الأربعاء، 12 أغسطس 2020

وسائل الاتصال والإعلام الجماهيري كأدوات للنظم السياسية

وسائل الاتصال والإعلام الجماهيري كأدوات للنظم السياسية
أ.د. محمد البخاري
التبادل الإعلامي في ظروف  العلاقات الدولية المعاصرة
طشقند - 2011
تأليف:
محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة؛ بروفيسور قسم العلاقات العامة والإعلان، كلية الصحافة، جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.

وسائل الاتصال والإعلام الجماهيري كأدوات للنظم السياسية
وتواجه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيري مجموعة من التحديات الدولية رافقت التغيرات الهائلة في أشكال ملكيتها وهياكلها التنظيمية والإدارية وانتشارها الواسع خارج الحدود الوطنية بفضل التطورات المتسارعة في تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية والإنتاج الصحفي خلال القرن الماضي، وأفرزت هذه التغييرات مجتمعة تعديلات جوهرية في السياسة الإعلامية، وفي مفاهيم المسؤولية المهنية والاجتماعية للإعلام والاتصال الجماهيري داخل المجتمعات. وبقيت مشكلة التحديث والتطوير قائمة لتدعيم قدراتها على المنافسة عن طريق إحداث تغييرات ثقافية ومهنية وفي طرق وآليات التحكم بالعمل الصحفي، التي كانت دائماً العامل الرئيسي لما وصلت إليه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الوطنية.‏ ولعل تحديث وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، مرتبط بتغيير البيئة والأطر القانونية والمهنية التي تتحكم بأدائها لتعطي الصورة الشاملة لمؤشرات التعايش مع المشكلات، ومواجهتها وليبقى الإصرار على طرح المشكلات مفيداً للوصول إلى حلول تمكن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من مواكبة عصر العولمة، سيما وأن الصحفيين هم صناع التفاؤل وزراع الثقة بالمستقبل.‏
وتميزت التجربة العربية السورية بعد ثورة الثامن من آذار عام 1963 بتغير النظرة إلى مهنة الصحافة ووسائل الاتصال والإعلام والجماهيرية باتجاه نحو إخراجها من واقع المشروع الاستثماري التجاري، إلى العمل التثقيفي والتوعية الفكرية الذي يساعدها على تقديم خدمة تشمل جميع الشرائح الاجتماعية، من خلال الالتزام بمصالح الجماهير، ولكن دون أن تنفي ما قامت به الصحافة قبل ذلك الحدث الهام في تاريخ الجمهورية العربية السورية لأن الصحافة قامت بالفعل بمثل تلك الخدمات والمهمات، وكان التزامها قائما من خلال مفهوم أنه لا حياد في العمل الصحفي، وكانت كل صحيفة ملتزمة بخط هذا الحزب أو ذاك، أو هذه الفئة أم تلك من الفئات والشرائح الاجتماعية وهو ما ينفي الحياد غير الملتزم. وبعد قيام ثورة آذار 1963 تبنت الدولة مشروعاً إعلامياً وطنياً يتضمن تمويل وإدارة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وانتهى معه إصدار الصحف والنشرات والمجلات الخاصة.‏ ولكن البعض يشيرون إلى بروز حزمة من التأثيرات السلبية على الإدارة وبيئة العمل الصحفي والمهني والتمويلي في المؤسسات الصحفية ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، نتجت عن ملكية الدولة لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية خلال الأربعين عاماً التي مضت، وتحولها إلى مشكلات تكاد تكون مستعصية الحل.‏ ولوحظ معها استجابة الحكومة للتعامل مع الكثير من القضايا والمشكلات التي هي بحاجة للمعالجة وتخدم قضية التطوير والتحديث. ‏وهذه مسألة غاية في الأهمية، لأن حالة من المصداقية تكرست بين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وجمهورها، الأمر الذي دفع البعض لطرح المشكلات بروح عالية من المسؤولية الوطنية والأخلاقية في سعي لتصويب ما اعوج في إطار العلاقة الموضوعية بين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وأجهزة الإدارة الحكومية، للارتقاء بتلك العلاقة إلى مستوى فريق العمل الواحد، غايته بناء الوطن على أسس قوية ومتينة، وللارتقاء بالعمل الإعلامي وتحسين أدواته ليكون إعلاماً يواكب متطلبات العصر والتحديات التي يواجهها وليكون الإعلام في سورية بالحجم الذي تتمتع به السياسة العربية السورية.‏ وليكون الإعلام سلطة رابعة تبحث عن الحقائق وتقدمها للآخرين.‏ وهنا لابد أن نشير إلى ما أشار إليه السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد أكثر من مرة إلى دور الإعلام وضرورة وضع آليات وتصورات وحلول للمشكلات التي يواجهها الإعلام والإسهام في تطويره والنهوض به.ودعوته إلى ضرورة تحديد دور جديد للإعلام مشدداً على أهمية المعلومة وتحليلها لتشكيل رؤية متكاملة، وإلى حاجة الإعلام لانسياب المعلومات الدقيقة والصحيحة إلى وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وتركيزه على دور الإعلاميين في توظيفها لتوضيح السياسة التي تنتهجها الدولة وتفنيد الحملات الإعلامية التي تتعرض لها سورية.‏
وفي هذا الاتجاه نرى أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في سورية هي اليوم أحوج من أي فترة مضت لدراسات في التحليل الاتصالي والإعلامي والسياسي والإقتصادي تسمح بالتعرف على الواقع الفعلي الذي تعيشه وتساعد المسؤول على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب خاصة وأن المصادر العلمية تطالعنا بأن كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية يملك نظامه السياسي الخاص به، ويشمل كل نظام آليات معينة لتحقيق وظائف السلطة السياسية كنظام اجتماعي متكامل، خاصة وأن مفهوم النظام السياسي هو من الأسس التي تعتمد عليها العلوم السياسة لدراسة جميع أوجه الحياة السياسية والإقتصادية وتمييزها عن غيرها من مكونات الحياة الاجتماعية الإنسانية. وتتفاعل تلك المكونات فيما بينها ضمن المحيط الذي تعيش داخله لتكوِّن علاقات معينة تربط بين البنى المكونة للمجتمع الواحد. والنظام السياسي، عبارة عن مجموعة من المكونات المتتالية المتفاعلة فيما بينها ومع غيرها من المكونات التي تشكل تركيبة البنى الأساسية للمجتمع الإنساني من اقتصادية، وسياسية، وفكرية، وثقافية، وتشريعية، ودينية. ويعتمد اتساع النظام السياسي على مدى الحدود المشتركة للأطر المتفق عليها سياسياً، ضمن النظام الملزم والواقعي والممكن تطبيقه. ويشمل النظام التشريعي جميع الأصعدة والمستويات التي تركز على مدى فعالية القوانين النافذة في إطار نظام لا مركزي يتيح تطبيق تلك القوانين.
ومفهوم النظام السياسي الحديث، كما يشير البعض أخذ بالتشكل في أواسط القرن العشرين، واعتبر آنذاك تطوراُ منطقياً للعلوم السياسية وضرورة منطقية لمتابعة الحياة السياسية ومواقف النظم السياسية ومقارنتها مع غيرها من النظم والمواقف، ودراسة بعض نماذج النظم السياسية للوصول إلى تصور معين للمواقف وآليات أداء الوظيفة السياسية للنظام المدروس. وتعتبر تلك المراجع العلمية أن الأمريكيين أستون د.، وألموند غ.، كانا من أوائل واضعي أسس نظرية النظم السياسية في العالم الغربي. فقد وضع الأمريكي د. أستون في أعماله "النظام السياسي" الذي صدر عام 1953، و"حدود التحليل السياسي" الذي صدر عام 1965، و"التحليل المنهجي للحياة السياسية" الذي صدر عام 1965، مدخلاً لتحليل النظم السياسية، شمل: البرلمانات، والحكومات، والإدارات المحلية، والأحزاب السياسية، والهيئات الاجتماعية، واعتبر أستون أن النظام السياسي هو نظام يتضمن آليات متطورة لضبط التفاعلات الذاتية لإدارة الحكم التي يمكنها ضبط التأثيرات الآتية من خارج النظام السياسي. وتحتفظ النظم السياسية عادة بمداخل معينة تعبر من خلالها عن نفسها بالطرق والوسائل التي تعكس وتعبر عن تفاعلات التطور الاجتماعي، وتأتي تلك التفاعلات عادة على شكل مطالب اقتصادية وسياسية واجتماعية معينة، يطالب بها البعض ويؤيدها أو لا يؤيدها البعض الآخر داخل التركيبة الاجتماعية، وتتشكل تلك المطالب عادة داخل الوسط الاجتماعي المحيط بدائرة السلطة الحكومية، أو من داخل النظام السياسي السائد في المجتمع.
وتعبر الشرائح الاجتماعية، عن تأييدها للنظام السياسي عن طريق: التزامها بدفع الضرائب؛ وأداء الخدمة العسكرية الإلزامية؛ والتقيد بالقوانين النافذة؛ والمشاركة الإيجابية بالتصويت في الاستفتاءات والانتخابات العامة؛ وبالتعاطف مع السلطات الحكومية من خلال تأييدها للشعارات المطروحة على الرأي العام. وبغض النظر عن وجود أو عدم وجود مطالب محددة لدى بعض الشرائح الاجتماعية فإن التأييد العام المعبر عنه من قبل أكثرية الشرائح الاجتماعية، يصبح جزءاً من كيان النظام السياسي الذي يلتزم بأخذ المطالب المطروحة بعين الاعتبار، ولكن بما لا يتعارض مع مصالح مختلف عناصر التركيبة الاجتماعية. وتلتزم السلطة الحكومية باتخاذ إجراءات معينة لا تخل بالمصالح الوطنية العليا للدولة، وتلبي مطالب شريحة اجتماعية معينة من خلال إعادة النظر مثلاً بسلم الأجور المطبق تلبية لحاجات تلك الشريحة الاجتماعية وعلى ضوء مجريات الأحداث والتطورات الاقتصادية والاجتماعية المحققة فعلاً.