الأحد، 17 مارس 2013

سلبيات وأخطار العولمة 9


أ.د. محمد البخاري: سلبيات وأخطار العولمة 9 من كتابي "التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة".
9
سلبيات وأخطار العولمة
ولكن في حال اعترافنا بحتمية الانتقال إلى العولمة الشاملة من الضروري الإشارة إلى السلبيات والظواهر القاتلة والأخطار التي تفرضها العولمة على الإنسانية والموجودة فعلاً، ومنها: خطر خضوع العالم للشركات متعددة الجنسيات الغربية؛ وأخطار فرض مفاهيم ونمط التفكير والحياة الأمريكية على العالم؛ وخطر تعميق الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة في العالم (دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة)؛ وخطر اتساع ظاهرة إضعاف دور الدول القومية، وعولمة الإرهاب، والتضييق على الثقافات واللغات القومية ومحاولة القضاء عليها، وإثارة الفتن في الدول متعددة القوميات.
والنتائج السلبية للظاهرة الأولى قد تحصل على المدى البعيد نتيجة لزيادة هيمنة الشركات متعددة الجنسيات الكبرى على إدارة الاقتصاد العالمي وتحويلها إلى أداة دفع أيديولوجية للعولمة، لتجني من خلال دورها العالمي أرباحاً خيالية تدعم من قدراتها وإمكانياتها المالية والاقتصادية بشكل يفوق قدرات وإمكانيات بعض الدول في عالم اليوم، وهو ما تشير إليها بعض المصادر التي تقول أن حوالي 160 دولة عضوه في منظمة الأمم المتحدة تقل إمكانياتها وقدراتها عن إمكانيات وقدرات الشركات متعددة الجنسيات.
وتنبأ البعض أنه في حال استمرار ظواهر العولمة أنفة الذكر فإنها ستؤدي حتماً إلى سيادة الشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة الأمريكية وغرب أوروبا واليابان وحكومات تلك الدول على الواقع الاقتصادي والمالي والتجاري في العالم ومن ثم السيطرة التامة عليه وعلى تفاعلات العلاقات الدولية. الأمر الذي أثار موجة احتجاجات واسعة من قبل الذين يعتبرون العولمة هي محاولة لفرض نمط الحياة الأمريكية على العالم من خلال 50 شركة أمريكية متعددة الجنسيات، وجاءت نتائج الأزمة المالية والإقتصادية العالمية لتثبت صحة احتجاجاتهم.
ويرون أن الولايات المتحدة الأمريكية في الواقع مستمرة بتقدمها متجاوزة مصالح كل الدول الأجنبية، وحتى حلفائها المقربين، في المجالات العلمية والتكنولوجية، والتكنولوجيا العسكرية، لأنها تصرف ما يقارب الـ 400 مليار دولار على شؤون الدفاع في السنة، وأن هذا الرقم يشكل نصف الميزانيات المخصصة في دول العالم للشؤون العسكرية. لأن حجم الإنفاق على مشاريع تطوير التكنولوجية العسكرية المتطورة في الولايات المتحدة الأمريكية يفوق بكثير ما تخصصه الدول السائرة في ركب الولايات المتحدة الأمريكية من الدول الأعضاء السبع الأخرى في مجموعة الدول الثمانية الكبرى مجتمعة. ولا يخفي القادة الأمريكيون سعيهم الحثيث لتوظيف كل القدرات الاقتصادية والمالية، والعلمية والتكنولوجية والعسكرية والسياسية من أجل فرض السيطرة الأمريكية على العالم في القرن الحادي والعشرين.
وتمثلت الهيمنة الأمريكية اليوم من خلال تحويل اللغة الإنكليزية باللهجة الأمريكية إلى لغة وحيدة لعولمة وسائل الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية. وهو ما أشار إليه كتاب البريطاني د. كريستال "اللغة الإنكليزية لغة العولمة"، وكتابه "موت اللغات"، حيث أشار إلى أنه في نفس الوقت الذي يتسع فيه استخدام اللغة الإنكليزية تنقرض كل أسبوعين لغة من اللغات النادرة في العالم.
وأشار بعض المتخصصين إلى أن أكثر اللغات جماهيرية على الكرة الأرضية ليست اللغة الإنكليزية بل اللغة الصينية التي يتحدث بها أكثر من 1.4 مليار إنسان، ولكنهم جميعاً خلف سور الصين العظيم، وفي جنوب شرق آسيا، وفي الأحياء الصينية المنتشرة في بعض بلدان العالم. عكس اللغة الإنكليزية التي يتحدث بها الجميع في كل مكان حتى أن الصين ألزمت مدارسها الابتدائية بتعليم اللغة الإنكليزية، ويتعلمها هناك في الوقت الحاضر عشرات الملايين من الصينيين الصغار والشباب والكبار. مما دفع بالكثيرين في الولايات المتحدة الأمريكية لاعتبار العولمة على الطريقة الأمريكية الطريق لوضع البشرية في خدمة المصالح الأمريكية والشعب الأمريكي الذي اختاره الله حسب اعتقادهم.
أما خطر تعميق الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة في العالم فيتمثل بالتفاعل الذي لا يؤدي إلى تسوية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للإنسانية، بل على العكس يؤدي إلى تعميق الهوة بين الأغنياء والفقراء. والهوة تلك موجودة فعلاً داخل أكثر دول العالم، وحتى داخل الدول الغنية، ففي الوقت الذي يعاني فيه أكثر من 3 مليارات إنسان من سوء التغذية، نرى أن الولايات المتحدة الأمريكية تنفق أكثر من 100 مليار دولار أمريكي في السنة لمكافحة أمراض التخمة التي يعاني منها مواطنيها. وفي الوقت الذي يعيش فيه أكثر من 1.3 مليار إنسان على أقل من دولار واحد في اليوم، ووجود أكثر من مليار إنسان متعطلين عن العمل. وهو ما يعمق الآثار السلبية للعولمة، وأشار إليها التقرير الذي أعدته منظمة الأمم المتحدة عن "تأثير العولمة على التطور الاجتماعي" حيث قدر المتخصصين العاملين على إعداده بأنه لا أمل خلال السنوات الخمسين القادمة للتقريب بين الدول الفقيرة والغنية من حيث مستوى الدخل وهو ما ينذر باشتداد المواجهة بينهما.
أما خطر اتساع ظاهرة إضعاف دور الدولة القومية، وعولمة الإرهاب، والتضييق على الثقافات واللغات القومية ومحاولة القضاء عليها، وغيرها من الظواهر فيتمثل بنمو وانتشار الجريمة المنظمة متعددة القوميات، والتي تنمو سنوياً بمعدل 5% في الوقت الذي يبلغ فيه معدل نمو سكان العالم 1%، وأشارت بعض المصادر إلى نمو الجريمة المنظمة الدولية بمعدل أربع مرات خلال السنوات العشر الأخيرة، وأن 450 مليون جريمة سجلت في عام 2001. وأدت العولمة إلى فتح الحدود أمام تدفق الأموال والمعلومات وملايين الناس، مما ساعد على نمو الجريمة متعددة القوميات، وأدت بدورها إلى تسارع نمو نوعين من الجريمة وهي: التجارة العالمية للمخدرات ليزيد عدد المدمنين على المخدرات في العالم حتى الـ180 مليون مدمناً، وليبلغ حجم تجارة المخدرات 800 مليار دولار أمريكي، مع اتساع جرائم أخرى كغسيل الأموال، حيث أشارت معطيات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، إلى غسل 1.5 تريليون دولار أمريكي سنوياً في العالم، وهذا يعادل 5 %  من الدخل العالمي. إضافة لجرائم الإتجار بالبشر الآخذة بالتفاقم.
ولا أحد ينكر أن العولمة ساعدت على انتشار الإرهاب الدولي الذي تحول بالتدريج إلى ظاهرة عالمية يحاول البعض وبإصرار ربطها بالمسلمين والعالم الإسلامي قبل وبعد الأعمال الإرهابية التي جرت في الولايات المتحدة الأمريكية يوم 11/9/2001، وأعقبتها أعمالاً إرهابية شملت الكثير من دول العالم كإسبانيا، وبريطانيا، وروسيا، وتركيا، وإندونيسيا، وباكستان، والهند، وأوزبكستان، ومصر، والمملكة العربية السعودية، وسورية، والأردن وغيرها من دول العالم، وكلها تثبت العلاقة بين الإرهاب والعولمة، مما دفع بالملتقى الدولي الذي عقد في كرواتيا خلال نوفمبر/تشرين ثاني 2002 لمناقشة مشاكل الدبلوماسية العلنية، ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية والإرهاب.
وتكرر ذلك من خلال المناقشات التي دارت أكثر من مرة وأظهرت حقيقة جديدة مفادها أنه لولا عولمة البث الإذاعي المرئي لما كان الإرهاب. لأن الهدف الرئيسي للإرهاب كما أشار البعض، ليس قتل بضع مئات أو حتى آلاف الناس، بل بث الذعر في أوساط ملايين البشر، ولنكون أكثر دقة دب الخوف في قلوب 2 مليار مشاهد للإذاعة المرئية تقريباً في كل دول العالم يشاهدون عادة الأخبار الرئيسية التي تبثها الإذاعة المرئية. هذا إن لم نشر إلى دخول المنظمات الإرهابية والجريمة المنظمة نفسها عالم استخدام وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية لتصعيد مشكلة الإرهاب في عالم اليوم أي عولمة هذا الشر عبر وسائل الاتصال الجماهيرية الإلكترونية الحديثة.