الثلاثاء، 16 أغسطس 2016

أبو عبد الله جعفر روداكي شاعر القرون الوسطى العظيم


تحت عنوان "روداكي شاعر القرون الوسطى العظيم" نشرت وكالة أنباء "Jahon" بتاريخ 5/8/2016 مقالة عن الشاعر والمفكر الكبير روداكي وهذه ترجمة كاملة لها:


وفق تقاليدها الطيبة، وكالة أنباء "Jahon"، مستمرة بالكتابة عن الشخصيات البارزة التي ولدت وابدعت على الأرض الأوزبكية المباركة، وقدمت إسهاماً قيماً في تطوير الحضارة الإنسانية، ومن ضمنه العلوم والثقافة والفنون. وفي هذه المرة ندعوا لتحديث ذاكرة قراءنا عن روداكي المفكر العظيم والشاعر والموسيقي، ولـ"إعادة الشحن" الروحي تقاسم مقتطفات من أغانيه المتميزة.
ولد أبو عبد الله جعفر روداكي في أسرة فلاحية بقرية بانجرود بالقرب من سمرقند. وذكرت بعض المراجع أنه ولد أعمى، بينما أشارت بعض الأبحاث العلمية إلى أنه أصيب بالعمى في سنوات عمره المتقدمة.
وخلال السنوات التي عمل بها روداكي (860-941) أشير للمستوى العالي الذي وصل إليه تطور الحرف اليدوية، والتجارة، والثقافة في بخارى، وسمرقند، وأورغينيتش، ومرو، ونيشابور، وبلخ، وأعالي وادي زرافشان، وهو ما أسهم بالتأثير وتفعيل العلاقات الشاملة بين ما وراء النهر وإيران والصين والهند ومصر وسوريا والعراق وغيرها من المراكز الحضارية آنذاك.
وحصل روداكي على تعليمه الأولي في قريته. وبعد ذلك تابع دراسته للغة والأدب والفنون في سمرقند. وحتى سن الثامنة من عمره درس شاعر المستقبل اللغة العربية بشكل جيد، وحفظ بعدها القرآن الكريم عن ظهر قلب، وتمتع بسمعة غير مسبوقة كقارئ.
وأظهر الفتى روداكي إهتماماً خاصاً بالشعر والموسيقى. وسرعان ما حصلت موهبته المتميزة في هذه المجالات على شهرة في بخارى وخارجها. ويشهد على ذلك التقييم العالي الذي أعطاه له أحد المقربين من حاكم المدينة أبو الفضل بلعمي: "إنه لم يكن شاعراً مشهوراً وحسب، بل وعالماً بارزاً من علماء عصره".
ودعي روداكي إلى قصر حاكم بخارى، حيث أمضى أكثر سني حياته، نحو 40 عاماً. وأطلق على أستاذ الكلمة واللحن الموهوب لقب "عندليب خراسان". وعاد إلى قريته في عمر متقدم، وعاش سنوات حياته الأخيرة يعاني من الفقر والحاجة، وسرعان ما انتقل إلى دار البقاء. وقبل وفاته، كتب روداكي الشاعر الكبير، تحت ضغط ظروف الحياة الصعبة:
كل أسناني سقطت، ولأول مرة أدركت أنها كانت لدي تعيش لامعة في السابق.
وكانوا سبائك من الفضة ولؤلؤ ومرجان.
وكانوا نجوم الفجر وقطرات المطر...
أه، لو تمكن روداكي من رؤية تلك السنوات،
ولكن ليس الآن، عندما أصبح عجوزاً، وأتت الأيام السيئة.
عندها صرخ أنا العندليب، وألف أغنية،
عندها مشى حول الحدائق وحافة الأرض بفخر.
وعندها كان خادماً للملوك وللكثيرين صديقاً مقرباً،
والآن فقد الأصدقاء، وحوله الغرباء فقط.
والآن تعيش قصائده في كل قصور الملوك،
وفي قصائده تعيش الملوك، وأمجاد حروبهم.
وتغيرت الاوقات، وأنا تغيرت.
إعطى الموظفين: ومع موظفيه، وأخذت المحافظ الرمادية.
وتراث أستاذ الشعر كان غنياً حقاً، وبلغ نحو مليون وثلاثمئة شطر من الشعر. ولكن ما وصل إلينا كان قسماً منها. وعرف من الدرسات الجارية أن روداكي يعتبر مؤلف جملة من القصائد الكبيرة، مثل: "إنقلاب الشمس"، و"كليلة ودمنة"، و"عرائس النفائس"، و"سندباد نامة"، والكثير من النفائس، وكذلك قصائد "أم النبيذ"، و"عن الشيخوخة". ومثل أمام أعيننا، عملاقاً ليس بالشعر فقط، بل وبالفكر الفلسفي.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤلفات روداكي كانت خالية تماماً من التصوف، والمواضيع الدينية. واختار الغناء لوطنه، وللحياة الواقعية، وتناول مواضيع الطبيعة والحب والتهذيب والتعليم والتربية الأخلاقية. وعكست إبداعاته الزخارف المتقنه للحزن والشفقة. ووفق رأي العبقري، من أجل السعادة الكاملة يحتاج الإنسان لأربع صفات كتب عنها:
الحي الباقي، احفظني من الحزن، واكتب لي وأعطني أربعة صفات:
اسم لامع، وعقل، وصحة وأخلاق جيدة.
وكل شخص أعطاه الحي الباقي مثل هذه الصفات الأربع،
سيكون طريقه الطويل دون حزن، ودون معرفة لأحزان الإنسان.
وكانت المعرفة والتربية في أعماله أعلى من الثروة المادية، وكتب:
ملوك العالم توفوا، والآن لديهم حفنة من التراب.
قبل وفاتهم، انحنت رؤوسهم وانتقلوا إلى الأبد.
خزنوا ألف كنز وتتمتعوا بأعلى مجد.
وماذا في ذلك! قبل يوم من وفاتهم، أحضروا لهم الكفن.
دعى المفكر البارز للطيبة، والحشمة، وبناء العلاقات في المجتمع على الصداقة والتفاهم المتبادل والصدق، وكتب:
إنظر إلى العالم يبدو معقول،
ليس هكذا، بل كما نظرت من قبل.
العالم بحر. وتتمنى الإبحار ؟
إبنى سفينة من الأعمال الطيبة.
وحذر الشاعر في قصائده من الحرب، وغنى لحياة سلمية وهادئة، وكتب:
يشد الحكماء للطيبة والسلام ،
ويشد الأحمق للحرب والفتنة.
الأمور لا تعرف قيمة حقيقية،
ويمكن أن يكون صحيحاً أن الله خلقكم للحرب؟
اسمع، يا مالك الحياة القصيرة،
هل المعركة ضرورية لك ؟
وقدم روداكي خلال نشاطه إسهاماً كبيراً لتطور أشكال الفنون الشعرية التقليدية واقعياً، وشملت: الرباعي والغزلي والقصيدة والمصنف والقطعة، وغيرها من الفنون الشعرية. التي تطورت في المستقبل، وأضيفت إليها أشعار العصور اللاحقة.
ومؤلفات الشاعر العظيم حصلت على شهرة غير مسبوقة خارج ما رواء النهر، وتم ترجمتها للعديد من اللغات أجنبية، وأصبحت جزءاً لا يتجزأ من الأدب العالمي.

الخميس، 11 أغسطس 2016

جولان عمربيكوف فنان الشعب الأوزبكستاني عضو أكاديمية الفنون الجميلة الأوزبكستانية.


مقالة نشرتها الصفحة الإلكترونية لأكاديمية الفنون الجميلة الأوزبكستانية تهنئ بها جولان يوسوبوفيتش عمربيكوف فنان الشعب الأوزبكستاني، عضو الأكاديمية، كتبتها الدكتورة في العلوم الفنية، نيغورة أحميدوفا بمناسبة بلوغه السبعين عاماً. وجاء فيها:


أكاديمية الفنون الجميلة الأوزبكستانية، والإتحاد الإبداعي للفنانين التشكيليين في أوزبكستان، باسم كوكبة كبيرة من الفنانين التشكيليين والحرفيين الشعبيين، تهنئ جولان يوسوبوفيتش عمربيكوف بعيد ميلاده، وتتمنى له الصحة الجيدة، والعمر المديد، والأعمال الإبداعية الجديدة.


عندما عرضت بمعرض الجمهورية لوحة جولان يوسوبوفيتش عمربيكوف "صديقي" في بيت المعرفة بطشقند عام 1971، كان واضحاً ظهور فنان تشكيلي شاب موهوب وشخصية تتمتع بخصائص إبداعية فريدة، لا تذكرنا بأي من الفنانين التشكيليين المشهورين.

وكان قد قدم لوحته "حسين بايقاره وعلي شير نوائي". وهو طالب بمعهد VGIK بموسكو، في عام 1968، ومن دون شك يذكره الكثيرون كفنان ماهر بأسلوب متقن. وعرضت لوحته "صديقي" شيئاً مختلفاً تماماً. إذ توجه الفنان التشكيلي من خلالها نحو الشكل والمساحة مع خلفية تقاليد الشرق مع إعطاء هذه الأشكال خصائص أسلوبه الخاص الذي سطع من خلال أسلوبه الحديث وغير المتوقع. وفي هذه التراكيب الفنية المدمجة وبحركة خفيفة، مع إختيار الألوان صور الشاب بحرية وسهولة، الجدة والحفيدة، ولهذا نشرت مجلة "اليونيسكو"، مجلد من رسوماته لأنها على ما يبدو كانت مناسبة وضرورية لعالم قرائها.

وتوجه عمربيكوف نحو التكعيبية ومبادئ تشكيلها، ومن ورائها أخذ بالتفكير بمشاكل الوقت، وتلك المرحلة كانت هامة. والعلاقة الفكرية للأمثلة المشار إليها أعلاه إنتهت إلى أنه في تلك الأعمال كان الأسلوب التكعيبي هام، وتضمن فلسفة ومضامين ودلالات في هذا الإتجاه التحديثي. والقضية أنهم لم يرفضوا فقط وجهة النظر "الصحيحة"، بل إعترفوا بالميل الدائم نحوها، ونحو قواعدها، وأفكارها، وفي أنها تتوزع إلى "مرآة للكمال" متعددة، وترفض  إستقرار العالم المحيط.

وفي تسعينات القرن الماضي شكلت أعماله أفكاراً فنية وجمالية جديدة من وجهة نظر التبدلات التاريخية والإجتماعية والثقافية، والتي بدأت مع حصول أوزبكستان على إستقلالها. ودخلت أعمال جولان عمربيكوف، مرحلة النضوج، وبدأت معها أيضاً مرحلة جديدة. لم تبتعد عن إختياراته الفردية، ومن جديد نظر الفنان التشكيلي نحو التفكرر بخبراته الذاتية، وكانت لديه إستراتيجيته في العمل، وفي كل مرة يضحي بإكتشافاته الذاتية مل أجل الجديد. وأحس قبل كل شيء بالحرية، والسهولة، التي تؤدي إلى أبحاث غير منتظرة، وأنتج أعمالاً فيها ذكريات الطفولة، والتاريخ القديم، والأساطير، ومختلف الإنطباعات، ورسم اسكتشات في الأسواق، وتحولت كلها بسهولة إلى حلقة وصل بين الخطوط الملونة والأشكال الجديدة، وكانت بداية لتاريخ لا ينتهي. ويمكن توحيدها شكلياً بألوانها المفترضة في سلسلة، أنتجت بشكل متوازي خلال تسعينات القرن الماضي، وحتى خلال سنوات الألفية الثانية، وجذبت مبادئ الإختلافات اللانهائية لبدايات اللعبة الفنان التشكيلي. ومن مسلسلاته التي أطلق عليها تسمية تاريخ الفلكلور، يمكن أن تضمها لوحاته: "الملاكين" و"عند الماء"، و"الطقوس"، و"معركة الديكة"، و"من أجل الماء"، و"الأم والأطفال"، و"الرقص مع الجان"، وهذه المشاهد غير المعقدة، نفذت من خلال تمكن الفنان التشكيلي من جمالية الديكور والخطوط الجميلة.

وهذا الأسلوب الجديد والعناصر المرئية في الوجوه والأوضاع، تعطي لغة جديدة في اللعبة، والتي ترفض بسهولة كل الأعراف، وكل ما يجب تفسيره. وجوهر ج. عمر بيكوف هو الإبتعاد عن التصوير في التنفيذ، والعمل الدقيق على قماشة اللوحة، والجوهر الملموس كان في مقدراته الفريدة في تصوير أية خلفية بالديكور فقط، لتصبح السلامة الكاملة والمتقنة الصفة الهامة في لوحات الفنان التشكيلي.

ومع مرور الوقت جمع ج. عمربيكوف الكثير من هذه السلسلة الجديدة، وترجمها في لوحته الثلاثية "صيف طفولتنا" (2003). ومن ضمن هذه المشاعر الشاعرية، صور في تراكيب متعددة الأجزاء العمل جنبا إلى جنب مع مشاهد حصاد المحصول، والموسيقيين، والأمهات والأطفال عند نبع الماء، وغيرها من الخلفيات المعروفة في أعمال الفنان التشكيلي خلال السنوات الماضية. على حواف الألوان الصفراء، والزرقاء، الغنية، والصافية في نفس الوقت. ووحد ألوان السماء الزرقاء والأرض، في تفاصيل متنوعة مع توافق حر. ويمكن مشاهدة كيف جمع الفنان التشكيلي الكثير من الإكتشافات والبحوث في أسلوب الثلاثيات: في الخلفيات الزرقاء والصفراء المعقدة، وكيف جمعها مثل الزجاج الملون وشظايا التكوينات الكروية، ووضعها كلها في أغنية عن أيام التناغم في الحديقة المشرقة والطفولة الهادئة.

وكان تطور ج. عمربيكوف وفق منطقه الخاص، ومن خلال السير على طريق لا يشبه أحد، وكما هي الحال لدى كل إنسان موهوب، وفي موكب الفنون التشكيلية السلمي والرسمي كانت لوحة "مذبح الحقائق الأبدية".
وكان الفنان التشكيلي مخلصاً لروحه التجريبة، وكان دائماً في حوار نشيط مع الشكل، والألوان، وفي كل مرة كان يعيد تكوين البصريات الأسلوبية، ويثير العجب بابحاثه الجديدة. وفي نفس الوقت لوحظ أن الفنان التشكيلي شعر بتحرره من أية وصفات مسبقة، ومن الإطارات الضيقة لأسلوب واحد، مع الحفاظ على الحاجة للتوسيع الدائم لحدود إبداعاته الفنية التشكيلية على الرغم من أنه وكما هو ملاحظ، كان الفنان التشكيلي يعرف كيف يحافظ على أسس التفضيلات، والخبرة المكتسبة.


وأحاول فهم جدلية تطور ج. عمربيكوف، والطبيعة الجدلية في أعماله، وألاحظ أنه توجه من جانب نحو تشكيل الأفكار، وإذا تحدثنا بشكل عام، عن المبادئ الحداثية. كما أشار ك. غرينبيرغ بدقة، "إذا كنا نشاهد لدى الفنانين القدماء، أولاً ما الذي يصورونه، بعد ذلك نلاحظ أن أمامنا لوحة، ونرى فيها لوحة حداثية في المقام الأول". ومن جانب آخر، كانت حاضرة دائماً لدى الفنان التشكيلي قوالب شرقية، وحب مكونات اللوحة، والأسلوب، مع تقوية التصميم. ومع ذلك، فإن الحوار بين نظامين في الفنون التشكيلية، غربي وشرقي، لم يتناقض في لوحات ج. عمربيكوف، لأنه كان يؤدي إلى اكتشاف أنواعاُ فنية تشكيلية جديدة، وفكرة "الحداثة" طبيعية لدى الفنانين التشكيليين اصحاب التوجه الحداثي، وجدد الفنان التشكيلي نداءه للإلتزام بقوانين الفن الشرقي، الذي إعتبره مصدراً لتشكيل أنماط فردية.

وفي كل مرة كانت لوحات الفنان التشكيلي تجمع وببراعة ما وصلت إليه الأصوات الثقافية المختلفة، والتي أحياناً تغيب، وأحياناً تندمج. وكانت موهبته، تتمثل بالقدرة على الحفاظ على فكرة الوحدة من هذا القبيل في عالم متناقض، كما هي الحال اليوم.
الدكتورة في العلوم الفنية، نيغورة أحميدوفا
نهنئكم بعيد ميلادكم ! أكاديمية الفنون الجميلة الأوزبكستانية، 17/6/2016.

ولا يسعني بهذه المناسبة إلا أن أقدم أفضل التهاني لصديقي العزيز الذي تربطنا الصداقة منذ ثمانينات القرن الماضي، وساعد الفنان التشكيلي السوري د. محمد غنوم بتنظيم معارضه في طشقند وسمرقند وبخارى في تسعينات القرن الماضي ويحلم بتنظيم معرضه الفردي في دمشق الحب