة المرئية الفضائية، بعد انتشار استعمال هوائيات استقبال البث الإذاعي المرئي عن طريق الأقمار الصناعية في المنازل. وشيوع استخدام شبكات الكمبيوتر حتى من قبل الأفراد، ومن أهم هذه الشبكات، شبكة الكمبيوتر العالمية " إنترنيت " التي تملكها وتديرها الولايات المتحدة الأمريكية، دون منافسة تذكر حتى الآن. بينما نرى الدول النامية تتخبط بمشاكلها الإعلامية، وتعاني من الآثار المترتبة عن التطور التكنولوجي الحديث، والخلل الفاحش في التدفق الإعلامي الدولي أحادي الجانب والتوجه والتأثير. (10)
1/6- مشاكل الصحافة الدولية: رغم الجهود الحثيثة التي بذلتها وتبذلها الدول النامية والفقيرة حتى اليوم، للخروج من المأزق الإعلامي التي تعاني منه، نراها تتخبط بمشاكلها الإعلامية التي تزداد تشعباً وتعقيداً كل يوم بسبب التطور العلمي والتكنولوجي الهائل في ميدان وسائل الاتصال الحديثة، ووسائل الإعلام الجماهيرية حتى على الصعيد الوطني، ومن أهم هذه المشاكل: 1- الخلط بين الوظيفة الإعلامية الدولية، والوظيفة الإعلامية الإقليمية، والوظيفة الإعلامية المحلية، ومتطلبات كل من تلك الوظائف وخصائصها المتميزة. 2- الخلط بين السياسات الداخلية والإقليمية والخارجية للدولة عند التخطيط للحملات الإعلامية الدولية، والارتباك في تحديد الأولويات. 3- ضعف أجهزة وتقنيات المؤسسات الإعلامية الوطنية، وافتقارها للمعدات والتجهيزات المتطورة، والإمكانيات المالية اللازمة للحملات الإعلامية الدولية، أو استخدامها للإعتمادات المالية المتاحة بشكل سيء، أو بشكل غير فعال في الأغراض المطلوبة، إضافة لسطحية المساعدات الخارجية التي تحصل عليها تلك الدول من الدول الغنية، والمنظمات الدولية المختصة. 4- النقص الفاضح في الكوادر الإعلامية المتخصصة بالإعلام المحلي أو الدولي، وندرة أصحاب التخصص الأكاديمي بينهم، مما يؤدي إلى: 5- اختيار كوادر غير كفوءة للعمل الإعلامي الدولي، لاعتبارات سياسية في أكثر الأحيان، وهذا بدوره يؤدي إلى: آ- غياب التنسيق بين المخطط والمنفذ وأجهزة المتابعة، في الحملات الإعلامية الدولية. ب- ضعف الإلمام بخصائص الجمهور الإعلامي الأجنبي، وعدم وضع أسلوب إعلامي منطقي ملائم ومتطور قادر على إيصال مضمون الرسالة الإعلامية للجمهور المستهدف من الحملة الإعلامية الدولية. ج- غياب التعاون وحتى التنسيق بين المؤسسات الإعلامية، ومؤسسات التعليم العالي المتخصص ومؤسسات البحث العلمي، فيما يخص إعداد الكوادر الإعلامية الوطنية والبحوث العلمية التطبيقية، وخاصة فيما يتعلق بدراسة راجع الصدى الإعلامي وتأثير المادة الإعلامية، وفاعلية الخطط الإعلامية. والاكتفاء بالبحوث النظرية البحتة التي تتناول الجوانب الوصفية والتاريخية فقط، مبتعدة عن الدراسات التي تتناول جوهر التخطيط، وتحليل مضمون الرسالة الإعلامية، وتقدير راجع الصدى الإعلامي المخطط له وراجع الصدى الفعلي للمادة والوسيلة الإعلامية.
1/7- الصحافة الدولية والصراعات الدولية: يعاني عالم اليوم من صراعات سياسية ومنازعات عسكرية عديدة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي مازالت تهدد الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والعالم منذ أكثر من نصف قرن وأدت إلى عدة حروب مدمرة منذ قيام دولة إسرائيل بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 181 عام 1947 الذي قضى بإنشاء دولتين عربية وعبرية على أرض فلسطين، التي كانت آنذاك تحت الانتداب البريطاني، وبدأت هذه الحروب بالحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948 وانتهت باحتلال إسرائيل لقسم من الأراضي المخصصة للدولة العربية في فلسطين وإعلان الهدنة، التي استمرت حتى العدوان الثلاثي الإنكليزي الفرنسي الإسرائيلي على مصر عام 1956 وانتهى بانسحاب القوات المعتدية من الأراضي المصرية المحتلة، ثم العدوان الإسرائيلي على مصر والأردن وسورية عام 1967 الذي انتهى باحتلال الجيش الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء المصرية وقطاع غزة الفلسطيني الذي كان تحت الإدارة المصرية آنذاك، وكامل الضفة الغربية لنهر الأردن الفلسطينية والخاضعة آنذاك للإدارة الأردنية، وهضبة الجولان السورية بعد إعلان وقف إطلاق النار. والحرب العربية الإسرائيلية عام 1973 التي خاضتها مصر وسورية مدعومة من بعض جيوش الدول العربية لتحرير الأراضي العربية من الاحتلال الإسرائيلي، وانتهت باحتلال إسرائيل لمزيد من الأراضي المصرية والسورية. لتعقبها المعركة السياسية من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط، والتي تكللت بتوقيع أول معاهدة سلام بين إسرائيل والعرب، وهي المعاهدة الإسرائيلية المصرية المعروفة بمعاهدة كمب ديفيد، التي صمدت رغم الاجتياح الإسرائيلي للأراضي اللبنانية عام 1982 واحتلالها المستمر لجزء من أراضيه. وبدأت عام 1991 المسيرة السلمية الشاملة في الشرق الأوسط عندما انعقد مؤتمر مدريد الدولي لحل قضية الشرق الأوسط بمشاركة جميع الأطراف المعنية، وأطراف دولية أخرى برعاية الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وما أعقبها من اتفاقيات سلام بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، ومعاهدة السلام الأردنية إسرائيلية.
ومن بؤر الصراع الخطيرة الأخرى في العالم، الصراع الباكستاني الهندي حول مقاطعة كشمير الحدودية المتنازع عليها بين الطرفين والذي يهدد بالانفجار في أي وقت كان، والحرب الأهلية الدامية والمدمرة في أفغانستان، التي بدأت عام 1979 ضد التدخل العسكري السوفييتي في الشؤون الداخلية لأفغانستان، وتحولها بعد ذلك إلى حرب عرقية ودينية إثر انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان، تلك الحرب التي تهدد أمن واستقرار الدول المجاورة لها.
إضافة إلى مناطق التوتر الجديدة التي ظهرت بعد انهيار الإتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، كالصراع في قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا، والصراع في الشيشان بين روسيا الاتحادية والمطالبين باستقلال جمهورية إشكيريا، والصراع في أبخازيا المطالبة بالاستقلال عن جورجيا، والحرب الأهلية في طاجيكستان، والصراع بين البوسنيين، والصرب، والكروات، فيما كان يعرف سابقاً بيوغسلافيا الاتحادية، والوضع الشاذ في ألبانيا عندما انهارت وبسهولة، أجهزة وبنا الدولة العسكرية والسياسية. والصراعات الكامنة الأخرى بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، والحرب الأهلية في الصومال وجنوب السودان، والوضع المتوتر في منطقة الخليج العربي، وغيرها من بؤر التوتر الكثيرة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهي بمعظمها من التركة الثقيلة للاستعمار الأوروبي الطويل في تلك المناطق.
وقد بينت السوابق التاريخية أن لكل صراع أبعاداً داخلية، وأبعاداً إقليمية، وأبعاداً دولية، وعناصر قوى يجب مراعاة التفاعل بينها، وتأثير هذا التفاعل على تطور الصراع بشكل عام، بقصد التعامل مع هذا الصراع ومعالجته بالشكل المناسب، وهذا لا يمنع وجود عناصر مشتركة بين الصراعات المختلفة، يمكن أن الاستفادة منها عند معالجة أو التعامل مع تلك الصراعات. (11)
وتعتمد النتائج النهائية لأي صراع من الصراعات، على عناصر القوى المتوفرة لدى كل طرف من أطرافه، وتضم هذه العناصر القوى العسكرية، والمعلوماتية، والتكنولوجية، والإمكانيات الاقتصادية، والسياسية، والبشرية، والحالة المعنوية للقوى البشرية. كما وتعتمد على مسائل أخرى كعنصر المفاجأة، وتطوير الإستراتيجية والتكتيك، واللجوء إلى أساليب جديدة غير معروفة من قبل، مما تجعل عملية التنبؤ بنتائج الصراع صعبة جداً، وفي بعض الأحيان غير مجدية. إضافة للإمكانيات الذاتية للأشخاص القائمين على إدارة الصراع، ومدى توفر المعلومات لديهم، والتقنيات والأدوات الحديثة التي يستخدمونها في الصراع. فصانع القرار في عملية الصراع يبني قراره على معطيات ملموسة أولاً، وعناصر غير ملموسة تشمل الخصائص النفسية والحالة المعنوية للخصم ثانياً.
وتقتضي معالجة الصراع الاعتماد على العقلانية وبعد النظر، واستبعاد العواطف والانفعالات. لأن عملية معالجة أي صراع هي عملية معقدة وشاقة، ونابعة أساساً من عناصر القوى المشاركة فعلاً في الصراع من الجانبين، ومبنية على الحسابات الدقيقة والخطط الموضوعة، والمستخدمة فعلاً من قبل طرفي الصراع. وتتنوع أدوات الصراع، عندما تقتضي ظروف الصراع اللجوء إلى القوة العسكرية تارة، وإلى القوة الاقتصادية تارة أخرى، أو إلى العمل السياسي والدبلوماسية الهادئة في حالات أخرى، أو قد يلجأ الجانبان المتصارعان إلى استخدام القوة العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والدبلوماسية في آن معاً، مستخدمين المرونة في تكتيك إدارة الصراع وفقاً لطبيعة الظروف المتبدلة محلياً وإقليمياً ودولياً.
ويبقى دور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في عملية الصراع متمثلاً بتعبئة الرأي العام المحلي والعالمي حول وجهة النظر الرسمية للدولة من الصراع الدائر، وشرحها، وتغطية أخبار أهم أحداثها تباعاً. وشرح وتحليل أبعاد هذا الصراع وأسبابه، مع مراعاة أن يأخذ خبراء الإعلام والصحفيون بعين الاعتبار، خصائص الجمهور الإعلامي المخاطب ثقافياً وسياسياً وتاريخياً، ومدى تعاطفه مع وجهة النظر الرسمية للدولة المعنية في هذا الصراع، واختيار اللغة المناسبة للرسالة الإعلامية لتصل إلى أقصى حد ممكن من التأثير والفاعلية. لأن سلاح الإعلام في أي صراع كان لا يقل أهمية عن القوة العسكرية والاقتصادية، وهو الوسيلة الناجعة لرفع معنويات القوى البشرية في الدولة المعنية، وتحطيم الروح المعنوية للخصم في الصراع الدائر، والإعلام الناجح هو السند القوي في الكفاح على الجبهة السياسية والعمل الدبلوماسي الهادئ والرصين والمنطقي.
الفصل الثاني: التبادل الإعلامي الدولي في إطار العلاقات الدولية.
2/1- الصحافة الدولية في إطار السياسة الخارجية للدولة: للصحافة الدولية جوانب مختلفة في إطار العلاقات الدولية، من خلال اضطلاعها بدورها ضمن إطار السياسة الخارجية للدولة. ويمكن القول بأن السياسة الخارجية لأي دولة هي نتاج لعدة عوامل مشتركة، داخلية وإقليمية ودولية. وتتناول العوامل الداخلية التراث الثقافي والتاريخي والفكري، والأوضاع الاجتماعية والسكانية، والإمكانيات الاقتصادية والعسكرية، إضافة للتركيبة السياسية.(12)
وترتبط العوامل الإقليمية، بالنظام الإقليمي السائد في الإقليم الذي تنتمي إليه هذه الدولة، ومدى تأثر السياسة الخارجية للدولة بهذا النظام، وتفاعل عناصر القوى داخل الإقليم، وعلاقة النظام الإقليمي بالنظام العالمي. كإقليم جنوب شرق آسيا، وآسيا المركزية، والعالم العربي، وحوض البحر الأبيض المتوسط، وحوض الكاريبي، وغيرها من الأقاليم. أما العوامل القارية فترتبط بتفاعل عناصر القوى على مستوى القارة بكاملها، والأنظمة السائدة فيها وإمكانية تأثيرها على السياسة الدولية كما هي الحال في الإتحاد الأوروبي ومنظمة الوحدة الإفريقية مثلاً.
وتتناول العوامل الدولية، النظام الدولي وخصائصه، وتطوره وأبعاده، والعلاقة بين الدول الكبيرة والدول الصغيرة، والدول الغنية والدول الفقيرة، وعناصر قوى الأطراف المختلفة ومدى تأثيرها على السياسات الخارجية لدول العالم. واعتماداً على كل تلك الحقائق يتم رسم وتشكيل السياسة الخارجية للدولة من قبل أجهزة رسم السياسة الخارجية للدولة، وكثيراً ما تكون هناك مؤسسات رسمية وأخرى غير رسمية، وكثيراً ما يفوق دور المؤسسات غير الرسمية على دور المؤسسات الرسمية، وإن كان ذلك يختلف باختلاف النظم السياسية ودرجة التطور في مختلف أنحاء العالم.
ويلاحظ أن السياسة الخارجية الحديثة، لم تعد تعتمد على فرد، بل أصبحت تعتمد على فريق عمل متكامل، مزود بأحدث تقنيات الاتصال والمتابعة التي تمكنه من الوقوف على تطور الأحداث فور وقوعها، مما أفسح المجال لصاحب القرار في مجال السياسة الخارجية، ليعتمد على فريق عمل من المستشارين المتخصصين في تخصصات متنوعة، فتعرض عليهم الموضوعات التي تدخل ضمن إطار تخصصاتهم، وفي بعض الأحيان يعرض الموضوع الواحد على أكثر من مستشار بتخصصات متعددة لها علاقة بالموضوع قيد البحث، وبناءً على ذلك توضع عدة بدائل تعالج موضوع واحد مع شرح للمساوئ والمحاسن التي ترجح كل بديل عن غيره، تاركين القرار لصاحب الحق في اتخاذ القرار في مجال السياسة الخارجية للدولة.
ورغم اعتماد السياسة الخارجية للدولة على الدراسة والأساليب والمناهج العلمية الحديثة المتطورة والمنطقية في اتخاذ القرار، إلا أن هذا لا ينفي دور المؤسسات الديمقراطية من برلمان وأحزاب وتجمعات سياسية واستفتاء شعبي، لإضفاء الشرعية على قرار معين في السياسة الخارجية للدولة.
وكثيراً ما تكون هناك سياسة خارجية معلنة للدولة وسياسة فعلية غير معلنة، ولظروف معينة قد تختلف السياسة المعلنة عن السياسة الفعلية غير المعلنة، وقد يعلن عن السياسة الفعلية بعد زوال الظروف التي حالت دون إعلانها.
وتدخل السياسة الخارجية للدولة حيز التنفيذ فور اعتمادها، بإتباع كل الوسائل المتاحة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وإعلامياً واجتماعياً وثقافياً، ويدخل في إطار الوسائل السياسية التمثيل الدبلوماسي المعتمد، والمقابلات والزيارات الرسمية، والمعاهدات، ودبلوماسية القمة التي يلجأ إليها في المسائل الملحة والهامة والمصيرية. ويساعد على ذلك اليوم التطور الهائل في وسائل المواصلات والاتصالات التي قصرت المسافات بين الدول، ووفرت الوقت والجهد. فانتقال صورة وثيقة رسمية عبر الأقمار الصناعية من جهاز فاكس موضوع في كندا إلى جهاز مماثل له موضوع في آسيا المركزية مثلاً يستغرق دقائق لا أكثر، وعبر شبكات الحاسب الآلي ثوان لا أكثر مع إمكانية تخزين وتعديل واسترجاع وطباعة المعلومات المرسلة والمستقبلة عبر شبكات الحاسب الآلي والبريد الإلكتروني مرات ومرات.
ومن الوسائل المتبعة في تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، اتفاقيات التعاون الاقتصادي والمالي، وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارة الخارجية، وتقديم الهبات والمساعدات والقروض، وإقامة المشروعات الاقتصادية المشتركة، وإرسال الخبراء الاقتصاديين. وهو ما يسمى بدبلوماسية المساعدات الاقتصادية لتحقيق أغراض سياسية معينة. وهنا أيضاً يبرز دور شبكة الإنترنيت العالمية، بعد أن تطور مفهوم التجارة الالكترونية، وظهور هذا المصطلح في قاموس التجارة الخارجية، في نفس الوقت مع التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصال، وما رافقها من تطورات هامة تؤثر على عمليات التبادل الإعلامي الدولي، والتبادل التجاري وتبادل السلع والخدمات بين الدول المختلفة. وينطوي مفهوم التجارة الالكترونية على أي نوع من أشكال التعاملات التجارية التي تتم الكترونياً عبر شبكة المعلومات الدولية (انترنيت) وتتم هذه التعاملات بين الشركات بعضها البعض، أو بين الشركات وعملائها، أو بين الشركات والإدارات المحلية.
وبهذا يمكن للتجارة الالكترونية أن تقوم بوظائف عديدة في عمليات التبادل التجاري الدولي. من بينها الإعلان والتسويق والمفاوضات وتسوية المدفوعات والحسابات، ومنح الامتيازات والتراخيص، وإعطاء أوامر البيع والشراء. ولهذا بدأت الشركات الكبرى في العالم تأسيس مواقع خاصة لها على شبكة الانترنيت، التي بدأ يتزايد عدد مستخدميها ليصل إلى أكثر من خمسين مليون مشترك من كافة أنحاء العالم. وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 20 % من حجم الصفقات التجارية في الولايات المتحدة الأمريكية، وحوالي 10 % منها في أوروبا يتم من خلال التجارة الالكترونية. ويتوقع أن تزيد هذه النسبة في الفترة المقبلة. هذا وتتيح التجارة الالكترونية العديد من المزايا من شأنها تسهيل عمليات التبادل الإعلامي الدولي، وإتاحة المزيد من الاختيارات أمام المستهلك، وتخفيض الوقت والتكلفة لكل من المستهلك والمنتج، واتساع دائرة التسويق من السوق المحلي إلى السوق العالمي، وسهولة النفاذ إلى الأسواق الجديدة.
وتؤدي هذه المزايا التي تتمتع بها التجارة الالكترونية إلى تغييرات جوهرية في طبيعة وأساليب قيام عملية التبادل الإعلامي الدولي لأنها تعمل على تحقيق ثلاثة عناصر رئيسية تتمثل في الكفاءة من خلال تخفيض التكاليف في مراحل عديدة من بينها تكلفة الإعلان والتصميم والتصنيع، والفعالية من خلال توسيع نطاق السوق وتلبية احتياجات المستهلك، والابتكار وتحسين نوعية المنتج وذلك في ظل المنافسة الشديدة وتوافر المعلومات.(13)
أما الوسائل العسكرية في تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، فتكون بالتهديد أو التلويح باستخدامها، أو استخدامها الكلي أو المحدود في بعض الأحيان، وسياسة تقديم المساعدات العسكرية، وإمدادات العتاد والسلاح بأنواعه المختلفة لتحقيق أهداف سياسية معينة. واتفاقيات التعاون العسكري، والدخول في عضوية الأحلاف العسكرية. وتبادل المعلومات لاستخدامها في حرب المعلومات في ظل الثورة التكنولوجية، التي أحدثتها تكنولوجيا الاتصال.
غير أن التحليل الدقيق لمفهوم الثورة التكنولوجية يظهر أن ظاهرة حرب المعلومات ليست قاصرة على الجوانب التقنية المعقدة لنظم الاتصال والحاسب الآلي الحديثة المستخدمة في إدارة العمليات الحربية، بل تتعدى ذلك لتشمل طبيعة الحرب نفسها مع قدوم عصر المعلومات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي أفرزها. فقد واكب الاهتمام المتزايد بحرب المعلومات داخل أروقة البنتاغون الأمريكي إدراكاً متنامياً في أوساط المفكرين ورجال الأعمال بمدى عمق التحولات التي تشهدها مجالات السياسة والاقتصاد وأنماط التفاعل الاجتماعي، والتي تتمثل في السمة المشتركة بينها في زيادة الاعتماد على جمع وتحليل كم هائل من المعلومات للتعامل مع درجة التعقيد التي وصلت إليها البيئة الإنسانية والتكنولوجية في نهاية القرن العشرين، والتي بلا شك ستكون السمة الغالبة التي ستميز القرن القادم.
هذا الاتجاه نحو التعقيد استمر في التأثير على حركة التطور إلى أن أصبحت وظيفة تحليل المعلومات تفوق في أهميتها الوظائف التقليدية التي ميزت العصر الصناعي. وهي ظاهرة برزت بوضوح في تحول اقتصادات بأكملها من نمط صناعي يعتمد على الإنتاج الشامل إلى اقتصاد المعلومات تدار فيه عمليات الإنتاج والتجارة عن طريق شبكات الاتصال وتبادل وتحليل المعلومات إلكترونياً.(14)
وتشتمل الجوانب الإعلامية والثقافية والعلمية والاجتماعية في إطار تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، إضافة لاتفاقيات التعاون المشترك، على تبادل المواد الإعلامية والأفلام التسجيلية وأفلام الفيديو والكتب والمعارض، وتدعيم التعاون بين المؤسسات الإعلامية والاجتماعية والثقافية والتعليمية ومراكز البحث العلمي، وتبادل المنح الدراسية، وتشجيع الدبلوماسية الشعبية وتبادل الزيارات والوفود والمجموعات السياحية.
ويعد التبادل الإعلامي الدولي من الوسائل الفعالة لتنفيذ السياسة الخارجية للدولة، يمارسها الجميع من رئيس الدولة إلى أصغر المناصب الإدارية في الدولة كل في اختصاصه. ووسائل الإعلام الجماهيرية الموجهة للخارج تسعى لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة من خلال المؤسسات الإعلامية المختصة بالإعلام الخارجي، كما وتقوم البعثات الدبلوماسية المعتمدة، بوظيفة إعلامية بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال إصدارها للنشرات الإعلامية، أو ما تتناقله وكالات الأنباء العالمية من تصريحات، أو ما تنشره الإذاعات المسموعة والمرئية والصحف والمجلات واسعة الانتشار، التي أصبحت بمتناول الجميع بسبب التطور العلمي والتقني الهائل الذي حدث خلال التسعينات من القرن العشرين، الذي سمح باستقبال البث الإذاعي المرئي عبر الأقمار الصناعية، ومطالعة الصحف من خلال شبكات الكمبيوتر وخاصة شبكة الإنترنيت العالمية. ومن لا يعرف اليوم وكالات الأنباء العالمية ومحطات الإذاعة المسموعة والمرئية العالمية الأمريكية والفرنسية والبريطانية، الموجهة إلى جميع دول العالم تقريباً وبأكثر اللغات العالمية انتشاراً، كالإنكليزية، والفرنسية، والإسبانية، والعربية، والصينية، والروسية، والبرتغالية، والفارسية، والتركية، والألمانية، وغيرها من اللغات الحية.
والتبادل الإعلامي الدولي يعكس أساساً الأوضاع القائمة من ثقافية وعلمية وسياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، ولكن لا يمكن هنا التقليل من أهمية وإمكانيات الإعلام الموجه، وتأثيره وفعاليته من خلال التخطيط المحكم للحملات الإعلامية، وتكتيكات وأساليب عمله، ومتابعته ورصده للإحداث وشرحها وتحليلها، ومراعاته لخصائص المستقبل المحلي والأجنبي للرسائل والمواد الإعلامية.
ويتمتع الإعلام الدولي بأهمية خاصة كوسيلة من وسائل تنفيذ السياسة الخارجية للدول الكبرى والغنية، تتناسب وحجم مصالح هذه الدول على الصعيد الدولي، وتعاظم دورها وتأثيرها في السياسة على الساحة الدولية، فهي تعمل من خلال وسائل الإعلام المتطورة التي تملكها، وتوجهها إلى تحقيق أهداف سياستها الخارجية وحماية مصالحها في الخارج.
ومن نظرة موضوعية في الوظيفة الإعلامية، فإننا لا نستطيع الفصل بين الإعلام الداخلي والإعلام الخارجي، لأنهما عملياً يكملان عملا واحداً يخدم سياسة الدولة ويدعم مواقفها على الصعيدين الداخلي والخارجي. وتخطئ الدولة التي تدعم الإعلام الداخلي على حساب الإعلام الخارجي، أو بالعكس، لأن هذا يضر بمصالح هذه الدولة على الصعيد العالمي ويفسح المجال واسعاً أمام وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية، للإضرار بسياسة تلك الدولة وتشويه سمعتها أمام الرأي العام المحلي والعالمي، أو الإقلال من أهميتها في المجتمع الدولي، أو على الأقل التعريف بتلك الدولة من خلال وجهات نظر تلك الوكالات والوسائل الإعلامية الأجنبية التي لا تتطابق والمصالح القومية للدولة المعنية، حتى وعلى الصعيد الداخلي في تلك الدولة بعد انهيار الحواجز الجغرافية واللغوية والزمنية أمام وسائل الاتصال الحديثة والمتطورة.
وكلما أمسكت وسائل الإعلام الوطنية الموجهة للخارج بزمام المبادرة، والسرعة في الحركة، وتمشت مع التطور العلمي والتقني. كلما كانت أكثر فاعلية وتأثيراً وخدمة لأهداف السياسة الخارجية للدولة. ولكن هذا يخضع لعدة مؤثرات أخرى يدخل ضمنها الإعلام المضاد، والخلفية الثقافية للمستقبل الأجنبي، التي تحدد مدى راجع صدى المادة الإعلامية الموجهة للمستقبل الأجنبي.
وطبيعي أن أية حملة إعلامية مهما بلغت من الدقة في الإعداد والتوجيه لتحقيق أهداف معينة، فإنها قد تحقق جزءاً من تلك الأهداف أو كلها حسب ظروف المستقبل الأجنبي ومدى تعاطفه وردة فعله على مضمون المادة الإعلامية لأن الإنسان بحد ذاته يشكل جملة أحاسيس ومشاعر ومعتقدات وأفكار، وليس آلة يمكن توجيهها حيث يشاء صاحب المادة الإعلامية الموجهة، وتتحكم بردة فعله من المادة الإعلامية جملة مؤثرات داخلية وخارجية، على الخبير الإعلامي السعي لمعرفتها والاستجابة لها، عند الإعداد لأية حملة إعلامية أو عند إعداد أية مادة إعلامية موجهة للمتلقي الأجنبي.
ومن العوامل الأخرى التي تحد من فعالية وتأثير الإعلام الوطني الموجه للخارج، التأخر في نشر المادة الإعلامية، أو نشرها بعد فوات الأوان، أو مواجهته لإعلام مضاد قوي يستند على حقائق تاريخية وثقافية ولغوية، ومنطق إعلامي مقبول لدى المستقبل الأجنبي، من المنطق الذي تخاطبه به وسائل الإعلام الوطنية الموجهة للخارج. إضافة للإمكانيات المادية الكبيرة التي يحتاجها نجاح الإعلام الخارجي الموجه في الدول الصغيرة والفقيرة، مما يجعلها عاجزة أمام الإعلام الموجه للدول الكبيرة والمتطورة والغنية، وهو ما يفسر نجاح الحملات الإعلامية لتلك الدول بغض النظر عن الموضوعية والمنطق والحجج التي يلجأ إليها إعلام تلك الدول.(15)
2/2- التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة من وظائف المنظمات الدولية: يعد التبادل الإعلامي وظيفة من وظائف المنظمات الدولية، وتختلف هذه الوظيفة باختلاف طبيعة عمل هذه المنظمات وأنشطتها ووظائفها في المجتمع الدولي. كما وتعتبر المداولات الجارية في المؤتمرات واللقاءات الدولية التي تدعو لها هذه المنظمات على مختلف الأصعدة والمستويات، والمواد الإعلامية التي تصدرها من تقارير ومعلومات وكتب ومجلات ونشرات إحصائية وإعلامية وأفلام فيديو ومراسلات إعلاماً دولياً، يجد طريقه للنشر جزئياً أو بالكامل من خلال وسائل الإعلام الجماهيرية للعديد من دول العالم. كما وتستفيد الدول الصغيرة والفقيرة التي لا تملك إعلاماً خارجياً، من منابر هذه المنظمات لتوجيه بيانات ومذكرات تجد طريقها في أكثر الأحيان للنشر في وسائل الإعلام الدولية المختلفة.
ومشاكل التبادل الإعلامي الدولي والاتصال والتدفق الحر للمعلومات، والتعاون السلمي بين الشعوب، كانت من أولى المشاكل التي تصدت لها منظمة الأمم المتحدة منذ تأسيسها، عقب الحرب العالمية الثانية. حيث أصدرت العديد من المبادرات ودعت لانعقاد العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية لبحث مشاكل التبادل الإعلامي الدولي، وأصدرت الكثير من التقارير والوثائق الدولية حول هذا الموضوع.(16)
وكان لمنظمة الأمم المتحدة دوراً كبيراً في تقديم المساعدة للدول الفقيرة لإنشاء وسائل إعلامها الوطنية. وبحثت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة العديد من المسائل التي مازالت تعتبر من المشاكل الرئيسية للتبادل الإعلامي الدولي، منها تعريف حرية الإعلام والحقوق المترتبة عن حرية الإعلام وطرق تنفيذها على الصعيد الدولي، هذه المشكلة المدرجة على جدول أعمال منظمة الأمم المتحدة منذ سنوات قيامها الأولى وتناولت التدفق الحر للإعلام، والتغلب على الحواجز المعيقة للاتصال والتبادل الإعلامي الدولي، ومن ضمنها تحديد موجات الإرسال الإذاعي والتلفزيوني. ووافقت الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة على بعض الاتفاقيات الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية وحرية التعبير، وتنظيم وضع المراسلين الأجانب في البلدان المضيفة، ولاسيما أثناء الأزمات حيث يعتمد وضعهم على حسن نية وتفهم الدول والأفراد.
ويستنكر ميثاق منظمة الأمم المتحدة التحريض على الحرب، والاستعداد النفسي لها، والدعاية لها. ووفقاً لأحكام القانون الدولي: فإن التخطيط للحرب والإعداد لها وإعلانها، جريمة ترتكب ضد البشرية وتهدد السلام العالمي. ويدخل في هذا الإطار الأنشطة الدعائية التي تمهد للعدوان، ونشر الكراهية ضد الشعوب الأخرى، ونشر المعلومات الكاذبة والمشوهة لتبرير نوايا عدوانية مبيتة. وأصدرت الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة قرار في تشرين ثاني/ نوفمبر عام 1974 يدين كافة أشكال الدعاية التي تهدد السلام، ويطالب الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة باتخاذ كل الوسائل الكفيلة بمقاومتها في بلادهم.
وفي إطار الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة تم بحث مشروع النظام الدولي لأخلاقيات العمل الصحفي. وبحثت المشاكل المتعلقة بأخلاقيات الدعاية والإعلان التجاري، " وإذا كانت هذه الوظيفة لا غنى عنها، فإنها تعد عامل إزعاج للمستهلكين، ويراها البعض خطراً على التطور الثقافي للبشرية، ولها مدلولات دولية، وهي قد تعني فرض أساليب وقيم ومعتقدات لدولة معينة على دولة أو دول أخرى، دون الأخذ في الاعتبار مراحل التطور وظروفه، ويلاحظ أنه من المشاكل التي تواجه الدول النامية حالياً، مشكلة الاستهلاك الترفي، والمحاكاة للدول المتقدمة، دون تقدير لظروف وأولويات مراحل التنمية المختلفة ".(17)
كما وتقوم منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، في إطار تسهيل التبادل الإعلامي الدولي، بتطوير جميع أشكال التعاون الثقافي والعلمي والتربوي والإعلامي، إسهاماً في تعزيز التعاون السلمي بين دول العالم. وقد بحثت الهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (UNESCO) موضوع التدفق الحر للمعلومات، وأصدرت في 4/11/1966 إعلان لمبادئ التعاون الدولي أشار في مادته السابعة إلى ضرورة نشر الأفكار والمعرفة وتبادلها ومناقشتها بحرية من أجل البحث عن الحقيقة والتطور الفردي، والسعي للتعاون الثقافي من أجل تعزيز الصداقة والسلام، ودعى للتعبير عن الرأي وتجنب المواقف العدائية، وعدم نشر أية معلومات قبل التأكد من صدقها.(18) وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على وجود خطر تعاني منه الدول الصغيرة والفقيرة، يتمثل في التغلغل الثقافي والسياسي والإعلامي للدول الكبرى في تلك الدول، هذا الخطر الذي قد يتحول إلى تهديد مصيري لتلك الشعوب فيما لو أستغل هذا الخلل في عملية التبادل الإعلامي الدولي وأسيء استعماله لصالح تلك الدول القادرة إعلامياً، والتي تملك مؤسسات ووسائل إعلامية واسعة الانتشار في العالم.
ومنظمة الأمم المتحدة بالإضافة إلى تناولها مشاكل التبادل الإعلامي الدولي بحثاً عن حلول ملائمة لها، فإنها تقوم بوظائف إعلامية محددة، من خلال نشر مطبوعاتها المختلفة باللغات الرسمية المستخدمة في هذه المنظمة على نطاق واسع. كما وأنشأت منظمة الأمم المتحدة مكاتب لها في العديد من دول العالم، وشمل نشاط المكتب الدولة المقر والدول المجاورة لها، وعلى سبيل المثال: مركز منظمة الأمم المتحدة في بانكوك عاصمة تايلاند يشمل نشاطه إضافة إلى تايلاند كمبوديا ولاوس وماليزيا وسنغافورة وفيتنام. ومركز منظمة الأمم المتحدة في القاهرة عاصمة مصر، يشمل نشاطه إضافة لمصر المملكة العربية السعودية واليمن. ومكتب الأمم المتحدة في جينيف عاصمة سويسرا، يشمل نشاطه إضافة لسويسرا إسبانيا والبرتغال والنمسا وبلغاريا وألمانيا وبولندا والمجر.(19)
ومع الوقت تضخمت كميات المعلومات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة، ومنظماتها المتخصصة بشكل أصبح التعامل مع هذه المعلومات صعب رغم استخدام أحدث السبل والتقنيات الحديثة لنشر وحفظ وفهرسة تلك المعلومات، وهو ما يسمى اليوم بالانفجار الإعلامي الدولي. ومن المنظمات الدولية المتخصصة في مجال التبادل الإعلامي الدولي: World Intellectual Property Organization (WIPO) المنظمة العالمية لحماية حقوق التأليف؛ Universal Postal Union (UPU) إتحاد البريد العالمي؛ International Maritime Catelli Organization (INMARSAT) المنظمة العالمية للاتصالات البحرية عبر الأقمار الصناعية؛ Organisation International de Radio diffusion et Te'le' vision (OIRT) المنظمة العالمية للإذاعة والتلفزيون؛ International Telecommunications Satellite Organization (INTELSAT) المنظمة العالمية للاتصالات الإليكترونية عبر الأقمار الصناعية؛ International Telecommunication Union (ITU) المنظمة العالمية للاتصالات الإليكترونية؛ United Nations Educational, Scientific and Cultural Organization (UNESCO) منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة؛ Organization of Journalists (IOJ) منظمة الصحفيين الدولية.
وتقوم المنظمات الإقليمية بوظائف إعلامية من خلال وسائل إعلامها الخاصة بها، والتي تغطي أخبار مؤتمراتها ونشاطاتها الخاصة، وتشرح وجهة نظرها من القضايا الإقليمية والدولية. ومن هذه المنظمات الإقليمية:(20) Asian and PACIFIC Council (ASPAC) مجلس آسيا والمحيط الهادي؛ Association of South East Asian Nations (ASEAN) رابطة دول جنوب شرق آسيا؛ Caribbean Community (CARICOM) منظمة حوض الكاريبي؛ League of Arab States جامعة الدول العربية؛ Organization of African Unity (OAU) منظمة الوحدة الإفريقية.
ويعتبر التبادل الإعلامي الدولي وظيفة من الوظائف المتعددة للمنظمات الدولية والإقليمية، ويخضع للحدود التي تخضع لها تلك المنظمات الدولية والإقليمية، وتخضع قراراتها وفق أنظمة تلك المنظمات للمداولة تحت ظروف من الضغوط الخارجية، ومصالح أعضائها ومصالح الدول الكبيرة المهيمنة على الساحة الدولية. رغم أن قرارات هذه المنظمات غير ملزمة وفقاً للمبدأ القائل أن المنظمات الدولية ليست فوق الدول ولكنها تشكل إرادة مستمدة من إرادة الدول الأعضاء في تلك المنظمات.
ومهمة التبادل الإعلامي الدولي هي وظيفة من وظائف المنظمات الدولية والإقليمية، وتسهم في تشجيع التعاون السلمي والتفاهم بين الشعوب، ودفع التطور الإنساني ونشر المعرفة لما فيه مصلحة الإنسان والمجتمع، مستخدمة في ذلك كل وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة، ووسائل الإعلام الجماهيرية.
2/3- التبادل الإعلامي والتفاهم الدولي: والإطار المثالي للتفاهم الدولي بأتي من خلال التبادل الإعلامي الدولي، عن طريق توخي الموضوعية المجردة، والدقة في إبراز الوقائع التي ترتبط بالصدق، وفي تناول الجوانب المختلفة للموضوع والابتعاد عن التشويه،(21) والسعي نحو الحقيقة، وهو ما يصعب تحقيقه.
وتعتبر هذه الصورة مثالية بحد ذاتها وترتبط في معظم الأحيان بالحديث عن السلام العالمي والتفاهم والتعاون الدولي، ونبذ الصراع بكل أشكاله، واللجوء إلى التفاوض لحل المشاكل والخلافات المحلية والإقليمية والدولية، والسعي لما فيه خير البشرية، والسعي لإقامة سلطة تتعدى سلطة الدول، وهو ما نجده في بعض نصوص القانون الدولي وخاصة عندما توضع في محك التطبيق العملي. كما ونصادفها في كتابات الفلاسفة على مر العصور عندما يتناولون مواضيع التفاهم الدولي والتعاون بين الأمم.
وعلى كل حال فإن العلاقات الدولية والظواهر الاجتماعية المختلفة تتسم بالدينامية وسرعة الحركة والتغيير، وما هو مثالي صعب التحقيق اليوم قد يصبح سهلاً وواقعياً في فترة لاحقة. وما كان مثالياً وضرباً من الخيال قبل انهيار الإتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية التي كان يقودها، أصبح واقعياً بعد انهيارهما السريع والمفاجئ، وانتهاء الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، بين الشرق والغرب.
ومعروف أن العالم يستخدم ما يقرب من 2900 لغة،(22) بالإضافة إلى لهجات محلية منبثقة عن تلك اللغات، وكلها تجعل من عملية التفاهم الدولي مهمة شاقة وصعبة، وباهظة التكاليف المطلوبة للترجمة الفورية والتحريرية، إن كان في المؤتمرات واللقاءات الدولية، أم في وسائل الإعلام الجماهيرية الموجهة للمواطن الأجنبي. ولهذا حاول الإتحاد الدولي للغة الاسبيرانتو لنشر لغة عالمية هي خليط من اللغات الأوربية، وخاصة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية، وتدريسها، واستخدامها في العلاقات الدولية، كوسيلة لتحقيق التعاون الثقافي والتقارب بين الشعوب.
ورغم اعتراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بالنتائج التي أمكن تحقيقها بفضل لغة الاسبيرانتو في مجال التبادل الفكري العالمي، وتحقيق التعاون بين الشعوب، ورغم تأييد هذه المحاولة من قبل العديد من رؤساء الدول والوزراء والبرلمانيين، وعلماء اللغة وأعضاء الأكاديميات العلمية والمعاهد وأساتذة الجامعات، والكتاب والفنانين والصحفيين والعلماء، وعدد من الحائزين على جائزة نوبل للسلام، لم تستطع هذه اللغة أن تنتشر بالشكل المطلوب.(23)
في حين تسعى الدول الكبرى إلى نشر لغاتها عالمياً بشتى الأشكال، نتيجة لسياسات القوى في العالم وما ارتبط بها من حركات استعمارية أدت لنشر لغة المستعمِر في أوساط الشعوب المستعمَرة، لتصبح هذه اللغات من أكثر اللغات انتشاراً في العالم. ورغم انحسار الاستعمار خلال النصف الثاني من القرن العشرين، نرى استمرار التراث الاستعماري في الدول المستقلة، وبقاء لغة المستعمر السابق في الدول المستقلة، كضرورة للاستفادة من التقدم العلمي والتقني والثقافي في تلك الدول التي تتحدث بتلك اللغات كلغة أم، واندفاع أبناء الشعوب الأخرى لتعلم لغات الدول الكبرى الأكثر تقدماً في العالم لاستخدامها في الدراسة والإطلاع والبحث العلمي، والتعامل مع وسائل الاتصال المتقدمة والحديثة، وفي العلاقات الدولية والتفاهم بين الشعوب والتبادل الإعلامي الدولي.
ويعد التبادل الإعلامي في كثير من الحالات معوقاً للتفاهم الدولي، عندما لا يلتزم بالموضوعية، ويشوه الوقائع ويبرز وجهة نظر دون أخرى، وكثيراً ما يضع جوانب الموضوع التي تفيده فقط، ويتعمد التشويه خدمة لطرف واحد من أطراف الصراع، مهاجماً أو مواجهاً الطرف الآخر من الصراع الدائر. بطريقة يتم فيها احتكار تفكير الإنسان، وتوجيهه دون إرادة منه، بمفاهيم تحتوي على جانب واحد من الحقيقة، وبتكرارها بصور وأشكال مختلفة يصبح الإنسان مقتنعاً بها، معرضاً عن الجانب الآخر من الحقيقة حتى ولو اطلع عليها بطريقة أو أخرى.
ويفسر ذلك أن التبادل الإعلامي الدولي، بالأساس هو وسيلة من وسائل تنفيذ السياسات الخارجية للدول، وبالتالي فهو يسعى لخدمة هذه السياسات والتفاعل من أجل ذلك مع الوسائل الأخرى لخدمة تلك السياسات، ومن هنا فإن الموضوعية أو عدم تشويه الوقائع أو الكذب، الذي يصاغ بشكل يراعى فيه عدم إمكانية اكتشافه، واستخدامه ببراعة للهجوم على الخصم، من خلال وضع جوانب الموضوع بتكتيك معين يسير في إطار تحقيق أهداف السياسات الخارجية للدول.
ومن هنا نفهم واقع سوء توزيع مصادر الأنباء في العالم، عندما توظف الدول المتقدمة إمكانياتها الاقتصادية، وتقدمها العلمي والتكنولوجي في خدمة سياساتها الخارجية، الأكثر نضجاً من غيرها في الدول الأقل تطوراً، ويبرز الواقع أيضاً أن هذه الدول المتقدمة والغنية، تتحكم بوكالات الأنباء المؤثرة والرئيسية المسيطرة على توزيع الأنباء في العالم، بالإضافة إلى محطات الإذاعة المسموعة والمرئية، وشبكات الكمبيوتر العالمية، والصحف والمجلات المنتشرة على نطاق عالمي، ووسائل الاتصال الحديثة وشبكة الأقمار الصناعية المخصصة للاتصالات ونقل البث الإذاعي المسموع والمرئي، التي مكنت تلك الدول من إيصال واستقبال المعلومات الفورية دون أية حواجز تذكر إلى ومن أية نقطة في العالم.
وجعل التطور العلمي والتكنولوجي في مجال الاتصال، من وسائل الإعلام الجماهيرية سلاحاً خطيراً في أيدي القوى الكبرى والدول المتقدمة والغنية، للتأثير على الرأي العام العالمي وتوجيهه، وخاصة فيما إذا استخدمت وسائل الإعلام الجماهيرية القوية والمسيطرة تلك للتحريض على الحرب وإثارة التعصب الديني والقومي والعنصري، دون الدعوة للسلام والتعاون والتفاهم بين الشعوب، ونبذ أي نوع من التعصب مهما كان نوعه، خدمة للتقدم الإنساني.
2/4- مشاكل التبادل الإعلامي الدولي: آ- المعيقات السياسية لعملية التبادل الإعلامي الدولي: خلال العشرين سنة الأخيرة من القرن العشرين تزايد الدور العالمي لوسائل الإعلام الجماهيرية، واسعة الانتشار دولياً وخاصة برامج الإذاعة المرئية المنقولة عبر الأقمار الصناعية، رغم تباين النظم السياسية والإيديولوجية ودرجات النمو الاقتصادي والثقافي والاجتماعي لدول العالم المختلفة، ورغم عدم التكافؤ الواضح بين القلة القليلة التي تبث السيل الهائل من المعلومات على مدار الساعة يومياً، وبين الغالبية العظمى من دول العالم التي تستقبل ما يرسل إليها، بغض النظر عن وضعها الاقتصادي غنية كانت أم فقيرة، لأن من يصنع ويملك تقنيات وتكنولوجيا الاتصال ويتحكم بصياغة المادة الإعلامية هو المسيطر على عملية التبادل الإعلامي الدولي دون منازع يذكر، ومن عداه فهو مستهلك لتكنولوجيا وتقنيات الاتصال وللمادة الإعلامية باهظة النفقات والتكاليف.
والعلاقة شديدة الصلة بين السياسات الخارجية للدول، والرأي العام الوطني، والرأي العام العالمي، كل منها يؤثر ويتأثر بالأخرى، وهذا بحد ذاته يضع مشكلة سياسية عويصة أمام عملية التبادل الإعلامي الدولي. مفادها ضخامة وتضارب المصالح الحيوية لمختلف دول العالم وخاصة الدول المتطورة والغنية، التي تتجاوز حدودها الجغرافية المعترف بها إلى مناطق أخرى بعيدة كل البعد جغرافياً، وتعدد المشاكل السياسية والاقتصادية والإيديولوجية بينها بشكل يجعل عملية التبادل الإعلامي تؤثر وتتأثر حتماً بوسائل تنفيذ السياسات الخارجية للدول الأخرى، وهذا مرتبط بمدى قوة وفاعلية وسائل الإعلام الجماهيرية الموجهة للخارج لكل دولة.
فوسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، ومن خلال عملية التبادل الإعلامي الدولية، تسعى لخدمة سياسة معينة وكثيراً ما لا تتماشى هذه السياسة ومتطلبات التفاهم الدولي، لأن هذه الوسائل بالأساس تتصدى لمشكلة أو مشاكل سياسية معينة، وتسير في خط معين مرسوم لها ضمن السياسة الخارجية للدولة، وكثيراً ما يبتعد هذا الخط عن الموضوعية والدقة في عرض الوقائع، وقد ينجح في إقناع عدد كبير من مستقبلي الرسالة الإعلامية، بعدالة وصدق موقفه من المشكلة المطروحة، رغم أن الحقيقة عكس ذلك، ومرد ذلك إما الظروف المتاحة دولياً والتفاهم والتعاطف الدولي مع سياسة خارجية معينة، أو قوة أساليب العمل ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية التي يملكها هذا الطرف أو ذاك، أو ضعف أساليب عمل ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية للطرف المواجه، أو غيابها تماماً عن الساحة الدولية مما يتيح للخصم ظروفاً ممتازة لإقناع الرأي العام العالمي بعدالة وصدق مواقفه كما يشاء دون منازع.
وقد أدى انهيار المنظومة الاشتراكية والإتحاد السوفييتي، إلى انتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وإلى انفراج نسبي في العلاقات الدولية، وخفف نوعاً ما من الصراع الإيديولوجي الذي كان قائماً، أو استبدل بصراع من نوع جديد أخذاً طابع تدعيم الديمقراطية والانفراج الدولي ومحاربة التطرف الديني أو الإرهاب الدولي من وجهة نظر القوي المسيطر على عملية التدفق الإعلامي الدولي. وإلى تخفيف السباق المتسارع بين التكتلات الإقليمية والدولية المتصارعة للإمساك بزمام المبادرة في توجيه الحملات والضربات الإعلامية ضد بعضها البعض، والتي كان لها الفضل الأكبر في دفع التطور السريع لتقنيات ومعدات الاتصال، التي نعرفها اليوم، وكانت محض خيال قبل نصف قرن من الزمن.
كما وتتولى وسائل الإعلام الجماهيرية لأية دولة في العالم، توجيه حملات إعلامية مركزة لتقوية الرأي العام المحلي داخلياً وتحصينه ضد الحملات الإعلامية الخارجية، وتشترك بنفس النشاط تقريباً مع وسائل إعلام الدول الأخرى التي تشترك معها في تحالفات وتكتلات إقليمية ودولية، يظهر من خلالها مدى ضلوع عملية التبادل الإعلامي الدولي في مشاكل ومتناقضات السياسة الدولية، محلياً وإقليمياً ودولياً.
ومن المشاكل العويصة التي تواجه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية كوسيلة من وسائل السياسة الخارجية للدولة، العلاقة الموضوعية بين السياسة الخارجية للدولة، والرأي العام الوطني، والرأي العام الإقليمي، والرأي العام الدولي، وخاصة عندما يبرز تضارب واضح وتباين بينها. فبينما تعمل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على تهيئة الرأي العام العالمي لاتخاذ موقف معين من قضية معينة تتفق والسياسة الخارجية للدولة المعنية، نراها في أكثر الأحيان مضطرة لاتخاذ موقف آخر قد يكون مغاير تماماً، لتهيئة الرأي العام المحلي من القضية ذاتها،(24) وهذه مشكلة عويصة بحد ذاتها أمام المخططين والمنفذين للسياسات الإعلامية الداخلية والإقليمية والخارجية.
خاصة بعد التطور الهائل في وسائل الاتصال الحديثة، وتعدد وسائل الإعلام الجماهيرية وتنوعها وتجاوزها للزمن والمسافات والحدود الجغرافية واللغوية والحضارية، وأصبح ما يحدث اليوم في أي جزء من العالم، في متناول الإنسان أينما كان ومهما بعدت المسافات خلال دقائق عبر قنوات التلفزيون الفضائية وشبكات الكمبيوتر، لتصبح قدرة الدول في التحكم الفعلي بالرأي العام المحلي محض خيال، بعد أن طالته وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، وأصبح الخيار في أيدي من يملك وسائل الاتصال الحديثة، ومن يوجه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، ويسيطر على صياغة الخبر بالطريقة التي تحلو له.
وإذا كان العالم اليوم يتجه حسيساً نحو الانفراج والتعاون الإيجابي بين الأمم، فإن هذا لا يعني انتهاء المشاكل والصراعات الدولية القديمة منها والجديدة والمتجددة، وكل ما يحدث هو تغير في الظروف الدولية ودينامية العلاقات الدولية، وزيادة في عملية التفاعل والتبادل الإعلامي الدولي. وهذا يفرض على خبراء الإعلام الإلمام بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية والعلمية الدولية، وتاريخها، والنظم والاتجاهات السياسية السائدة في دول العالم، وخلفية مواقفها من العلاقات الدولية المعاصرة، ليستطيع كلاً منهم أخذ مكانه الفاعل والمؤثر في عملية التبادل الإعلامي الدولي المتجددة، وخدمة سياسات بلده الداخلية والإقليمية والدولية بعد أن تجاوزت وسائل الإعلام الجماهيرية فعلاً الحدود الفاصلة بين تلك السياسات.
ب - المعيقات الاقتصادية لعملية التبادل الإعلامي الدولي:(24) للتبادل الإعلامي الدولي دور هام في المجتمعات الحديثة، ويسهم في إغناء الثقافات وتجديدها، وتعريف الشعوب ببعضها البعض، ويعمل على خلق عادات جديدة في المجتمعات لم تكن معروفة أو مألوفة في السابق، ولكن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية خاضعة بالكامل لسلطة رأس المال، الذي يقوم على دعائم اقتصادية وصناعية وتجارية تتطلب استثمارات هائلة قد تفتقر لها موارد الدولة أو حتى عدة دول مجتمعة، مما وضعها في حالة من التبعية تراوحت مابين احتكار الدولة أو عدة دول مجتمعة.
وأدى التطور الاقتصادي والعلمي الهائل خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، إلى تطور مماثل شمل وسائل وشبكات الاتصال الحديثة في العالم، وجعلها حكراً في أيدي الدول المصنعة والغنية، بعيدة عن متناول ومقدرات بعض الدول الصغيرة والفقيرة، لأن الحصول عليها واستثمارها، أو تصنيعها يتطلب أموالاً طائلة واستثمارات كبيرة، وخبرات علمية وتكنولوجية متطورة تفتقر إليها معظم الدول النامية في العالم.
ولهذا نرى أن الأوضاع الاقتصادية، ومدى التقدم التقني والعلمي في أي دولة، قد ترك بصماته على وسائل الاتصال المتطورة، ووسائل الإعلام الجماهيرية الحديثة. مما سمح لبعض الدول الغنية والمتطورة والأكثر تقدماً اقتصادياً وعلمياً وتقنياً، بالسيطرة على وكالات الأنباء العالمية، وقنوات الإذاعة المسموعة والمرئية الفضائية، والصحف والمجلات الأكثر انتشاراً في العالم، تلك التي تشكل بمجلها المصدر الرئيسي للأنباء في العالم.
لأن الاستثمارات الصناعية الضخمة في مجال وسائل وأجهزة الاتصال تتركز في الدول المتقدمة، بينما الدول المتخلفة والنامية والفقيرة مستهلكة لبعض منتجات هذه الاستثمارات من خلال الاستيراد وبرامج المساعدات الاقتصادية، وهذا يخلق في بعض الأحيان مشاكل تقنية في مجال استثمار واستخدام تلك الأجهزة أمام الدول المستوردة أو المستفيدة من برامج المساعدات الاقتصادية، بسبب تعدد مصادر تلك الأجهزة وعدم ملاءمتها تكنولوجياً للاستثمار في تلك البلاد، بحيث يتطلب الأمر إجراء بعض التعديلات عليها قبل إدخالها حيز الاستثمار الفعلي مما يرفع من الأعباء المالية على تلك الدول. خاصة وأن عملية الحصول على الأخبار الدولية وتوزيعها بحد ذاتها باهظة التكاليف، ولا تستطيع تحمل نفقاتها إلا الدول المتقدمة والغنية، كما هو الحال دائماً، بينما نرى أن الدول النامية والفقيرة لم تزل كما كانت دائماً، تعاني من نقص حاد في الخدمات الإعلامية، ونقص وسائل الاتصال الإلكترونية ومحطات البث والاستقبال الإذاعي، هذا إن لم نشر إلى مشاكل استفادة هذه الدول من خدمات شبكة الأقمار الصناعية في مجال الاتصال وقنوات البث التلفزيوني الفضائية، والاستفادة من خدمات شبكات الكمبيوتر الدولية.
ومن هنا نرى أن التقدم التكنولوجي يعتمد على الثروة المتوفرة لدى الدول الغنية والكبيرة، قليلة العدد في المجتمع الدولي وهي وحدها القادرة على تمويل المشاريع الضخمة في مجال إنتاج أجهزة وتكنولوجيا الاتصال الضرورية لوسائل الإعلام الجماهيرية، مما يتيح لها وضعاً ممتازاً لنشر سياستها الخارجية وفرضها في بعض الظروف على الدول الأخرى الأقل تطوراً. وكما هو معروف فإن وسائل الإعلام الجماهيرية لكل دولة من دول العالم تركز في برامجها على الأخبار الداخلية، وما يتصل بقضاياها ومشاكلها من الأخبار العالمية، وقد أوضحت بعض الدراسات العلمية، أن عملية التبادل الإعلامي الدولي تركز بالدرجة الأولى على أخبار الدول الكبرى المتطورة والغنية، وأخبار بعض الدول الأقل تطوراً المؤثرة في ميدان الأحداث والسياسة الدولية، والسبب سيطرة هذه الدول ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وبشكل أقل روسيا وغيرها من الدول المتطورة على وسائل الإعلام الدولية، مما يتيح لتلك الدول فرض وجهة نظرها من خلال عملية التبادل الإعلامي الدولي أحادي الجانب.
وتركز وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في موادها الإعلامية على أخبار دولها والدول الحليفة لها، إلى جانب أهم الأحداث العالمية من وجهة النظر السياسية الرسمية للدولة، فوكالات الأنباء الدولية مثل اليونيتد بريس، والأسوشيتد بريس، والقنال التلفزيونية الدولية CNN، وشبكة الكمبيوتر العالمية INTERNET التي تملكها الولايات المتحدة الأمريكية، ووكالة الأنباء رويتر Reuter، وهيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية BBC، ووكالة فرنس بريس الفرنسية، ووكالة إتار تاس الروسية، وغيرها من الدول المؤثرة في السياسات الدولية وما تتمتع به من علاقات واسعة مع مختلف دول العالم، ولتفوقها العلمي والصناعي والاقتصادي والعسكري، تطغي أخبارها على أخبار غيرها من الدول، وبمعنى أوضح تسيطر على عملية التبادل الإعلامي الدولي وتوجهها لصالحها وصالح حلفائها من دول العالم الأخرى.
وقد وصل الخلل في بعض الأحيان إلى درجة أصبح معها أبناء الكثير من دول العالم يعرفون عن الدول الكبرى أكثر مما يعرفون عن بلدانهم، ويعرفون عن تلك الدول الواقعة خلف البحار والمحيطات أكثر مما يعرفون عن البلدان المجاورة لهم، يعتمدون أساساً في الحصول على المعلومات والأنباء على المصادر الإعلامية للدول الكبرى الموجهة إليهم والناطقة بلغاتهم القومية.
وبينما تنتج الدول المتقدمة كل متطلبات الإنتاج الإعلامي من آلات تسجيل سمعية وبصرية وآلات تصوير وآلات طباعة وورق الكتابة والطباعة، والحاسبات الالكترونية (الكمبيوتر)، وأجهزة البث والاستقبال الإذاعي المسموع والمرئي، وتنتج أعداداً هائلة من المواد الإعلامية من صحف ومجلات وكتب، وبرامج إذاعية مسموعة ومرئية وأفلام، ووسائل تعليمية مختلفة، نرى الدول النامية والفقيرة لا تملك ولا تنتج مثل هذه المنتجات الإعلامية والتقنية وتفرض أحياناً قيوداً ورسوماً جمركية على استيراد المواد والمعدات الإعلامية وحتى على ورق الطباعة، بسبب ظروفها الاقتصادية الصعبة.
وهكذا نرى مدى تأثر عملية التبادل الإعلامي الدولي بالأوضاع الاقتصادية لكافة دول العالم، التي نستطيع تقسيمها إلى دول متطورة غنية مسيطرة، تمتلك وتتحكم بالمصادر الإعلامية الدولية وتقنياتها، وتوجه عملية التدفق الإعلامي الدولية، ودول متوسطة تؤثر وتتأثر بعملية التدفق الإعلامي الدولية، ودول نامية فقيرة على هامش عملية التبادل الإعلامي الدولية، لا تملك حتى صحيفة يومية واحدة تنطق باسمها، متأثرة بالسيل المتدفق للإعلام الدولي الأجنبي. وبالطبع فإن إدراك الجمهور الإعلامي في الدول التي لا تنتشر فيها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على نطاق واسع، أو التي ترتفع فيها نسبة الأمية الأبجدية أو الحضارية، أو التي ينتشر فيها الفقر، الذي نعتبره صعوبات مادية واقتصادية، يكون إدراكهم لمختلف الموضوعات التي تعرضها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، أقل إدراكاً من الجمهور الإعلامي للدول المتقدمة.(25)
ج - خصائص التبادل الإعلامي الدولي: يقول مارشال ماكلوهين، أن مضمون الرسائل الإعلامية لا يمكن النظر إليها بمعزل عن التكنولوجيا التي تستخدمها وسائل الإعلام الجماهيرية، فالكيفية التي تعرض بها المؤسسات الإعلامية الموضوعات، وطبيعة الجمهور الذي توجه له رسالتها الإعلامية، يؤثران على ما تنقله تلك الوسائل. وأن وسائل الإعلام الجماهيرية التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها، تحدد طبيعة المجتمع وكيف يعالج مشاكله. وأي وسيلة إعلامية جديدة تشكل ظروفاً جديدة محيطة تسيطر على ما يفعله الأفراد الذين يعيشون في ظل ظروف معينة، وتؤثر على الطريقة التي يفكرون ويعملون وفقاً لها. فوسيلة الإعلام هي امتداد للإنسان، والكاميرة التلفزيونية تمد أعيننا، والميكرفون يمد آذاننا، والآلات الحاسبة الإليكترونية توفر بعض أوجه النشاط التي كانت في الماضي تحدث في عقل الإنسان فقط، وهي مساوية لامتداد الوعي.(26)
ووسائل الإعلام الجماهيرية الحديثة، كامتداد لحواس الإنسان توفر للإنسان الزمن والإمكانيات، وتشكل تهديداً له، لأنه عندما تمتد يد الإنسان وحواسه عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، تستطيع هذه الوسائل أن تمد يد المجتمع إليه، كي تستغله وتسيطر عليه. ولكي نمنع احتمال التهديد يؤكد ماكلوهين على أهمية إحاطة الناس بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن وسائل الإعلام الجماهيرية، لأنه بمعرفة كيف تشكل التكنولوجيا الحديثة البيئة المحيطة بنا، نستطيع أن نسيطر عليها ونتغلب تماماً على نفوذها أو قدرتها الحتمية.
وفي الواقع، بدلاً من الحديث عن الحتمية التكنولوجية، قد يكون من الأدق أن نقول أن متلقي الرسالة الإعلامية يجب أن يشعر بأنه مخلوق له كيان مستقل، قادر على التغلب على هذه الحتمية التي تنشأ نتيجة لتجاهل الناس لما يحدث حولهم. وأنه يجب اعتبار التغيير التكنولوجي حتمياً لا مفر منها، وهو ما يحدث فعلاً، ذلك لأننا إذا فهمنا عناصر التغيير يمكننا أن نسيطر عليه ونستخدمه في أي وقت نريده بدلاً من الوقوف في وجهه، كما يحدث لدى البعض أحياناً.
ومن المشاكل التي تواجه عملية التبادل الإعلامي الدولية، أهمية مراعاة الظروف البيئية المحيطة بالإنسان، واختلافها من دولة إلى دولة، بل واختلافها من منطقة إلى أخرى داخل الدولة ذاتها. ومن هنا فمن الأهمية بمكان أن يحيط خبراء الإعلام والصحفيون بالاعتبارات البيئية والظروف المحيطة بالإنسان. وإذا كان هذا الإلمام أكثر سهولة في الإعلام الداخلي، فإنه أكثر صعوبة بالنسبة للإعلام الدولي، حيث تتعدد الاعتبارات البيئية وتتنوع الظروف واللغات، وتختلف من دولة إلى دولة، ومن منطقة إلى منطقة، ومن قارة إلى قارة.
ومع تزايد وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وتطورها واتساعها، أصبح العالم أقرب إلى القرية العالمية Global Village ومما ساعد على ذلك تطور وسائل المواصلات وسهولة انتقال الأشخاص والسياح، وهجرة السكان من أماكن سكنهم الأصلية، والإقامة الطويلة لرعايا دولة معينة لدى دولة أخرى بقصد الدراسة أو العمل، وتزايد حجم وسرعة وتنوع المراسلات، ودخولها عصر الحوار المباشر عبر التلكس والفاكس والبريد الإلكتروني وشبكات الكمبيوتر العالمية بين مختلف دول العالم. وتطور البث الإذاعي المسموع والمرئي واتساع استخدام الأقمار الصناعية لأغراض الاتصال ونقل المعلومات. وساعد الاحتكاك بالأمم المتقدمة على حدوث تحول ثقافي واجتماعي عالمي، برزت معه قيم ومعتقدات جديدة لم تكن متوقعة من قبل. ومن هنا فإن على خبراء الإعلام والصحفيون أن يدركوا كل تلك المتغيرات عند إعدادهم وتنفيذهم للحملات الإعلامية الموجهة للداخل والخارج على السواء، كي لا تحدث إخفاقات تؤدي إلى عدم استجابة المستقبل لمضمون الرسالة الإعلامية الموجهة له، وأن لا تكون ردة فعله مغايرة لأهداف الحملة الإعلامية. وأن يؤخذ في الحسبان أيضاً اختلاف درجات التقدم الاجتماعي والثقافي والعلمي والتكنولوجي، وتباين النظم والمعتقدات السياسية والإيديولوجية بين دول العالم المختلفة، ودرجات التباين بين دول النظام المتشابه.
د - الاحتكار في التبادل الإعلامي الدولي: لم يزل العالم يتجه باضطراد نحو تحطيم الحواجز القائمة بين الشعوب، كما وتتجه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في العديد من دول العالم نحو الاتسام بطابع العالمية. ورغم التقدم الهائل لوسائل الاتصال نرى أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في العالم، لم تزل تعتمد في القسط الأكبر من أخبارها على وكالات الأنباء العالمية الخمس رويتر، والأسوشيتد بريس، واليونيتد بريس، ووكالة الأنباء الفرنسية، ووكالة إتار تاس. رغم الجهود الحثيثة التي تقوم بها وكالات الأنباء الوطنية، وشبكة المراسلين الأجانب في جميع دول العالم تقريباً، والذين يراسلون مباشرة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي ينتمون إليها والمنتشرة في مختلف دول العالم.
ويرتبط الاحتكار والتركيز في التبادل الإعلامي الدولي بالمشاكل السياسية والاقتصادية التي سبق وأشرنا إليها، التي نتج عنها احتكار قلة قليلة من دول العالم لمصادر الأنباء العالمية من خلال وكالات الأنباء والإذاعات وقنوات التلفزيون والصحف والمجلات الهامة والمنتشرة عالمياً، إضافة لاحتكارها لوسائل الاتصال الحديثة وخاصة شبكة الأقمار الصناعية التي تتولى نقل ما تبثه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية إلى كافة أنحاء العالم.
ومن الناحية التاريخية نرى أن وكالة الأنباء الفرنسية هافاس Havas - ووكالة الأنباء البريطانية رويتر Reuter - ووكالة الأنباء الألمانية وولف Wolff قد قامت بتقسيم العالم في القرن التاسع عشر إلى مناطق نفوذ إعلامية، تمشياً مع السياسة الاستعمارية التي كانت تتبعها آنذاك الدول الأوروبية وخاصة فرنسا وبروسيا وبريطانيا، الشركاء الثلاثة في الاحتكار الدولي للأنباء. وكان همهم الوحيد آنذاك الحصول على الربح ودعم الحكومات المتعاونة معها في الداخل والتي تقدم لها المساعدة والمؤازرة للاحتفاظ بالسلطة والأوضاع الراهنة. واتفقت وكالات الأنباء الثلاث على تنسيق أعمالها عام 1856 لتجنب المنافسة، وتحقيق معدلات عالية من الربح، وتزايد الاحتكار الدولي للأنباء بعد توقيع اتفاقية الأنباء عام 1870 حيث قسم العالم إلى عدد من مناطق النفوذ، يكون لكل منها وكالة أنباء معينة لها الحق الكامل في جمع وتوزيع الأنباء.
وعلى هذا الأساس منحت وكالة الأنباء الألمانية وولف حق السيطرة على جمع ونقل الأنباء من وإلى ألمانيا والنمسا وهولندا واسكندينافيا والإمبراطورية الروسية والبلقان، وكانت وكالة أنباء فيينا آنذاك تابعة لوكالة الأنباء الألمانية وولف. بينما منحت وكالة الأنباء الفرنسية هافاس نفس الحق في إيطاليا وسويسرا وإسبانيا والبرتغال وأمريكا الوسطى والجنوبية، ومصر بالتعاون مع وكالة الأنباء البريطانية رويتر. ومنحت وكالة الأنباء البريطانية رويتر نفس الحقوق في الإمبراطورية البريطانية والشرق الأقصى والإمبراطورية العثمانية، ومصر بالاشتراك مع وكالة الأنباء الفرنسية هافاس. أما وكالة الأنباء الأمريكية The New York Associated Press وكانت عضو صغير في الاحتكار الدولي فقد منحت نفس الحقوق داخل الولايات المتحدة الأمريكية فقط. بينما اعتمدت وكالة الأنباء الروسية The Russian Telegraph Agency كما سبق وأشرنا على وكالة الأنباء الألمانية وولف. ورغم تمتع وكالة الأنباء الأمريكية الأسوشيتد بريس بعد إعادة تنظيمها، بكامل العضوية في هذا الاحتكار الدولي، خلال السنوات العشر الأولى من القرن العشرين، إلا أنها لم تحقق نجاحاً ملحوظاً أمام منافسة شركائها في الاحتكار. ورفضت طلب الصحف الأمريكية الجنوبية للتعاون معها بعد أن ضاقت تلك الصحف ذرعاً من الدعاية الفرنسية والأنباء التي كانت تزودها بها وكالة الأنباء الفرنسية هافاس.
وبدأ الاحتكار بالتداعي عندما بدأت وكالة الأنباء الأمريكية اليونيتيد بريس التي لم تدخل في عضوية الاحتكار العالمي للأنباء، بمنافسة وكالة الأسوشيتد بريس، في سوق الأنباء العالمية، ودخولها سوق أمريكا الجنوبية، فما كان من الاحتكار الدولي إلا أن منح وكالة الأنباء الأمريكية الأسوشيتد بريس العضو في الاحتكار حق السيطرة المطلقة على تلك السوق. واستمرت الحال حتى مطلع الثلاثينات من القرن الحالي حين خرقت وكالة الأنباء الأمريكية الأسوشيتد بريس الاتفاق المبرم مع الاحتكار الدولي، وبدأت باستغلال السوق اليابانية الغنية متحدية الاحتكار القائم لوكالة الأنباء البريطانية رويتر فيها.
وكان من الطبيعي أن تهتم وتدعم وكالة الأنباء الفرنسية هافاس خط السياسة الخارجية الفرنسية، ووكالة الأنباء البريطانية رويتر خط السياسة الخارجية البريطانية، ووكالة الأنباء الألمانية وولف خط السياسة الخارجية الألمانية. وكانت النتيجة اختفاء هذا الاحتكار الدولي إثر الحرب العالمية الثانية بعد غياب الوكالة الألمانية في خضم الدعاية النازية، وإحراق وكالة الأنباء الفرنسية هافاس لاتهامها بالتفريط بالمصالح القومية الفرنسية، لتحل مكانها وكالة الأنباء الفرنسية AFP كوكالة أنباء دولية بارزة، واستمرت وكالتي رويتر البريطانية، والأسوشيتد بريس الأمريكية في العمل، مع ظهور وكالة الأنباء السوفييتية تاس، كوكالة أنباء دولية من نمط خاص.(27) والتي تحولت بعد انهيار الإتحاد السوفييتي السابق إلى وكالة إتار تاس.
ومن هنا نرى أنه إضافة للاحتكار وتوزيع مناطق النفوذ في عملية التبادل الإعلامي الدولي، فإن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، تحرص على نقل وتوزيع الأخبار والتعليقات والتحليلات السياسية والاقتصادية والعسكرية من منظور المصالح التي تمثلها، أخذة بعين الاعتبار مصالحها السياسية والاقتصادية الخاصة بها. وهذه معضلة لم تزل تعاني منها الدول الأقل تطوراً والدول النامية والدول الفقيرة، المضطرة لاستخدام ما يصلها من المصادر الإعلامية الدولية، متأثرة بمواقف تلك المصادر.
وهذا يفسر محاولات بعض الدول الأقل تطوراً والدول النامية، للتكتل عالمياً وإقليمياً لإنشاء وسائل إعلام جماهيرية قوية، يمكن أن تخلصها من احتكار وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، لجمع ونقل وتوزيع ونشر الأنباء عالمياً. كمجمع وكالات أنباء دول عدم الانحياز الذي كان يضم في عهده الزاهر دولاً متقاربة من التطلعات وفي الآمال العريضة، بتجمع يأخذ باعتباره دول العالم الثالث فيرعى مصالحها ويذود عن حقوقها، ويكسر احتكارات الدول الكبرى وسيطرتها على تدفق الأخبار على النحو الذي يرضي احتكاراتها تلك، ويلبي بواعث سطوتها العسكرية ومصالحها الاقتصادية. وبرغم الآمال التي علقت على ذلك التجمع وما كان يميزه من تقارب التطلعات والمساعي إلا أنه لم يتمكن من مواجهة الوكالات الكبرى ولا استطاع أن يعدل مسار التدفق الإعلامي غير المتوازن، فظلت الأخبار تصب من الشمال إلى الجنوب فتغرقه وتثير الفتن فيه.(28)
هـ - تأثير التبادل الإعلامي الدولي على اتخاذ القرارات: تتمتع وسائل الإعلام الجماهيرية بتأثير هام على الجمهور وخاصة في الميدان السياسي، ولذلك كان لابد عند دراسة تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على اتخاذ القرارات، من الأخذ بالاعتبار تأثير هذه الوسائل على الزعماء السياسيين، واستناداً لعدة أبحاث، فإن قائد الرأي لا يبحث غالباً عن دور قائد الرأي، وأحياناً ليس لديه شعور بدور قائد الرأي، ويتميز قادة الرأي هؤلاء بعدة خصائص منها: - أنهم يمثلون الجماعات التي ينتمون إليها، ويؤثرون فيها جيداً. وأنهم قادة للرأي في مجال اختصاصهم، الذي يتناسب والمجموعات التي يؤثرون فيها. وأنهم أكثر من غيرهم من أعضاء المجموعة التي ينتمون إليها، معرضون لوسائل الإعلام الجماهيرية (كشخصية مؤثرة). وأنهم أكثر من غيرهم من أعضاء المجموعات التي ينتمون إليها، على اتصال مع غيرهم من قادة الرأي. وأنهم متواجدون في كل الأوساط الاجتماعية. وبما أن لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من خلال عملية التبادل الإعلامي الدولي، المقدرة على تقرير ما ينبغي أن يعرف وما ينبغي الاحتفاظ به، فإنها تتمتع بأهمية خاصة في العلاقات الدولية.(29)
وقد تقوم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بمجرد نقل المعلومات الصادرة من قبل واضعي السياسة إلى الجمهور الإعلامي، دون أي اعتبار لدور الرأي العام في وضع تلك السياسة، كما يحدث في أكثر البلدان النامية. أو قد تستخدم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية لدعم أهداف سياسية معينة، أو لخلق أحداث معينة من خلال التمهيد لها، والمساهمة في خلق ودعم وجهة النظر المعارضة، وهذا يفسر قيام بعض المخططين السياسيين، في البلدان المتقدمة بوجه خاص، بوضع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية والرأي العام في مرتبة واحدة، يؤثر كلاً منها بالآخر ويعكس صورة الآخر. ويشمل هذا الوضع أيضاً، واضعي السياسة الخارجية للدولة، من خلال تعاملهم مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المحلية والدولية، والرأي العام المحلي والعالمي.
كما ويميل المخططون السياسيون إلى اعتبار أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تعكس في الحقيقة مواقف الرأي العام، وكثيراً ما يقبل المخطط السياسي ما تنشره وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على أنها انعكاس للحقيقةـ التي يراعيها عند رسم الخطة السياسية المطلوبة.
ولكن الحقيقة أن المؤسسات الإعلامية في أي بلد من بلدان العالم، غالباً ما تحدد أسبقيات ما تنشره وما لا تنشره من خلال ظروف تقنية بحتة لا علاقة لها البتة بالموضوع المنشور، وتتحكم بالزمن المتاح في الوسائل الإعلامية المسموعة والمرئية، والمساحة المتاحة على صفحات الصحف والمجلات. وهكذا يؤثر التبادل الإعلامي الدولي على اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية للدولة، من خلال مساهمته بإمداد أصحاب القرار بالمعلومات اللازمة، التي يمكن على أساسها اتخاذ قرار معين. ويبرز دور التبادل الإعلامي الدولي من خلال وكالات الأنباء والإذاعات وقنوات التلفزيون العالمية، والصحف والمجلات الأكثر انتشاراً في العالم، إبان الأزمات السياسية والاقتصادية، والكوارث الطبيعية، والأخطار التي تهدد بلادهم أو تهدد البشرية، والصدامات العسكرية الساخنة، أو التهديد باستخدام القوة العسكرية على الساحة الدولية. حيث يعتمد أصحاب القرارات الحاسمة عند دراستهم للظروف والأوضاع من كل الجوانب، قبل اتخاذ القرار اللازم، على ما توفره مصادر الإعلام الدولية، والمصادر الدبلوماسية، ومصادر أجهزة أمن الدولة، ولهذا تعكف بعض المؤسسات العلمية على دراسة العلاقة بين عملية التبادل الإعلامي الدولي وعملية اتخاذ القرارات السياسية، من قبل الزعماء السياسيون، كواحدة من مؤشرات العلاقات الدولية بشكل عام.
ومن البحوث الإعلامية التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية، الدراسة التي قامت بها مجلة Public Opinion Quarterly لمعرفة عادات القراءة لدى قادة الرأي الأمريكيين،(30) وأظهرت أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المقروءة من قبل كبار قادة المؤسسات السياسية والاقتصادية الأمريكية، تعتبر مصادر معلومات يؤخذ بها من قبلهم، لاتخاذ القرار ومزاولة مختلف الأنشطة السياسية والاقتصادية. وتناولت الدراسة 545 شخصاً من بينهم: قادة الرأي في القطاعات الأساسية: منفذون في المجالات الصناعية 48؛ منفذون في المجالات غير الصناعية 53؛ أصحاب الثروات الكبيرة 29؛ رؤساء اتحادات عمالية 48؛ أعضاء في الكونغرس الأمريكي 58؛ موظفون فيدراليون معينون 60؛ كبار موظفي الخدمة المدنية 54؛ رسميون في الأحزاب السياسية 51؛ زعماء جمعيات خيرية 53؛ عاملون في المؤسسات الصحفية 65. وقادة رأي خارج القطاعات الأساسية: رجال البيت الأبيض 6؛ أكاديميون ( اقتصاديون أساساً ) 15؛ آخرون 5.
وأظهرت الدراسة أن أكثر الصحف والمجلات الأمريكية الرئيسية قراءة لديهم هي: The New York Times نيويورك تايمز؛ The Wall Street Journal وول ستريت جورنال؛ The Washington Post واشنطن بوست؛ The Washington Star واشنطن ستار؛ The New York Post نيويورك بوست؛ The Chicago Tribune شيكاغو تربيون.
وأن أكثر الصحف والمجلات انتظاماً في المطالعة هي: Time تايم؛ Newsweek نيوزويك؛ The New York Times نيويورك تايمز؛ Magazine ماغازين؛ U.S. News and World Report يو إس نيوز إند وولد ريبورت.
كما وأظهرت الدراسة نسبة تفضيل مطالعة الصحف والمجلات فكانت كالتالي: وول ستريت جورنال: 84 % منفذون صناعيون؛ 65 %؛ أصحاب ثروات كبيرة؛ 31 % رجال الكونغرس. واشنطن بوست: 82 % رجال الكونغرس. نيوزويك: 81 % عاملون في المؤسسات الصحفية؛ 68 % رجال الكونغرس؛ 59 % منفذون صناعيون؛ 53 % زعماء أحزاب سياسية؛ 40 % كبار موظفي خدمة مدنية. نيويورك تايم مغازين: 78 % عاملون في المؤسسات الصحفية؛ 46 % منفذون صناعيون؛ 40 % كبار موظفي الخدمة المدنية؛ 30 % رجال الكونغرس؛ 23 % زعماء أحزاب سياسية. تايـــــم: 76 % عاملون في المؤسسات الصحفية؛ 70 % منفذون صناعيون؛ 66 % رجال الكونغرس؛ 58 % زعماء أحزاب سياسية؛ 36 % كبار موظفي في الخدمة المدنية. يو إس نيوز إند وورلد ريبورت: 70 % رجال الكونغرس؛ 65 % زعماء أحزاب سياسية؛ 50 % منفذون صناعيون؛ 30 % كبار موظفي الخدمة المدنية؛ 24 % عاملون في المؤسسات الصحفية. نيويورك تايمز: 67 % رجال الكونغرس؛ 64 % منفذون صناعيون؛ 54 % أصحاب ثروات الكبيرة. بيزنس ويك: 63 % منفذون صناعيون؛ 26 % زعماء أحزاب سياسية؛ 21 % كبار موظفي الخدمة المدنية؛ 20 % رجال الكونغرس؛ 19 % عاملون في المؤسسات الصحفية. لايـف: 61 % عاملون في المؤسسات الصحفية؛ 48 % رجال الكونغرس؛ 42 % زعماء أحزاب سياسية؛ 33 % منفذون صناعيون؛ 25 % كبار موظفي الخدمة المدنية. واشنطن ستار: 58 % رجال الكونغرس. جورناليزم: 58 % عاملون في المؤسسات الصحفية؛ 5 % رؤساء مؤسسات خيرية؛ 3 % رؤساء اتحادات عمالية؛ 2 % كبار موظفي الخدمة المدنية. فورين إفيرز: 22 % عاملون في المؤسسات الصحفية؛ 16 % رجال الكونغرس؛ 14 % زعماء أحزاب سياسية؛ 14 % رؤساء مؤسسات خيرية.
ومن نتائج الدراسة تتبين أن الشرائح الاجتماعية المدروسة تطالع الصحافة الدورية بنسب مؤوية تتراوح مابين 84% و 2%، وأن أكثر الصحف مطالعة بين رجال الكونغرس هي الواشنطن بوست 82%، وأقلها مطالعة هي الوول ستريت جورنال31%، ومن بين المجلات يو إس نيوز إند وورلد ريبورت 70% وأقلها فورين إفيرز 16% أي أن رجال الكونغرس يفضلون مطالعة الصحف أكثر من المجلات، بفارق واضح. كما وبينت الدراسة أن أكثر الشرائح الاجتماعية الداخلة في الدراسة مطالعة للصحف والمجلات، هي من العاملين في المؤسسات الصحفية، وأن هذه الشريحة تميل لمطالعة المجلات أكثر من الصحف.
وبقي التأكيد على أن دراسات عادات المطالعة والاستماع والمشاهدة، لدى قادة الرأي، ومن ثم دراسة مضمون الرسالة الإعلامية، المبنية على نتائج تلك الدراسات، تسمح للمخططين الإعلاميين بزيادة فاعلية وتأثير الحملات الإعلامية، وللمخططين السياسيين من زيادة فاعلية دور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، كواحدة من أدوات تنفيذ السياسة الرسمية للدولة، وكمصدر نافع من مصادر المعلومات لرسم تلك السياسة. وتوسيع دورها في عملية التبادل الإعلامي المحلي والدولي.
الفصل الثالث: التدفق الإعلامي الدولي والتبادل الإعلامي الدولي:
3/1 - التدفق الإعلامي الدولي والتبادل الإعلامي الدولي: يمثل الاستقلال السياسي للعديد من دول العالم إثر انهيار المنظومة الاشتراكية التي كان يقودها الإتحاد السوفييتي السابق، أحد خصائص النظام الدولي الجديد الآخذ بالتبلور خلال العقد التاسع من القرن العشرين. ورغم ذلك فإن الظروف العالمية الراهنة تظهر اتجاه بعض الدول إلى تبني هيمنة وتأثير بعض الدول المعينة، على هذا النظام الدولي الجديد والآخذ بالتبلور. بينما تتجه دول أخرى لرفض تلك الهيمنة والتأثير عليها، إضافة للسعي الحثيث للعديد من شعوب المناطق المضطربة والداخلة ضمن الحدود السياسية لبعض الدول، إلى الاستقلال السياسي عنها والتمتع بالسيادة القومية على أراضيها.
وقد كان لمعادلة القوى تأثيرها على التبادل الإعلامي الدولي، كنتيجة للتقدم التكنولوجي والعلمي في مجال تقنيات الاتصال، فقد أصبحت الدول أكثر ارتباطاً وقرباً من بعضها البعض من ذي قبل(31)، وأصبح للتبادل الإعلامي الدولي والاتصال دور متميز في العلاقات الدولية، خاصة فيما يتعلق بمكونات الشخصية القومية لمختلف الشعوب، وتشكيل وتوظيف السياسة الخارجية للدول، ووسائل السياسات الدولية بشكل عام. ويمثل عدم التوازن والتفاوت في الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي، بين مختلف دول العالم، أحد الأبعاد الهامة في السياسة الدولية. وهذا يؤكد أن التدفق الحر للمعلومات لا يعد أكثر من مجرد تدفق في اتجاه واحد، وليصبح التدفق حراً لابد من تحقيق شيء من التوازن الحقيقي بين الدول.
وقد يحدث عدم التوازن داخل دورة التبادل الإعلامي الدولي بأشكال مختلفة، مثلاً: بين الدول المتقدمة والدول الأقل تقدماً والدول النامية. وبين الدول ذات النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة. وبين الدول المتقدمة المنتمية لنفس المنظومة السياسية، وخاصة من حيث الإمكانيات، بين الدول الكبيرة والدول الصغيرة. وبين الدول النامية نفسها، الدول الفقيرة ذات الدخل المنخفض، والدول الغنية ذات الدخل المرتفع، من عائدات الموارد الطبيعية مثلاً. وبين الأنباء المشجعة والأنباء السيئة.
وكل هذه الأشكال من حالة عدم التوازن لا تقتصر فقط على التدفق الإعلامي والاتصال والتبادل الإعلامي الدولي فقط، بل تتعداها إلى جمع وإعداد ونشر المعلومات لأغراض التطور العلمي، ونقل التكنولوجيا المتطورة الجديدة، وحاجات الاقتصاد الوطني ....... الخ. وبالتالي يؤدي هذا إلى اتساع الفجوة بين الدول المرسلة، أي منابع التدفق الإعلامي الدولي، وبين الدول المستقبلة، أي المستهلكة للمادة الإعلامية الدولية.
وقد دعت الدول المنتسبة لبعض التكتلات الدولية، كمنظمة الدول غير المنحازة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والمنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الإفريقية، وغيرها من المنظمات، إلى استقلالية وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، وإلى تحقيق التوازن في تدفق الأنباء والتخفيف من آثارها السلبية، ونادت هذه الدول بإقامة نظام عالمي جديد للتبادل الإعلامي الدولي، ليحل مكان النظام القديم، من خلال بناء نظام دولي للاتصال أكثر حرية ومرونة، وأكثر عدلاً وفاعلية وتوازناً، نظام جديد مبني على أسس المبادئ الديمقراطية وتكافؤ الفرص بين مختلف دول العالم.(32) ويرتبط التدفق الإعلامي، ونظام الاتصال الدولي، والتبادل الإعلامي الدولي، بمفاهيم متداخلة، مثل (حرية الإعلام)، و(التدفق الحر للإعلام)، و(التدفق المتوازن للإعلام)، و(النمو الحر لوسائل الإعلام).
وهناك بعض الصعوبات الناتجة عن بعض التصرفات السياسية، والتي تعيق حرية التبادل الإعلامي الدولي، ويمكن تداركها بسهولة لو توفرت النوايا الحسنة، مثل استخدام العنف الجسدي ضد الصحفيين، والتشريع القمعي، والرقابة المجحفة، وإدراج أسماء الصحفيين في القوائم السوداء، ومنعهم من النشر، وحظر انتقال الصحف والمجلات والكتب ومنع استيرادها، أو تصديرها في بعض الأحيان من قبل الدول المتقدمة، خوفاً من تسرب التكنولوجيا المتطورة.
وقد استخدم مبدأ التدفق الحر للإعلام كوسيلة سياسية في الصراع بين الدول الاشتراكية بقيادة الإتحاد السوفييتي السابق، والدول الرأسمالية المتطورة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إبان سنوات الحرب الباردة. واقتصادية من قبل الدول الغنية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية في الدول النامية. ولهذا رأت الدول النامية في مبدأ التدفق الحر للإعلام، تأكيداً لسيطرة عدد قليل من الدول الصناعية المتقدمة على سيل المعلومات المتدفقة إلى الدول النامية. وترى أن حرية الإعلام تعني أن يكون تدفق المعلومات باتجاهين، تأكيداً للعدالة في التبادل الإعلامي الدولي.
وقد أدى مبدأ التدفق الحر للإعلام، إلى تدفق أحادي الجانب للمعلومات والرسائل الإعلامية، والبرامج الإذاعية المسموعة والمرئية، وبرامج الكمبيوتر والمنتجات الثقافية من الدول المتطورة صناعياً إلى الدول الصغيرة الأقل تطوراً والدول النامية، مما عزز من سيطرة مراكز القوى في العالم، وأحكم سيطرتها على عملية التدفق الإعلامي من الشمال الغني إلى الجنوب الفقير.
والتدفق الإعلامي باتجاه واحد يعتمد على أنماط تاريخية وثقافية معينة، يؤثر حتى على بعض الدول الداخلة في إطار إقليم جغرافي واحد، إذ نرى في أوروبا بعض الدول تسيطر على سيل المعلومات المتدفقة من القارة الأوربية، وتجاهل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية لهذه الدول المسيطرة للإنجازات الضخمة والنجاحات التي حققتها بعض الدول الأوربية الصغيرة، أثناء بثها للمعلومات من خلال عملية التبادل الإعلامي الدولي.
وعلى هذا الأساس فإنه يمكننا استنتاج ما يلي: أنه هناك سيل جارف من المعلومات بين شمال القارة الأمريكية، والقارة الأوربية. وأنه هناك اتجاه واحد للتدفق الإعلامي، يتركز من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها، يستقبل من خلاله العالم أكثر من 90 % من المواد الإعلامية عبر لندن وباريس ونيويورك. ويظهر هذا بوضوح في عدم التوازن في إنتاج الصحف والمجلات والكتب والبرامج الإذاعية المسموعة والمرئية، وغيرها من المواد الإعلامية، ونشرها وتوزيعها عبر الشبكات الدولية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ويعكس في نفس الوقت الوضع الحقيقي للتبادل الإعلامي الدولي. وكانت ردة فعل الدول المتقدمة والمسيطرة على وسائل الاتصال والتدفق الإعلامي بشكل عام، غير مرضية، على مساعي مجموعة الدول غير المنحازة لتقوية وضعها في التبادل الإعلامي الدولي.(33)
ويعد التدفق الإعلامي في اتجاه واحد، انعكاساً لسيطرة النظم السياسية والاقتصادية للدول المتطورة والمسيطرة في العالم، والتي تؤكد دائماً على تبعية الدول الأقل تطوراً والدول النامية للدول المتقدمة، من خلال تركيز وسائل إعلامها الدولية على الأزمات والصراعات والصدامات العنيفة.
كما ويعد التدفق الإعلامي الدولي رأسياً، بدلاً من أن يكون أفقياً كونه أحادي الجانب، يأتي من الأعلى من الدول المتقدمة، إلى أسفل للدول الأقل تطوراً والدول النامية. وكل ما سبق ذكره يظهر معادلة القوى في التبادل الإعلامي الدولي، في إطار العلاقات الدولية.
ومن الظواهر الواضحة في التبادل الإعلامي الدولي، بعد التطور الهائل في وسائل الاتصال الحديثة، طرح المعلومات كسلعة وخدمات تتمثل في نقل وحفظ واسترجاع البيانات والمعلومات، واحتلال الأنشطة التجارية حيزاً كبيراً من المساحة الإعلامية، وهو ما تظهره الصحف والمجلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وبرامج الكمبيوتر في القنوات والشبكات العالمية، مما يقلل من القيمة الثقافية والاجتماعية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، ضمن عملية التبادل الإعلامي الدولي.
3/2- التدفق الإعلامي الدولي من وجهة نظر تحليل المضمون: قام جوهان جالتونج Gohan Galtung بدراسة اتجاه التدفق الإعلامي الدولي، في النمط الذي قدمه ( المركز - الهامش ) بدراسته عن النظرية الهيكلية للاحتكار الدولي. وقد قسم العالم إلى جزأين " المركز " الذي يمثل الدول المسيطرة، و" الهامش " الذي يمثل المناطق التابعة لتلك الدول. وخرج بنتيجة مفادها أن التفاعل الرأسي يعد العامل الرئيسي الذي يؤكد انعدام المساواة بين دول العالم. وخلص جالتونج إلى الاستنتاج التالي: أن " المركز " يسيطر على تدفق الأنباء في العالم. وأن الأنباء الذي تتحدث عن " المركز " تشغل الحيز الأكبر من مضمون الأنباء الأجنبية في وسائل الإعلام الجماهيرية لدول " الهامش "، أكثر مما تشغله أنباء دول "الهامش" في وسائل الإعلام الجماهيرية لدول " المركز ". وأنه هناك تدفق إعلامي أقل نسبياً للأنباء ضمن مجموعة دول " الهامش ". وأن التدفق الإعلامي الدولي، يعد واحداً من المجالات الرئيسية للاتصال والتبادل الإعلامي الدولي. وأن الوكالات الأربع للأنباء (AP, AFP, UPI, Reuter) تعد من المصادر الإعلامية المسيطرة على تدفق الأنباء الخارجية لمعظم دول شمال القارة الأمريكية، وغرب القارة الأوروبية، وقارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وأن وكالة أنباء Tass تعتبر المصدر الرئيسي لمعظم الدول الاشتراكية قبل انهيار المنظومة الاشتراكية والإتحاد السوفييتي السابق.
ويتمثل الحجم الإجمالي للأنباء التي توزعها الوكالات الرئيسية الأربع للأنباء في العالم بحوالي 32,850,000 كلمة يومياً موزعة بين تلك الوكالات كالتالي: (34) 17,000,000 AP؛ 11,000,000 UPI؛ 3,350,000 AFP؛ 1,500,000 Reuter. كما يوضح الأرقام التالية حجم الأنباء التي توزعها يومياً بعض وكالات الأنباء الأخرى في العالم: الدولة وكالة الأنباء كلمة؛ ألمانيا DPA 115,000؛ إيطاليا ANSA 300,000؛ إسبانيا EFE 500,000؛ يوغوسلافيا Tan jug 75,000؛ APS 100,000؛ المجـمـوع 1,090,000 كلمة يومياً وهذا يوضح مدى سيطرة الوكالات الأربع الرئيسية للأنباء في العالم، على التدفق الإعلامي الدولي، إضافة لبثها المواد التلفزيونية المصورة أيضاً.
كما وأوضحت الدراسات أن هذه الوكالات تركز في أنبائها على الأخبار السلبية والسيئة عن الدول الأقل تطوراً والنامية في العالم، كالفساد والعنف والكوارث، أكثر من تناولها للأنباء الخاصة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية واحتياجاتها، بتأكيد على الأحداث الجارية دون تناول العوامل المسببة لتلك الأحداث. إضافة لتركيز هذه الوكالات على الصفوة في المجتمع، أكثر من اهتمامها بالقطاعات العريضة من المجتمع. كما وأوضحت تأثير الفوارق الاجتماعية والثقافية بين شعوب العالم على التدفق الإعلامي الدولي، تلك الفوارق التي تشكل عائقاً أمام التبادل الإعلامي الدولي.
وأظهرت الدراسات أن الإذاعة المرئية تعتبر من أكثر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تأثيراً على الجمهور الإعلامي، وتؤكد تأثيره النسبة المرتفعة لساعات المشاهدة يومياً، في أوساط المشاهدين للبرامج الإذاعية المرئية(35). ويعد التدفق الإعلامي الدولي عبر القنوات الإذاعية المرئية الفضائية، مؤثراً بصورة خاصة على النساء و الأطفال الأكثر تعرضاً للبرامج الإذاعية المرئية في الدول المتقدمة، ومجمل سكان الدول الأقل تقدماً، وأن النموذج الإعلامي الإذاعي المرئي الغربي المسيطر، أو النموذج الاشتراكي، لا يلبيان الحاجات الإعلامية للدول النامية.
ويعد التبادل الإعلامي الدولي، أحد الاتجاهات الرئيسية للتدفق العالمي للاتصال ونقل البيانات والمعلومات، حيث يتزايد اعتماد البنوك، وشركات التأمين العالمية، وخطوط النقل الجوي، وشركات الملاحة البحرية، والشركات متعددة الجنسية، ووكالات الأنباء .. وغيرها، على وسائل الاتصال الحديثة من تلكس وفاكس وشبكات الكمبيوتر عبر خطوط الهاتف والأقمار الصناعية المخصصة لأغراض الاتصال.
وقد أصبح هذا النوع من الاتصال الدولي ممكناً، بفضل التطور العلمي والتقني الهائل في نظم الاتصال الإلكترونية عبر الفضاء. مما سمح للولايات المتحدة الأمريكية الأكثر تطوراً في وسائل الاتصال الفضائية والإلكترونية، والتي تملك أوسع شبكة كمبيوتر منتشرة عالميــــاً ( الإنترنيت )، لاحتلال موقع المسيطر في هذا المجال الحيوي للاتصال في العالم. وعلى سبيل المثال في عام 1981 كانت الولايات المتحدة الأمريكية وحدها مسؤولة عن نقل وتوزيع 80% من البيانات والمعلومات في العالم. بفضل ثورة الحاسبات الإلكترونية التي توغلت في كل مناحي الحياة وامتزجت بكل وسائل الاتصال واندمجت معها، ولعل شبكة انترنيت الأمريكية الشهيرة تمثل جوهر ذلك الامتزاج حيث يتم تخزين معلومات واردة من 21 ألف شبكة معلومات بشكل منظم منسق يسهل عملية استرجاعها بواسطة أي مستخدم، وذلك من خلال الحاسبات الإلكترونية، ثم تقوم بعد ذلك بواسطة تقنيات الاتصال المتطورة التي توظف الخطوط الهاتفية والأقمار الصناعية في توصيلها إلى 33 مليون مشترك في جميع أنحاء العالم.(36)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق