الاثنين، 1 يونيو 2015

مدينة خيوه من المعالم التاريخية في أوزبكستان


مدينة خيوه معروفة كمتحف تحت قبة السماء، وتقع بولاية خوارزم في أوزبكستان المعاصرة، وعلى ارتفاع 100 متر فوق سطح البحر. وبالقرب منها تقع مساحات كبيرة من صحراء قزل قوم. ويشرب سكانها من مياه قنال بالفان. ومن جولة في شوارعها الضيقة يمكن إلقاء نظرة على الأبواب الخشبية المنقوشة بمهارة، ومشاهدة الحياة في بساتينها التي تظهر وكأنها ليست متحف فقط بل ومدينة تعج بالحياة.


شيء من التاريخ
تذكر المراجع التاريخية أن مدينة خيوة ظهرت على موقع بئر مياه عذبة اشتراها أحد أبناء نوح الثلاثة. وأطلق على مصدر المياه هذا اسم خيفاك، وحتى اليوم يعتبر من المعالم السياحية بالمدينة. وعبر القرون استولى على المدينة العرب، والسلاجقة، وتبدلت عليها الأسر الحاكمة، وفي عام 1220م محتها أورطة جينغيز خان من على وجه الأرض. وتاريخها الذي يمتد عبر القرون مرتبط بمصير خوارزم. وواجهت مراحل من الصعود وكانت قمة الهرم عند تشكل دولة عظيمة، كما تعرضت لانهارات عديدة عندما تعرضت للفناء وهجرة سكانها تحت ضربات الغزاة من الأعداء. وفي بداية القرن العشرين شيدت المدينة بشكلها النهائي كمدينة بمخطط تقليدي: مستطيلة الشكل، وتمتد من الشمال إلى الجنوب، على شكل صليب وتحيط بالشارع الرئيسي على مساحة 650 X 400 متر.
وذكرت خيوة لأول مرة في المصادر التاريخية المكتوبة في القرن العاشر الميلادي كمدينة صغيرة، تقع على طرق القوافل الممتدة بين مرو وأورغينتش. وفي عام 1598م صبحت عاصمة لخانية خيوة، وبدأت بالتطور السريع وسرعان ما أصبحت من المراكز الدينية الضخمة في الشرق الإسلامي. وخلال القرون الـ 18م والـ 19م شيد فيها الكثير من المنشآت المعمارية الرائعة، ضمت منشآت دينية ومدنية. وفي بداية القرن الـ 19م كانت خيوة مركز ثقافي هام في عهد حكم أسرة كونغرات.
المعالم التاريخية
ومدينة خيوة تحوي مئآت الآثار التارخية لمختلف العصور والشعوب، وأدخلت مدينة خيوه القديمة في عام 1967م، وإتشان قلعة في عام 1990م بقائمة التراث العالمي لليونسكو.


وحافظ داخل إتشان قلعة بخاصيته الشرقية الرائعة. ويضم الآثار المعمارية التاريخية الأساسية، التي تشمل: قلعة أرك كوخنا (1686م-1888م)، وقصر طوشخولي (1830م-1838م)، ومسجد الجمعة (1788م-1789م)، ومنارة كالتا مينور غير مكتملة البناء (1835م-1955م)، ومنارة إسلام خوجه (1910م)، وضريح بلفان محمود (1804م-1806م). ولكل منشآتها المعمارية تاريخها الخاص وشكلها المتميز في فن العمارة.


ويطلق على قسم مدينة خيوه الخارجي اسم ديشان قلعة، ويضم منطقتين سكنية وتجارية. ويلفت إهتمام الزوار بوابة كوش داروازة الشمالية (القرن الـ20م)، والبوابة الغربية آتا داروازة، و بوابة غانديميان داروازة التي أعيد إنشائها (1842م-1970م)، وبوابة خازاراسب داروازة (القرن الـ 19م)، وقنطرة توزابوغ (1910م)، وقصر كيبلا توزابوغ (1897م)، وقصر نور الله باي (1910م-1918م)، ومسجد ومدرسة سعيد نياز شاليكار باي، وأضرحة: عبد الله بوبو (القرون الـ8م والـ18 م)، وشاكالاندار بوبو (القرن الـ16م)، وسعيد محمد ماهيري (القرن الـ 19م)، ومدرسة سعيد محمد خان (1864م)، وتورت شافاز (1885م)، وبيكانجان بيك (1894م)، ومامات مارام (1903م)، وبالفان قاري (1905م)، وخوارزم شاه (1915م).

ومقابل إتشان قلعة في ديشان قلعة هناك الكثير من المصادر المائية والأراضي الخضراء. وتمتاز أحياءها السكنية الكثيرة بأسلوب التشييد الفريد من حيث المساحة والحجم، كما تتميز أيواناتها بشكلها الفريد، وبأعمدتها ومساندها وأبوابها، وغيرها من التفاصيل الخشبية المزينة بنقوش رائعة. وحتى اليوم يحافظ سكانها ويطورون التقاليد الفنية لفن العمارة في خيوه.
شخصيات عظيمة
من أبناء ولاية خوارزم العظماء كان علماء وحكماء مشهورين، من بينهم: أبو ريحان البيروني، والخوارزمي، الذين قدموا إسهامات كبيرة في تاريخ أوزبكستان.


ولد أبو ريحان محمد أحمد البيروني عام 973م بمدينة قيات (عاصمة خوارزم). وكان يتيماً، وكعالم شهير عمل في قصر خوارزم شاه، ولكنه سرعان ما أجبر على مغادرته. وتوفي بمدينة غزنة عام 1048م. كا أطلق عليه اسم العالم الموسوعي، وخلف وراءه مؤلفات في الرياضيات، وعلم الفلك، والفيزياء، والنباتات، والجغرافيا، والجيولوجيا العامة، وعلم المعادن، وعلم السلالات البشرية، والتاريخ، والوثائق التاريخية، وغيرها.
ومن بين الأعمال الأساسية للعالم العظيم: "قانون مسعود للفلك والنجوم"، و"علم العقاقير الطبية"، و"الهند أو كتاب تفسير ما قبله أو رفضه العقل مما وضعه العلماء الهنود"، و"علم النجوم"، وغيرها من المؤلفات. وحتى اليوم يؤخذ بما ألفه نابغة عصره في كل مكان ويدرس ويستخدم في مختلف المجالات العلمية.


ومؤسس الجبر الكلاسيكي أبو عبد الله محمد بن موسى الخوارزمي الذي ولد بمدينة خيوه. وتاريخ ميلاده الدقيق مجهول، ولكن يعتقد أنه تقريباً كان في عام 783م. ولا توجد أية معلومات عن طفولته.
ويطلق على هذا العالم العظيم اسم أبو الجبر. والخوارزمي كان أول من وضع الجبر كعلم مستقل شمل مختلف طرق الحلول العددية لمعادلات الخطوط والمعادلات التربيعية. وجاء مصطلح "الجبر" من مقالات الخوارزمي "الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة"، وجاء مصطلح "الغاريتم" (الحل الشامل لأي معادلات حسابية) من اسم العالم، وهذا يعني أن مصطلح ألغاريتم هو تحريف لاسم الخوارزمي.
ويبلغ تراثه العلمي نحو عشرين كتاباً، الأكثر شهرة منها "الكتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة"، و"الجداول الفلكية". واستخدمت أجيال كثيرة من العلماء في الشرق والغرب جداول الخوارزمي.
مدينة خيوة اليوم
في السنوات الأخيرة ظهر عاملان هامان شجعا على النهضة الاقتصادية الجديدة بالمدينة وهي:
أولاً: خط أنابيب نقل الغاز بخارى – الأورال الذي يراعي تزويد أراضي خوارزم القديمة بالغاز؛
ثانياً: النهضة القوية التب شهدتها السياحة في البلاد وفي كل أنحاء العالم وكانت بمثابة دفعة قوية لإحياء المدينة وإحياء آثارها التاريخية.


ومدينة خيوة تعتبر المدينة الوحيدة في وسط آسيا التي حافظت على أبرز المواقع الأثرية المعمارية لدول القرون الوسطى في وسط آسيا. وكل من يزور هذه المدينة يصبح شاهداً على المنارات الفريدة، والأزقة الحجرية المتداخلة والمؤدية إلى المدارس، وشاهد على النقوش الأشبه بالموزاييك المنقوشة على جدرانها القديمة. لتمثل بحق أسطورة شرقية حية!
ويستولي على قلوب السياح بالإضافة لمواقعها التاريخية حسن ضيافة سكانها، الذي لا يمكن تصوره دون الموائد الوفيرة والحلويات اللذيذة والأطعمة المطهية من ثمار الأراضي الخوارزمية، وبشكل خاص تتميز أصناف البطيخ الأصفر المحلية المشهورة، والتين، والعنب. وكانت سوق خيوه منذ القدم من أكثر الأماكن إكتظاظاً بالناس بالمدينة.

بحث أعده باللغة العربية أ.د. محمد البخاري في طشقند بتاريخ 1/6/2015 نقلاً عن ش. غلامجانوف، "مدينة خيوه من المعالم التاريخية في أوزبكستان". وكالة أنباء Jahon، 18/5/2015.