الأربعاء، 9 سبتمبر 2020

العولمة والتبادل الاعلامي الدولي

 

العولمة والتبادل الاعلامي الدولي

أ.د. محمد البخاري

التبادل الإعلامي في ظروف  العلاقات الدولية المعاصرة

طشقند - 2011

تأليف:

محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة؛ بروفيسور قسم العلاقات العامة والإعلان، كلية الصحافة، جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.

 

العولمة والتبادل الإعلامي الدولي

مصطلح العولمة يحمل معنى "جعل الشيء على مستوى عالمي، أي نقله من حيز المحدود إلى آفاق اللامحدود. واللامحدود هنا يعني العالم كله، فيكون إطار الحركة والتعامل والتبادل والتفاعل على اختلاف صوره السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، متجاوزاً الحدود السياسية والجغرافية المعروفة لدول العالم. وهذا المعنى يطرح العولمة ضمناً كموضوع يهدد مستقبل الدولة القومية وحدود سيادتها ودورها سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي".

والعولمة وفق المفهوم الأمريكي هي "تعميم نمط من الأنماط الفكرية والسياسية والاقتصادية لجماعة معينة، أو نطاق معين، أو أمة معينة على الجميع، أو العالم كله". وبما أن العولمة بدأت أساساً من الولايات المتحدة الأمريكية، فقد جاءت نظرياً كدعوة لتبني النموذج الأمريكي في الاقتصاد والسياسة والثقافة وبالتالي طريقة الحياة بشكل عام. وجاءت العولمة أساساً كنتاج للثورة العلمية والتكنولوجية، التي كانت في العصر الحاضر بمثابة نقلة نوعية في تطور الرأسمالية العالمية، لمرحلة ما بعد الثورة الصناعية التي ظهرت مع منتصف القرن 18 في أوروبا، نتيجة لاستخدام الطاقة، وغيرت بشكل جذري أسلوب وعلاقات الإنتاج، لتبدأ معها مرحلة جديدة من مراحل التطور الإنساني، اتصف بالتوسع الاقتصادي، والبحث عن الموارد الطبيعية، وفتح الأسواق العالمية. وكانت من مسببات ظهور الاستعمار التقليدي، وقيام الحروب الأوروبية لتلبية حاجات الرأسمالية الصاعدة.

ومما سارع في شيوع العولمة استمرار التطور العلمي والتكنولوجي، وما رافقه من تطور هائل لوسائل الاتصال والاستشعار عن بعد وجمع وتخزين ونقل المعلومات الحديثة، التي شكلت بدورها تجديداً لنمط وطبيعة الإنتاج والتفاعلات والتعاملات الدولية. ولم تعد الحروب اليوم وسيلة لحسم الخلافات بين الدول الرأسمالية، بل أصبحت الحاجة ملحة لتوحيد أسواق الدول الصناعية المتقدمة من خلال سوق عالمية واحدة، أي ضرورة تجاوز الحدود الجغرافية والسياسية القومية المعروفة، وإعادة توزيع الدخل، والعمل على رفع المستوى المعيشي للإنسان ليمكن معه توسيع سوق الدول الصناعية المتقدمة، لاستيعاب المنتجات الحديثة، أي خلق مجتمع استهلاكي كبير. وشكلت تلك السمات نقطة التحول من الرأسمالية القومية إلى الرأسمالية العابرة للقوميات، التي ارتبط فيها ظهور مفهوم العولمة الذي عبر عن ظاهرة اتساع مجالات الإنتاج والتجارة، ليشمل السوق العالمية بأسرها. وتجاوز الفاعلية الاقتصادية التي كانت لمالكي رؤوس الأموال، من تجار وصناعيين، كانت تصرفاتهم محكومة في السابق بحدود الدولة القومية التي ينتمون إليها، لتصبح الفاعلية الاقتصادية مرهونة بالمجموعات المالية والصناعية الحرة، المدعومة من دولها، عبر الشركات متعددة الجنسيات، وهكذا لم تعد الدولة القومية هي المحرك الرئيسي للفاعلية الاقتصادية على المستوى العالمي، بل حل مكانها القطاع الخاص والشركات متعددة الجنسيات بالدرجة الأولى في مجالات الإنتاج والتسويق والمنافسة العالمية.

والعولمة ليست نظاماً اقتصادياً فقط، بل تعدته إلى كافة مجالات الحياة السياسية والثقافية والعلمية والإعلامية، لأن النمو الاقتصادي الرأسمالي العالمي استلزم وجود أسواق حرة، ووجود أنظمة سياسية من شكل معين لإدارة الحكم. كما تعددت مراكز القوة الاقتصادية العالمية في الرأسمالية العالمية الحديثة، وتعددت معها مراكز القوة السياسية، حتى أنها خلقت بدائل وتعددية في القوى على مستوى السلطة، وهو ما دعم إمكانيات التطور الديمقراطي بكل شروطه، من عدم احتكار السلطة، وتداولها، وتعدد وتنوع مراكز القوى والنفوذ في المجتمع، ومنع تركيز الثروة في يد الدولة وحدها، محققاً نوعاً من اللامركزية في الإدارة.

ومما ساعد على الانتشار السريع للعولمة انتصار الرأسمالية على الأنظمة الأخرى، من نازية وفاشية وشيوعية وانهيار الإتحاد السوفييتي السابق، لتحل محله جمهوريات مستقلة، وسقوط النظم الشمولية في أوروبا الشرقية، وتحول الأنظمة الجديدة في تلك الدول نحو أشكال ديمقراطية للحكم ارتبط جوهرها بالتطور الديمقراطي والنمط الرأسمالي، الذي يعتمد على الديمقراطية في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وأتاح الاتصال المباشر عبر القارات من خلال شبكات الاتصال والإعلام الجماهيرية العالمية وخاصة محطات الإذاعة المسموعة والمرئية عبر الأقمار الصناعية الفضائية، فرصة لإبراز ملامح العولمة التي أصبحت ملموسة حتى من قبل الأشخاص العاديين في أي مكان في العالم. ومن المنتظر أن يتيح هذا التطور الهائل في تكنولوجيا وسائل الاتصال الحديثة، إمكانية زيادة التواصل الثقافي بين شعوب العالم، وليساعد على إيجاد آمال وأهداف ومصالح مشتركة تتجاوز المصالح القومية ولا تتناقض معها، ولكن العديد من الحكومات أثارت مخاوف وشكوك سياسية كثيرة، يمكن أن تنجم عن بث بعض الدول برامج معادية لأنظمة الحكم، وأفكاراً وأيديولوجيات تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي داخل دول أخرى يستهدفها البث الإذاعي المسموع والمرئي. كما وعبرت بعض القوى السياسية والاجتماعية المؤثرة في العديد من دول العالم عن خشيتها من أن النظام الإعلامي المفتوح قد يهدد ثقافات وتقاليد وعادات ومقدسات الشعوب المغلوبة على أمرها.

وإذا كانت العولمة ترتبط بسيادة نموذج اقتصاد السوق، فإن هذا النموذج بدوره يثير قضية العلاقة بالدولة ودورها، ولا يبرر الانتقال إلى اقتصاد السوق أبداً اختفاء دور الدولة. وكل ما هنالك سيؤدي إلى تغيير محدود لهذا الدور. ومعظم من كتب في أهمية نظام السوق، كان يقرن ذلك دائماً بضرورة وجود دولة قوية، ومن دونها لا تستطيع السوق أن تقوم بدورها، ومن هنا ليس هناك مجالاً للحديث عن محاولة إلغاء أو تقليص دور الدولة، بل بالعكس لابد من التأكيد على هذا الدور وأهميته وضرورته، مع تعديل هذا الدور ليتوافق ونظام السوق. فالولايات المتحدة الأمريكية وهي أكبر دولة رأسمالية في العالم، تتدخل في الحياة الاقتصادية، وتحدد شروط النشاطات الاقتصادية، والسياسات النقدية والمالية والتجارية، والفارق المهم بين النظم المركزية، ونظم السوق، هو أن الدولة تتدخل في الحياة الاقتصادية باعتبارها سلطة، وليس كمنتج. لأن سلطة الدولة لا غنى عنها ولا تتناقض مع تطور الحياة الاقتصادية.

والاقتصاد الحر لا يعني أبداً غياب الدولة عن النظام الاقتصادي والفرق بين النظام الليبرالي ونظام التخطيط المركزي، ليس في مبدأ التدخل ولكن في مضمونه، ففي ظل التخطيط المركزي تقوم الدولة بالإنتاج المباشر للسلع والخدمات، وتسيطر على النشاطات الاقتصادية، عن طريق القطاع العام. أما في ظل الاقتصاد الحر، فإن الدولة تترك الإنتاج المباشر للسلع والخدمات للأفراد والمشروعات الخاصة. أي تحقيق التكامل بين دور الدولة ودور القطاع الخاص، ويكون تدخلها في سير الحياة الاقتصادية، بوسائل أخرى أكثر فعالية، من حيث الكفاءة الإنتاجية وتحقيق العدالة الاجتماعية. من خلال المحافظة على مستويات عالية لنمو الناتج الوطني. والقيام بتوفير الخدمات الأساسية في مجالات التعليم والصحة، والقضاء، والأمن، والدفاع، ويدخل فيها قيام الدولة بمشروعات البنية الأساسية.

ومبدأ الحرية الاقتصادية لا يعني أبداً إهمال مبدأ العدالة الاجتماعية، فالبلاد التي أخذت بهذا المبدأ، هي في مقدمة بلاد العالم من حيث الاهتمام بالفقراء، وتحقيق العدالة في التوزيع، وتوفير شبكة الأمان لكل المواطنين والمقيمين، ضد المخاطر الاجتماعية بما في ذلك البطالة والعجز والشيخوخة، وغيرها من الأمراض الاجتماعية. وهناك علاقة وثيقة بين الكفاءة في الأداء الاقتصادي وبين شروط العدالة. ذلك أن الكفاءة تعني نمو الاقتصاد القومي بمعدلات عالية، وتعاظم طاقة النظام الاقتصادي لتوفير فرص العمل المنتج لكل القادرين عليه، والتي هي من المقومات الأساسية للعدالة الاجتماعية.

والدور الجديد للدولة يؤهلها للتكيف مع المتغيرات العالمية الجديدة، دون انتقاص لسيادتها، في ظل انتشار مفهوم العولمة، وشروط النظام العالمي الجديد. الذي يقوم على مبدأ الاعتماد المتبادل بين دول وشعوب العالم. والاندماج الإيجابي والواعي في النظام العالمي الجديد. انطلاقاً من حقائق أن العولمة ليست ظاهرة بلا جذور، بل هي ظاهرة تاريخية وموضوعية نتجت عن التطور الهائل لتكنولوجيا وسائل الاتصال وجمع ونقل المعلومات، والطبيعة التوسعية للإنتاج الرأسمالي. ولا يجوز البقاء خارجها، ويجب اللحاق بما يجري في العالم، والتعامل معه بوعي ووفق قواعد محددة تجنباً للبقاء خارج إطار التاريخ.

والنظام الاقتصادي الجديد جاء نتيجة لإنجازات كبرى في تاريخ تطور البشرية على كافة المستويات العلمية والثقافية والاقتصادية والتكنولوجية والتقنية والسياسية والفكرية، ومثل نقطة جذرية مختلفة تماماً عن كل ما سبقها من نظم. وأن الحضارة العالمية الحديثة قامت على أنقاض حضارات القرون الوسطى وثقافاتها، وفصلت الدين عن سلطة الدولة. وزودت الفكر البشري برؤية عقلانية تاريخية تنويرية، بتوجه ديمقراطي يقوم على أساس احترام الرأي والرأي الآخر، والتعددية، وحرية التعبير، وتكريس مبادئ حقوق الإنسان التي لا تعرف الحدود الجغرافية أو السياسية. وفرضت العولمة على الدول الأقل تقدماً واجب القيام بمزيد من خطوات التحديث الشامل الذي لا تمكن دون الدور الفاعل للدولة الذي تضطلع به من خلال الترشيد والأداء الاقتصادي، وتنظيم تفاعلات السوق.