الجمعة، 26 يونيو 2020

تابع مراحل تكون الصحافة 10

تابع مراحل تكون الصحافة 10
أ.د. محمد البخاري
التبادل الإعلامي في ظروف  العلاقات الدولية المعاصرة
طشقند - 2011
تأليف:



محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة؛ بروفيسور قسم العلاقات العامة والإعلان، كلية الصحافة، جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.

وتتصدر قائمة الصحف الأكثر رواجا في روسيا صحيفة كوميرسانت ديلي اليومية التي يرتبط محررها الأشهر الكاتب والصحافي أندريه كوليسنيكوف بعلاقة خاصة مع فلاديمير بوتين منذ بزوغ نجمه في نهاية 1999. وتظل هذه الصحيفة التي تأسست عام 1909 وانقطعت عن الصدور مع انطلاقة ثورة أكتوبر/تشرين الأول الشيوعية عام 1917 لتعود إلى الصدور ثانية عام 1992 وهي الأقرب إلى بوتين رغم حرصها على إبراز استقلاليتها عن السلطة الرسمية ضمن عدد من المطبوعات تصدر عن دار النشر التي تحمل اسم كوميرسانت. ومن الصحف التي تلقى رواجا اليوم أيضا عدد من الصحف السوفياتية القديمة التي تواصل الصدور باسمها السابق مثل كومسومولسكايا برافدا الشبابية. ويقول ناشروها إنها توزع اليوم في روسيا وبلدان الكومنولث نحو 27 مليون نسخة، وهو رقم مشكوك فيه بسبب انحسار هواية القراءة لدى الكثيرين، وعلى ضوء اعتراف آخر صدر عن أحد مواقعها يقول بأن عدد قرائها يناهز المليوني قارئ يوميا!! ومن اللافت للنظر أن هذه الصحيفة تبدو الأقرب في بعض ما تنشره إلى الكرملين.
ومن الصحف التي احتفظت باسمها السوفياتي أيضا صحيفة موسكوفسكي كومسوموليتس نسبة إلى عضو الشبيبة أو الكومسومول في موسكو، وهي صحيفة تبدو في طبعتها وطبيعتها أقرب إلى التابلويد فيما تجنح في بعض أخبارها إلى أساليب الصحافة الصفراء التي تهتم بتداول الشائعات، وتبدو في خلاف حاد مع فلاديمير بوتين، ويرأس تحريرها بافيل جوسيف منذ مطلع تسعينات القرن الماضي. ونواصل لنشير إلى صحيفة ارجومينتي إي فاكتي (براهين ووقائع) الأسبوعية، وهي إحدى الصحف الأكثر توزيعا في روسيا والتي كانت تصدر عن جمعية المعرفة السوفياتية القديمة، وانتقلت ملكيتها منذ نهاية الثمانينات إلى مجموعة من المساهمين. وقد كانت هذه الصحيفة الأوسع انتشارا في العالم مع أولى سنوات البيريسترويكا والجلاسنوست بنسبة توزيع بلغت 33.5 مليون نسخة سجلتها موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية عام 1990. لكن هذه النسبة تراجعت اليوم حتى 7 ملايين قارئ، حسبما يقول ناشروها.
وتشمل خريطة الصحافة الروسية عددا من الصحف ذات النزعات القريبة من الغرب ومنها صحيفة فيدومستي الاقتصادية التي تصدر بالتعاون مع صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية ووول ستريت جورنال الأميركية، وصحيفة نوفايا غازيتا (الصحيفة الجديدة) الأسبوعية المعارضة التي تصدر منذ 13 عاما ويساهم في ملكيتها الرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف وضابط الـ كي جي بي السابق أيضا وعضو الدوما ألكسندر ليبيديف وتصدر بالتعاون مع واشنطن بوست الأميركية وتقول حسب إفادة موقعها الإلكتروني أنها تصدر في 172 ألف نسخة في موسكو و535 ألف نسخة في روسيا والأقاليم المجاورة.
ومن الصحف التي تحظى باهتمام خاص من جانب السفارات العربية والأوساط ذات الصلة مع العالم العربي وإيران صحيفة فريميا نوفوستي التي تترأس قسم الشؤون الخارجية فيها المستعربة المعروفة يلينا سوبونينا وتتمتع بعلاقات متميزة مع دوائر صناعة القرار بحكم وجودها ضمن مجموعة الصحافيين، الذين يرافقون كبار قيادات الدولة والحكومة في رحلاتهم الخارجية والداخلية، واستنادا إلى علاقاتها الواسعة مع الكثيرين في منطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية. وتصدر هذه الصحيفة منذ عام 2000 في 51 ألف نسخة يوميا.
وإذا كانت خريطة الصحافة الروسية تحفل بالكثير من الأسماء والمسميات التي تشير إلى شتى المجالات والتوجهات ويُقدر عددها بالمئات إن لم يكن بالألاف فإنها تظل في مجملها أدنى تأثيرا وأقل رواجا بين مواطني هذا البلد المترامي الأطراف والمتعدد القوميات. ومن الطريف في هذا الصدد أن كل هذه الصحف والمطبوعات تتصدرها عبارة قلما تجدها في أي من مثيلاتها في أي من بلدان العالم وهي أن «ثمن الصحيفة حسب الاتفاق»!!! بما يعني أن ذات الصحيفة يمكن أن تباع وتشترى بأثمان مختلفة تختلف باختلاف ليس فقط المكان بل والزمان.
وكانت السلطة الروسية قد استندت إلى ضيق الساحة ومحدودية انتشار الصحف وندرة قرائها حين تركت الباب مواربا أمام بعض أصوات المعارضة التي تجد لها في هذه الصحف منفذا بعد أن أوصدت أمامها الطرق إلى شاشات القنوات الإذاعية المرئية المركزية أو الإقليمية التي تعددت أشكالها وتوجهاتها وبرامجها وإن ظلت في معظمها خاضعة لتعليمات وتوجيهات الكرملين والحكومة بما في ذلك القناة الثالثة الموالية لمُمولها عمدة مدينة موسكو يوري لوجكوف وقناة Ren.TV التي استطاعت السلطة ترويضها إلا في القليل النادر.
وكانت الدولة قد تحولت أيضا إلى القنوات الإذاعية المرئية الموجهة بغية تحسين صورتها في العالم الخارجي وإحياء لتقليد الإذاعات السوفياتية الموجهة بمبادرة من فلاديمير بوتين رئيس روسيا السابق واللاحق على ما يبدو، وصاحب فكرة إطلاق Russia to day الناطقة بالإنجليزية التي تبعتها روسيا اليوم الناطقة بالعربية والحرص على افتتاحها من خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس حسني مبارك كشف خلالها عن أن موسكو حرصت على تحديد موعد افتتاح القناة في الرابع من مايو/أيار كي يكون مواكبا لذكرى ميلاد الرئيس المصري. وبغض النظر عن أبعاد وأهداف الفكرة نقول إن قناة روسيا اليوم كانت تدرك منذ البداية خصوصيتها كقناة إخبارية ناطقة بالعربية وليست قناة عربية. وإذا كانت القناة قد أدركت أهمية التميز بما تقدمه من برامج بعيدا عن السقوط في شرك الإعلان خصما من رصيد الإعلام ودون التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، فإنها وحين اختارت الابتعاد عن الصخب الإعلاني والإعلامي للقنوات العربية بدت أقرب إلى القنوات الرسمية الحكومية ما سلبها عنصر الإثارة الإيجابية الذي طالما استقطب المشاهد أينما كان.
أما عن سبب إطلاق هذه القناة فقد أوجزته مارغريتا سيمونيان في حديثها إلى مجلة فزجلياد حيث سبق واعتذرت عن لقائنا (كما ذكر الصحفي المصري المقيم في موسكو سامي عمارة) أكثر من مرة بحجة انشغالها وسفرياتها الدائمة: «إنني أريد نقل المعلومات عن روسيا التي أراها وتراها هيئة التحرير. فالمعلومات التي تصل عنها إلى الخارج ليست التي تعكس عنها صورة حقيقية. إننا نصطدم دائما بتشوه تصورات الأجانب عن بلادنا وهو ما يتناقض مع ما يرونه حين يزورونها لأول مرة ليؤكدوا أن تصوراتهم كانت على النقيض من الواقع». إذن المهمة تتلخص في تحسين صورة روسيا ونقل صورة صادقة من وجهة نظر سيمونيان ومجلس التحرير لمفردات واقعها الحقيقي بعيدا عن الصورة المشوهة التي نجح خصومها وإلى حد كبير في نشرها عن هذه الدولة التي قل من ينكر الكثير من مواقفها وسياساتها المؤيدة للحق العربي مع ما يشوب هذه الصورة بسبب ما تبذله إسرائيل من محاولات لتشويهها بدعم مباشر من المهاجرين إليها من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وعلى رأسهم أفيغدور ليبرمان وناتان شارانسكي ومن ينوب عنهما ممن تستضيفهم روسيا اليوم. غير أن القناة وللأسف الشديد تجنح اليوم إلى شرك الاستسهال والتسطيح والاستخفاف بعقل المشاهد وذاكرته في عدد من برامجها التي كانت حتى الأمس القريب ذات مضمون وهدف. ولعله من نافلة القول أن نشير إلى أن القناة تظل قناة دعائية إعلانية وإن كان يمكن اعتبارها مصدرا للأخبار المترجمة إلى العربية عن النشرات الرسمية الصادرة في موسكو.
وفي هذا الصدد نشير إلى القدرات المتميزة لقنوات حكومية متميزة منها روسيا 24 الإخبارية الفضائية والثقافة التي تعنى بالقضايا الفنية والأدبية على الاضطلاع بمهامها الإعلامية على أحسن وجه في إطار الاعتراف بكل ما لا يزال يعتري التجربة الديمقراطية الروسية من قصور وتشوهات يعود معظمها إلى أن عمرها لم يتعد بعد العشرين عاما حسب تعبير الرئيس ديمتري ميدفيديف. ونقول ذلك تحسبا (والقول لسامي عمارة) لاتهامات أخالها تدور في أذهان المتربصين بما نكتبه عن روسيا اليوم التي هناك من يتصور وفي بعض التصور غفلة، أنها تستعصي على النقد بعد أن توهم البعض أنها بلغت شأوا ومكانة عاليين لا ترقى إليهما قنوات كثيرة حسبما روجوا في احتفالهم الأخير بذكرى مولدها.