الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

الشاعر الأوزبكي غايراتي


الشاعر الأوزبكي غايراتي


يعتبر غايراتي (غايراتي هو اسم مستعار للشاعر الأوزبكي عبد الرحيم  عبد اللاييف) من أهم الشعراء الأوزبك خلال النصف الأول من القرن العشرين والحائز على لقب "شاعر الشعب الأوزبكستاني".
ولد غايراتي عام 1905م في أسرة حرفية بمحلة ديغريز في مدينة طشقند. وكان والده متعلماً ومهتماً بالأدب. وفي طفولته كان يسمع من والدته في الأمسيات الكثير من الحكايات والأساطير التي غذت لديه الميول نحو الأدب.
وخلال الفترة الممتدة من عام 1912 وحتى عام 1915 درس في إحدى مدارس النظام العليمي القديم، وبعدها التحق للدراسه في إحدى المدرس العامة. وخلال فترة الدراسة قرأ غايراتي مؤلفات نوائي، ومقيمي، وفرقت. وبعد انتصار الثورة البلشفية أنهى دورة تدريبية للمعلمين في مدرسة "نامونا" بطشقند.
ومن عام 1921 بدأ غايراتي بنشر كتاباته وأول قصصه وأشعاره نشرت في مجموعاته الشعرية "صوت الحرية" عام 1927؛ و"الحركة" عام 1932؛ و"الشباب الذهبي"، عام 1940؛ وآشاد فيها ببناء الإشتراكية، وفتوة الدولة السوفييتية. وطبعاً لولا هذا الخط الأدبي الذي التزم به لما تمكن من نشر إبداعاته الأدبية آنذاك.
وفي عام 1926 غادر غايراتي وطنه إلى أذربيجان ليدرس بمعهد متوسط في باكو، وهناك تعرف على شخصيات متميزة أمثال: م. أوردوبودي، وم. موشفي، وس. رستام، وج. جبارلي، وغيرهم. وبعد عودته إلى طشقند عمل باحثاً أدبياً في مسرح طشقند الدرامي الموسيقي.
وتأثر غايراتي إلى حد كبير بأسلوب حمزة الأدبي. وهو ما أشار إليه بقوله: "ضمن مجموعة العاملين في المسرح تعرفت على حمزة... وجرت بيننا جملة من المناقشات الأدبية، التي كانت بالنسبة لي مدرسة أدبية كبيرة".
وكتب غايراتي قصائد عن معاناة الشعب الويغوري منها: "رسالة الأم" عام 1933؛ و"جيناستا" عام 1935.
ومن مؤلفات غايراتي أيضاً المجموعات الشعرية: "أغاني لا تموت" عام 1961؛ و"الحيرة" عام 1961؛ و"أنتم شبابي" عام 1962؛ و"أشعار" عام 1965؛ و"حمزتنا" عام 1967.
وكتب غايراتي الكثير من المؤلفات للأطفال منها: "أسترا البيضاء" عام 1952؛ ورواية "أيام لا تنسى"، عام 1956؛ و"قصص" عام 1958.
وتوفي الشاعر الأوزبكي غايراتي بتاريخ 22/1/1976.

بحث أعده أ.د. محمد البخاري في طشقند بتاريخ 26/12/2013 بتصرف عن المصدر الإلكتروني http://ziyonet.uz/ru/people/gayrati/

الثلاثاء، 24 ديسمبر 2013

الفقيه الكبير برهان الدين المرغيناني


الفقيه الكبير برهان الدين المرغيناني
يعتبر برهان الدين المرغيناني من كبار فقهاء ما وراء النهر. وهو مؤلف "الهداية في شرح بداية المبتدي" أو اختصاراً "الهداية". واسمه الكامل علي بن أبو بكر بن عبد الجليل الفرغاني الرشتاني المرغيناني، كما أطلق عليه اسم "برهان الدين والملة". وكلمة "ملة" هنا تعني أنه من أنصار الحقوق الإسلامية وتقاليد الشعوب المحلية.
وبرهان الدين المرغيناني ولد في عام 1123م على أراضي أوزبكستان المعاصرة، وتحديداً في قرية ريشتان بوادي فرغانة. ومن سن الـ 13 عاش بمدينة مرغيلان، وكتب فيها القسم الأول من كتابه الشهير "الهداية". و أهم جزء من حياته عاشه في مدينة سمرقند، وأنهى فيها كتابه "الهداية" في أبريل/نيسان عام 1178م.
وعن 74 عاماً توفي برهان الدين المرغيناني في عام 1197م ودفن في مقبرة تشوكارديزا بسمرقند.
وورغم إلمام برهان الدين المرغيناني العميق بأصول الفقه إلا أنه حرص وحتى نهاية حياته على دراسة مؤلفات أساتذته، الذين ذكر أسماء أكثر من 40 أستاذاً منهم في "كتاب المشايخ" ومن بينهم: أبو الأسير اليعقوب الثوري، وأبو إسحاق النوقادي، وجعفر الغجدواني وغيرهم. وهو لم يسهم بشكل كبير فقط في تطوير نظرية الفقه، بل كان حريصاً على تربية مجموعة كاملة من التلاميذ.
ومن بين مؤلفاته الهامة:
- "نشر المذهب"؛
- و"كتاب مناسك الحج"؛
- و"كتاب الفرائض"؛
- و"كتاب التجنية والمزيد"؛
- و"كتاب المشايخ"؛
- و"المزيد في الفرع الحنفي"؛
- و"بداية المبتدئ"؛
- و"كفاية المنتهي"؛
- و"الهداية" (وهو تعليق من أربع أجزاء على كتاب "كفاية المنتهي").


ومع الأسف الشديد لم تبقى كل مؤلفات برهان الدين المرغيناني حتى اليوم. وكل ما يحتفظ به معهد الإستشراق التابع لأكاديمية العلوم في جمهورية أوزبكستان اليوم عدد من مؤلفاته المخطوطة وهي:
- "بداية المبتدئ"؛
- و"مجمع مختارات النوازل"؛
- و"الهداية في الفقه"؛
- و"الكفاية في شرح الهداية".
وألف برهان الدين المرغيناني أهم مؤلفاته "الهداية" معتمداً على مؤلفات محمد الشيباني "المجمع الصغير"، وأبو الحسن القدوري "مختصر خلاصة القدوري"). وعلق في "الهداية" على المعايير الشرعية الأساسية، الواردة في "المختصر"، ومع ذلك فينظر لمؤلفه كمؤلف مستقل بحد ذاته، لأنه تناول فيه مسائل أوسع أكثر مما تناولها "المختصر" للقدوري.
ومؤلفة "الهداية" نشر في أربعة أجزاء، تضمنت 57 كتاباً، قسمت بدورها إلى فصول وأقسام. وخصص كل كتاب لشرح واحدة من اتجاهات الشريعة الإسلامية. ولتأكيد صحة القواعد الشرعية التي تناولها في "الهداية" استند برهان الدين المرغيناني على أقوال صحابة النبي (ص) وغيرهم من المؤلفين والمجتهدين من بعدهم، ومن بينهم مجتهدين من ماوراء النهر.
والجزء الأول من"الهداية" يقع في خمسة كتب تناولت مسائل: الصلاة، والصيام، والزكاة.
والجزء الثاني تناول مسائل: الزواج، وقرابة الرضاعة، والطلاق، وإعتاق العبيد، والعبيد الهاربين، واللقيات، والمفقودين، وشؤون الوقف. ويقع في 60 فصلاً و36 قسماً.
والجزء الثالث تناول مسائل: البيع والشراء، والقضايا المالية، وشهادة الزور، والإمتناع عن الإدلاء بالشهادة، والشكاوى، والإعتراف، والإكراه، والإحسان، وغيرها. ويقع في 36 فصلاً و37 قسماً.
والجزء الرابع تناول مسائل: الشفاعة، والقسمة، والوراثة، والزراعة، والفلاحة، وحيوانات الأضاحي لوجه الله تعالى، والصيد، والجرائم، وغيرها.
وتميز "الهداية" عن غيره من المصادر الفقهية بمنطقيته وتسلسل مواده وتوزعها، وطريقة تأليفه وصياغته.
ويشير الباحثون إلى أن مؤلف برهان الدين المرغيناني الهام "الهداية" شغل مكانة هامة في مجال تطوير ثقافة الشرع الإسلامي، وفي مجال تطوير ثقافة الحقوق الإسلامية في ما وراء النهر.

بحث أعده أ.د. محمد البخاري، في طشقند 23/12/2013 بتصرف نقلاً عن المصدر الإلكتروني ziyouz.uz، 6/9/2012 باللغة الروسية.

الأحد، 22 ديسمبر 2013

العالم الكبير جمشيد الكاشي


العالم الكبير جمشيد الكاشي


جمشيد بن مسعود بن محمود غياث الدين الكاشي، عالم من علماء ما وراء النهر وهو من أصول فارسية، ولد في كاشان بإيران عام 1380م، وتوفي في سمرقند بتاريخ 22/6/1429م. وهو عالم رياضيات، وعالم فلك كبير بدولة ألوغ بيك في القرن الـ 15 الميلادي، وهو من أنصار ألوغ بيك، وأحد المسؤولين عن المرصد الفلكي في سمرقند. ونشر أول عرض منهجي لنظرية الكسور العشرية.
وجمع الكاشي "زيجي خاقان" (1414م) التي تعتبر إعداد مكرر لـ"زيجي إلخان" التي كتبها نصر الدين الطوسي. ومقالة "درج السماء" (1407م) التي تبحث في المسافة حتى القمر والشمس، وحجمهما، والمسافة حتى الكواكب ومجالات النجوم الثابتة. وفي مقالة "شرح أدوات المراقبة" (1416م) وصف الأدوات المستخدمة للمراقبة والرصد في علم الفلك. وفي مقالة "حدائق البهجة" وصف البنية التي وضعها الكاشي والتي تمكن من تحديد خطوط طول وخطوط عرض النجوم، وأبعادها عن الأرض وهكذا. ومن المعروف أيضاً أنه أعد "مقالة علم الفلك" و"مقالة "حل المقترحات حول ميركوري"
وفي مقالة "مفتاح الحساب" وصف الكاشي النظام الستيني للحساب (في المقالات الفلكية التي أعدها الإغريق للنظام الستيني وسجلوا فيها جزء من الرقم الكسري فقط، وسجلوا الجزء الكامل في النظام الإيوني التقليدي. واقترح الكاشي تسجيلها في النظام الستيني وأن الجزء هو عدد صحيح أيضاً. وهو في هذا رجع عملياً لشكل التسجيل الذي كان قيد البحث في بابل القديمة؛ دون أن يعرف ذلك). وفي هذه المقالة أدخل الكاشي الكسور العشرية، ووضع القواعد الأساسية للتعامل معها، والتي تؤدي إلى طرق نقل الكسور من النظام الستيني إلى النظام العشري وبالعكس.
وفي "مقالة الدائرة" حسب الكاشي طول وصفات محيط أرخميدس، كوسيط حسابي بين محيط المضلعات المسجلة والمحسوبة بشكل صحيح لمتعدد الزوايا مع الرقم 3 · 228. ومما أعطاه أن الرقم الأقرب لـ 2π يقترب من الرقم  6,2831853071795865. وأن هذه القيمة صحيحة في جميع المؤشرات الـ16 العشرية، وحصل عليها من حساباته التي قام بها من قبل في النظام الستيني مع قيمة المؤشرات الـ 9. ووضع رقماً قياسياً، استمر حتى عام 1596م، حين حسب ليودولف فان تسيلين علاقة π مع 35 مؤشر عشري. وبالإضافة لذلك يمكن القول، أن الكاشي كان أول من سجل في التاريخ استخدام الجزء من نظام حسابي إلى آخر.
وفي "كتاب الوتر والجيوب" الذي فقد ولم يصل إلينا (وصلت أخباره إلينا في مؤلفات قاضي زادة الرومي وغيره من المؤلفين) اقترح الكاشي الطريقة التكرارية لحل معادلات الزاوية الثلاثية. وكان يمكن كتابة الزاوية الثلاثية على شكل  X3+q=px)). بينما قدمها الكاشي على شكل  X=(x3+q)/p)). وكتقريب أول أخذت شكل  X1=q/p))، وكتقريب ثاني أخذت شكل X2=x3/1+q)/p))، وكتقريب ثاني أخذت شكل X3=x3/2+q)/p))، وهكذا. حيث جرت هذه العملية بسرعة كبيرة؛ ومن خلالها حسب الكاشي قيمة sin 1° = 0,017452406437283571، وأثبت أن كل الأرقام صحيحة.
من مؤلفاته:
مقالات قي الرياضيات جمشيد غياث الدين الكاشي // البحوث التاريخية في الرياضيات. – موسكو: GITTL، 1954. العدد 7, ص. 11-452. (باللعة الروسية)
مفتاح الحساب. تعليقات. (مخطوطة)
مقالة عن الدائرة . تعليقات. (مخطوطة)
الكاشي جمشيد غياث الدين. مقالات عن الأدوات الفلكية. ترجمة: ف. أ. شيشكين. أعمال معهد التاريخ والآثار. طشقند: 1953، ج 1، ص 91-94. (باللعة الروسية)
الكاشي جمشيد غياث الدين. مفتاح الحساب. مقالات عن الدائرة. موسكو: غوستيخإزدات، 1956. (باللعة الروسية)
الكاشي جمشيد غياث الدين. رسالة إلى والده من سمرقند إلى كاشان. ترجمة: د.يو. يوسوبوفا. في كتاب: من تاريخ العلوم في عصر أولوغ بيك. طشقند: فن، 1979. ص 45-59. (باللعة الروسية)


بحث كتبه أ.د. محمد البخاري، طشقند 21/12/2013 بتصرف نقلاً عن المصدر الإلكتروني ziyouz.uz، 6/9/2012 باللغة الروسية.

الخميس، 19 ديسمبر 2013

عالم الفلك الشهير قاضي زادة الرومي

عالم الفلك الشهير قاضي زادة الرومي


ولد صلاح الدين موسى بن محمد قاضي زادة الرومي، في بورصة بتركيا عام 1364م، وتوفي في سمرقند عام 1437م. وكان عالم رياضيات وعالم فلك بارز في دولة التيموريين.
درس قاضي زادة الرومي في سمرقند عند عالم الفلك الشهير تيمور مولاني أحمد. وكان معلماً لألوغ بيك في علم الفلك، مع الكاشي والقوشتشي، وعمل في المرصد الفلكي في سمرقند وكان أحد مؤلفي قوائم الفلك السمرقندية (زيجي غورغاني).
وعالم الفلك قاضي زادة الرومي الشهير لفترة طويلة، دفن في واحدة من أضرحة شاه زيندة بسمرقند، ولكن عند فتح الضريح في عام 1978 لم يعثر على هيكل عظمي لرجل. وهو ما أكده السمرقنديون أنفسهم المقتنعين بأن قاضي زادة الرومي دفن في مكان آخر غير معروف.
وشارك قاضي زادة الرومي في إعداد الكتب الأولى:
- "البداية" لإقليدس؛
- وتعليق على "المقترحات والأسس" للسمرقندي؛
- وتعليق على "ملخص علم الفلك" للتشغميني؛
- و"مقالة في الحساب"؛
- و"مقالة في تحديد جيب درجة واحدة"؛
- و"مقالة في الجيوب"؛
- و"مقالة في الجيب الرباعي"؛
- و"مقالة في سمت القبلة"؛
- و"مقالة في علم الفلك"؛
- وتعليق على "مصدر الفلسفة" للقزويني.

بحث أعده أ.د. محمد البخاري، في طشقند 19/12/2013 بتصرف نقلاً عن المصدر الإلكتروني ziyouz.uz 6/9/2012 باللغة الروسية

الثلاثاء، 17 ديسمبر 2013

الملاحم في الأدب الشعبي الأوزبكي


الملاحم في الأدب الشعبي الأوزبكي
يطلق على الروايات الـملحمية في الأدب الشعبي الأوزبكي (الفولكلور) تسمية "دوستان". ويجمع  هذا الفن الأدبي بين الأساليب الشعرية والنثرية، وكقاعدة عامة إما أن يكون شعر مقفى أو نثر موزون، ولكن الـ"دوستان" يساوي عند البعض القصيدة وفق مفهومها المعاصر. ومع ذلك فهذا غير صحيح، لماذا ؟ لأنه خلال مرحلة تشكل وتطور الأدب الشعبي "الفولكلور" والأدب المكتوب كان مفهوم الـ"دوستان" أوسع في الواقع من المفهوم الحالي للـ"قصيدة"، أو أن الـ"دوستان" وإن جاز التعبير فإنه كان "فناً جمع الفنون الأدبية"، التي ظهرت وتطورت في أعماقها كل أساليب السرد الشفهي تقريباً.
وكانت عبارة "دوستان" تستخدم للتعبير عن فنون أدبية شملت: القصة، والحكاية، والمغامرة، والوصف، والمديح. ومن هنا جاء تنوع المواضيع التي تناولها الـ"دوستان" في وقت لاحق للتعبير عن: أعمال البطولية، ومغامرات، وخرافات أسطورية، ومغامرت غرامية، وغيرها من المواضيع.
وكتابة الـ"دوستان" كان يعتمد في البداية على سرد بطولات الأبطال الشعبيين؛
وعندما تغيرت الأوضاع الحياتية القبيلة أو الشعبية، بدأ الـ"دوستان" يعتمد على أحداث هامة جرت في حياة الشعب، وكان يصور في أكثر الحالات المعارك الدائرة من أجل السيادة والإستقلال وسلطة الشعب، أو الدفاع عن الأراضي أو الإستيلاء على المزيد منها، وضمها عادة للمساحة المألوفة للوطن الأم. وكلها كانت من مواضيع الأحداث الأسطورية التي تناولها الشعر البطولي وغيره من الألوان الأدبية المعروفة آنذاك.
والملاحم الشعبية الأوزبكية الـ"دوستان" ظهرت على خلفية الفلكلور التركي القديم، وعلى خلفية التاريخ القديم للشعب الأوزبكي. وبعبارة أخرى، اختارت التقاليد الثقافية القديمة للشعب الأوزبكي، وذكريات تشكله كشعب، واختارت عالمه الروحي الخاص ومصيره التاريخي، ومثله الأخلاقية العليا، ورموزه الجمالية.
ولم يكن الـ"دوستان" مخصصاً للنقل الشفهي فقط. بل كان مساوياً للأداء الشعري الموسيقي تقريباً. وكان لا يقرأ فقط بل يجري غناؤه بمرافقة الآلة الموسيقية "دومبرة" بإيقاع خاص يرافق كل التكوينات الفنية الخاصة بالإنشاد، وكل الوسائل اللازمة لمضاعفة استيعاب المستمعين لمرتين أو ثلاث مرات.
وتأتي الكلمات الشعرية، والنص، بالفكرة الرئيسية، ليبقى العبء الفني كقافلة ضخمة من التصورات الشعرية، وهذه ظاهرة من ظواهر السرد الملحمي. وهي من المظاهر الطبيعية للنص الفلكلوري، كالإطالة دون تكرار، وأحياناً تكرار أجزاء كاملة من الشعر، أو التنقل بين الأشطار الشعرية كصفة من الصفات الدائمة للـ"دوستان"، مع المقارنة، والغلو النحوي في البناء الشعري القوي الطبيعي والتعبير العاطفي من خلال الأداء الموسيقي المعبر. وتنصهر كلمات القصيدة مع الأداء الموسيقي، لتؤدي وظيفتها الفنية دون إفقاد خصوصيته النص.
والخصائص الشعرية للـ"دوستان"هي عادة (سبعة أو ثمانية مقاطع شعرية أو إحدى عشرة مقطع شعري)، وكلها تشكل "كتلة" النص الرئيسي في الـ"دوستان"، وكقاعدة عامة تتضمن منلوجات وحوارات بين الأبطال، يستعرضون فيها المعارك التي خاضوها، مع وصف للطبيعة المرافقة للسرد عن الرحلة ووصف مزاج الأبطال، وتقديم لوحات عن المعارك التي خاضها الأبطال؛
أما في النثر فيتميز الـ"دوستان" بحجم نص كبير أو صغير، وتؤدى بإيقاع نثري خاص أطلق عليه باللغة الأوزبكية تسمية "ساج"، وتخصص بتقديم لوحات عن الأبطال، وحوارات داخلية، وأحياناً تكرار مفصل ومبسط يناسب الاختلافات الهامة من أجل التكامل مع النص الشعري في الـ"دوستان".
وللملاحم الشعبية الأوزبكية الـ"دوستان" تصنيف ينطلق من خصائص الـ"دوستان" كالملاحم الشعبية ("ألباميش"، و"يادغار")، التي على ما يبدوا أنها ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالعلاقات الأبوية والقبلية، وبأسلوب الحياة، وبأخلاق القبائل الأوزبكية، التي مارست في الماضي البعيد حياة البداوة الترحال أو نصف البدوية. وعلى ما يبدو نشأت هذه الملاحم خلال المراحل الأخيرة للعلاقات الأبوية والقبلية أو في المرحلة الإقطاعية المبكرة، عندما استقرت القبائل بالتدريج على أراض متجاورة، ليتوطد معها مفهوم الشعب. وتولدت عن هذه العملية الأشكال المبكرة لتكون الدولة، ورافقها النضال الشجاع لاتحاد القبائل للتصدي لعدو خارجي من أجل الإستقلال، وهو ما أعطى مادة غنية للملاحم البطولية الـ"دوستان". حيث نشأت خلال المعارك والحروب تشكيلات جديدة واندماجات قبلية، وأماكن استيطان جديدة رافقها نشوء ملحمة الـ"دوستان"، وكان "المؤشر الأكثر تأثيراً" فيها "الطبيعة البطولية ومضمونها".
وصور الأبطال وأعمالهم البطولية تجاوزت الحجم الطبيعي، ومن هذه الفكرة جاء مفهوم العمل الخارق الذي لا يغيب عنه الخيال العاطفي، المبني على اللعبة الإبداعية للمطرب الشعبي في تصويره للأعمال البطولية الإيجابية لأبطاله. والتي تتواجد بشكلها الرائع في الروايات الملحمية القديمة، كعنصر طبيعي من الدرجة الأولى في الأسطورة الشعبية. وكمزيج من الخرافات المحلية التي تشرح ظواهر الحياة الإنسانية من وجهة النظر الأسطورية السحرية".
وكل هذه الخصائص كانت من طبيعة الملحمة البطولية للـ"دوستان" الأوزبكي الشهير "ألباميش". وتطور أبداع الملحمة البطولية الـ"دوستان" الأوزبكية وقدمت نفسها من خلال الملحمة الرومانسية، التي بدورها كانت ملاحم عسكرية كـ"يوسف وأحمد"، و"علي بيك وبالي بيك". وملاحم البطولة الرومانسية كـ"أحمد الوحيد" وسلسلة "رستام"، وسلسلة "غوروغلي"، وملاحم الحب الرومانسية كـ"كونتوغميش" و"رافشان"، والملاحم الخوارزمية، وملاحم اجتماعية حياتية كـ"صاحب قيران"، و"أرزيغول"، و"شيرين وشاكار"، وفي النهاية الكتب الملحمية كـ"فرهاد وشيرين"، و"ليلى ومجنون" (المستمدة من قصة قيس وليلى في التراث الشعبي العربي) و"بهرام وغولاندان"، وغيرها. وظهور مثل هذه المؤلفات كان مرتبطاً بالعلاقات الاجتماعية والسياسية للمرحلة الاقطاعية المتطورة؛
ويتضمن محتوى الـ"دوستان" عادة مغامرات غرامية كثيرة للأبطال، تتحدث عن الظواهر الخيالية في حكايات مماثلة، وفي نفس الوقت تلقي عليها لوناً واقعياً مع بعض الأحداث الحياتية المحددة.
ومخطط الحكاية الملحمية الرومانسية للـ"دوستان" متشابه جداً. فالبطل كقاعدة عامة يحب غيابياً، وخلال بحثه عن محبوبته يتوجه برحلة طويلة، ويقع في دوامة الأحداث، ويواجه أخطار مغامراته، ويواجه كائنات خارقة، وبعد تغلبه على كل الصعوبات يصل إلى هدفه. ومسرح الأحداث يكون عادة في القصور الفخمة، والأسواق الصاخبة، وحدائق الفتيات، والقلاع المسحورة، والكهوف المخيفة، والأنفاق تحت أرضية أو تحت الماء. وكل هذا يتكرر في تركيبة مختلف الملاحم تقريباً، ولكن لكل منها تكوينها الملحمي الخاص، وطريقتها في الكشف عن طبيعة الشخصيات، ونظام الدوافع، مع لونها الخاص. ولكنها تتشابك جميعها في المواقف الحياتية الواقعية مع الخيالية، وتقدم على ما يبدوا كأساس مميز للخصائص الرئيسية للملحمة الرومانسية.
والمرحلة الأولى من تطوير الملحمة الرومانسية كانت عبر حكايات السرد العسكرية. ورغم أن نماذجها القديمة لم تصل إلينا، إلا أن ذكرها وصل إلينا من خلال القوائم المتوفرة اليوم، وسجلت في وقت لاحق مؤلفات تسود فيها خصائص النوع الروائي، وتشير بحرية إلى القصص العسكرية وبأشكال مختلفة في الملاحم؛
ولكن لا يوجد شك في أن ظهورها كان في المراحل الإقطاعية، حيث تشكلت تحت تأثير الملاحم البطولية. ومن الأمثلة على ذلك القصص العسكرية "يوسف وأحمد" أو ما اعتبر إستمرار لها في "علي بيك وبالي بيك"، أو "خالدار خان"، ومن سلسلة "غوروغلي"، التي بقيت مركزاً للسرد الأسطوري أو المعارك التاريخية والمآثر العسكرية.
والأوساط الحاكمة استخدمت القصة العسكرية للدعاية لنشاطات أشخاص معينين من الأوساط السكانية، وهم عادة من الذين قاموا في وقت ما بنشر الإسلام بقوة السلاح. وبنتيجتها ظهرت قصص عسكرية كـ"اسطورة أبو مسلم"، و"اسطورة المكافح من أجل الإيمان سعيد بطل"، و"اسطورة الأمير حمزة" (المستمدة من قصة حمزة البهلوان في الأدب الشعبي العربي)، وكلها كانت مرتبطة بأسماء ارستقراطيين عرب. كما ويمكن ذكر الروايات العسكرية المنتشرة في وسط آسيا بشكل واسع كمؤلفات: "دستان رستام"، و"اسطورة جمشيد"، و"خوشانغ" وغيرها. التي شغلت في برامج رواة القصص العسكرية الأوزبك مكانة ثانوية. ومن الممكن أن يكون الكثير منها مع مرور الوقت ولمختلف الأسباب قد خرج من برامج الرواة. وحتى أن العمليات العسكرية في القصص العسكرية أخذت تفسر كدفاع عن المعتقدات الدينية للشعب ضد أتباع الديانات الأخرى. ولكن لتلك القصص العسكرية التي كانت ضمن برامج الرواة الأوزبك، كانت بمثابة "حرب مقدسة" ضد "الكفار" وكانت خلفية عامة لا أكثر لتمجيد البطل الرئيسي؛
وفي الواقع غنت الملاحم الشجاعة والبسالة، لحماية أرض الوطن، ووحدة الأسر والقبائل.
ومما يثبت ذلك، ظهور ملاحم "يوسف وأحمد"، و"علي بيك وبالي بيك"، بخلفياتها الوطنية، والحنين للوطن الأم القوي جداً فيها. ويمكن الإشارة ولو لخلفية مديح يوسف لوطنه، الذي أرسل تحية لوطنه الأم عبر الطيور المحلقة (ومثل هذه الخلفية يجدها القراء في الكتاب أثناء قراءتهم لملحمة "دالي" من سلسلة "غوروغلي". ونفس الإنطباع نصادفه في ذكريات علي بيك عن وطنه أورغينيتش. وللمقارنة وإظهار البدايات البطولية للملحمة نقول أنها كانت: من المواضيع المحببة وشغلت مكانة بارزة ورئيسية فيها. ومن حيث الجوهر تربط فيها أكثرية الروايات البطولية من سلسلة "غوروغلي".
وكان لملاحم الحب الرومانسي طبيعة خاصة في "كونتوغميش"، و"روشان"، والملاحم الخوارزمية، بالإضافة لتضمين صلب الموضوع، وكأساس، دسائس الحب الصعبة والمغامرات الغرامية، وكأسلوب للبحث عن الجميلات الملزم بتجاوز العديد من العقبات، ومن بينها الخيالية الخارقة للطبيعة. ولا نصادف عملياً هنا تصرفات للبطل مشابهة لتلك الخلفيات الوطنية، والكفاح من أجل العدالة وشرف وحرية الشعب.
وتبقى عواطف الحب القوة الدافعة الوحيدة للتصرفات والأحداث. والمخطط التقليدي للمؤامرة يتساوى مع خلفيات الفداء التقليدية، ومع ذلك يبقى التطور الجدي والدقيق من خلال إعداد أشكال نفسية دقيقة، يرافقها تحليل فني دقيق لأحاسيس الحب. وهو ما يميز كل أشكال الملاحم من خلال التركيبة الفنية، وتكوين وربط التعقيدات مع بعض الخلفيات الضرورية للسياق الأدبي.
وتتميز هذه الملاحم شعرية كانت أم روائية بمسائل اجتماعية وحياتية بشكل واضح. ونصادف هنا خلفيات تقليدية متداخلة مع نسيج ظواهر الأعمال الخارقة للطبيعة، ومع المغامرات العاطفية والمواقف الدرامية القاسية، حتى أنه في بعص الملاحم ترد مواقف تصور أوضاعاً اجتماعية وحياتية، حيث يقدم المؤلفون أبطالهم من خلال الأدب الشعبي "الفلكلور". ومع تزايد الإضطهاد الإقطاعي نرى أن مثل هذه الصور الديمقراطية في المادة كانت نابعة من الاحتجاجات الإجتماعية، وشكلت تربة خصبة في مختلف الملاحم.
ومكانة قوية خاصة وواسعة الإنتشار في برامج رواة القصة الأوزبكية والقازاقية شغلها ما يسمى "ملاحم الكتب". وجاءت نتيجة للتعامل الخاص للمغني مع الملاحم، ومن خصائص خلفيات الأدب الشعبي "الفلكلور"، الذي هو من بعض الأشكال الشعرية الكلاسيكية، المبنية بدورها على الأساطير التاريخية والقصص الأسطورية، وتحولت إلى تراث مشترك بين شعوب منطقة وسط آسيا. مثل الملاحم الشعبية "فرهاد وشيرين"، و"ليلى ومجنون"، و"بهرام وغولاندام"، التي بنيت على أساس مؤلفات علي شير نوائي. و"يوسف وزليخة" التي بنيت بدورها على أساس مؤلفات فارسية وتركية، وبهذا الموضوع ألفت "ملحمة رستام" من خلال "شاه نامة" للفردوسي، و"سيف المالك" من خلال قصيدة مجلسي، بالإضافة للنموذج الشعبي "بركة وغولشاه"، و"واميك وأزرو"، الذي كان نتيجة للتعامل مع الملاحم وترجمة نصوصها المكتوبة من اللغة الأذربيجانية.
وارتباط هذه الملاحم بالأدب المكتوب، يلاحظ من خلال تأثرها وبسهولة بملاحم الـ"كتب". وملاحم الكتب وفقاً لذلك كانت من طبيعة الرجوع للمصادر المكتوبة، والتي كان من الممكن الحفاظ على خصائصها وليس على رومانسيتها فقط، بل على الملحمية البطولية؛
ومع ذلك بقيت هذه الحالات ثانوية، ولم تكن لها خصائص مستقلة، ويبدو واضحاً أنها عبرت عن: عدم كفاية الحركة، وقلة الطاقة السردية، ومحدودية المواضيع التي تناولتها.
وعملية ظهور ملاحم الكتب، كان سببها دخول الملاحم في برامج الرواة، ومن الممكن أنها كانت متنوعة جداً آنذاك؛
ومن الممكن أنه كان من بينها نصوصاً لمصادر مكتوبة مرحلية، كتبها شعراء أو على أية حالة، أناس مثقفون. ونقول: أنها شملت القراء في البيت والشارع، وحتى رواة الـ"قصة" (القصة الشفهية).
وليس صدفة أننا نصادف بين ملاحم الكتب ما يصعب تحديد مصادرها الكتابية تحديداً، ولو أنه لا يشك بأن مصدرها كان الـ"كتب". ومن الأمثلة عليها ملاحم: "صنوبر"، و"زيوار خان"، وبعض الملاحم الخوارزمية. وفي أعمال الأدب الشعبي مثل: "ماليك وديلاروم" أو "طاهر وزهرة"، نواجه شكلاً صعباً جداً من تداخل مختلف التقاليد الأدبية، وهو ما يشبة التقاطع أو التبادل المشترك. وهو من طبيعة ملاحم الكتب، لأنها تصور وبسهولة حياة أبطالها باستخدام صبغة دينية أو لهجة عاطفية بحتة.
ونوع آخر من فن الملاحم الـ"دوستان" الملاحم التاريخية. ومواضيعها، وصورها، أو أفكارها المرتبطة بالأحداث التاريخية؛
وعلى الرغم من أن كل ملحمة، أو أي مؤلف شعبي فلكلوري، كان يعتمد على الأساس الأسطوري التاريخي المدروس بشكل جيد، إلا أنه أحياناً كان يجري المحافظة فيها على المضامين التاريخية لحد معين، وفي كل الحالات تبقى صلتها واضحة بالأشخاص والحقائق التاريخية. وأنها شغلت في برامج الرواة مكاناً ثانوياً، مع محدودية الانتشار الواقعي، ومع ذلك بقي الإهتمام بها غير قليل. ومن بينها الملاحم البطولية والتاريخية (ومن الممكن أن يكون الأفضل منها ملحمة "أيسولو")؛
وفي الخيال التاريخي، بقيت الحقائق التاريخية متشابكة مع خلفيات أسطورية مثل: "شيباني خان" و"أي تشينار
وهو ما أطلق عليه تسمية الملاحم الجديدة، التي تحدثت عن الأوقات والأحداث والشخصيات القريبة من وقتنا الحاضر، مثل: "تولغاناي"، و"نزار وأكتوبابيك"، و"محمد كريم بالفان"، و"انتفاضة جيزاخ"، و"مارديكير"، و"أتشيل داو"، و"العامل الزراعي حسن"، و"نارباي بطل"، وغيرها، وفي النهاية لابد من الإشارة إلى ملاحم السير الذاتية كـ"السيرة الذاتية"، و"أيامي"، و"الجيل السعيد".
أما ملاحم الخيال التاريخي "تولوم بيه" (القرن الـ15)، و"شيباني خان" و"أيتشينار" (القرن الـ16)، فتعتمد على مصير شخصيات تاريخية، وظواهر تاريخية، مع الكثير من الوصف لأحداث وحقائق، مثل: العلاقة المتبادلة بين شيباني خان وبابور، وحملة بابور على أفغانستان، وغيرها. ولكن مهمة كتب الفلكلور كانت محصورة في "إلقاء الضوء" على التاريخ من خلال الخيال التاريخي. وهو ما يميز ملحمة "شيباني خان" عند الحديث عن حياة خورشيداي، ولكن بشكل منفصل عن الخرافة. ودفعها أكثر نحو المغامرة الأسطورية من خلال فن ملحمة "تولوم بيه"، و"إيديغ". بالإضافة لأسماء الشخصيات التاريخية، رغم أنه لم تبقى فيها أية مواد تاريخية. ومع ظهور هذه الملاحم، التي مثلت جوهراً عاماً للأدب الشعبي "الفلكلور". ومن خلالها، يمكن النظر في مادة تضمنت حقائق تاريخية واقعية، ولكن من البداية من المحتمل أنها كانت أساساً للرواية الشعبية "الفلكلور"، وبالتدريج شاركت في عملية تشكيل الحالات المثالية، واحتوت على ثمار الأساطير الشعبية المتوارثة.
ومن جانب آخر هناك ما يسمى بالملاحم الجديدة، التي وضعت في أساسها الأحداث التاريخية من قريب أو بعيد، وبغض النظر عن ضرورة استخدام أساليب الأدب الشعبي "الفلكلور" التقليدي، للإنتقال من الأساس التاريخي هذا، إلا أنها حافظت كلها بالكامل على خصائص التاريخ الواقعي في تصوير التاريخ وشخصياته. ولكننا نرى أنه لا شيء من هذا القبيل، لماذا ؟ لأنه من الواضح، كان منذ القدم: كما كان شباب صفحات الملاحم القديمة التي لم تصل إلينا، وعلى صفحات الملاحم الحالية. فمؤلفات الشعراء الشعبيين الأوزبك الجديدة، ألفت من خلال عملية الأرتجال الشفهي. وهذا إحتاج طبعاً للتمكن من كل "الأسرار"، وكل ما تملكه حرفية فن الملاحم. ونرى في الواقع أنها: مكنت الأدباء الشعبيين البارزين من الملاحم الجديدة فقط. من خلال جهودهم الإبداعة الفردية، واكتشافاتهم الشعرية التي انحصرت في توحيد تراث قرون عديدة للإبداعات الشعبية الجماعية.
وكان من الملاحظ في برامج أفضل الرواة، أن أهم مكانة شغلتها في عصرنا ملاحم السير الذاتية، مثل: "السيرة الذاتية" لإراغاش جومانبولبول أوغلي، و"يومياتي" لفاضل يولداش، و"الجيل السعيد" لإسلام نازار أوغلي، و"يومياتي" لعبد الله نور علي أوغلي، وغيرها. ولم تتوفر لنا معلومات عن وجود مثل هذه الملاحم في القدم، ولكن يمكن توقع أن الرواة البارزين ألفوا في نهاية طريق حياتهم مثل هذه الذكريات الشعرية، أي ما يشبه بـ"تعليم" الشباب. وليس صدفة أن نصادف في برنامج الرواة مصطلح "دومبرتي"، و"من أجل أن أنام ؟"، و"أيامي"، ولم يكن صدفة ظهور أشكال معينة للملاحم في بعض المؤلفات الفلكلورية كـ"كوركوت آتا"، و"سوباسلي سوبيرا"، و"جوراف"، وغيرها من المؤلفات، ولم يكن عرضياً مصادفة شخصيات عادية، مثل: باخشي "المطرب الشعبي" في بعض الملاحم، مثل: "يوسف وأحمد"، و"هيرمان دالي"، و"عشقي أيدينه"، و"عشقي ألبادانيه"، و"نجاب أوغلاني" وغيرها من الملاحم. وفي النهاية، لابد من ذكر أنه من طبيعة الملاحم وجود شعراء كـ: "موللا غائب"، و"مختوم قولي"، و"الله نازار أليتشيبيك"... وكلها جاءت كتأثر سابق لملاحم السير الذاتية أو ملاحم السير الذاتية لأساتذة فن الملحمة الشعبية. ومن الممكن أن الشخصية الكاملة انتقلت من الشخص الأول الذي استخدم هذا المؤلف. ولم تنتقل ملاحم السير الذاتية من مغني إلى مغني، بل تم استخدامها أو الإقتباس منها واضافتها لغيرها من الأشياء فقط وفي بعض فقراتها، عن "طريق الحياة الخاصة" للرواة، حتى ولو أن ذكرهم ورد فيها كما هو معروف لنا في أحدث ملاحم السير الذاتية، وعلى خلفية ذلك الوقت، وعصره، وعلى ما يبدو لم يكن موضوعاً منقولاً عن غيره من المغنين، وكان استخدامه فقط كمعيار تم الحفاظ عليه. ومع الوقت اعتمد المستخدمون على الذاكرة والتكرار، رغم أنهم لم يكونوا مجبرين على تجديد ملاحم السير الذاتية، ولهذا فقدت السير الذاتية بعضاً من رونقها. وكحد أدنى كان إهتمام الباحثين منصب على تقديم كمية ضخمة من المواد المدروسة، أو كما يقال: أنهم فتحوا الباب أمام الدراسات المخبرية: للأسرار  وأسرار المغنين والرواة.
والملحمة الشعبية الأوزبكية مرت عبر طريق طويل من التطور التاريخي. من عصر تكون الملحمة التركية القديمة التي انحصرت بالساك، والمساغيت. وفي مؤلفات الملاحم البطولية بالفلكلور التركي، مثل: "ألباميش"، والتي كانت بالكامل يمكن أن تسهم في استمرارها عبر الزمن مع تلك الأساطير البطولية، التي بقي منها حتى اليوم اساطير فقط، مثل: "توماريس"، و"شيراك"، و"سيافوش"، و"زارياندار وأوداتيد"، و"إسكندر"، ومع ذلك ما ينظر إليه حتى اليوم كتراث هو ثراث تركي أو فارسي أو فارسي وتركي مشترك. مع ثأثير معين للفلكلور العربي.
والمرحلة الممتدة من القرن الـ 17 وحتى القرن الـ 20 كانت مرحلة تطور سريع للملاحم التقليدية، حيث تشكلت خلالها مختلف أشكال، وأساليب الملاحم التقليدية، مع الخرافة وقوانينها، وفكرة بنائها. ومن خلالها شارك آلاف الرواة، في عملية تغير الظروف الإجتماعية والاقتصادية، وفي تطوير التقاليد الموروثة، وقدمت بشاعرية جديدة، مع تطوير غيرها من الجوانب الفنية، ليتركز أسلوب وشكل نظامها نهائياً، مع شخصياتها المستعارة بشكل دائم؛
وشمولية فنون الملاحم حدثت وجرى تقسيمها وفق اشكالها، وتوحدت في ذلك الوقت في الملاحم بسلسلة من المواضيع، وأحياناً كانت ضخمة جداً. ويمكن القول أنه رافقها ظهور ملاحم جديدة، بتركيبات خرافية جديدة، وخطط لمواضيع جديدة، وأنها كانت عصر الملاحم الحياتية الشعبية التقليدية بشكل رئيسي.

بحث أعده أ.د. محمد البخاري، طشقند: 10/12/2013 بتصرف نقلاً عن المصدر الإلكتروني: http://uforum.uz/ بتاريخ 3/9/2013.

الأحد، 15 ديسمبر 2013

مهرجان الصداقة والثقافة في أوزبكستان

مهرجان الصداقة والثقافة في أوزبكستان


أكد رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف ويؤكد على أن تعدد القوميات بين سكان أوزبكستان يرتبط بشكل وثيق بزيادة الوعي القومي والإنبعاث الروحي للشعب الأوزبكستاني، وأنها كلها تشكل دفعة قوية على طريق تجديد المجتمع، ونشر الديمقراطية، وتهيئة الظروف المناسبة لتكامل أوزبكستان مع المجتمع الدولي.
وبمناسبة الذكرى الـ21 لصدور الدستور الدائم لجمهورية أوزبكستان، الذي وضع الأسس الصحيحة لتشكيل اللحمة الوطنية وتعزيز السلام، والإستقرار والتفاهم بين أبناء مختلف قوميات مواطني جمهورية أوزبكستان اليوم. احتفل المركز الثقافي الأممي بجمهورية أوزبكستان بهذه المناسبة الهامة.
وبدأ الإحتفال صباح يوم 14/12/2013 بتنظيم أعمال المؤتمر العلمي والتطبيقي "التفاهم بين المواطنين وقومياتهم، عامل هام لضمان إزدهار البلاد"، نظمه المركز بالتعاون مع أكاديمية العلوم، ولجنة شؤون الأديان، ولجنة المرأة، وصندوق "محلة" الخيري، والحركة الإجتماعية للشباب "كامولوت"، واتحاد "تصويري أوينا"، وغيرها من الهيئآت الإجتماعية الأوزبكستانية. أدار المؤتمر نصر الدين محمدييف: مدير المركز الثقافي الأممي بجمهورية أوزبكستان، وبدأ بتقديم كلمات التحية للمشاركين في المؤتمر، ألقاها: م. محمد جانوف، نائب مستشار الدولة لرئيس جمهورية أوزبكستان؛ وإ.باسطخانوفا، نائبة الوزير الأول بجمهورية أوزبكستان، رئيسة لجنة المرأة الأوزبكستانية، وعضوة مجلس الشيوخ؛ وش. صاليحوف، رئيس أكاديمية العلوم بجمهورية أوزبكستان، عضو مجلس الشيوخ.
وبعدها قدم للمشاركين في المؤتمر المحاضرين الذين تحدثوا في موضوع المؤتمر وهم: ق. قوربانباييف، رئيس مركز الدعوة للقيم الروحية الذي تحدث عن "التفاهم بين المواطنين وقومياتهم، مرآة للقيم الروحية"؛ وتحدثت ر. مرتظاييفا، دكتورة في العلوم التاريخية، بروفيسور عن "أوزبكستان متعددة القوميات بيت للجميع: التاريخ والمعاصرة".
وبعدها قدم المداخلات بعنوان "تفاهم المواطنين، أساس إزدهار البلاد" وتحدث فيها: أ. أحميدوف، رئيس الصندوق الخيري الأوزبكستاني "محلة"؛ وب. غنييف، رئيس المجلس المركزي لمنظمة الشباب "كامولوت". وتحت عنوان "دستور أوزبكستان وتطور الثقافة القومية" تحدث: س. سكوريدين، رئيس المركز البولوني الأوزبكستاني "سفيتليتسا بولسكا"؛ وم. سافوروف، رئيس مركز الدونغان الثقافي في طشقند. وتحت عنوان "دستور أوزبكستان ضمانة لتوفير التسامح الديني والقومي" تحدث: أ. عليموف، رئيس الإدارة الدينية للمسلمين مفتي أوزبكستان؛ وفيكينتي، ميتروبوليتين طشقند وأوزبكستان للكنيسة الأرثوذكسية.
وأشار المتحدثون في كلماتهم إلى أنه تم خلال سنوات الإستقلال في أوزبكستان توفير المساواة وتعميق التفاهم على أساس الإحترام المتبادل بين أبناء مختلف القوميات والشعوب التي تعيش في أوزبكستان، وأن كل هذه المسائل روعيت في دستور البلاد كأفضلية لتوفير حقوق وحريات الإنسان، ووفرت التسامح، الذي هو من صفات شعب أوزبكستان، وأن لها جذوراً عميقة في تاريخ الشعب الأوزبكستاني.
وأن أبناء مختلف القوميات والشعوب في أوزبكستان ممثلون بشكل واسع في أجهزة السلطات المركزية والمحلية. وأن بينهم أعضاء بمجلس الشيوخ، وأعضاء بالمجلس التشريعي في المجلس الأعلى (البرلمان)، وفي المجالس المحلية، ومنهم من يشغل مناصب مدراء في المنشآت والمنظمات الكبيرة في جمهورية أوزبكستان. ومن بينهم من يترأس لجان الأحياء متعددة القوميات التي تضم اليوم ممثلين عن عشرات القوميات من: روس، وتتار، وقازاق، وكوريين، وويغور، وأرمن، وطاجيك، وغيرهم. وأن الدولة تنظم عملها مع المواطنين بغض النظر عن الإنتماء القومي. وخلال سنوات الإستقلال حصل مئات المواطنين من مختلف القوميات على جوائز الدولة الرفيعة.
وأن أسس المجتمع المدني في الجمهورية تظهر بسطوع من خلال تنفيذ قانون المنظمات غير التجارية وغير الحكومية. ووفق هذا القانون، تقوم نشاطات المراكز الثقافية القومية، التي وصل عددها في الجمهورية اليوم إلى أكثر من 140 مركزاً. وتعتبر كلها اتحادات إجتماعية، وتقوم بتطوير ثقافتها القومية الأصيلة بنجاح، وتقوم بأعمال تربوية بين الشباب من خلال روح إحترام القيم الثقافية لكل القوميات والشعوب من مواطني الجمهورية. وتعبر عن مصالح الأقليات القومية في أجهزة الإدارة الذاتية للمواطنين، ويقومون بحل مختلف المسائل الحياتية اليومية. كما وتعمل في بعض المراكز الثقافية القومية وبنجاح مدارس أيام الأحاد، وتوفر للسكان الشباب والكبار  إمكانية التعرف على تاريخهم القومي، وثقافتهم القومية، وتقاليد شعوبهم، ودراسة لغاتهم الأصلية. وتتعاون المراكز مع مدارس التعليم العام، التي تقوم بالتعليم بلغات أبناء مختلف القوميات، من مواطني جمهورية أوزبكستان. وتعمل الآن في أوزبكستان مدارس يجري التعليم فيها إلى جانب اللغة الأوزبكية، باللغات: الروسية، والقره قلباقية، والقازاقية، والطاجيكية، والتركمانية، والقرغيزية. ويجري في العديد من مؤسسات التعليم العالي إعداد كوادر تعليمية لهذه المدارس، وتعمل في كل جامعات البلاد كليات وأقسام للغة والأدب الروسي، والكوري، وغيره.
وأن عمل الإذاعة والتلفزيون في البلاد يتميز ببث برامج بمختلف اللغات. وهناك برامج متخصصة في تلفزيون وإذاعة الجمهورية كبرامج: "ياغون أولادا" (في أسرة واحدة)، و"أوزبكستان – بيت للجميع"، تعرض الحياة متعددة القوميات في أوزبكستان. كما وتصدر صحف ومجلات بعدة لغات.
وأن المركز الثقافي الأممي في الجمهورية خلال أكثر من 20 عاماً. والذي كان تأسسه بمبادرة من قائد الدولة يسهم في تطوير العلاقات بين أبناء مختلف القوميات، ويلبي الحاجات القومية والروحية لأبناء مختلف القوميات والشعوب التي تعيش في أوزبكستان، ويقدم مساعدة منهجية للمراكز الثقافية من أجل الحفاظ على عادات وتقاليد كل القوميات وتطويرها، ويقوم بنشاطات متعددة من أجل تشجيع ومكافأة المبادرات الموجهة نحو تأكيد مبادئ التسامح، وتطوير ثقافة علاقات التسامح بين مختلف القوميات، ويسهم في حل المسائل مع مختلف المنظمات الحكومية والإجتماعية. ومن الاتجاهات الرئيسية لنشاطات المركز توفير المشاركة النشيطة للمواطنين من مختلف أبناء القوميات في الحياة الإجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، في أوزبكستان، ومن ضمنها الإستعداد والمشاركة في الأحداث الهامة، والأعياد الشعبية العامة، وغيرها من المناسبات الهامة.
ويتعاون المركز الثقافي الأممي بشكل وثيق مع الكثير من المنظمات الحكومية والإجتماعية. ومن بينها المجلس الأوزبكستاني لجمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية والتربوية مع الدول الأجنبية، ولجنة المرأة، ولجنة الشؤون الدينية، ومعهد دراسة المجتمع المدني، والحركة الإجتماعية للشباب "كامولوت"، واتحاد "تصويري أوينا"، وصندوق "محلة" و"نوراني" وغيرها. ويشهد على هذا تنظيم المؤتمرات المشتركة، والندوات، والطاولات المستديرة، والمعارض، والحفلات الفنية خلال السنوات الأخيرة.
والجدير بالذكر أن المركز الثقافي الأممي كان قد أصدر أكثر من عشرين كتاباً باللغتين الأوزبكية والروسية، استعرضت مسائل تطوير الثقافات القومية، ونظرية وتطبيق الوحدة الوطنية، والتسامح، وتوافق العلاقات بين القوميات والأديان. ومن بينها كتب: "أوزبكستان بيتنا جميعاً" (صدر عام 2001)، و"التفاهم بين القوميات والتسامح الديني، عامل التقدم" (صدر عام 2003)، و"أوزبكستان، بلد التسامح" (صدر عام 2007) تضمن مقالة كتبتها على الصفحتين 274-275 من الكتاب، و"دستور أوزبكستان، ضمانة لمستقبلنا العظيم" (صدر عام 2009)، و"تطور العلاقات بين القوميات في أوزبكستان المستقلة" (صدر عام 2012)، وغيرها. وبين مؤلفي المقالات التي جمعتها تلك الكتب أشهر العلماء وممارسي العمل في المجالات التربوية التعليمية. وتناولت العديد من مجالات التسامح التاريخي والمعاصر، وتناولت الخبرة التاريخية لأوزبكستان في مجال التفاهم بين أبناء مختلف القوميات والتسامح بين أتباع مختلف الأديان.
كما يجري تطوير الثقافات بشكل متكامل مع الثقافة الأوزبكية والثقافات العالمية، وكما أشار الرئيس الأوزبكستاني، حصلت القوميات والشعوب في أوزبكستان، على أسلوب تفكير واحد، وفلسفة سلوكية عامة. وأسس الأخلاق الواحدة، كانت مصدراً للتفاهم بين القوميات خلال سنوات الإستقلال.
واليوم وبثقة تامة يمكن القول أن تطور الثقافات الأصيلة والقيم الروحية للقوميات والشعوب التي تعيش على أرض أوزبكستان، إلى جانب التسامح والعلاقات الثقافية بين القوميات، أصبحت من عوامل السلام والإستقرار في أوزبكستان المستقلة.

واختتم الإحتفال في الذكرى الـ21 لصدور الدستور الدائم لجمهورية أوزبكستان بأمسية احتفالية أقيمت على مسرح تركستان في طشقند بمشاركة كل المراكز الثقافية القومية في أوزبكستان، وشملت معارض للفنون الجميلة، والفنون التطبيقية، والأزياء الشعبية، واختتمت الأمسية بعروض قدمتها فرق الفنون الشعبية للمراكز الثقافية القومية، وسبقها تكريم فرق الفنون الشعبية الفائزة بجوائز المسابقة التي نظمت بهذه المناسبة الهامة، وكان من بينها المركز الثقافي القومي العربي في قارشي بولاية قشقاداريا.
وأكدت هذه المناسبة على أهمية ما توليه القيادة الأوزبكستانية من أهمية للحفاظ على الوحدة الوطنية بين مواطني جمهورية أوزبكستان، الوحدة التي تؤكد الإنتماء للوطن الواحد أوزبكستان دون قطع صلات كل فرد من أبناء أوزبكستان المعاصرة بثقافته القومية، للحفاظ على السلام، والأمن والهدوء، والتفاهم وتعزيز التلاحم بين أبناء مختلف قوميات مواطني أوزبكستان. الأمر الذي أكد عليه الرئيس إسلام كريموف في واحدة من كلماته عندما قال: "علينا الحفاظ على السلام، والأمن والهدوء، والتفاهم بين قوميات مواطني أوزبكستان وتعزيزه، والحفاظ عليه كبؤبؤ العين، من أجل أن يبقى المهمة الهامة والرئيسية مستقبلاً". وبهذه المناسبة لا يسعني إلى أن أهنئ القيادة والشعب الأوزبكستاني بهذه المناسبة الغالية متمنياً لهم المزيد من التقدم والإزدهار.
كتبه في طشقند: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية (DC) تخصص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة ، ودكتوراه فلسفة في الأدب (PhD)، تخصص صحافة، بروفيسور، متقاعد. 15/12/2013

الأحد، 1 ديسمبر 2013

الفنان التشكيلي الأوزبكستاني الكبير تشنغيز أحماروف


الفنان التشكيلي الأوزبكستاني الكبير تشنغيز أحماروف
تشنغيز أحماروف (1912-1995)، فنان تشكيلي أوزبكستاني كبير، وفنان رسوم جدارية، وبورتريه، ومنمنمات، وبروفيسور، ومربي، أشرف على تعليم مئات التلاميذ. وحاز على لقب فنان الشعب الأوزبكستاني، وشعب تتارستان، وحاز على جائزة العاصمة. وهو الإنسان الذي أبقى مفهوم "مدرسة أحماروف" في الفنون، وهو ما يعجز عن تحقيقه حتى كبار الفنانين.
سيرة حياته

ولد تشنغيز أحماروف بتاريخ 18/8/1912 في ترويتسكه (جنوب الأورال في روسيا). بأسرة ضمت 11 طفلاً عاشوا مع جدهما وجدتهما من طرف أبيهم وأمهم.
وأسرة أحماروف كانت تتمتع بثقافة عالية، وأبقى لهم جدهم مفتاح الدين مكتبة كبيرة من القرن الـ 19، ضمت الكثير من المخطوطات والكتب المطبوعة على الحجر، باللغتين التركية والتترية، وكتباً باللغة الأذربيجانية، وعدد كبير من المجلات. وتذكر تشنغيز أحماروف مجلة "ملا نصر الدين" (جحا) منذ طفولته، التي كان ينسخ الصور منها، وتذكر اهتمام شقيقته بالشعر، وعزفهما المشترك على البيانو، وتقديمهما للمسرحيات، ودعوة الضيوف لمشاهدتها في البيت، وتذكر تنظيمهما المشترك للأمسيات الأدبية في المنزل.
وفي سن الرابعة التحق تشنغيز أحماروف بروضة الأطفال، وكانت تلك ظاهرة فريدة في ذلك الوقت، وفي سن السابعة إلتحق بالمدرسة التي كان يدرس فيها إخوته الأكبر منه سناً.
وفي سن السادسة من عمره أهدي له كتاب غاوف "موك الصغير" الذي زينته رسوم ديميتري ميتروخين. ولعبت رسوم ميتروخين دوراً هاماً في خيار الصبي، وحتمية أن يصبح فناناً تشكيلياً.
وبعد إنهاء المدرسة الإبتدائية عام 1927 دعي تشنغيز أحماروف للدراسة في المعهد المتوسط للفنون في بيرم، وهو في سن 15 عاماً من عمره. وخلال أدائه لإمتحانات القبول في المعهد المتوسط ببيرم رسم رسوماً لقصة إ. أ. كريلوفا "الغراب والثعلب"، ليصبح طالباً في المعهد.
وفي نفس العام 1927 نصح الأطباء والد تشنغيز أحماروف بتغيير منطقة إقامته بسبب أحواله الصحية، وانتقل مع أسرته للعيش في أوزبكستان، وفي البداية عاش بمدينة قارشي، وبعدها انتقل للعيش بمدينة سمرقند.
وفي عام 1931 تخرج تشنغيز أحماروف من المعهد المتوسط للفنون في بيرم، وكان مشروع تخرجه، تصميم ديكورات للدراما المأساوية التي كتبها ف. شيلير "لعنة الحب" للمسرح الدرامي بالمدينة. وشكل هذا العمل حدثاً هاماً للحياة الفنية المسرحية، وسرعان ما بدأت المسارح الشهيرة آنذاك تدعوا الفنان الشاب للعمل فيها.
وبعد حصوله على دبلوم التخرج عاد تشنغيز أحماروف إلى أسرته وأحب سمرقند، وأحب ضريح تيمور، القائم في غور أمير.
وقبل وصول تشنغيز أحماروف إلى سمرقند افتتح فيها معهداً متوسطاً للفنون بإشراف: بافل بينكوف وزينائيدا كوفاليفسكايا، مارس تدريس الفنون فيه فنانين حصلوا على تعليم أكاديمي من بيتربورغ وموسكو. ولكن تشنغيز أحماروف الشاب فضل السعي للحصول على فرصة عمل سريعة وبدأ بتدريس الرسم والهندسة في إحدى المدارس.
وفي مايو/أيار عام 1934 وأثناء العطلة الصيفية المدرسية توجه تشنغيز أحماروف إلى طشقند ليطلع الزملاء في العاصمة على أعماله، وعندما اطلع إسكندر أكا على أعماله، حصل تشنغيز أحماروف على طلب لم يكن يتوقعه، إذ طلب منه  تجهيز رسومات لكتب الأدباء غيراتي، وشاكر سليمان، وكتابي حكايات شعبية للقراء الصغار. والعمل في دار النشر قربه من الأدباء: عبد الله قهار، وزولفية، وباردا تورصون، وغفور غلام، والكاتب المسرحي عمر إسماعيلوف، والشاعر مقصود شيخ زاده. والعمل في الصحف والمجلات قربه من الفنانين التشكيليين الكبار: أسطى مؤمن، وباريس جوكوف، وأرال تنسيق باييف، وأليكساندر فولكوف. وهو لم يتجاوز سن الـ 22 عاماً، ومخالطته لهؤلاء المتعلمين شكلت لديه ميول نحو الثقافة وسعة الأفق.
وفي عام 1935 قرر تشنغيز أحماروف الإلتحاق بالدراسة في معهد الفنون الجميلة بليننغراد، وأرسل للمعهد الوثائق اللازمة للإشتراك في مسابقة القبول. وتأخر الجواب واضطر للسفر إلى ضفاف نهر النيفا. وفي ليننغراد كانت بانتظاره خيبة أمل، إذ لم يقبل للدراسة في المعهد، لأن عدد المشاركين في المسابقة كان كبيراً جداً، ورافق كل متقدم للمسابقة ترشيح من فنانين معروفين. ورغم أنه تلقى ضربة قاسية، لم يستسلم. وتوجه إلى موسكو مصطحباً أعماله التي رفضت في ليننغراد، وفي موسكو توجه إلى الفنانين التشكيليين: ليف بروني، وفلاديمير فافورسكي، اللذان سمع عنهما كثيراً في سمرقند وطشقند. واستقبلاه بترحاب وشاهدا أعماله ونصحاه بتقديم وثائقه إلى "معهد الفنون الجميلة".
وفي عام 1942 تخرج تشنغيز أحماروف من معهد الفنون الجميلة الذي تغير اسمه إلى معهد سوريكوف.
وخلال الأعوام 1944 و1947 قام تشنغيز أحماروف بتصمم وتنفيذ الرسومات الجدارية في مسرح علي شير نوائي للأوبرا والباليه. ومنح جائزة ستالين من الدرجة الأولى في عام 1947 لقاء أعماله الكبيرة المتميزة.
وفي عام 1955 فوجئ تشنغيز أحماروف بطلب إنجاز أعمال تزيين مبنى مسرح الأوبرا والباليه في كازان (عاصمة جمهورية تتارستان). وكان العمل المطلوب ضخماً من حيث الحجم والأفكار الإبداعية، وتطلب منه أكثر من عامين قضاها هناك.
وفي عام 1961 حدثت تغييرات جذرية في حياة تشنغيز أحماروف، وعاد من جديد إلى طشقند. وأنجز سلسلة من اللوحات الجدارية بمتحف أولوغ بيك، وصمم لوحات جدارية لبهو معهد البيروني للدراسات الشرقية. ونفذ أعمال تجميلية بمبنى متحف نوائي في طشقند، وفي صالة الإحتفالات بمطعم "يولدوز" بسمرقند. ونفذ أعمال تجميلية بمشفى "أوزبكستان" في سوتشي (الفيدرالية الروسية)، وأعمال تجميلية في صالة محطة "علي شير نوائي" بمترو طشقند. وأنجز زخارف في إحدى المقاهى بمدينة كراسنايارسك، هدية من أوزبكستان للسيبيريين.
ولكن تشنغيز أحماروف حرص خلال تلك السنوات على ممارسة التدريس في معاهد طشقند للفنون الجميلة، وفي عام 1964 عاد للرسوم التزيينية للكتب، وقام بتصميم وتنفيذ رسوم كتاب شرف رشيدوف "اسطورة كشمير". وحظي تشنغيز أحماروف دائماً بمكانة رفيعة وشهرة وإحترام كبير. وحظي بلقب فنان الشعب الأوزبكستاني عام 1964، وحصل على جائزة حمزة الحكومية في عام 1967. وبعد استقلال أوزبكستان قلدته السلطات الجديدة أعلى وسام في البلاد لقاء الخدمات التي قدمها للوطن.
وفي عام 2007 احتفل بذكرى مرور 95 عاماً على ميلاد تشنغيز أحماروف على المستوى الحكومي، وأصدرت الشخصية الإجتماعية البارزة غولنارة كريموفا بهذه المناسبة كتاباً فاخراً احتفاء بذكرى هذا الفنان العظيم الذي تحدث الجميع عن حب واحترام الرئيس الأوزبكستاني له ولأعماله الإبداعية. وفي الاحتفال بذكرى هذا الفنان القدير قالت غولنارة كريموفا: " لايمكن وصف جاذبية فنون تشنغيز أحماروف فقط بأشكال شاعرية، فقد خلق عالمه الفني والشعري الجميل. وبإصدار كتاب الذكرى هذا عن هذا الفنان أردنا إظهار أن الناس الموهوبين بحق، يسهمون بعطاء كامل وحب وبأعمالهم الإبداعية في إغناء الثقافة القومية. واكتشافاتهم، وأفكارهم الإبداعية، لن تتركهم مجهولين. ونحن نذكرهم، ونشكرهم على إبداعاتهم".
وتوفي تشنغيز أحماروف يوم 13/3/1995 عن 83 عاماً، وشيد فنان التماثيل تاجي خوجاييف على قبره نصب تذكاري، وشاركت بمراسم الدفن أعداد كبيرة من محبي هذا الفنان الكبير.
ولم يزل اللقاء الذي تم بين هذا الفنان التشكيلي الكبير في مرسمه مع الفنان التشكيلي السوري الدكتور محمد غنوم في مطلع تسعينات القرن الماضي ماثلاً بذاكرتي، ولم تزل أحاديثهما الشيقة وتبادلهما للوحات رسمها كل منهما بحضوري وحضور بعض تلامذته من الفنانين التشكيليين الأوزبك ماثلة في ذاكرتي رغم مرور أكثر من عقدين على ذلك اللقاء.

بحث أعده أ.د. محمد البخاري، طشقند 30/11/2013 نقلاً عن المصدر الإلكتروني: http://www.ziyouz.uz/ru باللغة الروسية.