الأربعاء، 27 نوفمبر 2013

العالم الخوارزمي العظيم أبو ريحان البيروني.


العالم الخوارزمي العظيم أبو ريحان البيروني
البيروني هو عالم خوارزمي عظيم، ألف الكثير من الأعمال العلمية شملت: التاريخ، والجغرافيا، والأدب، واللغة، وعلم الفلك، والرياضيات، والمسح الجيولوجي، وعلم المعادن، والصيدلة، وعلم طبقات الأرض، وغيرها من العلوم. ولأول مرة أشار العالم الإسلامي البيروني إلى إمكانية دوران الكرة الأرضية حول الشمس، وحدد طول محيط الكرة الأرضية. وأجاد اللغات: العربية، والفارسية، واليونانية، والسريانية، والسنسكريتية،
سيرة حياته


يعتبر البيروني وبحق انتصاراً للعلوم في القرون الوسطى بالشرق الإسلامي. وقال المؤرخ الأمريكي جورج سارتون، عن هذا العالم الموسوعي: أن "تاريخ علم الفلك، والرياضيات، والجغرافيا، والأنثروبولوجيا، والاثنوغرافيا، والفلسفة، وعلم الآثار، والفلسفة، وعلم النباتات، و علم المعادن، كان يتيماً لولا هذا العالم العظيم".
اسمه الكامل أبو ريحان محمد بن أحمد البيروني. ولد بتاريخ 4/9/973م في العاصمة القديمة لخوارزم، مدينة قيات (على أراضي جمهورية أوزبكستان المعاصرة). والمعروف عن السنوات الأولى لحياة البيروني قليل جداً، والمعروف أنه كان يتيم الأبوين. و أطلق عليه لقب "بيرونلي" (أي صاحب الأنف الكبير) بسبب أنفه الكبير. ولكنه أخفى وراء منظره الخارجي غير الجميل ذكاء متميزاً، لاحظه الوزير وابن عمه خوارزم شاه عراق. وفي سنوات حياته الأخيرة كتب البيروني: أن "... أسرة عراق أطعمتني من حليبها، وأخرجتني إلى الناس...".
وحصل البيروني على تعليم ممتاز في: الرياضيات، والفلسفة. وأول معلميه كان أبو نصر منصور بن عراق الجادي، مؤلف الأعمال المرجعية في علم الفلك، والرياضيات، وعلم المثلثات.
واعتبر البيروني أن كل شيء موجود في الطبيعة، وأن الأشياء تتبدل وفق قوانين الطبيعة نفسها، ويمكن الوصول لقوانينها بمساعدة العلوم فقط. وكرس مؤلفاته الأساسية للرياضيات، وعلم الفلك، التي كانت تتمتع آنذاك بأهمية عملية كبيرة في الحياة الاقتصادية لخوارزم، وتشمل: الزراعة المروية، والتجارة، والترحال.
وتركزت أهمية علم الفلك في ذلك الوقت على تطوير التقويم، وطرق التوجه على الأرض بواسطة المجرات السماوية. وكان هاماً جداً معرفة كيفية تحديد مكان الشمس، والقمر، والنجوم، في السماء بدقة، وهو ما أطلق عليه تسمية تحديد أسس: الثوابت الفلكية، وميل خط سير الشمس على خط الإستواء، وطول السنة الشمسية والنجمية، وغيرها. ومن جانب احتاج ذلك تطوير الرياضيات، وخاصة علم المثلثات، والمسطحات الكروية، ومن جانب آخر احتاج لتطوير أدوات المراقبة الدقيقة.
وكانت نتائج إنجازات البيروني في كل المجالات المشار إليها غير مسبوقة لعدة قرون. وحدد البيروني نصف قطر الأرض بـ(أكثر من 6000 كيلو متر) تقريباً، مستنداً لفكرته عن كروية الأرض. واعتمد البيروني على أفكار الفلاسفة اليونانيين والهنود القدماء وطورها، وشملت: بعض قضايا علم الفلك العامة، وأكد على الطبيعة النارية المتشابهة للشمس والكواكب، وهو ما يميزها عن الأجسام المظلمة في المدارات السماوية؛ وحركة النجوم بسبب حجومها الضخمة مقارنة بالكرة الأرضية؛ وفكرة الجاذبية. وتحدث البيروني عن شكوكه المبدئية حول صلاحية نظام مركز الأرض الذي وضعه بطليموس، وأكد على أن الشمس لا تدور حول الأرض، بل الأرض تدور حول الشمس، مثل الكواكب السيارة الأخرى التي تدور حول الشمس.
وفسر البيروني ظاهرة الشفق في الصباح والمساء، واعتبره نتيجة لانبعاث جسيمات غبارية مضيئة من أشعة الشمس في الأفق. وتحدث عن فكرة "ما يشبه الدخان" من أذناب مضيئة تحيط بقرص الشمس أثناء الكسوف (تاج الشمس). وطور البيروني طرقاً للقياس الجيوديسي في علم الفلك، قبل ف. سنيليوس بـ 600 سنة، وقدم طريقة مثلثية لقياس المسافات. وطور الأدوات الفلكية الأساسية المستخدمة في ذلك الوقت كـ(الإسطرلاب، والرباعي، وآلة السدس). وبنى أول دائرة رباعية ثابتة (جدار) نصف قطرها 7,5 متر للقيام بالمراقبة الدقيقة للشمس والكواكب السيارة، وكانت هذه الدائرة الرباعية الثابتة خلال 400 سنة الأكبر في العالم. وبقيت قياسات ميل الشمس عن خط الاستواء التي جرت فيها فريدة بدقتها لعدة قرون.
وجمع البيروني في أولى مؤلفاته "تسلسل الأمم القديمة" (عام 1000م) وصوف لكل نظم التقاويم المعروفة لديه في ذلك الوقت، والتي استخدمتها مختلف شعوب العالم. وقدم أبحاثه عن علم الفلك في كتاب "تفسير البدايات الأساسية في علم الفلك"، وفي غيرها من مؤلفاته العلمية الأخرى.
وعاش البيروني في قيات، وكورغان، بقصور الحكام المحليين، وبعدها عاش في قصر شاه مأمون بخوارزم، وهو الذي ترأس أكاديمية جمعت أبرز العلماء، ومن بينهم ابن سينا، والخوارزمي مؤسس علم الجبر. ولم تزل مراسلاته مع ابن سينا محفوظة حتى اليوم، وهي التي تقاسم من خلالها الأفكار معه حول كتب أرسطو.
وبعد استيلاء محمود غزنوي على خوارزم، عاش البيروني من عام 1017م في غزنة بقصر السلطان محمود، ومن بعده في قصور ورثة الحكم مسعود، ومودود. وشارك البيروني في حملة محمود على الهند، وعاش هناك عدة سنوات. وتعتبر المرحلة "الغزنوية" من أفضل المراحل الإبداعية في حياة البيروني. ونتج عن قيامه خلال تلك السنوات برحلته إلى الهند تأليف كتابة الهام "تفسير هل يقبل ما كتبه العلماء الهنود العقل أم ترفضه" ("الهند"، أنهى كتابته في عام 1030م). وبعد وفاة السلطان محمود تولى السلطة ابنه مسعود، الذي شمل مواهب البيروني برعايته. وقال البيروني عن مسعود: "أعطاني الفرصة لتكريس بقية حياتي لخدمة العلم، وسمح لي بالعيش في ظل سلطته ...".
وخلال تلك السنوات كتب البيروني أهم مؤلفاته العلمية كتاب "قانون مسعود في علم الفلك والنجوم"، ووصف فيه الصورة العامة للعالم.
ويضم التراث العلمي الذي خلفه البيروني نحو 150 مؤلفاً في: الرياضيات، وعلم الفلك، والجغرافيا، وعلم المعادن، والتاريخ، والإثنوغرافيا، وعلم اللغة والأدب، والفلسفة. وقدم كعالم درس الطبيعة، إسهامات لتوسيع مفهوم العدد، ونظرية المعادلات التكعيبية، وحساب المثلثات الكروية، ووضع جداول المثلثات. واعتمد على دراسة تقاويم عدة شعوب للإستمرار بالمبادئ العامة في وضع التقاويم، ومن ضمنها التقاويم الزراعية. وساعدته معرفته للغات: العربية، والفارسية، واليونانية، والسريانية، والسنسكريتية، على وضع أسس لترجمة المصطلحات العلمية من لغة إلى لغة أخرى.
ووصف البيروني في كتابه "الهند" الذي انتهى من تأليفه في عام 1030م،  بالتفصيل حياة، وثقافة، وعلوم الهنود، واستعرض نظمهم الدينية والفلسفية. واستخدم البيروني في مؤلفه طرق المقارنة وكتب: "أترجم نظريات الهنود كما هي، ومعها ما يتعلق بنظريات اليونانيين لاظهار تقاربهما المتبادل". وأشار فيها إلى: هوميروس، وأفلاطون، وأرسطو، وجالينوس، وغيرهم من المؤلفين اليونان. وقارن بين الفكر الإسلامي والهندي. وأشار خاصة إلى أن الدراسات الصوفية الإسلامية هي أقرب من النظريات الهندية "سانكهيا" و"يوغا". واثناء مقارنته لعادات وتقاليد مختلف الشعوب أشار لخصائص حياة: السلافيين، والتيبيتيين، والخزريين، والأتراك، وغيرهم من الشعوب آنذاك.
وعلى خلفية خط النسخ بالحروف العربية وضع البيروني نظاماً حديثاً لكتابة الكلمات الهندية بلغة الأوردو.
وإلى جانب عمله في تأليف كتابه "الهند" قام البيروني بترجمة "سانكهي" و"يوغاسوتري باتانجالي" إلى اللغة العربية، واستمر بترجمة "البدايات" لإقليدس، و"المجسطي" لبطليموس، إلى اللغة السنسكريتية.
وكباحث أشار البيروني إلى ضرورة التدقيق في المعارف والتجارب، وكتب: الشكوك تظهر أثناء البحث، "وتجاوز الشكوك... ممكن عن طريق الخبرة وإعادة التجربة". وكانت المعارف التجريبية لدى البيروني مبنية على الشك في النظام الكوني الذي وضعه أرسطو.
وفي شيخوخته فقد البيروني بصره، ومع ذلك كان يعتبر حتى آخر أيام حياته أن "المحرك" الرئيسي هو البقاء في حالة معنوية جيدة. ووري جثمانه تحت التراب عام 1048م في غزنة. ودخل اسمه إلى الأبد في خريطة القمر.

بحث أعده أ.د. محمد البخاري، في طشقند، 27/11/2013 نقلاً عن المصدر الإلكتروني: http://www.ziyonet.uz/ru/people/al-biruni/