الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

19- نظرية المسؤولية الاجتماعية.

19- نظرية المسؤولية الاجتماعية. نظريات الإعلام والاتصال الجماهيري. يتناول هذا البحث بالإضافة للمقدمة، مفاهيم الاتصال، وتعريف الإعلام، وعملية الاتصال وعناصرها، ووظائف وسائل الإعلام، ونظريات الاتصال وتطورها، ونظرية مارشال ماكلوهان، والاتجاه الجديد للاتصال، والقائم بالاتصال ونظرية (حارس البوابة)، ودراسات القائمين بالاتصال والنخبة الإجتماعية، وتكنولوجيا وسائل الأعلام وتأثيرها على المجتمعات، نظرية (مارشال ماكلوهان)، والاتصال الشفهي، والاتصال الكتابي، والاتصال الكتابي المطبوع، والعودة للاتصال الشفهي، ونظريات الصحافة الدولية: نظرية السلطة المطلقة، ونظرية الصحافة الحرة، والنظرية الاشتراكية للصحافة، ونظرية المسؤولية الاجتماعية، ونظرية المسؤولية العالمية للصحافة، والخاتمة، وقائمة بالمراجع.
19- نظرية المسؤولية الاجتماعية
ولدت هذه النظرية نتيجة للمعاناة من النظريات التي سبقتها. وقد يكون أيضاً بسبب تأثير نتائج الحرب العالمية الثانية. فقد وجد المفكرون في المبادئ والوظائف والصيغ الجديدة انعكاسا للنظرية الليبرالية. وأعتبر القرن العشرين الميدان التطبيقي لأفكار هذه النظرية في المجتمع والدولة، وكان أمثل تطبيق لأفكار هذه النظرية الولايات المتحدة الأمريكية التي طبقت فيها ومن ثم أخذت بالانتشار في بقية أنحاء العالم. وتوجهت أفكار ومبادئ هذه النظرية بالنقد لأفكار النظرية الليبرالية (نظرية الحرية). ومن أهم المبادئ التي تقوم عليها هذه النظرية: - إعطاء الحقيقة إلى الفرد ولا يحق التستر عليها ولا يجوز تزويد الفرد بمعلومات كاذبة أو ناقصة؛ - وممارسة النقد البناء والقبول بأي فكرة أو طرح جديد من قبل الفرد، وتقبل مناقشة ذلك الفرد، لتصحيح الخطأ إن وجد بأسلوب ديمقراطي بناء هادف وهادئ؛ - ونشر أهداف المجتمع وخططه التربوية والتعليمية والاقتصادية. فالإعلام يهدف خدمة المجتمع ويبشره بالرفاهية، واحترام حقوق الفرد السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية؛ وإتاحة الفرصة للفرد للحصول على المعلومة التي يستفيد منها أو يريد أن يتعلمها أو يضيفها إلى حصيلة مستواه الثقافي والسياسي من خلال فكر الدولة أو فكره الشخصي.
وتتلخص الوظائف العامة لنظرية المسؤولية الاجتماعية: - بخدمة النظام السياسي المتفق عليه من قبل الأغلبية؛ - وإعلام الرأي العام وإعلاء ممارسة حكم الشعب لنفسه؛ - وحماية حقوق الأفراد في المجتمع، وحقوق الدولة لخدمة المجتمع باحترام النظام العام، واحترام حركة الاتصال والإعلام الجماهيري؛ - وخدمة النظام من خلال إبراز الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية؛ - وتقديم البرامج المتوازنة الخاصة بالتسلية والترفيه للفرد من خلال ذلك القسط من الحرية الممنوحة من الدولة وبما يحقق راحة الجميع؛ والتركيز على مبدأ تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وواجهت هذه النظرية بعض أوجه النقد للنظرية الليبرالية (الحرية) وتمثل هذا النقد في: - أن الصحافة لم تؤد دورها الصحيح في عرض وجهات النظر المختلفة للأفكار المطروحة في المجتمع. بينما تؤمن نظرية المسؤولية الاجتماعية بضرورة إعطاء الحقيقة ووجهات النظر المختلفة كلها دون مراوغة أو تضليل للفرد وإنما منحه حقيقة الفكر المطروح من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛ - وأن نظرية الحرية الليبرالية تهدف إلى إثارة الأحاسيس والمشاعر في المجتمع. ولذلك فإنها لا تعطي الحقيقة كلها بل تجزئها وأحياناً تحرفها، بشكل يؤدي إلى خداع المجتمع في النهاية، وقد يساند الفرد ممارسات تلك الدولة أو تلك دون أن يعرف توجهها الصحيح، ولكنه يكتشف بعد فوات الأوان أنه كان مخدوعاً. بينما تخالف نظرية المسؤولية الاجتماعية هذا الرأي وتؤكد على ضرورة ممارسة حرية إعلام المواطن بالخبر والأحداث ومنحه حق منافسة الدولة والآخرين بشكل يؤدي إلى العمل والتعاون والتقدم.
وتُحَمِّل الصحافة ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الأخرى قدراً من المسؤولية في ممارسة البناء والنمو الاجتماعي على أساس الالتزام بحقوق الآخرين. فالحرية تنطوي على قدر كبير من المسؤولية الاجتماعية، ولذلك فإن الحرية ليست حقاً طبيعياً يعطى دون مقابل، بل حقاً مشروطاً بمسؤوليات يمارسها الإنسان اتجاه نفسه واتجاه المجتمع. ولا حق لأحد بالاعتداء على حريات الآخرين. أي أن الحكومة والشعب يعطيان للصحافة حقها في حرية التعبير، ولكن في نفس الوقت يمكن أن يفقد هذا الحق فيما لو أسيء استعماله ولا يمكن عزل المجتمع والصحافة والدولة عن بعضهم البعض. والتمتع بالحقيقة وحرية الرأي أمر ضروري للأطراف الثلاثة: الدولة، والمجتمع، ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، لأن الغاية واضحة للجميع.
وتبدأ عملية تفكير الفرد فور تسلمه للخبر، الذي يناقشه مع نفسه أولاً، ومن ثم مع السياسة المعلنة للدولة ووسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية المنتمية لتلك الدولة مخالفة أم مؤيدة لرأي وفكر الحكم في الدولة. وبذلك يصبح الفرد متمتعاً بالحرية الحقيقية والقدرة على التعبير عن رأيه وأفكاره ومفاهيمه ومواقفه. إلا أن هذا لا ينفي وجود الرقابة الموضوعية على النشر. إذ أن الرقابة موجودة ولا تسمح بنشر أي شيء يتعارض وتوجه وخدمة الجماهير العريضة، ولا يهم الرقابة الآراء المتعلقة بالأفراد كأفراد، لأنها تضع مصلحة المجتمع فوق كل المصالح، وتحترم المصلحة الجماعية لذلك المجتمع.
20- نظرية المسؤولية العالمية للصحافة
تهدف نظرية المسؤولية العالمية التي ولدت في الدول المتقدمة، إلى: - ربط أجهزة الاتصال والإعلام والعاملين فيها بقضية الإنسان في كل مكان؛ - ورفع مسؤولية الاتصال والإعلام إلى مستوى القضايا العالمية التي تحتاج إلى كلمة الحق المنزهة عن الهوى، وإلى الموضوعية التي تفتقر لها أجهزة الاتصال والإعلام في المجتمعات المختلفة؛ - وتحقيق المساهمة الإيجابية لأجهزة الاتصال والإعلام الجماهيرية في معركة الوجود الإنساني نفسه؛ - ونبذ ومحاربة التهديدات الإنسانية المصيرية والمتمثلة في الحرب النووية والاحتكارات والمصالح الدولية. وأهداف وغايات هذه النظرية بالأساس تنبثق من مفهوم خدمة المجتمع الإنساني ككل. وهذه النظرية تعتبر امتدادا للنظريات الإعلامية السابقة ولكنها قد تكون أكثر شمولاً منها كونها تنطلق من وإلى المجتمع الإنساني الأشمل. دون تحديد لجنس هذا المجتمع لأنها ترفض الأفكار العنصرية والعرقية والدينية وتعمل على خدمة الإنسان من كل جوانب حياته، وتؤمن بتوفير الحرية الكاملة والكافية التي تمكن الإنسان من إبداء رأيه وأفكاره، من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المتاحة. وتتلخص فلسفة هذه النظرية بالعبارة التالية: "حب الإنسان للإنسان" ومهما تكن الاختلافات بين الإنسان والإنسان الآخر، فإن شعار هذه النظرية يؤكد على التآخي، ودعوتها الصريحة تتسم بالبساطة والوضوح.
فقد استندت إلى حقيقة موضوعية في ارتباط الإنسان بالإنسان الآخر، من حيث الحضارة، والمصالح، والتاريخ، والجغرافية، والديانات، وكل ذلك يستدعي من الإنسان أن يحب أخيه الإنسان الآخر في العالم الإنساني الواسع الفسيح الأرجاء. وقد تختلف أو لا تختلف الغاية من الأهداف التي تتضمنها هذه النظرية. إلا أن الغاية الأساسية تركز على تكييف طبيعة الصراع الإنساني لتحقيق الغاية الأسمى. غير أن هذه النظرية لا يمكن تحقيقها ما لم يظهر من بين دعاتها أفراداً مخلصون لمبادئ الإنسانية عموماً، لأن الذاتية كنزعة إنسانية فردية تقود بعض المنظرين والسياسيين المتزعمين لحركة المجتمع أو المتزعمين لحركته الفلسفية والفكرية إلى ضيق الأفق. والإخلاص هنا يركز على مبادئ الإنسانية جمعاء، وليس على المبادئ الذاتية التي تضلل الناس المتطلعين إلى السلام والحرية. ومحاربة كل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الرأسمالية التي تعمل على استلاب حياة الناس واستلاب رغيف الخبز الذي يعيشون عليه. وتعتبر أن الإنسان المتطلع إلى مبادئ المسؤولية العالمية بحق، هو ذلك الإنسان المنادي بالحرية الحقيقية وبمفهومها الحقيقي، ومعناها المناهض للوسائل المتخلفة التي تعمل على تفكيك وتجزئة شعوب العالم من خلال النزاعات الدينية، والتوسعية، والعبودية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي في النهاية تحطم الإنسان في كل مكان.
لذلك ومع توسع الثورة المعلوماتية والتكنولوجية وخضوع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية للاحتكارات أو الفئات الحاكمة والسير في ركابها وعدم ارتباطها بالمجتمع وتسخير قدراتها لخدمة قضاياه، فإن تطبيق هذه النظرية العالمية يحتاج إلى أولئك الرجال الذين يستطيعون تخطي الحواجز الإقليمية والارتفاع فوق الصراعات والمصالح الشخصية والمحلية والإقليمية، والنظر إلى الإنسان كإنسان في كل مكان. ولقد وجدت محاولات فردية كالمحاولة التي قام بها الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، وعارض فيها الحرب الفيتنامية، وجهود بعض الكتاب الأحرار في مقاومة التفرقة العنصرية. ولكن هذا الذي يحدث هنا وهناك لم تواته القوة المؤثرة بعد، ولا زالت تلك النظرية بعيدة عن الرواج أو التأثير. كما ونجد أن الكثير من المحاولات الإعلامية والسياسية العالمية لمناصرة حقوق الشعوب المضطهدة وقضاياها العادلة، وفضح المخططات التوسعية والعنصرية في العالم، دون المستوى المطلوب.
والخلاصة أن كل تلك النظريات نبعت من صلب المجتمع المتقدم، ولم تراعى فيها مصالح وواقع الدول النامية، المخلفة بسبب التركة الإستعمارية الثقيلة التي هي غير قادرة على التخلص منها ومن تبعاتها حتى اليوم. وأن الدول النامية كانت ولم تزل مسرحاً للتجارب لاختبار مدى فاعلية تلك أو غيرها من النظريات الإعلامية، إن لم نقل أنها مسرحاً لتصادم المصالح الإعلامية والثقافية للدول الكبرى المتطورة، وللتجمعات الإعلامية الدولية الآخذة بالإنتشار القوي والفاعل أكثر من أي وقت مضى.
ونرى أن الأمم المتحدة معنية في إعادة النظر في جميع الممارسات الإعلامية المستندة على مبدأ حق امتلاك التكنولوجيا المتطورة للدول المتقدمة، والذي يعني ضمناً حق احتكارها للمعلومات ومواردها. فالقضايا الإنسانية وحقوق الشعوب المهضومة جميعها تمثل جوهر عملية التبادل الإعلامي الدولي، والإعلام الإنساني المستند على مبادئ الوفاق والسلام والتفاهم بين شعوب العالم كله انطلاقاً من مبادئ المساواة والاحترام المتبادل، واحترام ثقافة الآخر، وتبادل المنافع والمصالح الإنسانية. وعلى منظمة الأمم المتحدة أن تضطلع بدور أكثر تأثيراً لوضع نظرية إعلامية عالمية تضمن الحد الأدنى لحماية مصالح الدول الأقل حظاً، والدول المخلفة، والدول النامية، من خلال فتح حوار حقيقي بين الشمال المتقدم والجنوب المخلف، حوار يحترم مصالح المتضررين من العولمة والمجتمع المعلوماتي، لصياغة نظرية جديدة للإعلام تتلائم وروح القرن الحادي والعشرين، والعصر المعلوماتي. ويضمن ولوج الدول الضعيفة في المجتمع المعلوماتي القادم من الشمال المتطور بأقل الخسائر بما يجنبها فرض ثقافة القوي والمسيطر على الساحة الإعلامية الدولية، وبالشكل الذي يتحقق فيه التعاون الحقيقي الذي تحترم فيه حقوق الآخرين ضمن إطار حوار ثقافي وحضاري عادل ومتساو بين الجميع، لا تخترق فيه حقوق أي كائن إنساني في الحياة الحرة والكريمة.
وهو التعاون الذي يمكن أن يتم من خلاله تحقيق الشروط الأساسية لبناء المجتمع المعلوماتي والتي تتلخص في: - تشكيل ساحة معلوماتية عالمية متساوية وموحدة. وتعميق عمليات التكامل الإعلامي والاقتصادي العادل للأقاليم والدول والشعوب؛ - وإنشاء القاعدة المادية المعتمدة على المنجزات التكنولوجية الحديثة، ومنها تكنولوجيا المعلوماتية، وشبكات الحاسب الإلكتروني، وشبكات الاتصال المسموعة والمرئية عبر الأقمار الصناعية، ووضعها في خدمة الاقتصاد الوطني، الذي لا بد وأن يعتمد على استخدام تكنولوجيا المعلوماتية وإمكانياتها الواعدة؛ - وإنشاء سوق المعلومات واعتباره أحد عوامل الإنتاج مثله مثل الموارد الطبيعية، وقوة العمل، ورأس المال، لأن الموارد المعلوماتية هي من موارد التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، والعمل على تلبية الحاجات الاستهلاكية للمجتمع من المنتجات والخدمات الإعلامية؛ - وتطوير البنية التحتية للاتصالات المسموعة والمرئية، والمواصلات، وتنظيمها؛ - ورفع مستوى التعليم بمستوياته وتخصصاته المختلفة، وتطوير العلوم والتكنولوجيا والثقافة من خلال توسيع إمكانيات نظم تبادل المعلومات على المستوى الوطني والقومي والإقليمي والعالمي، ورفع مستوى الكفاءة المهنية وتشجيع المواهب المبدعة؛ - وتوفير سبل حماية الأمن الإعلامي للفرد، والمجتمع، والدولة؛ - ووضع السبل الكفيلة باحترام وحماية الأمن الوطني والقومي وحقوق الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة في حرية الوصول والحصول على المعلومات وتوزيعها كشرط من شروط التطور الديمقراطي.
والسعي الحثيث نحو تعميم مهارات استخدام المنجزات التقنية والتكنولوجية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة على جميع أفراد المجتمع، لتمكينهم من الاستفادة والتعامل مع الخدمات الإعلامية المتاحة لهم، والتي لابد أن توفر شروط التنافس الشريف بين المؤسسات الإنتاجية والخدمية قدر الإمكان. والعمل على توفير أقصى قدر ممكن من التكامل بين الشبكات المعلوماتية الوطنية والقومية والإقليمية والدولية من خلال تطوير وسائل الاتصال ونقل المعلومات المرئية والمسموعة وتحديثها بشكل دائم. وهو التعاون الذي يساعد على حل مشكلة الإدارة والتحكم بسيل المعلومات المتدفقة إلى داخل المجتمع المعلوماتي، والمفترض أن تكون مفتوحة وحرة ولا تتعرض لأية حواجز أو عوائق.
فأسلوب التحكم من الأعلى إلى الأسفل لا يصلح للمجتمع المعلوماتي. لأنه من المستحيل فيه تعميم المعلومات من خلال مركز واحد، لأن شبكات المعلوماتية الإلكترونية هي شبكات منفتحة ومتعددة الأطراف. خاصة وأن شبكات المعلوماتية الإلكترونية تقدم المعلومات الواردة من شتى الاتجاهات والمستويات المختلفة إلى حد كبير، ولابد أن يلبي هذا التنوع حاجات إقامة أساس متين لبنية كل خلية من خلايا شبكات تبادل المعلومات. وهي الخلايا والشبكات التي هي ليست بالضرورة بنى ديمقراطية تحترم فيها حقوق كل الأطراف المشاركة بعملية الاتصال. ومن الطبيعي جداً أن تطغى معلومات النخبة بإمكانياتها المادية والتقنية والتكنولوجية على المجال الإعلامي لتلك الشبكات، بحيث تصبح شبكات شرائح النخبة المسيطرة التي تحظى بمجال أكبر للحركة ونشر المعلومات داخل المجتمع المعلوماتي العالمي المنفتح، وتسعى لطمسه من خلال ما تحظى به من تفوق ثقافة الآخر وتصادر حقه في تبادل إعلامي دولي عادل ومتوازن.
الخاتمة
وهكذا رأينا أن ثورة تقنيات ووسائل الإعلام والاتصال والاستشعار عن بعد، التي تفجرت بشدة خلال الربع الأخير من القرن العشرين، قد وضعت البشرية أما منعطف تاريخي حاسم شاركت فيه، كافة عناصر التركيبة الاجتماعية القادرة على المشاركة في عملية التأثير والتفاعل المتبادل من خلال عملية التبادل الإعلامي المستمرة داخل المجتمع المحلي والإقليمي والدولي، عبر وسائل الاتصال الحديثة التي أصبحت تشكل فيها تقنيات الحاسب الإلكتروني الحديثة دائمة التطور العنصر الهام والفاعل في حسم القضية كلها لصالح العولمة بكل أشكالها وأبعادها. وبالتدريج أصبحت الحاسبات الإلكترونية الشخصية المرتبطة بشبكات المعلوماتية المحلية والإقليمية والدولية، تخزن وتنقل وتنشر المعرفة بكل أشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية، وشارك جميع القادرين والمساهمين في عملية التبادل الإعلامي متعددة الجوانب، لتحدث ثورة حقيقية داخل الأنظمة الإعلامية التقليدية، وأنظمة تراكم المعلومات واستعادتها.
وأصبحت تساهم في تطوير عملية نقل المعرفة التقليدية داخل المجتمعات بعد أن انتقلت البشرية لاستخدام تقنيات الأنظمة المعلوماتية الإلكترونية الحديثة في مجالات العلوم والبحث العلمي والتعليم إلى جانب فروع الأنشطة الإنسانية المختلفة. وهو ما وفر فرصة كبيرة لرفع مستوى الأداء العلمي والمعرفي وأفسح المجال واسعاً أمام عملية الحصول على المعارف المختلفة ودمجها وإعادة نشرها، وتسهيل استخدامها في عملية تفاعل دائمة لا تتوقف. وأصبح هذا الواقع الجديد بديلاً للطرق الإعلامية التقليدية، وبمثابة التحول من المألوف في أساليب وطرق التعليم والإعداد المهني والمسلكي المتبعة حتى الآن في بعض الدول الأقل حظاً في العالم، إلى أساليب أكثر تطوراً وأكثر فاعلية من ذي قبل.
وارتبط هذا التحول بظاهرة العولمة والتكامل المتنامية في النشاطات الإعلامية الضرورية واللازمة لتطور الثقافة والعلوم والتعليم والبحث العلمي، في إطار ما أصبح يعرف اليوم بالمجتمع المعلوماتي. ولا أحد ينكر اليوم أن الثورة المعلوماتية التي نتجت عن التطور العلمي والتقني الهائل لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين، أحدثت تغييرات جوهرية داخل المجتمعات في مختلف الدول، بفارق سجل نسب التطور في كل مجتمع من مجتمعات الدول المتطورة والأقل تطوراً والدول النامية في العالم. ولكن الدولة وكما كانت الحال منذ القدم بقيت العنصر الأساسي في العلاقات الدولية، رغم التأثر الواضح الذي بدرت ظواهره تزداد وضوحاً كل يوم، من خلال تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المتطورة في عملية التبادل الإعلامي الدولي التي أصبح يشارك فيها كل القادرين ضمن إطار المجتمع المعلوماتي سلباً أم إيجاباً. وبقيت الدولة دون سواها العنصر الرئيسي في وضع وتنظيم وضبط آليات العلاقات الدولية ومن ضمنها عملية التبادل الإعلامي الدولي. خاصة وأن مفهوم قوة الدولة على الساحة الدولية، كان ولم يزل مرتبط منذ البداية بقوة وتماسك الدولة من الداخل.
ومما لاشك فيه اليوم أن ثورة وسائل الاتصال الحديثة فرضت نقلة نوعية متميزة نحو المجتمع المعلوماتي، ونتج عنها امتداد وانتشار وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بأشكالها التقليدية والحديثة، وتركت بصماتها على دور الدولة الذي بدأ يضعف في المجتمع المعلوماتي، وهو مجتمع عصر التدفق الحر للمعلومات عبر تقنيات الاتصال الحديثة أخذاً وعطاء، ونتجت عنه ظواهر سلبية واضحة كما أظهرت بعض وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية الدولية أثناء تغطيتها للأحداث الجارية في فلسطين، وأفغانستان، والصومال، ولبنان، ويوغسلافيا السابقة، والعراق، وجورجيا، وتونس، ومصر، وليبيا، وسورية، واليمن، وأوكرانيا، والأخذة بالإتساع لغيرها من دول العالم.
ولم يعد بالإمكان التحدث اليوم عن السيادة الإعلامية ضمن الحدود السياسية للدولة أو الإقليم الجغرافي، وعن التحكم بعملية تدفق المعلومات لداخل تلك الحدود، وبالتالي الانفراد بتشكيل عقول مواطني الدول بما يضمن الولاء التام للدولة، بنفس الطريقة التي كانت مطروحة به قبل انهيار المنظومة الشيوعية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي السابق. خاصة وأن تأثير ثورة المعلومات قد شمل سلباً الدولة بكل مكوناتها من حدود سياسية معترف بها، وشعب وحكومة. وأصبحت السيطرة على عملية تدفق المعلومات شبه مستحيلة بعد أن تحولت المعلومات إلى عناصر غير ملموسة وغير مرئية يسهل تنقلها واختراقها لأي حدود سياسية أو جغرافية كانت مهما بلغت نوعية وكمية ودرجة إجراءات الحماية ضد اختراق التدفق الإعلامي الدولي داخل المجتمع المعلوماتي الحديث.
ولا أحد ينكر اليوم الدور الذي لعبته الصحافة المطبوعة منذ انظلاقتها في بلورة الشخصية القومية للأمم، عندما وفرت للشعوب إمكانية المشاركة في عنصري الزمان والمكان عن طريق اشتراك أبناء الشعب الواحد في قراءة صحيفة تتحدث بنفس اللغة، وحملت على صفحاتها نفس الزوايا والأبواب وصدرت في مكان وزمن محدد، أتاح فرص دعم الشعور القومي لدى تلك الشعوب. وقلصت وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة التباعد الجغرافي، والفاصل الزمني، وأصبحت تقنيات الاتصال الحديثة تقفز من فوق الحواجز وتخرقها. وما كان مستحيلاً في عالم الاتصال الأمس، أصبح اليوم واقعاً، وكأن مصدر المعلومات والقائم بالاتصال والجمهور الإعلامي مهما باعدت المسافة الجغرافية بينهم، يقعون ضمن إطار ساحة إعلامية واحدة تعجز الدول عن التحكم بها، مما ترك بدوره أثاراً بالغة على الشعور الوطني والانتماء الثقافي والتماسك الاجتماعي، والولاء للدولة من قبل المواطنين المنتمين للدول المعرضة للاختراق الإعلامي دون غيرها من الدول. لماذا ؟ لأن مشكلة إعداد نظم الاتصال الكفيلة بتوفير الموارد المعلوماتية الضرورية لتطوير العلوم النظرية والتطبيقية في ظروف إصلاح النظم الإعلامية القائمة والتطور الاقتصادي تحتم على تلك الدول أن يكون التصدي لهذه المشكلة من المهام الأساسية للسياسة الحكومية وواجباتها لتلبية احتياجات نمو وتطور الاقتصاد الوطني.
سيما وأن العنصر الرئيسي اللازم للأبحاث العلمية والاستفادة العملية من نتائجها، يبقى مرتبطاً بالكامل بأشكال وأساليب توفير المعلومات والحقائق العلمية الحديثة والمتطورة. أخذين بعين الاعتبار أهمية مؤشرات ونوعية الموارد المعلوماتية المتاحة لكوادر البحث العلمي في أي بلد من بلدان العالم. لأن أي قصور في تأمين حاجة الباحثين العلميين من المعلومات الضرورية لمواضيع أبحاثهم العلمية سيؤدي حتماً ومن دون أدنى شك إلى تأخير تطور البحث العلمي، وبالتالي إلى تخلف حركة التطور العلمي والاقتصادي والثقافي والمعرفي في جميع فروع الاقتصاد الوطني. وأنه لابد تحت تأثير مجموعة من الأسباب الموضوعية القائمة في الدول الأقل تطوراً وفي الدول النامية، من إعادة النظر بكل مستويات أنظمة توفير الموارد المعلوماتية العلمية والتقنية للمجتمع، ومن ضمنها فروع التعليم والبحث العلمي والاقتصاد الوطني بشكل عام. وهي عادة أقل كلفة مما هي في الدول المتطورة، خلال فترة المرحلة الانتقالية من الخدمات الإعلامية إلى المجتمع المعلوماتي المنفتح.
ورغم محدودية الإمكانيات والموارد المتاحة في تلك الدول والتي لا تكفي حتى لتزويد المكتبات الوطنية ومراكز المعلومات الوطنية بالإصدارات الدورية العلمية المتخصصة والتقنية، سواء منها المطبوعة أم الإلكترونية محلية كانت أم أجنبية. فإننا نلمس تفاؤلاً كبيراً في تلك الدول يتجه نحو إمكانية حل تلك المعضلات في إطار برامج التعاون العلمي الدولي، وإطار الاعتماد المتبادل بين دول العالم من أجل تحسين أداء شبكات الموارد المعلوماتية العلمية الإلكترونية الوطنية مع الدولية، لتخفيض تكاليفها، وتخفيض أجور استثمارها في مجالات البحث العلمي للدول التي تعاني من مشاكل مالية على الأقل.
ورأينا محاولات قامت بها بعض الدول المتقدمة لتقديم مساعدة لإقامة شبكات إعلامية علمية وبنوك معلومات وطنية، ومكتبات إلكترونية لوضعها تحت تصرف المستخدمين في الدول الأقل تطوراً والنامية. ولمسنا في عالم اليوم أن المؤسسات العامة والخاصة على السواء، في أكثر دول العالم تقوم اليوم باستخدام تكنولوجيا المعلوماتية المتقدمة والحديثة، بغض النظر عن المشاكل المالية والاقتصادية التي تعاني منها تلك الدول. وأن العديد من دول العالم تقوم اليوم بإنتاج مصنفات معلوماتية إلكترونية على الأسطوانات المضغوطة وغيرها من التقنيات الناقلة للمعلومات، إضافة لظهور آلاف النوافذ Web في شبكة الانترنيت Internet العالمية، فتحتها وتقوم بتشغيلها المؤسسات الحكومية والعامة والخاصة وحتى الأفراد في مختلف دول العالم. وتحوي تلك النوافذ على كم هائل من المعلومات المتنوعة العلمية والثقافية والتجارية وغير التجارية والاقتصادية والسياسية والترفيهية، والثقافية، وغيرها، إضافة للبرامج التعليمية والتربوية والتثقيفية بما فيها برامج التعليم عن بعد. كما رأينا مساع واضحة لمؤسسات التعليم العالي والمتوسط والمكتبات العامة وحتى المتاحف ووسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية المغمورة في مختلف دول العالم لفتح نوافذها Web الخاصة في شبكة الانترنيت العالمية.
مما أصبحت الحاجة تفرض على تلك الدول ضرورة الإسراع بوضع خطط شاملة تنطلق من أسس موضوعية وواقعية وموجهة في إطار برامج ومشاريع التنمية الشاملة لإنشاء بنية تحتية معلوماتية وطنية تعتمد على برامج التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال الهام، وتوجيه تلك البرامج والمشاريع لخدمة وتطوير البحث العلمي وتأمين توزيع الموارد المعلوماتية توزيعاً سليماً وحمايتها، بما يكفل الوصول إلى المستوى العالمي المطلوب للخدمات المعلوماتية عبر الشبكات الإلكترونية في كل المجالات العلمية والتعليمية والثقافية والطبية والاقتصادية والمواصلات وغيرها من المجالات الهامة لمشاريع التنمية والاقتصاد الوطني بشكل عام. وإقامة نظام متكامل للموارد المعلوماتية وتوزيعها، وهو ما يعني إقامة شبكات اتصال إلكترونية تعتمد على الحاسبات الإلكترونية الشخصية، تستخدم مقاييس معينة متفق عليها لإدخال واسترجاع المعلومات بشكل مدروس وممنهج، وإعادة توزيع تلك المعلومات على المستخدمين محلياً وإقليمياً وعالمياً.
وأن مشروع كهذا يمكن أن يبدأ في إطار شبكة المؤسسات الحكومية التي يمكن أن تتكامل مع شبكات الموارد الإعلامية وبنوك المعلومات الأخرى الكبرى داخل الدولة، وداخل دول الجوار الإقليمي، والشبكات العالمية، آخذين بعين الاعتبار مصالح الأمن القومي والمصالح العليا للدولة في إطار هذا التكامل، والذي يمكن أن ينطلق من الشبكات الإلكترونية المرتبطة بوزارة الإعلام والمؤسسات الإعلامية أي المشروع الوطني لبنوك المعلومات؛ والشبكات الإلكترونية العلمية للمكتبات ومراكز المعلومات لمؤسسات التعليم المتوسط والعالي ومراكز البحث العلمي. والتي بدورها يمكن أن تتكامل مع الشبكات الإلكترونية الإقليمية والدولية. وأن الإنفاق على مثل تلك الشبكات يمكن توفيره من خلال التعاون المشترك وتضافر الإسهامات المالية المحلية والإقليمية والدولية للمعنيين بتنظيم تراكم ومعالجة وتداول تلك المعلومات.
والأهم من كل ذلك لابد من تنظيم البنية التحتية الأساسية للموارد المعلوماتية العلمية الوطنية، وتنظيم تكاملها الشبكي مع الموارد المعلوماتية الإقليمية والدولية التي تمر عبر قاعدة قانونية دقيقة تكفل حمايتها عن طريق وضع الضوابط القانونية للملكية الخاصة، وحقوق الملكية الفكرية المشتركة، لتصبح أية مادة إعلامية أو أي مصنف معلوماتي إلكتروني في الظروف التقنية الحديثة سهل السحب والنسخ والاستخدام؛ وليكفل الوضع القانوني الإصدارات الإعلامية الإلكترونية ونشرها؛ ويضع الضوابط القانونية لضمان عدم مخالفة مضامين المصنفات الإعلامية الإلكترونية للقوانين النافذة؛ وأن تكفل تلك القوانين الوضع القانوني للقائمين على تقديم الخدمات الإعلامية عبر شبكات المعلوماتي الإلكترونية المسموعة والمرئية؛ وتراعي أوضاعهم القانونية والمالية، وخاصة أوضاع المؤسسات الممولة من ميزانية الدولة وغيرها من المؤسسات؛ مع مراعاة فاعلية الرقابة على تنفيذ مشاريع تنظيم البنية التحتية للموارد المعلوماتية العلمية الوطنية، وتكاملها الشبكي الإقليمي والدولي؛ ووضع ضوابط للوصول إلى المعلومات الإلكترونية عن نتائج الأبحاث العلمية الوطنية، وشروط الاستفادة من تلك النتائج خدمة للأوساط العلمية المحلية والإقليمية والدولية.
ليصبح المجال الإعلامي الدولي أحد أهم مجالات التعاون الدولي، ومجالاً للتنافس الحر والشريف بين الدول الأكثر تطوراً والتي تملك البنية التحتية المعلوماتية الحديثة، من خلال وضع مقاييس تكنولوجية موحدة لمنتجاتها من تكنولوجيا وتقنيات وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وأن تقدمها للمستهلكين في الدول غير المصنعة لتلك الوسائل أي الدول الأقل تطوراً والنامية، دون فرض أية شروط على كيفية تشكيل واستثمار البنى التحتية الإعلامية في تلك الدول، وأن ينحصر تأثير الدول المتقدمة على تطوير المجالات الإعلامية للدول غير المصنعة لتكنولوجيا الاتصال والإعلام فقط، دون التأثير على مواردها المعلوماتية. بما يضمن عدم المساس بالأمن والمصالح الوطنية العليا للدول الصناعية المتطورة والدول الأقل تطوراً والدول النامية على حد سواء، أثناء وضع سياسات تطوير وتوفير وحماية أمن المجالات المعلوماتية للدول الصناعية المتطورة. لأن مشكلة إعداد نظم الاتصال الكفيلة بتوفير الموارد المعلوماتية الضرورية لتطور العلوم النظرية والتطبيقية في ظروف إصلاح النظم المعلوماتية القائمة والتطور الاقتصادي تحتم على تلك الدول أن يكون التصدي لهذه المشكلة من المهام الأساسية للسياسة الحكومية وواجباتها لتلبية احتياجات نمو وتطور الاقتصاد الوطني.
سيما وأن العنصر الرئيسي اللازم للأبحاث العلمية والاستفادة العملية من نتائجها، يبقى مرتبطاً بالكامل بأشكال وأساليب توفير المعلومات والحقائق العلمية الحديثة والمتطورة. أخذين بعين الاعتبار أهمية مؤشرات ونوعية الموارد المعلوماتية المتاحة لكوادر البحث العلمي في أي بلد من بلدان العالم. لأن أي قصور في تأمين حاجة الباحثين العلميين من المعلومات الضرورية لمواضيع أبحاثهم العلمية سيؤدي حتماً ومن دون أدنى شك إلى تأخير تطور البحث العلمي، وبالتالي إلى تخلف حركة التطور العلمي والاقتصادي والثقافي والمعرفي في جميع فروع الاقتصاد الوطني. وهنا لابد من وضع الأدلة (الفهارس) الإلكترونية والمطبوعة، ووضع أسس لنشرها في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الإلكترونية والتقليدية وتوزيعها، لضمان تسهيل عمليات الوصول للموارد المعلوماتية العلمية المحكمة عبر البنى التحتية للموارد المعلوماتية الوطنية، وعبر شبكات المعلوماتية الدولية بما فيها شبكة الانترنيت العالمية. لأنه دون التعريف بعناوين وطرق الوصول لتلك الموارد الإعلامية العلمية المحكمة لا يمكن الاستفادة منها ومن الكم الهائل من المعلومات المتوفرة حتى الآن في شبكات المعلوماتية الوطنية والإقليمية والدولية بشكل كامل.
وثبت أن تطور البنى التحتية المعلوماتية العلمية الإلكترونية تحتاج لموارد مادية هائلة، وأنها تعتبر من مهام بناء المجتمع المعلوماتي الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من حضارة القرن الحادي والعشرين، وهي رهن بالسياسات الحكومية الرسمية، وأن عملية بناء المجتمع المعلوماتي تعتبر عملية متكاملة، تحتاج لتكثيف جهود الجميع، ومختلف الاتجاهات العلمية، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار كل التخصصات العلمية، ومصطلحاتها ومشاكلها الناشئة نتيجة لدخولها عصر العولمة والمجتمع المعلوماتي، ودراسة المشاكل الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية، وتأثير نتائج الانتشار الواسع والسريع للمعلومات وتكنولوجيا الاتصال المتقدمة، والقيام بمجموعة من الأبحاث العلمية النظرية والتطبيقية، دعماً للجهود المتواصلة لخلق الظروف المواتية للانتقال إلى المجتمع المعلوماتي سمة القرن الحادي والعشرين.
ومع ذلك تبقى الملامح الرئيسية للمجتمع مع تبلور ملامح المجتمع المعلوماتي معتمدة على مستوى توفير المساواة في الحقوق لجميع المواطنين في الوصول إلى الموارد المعلوماتية الرئيسية؛ ومستوى مساهمة كل فرد في حياة المجتمع الذي هو عضو فيه، وتحقيق الذات الفردية لكل من يعاني من نقص في إمكانياته وقدراته الجسدية. والمشكلة التي تفرض نفسها أن المجتمع المعلوماتي آخذ بالتطور والتوسع والثبات في دول العالم المتقدم، والتأخر عنه يزيد من هوة التخلف عن الركب الحضاري الإنساني سريع التطور، إن لم تتخذ حكومات تلك الدول إجراءات عاجلة تؤدي إلى تحقيق نقلة نوعية في البنى التحتية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية فيها. عن طريق إقامة البنية التحتية الأساسية الحديثة لتكنولوجيا المعلوماتية والاتصال، وإعداد الأجيال الناشئة وتمكينها من استخدام تقنيات وتكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية الحديثة التي تكفل دخولها المتكافئ إلى المجتمع المعلوماتي الدولي الذي تفرضه العولمة وتجعله حتمياً لا مفر منه.
ومن الطبيعي أن تظهر في ظروف استخدام شبكات المعلوماتية الدولية أشكالاً جديدة من التعديات وحتى حالات من العدوان الثقافي تهدد فيه الدول الأكثر تقدماً الأمن الإعلامي وثقافة الدول النامية والأقل تطوراً، بما يلوح بخطر ضياع الثقافات والخصائص والملامح القومية لمجتمعات بأكملها، وتهدد بضياع الخصائص اللغوية المميزة للأمم الضعيفة. لتنتشر معها عملية فرض وتعويد الإنسانية على عادات استهلاكية تتفق ومصالح مجموعة ضيقة من الاحتكارات والشركات متعددة القومية والعابرة للقارات. وكلها تتطلب من الدول النامية والأقل تطوراً تحصين وإعداد مجتمعاتها المحلية لمواجهة أخطار الانفتاح المعلوماتي، وتدريبها على الطرق الفاعلة لمواجهة هذه وغيرها من أخطار العولمة والانفتاح المعلوماتي والاقتصادي، والمشاركة الإيجابية في عملية إنشاء المجتمع المعلوماتي الذي يحمي المصالح الوطنية وينفتح على المجتمعات الأخرى أخذاً وعطاء، ويجنب تلك الدول خطر الانغلاق على الذات الذي يفوق خطره أخطار العولمة نفسها. وهي الأخطار التي تجاوزت عملياً خطر الانتشار الواسع لثقافة الشاشة الفضية الصغيرة أحادية الجانب، لتقف وجهاً لوجه أمام أخطار الساحة المعلوماتية العاملة باتجاهين، والتي يلعب فيها الفرد دور المتلقي ودور المرسل في آن معاً، بانفتاح على العالم دون قيود أو حدود، مما خلف مشاكل وأثاراً نفسية واجتماعية لا حصر لها، إن لم نضف إليها خطر الخلط بين كم المعلومات الهائل الذي يتعرض له الفرد الذي أصبح عاجزاً تقريباً عن التمييز بين الواقع والخيال في مضمون هذا الكم الهائل من المعلومات، وعاجزاً عن حماية نفسه من أخطارها.
ومع إمكانية الوصول السهل للشبكات المفتوحة المليئة بالمعلومات تظهر مشاكل ضرورة الحد من إمكانية الوصول للمعلومات التي تشكل خطراً على المجتمع والثقافة والاقتصاد الوطني. إضافة لمشكلة انتشار المعلومات الشخصية عبر الشبكات الإلكترونية، ومشكلة النخبة الإعلامية، التي تحظى بإمكانية الوصول إلى تكنولوجيا وموارد المعلومات بما يحقق لها التفوق المعلوماتي دون الشرائح الأخرى في المجتمع الواحد، ومشكلة احترام حقوق التأليف وحقوق منتجي المعلومات الإلكترونية.
ولحل مثل تلك المشاكل وغيرها في المجتمع المعلوماتي لابد من تضافر الجهود الحقيقية للمتخصصين والقادة السياسيين في كل المجالات والاتجاهات في إطار الدول القومية المتضرر في عالم اليوم، ولكن بعلاقة إيجابية منفتحة على العالم المتقدم بما لا يضر بالمصالح الوطنية العليا لتلك الدول. وعدم الاكتفاء بالنوايا الطيبة وحدها فيما يتعلق بالساحة الإعلامية المنفتحة عالمياً لأنها أصبحت تشكل مصدراً دائماً يهدد المصالح الوطنية والقومية للدول النامية.
المراجع:
1.                 د. أحمد بدر الدين: الإعلام الدولي، دراسات في الاتصال والدعاية الدولية. القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، 1998.
2.                 إدوارد كوين: مقدمة إلى وسائل الاتصال. ترجمة: وديع فلسطين، القاهرة: مطابع الأهرام، 1977.
3.                 د. الإدريس العلمي: الإعلام الذي نريده: دراسة مقدمة إلى لجنة أليسكو لدراسة قضايا الإعلام والاتصال في الوطن العربي. 1983.
4.                 الانترنيت قادم على مرحلة جديدة // عالم الانترنيت، 1998 العدد 5. (باللغة الروسية)
5.                 الانترنيت للصحفيين (www.press.ru). (باللغة الروسية)
6.                 د. إلفت حسن آغا: النظام الإعلامي الأوروبي في عالم متغير. // القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 109، يوليو 1993.
7.                 بانارين ي.: التأمين السيكولوجي المعلوماتي للأمن القومي الروسي // موسكو: 1998. (باللغة الروسية)
8.                 بيل غيتس: تكنولوجيا الحاسب الآلي، الطريق إلى القرن الـ 21. // HARD’n’SOFT، 1998، العدد 10. (باللغة الروسية)
9.                 تأثير اقتصاد الانترنيت على أوروبا المعاصرة // Henley Centre، 1999. (باللغة الروسية)
10.             د. جبار عودة العبيدي، وهادي حسن عليوي: مدخل في سياسة الإعلام العربي والاتصال. صنعاء: مكتبة الجيل الجديد، 1993.
11.             جيمس كورّان، وجين سيتون: السلطة من دون مسؤولية: الصحافة والإذاعة في بريطانيا. ترجمة: حازم صاغية. أبو ظبي: المجمع الثقافي، الطبعة الأولى 1993.
12.             د. جيهان أحمد رشتي: الأسس العلمية لنظريات الإعلام. القاهرة: دار الفكر العربي، 1978.
13.             حسين العودات: الإعلام والتنمية. دراسة مقدمة إلى ندوة خبراء السياسات الإعلامية والوطنية. بنغازي 25-28/4/1983.
14.             خازن غ.س.: فوق حاجز اللغات. // موسكو: مجلة الولايات المتحدة وكندا، العدد 9/2000. ص 104. (باللغة الروسية)
15.             زاسورسكي يا. ن.: المجتمع الإعلامي ووسائل الإعلام الجماهيرية. // http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/2_1.htm (باللغة الروسية)
16.             د. سهير بركات: الإعلام الإنمائي وإعداد البنية البشرية الإعلامية العربية. // مجلة الإعلام العربي العدد 2، كانون أول/ديسمبر 1982.
17.             سيونتيورينكو و.ف.: المجتمع المعلوماتي والمعلومات العلمية. // http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/1_1.htm (باللغة الروسية)
18.             د. صابر فلحوط، أ.د. محمد البخاري: الأمن الإعلامي العربي وهموم المجتمع المعلوماتي في عصر العولمة. دمشق: دار العيسى، 2002.
19.             د. صابر فلحوط، د. محمد البخاري: العولمة والتبادل الإعلامي الدولي. دمشق: دار علاء الدين، 1999.
20.             طريق روسيا إلى المجتمع المعلوماتي (الأسس، المؤشرات، المشاكل، والخصائص). تأليف: غ.ل. صاموليان، د.س. تشيريشكين، و.ن. فيرشينسكايا، وآخرون. موسكو: معهد نظم التحليل في أكاديمية العلوم الروسية، 1997. (باللغة الروسية)
21.             د. عارف رشاد: التعامل مع انترنيت: العالم رهن إشارتك. // القاهرة: مجلة عالم الكمبيوتر العدد 86، السنة الثامنة، فبراير 1995. والعدد 87، مارس 1995.
22.             د. عارف رشاد: انترنيت: نشأتها، تطورها، حجمها، وسبل الولوج إليها. // القاهرة: مجلة الكمبيوتر والاتصالات والإلكترونيات العدد 7، المجلد 12، سبتمبر 1995.
23.             عزت السيد أحمد: العولمة وإعادة هيكلة الاقتصاد العالمي. // دمشق: مجلة المعرفة، 1998 العدد: 416.
24.             فيكتور خارسين: هذا هو واقع الفضاء الإلكتروني // الخطر والأمن، 1996، العدد 6. (باللغة الروسية)
25.             كريم حجاج: حرب المعلومات وتطور المذهب العسكري الأمريكي. // القاهرة: مجلة السياسة الدولية، العدد 123، مؤسسة الأهرام، يناير 1996.
26.             د. كمال بلان، وسليمان الخطيب: المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي ومدلولاتها على التنمية. // تونس: مجلة الإعلام العربي. العدد 2 المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليسكو). 1982.
27.             كليمينكو س.، أورازميتوف ف.: وسط حياة المجتمع المعلوماتي // ИФВЭ، МФТИ. – Протвино: РЦФТИ، 1995. (باللغة الروسية)
28.             كينيازيف أ.: الانترنيت 2 فرع جديد للتطور ؟ // HARD’n’SOFT، 1998، العدد 5. (باللغة الروسية)
29.             أ.د. محمد البخاري: أشكال وطرق رصد وسائل الإعلام والإتصال الجماهيرية. مقرر جامعي لطلاب الماجستير. طشقند: الجامعة القومية الأوزبكية، 2012. (باللغة الروسية).
30.             أ.د. محمد البخاري: تقارب وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية // دمشق: مجلة المعرفة العدد 554 كانون أول 2009.
31.             أ.د. محمد البخاري: مبادئ الصحافة الدولية. سيمينار 31/03/2009 http://www.seminar.ps/library/cat:89 (باللغة العربية)
32.             أ.د. محمد البخاري: التبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية).
33.             أ.د. محمد البخاري: التفاعلات السياسية في وسائل الإعلام الجماهيرية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية).
34.             أ.د. محمد البخاري: مبادئ الصحافة الدولية في إطار العلاقات الدولية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية).
35.             أ.د. محمد البخاري: قضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، مطبعة بصمة، 2004. (باللغة الروسية).
36.             أ.د. محمد البخاري: التبادل الإعلامي الدولي في إطار العلاقات الدولية. مقرر لطلاب البكالوريوس، معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2002. (باللغة الروسية)
37.             د. محمد البخاري: العلاقات العامة كهدف من أهداف التبادل الإعلامي الدولي، مقرر لطلاب الماجستير. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2001. (باللغة الروسية)
38.             د. محمد البخاري: الأمن الإعلامي الوطني في ظل العولمة. // أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، الاثنين 22 يناير 2001.
39.             د. محمد البخاري: الحرب الإعلامية والأمن الإعلامي الوطني. أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، الثلاثاء 23 يناير 2001.
40.             أ.د. محمد البخاري: العلاقات العامة الدولية كهدف من أهداف التبادل الإعلامي الدولي. مقرر لطلاب الدراسات العليا (الماجستير)، معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية. طشقند 2000. (باللغة الروسية)
41.             د. محمد البخاري: وكالات الأنباء والصحافة الدولية في إطار العلاقات الدولية. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 2000. (باللغة الروسية)
42.             د. محمد البخاري: العولمة والأمن الإعلامي الدولي. // دمشق: مجلة "معلومات دولية" العدد 65/ صيف 2000.
43.             أ.د. محمد البخاري: وكالات الأنباء والصحافة الدولية في إطار التبادل الإعلامي الدولي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية. طشقند 2000. (باللغة العربية)
44.             أ.د. محمد البخاري: مبادئ الصحافة الدولية والتبادل الإعلامي الدولي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية. طشقند 2000. مقرر لطلاب العلاقات الدولية، والعلاقات الاقتصادية الدولية، وتاريخ الدول الأجنبية. (باللغة الروسية)
45.             د. محمد البخاري: دور وسائل الإعلام الجماهيرية في التنمية والثقافة والتعليم. اطروحة دكتوراه. كلية الصحافة، جامعة موسكو 1988.(باللغة الروسية)
46.             د. محمد جاسم فلحي الموسوي: نظريات الاتصال والإعلام الجماهيري. الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك، 2002.
47.             د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1990.
48.             محمد مصالحة: نحو مقترب علمي لحق الاتصال في الوطن العربي. // مجلة شؤون عربية العدد 24 آذار/مارس 1983.
49.             د. محمد نعمان جلال: العولمة بين الخصائص القومية والمقتضيات الدولي. // القاهرة: مجلة السياسة الدولية، عدد 145، يوليو 2001.
50.             د. محمود علم الدين: ثورة المعلومات ووسائل الاتصال، الـتأثيرات السياسية لتكنولوجيا الاتصال. القاهرة: // السياسة الدولية العدد 123 يناير 1996.
51.             د. ميخائيل ك. هيرمان: الإتصالات السياسية: تأثير وسائل الإعلام الجماهيرية على المجتمع في الدول الحديثة. جامعة فاينغارتين التربوية (Padagogische Hochschule Weingarten). // www. msps.ru. (باللغة الروسية)
52.             ميشيو كاكو: "رؤى مستقبلية" كيف سيغير العلم حياتنا في القرن الواحد والعشرين ؟. ترجمة: د. سعد الدين خرفان. مراجعة: محمد يونس. الكويت: عالم المعرفة، سلسلة ثقافية شهرية يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – دولة الكويت. الإصدار 270.
53.             ميشيو كاكو: رؤى، كيف سيثوِّر العلم القرن الواحد والعشرون. ترجمه للعربية: عدنان عضيمة. // دبي: صحيفة البيان، 1998.
54.             ميليوخين ي. س.: تكنولوجيا المعلومات والعمل الحر. موسكو: غارانت – بارك، 1997. (باللغة الروسية)
55.             وارطانوفا يي.ل.: الإتحاد الأوروبي في البحث عن المجتمع المعلوماتي. // موسكو: فستنيك جامعة موسكو. سلسلة الصحافة. 1998، الأعداد 4 و 5. (باللغة الروسية)
56.             وسائل الإعلام الجماهيرية الحرة. مدرسة العلوم السياسية بموسكو. // www. msps.ru. (باللغة الروسية)
57.             ولبرشرام: وسائل الإعلام والتنمية القومية. ترجمة: اديب يوسف. وزارة الثقافة،دمشق 1969.
58.             يرشوفا ت.ف.: آفاق قضايا الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي في القرن الحادي والعشرين. http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/1_5.htm (باللغة الروسية)
59.             يرشوفا ت.ف.، خوخلوف يو.يي.: المجتمع المعلوماتي ومستقبل المكتبات // المعلومات التربوية، 1997، العدد 4. (باللغة الروسية)
طشقند: 30/10/2014