الأحد، 18 أكتوبر 2015

مؤرخ وسط آسيا العالم أبو بكر نارشاهي


مؤرخ وسط آسيا العالم أبو بكر نارشاهي


أبو بكر نارشاهي (899م-959م) هو مؤلف كتاب "تاريخ بخارى"، الذي تمتع بشهرة كبيرة في العالم كمصدر قيم، وموسوعة فريدة عن تاريخ مدينة بخارى أهم المراكز الثقافية في وسط آسيا. ويصعب اليوم إعادة تقييم أهمية هذا الكتاب.
ونارشاهي كتب كتابه خلال عامي 943م-944م، باللغة العربية وكرسه لحاكم دولة السامانيين أبو محمد نوح بن ناصر بن أحمد إسماعيل الساماني. ولكن النص الأصلي المكتوب باللغة العربية فقد ولم يبقى حتى اليوم.
وفي عام 1129م ترجم أبو ناصر أحمد بن محمد بن ناصر الكوباوي (الذي جاء من مدينة كوبة بولاية فرغانة) الكتاب إلى اللغة الفارسية بتكليف من أصدقاء نارشاهي. وقبل ذلك وخلال 185 سنة تعرض الكتاب لأكثر من مرة للتحرير، والإختصار، والإضافة. حتى مد المترجم يده إلى المخطوطة وقام بإجراء تعديلات وإضافات عليها.
وبعد نصف قرن وخلال عامي 1178م-1179م جرى اختصار النسخة الفارسية من الكتاب مرة أخرى، وخلال الأعوام الممتدة من عام 1178م وحتى عام 1220م جرى تحرير الكتاب وأضيفت إليه أحداث السنوات التالية، وهو ما يشهد عليه ترجمة وقائع تاريخية عن الفترة اللاحقة لتأليفه. كما تضمن كتاب "تاريخ بخارى" مقتطفات من كتب غيره، مثل كتاب "خزائن العلوم" من تأليف أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد نيشابوري، وكتاب "أخباري مقنع" من تأليف أبو إسحاق إبراهيم بن العباس السولي، وكتاب "تاريخ الطبري" من تأليف أبو جعفر محمد الطبري. ومع ذلك كل الذين شاركوا في تطوير الكتاب حافظوا على اسم نارشاهي كمؤلف للكتاب.


كما تجب الإشارة إلى حقيقة أن التسمية الأولى للكتاب التي أطلقها نارشاهي على كتابه بقيت أحجية. لأن الكتاب ذكر في مخطوطات المؤرخين والأدباء باسم "تاريخي نارشاهي"، و"تحقيق الولاية"، و"تاريخي بخارى". ولكن التسمية الأخيرة تعتبر الأصح والأكثر إنتشاراً في المراجع العلمية.
ويتضمن الكتاب معلومات اقتصادية، وثقافية، وإجتماعية، وسياسية، هامة عن تطور الشعوب التي سكنت المنطقة خلال القرنين السابع والثامن الميلاديين.كما تضمن الكتاب وصفاً للأوضاع الجغرافية في واحة بخارى، وتاريخها الطوبوغرافي، وبدايات التشييد والبناء والتحسين، وظهور القرى الجديدة فيها، وظهور مدينة بخارى نفسها. وإلى جانب ذلك روى عن مراحل حكم بعض الملوك، وبناء القصور، والبنية التحتية لإدارة الدولة، وأدخال النظام النقدي، قطع نقدية فضية، وقطع بابور، التي سحبت من السكان. وشغلت مواضيع بناء منشآت الري وقنوات الري، وتطور الزراعة، والحرف، والتجارة مكانة هامة في الكتاب. ومع ذلك أعار إهتماماً خاصاً لأعمال تشييد جدران تحمي السكان من الغزاة الخارجيين حول الواحة (782م-831م) ومدينة بخارى (850م). وذكر أن المدينة منذ القدم كانت معروفة بأسماء آخرى، مثل: نوميجكات، وبوميسكات، وفاخرة، ومدينة الصوفية، وأنه كانت لها سبعة أبواب.
وأعطى أهمية خاصة لمعلومات تتحدث عن إرساء سيادة الخلفاء العرب في المنطقة، وإنتشار الإسلام، والمقاومة الشديدة للسكان المحليين، الذين كانوا ضد إتباع الدين والثقافة الجديدة. ووصف نارشاهي الأساليب القاسية التي إتبعها العرب الغزاة والإكراه لنشر الإسلام والإلزام بالقوانين الشرعية، وتحدث عن تقسيم بخارى إلى أقسام عربية وغير عربية.
وكتب إ. يو. كراتشوفسكي (مستشرق روسي) عن كتاب "تاريخ بخارى" التالي: "جرى تقييم تاريخ وسط آسيا منذ القدم من حيث الأهمية، وكان موضع دراسة منظمة... وحفظت جملة من المعلومات المفقودة في مصادر أخرى تتحدث عن وسط آسيا قبل الإسلام والغزاة العرب؛ ومثل هذه المعلومات القيمة ذات الطبيعة الجغرافية عن المناطق المأهولة في واحة بخارى.
وكل هذه المواضيع والأسئلة وجدت إنعكاساً لها فيما بعد، وإلى حد ما لدى الكثيرين من العلماء والمستشرقين الغربيين، والشرقيين، والروس البارزين، وكانت بمثابة إغناء لمعارف ذلك الزمن.
وخلال السنوات اللاحقة ترجم الكتاب عدة مرات إلى اللغات: الفارسية، والعربية، والإنكليزية، والروسية، والأوزبكية، وهو ما يشهد على دراسته الواسعة في أبحاث الأوساط العلمية والمراكز البحثية في الدول الأجنبية.
ومع الأسف كتاب "تاريخ بخارى"  وغيره من المراجع لم تقدم معلومات تفصيلية عن حياة وأعمال المؤلف. واسمه الكامل، ولا عن مكان وتاريخ ميلاده ووفاته، ولكنها ذكرت مرة واحدة فقط في كتاب عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني "كتاب الأنساب"، الذي كتب في القرن الثامن الميلادي وتناول تاريخ وثقافة وسط آسيا. وذكر فيه الإسم الكامل لأحد الأجداد الأوزبك، أبو بكر محمد بن جعفر بن زكريا بن خطاب شريك بإضافة إلى إسمه قرية نارشاهي التي ينتسب إليها.
**********
بحث أعده أ.د. محمد البخاري في طشقند بتاريخ 18/10/2015 بتصرف عن مقالة: أبو بكر نارشاهي: عالم أبقى أثراً كبيراً في تاريخ وسط آسيا. // طشقند: وكالة أنباء Jahon، 12/10/2015