الثلاثاء، 7 أغسطس 2012

تقسيم أراضي المشرق العربي بين الدول الغربية المنتصرة في الحرب


تقسيم أراضي المشرق العربي بين الدول الغربية المنتصرة في الحرب

 7

(صفحات من تاريخ المشرق العربي في سياسة المصالح الخارجية للدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى)



قام بالعمليات العسكرية في المرحلة الأخيرة للحرب العلمية الأولى على مسرح الشرق الأوسط وبشكل رئيسي الثائرين العرب بقيادة الأمير فيصل بن الحسين بمساندة الجيش البريطاني بقيادة الجنرال إ. أللنبي. و حتى نهاية الحرب كان لفرنسا وجود عسكري صغير في الشرق الأوسط مؤلف من 8 آلاف جندي، في الوقت الذي كان فيه التواجد البريطاني في سورية ولبنان فقط يتألف من 45 ألف جندي. ودارت معركة السيطرة على سورية ولبنان بين المنتضرين خلف الكواليس قبل إعلان الصلح بين الأطراف المتحاربة.
وبعد إستيلاء الثوار العرب على دمشق في 30/9/1918 دون إراقة دماء لأن البريطانيين كانوا يدفعون بالثوار العرب إلى المقدمة، وتم رفع علم الحجاز في شوارع المدن المحررة من السلطة العثمانية. وبدأ الأمير فيصل بتشكيل حكومته الوطنية ولكن محاولاته لتوسيع سلطته إلى المناطق المطلة على البحر ولبنان قوبلت بعدم رضا المسيحيين الموارنة ووجهت بإنزال عسكري فرنسي محدود (من عام 1860 لبنان تمتع بحكم ذاتي محدود بضمانات من الدول الكبرى الأوروبية. سنجق لبنان المتمتع بالحكم الذاتي أداره مجلس للحكم الذاتي، شكل على أساس التمثيل الطائفي، وتمتع المارونيون في المجلس بالأكثرية، وكانت توجهاته فرنسية. وشملت حدود السنجق المناطق الجبلية، ولم يشمل المدن الساحلية بيروت، وصيدا، وصور، وطرابلس، وسهل البقاع. نتيجة لإصراره توصل مجلس الحكم الذاتي لضم تلك المناطق إلى سلطته رغم أنها كانت ذات أغلبية مسلمة. في عام 1915 حلت السلطات التركية مجلس الحكم الذاتي ولم يعاود ممارسة سلطاته سوى بعد الصلح).
وفي 5/10/1918، قام الأمير فيصل وعلى ما يبدوا بموافقة أللنبي بتوجيه كلمة للشعب العربي وعد فيها بتشكيل "حكومة دستورية عربية، والحصول على الإستقلال التام والناجز، باسم سيدنا السلطان حسين وعزمه "نشر سلطته على كل سورية"  بما فيها لبنان، وفلسطين (Zeine Zeine N. The Struggle for Arab Independence. Western Diplomacy and the Rise and Fall of Faisal’s Kingdom in Syria. Beirut, 1960. P. 32-33).
في لوقت الذي رد أللنبي بحزم على أي اعتراض للأمير فيصل على الوجود الفرنسي على الساحل، مستنداً على الحفاظ على الوضع العسكري الراهن وهيبته كقائد عام لقوات التحالف (Ibid. p. 25-30).
وفي 30/10/1918 تم التوقيع على صلح مودروس، الذي عقد على ظهر السفينة الحربية البريطانية "آغاممنون"، في ميناء مودروس (جزيرة ليمنوس) بين ممثلي بريطانيا (كدولة مفوضة من قبل دول أنتانتا) وحكومة السلطنة العثمانية (صلح مودروس لعام 1918: للمزيد أنظر: القاموس السياسي ج2. ص 255. وكلوتنيكوف يو. ف.، سابانين أ. ف.: السياسة الدولية. ج. 2. ص188 – 189).
وبعد أن انهزمت الدولة العثمانية عسكرياً في الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918، كانت مضطرة لقبول الشروط الصعبة المفروضة عليها من: - فتح ممرات البحر الأسود أمام السفن الحربية لدول أنتانتا مع حقهم في احتلال قلاع البوسفور والدردنيل، وباكو وباطومي؛ - وتسليم المواقع العسكرية العثمانية الواقعة خارج الدولة العثمانية، وسحب القوات العثمانية المتواجدة على الأراضي الإيرانية، ومن المواقع الموجودة فيها تلك القوات في ما وراء القوقاز، وكيليكيا؛ - وحل الجيش وتسليم السفن الحربية التركية الموجودة في المياه العثمانية، أو في مياه الأراضي الموجودة فيها البحرية العثمانية وغيرها لدول الأنتانتا. وكان هذا يعني في الواقع استسلام الدولة العثمانية.
ووفقاً لبنود اتفاقية الصلح احتلت الدول المتحالفة كافة الأراضي الممتدة حتى خط شمال حلب، وبالإضافة إلى ذلك كان باستطاعتهم دخول أية أراض أخرى إذا رأوا أن ذلك ضرورياً. وفي 7/11/1918 نشرت الوثيقة البريطانية الفرنسية حول العمل على الساحة السورية ووادي الرافدين، ووعدت الوثيقة شعوب المناطق المعنية بإقامة "حكومات قومية وإدارات للحكم تستمد سلطاتها من الانتخابات الحرة ومبادرة السكان الأصليين". "وفي نفس الوقت لم ترغب بفرض أي شكل من أشكال الحكم على سكان تلك المناطق"، ووعد الحلفاء بتقديم الدعم والمساعدة لإقامة حكومات وطنية وتطور اقتصادي مستقل للدول التي يتم إقامتها. وكان من الواضح أن هذه الوثيقة صدرت من أجل تلطيف الأجواء الثقيلة، التي خلفها على العرب نشر اتفاقية سايكس بيكو في بداية عام 1918 (Ibid. p. 47-48).
ووفقاً لقرار قيادة الحلفاء بتاريخ 30/10/1918 وضع نظام لإدارة "الأراضي المعادية المحتلة"، بأمر من أللنبي بتاريخ تشرين ثاني/نوفمبر 1918، وقسم الأمر الأراضي المحتلة إلى عدة مناطق نفوذ: - المنطقة الجنوبية (فلسطين) ووضعت تحت الحكم العسكري البريطاني؛ - والمنطقة الشمالية الشريط الساحلي من شمال فلسطين إلى ميناء اسكندرون ضمناً وضعت تحت السلطة الفرنسية، ولكنها كانت عملياً تحت احتلال القوات البريطانية التي تفوق القوة الفرنسية المحدودة؛ - والمنطقة الشرقية وتضم المناطق الداخلية من سوريا بما فيها مدن دمشق وحماه وحمص وحلب، وخلف نهر الأردن بما فيه مدينة عمان وضعت تحت حكم الأمير فيصل؛ - وفي كانون أول/ديسمبر قامت القوات البريطانية وبمشاركة قوات فرنسية باحتلال كيليكيا التي أصبحت تسمى المنطقة الشمالية، - وسميت السواحل اللبنانية والسورية، بالمنطقة الغربية. وسلمت الإدارة المدنية في كيليكيا للفرنسيين (كيليكية أو قيليقية Cilicie : منطقة في جنوب غربي تركيا الآسيوية على ساحل البحر الأبيض المتوسط. من مدنها أضنة وطرسوس وسيس. عرفت بإرمينيا الصغرى، وكانت مملكة مستقلة في العهد الصليبي 1198م – 1375م. المنجد في الآداب. ص 604 – 605)، ( Gontaun-Biron R. Op. Cit. P 65).
وكانت السلطة العسكرية في "جميع الأراضي المعادية المحتلة" خاضعة لأللنبي وقيادته العسكرية، والسلطة المدنية على الساحل وكيليكية  للإدارة الفرنسية، وفي المناطق الداخلية من سوريا سعى العرب والفرنسيون والأمير فيصل للسيطرة على سورية بكاملها، مما هيأ أرضية لصراعات شديدة سمحت للبريطانيين بلعب دور الوسيط والحكم بين الفرنسيين والعرب وفق المصالح البريطانية الخاصة.
وكما سبق وأشرنا لم يتجاوز عدد القوات الفرنسية في المنطقة 8 ألاف عسكرياً، منهم 7 آلاف قوات برية وهي القوات الفرنسية في سورية وفلسطين (DFPS)، و1 ألف جندي أنزلوا على جزيرة أرواد التي احتلها الفرنسيون في عام 1915 (أرواد: هي أرفاد الفينيقية، وأردوس اليونانية. ورد اسمها في التوراة. جزيرة سورية يسكنها 3 آلاف نسمة. على بعد 3 كم من شاطئ طرطوس. طولها 800 م، وعرضها 500 م. كانت قديماً مملكة فينيقية وصلت حدودها إلى جهات حمص وحماة، وقد ناصر أسطولها الفرس في معركة سلامين 480 ق.م. وفيها آثار فينيقية وصليبية. المنجد في الآداب. ص 37).
وفي تشرين ثاني/نوفمبر أعيد تسمية كل تلك القوات بـ"قوات ليفانته الفرنسية" (TFL). وأكثر من نصف أفضل قوات TFL كانت من "اللواء الشرقي"، الذي قسم في نهاية عام 1918 إلى "اللواء الأرمني"، و"اللواء السوري"، المؤلفين من الأسرى الأتراك والقوميون الأرمن والعرب والمهاجرين فبل الحرب من تلك القوميات. وكان الانضباط في تلك القوات ضعيفاً والضباط الفرنسيين في أكثر الحالات كانوا لا يفهمون لغة جنودهم (Ibid. p. 61).
ولم يسمح البريطانيون لفرنسا بإرسال أية إمدادات لقواتها (Ibid. p. 71) ولم يسمحوا لها بتعيين أوربيين في إدارة الحكم المدني. وهكذا بقيت السلطة الإدارية في المناطق الشمالية والغربية على عاتق عدد قليل من ضباط قوات TFL (Ibid. p. 109). وكانت تنقص الفرنسيين وسائل المواصلات، وكانوا مضطرين في كل مرة للتوجه إلى طلب المساعدة من البريطانيين. (Ibid. p. 87)
وكان الضباط الإنكليز يرددون في أكثر من مرة أن الوجود الفرنسي في سورية غير مرغوب فيه، وفي أي وقت سيجمعون حقائبهم ويرحلون حتى أن أحد الملاك الزراعيين السوريين الكبار "النوتابل" قال أننا "نحن نعرف جيداً كيف نبعد سورية عن فرنسا، ونبعد فرنسا عن سورية". (مصطلح "نوتابل (إقطاعي)" استخدمه المستعمرون أخذاً من مصطلحات أوروبا في القرون الوسطى، وطبق في الشرق الأوسط خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ودخل في الأدبيات العلمية. ويفهم من نوتابل كبار ملاك الأراضي الذين يعيشون في المدن على حساب الدخل الذي توفره لهم تلك الأراضي التي يؤجرونها. الحياة الاجتماعية في المدن السورية كانت تحت السيطرة التامة للعائلات الكبيرة صاحبة النفوذ ومنها الأسر الإقطاعية. للمزيد أنظر: - Khoury Ph. S. Urban Notables and Arab Nationalism. The Politics of Damascus,  1860-1920. Cambridge, 1983)، (Gontaun-Biron R. Op. Cit. P 70)
وكانت الأوضاع العسكرية التي خلقتها الإدارة العسكرية البريطانية سبباً لتعقيد أي نشاط عملي تقوم به فرنسا في الشرق الأوسط، ولتحافظ في نفس الوقت على التفوق الممكن لوجودها في المنطقة. واستبدلت العملة التركية في بداية عام 1919 بالجنيه المصري المرتبط بنظام النقد البريطاني (Ibid. p. 122-123).
وبدء البريطانيون ببناء ميناء في حيفا، ولم يسمحوا بترميم واستخدام ميناء بيروت لأغراض تجارية وكان الأجانب يصلون إلى بيروت عبر القاهرة فقط، وكان يجب عليهم الحصول على جواز سفر ورخصة لممارسة أي عمل تجاري. حتى أن البريطانيون كانوا يؤخرون التجار الفرنسيون ولمدد طويلة في القاهرة والقدس، بمختلف الحجج والذرائع، ويؤخروا تسليمهم الوثائق اللازمة، بينما كانوا يسمحون ودون أية عقبات لمواطنيهم بدخول سوريا. وكانت الرقابة البريدية البريطانية لا تسمح بدخول كاتالوكات ونشرات الشركات التجارية الفرنسية إلى سورية وفلسطين (Ibid. p. 133. 135-136).
والمشكلة الثانية في العلاقات الثنائية بين سلطات الاحتلال البريطانية والفرنسية كانت "الدعاية" فالفرنسيون كانوا على حق عندما نبهوا من أن الإنكليز يؤججون الروح المعادية للفرنسيين في سورية وخاصة في أوساط الأكثرية السنية، لأن العرب عرفوا جيداً خطط فرنسا في سورية وأساليب الإدارة الاستعمارية الفرنسية وخاصة سياستها في مراكش التي كانت خاضعة منذ فترة طويلة للحماية الفرنسية. ونشطت منظمات المهاجرين السوريين واللبنانيين القومية في القاهرة تحت أنظار السلطات البريطانية (Ibid. p. 189).
وفي دمشق  أصبح "النادي العربي"  مركزاً للدعاية المعادية للفرنسيين وقام بتنظيم مظاهرات معادية لفرنسا، وقام بتوجيه العرائض للسلطات. وكان زعماء النادي يوجهون السكان على كل أراضي البلاد باستخدام الخداع، واستخدام القوة أحياناً أخرى حسب ادعاءات الشهود الفرنسيين (Ibid. p. 200-201).
ولم تعيق السلطات البريطانية نشاطات النادي، بغض النظر عن المنع الشكلي لكل الدعايات السياسية. حتى أن الزعماء المسلمين في بيروت كانوا تجاوزون السلطات الفرنسية ويتوجهون بطلباتهم إلى القائد البريطاني المحلي (Ibid. p. 206).
ولم تضع باريس كل ثقلها لتدعيم سلطات الاحتلال الفرنسية حتى أن سفن البريد الفرنسية نادراً ما كانت تصل بيروت مباشرة من مرسيليا (Ibid. p. 137)، وتركت كل الأمور عملياً لرجال الأعمال والسياسيين وكان من بينهم ف. جورج بيكو، "أحد واضعي" الاتفاقية المعروفة باسم سايكس بيكو لاقتسام التركة العثمانية، وهو الخبير بقضايا الشرق الأوسط، الذي عين في تشرين ثاني/نوفمبر 1918 مفوضاً سامياً لفرنسا في سورية ولبنان.
وكانت العواصم الأوروبية تستعد لعقد مؤتمر الصلح، وأسرعت القيادة الفرنسية بإعلان مطالبها في الشرق الأوسط، وفي 29/12/1918 أعلن وزير الشؤون الخارجية الفرنسي س. بيشون أمام مجلس النواب: "أنه لنا في الإمبراطورية العثمانية حقوق غير قابلة للجدل، ويجب الدفاع عنها. ونحن لنا حقوق في لبنان وسورية وفلسطين. تستند على الظروف التاريخية والاتفاقيات المعقودة. وعلى رغبات وحاجات السكان المحليين أيضاً، الذين خلال فترة طويلة يعتبرون من زبائننا". وأضاف "علينا وبكل الأشكال الحازمة الدفاع عن حقوقنا. ولكننا نعتبر أن الاتفاقية المعقودة مع بريطانيا تستمر بربطنا بهم وأن تلك الحقوق المعترف بها والتي سنطالب بحلها في المؤتمر الآن مضمونة بشكل كامل". وهذه الكلمة كانت موجهة قبل كل شيء للبريطانيين لأنها اعتمدت على الاتفاقيات السرية غير القابلة للجدل. ولكنها لم تتفق مع مضمون إعلان تشرين ثاني/نوفمبر الذي أثار حالة من عدم الرضا والسخط في سورية وعقد بشدة أوضاع السلطات الفرنسية فيها (Ibid. p. 199-200).
وفي كانون أول/ديسمبر 1918 جرت محادثات حكومية بريطانية فرنسية تمهيدية في لندن شملت المسائل المهمة للحل السلمي وشارك فيها مندوبون أمريكيون. ولما لم يكن هناك أي محاضر لتلك الجلسات ولهذا يمكننا أن نستند إلى تصريحات المشاركين في تلك الجلسات ومعاصريها، وفي إحدى الجلسات غير الرسمية أعطى جورج بنيامين كليمنصو، لديفيد لويد جورج، نص اتفاقية يتم بموجبها تسليم الموصل لإنكلترا (جورج بنيامين كليمنصو (1841 – 1929): دبلوماسي فرنسي، ورجل دولة. خلال أعوام 1871 – 1893 عضو في المجلس القومي، من عام 1902 سيناتور. خلال آذار/مارس، أكتوبر/تشرين أول 1906 وزير الداخلية؛ خلال أعوام 1906 – 1909 الوزير الأول الفرنسي، لعب دوراً هاماً في تأسيس الأنتانتا. خلال أعوام 1917 – 1920 الوزير الأول ووزير الحربية الفرنسي. رئيس مؤتمر باريس للسلام 1919 – 1920، كان له دوراً كبيراً في تعزيز المكانة العسكرية والسياسية الفرنسية في أوروبا، ولعب دوراً كبيراً في صياغة اتفاقية فيرسال للسلام. القاموس الدبلوماسي. ج2. ص49)،  (ديفيد لويد جورج (1863 – 1945): غراف دوفور، دبلوماسي ورجل دولة بريطاني. عضو مجلس العموم خلال أعوام 1890 – 1945. خلال أعوام 1905 – 1908 وزير التجارة، خلال أعوام 1908 – 1915 وزير المالية، في عام 1916 وزير الحربية، خلال أعوام 1916 – 1926 الوزير الأول في بريطانيا العظمى. خلال أعوام 1926 – 1931 زعيم الحزب الليبرالي. من عام 1945 عضو مجلس اللوردات. لعب دوراً كبيراً خلال مؤتمر باريس للسلام 1919 –  1920 وفي إعداد اتفاقية فرسال للسلام عام 1919. القاموس الدبلوماسي. ج 2. ص 149)،  (Watson D. R. The Making of the Treaty of Versailles // Troubled Neighbours. Franco-British in the Twentieth Century. L., 1971. P. 72).
 وحينها وافق كليمنصو على احتكار السيطرة البريطانية على فلسطين واعتبر المعاصرون أن تنازل كليمنصو في مسألة الموصل أثارت الكثير من التساؤلات والغموض وعدم الفهم آنذاك (كايزر ج.: أوروبا وتركيا الجديدة. موسكو: 1925. ص 25).  ولكن ديفيد لويد جورج بالنتيجة قدم للفرنسيين حينها تنازلات كمبادرة طيبة من جانب واحد (ديفيد لويد جورج: حقائق اتفاقيات السلام. موسكو: 1955. الجزء الثاني. ص 227)،  وأشار كليمنصو خلال حديثه مع سكرتيره مارتيه إلى أنه قدم التنازل عن الموصل كدفعة أولى لتسلم كليكيا (مصطفى كمال: طريق تركيا الجديدة، 1919-1927. موسكو: 1929. الجزء الأول. ص 291).
وفي 18/1/1919 أفتتح مؤتمر السلام في باريس رسمياً الذي استمر حتى 21/1/1920 بفترات توقف دعت إليه الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 من أجل إعداد اتفاقيات للسلام مع الدول المهزومة. والدور الهام في المؤتمر لعبه "مجلس الأربعة" ممثلاً بشخص رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ويلسون، والوزير الأول الفرنسي كليمنصو، والوزير الأول البريطاني ديفيد لويد جورج، والوزير الأول الإيطالي أورلانو (مؤتمر باريس للسلام 1919 – 1920: القاموس الدبلوماسي. ج2. ص 340 – 341؛ وتاريخ الدبلوماسية. ج3. ص140 – 166).
وخلال جلسات المؤتمر نوقشت اتفاقية السلام مع ألمانيا ورافقت المناقشات خلافات كبيرة بين أعضاء مجلس الأربعة، وحاولت فرنسا إضعاف ألمانيا إلى أبعد الحدود من النواحي الجغرافية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، في محاولة منها لتأمين موقع الهيمنة في أوروبا؛ أما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى فقد حاولتا الاحتفاظ بألمانيا كقوة لمجابهة زيادة الهيمنة الفرنسية في أوروبا، ولتلعب دوراً هاماً في مواجهة الاتحاد السوفييتي.
وعند مناقشة موضوع الأراضي الألمانية كانت هناك خلافات حادة حول الأراضي البولونية، ففرنسا سعت دون جدوى لإقامة دولة بولونية قوية "على حدود عام 1772"، والتي تمكنها من لعب دور حليفتها في شرق أوروبا ضد ألمانيا، وضد الاتحاد السوفييتي. وخلال المؤتمر تم إقرار نظام عصبة الأمم في جلسة 7/5/1919، وتم إعداد عدد من معاهدات السلام ومن بينها اتفاقية سفير للسلام التي وقعت عام 1920 وهي واحدة من اتفاقيات نظام فرسال التي وقعتها في سفير شمال باريس بتاريخ 10/8/1920 كلاً من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان وأرمينيا (الدشناق) وبلغاريا واليونان وبولونيا والبرتغال ورومانيا ومملكة الصرب وكرواتيا وسلوفينيا، ويوغسلافيا عام 1929، ومملكة الحجاز التي أصبحت المملكة العربية السعودية من عام 1932، وتشيكوسلوفاكيا من جهة، وحكومة السلطنة العثمانية من جهة ثانية، وارتبطت المعاهدة بشروط الاحتلال المفروضة على حكومة السلطان العثماني من قبل الحلفاء لمجموعة من المناطق الهامة من الدولة العثمانية بما فيها اسطمبول، وممرات البحر الأسود، وإزمير، والصراع اليوناني العثماني، وهزيمة الدولة العثمانية في الحرب، وأوضاعها الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية الصعبة التي استخدمها الحلفاء في أنتانتا ليس لتحقيق واحدة من أهدافهم الرئيسية في تقسيم الدولة العثمانية طبقاً للعديد من الاتفاقيات السرية المعقودة فيما بينهم، ولكن من أجل تقسيم تركيا ما بعد الحرب نفسها، ومن أجل خنق ثورة كمال أتاتورك.
وضمت المعاهدة 13 قسماً، و433 مادة، وتعلق القسم الأول منها بدور عصبة الأمم. ، وحدده القسم الثاني منها مصير الأراضي التركية، أما القسم الثالث فتناول الأوضاع السياسية، في شرق فراقيا، وادرنة، والشاطئ الأوروبي من الدردنيل، وكامل شبه جزيرة غالبول. وسلمت إزمير لليونان، واسطنبول وشريط ضيق من الأرض أبقي شكلياً لتركيا بشرط "احتفاظ الحلفاء بحقهم بتغيير الوضع القائم" في حال عدم تقيد تركيا بالمعاهدة.
وأبقيت منطقة الممرات بحدود دنيا ضمن الأراضي التركية، وخضعت بالكامل للحياد، ورقابة "لجنة الممرات الدولية"، التي تمتعت بحقوق إخضاع الممرات المائية وشواطئ البوسفور، وبحري مرمرة والدردنيل، واستخدام الحلفاء الموانئ من أجل أساطيلهم دون الرجوع للسلطات المحلية.
أما المواد المتعلقة بالأراضي العربية في غرب آسيا فاعتبرت أن سورية ولبنان وفلسطين وبلاد الرافدين مناطق خاضعة لإدارة الانتداب. وفقدت الدولة العثمانية أملاكها في الجزيرة العربية وتعهدت بالاعتراف بمملكة الحجاز. وأما تخطيط الحدود بين تركيا وأرمينيا فخضع لقرار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حول تركيا ما بعد الحرب، وتم فصل كردستان عن تركيا، وشكلت لجنة من أجل تخطيط حدود كردستان  ضمت إنكلترا وفرنسا وإيطاليا. وكان الوضع كالتالي: إذا اعترف مجلس عصبة الأمم بأن سكان هذه المناطق "مهيأين للاستقلال"، فيقام للأكراد "حكم ذاتي".
وتنازلت الدولة العثمانية عن كامل حقوقها في مصر واعترفت "بوضعها تحت الحماية" وبتبعيتها لبريطانيا، ومنذ 18/12/1914. فقدت الدولة العثمانية كل الحقوق في السودان، واعترفت بضم قبرص الذي تم في 5/11/1914 لبريطانيا، واعترفت بالحماية الفرنسية على مراكش وتونس، وتخلت عن كافة الحقوق والامتيازات في ليبيا والجزر لصالح إيطاليان خاضعة لنظام الاستسلام الكامل.
ومن أجل السيطرة على أموال وموازنة تركيا ما بعد الحرب شكلت لجنة من ممثلي فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وممثل لتركيا بصوت استشاري فقط. واعترفت تركيا بإلغاء كل معاهداتها المبرمة مع ألمانيا والنمسا وهنغاريا وبلغاريا وروسيا وغيرها من الدول والحكومات التي كانت سابقاً جزءاً من روسيا قبل دخول المعاهدة حيز التنفيذ. والأوضاع العسكرية والبحرية والجوية تناولتها المعاهدة في الجزء الخامس، وتم تسريح كامل القوات المسلحة. على أن لا يتجاوز عدد أفراد الجيش التركي عن 50 ألف جندي وضابط، بما فيهم 35 ألف من رجال حفظ الأمن الداخلي. والمعاهدة عملياً حرمت تركيا الناشئة من حقوق الدولة ذات السيادة ولهذا رفضت حكومة أنقرة والسلطان تصديقها.
ولكن الاهتمام الرئيسي وجه خلال جلسات المؤتمر منذ البداية للمشاكل الأوروبية أما مصير البلدان "المحررة" من الحكم الألماني والتركي في آسيا وإفريقيا فكانت ضمن اهتمامات المشاركين في المؤتمر وبغض النظر عن التفوق العسكري والسياسي لبريطانيا مقابل فرنسا، لم يتسرع ديفيد لويد جورج في إعداد شروط اتفاقية السلام مع الإمبراطورية العثمانية. ولم يعترف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ويلسون بأي اتفاقيات سرية وأصر على الإقرار السريع لنظام عصبة الأمم الذي سيحدد مصير المستعمرات الألمانية والأملاك العثمانية السابقة. واستخدم ديفيد لويد جورج عندها فكرة رئيس وفد جنوب إفريقيا سميتس واقترح أن تقوم عصبة الأمم وفقاً لشروط خاصة بإعطاء بعض الدول المعينة "انتداب" لإدارة الأراضي المحررة لتهيئة أفضل الظروف من أجل تطورها ووافق ويلسون، وكليمنصو على هذا الاقتراح الوسط. وكان من الممكن نظرياً توفيق هذا الاقتراح مع برنامج ويلسون للسلام، ولكن من ناحية ثانية كان يمكن استخدام "الانتداب" كستار للسيادة الاستعمارية وحتى عام 1919 لم يستطع أحد تحديد مفهوم "الانتداب" بدقة (نظام الانتداب: القاموس السياسي. ج2. ص 177 – 178).
والانتداب كان عبارة عن نظام لإدارة الأراضي المحتلة وضعته الدول العظمى المتحالفة في أنتانتا، لإدارة المستعمرات الألمانية، التي استولت عليها الدول العظمى نتيجة للحرب العالمية الأولى 1914 – 1918. وكانت بعض الأراضي العربية قبل احتلالها داخل أراضي الدولة العثمانية. ومن الناحية القانونية استمد نظام الانتداب قوته من المادة 22 في نظام عصبة الأمم، التي تسمح بانتداب دول للوصاية باسم عصبة الأمم على شعوب أراضي انفصلت نتيجة للحرب عن سيادة دول حكمتها سابقاً، ولا يمكنها حكم نفسها بنفسها. وأخذ الانتداب ثلاثة أنواع: - الأول: وطبق على الأملاك العثمانية السابقة، وكان وضعها أقرب للتبعية لدولة الإنتداب؛ - والثاني: وطبق على المستعمرات الألمانية السابقة في إفريقيا المركزية، وسلمت لإدارة الدول المنتدبة الكاملة مع الحفاظ على نوع ما من الحكم الذاتي. - الثالث: وطبق على دول جنوب غرب إفريقيا وجزر المحيط الهادئ وبموجبه ضمت تلك الأراضي للدول المنتدبة.
و خلال جلسة المجلس الأعلى لأنتانتا بتاريخ 7/5/1919 قسمت أراضي المستعمرات الألمانية، وتم توزيع أملاك الدولة العثمانية السابقة، وتسلمت بريطانيا خلال مؤتمر سان ريمو عام 1920 الانتداب من النوع الأول على العراق وفلسطين وشرق الأردن. ومن النوع الثاني على طنجانيقا وقسم من التوغو والكاميرون؛ أما فرنسا فتسلمت الانتداب من الصنف الأول على سوريا ولبنان، والانتداب من الصنف الثاني على قسم من التوغو والكاميرون؛ وتسلمت بلجيكا الانتداب من الصنف الثاني على رواندا وأوروندي في عام 1923؛ وتسلمت  اليابان الانتداب من الصنف الثالث على جزر المحيط الهادئ شمال خط الاستواء؛ وتسلم اتحاد جنوب إفريقيا الانتداب من الصنف الثالث على جنوب غرب إفريقيا وأعلن جزءاً لا يتجزأ من أراضيها؛ أما استراليا فتسلمت الانتداب من الصنف الثالث على جزر ناورو بالاشتراك مع بريطانيا العظمى ونيوزيلانديا، وعلى غينيا الجديدة الألمانية وجزر المحيط الهادئ جنوب خط الاستواء؛ وتسلمت نيوزيلانديا الانتداب من الصنف الثالث على جزر غرب ساموا.
ووفقاً لمبادئ ويلسون فإن أية أراض انفصلت يجب أن تعتمد على إرادة سكانها، وقبل بداية أعمال المؤتمر بدأت تصل عرائض وطلبات ممثلي البلدان والشعوب الصغيرة. وقد أعطاها ديفيد لويد جورج وجورج بنيامين كليمنصو أهمية كبيرة وجرى الاستماع لكلمات وفود تلك البلدان والشعوب. ونظراً لأنها أضافت وزناً إضافياً لحججها الخاصة والمؤثرة على آراء ويلسون سعى البريطانيون والفرنسيون لإبعاد الوفود المؤيدة لخصومهم عن المؤتمر.
والأمير فيصل أراد أن يعرض طلباته شخصياً. واعتبر الإنكليز طلبه هذا قانونياً تماماً، ولكن فرنسا لم تعترف بحق فيصل بالتحدث باسم سورية. ورغم ذلك وصل الأمير فيصل يوم 26/11/1918 إلى مرسيليا ولكن لم تتح له فرصة التحدث أمام المؤتمر إلا بعد أن طافوا به في المدن الفرنسية كسائح مهم من ما وراء البحار، وبعد ذلك جرى استقباله في مكاتب المسؤولين الكبار في باريس ولندن واقتصرت تلك اللقاءات على المجاملات الدبلوماسية، في ذلك الوقت الذي كانت تجري فيه محادثات مبدئية بين رؤساء الحكومات الأوروبية لتديد مستقبل سورية (Zeine Zeine N. Op. Cit. P. 54-56).
الأمير فيصل وحاييم وايزمان
واغتنم اليهود الفرصة وحاولوا الحصول على اعتراف الأمير فيصل بمطالبهم في فلسطين، وتوصلوا في 3/1/1919 إلى اتفاق وقعه الأمير فيصل نيابة عن مملكة الحجاز، والدكتور حاييم وايزمان نيابة عن المنظمة الصهيونية العالمية، وتضمن الاتفاق إقامة علاقات دبلوماسية بين الدولة العربية وفلسطين، والسماح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين، وأن تحل أية خلافات يمكن أن تنشأ عن تطبيق الاتفاق بعرضها على الحكومة البريطانية للفصل فيه. وذيل الأمير فيصل توقيعه بالملاحظة التالية: "أوافق على الاتفاق في حالة واحدة فقط، وهي إذا ما حصل العرب على استقلالهم، كما هو موضح في المذكرة المقدمة إلى وزارة الخارجية في الرابع من كانون الثاني/يناير، وهو ما لم يحدث (بولارد سير ريدر: بريطانيا والشرق الأوسط من أقدم العصور وحتى 1952. نقله إلى العربية: حسن أحمد السلمان. بغداد: مطبعة الرابطة، 1956. ص 107).

وأرسل الأمير فيصل إلى سكرتارية المؤتمر مطالبه بتاريخ 1/1/1919 يطالب فيها بإقامة دولة عربية موحدة، تضم شبه الجزيرة العربية (مستثنياً منها عدن الواقعة فعلاً تحت الاحتلال البريطاني)، وفلسطين وبلاد الرافدين وسورية حتى خط إسكندرون ديار بكر. ودخل الأمير فيصل المؤتمر بصحبة الضابط البريطاني لورنس وهو يرتدي ملابس شيخ عربي. ولكن الذي حدث أن مطالب الأمير فيصل تم تجاهلها لعدة أسابيع زار خلالها الأمير فيصل الخبراء البريطانيين والفرنسيين، وركز البريطانيون نصيحتهم له على ضرورة القبول بواقع السيطرة الفرنسية على سورية، لأن بريطانيا العظمى لا ترغب بالخلاف مع حلفائها بسبب سورية. بينما ركز الفرنسيون اهتمامهم الزائد على البريطانيين وعبروا عن لومهم لهم لاستخدامهم الأمير فيصل لتحقيق أهدافهم الخاصة. ونصحوا الأمير فيصل بأن يأخذ في اعتباره قوة فرنسا والامتناع عن "سماع نصائح المتهورين من الضباط العرب والبريطانيين" (Ibid. p. 60, 66). ونظر مجلس العشرة بمطالب الأمير فيصل بعد تاريخ 29/1/1919 مع غيرها من الوثائق المتعلقة بأراضي الدولة العثمانية. وتمكن الأمير فيصل من طرح أفكاره شخصياً أمام المجلس يوم 6/2/1919 فقط، ورغم الضغوط الزائدة التي تعرض لها كرر الأمير فيصل الأفكار التي أوردها في مطالبه الخطية. وأحدثت كلمة الأمير فيصل انطباعاً مهماً لدى ولسون، ولهذا أحس جورج بنيامين كليمنصو وستيفان جان ماري بيشون بضرورة الوقوف ضده (ستيفان جان ماري بيشون: (1857 – 1933): دبلوماسي ورجل دولة فرنسي. خلال أعوام 1885 وحتى 1893 عضو مجلس النواب؛ خلال أعوام 1894 وحتى 1896 سفير فرنسا في هاييتي، خلال الفترة من 1896 وحتى 1898 في البرازيل، ومن عام 1898 وحتى 1901 في الصين، من عام 1901 وحتى 1906 المقيم السامي الفرنسي في تونس. من عام 1906 وحتى 1924 سيناتور. من عام 1906 وحتى 1911 وفي عام 1913 وخلال أعوام 1917 وحتى 1920 وزير الخارجية الفرنسي. لعب دوراً هاماً في تأسيس الأنتانتا. ساهم بنشاط في مؤتمر السلام في باريس 1919 – 1920، وفي إعداد معاهدة فرسال للسلام 1919. القاموس السياسي. ج2. ص 384).
واتخذ المجلس بتاريخ 30/1/1919  قراراً بانتزاع أرمينيا من أراضي الدولة العثمانية، دون أن يتخذ أي قرارا حول مستقبلها. وفي نفس اليوم تمت الموافقة على قرار استند إلى المادة 22 من نظام عصبة الأمم، وأعد قبل 14/2/1919 وفقاً لتلك المادة وتضمن أن "بعض الشعوب التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية سابقاً، وصلت إلى مستوى من التطور يمكنها من الحياة كأمة مستقلة ويمكن الإعتراف بها مبدئياً في حال حصولها على دعم ومشورة المجالس الإدارية للجهات المنتدبة في ذلك الوقت، إلى أن تستطيع تلك الشعوب العيش باستقلال تام. مع الأخذ بالإعتبار رغبات تلك الشعوب بالدرجة الأولى عند اختيار الدولة المنتدبة". وهكذا أقر تطبيق انتداب الفئة (A) على أراضي الشرق الأوسط وسورية وفلسطين وشبه الجزيرة العربية وكردستان، وسمح بتمتع تلك المناطق الخاضعة للانتداب بدرجة كبيرة من الاعتماد على النفس (أرمينيا: هي أنجاد وجبال (ذروتها أرارات) تتخللها سهول مرتفعة في آسيا الصغرى جنوبي القفقاس، بين أنجاد إيران شرقاً والأناضول غرباً، وبين بحر قزوين ومسيل الفرات الأعلى. يجتازها نهر أراس. كانت أرمينيا دولة مستقلة منذ أقدم العصور وبلغت أوج العز على أيام تغران الكبير، ثم تنازعها البيزنطيون والعباسيون في ولاية أمرائها البغراطيين 885 – 1079. وبعد الفتح السلجوقي وانقراض الإمبراطورية البيزنطية تقاسمتها روسيا وإيران والدولة العثمانية. وأرمينيا منطقتان: تركية (ولايات قرص، أرضروم، موش، بتلس، وان)، وجمهورية أرمينيا، وجزء من جمهورية أذربيجان اللتان استقلتا عن الاتحاد السوفييتي السابق. وأرمينيا الصغرى: وهي مناطق من الأناضول وقيليقية، نزح إليها الأرمن زرافات، ابتداء من 1080م في عهد الصليبيين هرباً من وجه السلجوقيين والمغول فأسسوا الإمارات ثم مملكة أرمينيا الصغرى 1198م بمساعدة الفرنج. قضى عليها المماليك عام 1375م. المنجد في الآداب. ص 36 – 37)، (كردستان: منطقة جبلية بين الأناضول وأرمينيا وأذربيجان تتقاسمها الدول المجاورة لها. سكانها من الأكراد. المنجد في الآداب. ص 586).
وحتى 13/2/1919 تحدث أمام مجلس العشرة الدكتور غ. بليس، مدير الكلية البروتستانتية السورية في بيروت كخبير أمريكي، وطالب بإرسال لجنة من الحلفاء إلى الشرق الأوسط لاستطلاع الحقائق الميدانية و"رغبات" السكان المحليين وفقاً للنظام. كما قدم كليمنصو للمشاركين في المؤتمر وفد سوري برئاسة رئيس اللجنة المركزية السورية في باريس شكري غانم من أجل عرض رغبات السكان المحليين وضم الوفد أربع أشخاص مسلم وملكيتي وماروني ويهودي، رغبة منه في تمثيل كل الطوائف الدينية في سورية، وأعلن شكري غانم مضمون رسالة طويلة جوهرها تحويل سورية الكبرى من طوروس إلى الصحراء العربية، إلى فيدرالية لمناطق للحكم الذاتي تحت الحماية الفرنسية. وانتقد بشدة مبدأ توحيد سورية مع الدولة العربية في دولة واحدة، لأنه كان يعتبر البدو العرب كعنصر غريب تماماً عن سورية. وخلال القراءة همس أحد الخبراء البريطانيين في إذن ويلسن، بأن شكري غانم لم يزر وطنه منذ 35 عاماً وأنه لا يكترث بما يجري في بلاده (شكري غانم (1861 – 1929): أديب وسياسي لبناني ولد في بيروت وأقام في فرنسا حيث توفي. نظم الشعر بالفرنسية. كان من الداعين لاستقلال لبنان عن الدولة العثمانية. المنجد في الآداب. ص 503)، (Ibid. p. 70).
وبتاريخ 15/2/1919 مثل وفد المجلس الإداري اللبناني برئاسة الماروني داوود أمون أمام مجلس العشرة. واستطاع هذا الوفد الوصول إلى باريس بعد تأخير متعمد لبضعة أيام في بور سعيد بأمر من أللنبي بحجة عدم صلاحية جوازات السفر التي منحها بيكو لهم. وتم "إطلاق سراح" الوفد بعد مصادمة دبلوماسية فقط. وجاءت مطالب الوفد  بمشاركة مباشرة من بيكو، وعلى ما يبدو بموافقة كيد أوريس. وضمت مطالبهم مناطق واسعة للحكم الذاتي اللبناني في إطار فيدرالية سورية تحت الانتداب الفرنسي، وتوسيع الحدود على حساب المدن الساحلية ومدن سهل البقاع. وكان مطلب استقلال لبنان عن سورية شائعاً جداً بين اللبنانيين في ذلك الوقت، وهو ما يتعارض مع مصالح الإدارة الفرنسية التي كانت تخطط لفرض سيطرتها على كل سورية. ورغم ذلك قدم الوفد اللبناني مطالبه الخطية للمجلس يوم 8/3/1919 (Zamir M. The Formation of Modern Lebanon. L., 1985. P. 53).
وللمرة الأولى تم النظر في مسألة توزيع مناطق الاحتلال في ذلك الوقت. إثر شكوى ديفيد لويد جورج من أن بريطانيا العظمى لم يعد بإمكانها الإنفاق على جيش كبير متواجد على الأراضي العثمانية، وتم الدعوة للقاء حضره مندوبون عسكريون خرجوا بتاريخ 5/2/1919 بوضع خريطة جديدة لمناطق الاحتلال، وبموجبها أبقي جيش بريطانيا في فلسطين وبلاد الرافدين، وجيش فرنسا في مناطق أدالي والقوقاز، والجيش الأمريكي (في حال موافقة الولايات المتحدة الأمريكية) في مناطق شرق الأناضول (Zeine Zeine N. Op. Cit. P. 29).
وكان من المقرر أن يتم إقرار هذا المخطط يوم 11/2/1919 وهو ما لم يحدث. وبدلاً عن ذلك التقى كليمنصو بوزير المستعمرات البريطانية اللورد ميلنر، وصرح ميلنر "ولو أننا غير راضون عن مخطط سايكس بيكو، فنحن غير راغبين بإخراج فرنسا من سورية أو محاولة احتلال سورية. لأننا مهتمون فقط بتوسيع بلاد الرافدين نحو فلسطين وإقامة خطوط مواصلات جيدة بينهما". وبعد ذلك تحدث ميلنر عن علاقات فرنسا مع الأمير فيصل، وأشار إلى أن كل "صعوباتها" نابعة من أن فرنسا "غير مرغوب بها من قبل العرب". ولهذا لابد من إجراء محادثات بين الأمير فيصل وكليمنصو وكأساس للمباحثات اقترح ميلنر الخطة التالية: ترك مخرج على البحر للأمير فيصل مقابل انتداب فرنسي "خفيف" على كل سورية. وطالب كليمنصو بحضور ممثلين عن الإنكليز في المحادثات وعلى ما يبدوا لدعم حججها (Helmreich P. C. From Paris to Sevres. The Partitition of the Ottoman Empire at the Peace Conference of 1919 – 1920. Columbus (Ohio) 1974. P. 29 – 31. ديفيد لويد جورج في البداية عرف عن مضمون هذا النقاش عن طريق سكرتيره ف. كيررا. ميلنر الذي كان قد أرسل للوزير الأول تقريراً خطياً يوم 8 آذار/مارس. ويمكن الإطلاع على النص في: ديفيد لويد جورج: فهرس المؤلفات. الجزء 2. ص 232-235).
وكتب ميلنر في تقريره عن مضمون المناقشات لديفيد لويد جورج: "إذا كنا نقوم بدور وسيط مستقل بين فرنسا وفيصل ونساعد فرنسا للخروج من الصعوبات الحالية من خلال إقناع فيصل بالتوصل إلى اتفاق معها، فعلينا أن نعمل من أجل أن تقوم فرنسا بدورها بتنفيذ وعودها لنا فيما يتعلق بالموصل وفلسطين وبنفس الوقت أن تقوم بإيضاح واسع حول ذلك"، ولكن كليمنصو امتنع عن اللقاء مع الأمير فيصل على حدى وطالب بحضور ممثلين عن الإنكليز والأمريكيين (ديفيد لويد جورج: حقائق اتفاقيات السلام. موسكو: 1955. الجزء الثاني. ص 235-236)، (Combon P. Correspondence. 1870-1924. P., 1946. T. 3. P. 320).
وبتاريخ 20/3/1919 تم في مقر إقامة لويد حورج اجتماعاً ضم رؤساء الوفود المشاركة في مناقشة المسألة العثمانية ودار الحديث أساساً حول سورية، حيث أعلن ديفيد لويد جورج، والجنرال أللنبي أن تسليم سورية للانتداب الفرنسي سيؤدي إلى اضطرابات وحتى إلى الحرب، لأن ذلك يناقض اتفاقية بريطانيا مع الملك حسين، فرد بيشون عليه بأن الوعود الإنكليزية للعرب لا تهم فرنسا وطالب باحترام اتفاقية سايكس بيكو وخاصة ما يتعلق منها بسورية. ورفض ويلسون كل الاتفاقيات السرية واقترح تطبيق فكرة الدكتور بليسا حول إرسال لجنة من الحلفاء إلى سورية. ووافق الإنكليز عليها ووافق الفرنسيون عليها "على مضض" (Horewitz J.C. (ed.). Diplomacy in the Near and Middle East. 1914-1956. Princeton, 1956. V. 2. P. 50-59; ديفيد لويد جورج: حقائق اتفاقيات السلام. موسكو: 1955. الجزء الثاني. ص 241-254؛ نيكولسون غ.: كيف صنع السلام عام 1919. موسكو: 1945. ص 123).
وبعد أسبوع عاد مجلس الأربعة لمناقشة موضوع اللجنة، وأبدى ديفيد لويد جورج معارضته للفكرة، ولكن ويلسون أصر عليها. ووافق كليمنصو على موقف الرئيس وأسرع لمناقشة موضوع الراين. وعاد موضوع اللجنة إلى الظهور مرة أخرى يوم 11 أو 25/4/1919 حيث أعلن ديفيد لويد جورج، وجورج بنيامين كليمنصو لأول مرة أمام ويلسون أنهما يودان معرفة موقف كل منهما بشكل مسبق، وأعلن ديفيد لويد جورج بتاريخ 25/4/1919 أن حكومته قررت نهائياً عدم قبول الانتداب على سورية، لأن "بريطانيا تعتبر الصداقة مع الفرنسيين تساوي سورية عشرة مرات". ولوحظ أن ويلسون لا يرغب بمثل هذا الانتداب للولايات المتحدة الأمريكية على سورية، ولكن يجب إرسال اللجنة من أجل عدم تجاهل مبادئ عصبة الأمم (Montoux P. Les deliberations du Conseil des Quatre. 28 Mars – 28 Juin 1919. P., 1954. T. 1. P. 50-51)، (Ibid. p. 228-229; 378-379).
وعلى ما يبدوا أن ديفيد لويد جورج أجبر جورج بنيامين كليمنصو على قبول إرسال اللجنة بعد أن أقنعه بأنه هناك إمكانية لحل كل المسائل في المحادثات الثنائية. وفهم جورج بنيامين كليمنصو أن إرسال اللجنة إلى سورية عملياً هي تحت سيطرة الأمير فيصل، ويمكن أن تدفن أمل الفرنسيين بالانتداب. ولهذا كان جاهزاً "لتنسيق المواقف" مع الزملاء البريطانيين. بعد أن نضجت خطة القيادة البريطانية لـ"تقليص" "المنطقة" الفرنسية المحتملة في سورية من أجل تأمين المواصلات بين بلاد الرافدين وفلسطين على أراضي تكون خاضعة "للبريطانيين" بالكامل، ولذلك خطط لضم واحة تدمر ومدينة تدمر للمنطقة البريطانية، وجزءاً من محافظة حوران التي يسكنها الدروز بالأساس. ومن أجل الموافقة الفرنسية كان من الممكن تغيير الحدود لأن الإنكليز من أجل ذلك كانوا مستعدين للتضحية بفيصل ووضع ما تبقى من سورية كله تحت الإدارة الفرنسية المباشرة (الإشارة إلى هذه الخطة موجدة في تقرير ميلنر الذي سبق وأشرنا إليه حول المناقشات مع كليمنصو في 11 شباط/فبراير. وعن هذه الخطة بالنتيجة وتحت مختلف الظروف تحدثوا وكتبوا: كليمنصو في خلافاته مع لويد حورج 22 أيار/مايو. أنظر: Mantoux P. Op. Cit. P., 1954. T., 2. P. 160,).
وجرت محادثات بين الأمير فيصل، وجورج بنيامين كليمنصو بتاريخ 14/4/1919 وأخبر الوزير الأول الفرنسي خلالها الأمير فيصل بأن القوات الفرنسية يجب أن تحل مكان القوات البريطانية في سورية، وهو ما عارضه الأمير فيصل بشدة، وأوضح جورج بنيامين كليمنصو بأن امتناع فرنسا عن إرسال قوات إلى سورية سيكون "إهانة قومية لفرنسا". وبغض النظر عن الخلاف الكبير في وجهات النظر اتفق الزعيمان على الإعراب عن علاقاتهما الإيجابية حيال بعضهما البعض من خلال تبادل الرسائل الرسمية (Zeine Zeine N. Op. Cit. P. 80).
ومضمون تلك الرسائل كان إيجابياً رغم أنها كانت تتحدث عن مواضيع مختلفة تماماً، وفي 17/4/1919 كتب جورج بنيامين كليمنصو معرباً عن استعداد فرنسا "للاعتراف بحق سورية بالاستقلال على شكل لمحليات فيدرالية تتمتع بحكم ذاتي وفقاً للتقاليد ولرغبات السكان". وعن استعداد فرنسا لتقديم "المساعدة المادية والمعنوية" لسورية، وإرسال المستشارين. وشكر الأمير فيصل في رسالته التي وجهها في 21/4/1919 جورج بنيامين كليمنصو على موافقته لإرسال لجنة من الحلفاء إلى سورية، وأنهى رسالته بالكلمات التالية: "أنا واثق من أن شعب سورية سوف يعرف كيف يعبر لكم عن تقديره". ولكن لم يذكر أية كلمة عن أنه ينتظر أية مساعدة من فرنسا. وبشكل عام عند الإشارة إلى سكان سورية كان كليمنصو يستخدم تعبير الجمع ("Ies populations")، والأمير فيصل تعبير المفرد ("the people of Syria") وحتى في هذه الإيماءات اللغوية كانت تظهر الخلافات في وجهات نظر الاثنين حول طبيعة البلاد التي يتحدثون عنها (DBFP. Ser. 1. V. 4. P. 251-253).
واستلم أصحاب العلاقة الرسالتين ولكن دون أي أثر رسمي. لأن المراسلات كانت تتم على الشكل التالي: يكتب جورج بنيامين كليمنصو رسالته بشكل غير رسمي، ويرسلها للأمير فيصل طالباً الرد. ويكتب الأمير فيصل الرد على رسالة جورج بنيامين كليمنصو بشكل غير رسمي أيضاً، بتعبير صريح عن مطالبه السياسية. وكانت هذه الوثائق تبقى لبعض الوقت لدى روبرت دي كيه مستشار بيشون ورئيس لجنة "آسيا الفرنسية" الذي أسندت إليه مهمة الاتصال بالأمير. ولكن روبرت دي كيه كان يرفض مطالب الأمير فيصل شكلاً ومضموناً، ويطالبه بكتابة رسائل جديدة. وعلى ما يبدوا أن الرسالة المشار إليها أعلاه كتبها الأمير فيصل ووصلت لجورج بنيامين كليمنصو ولكنها لم تعجبه، ولهذا لم يرغب بالرد عليها رسمياً. ورغم ذلك تم عرض الرسالتين كاتفاقية حقيقية مع الأمير فيصل في خضم الخلاف القائمة مع ديفيد لويد جورج حول المسألة السورية (Ibid. p. 253).
بافضافة لذلك كانت تواريخ محادثات الأمير فيصل من خلال مراسلاته مع جورج بنيامين كليمنصو مبهم جداً. لأن الأمير فيصل بعد عودته إلى دمشق وحديثه مع المستشار أللنبي السياسي الجنرال كليتون أكد على "نصيحة لورنس" بأن يعقد اتفاقية شفهية مع جورج بنيامين كليمنصو يعترف فيها بالانتداب الفرنسي بشرط "استقلال سورية" وعلى ما يبدوا الحديث دار حول الحكم الذاتي (Zeine Zeine N. Op. Cit. P. 86-87).
ويمكن الحكم على شروط هذه الاتفاقية من خلال المقترحات التي أعدت بمشاركة لورنس لإجراء محادثات بين الأمير فيصل وجورج بنيامين كليمنصو. وكان من المتوقع فرض الانتداب الفرنسي على سورية وفق شروط شبيهة بأوضاع مصر وعلاقتها ببريطانيا. وكان من المفروض أن يحصل لبنان على الحكم الذاتي وعلى مناطق يسكنها الدروز. ولكن الأمير فيصل أعلن أنه لا يرغب أبداً بتنفيذ تلك الاتفاقية رغبة منه بالانتداب البريطاني فيما لو رغبت بريطانيا بذلك. (الدروز: فرقة أسسها الداعيان درزي، وحمزة بن علي بن أحمد في أيام الخليفة الفاطمي الحاكم. انتشرت في سورية (حلب وبانياس). استوطن الدروز لبنان منذ أواخر القرن 12 وسكنوا في وادي التيم. اندمج تاريخهم بتاريخ الجبل منذ القرن 15. وهاجر منهم عدد إلى سورية في أواخر القرن 17 وقطنوا اللجاه ومرتفعات حوران الني سميت بعد ذلك بجبل الدروز. المنجد في الأعلام. ص285)، (DBFP. Ser. 1. V. 4. P. 86-87).
وخلال جلسات المؤتمر وافق جورج بنيامين كليمنصو على مبادرة ديفيد لويد جورج حول آسيا الصغرى، ووافق يوم 15/5/1919 على نزول قوات يونانية في سميرنه، وانتظر أن يكون الرد على شكل تنازلات في المسائل الألمانية والسورية ولكنه لم يحاول إثارة قضية الشرق الأوسط، كي لا يعكر المحادثات الحساسة غير الرسمية حول ألمانيا. واستمرت الأوضاع على هذا الشكل حتى تسلم الألمان نص الاتفاقية يوم 7/5/1919 وطالب جورج بنيامين كليمنصو باحتلال المناطق الداخلية في سورية، وهنا اعتراض ديفيد لويد جورج على ذلك لأن اتفاقية سايكس بيكو لا تسمح لفرنسا باحتلال المناطق الداخلية في سورية، وكان رد جورج بنيامين كليمنصو بأن ذلك سيتم  بالتبادل لقاء التنازل عن الموصل وانتظر مساعدة الإنكليز في مسالتي دمشق وحلب.
وجرت المسألة السورية الزعيمين الأوروبيين خلال 21 و22/5/1919 إلى خلاف مفتوح، لأن جورج بنيامين كليمنصو كان يطالب بانسحاب قوات اللنبي من سورية وكليكيا، في الوقت الذي كان ديفيد لويد جورج يقترح فيه الانتظار حتى تسلم النتائج النهائية التي ستتوصل إليها اللجنة، ولكنه وافق على منح فرنسا الانتداب على سورية مؤقتاً. ولكن رد جورج بنيامين كليمنصو على ذلك كان غاضباً ومما أثار غضبه على ما يبدو نتائج المحادثات التي جرت بين مفوضي الحكومتين أ. تارديه، وغ. ويلسون حول مناطق الاحتلال، حيث اقترح المندوب الإنكليزي اقتطاع أجزاء من المنطقة الفرنسية. ولكن ديفيد لويد جورج امتنع عن متابعة النقاش، مما دعى ويلسون لأخذ دور وسيط الصلح بينهما ونصحهما بتأجيل اتخاذ القرار، مما دعى جورج بنيامين كليمنصو للإعلان بأنه لا يرى أية فائدة من إرسال مستشارين فرنسيين طالما أن سورية ستبقى تحت الاحتلال البريطاني، وهنا أعلن ديفيد لويد جورج عن امتناعه إرسال ممثلين عنه للمشاركة في اللجنة، في حال مشاركة الفرنسيين فيها، رغم أنه كان مستعداً لقبول قرار المستشارين الأمريكيين في الوقت الذي كانت فيه سورية خاضعة لنظام إدارة الاحتلال البريطاني (غ. ويلسون قدم خريطة لمناطق الاحتلال وأعلن أنه "لا يملك تعليمات" حول أية تعديلات لها. ومع الأسف هذه الخارطة لم تنشر في أي مكان، وعن مضمونها يمكننا التحدث من خلال المعلومات غير المباشرة)، (Montoux P. Op. Cit. T. 2. P. 131-143; 158-164).
وبعد ذلك بدأ ويلسون الإعداد "للمشاركة الأمريكية في لجنة الحلفاء حول الانتداب في المناطق المحتلة". وكان ديفيد لويد جورج بحاجة للجنة من أجل كسب الوقت، أما الفرنسيون فكانوا غير متحمسين لها ولكنهم كانوا مضطرين لإظهار تعاطفهم معها. أما الأمير فيصل فعلى العكس كان يعقد عليها آمالاً كبيرة لأن معظم أراضي البلاد كانت تحت سيطرته الفعلية رغم الإحتلال البريطاني لها، ولهذا حصر اهتمامه بتنظيم استقبال اللجنة وإقناعها بتأييد السكان المحليين لخططه المستقبلية. آملاً أن يصبح مصير سورية ولبنان متعلق فقط بما ستتوصل إليه اللجنة الأمريكية في صيف عام 1919.

طشقند 6/8/2012                بروفيسور محمد البخاري