الجمعة، 10 يونيو 2011

صفحات من تاريخ الجالية الأوزبكية في الجمهورية العربية السورية

صفحات من تاريخ الجالية الأوزبكية في الجمهورية العربية السورية



Suriya Arab Respublikasidagi o’zbeklar
Страницы из истории Узбекских эмигрантов в САР
طشقند - 2010
تأليف:
Авторы:
- Мухаммад аль-Бухари: Профессор, кафедрой свозы с общественности и реклама, факультета журналистики Национального университета Узбекистана имени М.Улугбека.



أ.د. محمد البخاري: بروفيسور قسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الصحافة في جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.
- Эмад аль-Армаши: специалист по арабско-исламской истории.



عماد الأرمشي: متخصص بالدراسات التاريخية العربية والإسلامية.

الأوزبك في سورية

بضعة آلاف من المواطنين السوريين البخارية (الأوزبك)، يعيشون اليوم في سورية ويشاركون في تقدمها وإزدهارها ومنعتها ووحدة أراضيها، ومن بينهم: أطباء، ومحامون، ومعلمون، وموظفون، وعسكريون، وتجار، وحرفيون. وهم من أبناء وأحفاد أولئك الذين قدموا إلى سورية في مراحل متعددة، منهم من جاءها طلباً للعلم في شام شريف المقدسة لديهم واستقروا فيها، ومنهم من أسس المدارس لاستقبال أبناء قومه الوافدين إلى شام شريف لتلقي العلم ولأبناء دمشق على حد سواء، وكان آخرها المدرسة التي أغلقت أبوابها خلال خمسينات القرن العشرين، بعد أن خرجت شخصيات لامعة في التاريخ السوري الحديث، وتم هدمها فيما بعد ليبني مكانها مسجد الأفرم المعروف اليوم في منطقة شورى بدمشق، ومنهم من جاءها لخدمة حجاج بيت الله الحرام وأقام المساجد والتكايا التي لا يزال بعضها قائماً حتى اليوم.



وكان آخر المنتمين بأصولهم إلى أوزبكستان المعاصرة، وقصدوا دمشق هرباً من سلسلة الإجتياحات الروسية لتركستان (قسمت روسيا تركستان بعد احتلالها إلى خمسة جمهوريات استقلت بعد انهيار الإتحاد السوفييتي السابق وهي: أوزبكستان، وقازاقستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، وطاجكستان)، حاكم خانية قوقند خودايار خان وأسرته ولم يزل أحفاده يعيشون في دمشق حتى اليوم، وكان آخر من قصد دمشق، أبناء إمارة بخارى بعد أن احتلها الروس بتاريخ 2/9/1920 وشردوا الكثيرين من سكانها ومن بينهم كانت شخصيات هامة وضباطاً وعسكريون من جيش إمارة بخارى من بينهم عبد الستار بن عبد القادر والد أ.د. محمد البخاري، وتجاراً وحرفيون آثروا أن يجدو الملاذ فيها، وأسس بعضهم حي البخارية ضمن بساتين الميدان الذي لم تعد له أية آثار اليوم ولم يزل يذكره أ.د. محمد البخاري، ومنهم من سكن أحياء دمشق مثل أحياء: الأزبكية، والمهاجرين، والنبعة على سفح جبل قاسيون، والصالحية، وسوق ساروجة، والميدان، والقدم وغيرها من الأحياء الدمشقية. ومنهم من سكن التكية المرادية في حارة الورد حتى آخر أيام حياته (حوار أجراه أ.د. محمد البخاري في طشقند مع فاطمة ابنة خودايار خان المقيمة في دمشق مع أولادها واحفادها، أثناء زيارتها لأوزبكستان عام 1980 بدعوة من جمعية وطن للعلاقات الثقافية مع الأوزبك المقيمين في الدول الأجنبية.). وكان للبخارية الذين استقروا في دمشق محلاتهم التجارية، وورشاتهم الحرفية في المهاجرين، والصالحية، وسوق ساروجة، والميدان، وجانب محطة الحجاز.


شخصيات من أصول أوزبكية تركت أثاراً في التاريخ السوري المعاصر


وشارك الأوزبك منذ قدومهم لدمشق مثلهم مثل أبناء سورية الآخرين في الحياة العامة، ومن بينهم كان نصوحي البخاري، الذي ولد بمدينة دمشق عام 1881 وتوفي فيها بتاريخ 1/7/1962 وتزوج عام 1919 من فتاة من الأسر الدمشقية العريقة وهي رفيقة بنت ممدوح. وتخرج من المدرسة الحربية العثمانية في اسطنبول، ومن مدرسة الأركان وحصل على رتبة رئيس، وشارك كقائد عسكري في حرب البلقان، والحرب العالمية الأولى وأسر خلالها وأرسل إلى سيبيريا حيث بقي هناك لمدة تسعة أشهر وتمكن من الهرب والعودة إلى الدولة العثمانية في مطلع عام 1916، وشارك برتبة عقيد في حرب القفقاس، وحرب غزة، وتولى قيادة الفرقة السابعة حتى تم انسحاب القوات العثمانية من سورية. وتولى في عهد الملك فيصل الأول قيادة فيلق حلب برتبة زعيم، وتولى رئاسة ديوان الشورى الحربي الثاني، وعين معتمداً لحكومة الملك فيصل الأول لدى مصر في أوائل عام 1920، ومن ثم مديراً عاماً للشؤون الحربية في أواخر العام نفسه واستمر في هذا المنصب حتّى عام 1921، ومن ثم تقلّد رئاسة الوزارة في عهد الرئيس هاشم الأتاسي في 6/4/1939 واستمر في منصبه حتّى تموز من نفس العام، واستقال من منصبه لعدم قيام الفرنسيين بتحقيق الشروط التي اُتفق عليها الطرفان، وتقلّد عدة وزارات فيما بعد منها: وزارة الداخلية، ووزارة الدفاع الوطني، ووزارة المعارف، رغم أنه لم ينتمي لأي حزب سياسي.



ونصوحي البخاري هو شقيق جلال البخاري الذي حوكم في عاليه وأُعدم في بيروت يوم 6/5/1916 مع الشهداء الوطنيين المطالبين باستقلال سورية. وابن العلامة سليم البخاري رئيس علماء دمشق الذي حوكم أمام الديوان العرفي العثماني في عاليه ونُفي إلى بروسية. وكان عضواً مؤسساً للجمعية الخيرية بدمشق، وهي جمعية إسلامية خيرية مارست العمل السياسي، أسسها الشيخ طاهر الجزائري في أواخر القرن التاسع عشر، ودعت لإعادة العمل بالدستور العثماني الذي كان معطلاً آنذاك، وجعل الحكم في الدولة العثمانية والبلاد العربية حكماً يعتمد على الشورى (يوسف الحكيم: سورية والانتداب الفرنسي. ص 332.).
وفي مطلع القرن الحادي والعشرين فقدت الجالية الأوزبكية المقيمة في سورية أحد أبرز رجالها الموسوعيين بوفاة برهان بخاري يوم 30/4/2010، وهو مواطن سوري من أصول أوزبكية هاجر والداه من وادي فرغانة مثلهم مثل الكثيرين من الأوزبك للعيش في سورية،أمه أوزبكية ولدت في أنديجان، وأبوه أوزبكي ولد في مرغيلان، واستقرا بمدينة دمشق حيث ولد برهان بخاري عام 1941. وتعلم في مدارسها، ودرس الفلسفة واللغة الانكليزية بجامعة دمشق، وخلف وراءه إرثا من الكتابة والتاريخ والموسوعات المتنوعة. وأنجز مشاريع للترجمة الآلية، ولا تزال مشاريع أخرى له تنتظر الدعم لتحويلها إلى واقع ملموس، ونعتقد أنها كلها جديرة بالتأمل والتقدير.



ومارس برهان بخاري التعليم في سن مبكرة وابتكر عددا من الوسائل التعليمية الميسرة لطلاب المدارس. وفي بداية سبعينات القرن العشرين قام بمشروعه الخاص لمحو أمية الكبار في سورية، وقام بجولات وعقد لقاءات في القرى السورية واللبنانية ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وكان يقدم الدروس ويوزع مؤلفاته مجانا، وقام بنشر سلسلة من المقالات عن محو الأمية نشرتها له صحيفة البعث الدمشقية. وأعد مناهج لتعليم اللغة العربية للأجانب وتعليم اللغات الأجنبية للعرب.وكان إلى جانبه في تلك الجولات التطوعية صديقه الودود الأستاذ عدنان بغجاتي (عدنان بغجاتي: ولد في دمشق عام 1934 تلقى تعليمه في دمشق وتخرج في جامعتها حاملاً الإجازة في اللغة العربية عام 1957 ونال دبلوم التربية عام 1958. عمل مدرساً ومديراً للتربية، ومديراً عاماً لمؤسسة الوحدة ورئيس تحرير جريدة الثورة، وأميناً عاماً لوزارة التربية ووزيراً للتربية ووزير دولة لشؤون مجلس الوزراء، ورئيساً لتحرير جريدة البعث، ورئيساً لاتحاد الكتاب العرب، وعضواً في مجلس الشعب، ومستشاراً ثقافياً في مجلس الوزراء. رئيس تحرير الموقف الأدبي؛ رئيس تحرير الآداب الأجنبية؛ رئيس تحرير الأسبوع الأدبي. عضو قيادة فرع دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي 1967-1968. عضو جمعية البحوث والدراسات. توفي في 9/10/1992.) الذي شغل سابقاً منصب وزير التربية ومنصب رئيس اتحاد الكتاب العرب، والتقى أ.د. محمد البخاري به أكثر من مرة في بيت برهان بخاري في دمشق.
وفي عام 1979 وصل برهان بخاري إلى طشقند عاصمة أوزبكستان بدعوة من جمعية وطن للعلاقات الثقافية مع الأوزبك المقيمين في الدول الأجنبية للاشتراك في العيد الألفي لابن سينا، وكانت تلك الدعوة بداية لدخوله خضم العمل الأكاديمي، حيث ترجم ولأول مرة قطعا أدبية من اللغة الأوزبكية إلى اللغة العربية مباشرة بعدما كانت الترجمة قبل ذلك تمر عبر اللغة الروسية. وتحولت تلك الزيارة إلى دعوة مفتوحة وجهتها له أكاديمية العلوم بجمهورية أوزبكستان واستمرت لبضعة أشهر، وضع خلالها أسساً علمية لأول معجم أوزبكي/عربي، وعربي/أوزبكي، وكتب عددا من الدراسات حول بنيوية اللغة الأوزبكية وعلاقتها التاريخية مع اللغة العربية، ونال عليها عددا من شهادات التقدير (حوار أجراه في طشقند أ.د. محمد البخاري مع برهان بخاري رحمه الله، أثناء زيارته لأوزبكستان في عام 1979 بدعوة من جمعية وطن للعلاقات الثقافية مع الأوزبك المقيمين في الدول الأجنبية.). وبعد عودته إلى دمشق بدء مشروعاً روائياً طويلاً تحدث فيه عن الأوزبك ودمشق خلال أربعينات وخمسينات القرن الماضي وضم المشروع معلومات كثيرة غير منشورة ولم يتمه وبقي مخطوطاً. وترك وراءة مكتبة ضخمة تضم إرثا من الكتابة والتاريخ والموسوعات المتنوعة. ومشاريع للترجمة الآلية، ولا تزال مشاريع أخرى له تنتظر الدعم لتحويلها إلى واقع قائم، وتحوي مكتبته أكثر من 5000 كتاب، ومع الأسف فقد منها الكثير من إصداراته وكتبه لمحو الأمية، وكتبه الأدبية وقصصه الأولى.
وتعززت جهوده الأكاديمية بعمله أستاذاً زائراً وخبيراً في جامعة الكويت عام 1983، حيث ساهم في تطوير بحث حول الصوتيات العربية بما يعرف بالكلام المركب صناعياً والحاسوب. وكان أول من عمل على تحويل الكلمات المكتوبة إلى صوتية بواسطة الحاسوب، وتوصل إلى تقطيع الأوزان الشعرية (عروضيا) بواسطة الحاسوب.‏
وبعد ذلك أمضى برهان بخاري ثلاث سنوات في أوروبا امتدت ما بين عامي 1984 و1986 متنقلا بين مراكزها العلمية وجامعاتها وشارك في عدد من المؤتمرات والمعارض الدولية الخاصة بالترجمة الآلية. كما وضع أسساً لنظريته الخاصة بالترجمة الآلية، التي عرفت فيما بعد بنظرية اللغة العليا (سوبر لنغوا) القادرة على الترجمة الفورية إلى جميع لغات العالم ومن بينها اللغة الأوزبكية دفعة واحدة عدا الصينية واليابانية. وقام بتصميم لوحة مفاتيح كومبيوتر قادرة على تنضيد جميع أبجديات العالم والتعامل معها، وقامت بتنفيذها شركة مونوتايب البريطانية، وعرفت بلوحة مفاتيح البخاري.
وعاد برهان بخاري إلى سوريا في 1986 وعكف على إنجاز مشروعه الضخم المعروف بإسم "إعادة بناء التراث العربي والإسلامي على الحاسوب" ويتألف هذا المشروع بشكل أساسي من عشر موسوعات، أهمها موسوعة الحديث النبوي الشريف ويتجاوز عدد أجزائها المائة, طبع الجزء الأول منها فقط ولا تزال البقية رغم إنجازها قيد النشر. ومن أبرز أعمال برهان بخاري أيضا الموسوعة الشعرية لنزار قباني، وموسوعة شعرية للشعراء من العصر الجاهلي وحتى العصر الحديث بالتعاون مع مجمع أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وأعمال أخرى.
أما في الجانب الفكري والأدبي فقد مارس برهان بخاري كتابة النقد الأدبي والقصة القصيرة والرواية والشعر والمسرح، وكتب للصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح.‏ وبدأ منذ عام 1995 بكتابة سلسلة مقالات أسبوعية في صحيفة تشرين السورية، كما كتب سلسلة مقالات أخرى في صحيفة الثورة بين عامي 2002 و2007. وقد أثارت مقالاته ضجة واسعة نظرًا للجرأة الفكرية والعلمية التي اتصفت بها، وكان من بينها رسائل موجهة إلى رؤساء العالم ومنها رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.
ويقول عرفان نجل برهان بخاري أن والده امتاز بالتحليل المسبق للكثير من المتغيرات العالمية، حيث أطلق مصطلح "إسلام فوبيا" في مقال نشر له عام 1996 في جريدة تشرين مستبقا أحداث 11 سبتمبر/أيلول في الولايات المتحدة الأمريكية بخمس سنوات. ورغم أن شهرته الحقيقية ابتدأت مع أول مقال له في صحيفة تشرين الدمشقية بتاريخ 15/10/1995 إلا أن تاريخه العلمي يجعل المرء حائرا من أين يبدأ مع هذا الإنسان الموسوعي حتى أن من يعرف إنجازاته العلمية يتساءل كيف له أن يبرز في مجالات متعددة، وهو الذي قال له الصحفي البريطاني المعروف باتريك سيل الذي التقاه أثناء زيارته لبريطانيا: "مكانك هنا في التوثيق وليس في التنظير، أنا مع عملك التوثيقي ولست مع عملك الإعلامي".
ونظراً لممارسة برهان بخاري كتابة المقال والنقد الأدبي والقصة القصيرة والشعر والمسرح وكتابته للصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح. نشرت الصحف والمجلات والإذاعتين المسموعة والمرئية والإلكترونية العربية مقالات عنه بعد وفاته، وكلها موجودة اليوم على صفحات الإنترنيت.



آثار تاريخية بناها الأوزبك في دمشق


وعند الحديث عن الآثار المعمارية التي تركها الأوزبك الأوائل في دمشق لابد أن نذكر أنهم كانوا دعاة لنشر العلم والتعليم، وتشير المراجع التاريخية إلى تواجد الأوزبك في دمشق منذ القرن السابع عشر الميلادي، ومن بين تلك المراجع بحث المساجد العثمانية في دمشق الذي أعده الباحث عماد الأرمشي المتخصص بالدراسات التاريخية العربية والإسلامية وتناول فيه الجامع المرادي الذي شيده عام 1108هـ، مراد بن علي بن داوود بن كمال الدين بن صالح بن محمد البخاري النقشبندي المتوفى عام 1132هـ.



الجامع المرادي




ويقع الجامع المرادي الذي اشتهر بالتكية المرادية، وجامع النقشبندي عام 1899، وهو وقف إسلامي خارج أسوار مدينة دمشق القديمة في حارة الورد من حي سوق ساروجا، وهو صغير الحجم ولم يزل قائماً وعليه لوحة رخامية معلقة على جداره كتب عليها: مسجد المرادي، بناه محمد مراد المرادي سنة 1108 هجرية. وجعله تكية ومدرسة، وكان له باب كبير، سـد اليوم ولا تزال آثاره موجودة، والباب الذي يدخل منه اليوم الى الجامع هو باب صغير والى جانبه منارة مستديرة مبنية من الحجارة السوداء والبيضاء، وكتب على قاعدتها المربعة سنة 1179هـ النص التالي (راجع ذيل ثمار المقاصد ص 251.):
منارة للهدى شيدت بحق بأعلى رأسها الله يذكر
بسم الله أبدأ في بناها وحمديا علي لمن تشكر
وسهم للقضا اضمرت فيها بتاريخ لمن بالسوء أبصر
اجيبوا داعياً لله نادى ونادى للصلاة الله أكبر
بنى هدا الجامع سنة 1108 مراد بن علي بن داوود بن كمال الدين بن صالح بن محمد البخاري النقشبندي المتوفى سنة 1132 للهجرية.
وتتألف المدرسة من صحن ومصلى ومدفن. والصحن مفروش بالموزاييك، وعلى أطرافه الشمالية والغربية سبعة غرف للمجاورين (أي العابدين المنقطعين للعبادة فقط) بنيت من الحجارة السوداء. وسكن هذه الغرف فيما بعد لاجئون من إمارة بخارى منذ مطلع عشرينات القرن العشرين، وكانت مقراً للجمعية الخيرية البخارية بدمشق، التي رأسها الشيخ موسى خوجه آخر مسؤولي صك النقود وبيت مال أمير بخارى، وكانت مكاناً ثابر اللاجئون من إمارة بخارى على الإلتقاء فيه حتى وفاة آخرهم في ستينات القرن العشرين. ولم يزل يتذكر أ.د. محمد البخاري تلك اللقاءات التي شارك فيها في صباه يقدم مع أقرانه الرز البخاري والشاي للكبار خلال جلساتهم في بهو المدرسة التي توقفت عن العمل بسبب إقامة اللاجئين البخارية فيها. وإلى الجنوب من المدرسة هناك ثلاثة قناطر، ومن ورائها المصلى وهو مؤلف من غرفة واسعة لها قوس عظيم، ومن فوق القوس سقف عادي، والمحراب والمنبر عاديان، والى يمين المحراب قبة فخمة بحيطان مزخرفة تحتها قبران كبيران يعتقد أنهما لمراد البخاري وشقيقه، وعلى أحدهما لوحة خطت عليها سنة 1160هـ الأبيات التالية:
ضريح مولى منيب لله في كل مشهد
قطب الزمان وغوث للكل في كل مقصد
النقشبندي من قد نال المقام المؤصلا
تاريخه جاء بيتاُ مسدد السبك مفرد
وأشار عماد الأرمشي إلى أن المؤرخ الدكتور أكرم العلبي أوضح في كتابه "خطط دمشق": أن الجامع جزء من المدرسة المرادية البرانية التي أنشأها الشيخ مراد بن علي البخاري النقشبندي في نفس تاريخ بناء الجامع. وذكر العلامة الكبير الشيخ محمد أحمد دهمان أن مئذنة الجامع القديمة سقطت أثر زلزال دمشق الشهير سنة 1173 هـ الموافق 1759م أيام سلطنة السلطان العثماني عبد الحميد الأول، وأعيد بنائها من جديد. وأكد ذلك الدكتور قتيبة الشهابي بسياق حديثه عن المساجد العثمانية وذكر أن مئذنة جامع المرادي هي من المآذن المشيدة في العهد العثماني على الطراز الشامي بتأثير مملوكي أرقش (الأرقش: أي المنقط بسواد وبياض وهو غير الأبلق. ورَقَشَ الشيء رقشاً أي نقشه. والرقش والرقشة أي لون فيه كدرة بياض وسواد)، جذعها مثمن الأضلاع كثيف الرقش بالأشرطة البسيطة والأشكال الهندسية الحجرية بلون أسود كالمثلثات والمسدسات وأشباه المنحرف والنجوم ثمانية الرؤوس، ويحمل هذا الجذع شرفة مثمنة، وينتهي رأس المئذنة بذروة صنوبرية الشكل. وتم بناء المئذنة من الطراز الشامي بتأثير مملوكي أرقش غير أن عناصرها الزخرفية أضعف من عناصر مثيلاتها من نفس الطراز مثل جامع العجلوني وجامع القاري في دمشق.



جامع المرادية في باب البريد


ويذكر عماد الأرمشي أن جامع المرادية القديم المندثر في باب البريد بمحلة العصرونية في دمشق بناءه مراد بن علي بن داوود بن كمال الدين بن صالح بن محمد البخاري النقشبندي أيضا، المتوفى سنة 1132 هـ الموافق 1719م، وقال شيخنا عبد القادر بن بدران في كتابه "منادمة الأطلال" أن مدرسة المرادية بباب البريد مشهورة ومعروفة وهي ذات مدرستين صغرى وكبرى، والثانية ذات حجرات سُفلى وعليا، كانت محط الرجال الأفاضل معمورة بالعلماء، وكان بها مكتبة عظيمة حتى كان يقال عنها أنها أزهر دمشق. ثم إن نظارها باعوا جانباً منها ومن أوقافها، وقطعوا راتب الطلبة، وأمست في عصرنا (1921م) كأمثالها خالية من دراسة العلم. ويضيف طلس من بعده قوله: لم يبق اليوم منها (1942م) إلا بابها المتين، وما عدا ذلك فمتهدم وغلب على أمره.
ويتابع الباحث عماد الأرمشي أني من ضمن أبحاثي عن مساجد دمشق قمت بدراسة تاريخية مفصلة مخصصة لمنتدى ياسمين الشام وبحثت عن جامع المرادية القديم في باب البريد بمحلة العصرونية المتاخمة لسوق الحميدية ولم أجده، ولعل باحث أخر يبلغنا مكانه. رحم الله الحاج الشيخ مراد بن علي بن داوود بن كمال الدين بن صالح بن محمد البخاري النقشبندي الذي انشأ هذين الجامعين سنة 1108هـ طيب الله ثراه. ولقد وجدت أثناء بحثي عن مراد بن علي البخاري كتاب اسمه "سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر" لأبي الفضل محمد خليل بن علي المرادي مؤلف هذا الكتاب، وهو أبو المودة المولى محمد خليل بن السيد علي بن السيد محمد بن السيد محمد مراد بن علي المرادي الحسيني الحنفي، البخاري الأصل، الدمشقي المولد.
وولد بدمشق، ونشأ في كنف والده، وقرأ القرآن على الشيخ سليمان الدبركي المصري، وأخذ العلم عن فضلاء عصره، وطالع في العلوم والأدبيات واللغة التركية والإنشاء والتوقيع. ولما عُزل ابن عمه السيد عبد الله بن السيد طاهر المرادي عن إفتاء دمشق، وُجِّه إليه هذا المنصب ونقابة الأشراف في اليوم السابع من شهر شعبان سنة 1192هـ، وكان إذ ذاك في الآستانة (القسطنطينية)، فرحل عنها إلى دمشق حيث قام بمهام الفتوى، وبقي فيها إلى سنة 1205هـ حيث انتقل إلى حلب الشهباء وهناك كانت وفاته رحمه الله في صفر سنة 1206هـ، وهو في شرخ شبابه.
وكتاب «سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر» هو مرجع هام في تراجم أعيان وعلماء القرن الثاني عشر الهجري لما حواه من تراجم ناهزت الـ 750 ترجمة. ويقع الكتاب في أربعة أجزاء طبعت أجزاؤه الثلاثة الأولى في استانبول عام 1291هـ ثم طبع الجزء الرابع في القاهرة عام 1301هـ. ومن هذه الطبعة أعيد تصويره مرتين الأولى في بغداد والثانية في بيروت. والكتاب نادر الوجود، ويحتاج إلى تصحيح وتحقيق لتعم الفائدة منه، ولا غنى لدارس التاريخ العثماني في القرن الثاني عشر الهجري في البلاد العربية ، وخصوصاً بلاد الشام، عن هذا الكتاب.



جامع ومدرسة الأفرم



ومن الأبحاث التي أعدها الباحث عماد الأرمشي المتخصص بالدراسات التاريخية العربية والإسلامية عن المساجد المملوكية في دمشق بحثاً تناول فيه جامع الأفرم وذكر فيه أن جامع الأفرم يقع خارج أسوار مدينة دمشق القديمة غربي الصالحية بحي المهاجرين منطقة الأفرم عند التقاء جادة الأفرم نفسها بجادة الحواكير (للمزيد من المعلومات عن المساجد ومدارس دمشق القديمة راجع الخريطة الالكترونية في منتدى ياسمين الشام على هذا الرابط http://yasmin-alsham.com/dmasmap/). وقد شَـَّيد هذا الجامع المبارك نائب السلطنة المملوكية في الشام الأمير جمال الدين آقوش الدواداري المنصوري الأفرم عام 706 للهجرة الموافق 1306 للميلاد. وأكد المؤرخ الدمشقي الكبير الحافظ ابن كثير: أنه في مستهل ذي القعدة من سنة ست وسبعمائة اكتمل بناء الجامع الأفرم الذي أنشأه الأمير جمال الدين نائب السلطنة عند الرباط الناصري بالصالحية وقد رتب فيه خطيباً يخطب يوم الجمعة وهو القاضي شمس الدين محمد بن أبي العز الحنفي وحضر نائب السلطنة والقضاة ومد الصاحب شهاب الدين سماطاً بعد الصلاة، (انتهى).
وحول ترجمة صاحب الوقف ذكر أنه: الأمير جُل الدين وفي روايات أخرى: جول الدين آقوش الأفرم نائب دمشق، وهو شركسي الأصل من مماليك الملك المنصور قلاوون وكان يحب الفروسية من صغره والتمس أستاذه قلاوون أن يرسلهُ أميراً إلى الشام فأبى وقال له: ليس ذلك في أيامي. ثم تولى نيابة دمشق بعد فرار قبجق إلى التتار وفي أيامه كانت حملات ملك التتار قازان على بلاد الشام فدافع الأفرم عن دمشق رحمه الله قدر طاقته، وانسحب منها حينما احتلها التتار إلى مصر وكان يقول معجباً بدمشق: لولا القصر الأبلق والميدان الأخضر ما خليت بَيْبَرس وسالاد ينفردان بمملكة مصر. وبالرغم من إحسان الملك الناصر إليه، وإبقائه نائباً في دمشق إحدى عشر سنة متوالية فقد جحد نعمة مولاه، وانحاز إلى بيبرس الجاشنكير لأنه شركسي مثله، وكانا يشعران بأنهما كالغرباء بين الأتراك لما كانا صغيرين، ثم هرب مع قراسنقر والزردكاش إلى خَرْ بنده ملك التتار، فأقطع ملك التتار مراغمة لقراسنقر، وهمذان للأفرم، ونهوند للزردكاش وهو تركماني على الأغلب، (انتهى).
وذكر المؤرخ أحمد بن طولون الصالحي المسجد في "القلائد الجوهرية" واصفاً مئذنة الجامع بان غالبها من الآجر، ومن طبقة واحدة. وذكر الباحث عماد الأرمشي أنه من ضمن أبحاثه عن مساجد دمشق، هناك دراسة تاريخية مفصلة منشورة بمنتدى المنعكس الثقافي، وأن وصف ابن كثير وابن طولون للمسجد أو المئذنة لم يعطيا هذا البناء الجميل حقه من الوصف، وكل ما علمناه وفهمناه أنهما كانا من الحجارة والآجر وربما كانا من الخشب أو اللبن، ولا نملك أية معلومات إضافية لإلقاء الضوء على شكل البناء وهندسة بنائه وكمال منظره. وأثناء بحثه عن المئذنة وجد ما أورده فضيلة الأستاذ محمد أحمد دهمان في كتابه "رحاب دمشق" أن المئذنة تضررت أثر زلزال دمشق الشهير سنة 1173 هـ الموافق 1759م أيام السلطان العثماني عبد الحميد الأول، ومن ثم رممت. ثم هُدم الجامع كلياً أيام الوالي العثماني المصلح مدحت باشا عام 1295هـ الموافق 1878م، واستعملت حجارته لرصف الشوارع، وكانت الأبنية المحيطة به أصلاً مهدمة منذ غزو تيمورلنك لدمشق سنة 803هـ الموافق 1401م، ولم يقم أحد بإعادة بنائها لبعدها عن الشام وعن قرية الصالحية نفسها. واستمر حال الجامع والمئذنة مخربين حتى عام 1327هـ الموافق 1909م، حين أعيد أعماره من جديد. وما لبث أن هُدم الجامع، وأعيد بناءه مرة ثالثة عام 1375هـ الموافق 1955م. وذكر المستشرقان الألمانيان كارل ولتسينجر، وكارل واتسينجر (Carl Watzinger & Karl Wulzinger) في كتابهما "الآثار الإسلامية في مدينه دمشق" الصفحة رقم 241 والصفحة رقم 248، أن بناء جامع الأفرم يقع في زقاق الزيتون، وهو مسجد حديث يحتفظ جزء منه بحجارة المسجد القديم، ولا يزال مستعملا، ولكننا لم نتفقده. ولا بد أنه كان عامراً في هذه المنطقة ويعود الى سنة 706هـ (انظر صفحة 25 لكريمر / ألفريد فون كريمر (1828 ـ 1889م) مستشرق ودبلوماسي ورجل سياسة نمساوي قام برحلة إلى سوريا دامت عامين (بين 1849 ـ 1851م) وكان من ثمار رحلته هذه كتابه "طوبوغرافية دمشق". وهذا الكتاب يعد بالنسبة لموضوعنا مصدراً لا يستهان به ، استفاد منه الباحثان الألمانيان ولتسينجر وكارل واتسينجر وأحالا إليه مراراً في كتابهما كتاب "الآثار الإسلامية في مدينه دمشق".).
وذكر الشيخ الفاضل عبد القادر بن بدران في سياق حديثه عن جامع المزة: رأيت في هامش "تنبيه الطالب" نقلا عن النعيمي ما محصلته أن جامع المزة، قد خرب وبطلت الصلوات فيه سنين، الى أن أمر السلطان سليمان بعمارة جامعه والتكية (التكية السليمانية) مكان قصر الملك الظاهر بيبرس (أي القصر الأبلق). فأخذت آلات هذا الجامع الى عمارته، وأخذت أيضا آلات جامع النيرب، ولم يبق بالمزة جامع غير جامع المرجاني فقط، ومثله جامع الافرم وقد كان غربي الصالحية، بناه الافرم نائب السلطنة سنة ست وسبعمائة ورتب له خطيبا يخطب فيه وقد أصبح اليوم لا أثر له وكان باتجاه الرباط الناصري وكل منهما يسلم على الآخر سلام الوداع.
ونوه الدكتور أسعد طلس عندما أحصى مساجد دمشق ضمن تحقيقه "لثمار المقاصد في ذكر المساجد" ان هذا المسجد قد تهدم ولم يبق من بنائه شيء إلا الحجارة التي بني بها مجدداً سنة 1327هـ الموافق 1909م بعناية أحد وجهاء مهاجري بخارى المرحوم داوود بن عبد الجبار حفيد الشيخ أحمد اليسوي ابن مولانا شمس الدين ازكندي، وأحفاده لا يزالون مقيمين في دمشق حتى هذا اليوم.
وللمسجد صحن مفروش بالتراب وفي جنوبه المصلى المكتوب على بابه: ((بو جامع شريف بخارا اشرافندن شيخ احمد يسوي سليمان ولي مولانا شمس الدين از كندي سلاسندن علما ومشايخ ندن داود بن الشيخ عبد الجبار طرفندن بنا وتأسيس اولنمشدي سنة 1328 تاريخندن)) والمصلى مؤلف من غرفة فيها قاعدتان حجريتان من فوقهما سقف خشبي، وفيها محراب من الجبس وثماني نوافذ صغيرة، وفي كل جهة من الجهات الأربعة شباكان آخران، والى جانب المصلى الأيمن حديقة صغيرة فيها قبر مجدد المسجد المتوفى سنة 1335هـ، وللمسجد منارة حجرية حسنة أنشأها الشيخ داوود المذكور بمعاونة السيد رضا أفندي القوتلي، وفي الصحن ثلاث غرف اتخذها أولاد المجدد بيتاً لسكنهم ومدرسة يعلمون فيها الأطفال والأيتام. (انتهى ماذكره طلس).
والجدير بالذكر أن البيت كان لم يزل قائماً والمدرسة ظلت مستمرة في نشاطاتها حتى أواسط خمسينات القرن العشرين وخرجت مجموعة من الأعلام الدمشقيين من بينهم وزير الاقتصاد السوري السابق محمد العمادي، وأغلقت عندما وضعت وزارة الأوقاف يدها عليها كونها من الأوقاف الإسلامية. وتم هدم البيت والمدرسة والمسجد بالكامل وأعيد بناء المسجد من جديد على شكله الحالي القائم اليوم (حوار أجراه في طشقند أ.د. محمد البخاري مع علاء الدين البخاري حفيد داوود بن عبد الجبار رحمه الله، والمقيم بمدينة دمشق أثناء زيارته لأوزبكستان عام 1986 بدعوة من جمعية وطن للعلاقات الثقافية مع الأوزبك المقيمين في الدول الأجنبية).
وتابع الباحث عماد الأرمشي أنه ضمن أبحاثه عن مساجد دمشق هناك دراسة تاريخية مفصلة نشرت بمنتدى المنعكس الثقافي ذكر فيها: أنه في كل مرة كان يتم إعادة إعمار أي أثر تاريخي، أو مدرسة أو مسجد أو جامع، كان لا يمكن إعادة الأثر إلى ما كان عليه في الماضي، فما بالكم إذا أعيد اعمار هذا الجامع ثلاث مرات وبفترات زمنية متباعدة وبعيده جداً عن جذوره المملوكية التي ضاعت مع أعماق الزمن، وضاعت معها معالم جامع الأفرم القديم ؟؟ وعند زيارتي الميدانية للجامع سنة 2007 وسنة 2010 لم أشتم رائحة الأفرم، ولا رائحة العصر المملوكي للجامع، ولا حتى العثماني، بل وجدت مسجداً مستجداً مستحدث بواجهة حجرية عريضة صماء خالية من كافة العناصر الجمالية والتزينية يتخللها نافذتان عريضتان على حرم الصلاة، ومن فوقهما نافذتان صغيرتان تتوسطهما نافذة جميلة نوعا ما محمولة على عامودين، وتم زخرفة النافذة بزخرفة حجرية أنيقة ويعلو النوافذ طنف كامل من المقرنصات، وفي منتصف الواجهة لوحة حجرية كتب عليها بخط نسخي جميل: جامع الأفرم.



وعلى بوابة المسجد ظهرت بعض التزيينات الطفيفة ولكنها ليست بالقدر الكافي كما هي الحال في المساجد التي بنيت بنفس الحقبة التاريخية. والمئذنة مجددة بالكامل وأخذت شكل المآذن ذات الطراز الشامي بتأثير مملوكي غني بالزخارف جذعها مثمن الأضلاع بطبقة واحدة، أحادية الشرفة، ومزخرفة بالمقرنصات الجميلة، وأسفل الشرفة أشرطة تزيينية رومانية، وهي مثمنة الأضلاع يحيط بها درابزين حجري مفرغ بالرسوم الهندسية، وتنتهي المئذنة بجذع ومنه إلى ذروة بصلية متوجة بتفاحتان وهلال مغلق وكأنها بنيت عام 1990م. وحرم الصلاة، حرم عادي لا يوجد فيه أي أثر مملوكي، ومحرابه ومنبره كبقية المساجد الحديثة العهد المبنية في منتصف القرن العشرين.
وجرى توثيق الجامع بالنص والصورة والخارطة عام 2006 ضمن المباني الأثرية العالمية في مدينة دمشق تحت اسم جامع الأفرم برقم 221 في مجلد كتاب العمارة والمجتمع العثماني في مدينة دمشق بالقرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين للباحثين الألمانيين ويبر، وستيفان، وتحقيق البروفسور الدكتور جودرن كريمر، والبروفسور الدكتور دورثي ساسك. والموثق هذا موجود في جامعة برلين بألمانيا. واختتم عماد الأرمشي بقوله: جامع الأفرم مازال قائما حتى يومنا هذا في حي المهاجرين وهو الذي شيده نائب السلطنة المملوكية في الشام الأمير جمال الدين آقوش الدواداري المنصوري الأفرم رحمه الله تعالى فترحموا عليه. واختتم دراسته بقوله: أن جامع الأفرم كان من أعظم جوامع دمشق، وكيف ندرسه ولم يبق منه إلا حجراً واحداً ؟
ولم يزل يذكر أ.د. محمد البخاري الجامع والمدرسة التي كان يزورهما مع أبيه في خمسينات القرن الماضي والطريق التي كانا يتبعانها سيراً على الأقدام من حي المحكمة في الصالحية إلى حارة قنارة ومن ثم إلى حارة بير التوته وحارة الأولياء وحارة الحواكير حيث كان يصنع الحرفيون المهرة فيها الأدوات الفخارية المتنوعة من صحون وأباريق ومشربيات وغيرها، ومنها إلى طلعة شورى ومن ثم السير في ممر غير عريض ممتد بين منزل الشخصية السياسية المعروفة فارس الخوري ونهر كانت مياهه وفيرة في تلك الأيام حتى الوصول في النهاية إلى مدخل الجامع والمدرسة الواقعان بين الأشجار الباسقة قبل إنشاء الجامع الحديث وحديقة المالكي والبنايات الحديثة بالقرب منهما في نهاية خمسينات القرن الماضي. وفي واحدة من تلك الزيارات أذهله أن الرجال اجتمعوا لذبح حصان كبير توزعت الأسر البخارية الدمشقية لحمه بعد ذبحه وتقطيعه، وطبخوا من لحمه في ذلك اليوم الرز البخاري وأنواع اللحم المسلوق والمشوي. وكانت المرة الأولى في حياته التي تذوق فيها لحم الحصان. ويتذكر زيارات التجار البخارية المقيمين في لبنان والأردن والعراق والسعودية لدمشق بقصد زيارة أقاربهم والراحة والتسوق والعودة إلى أماكن إقامتهم محملين بالبضائع الدمشقية.
وفي هذا المختصر نكون قد استعرضنا جانباً من حياة وآثار الأوزبك في سورية وقدمنا من خلالها خدمة للباحثين في هذا المجال الإنساني، وسلطنا الضوء على صفحات من العلاقات التي ربطت الشعبين الأوزبكي والسوري منذ قرون عديدة. وأن الأوزبك أنشأوا في دمشق الأحياء الخاصة بهم والعديد من دور العبادة والمدارس، وأنهم مارسوا كل المهن المعروفة آنذاك وكان من بينهم شخصيات اجتماعية وسياسية بارزة تركت آثاراً واضحة في التاريخ السوري المعاصر.