الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

سلمى الحفـــار الكزبــــري.. شــعلة لايـــــــزال فكرهــــــا يضـــــيء..

تحت عنوان "سلمى الحفـــار الكزبــــري.. شــعلة لايـــــــزال فكرهــــــا يضـــــيء.." نشرت صحيفة الثورة الصادرة بدمشق يوم الخميس 13/11/2014 مقالة كتبتها فاتن دعبول، جاء فيها:
قال عنها الاديب عبد الغني العطري: «إن سلمى الحفار شعلة من الحيوية والنشاط، ومجموعة من المواهب والذكاء، رضعت حب الوطن، في ظل ابيها الزعيم الوطني لطفي الحفار، وتعلقت بالادب والعلم منذ فجر حياتها، شجعها كل ما حولها على مزيد من عشق الوطن والتعلق بالكلمة».
بدأت محاولاتها الاولى في الاربعينيات وانطلقت في اجواء الفكر محلقة ومسرعة، وكتبت في شتى ألوان الأدب شعرا ونثرا وقصة ورواية، وحاضرت واذاعت في عدد من بلدان العرب والعجم، وبات اسمها يخفق في اوساط الادب بالاجلال والتقدير، اعطت واثرت المكتبة العربية بابداعاتها وكتب ارباب القلم عنها، وأثنوا على عطائها وصفقوا لابداعها المتفوق.‏
كتبت بالعربية ونظمت الشعر بالفرنسية والاسبانية، وترجم كثير من آثارها إلى عدد من لغات العالم، وحصدت بعض الاوسمة... أديبة شديدة الحماسة للعلم والمعرفة وهي دائمة التطلع إلى مزيد من العطاء والابداع.‏
امتاز اسلوبها بالرشاقة والبساطة والوضوح، جملتها قصيرة والفاظها منتقاة دون تكلف وأسلوبها لا يخلومن نفحة فرنسية واضحة وهي غزيرة الإنتاج تحسن اختيار موضوعاتها وتجيد من اللغات الفرنسية والاسبانية والانكليزية، كما تمتاز بالحيوية والنشاط والحرص على العلم الدائم وعدم إضاعة ساعة من الوقت دون الإفادة منها.‏
ولدت في دمشق في الأول من أيار 1922 في بيت دمشقي عريق اشتهر بالسياسة والوطنية والعلم والادب، فوالدها السياسي لطفي الحفار كان أحد أقطاب الكتلة الوطنية في سورية إبان الإنتداب الفرنسي وبعد الإستقلال ونائباً في البرلمان السوري ووزيراً للأشغال العامة والمالية والداخلية والمعارف ورئيساً للوزراء.‏
تلقت دراستها الإبتدائية والإعدادية والثانوية في مدرسة دار السلام في دمشق، أتقنت خلالها اللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، من مدرساتها الشاعرة المناضلة ماري عجمي التي غرست فيها حب اللغة العربية وآدابها، كما درست العلوم السياسية في الجامعة اليسوعية في بيروت،وكان لمكتبة والدها الغنية بكتب التراث العربي فضل كبير على إغناء ثقافتها.‏
تزوجت عام 1941 من محمد كرامي في طرابلس «لبنان» ورزقت بطفل واحد اسمته «نزيه» لكنها فجعت بوفاة زوجها الشاب حين كان طفلها لا يزال في الشهر الثاني من عمره، فعادت إلى دمشق وانكبت على الدراسة ونهل العلم والمعرفة، ثم تزوجت من الدكتور نادر الكزبري وأنجبت ابنتين «ندى، ورشا».‏
أسست مع رفيقاتها جمعية «المبرة النسائية» عام 1945 أخذت على عاتقها مهمة رعاية الفتيات الجانحات وتربية الأطفال اللقطاء منذ ولادتهم حتى بلوغهم السن السابعة من العمر، شاركت في العديد من المؤتمرات النسائية وكتبت الكثير أيضاً من المقالات الصحفية ولها أحاديث إذاعية وندوات أدبية ومحاضرات بالعربية والفرنسية والإسبانية.‏
وجدير ذكره أن سلمى الحفار الكزبري شغفت بالموسيقا الكلاسيكية وتعلمت العزف على البيانو منذ طفولتها على أيدي راهبات الفرنسيسكان بدمشق، وأولعت أيضاً بالرياضة والتصوير الضوئي، نالت العديد من الجوائز (جائزة الملك فيصل العالمية للأدب العربي بترشيح من مجمع اللغة العربية بدمشق عام 1995 وجائزة البحر الابيض المتوسط الأدبية من جامعة باليرمو في صقلية ووسام شريط السيدة للملكة إيزابيل الكاثوليكية عام 1965).‏
توفيت سلمى في 11-8 -2006 في بيروت إثر إصابتها بالفشل الكلوي ودفنت فيها بعد أن حالت أحداث حرب إسرائيل على لبنان آنذاك دون نقل جثمانها إلى دمشق ليوارى في مدفن العائلة، وقد خلفت الكثير من الآثار الادبية نذكر منها نساء متفوقات، زوايا، حرمان، الغريبة، مي زيادة وإعلام عصرها، البرتقال المر، الحب بعد الخمسين ويوميات هالة، ومنه نقتطف: «إن الشرق قد اباح أن يرى الرجل خطيبته وأن ترى الفتاة خطيبها قبل عقد القران بينهما»، وفي مكان آخر تقول: «إن هذا الزواج الشائع في معظم أقطار الشرق العربي هو عنوان تحقير النفس والإزدراء بالكرامة الإنسانية».‏
ولفت الدكتور عبد النبي اصطيف إلى إهتمام سلمى الحفار بفن السيرة والانشغال بها هذا الانشغال الحميم الذي كان تقفياً لخطا مي زيادة ذاتها، فقد رأت سلمى في كتاب مي عن ملك حفني ناصف المعروفة باسم «باحثة البادية» سبقاً أدبيا في فن السيرة لأنه عمل منهجي علمي ارتكز على العرض الواضح والتحليل الدقيق والدراسة الشاملة لشخصية المترجم لها ولبيئتها وعصرها، وأضاف بدوره: أن الادب العربي الحديث لم يعرف أثرا في السيرة اتبع فيه كاتبه أصولها الفنية قبل كتاب مي (باحثة البادية) الذي نشرته عام 1920.‏
واخيراً ندعو مع السيدة سهام ترجمان الجيل الجديد من شبان وشابات لقراءة أعمال رائدة من رواد الوطن والأدب كرست حياتها لتخليد أعلام الأمة العربية من رواد الوطنية والقلم وإلى قراءة اعمالها من جديد وبعمق كبير.‏
*****
وأضيف أني إلتقيت بهذه الهامة الأدبية والإعلامية الكبيرة في مطلع ثمانينات القرن العشرين بمكتبها في مبنى الإذاعة القديم بشارع النصر في دمشق الحب أثناء إعدادي لمعرض وسائل الإعلام السورية الذي نظمته بنجاح في كلية الصحافة بجامعة طشقند الحكومية، أوزبكستان. واستفدت من معلوماتها ونصائحها الغنية. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته. أ.د. محمد البخاري