الثلاثاء، 25 أغسطس 2009

صندوق فوروم كولتوري إي إيسكوستفا أوزبكستانا

صندوق فوروم كولتوري إي إسكوستفا أوزبكستانا "صندوق اللقاء الثقافي والفني الأوزبكي"
تأسس صندوق "فوروم كولتوري إي إسكوستفا أوزبكستانا" في مايو/أيار عام 2004 بمبادرة من شخصيات ثقافية معروفة، ورجال أعمال، ومندوبين عن المجتمع، وكل المهتمين بمستقبل الدولة والمجتمع الأوزبكي. من أجل جذب العلماء والسياسيين والأوساط الاجتماعية للمشاركة في الجهود المبذولة بعملية بعث العلوم والثقافة القومية، وتقديم المعلومات الموضوعية عن التراث الثقافي والتاريخي للشعب الأوزبكي للأوساط الاجتماعية.
وضمت قائمة مؤسسي صندوق "فوروم كولتوري إي إسكوستفا أوزبكستانا" شخصيات ثقافية وفنية بارزة في أوزبكستان، من بينها: المسؤول الفني في مسرح الشباب الأوزبكي نبي عبد الرحمانوف؛ والمخرج السينمائي ذوالفيقار موساكوف؛ وفنان الشعب الأوزبكي الأكاديمي أكمال نور الدينوف (أكمال نور)؛ وفنان الشعب الأوزبكي الحائز على لقب الجدارة، المسؤول الفني في الفرقة السيمفونية إسماعيل جليلوف؛ والفنان الحائز على لقب الجدارة في الفنون بأوزبكستان، أرتيقباي كوزوكوف؛ ورئيس الفرقة السيمفونية الحائز على لقب الجدارة في الفنون بأوزبكستان علي شير إكراموف؛ ومسؤولة فرقة الأطفال للفنون المعروفة "توموشا"، الحائزة على لقب الجدارة في الفنون بأوزبكستان، نادرة كوربانوفا.
ويضم مجلس رعاية صندوق "فوروم كولتوري إي إسكوستفا أوزبكستانا" شخصيات ثقافية بارزة، ارتبطت إبداعاتهم بأوزبكستان، ومن بينهم: رئيس الاتحاد الوطني للإذاعة والتلفزيون إدوارد ساغالاييف؛ ودكتورة العلوم السياسية غولنارة كريموفا؛ والممثل السينمائي أليكساندر عبدولوف؛ والممثل السينمائي والمسرحي ليونيد بورونيفوي؛ ورائد الفضاء فلاديمير جانيبيكوف؛ ورئيس اللجنة التنفيذية للمؤتمر الدولي للفنانين التشكيليين ماسوت فاتكولين؛ وعضو أكاديمية العلوم الطبيعية الروسية، مهندس البناء بوريس ستافيسكي؛ والأكاديمي رجب إسلامبيكوف؛ والمطرب ستاخان رحيموف؛ والمطربة آللا يوشبيه؛ والمطربة يلينا أبرازتسوفا؛ ودكتور العلوم التاريخية، وعالم الآثار، رئيس قسم الشرق في "الإرميتاج" غريغوري سيمينوف؛ والعالم أليكساندر سرغييف؛ وعضو أكاديمية العلوم بجمهوري أوزبكستان إدوارد رتفيلادزيه؛ ورئيسة تحرير "فيديرالنوي غازييتي" زولفيا بونوييفا؛ ورياضية ألعاب الخفة آلينا كاباييفا؛ والممثلة السينمائية والمسرحية فيرا آلينتوفا؛ ورئيس أكاديمية الفنون التشكيلية الأوزبكية، الفنان التشكيلي تورسون علي كوزييف؛ ودكتور العلوم الفنية تيغران مكرتيتشييف؛ وغيرهم.
ويعتبر الصندوق اتحاد تطوعي غير حكومي يدار ذاتياً ومنفتح للمواطنين والمنظمات الاجتماعية لمساندة العلوم الوطنية، والثقافة، والتعليم، والتراث الروحي. وجرى تأسيسه من خلال توافق الآراء لتشكيل علاقات اجتماعية من كل الجوانب لبعث القدرات الروحية القوية للشعب الأوزبكي وتطوير الاقتصاد، والعلوم، والثقافة، والتعليم.
الأهداف: الهدف الرئيسي لصندوق "فوروم كولتوري إي إسكوستفا أوزبكستانا" هو أن يلتف حوله الأصدقاء الحقيقيين لأوزبكستان، والدعوة للتراث الثقافي والتاريخي الغني للشعب الأوزبكي، عن طريق تنظيم المعارض، والحفلات الفنية، ومهرجانات المسرح والسينما، والمؤتمرات واللقاءات الدولية الثقافية وغيرها من أجل تعريف المجتمع الدولي بالتراث الأوزبكي الثقافي والروحي القيم.
ويدعوا صندوق "فوروم كولتوري إي إسكوستفا أوزبكستانا" ويثير اهتمام الشخصيات العلمية والثقافية الأجنبية للتعاون من زملائهم في أوزبكستان.
الأغراض: تجري في عالم اليوم تغييرات اجتماعية وسياسية كبيرة جاءت نتيجة لتطورات الجغرافية والسياسية، وتفاعلات العولمة. ولوحظ في هذه الظروف زيادة أهمية وسط آسيا في العلاقات المتبادلة من ضمن النظام العالمي، وخاصة أوزبكستان. وتجري التبدلات في هذا الإقليم من العالم الذي يعتبر منطقة هامة جداً للدول الكبرى ومختلف التحالفات السياسية، والاقتصادية والعسكرية.
وتتمتع جمهورية أوزبكستان حسب آراء أكثرية المحللين الأجانب بآفاق أكثر من غيرها من دول المنطقة، وتملك ثروات غنية من الخامات المعدنية، وقدرات اقتصادية وعلمية، وتتركز فيها الثروة التاريخية والحضارية لوسط آسيا.
ولكن المعلومات المتوفرة عن أوزبكستان وتراثها الثقافي والتاريخي الغني ليست كلها بالكامل صحيحة وقيمة.
ولهذا يرى الصندوق أن من واجبه تركيز الإمكانيات الفكرية المتوفرة لدى الشخصيات البارزة العلمية ورجال الأعمال والشخصيات الأدبية والفنية، والفنون التشكيلية، والممثلين والمخرجين المسرحيين والسينمائيين، وإمكانيات أوساط رجال الأعمال من أجل زيادة التعريف بالمقدرات العلمية، والثقافية، الغنية للشعب الأوزبكي وتهيئة الظروف لتطوير إمكانيات أوزبكستان، وبعث تقاليد طريق الحرير العظيمة.
ومن أهم وظائف الصندوق القيام بنشاطات توعية. وتقديم إسهام لبعث مشاعر الثقة والتفاهم المتبادل بين الشعوب، ودراسة التراث الثقافي وجذب العلماء والباحثين الأجانب والشخصيات الثقافية ورجال الأعمال للتعاون معه.
وللصندوق فروعاً في باريس، وطوكيو، وموسكو، ويتعاون مع منظمة اليونسكو
أرقام الهاتف والفاكس: ( (99871) 239-27-71; (99871) 239-27-74)
البريد الإلكتروني:
http://www.fundculture.uz/
e-mail:
info@fundculture.uz

الاستثمار في مجال إنتاج المعادن الاستراتيجية والنادرة في أوزبكستان

الاستثمار في مجال إنتاج المعادن الإستراتيجية والنادرة في أوزبكستان
بقلم: أ.د. محمد البخاري: مستشار في العلاقات الدولية، معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
تؤكد معظم المصادر حقيقة تمتع أوزبكستان بثروات طبيعية هائلة، أثبتها اكتشاف أكثر من 2500 موقع يحوي أكثر من 100 معدن خام في أراضيها، يستخرج من بعضها ويستثمر صناعياً اليوم أكثر من 60 معدناً. ومن بين المواقع التي تم اكتشافها أكثر من 900 موقع تقدر قيمة المعادن الخام المختزنة في باطنها بأكثر من 970 مليار دولار أمريكي، من القيمة الإجمالية للثروة الطبيعية في الجمهورية المقدرة بأكثر من 3,3 ترليون دولار أمريكي.
ومن الثروات الإستراتيجية الهامة كالنفط والغاز الطبيعي تم مؤخراً في أوزبكستان اكتشاف 155 موقع، ومن المعادن الثمينة أكثر من 40 موقع، ومن المعادن النادرة والمشعة 40 موقع، ومن الخامات الكيميائية 15 موقع. والملفت للنظر أن تلك الاكتشافات كلها قامت بها كوادر وطنية أوزبكستانية تخرجت من مؤسسات البحث العلمي وكليات الجيولوجيا في الجامعات الوطنية. ودخل بعض تلك المواقع التي تضم، مواقع غنية بالمعادن الملونة والمشعة والنادرة، وكل أنواع مصادر الطاقة كالنفط والغاز والفحم الحجري، ومواد البناء حيز الاستثمار الفعلي.. وعلى هذا الأساس تنبئ الخبراء الاقتصاديون لأوزبكستان بمستقبل واعد على المدى القريب، في حال لو تم توظيف استثمارات محلية وأجنبية في مجالات تطوير اقتصادها الوطني.
ثروات أوزبكستان الطبيعية تقدر قيمتها بـ بـ 5,5 مليار دولار أمريكي
ويقدر الخبراء قيمة الثروات الطبيعية التي تستخرج سنوياً من باطن أرض أوزبكستان بـ 5,5 مليار دولار أمريكي، الأمر الذي يشجع عمليات التوسع في مجال التنقيب والاستكشاف والسعي لاكتشافات المزيد من المواقع الجديدة لزيادة احتياطي الثروات الوطنية.
ومن بين المعادن الهامة المكتشفة حتى اليوم في الجمهورية الذهب، والفضة، واليورانيوم، والتيتان، والمنغنيز، والنحاس، والزنك، والسترونتيوم، والولفرام، والملح القلوي، والفوسفوريت، وغيرها من المعادن.
ويشغل احتياطي أوزبكستان اليوم من الذهب المركز الرابع في العالم، والمستخرج المركز السابع. وفي احتياطي النحاس المركز 10، واليورانيوم المركز 7.
واستناداً لنتائج أعمال التنقيب الجارية في أوزبكستان، قدر الأخصائيون أن حوالي 60 % من أراضي أوزبكستان صالحة لإنتاج النفط والغاز والفحم الحجري. وقدروا احتياطي الغاز بـ 2 ترليون متر مكعب، ومن الفحم الحجري أكثر من 2 مليار طن.
وتذكر بعض المصادر أن أوزبكستان تملك اليوم أكثر من 160 موقعاً منتجاً للنفط موزعة في خمسة مناطق رئيسية لإنتاج النفط والغاز، وهي: مناطق أوستيورط، وبخارى، وخيوة، وجنوب غرب غيسارة، وسورخانداريا، وفرغانة. ويقدر الخبراء المحليون قيمة احتياطي النفط والغاز بأكثر من ترليون دولار أمريكي.
أهمية رؤوس الأموال الأجنبية في استثمار الثروات الطبيعية
ولا يخفى على أحد الصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي واجهتها أوزبكستان منذ استقلالها في مطلع تسعينات القرن الماضي. ولهذا كان من الطبيعي أن يركز الخطاب السياسي للقادة الأوزبكستانيون بعد الاستقلال على أهمية اشتراك رؤوس الأموال الأجنبية في مجال استثمار ثروات باطن الأرض سعياً منهم للخروج من الانتقالية بأسرع ما يمكن، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي الذي ينشدونه. ونلمس هذا في تصريحات رئيس الجمهورية إسلام كريموف الذي أكد أكثر من مرة على "أن أوزبكستان تتبع سياسة الأبواب المفتوحة مع أولئك المستثمرون الأجانب الذين يقدمون للجمهورية التكنولوجيا المتقدمة بمستوى عالمي، ويساهمون في بناء البنية الحديثة للاقتصاد الوطني".
[i]
ولم يخف القادة الأوزبكستانيون في أكثر من مناسبة تطلعهم لتحقيق تعاون استثماري فعال مع كافة دول العالم وخاصة الدول العربية وفي طليعتها مجموعة الدول العربية الخليجية، تلك العلاقات التي تعزز من استقلال وسيادة أوزبكستان وتتيح لها البدائل المطلوبة لتحقيق سياسة خارجية متوازنة تضمن مصالحها الوطنية.
وترجمت الرغبة تلك بإرساء قاعدة قانونية ملائمة لمشاركة المستثمرين الأجانب، في استثمار وتطوير استخراج وتصنيع الثروات الطبيعية بهدف النهوض بالاقتصاد الوطني الذي لم يزل يعاني من آثار المرحلة الانتقالية عقب الاستقلال.
واستطاعت أوزبكستان استناداً لتصريحات المسؤولين الأوزبك خلال السنوات الأخيرة خلق ظروف مناسبة للاستثمار، ووضعت ضمانات للمستثمرين الأجانب، وأنشأت نظام واسع من التسهيلات الضريبية، والقواعد القانونية خلقت كلها ضمانات حقيقية للاستثمارات الأجنبية.
14 مليار دولار أمريكي قيمة الاستثمارات الأجنبية في أوزبكستان
ونتيجة لتلك الإجراءات بلغ حجم الاستثمار الأجنبي في القطاع الاقتصادي في أوزبكستان خلال عقد من الاستقلال، أكثر من 14 مليار دولار أمريكي، وهو ما سمح بتسريع عملية إدخال عشرات المنشآت الضخمة الهامة إلى حيز العمل ضمن عملية تشكل وتجديد أكثر الهياكل الاقتصادية فاعلية في الجمهورية.
وأشار نائب الوزير الأول دانيار غنييف في تصريح نشرته صحيفة القبس
[ii] إلى أنه خلال السنوات الأخيرة تعزز تواجد رؤوس الأموال الأجنبية في الاقتصاد الوطني الأوزبكستاني، وبلغ في عام 1993 حجم الاستثمارات الأجنبية 0.8 % من حجم رؤوس الأموال المستثمرة، أما في عام 2002 فقد ارتفع هذا المؤشر إلى 20 %. إضافة إلى زيادة حجم الاستثمار في الاقتصاد الأوزبكستاني عام 2002 بمعدل 3.8 %، ليتجاوز مبلغ 1.4 تريليون صوم (العملة الوطنية ويعادل الدولار الأمريكي 998 صوم/فبراير 2004)، منها حوالي 650 مليون دولار أمريكي استثمارات أجنبية.
وأضاف إلى أن البرنامج الاستثماري لجمهورية أوزبكستان في عام 2003 تضمن 87 مشروعاً إنتاجياً. وهو ما احتاج توجيه 4.33 مليار دولار أمريكي بما فيها الاستثمارات الأجنبية المباشرة والبالغة أكثر من 1.3 مليار دولار أمريكي لتنفيذ كامل البرنامج. وأن حجم الاستثمار المتوقع خلال عام 2003 بلغ 1 مليار دولار أمريكي، أو 110.5 % مقارنة بعام 2002. وأنه خطط خلال العام 2003 لإنهاء العمل في 34 مشروعاً، قيمتها الإجمالية 857.5 مليون دولار أمريكي.
في أوزبكستان اليوم 99 منشأة أقيمت بمساهمة مستثمرين عرب
وفي معرض تقديره للاستثمارات العربية أشار إن أوزبكستان في الوقت الحاضر تقيم علاقات تعاون مع صندوق التنمية العربية الكويتي. وخلال الفترة من 24 – 26 تموز 1997 زار أوزبكستان وفد من الصندوق. وأثناء الزيارة تم التوقيع على اتفاقية قرض ميسر بقيمة 6 مليون دينار كويتي، أي 18 مليون دولار أمريكي حسب أسعار السوق يوم توقيع الاتفاقية من أجل تمويل مشروع توفير المياه لمدينتي نوقوس، وأورغينيتش. والقرض قدم لأوزبكستان لمدة 20 عاماً ضمنها فترة سماح تبلغ 5 سنوات.
وأموال القرض الكويتي تستخدم حالياً في تمويل مشروعين استثماريين، هما: "تجديد نظم توزيع المياه في مدينتي نوقوس، وأورغينيتش"، بمبلغ 10.2 مليون دولار أمريكي، و"إعادة تصميم منشآت تصفية المياه في نوقوس"، بمبلغ 5.3 مليون دولار أمريكي.
وتعمل في أوزبكستان اليوم 99 منشأة أقيمت بمساهمة مستثمرين عرب من الإمارات العربية المتحدة، والكويت، والسعودية، والأردن، والبحرين، ولبنان، وسورية، منها 46 شركة مشتركة، و53 منشأة برأس مال عربي 100 %. معظمها أقيمت بمساهمة شركاء من الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، وغيرها من الدول العربية.
وهنا تبدوا صورة الاستثمارات العربية التي أتمنى لها أن تكون أفضل، لأنه هناك إمكانيات كبيرة غير مستخدمة بين الجانبين الأوزبكي والعربي، وأعتقد أن استخدام تلك الإمكانيات المتوفرة ممكن من خلال رفع حجم الاستثمار العربي في أوزبكستان، ووضع الأسس لعلاقات مشتركة فيها خير لشعوب أوزبكستان والدول العربية.
الاستثمارات العربية لم تزل بعيدة عن الثروات الباطنية
وعند الحديث عن الاستثمارات في مجال الثروات الباطنية من المعادن الثمينة كالذهب والفضة وغيرها، نرى أن الاستثمارات العربية لم تزل حتى الآن بعيدة عنها بدليل أن شركة "زر فشان نيومونت" الأوزبكستانية-الأمريكية، وشركة "لو نرو" البريطانية، كانتا الشركتين الاستثماريتين الوحيدتين المستثمرتين في مجال استثمار واستخراج وتصنيع الذهب في جمهورية أوزبكستان إلى أن دخلت حلبة الاستثمار شركة "أمان تاي تاو غولد فيلدس" الأوزبكستانية - البريطانية المشتركة لاستخراج وتصنيع المواد الخام الحاوية على معدن الذهب.
وحدث هذا في ولاية نوائي عندما أنشأت شركة "أمان تاي تاو غولد فيلدس" الأوزبكستانية - البريطانية المشتركة لاستخراج وتصنيع خامات الذهب. وشارك في تأسيسها كلا من: مؤسسة الجيولوجيا الحكومية الأوزبكستانية، وشركة استخراج وتصنيع المعادن بولاية نوائي، وشركة "أو كسوس ريسورسيز كاربريشين" البريطانية، بحصص متساوية في رأس المال.
وأشارت معطيات الدراسات التقنية والاقتصادية للمشروع الجديد، إلى أن تنفيذ المشروع سيتم على مرحلتين الأولى ويتم خلالها بناء منشآت معالجة المواد الخام بطاقة إنتاجية تبلغ مليون طن من المواد الخام سنوياً، وتشمل بناء وإعداد وتجهيز مناجم الاستخراج ومعامل التكرير بالمعدات اللازمة للعمل. وتبلغ الكلفة الإجمالية للمرحلة 45 مليون دولار أمريكي منها 5,8 مليون دولار لبناء منشآت البنية التحتية للمشروع انتهى العمل فيها عام 2003، وشملت توريد المعدات والتكنولوجيا اللازمة للمشروع حسب تصريح الجانب الأوزبكستاني في المشروع.
وفي المرحلة الثانية من المقرر بناء الأنفاق في مناجم استخراج المواد الخام، ومصنع تكرير مادة "أوبورني سول فيد"، وتشمل فصل مادتي "سول فيد" - و "مشياك" ومعالجتهما والحد من أخطارهما الضارة، عن طريق التخمر البيولوجي المستخدم عالمياً وهي الطريقة الجديدة في أوزبكستان وأعطت المخابر الأوزبكستانية استناداً للخبراء نتائج ملموسة جيدة لها.
كما وتشير بعض المعطيات إلى أن المشروع يحتاج لإنفاق حوالي 160-170 مليون دولار تستثمر في شراء المعدات التكنولوجية الحديثة، وإعداد الكوادر البشرية اللازمة للمشروع التي تقدر بنحو 600 متخصصاً محلياً، إلى جانب 10 خبراء أجانب يستمرون في عملهم بعد اكتمال المشروع ودخوله مرحلة الاستثمار القصوى المخططة.
واستناداً للجانب الأوزبكستاني، فإن شركة "أو كسوس ريسورسيز كاربريشين" ستقوم بتمويل المرحلة الأولى للمشروع، إضافة للقروض الممنوحة من المصارف، دون أي إسهام مالي من الجانب الأوزبكستاني. على أن يتم استرداد الأموال المستثمرة في المشروع من قيمة الذهب المستخرج لاحقاً. بينما يتم تمويل المرحلة الثانية من المشروع ويتم تطويره من الأرباح المحققة بعد بدء الإنتاج الفعلي للمشروع.
وأعتقد هنا أن للمستثمرين العرب الراغبين بالمشاركة بمثل هذه المشاريع فوائد استثمارية من خلال توظيف أموالهم فيها، أو بمنح القروض الميسرة التي تدعم وتعزز من مكانة العرب في مجال الاستثمار وتدعم من موقف الجانب الأوزبكستاني في المشروع وتقلل من تكاليفه. خاصة وأن الجانب الأوزبكستاني يتوقع أن يحصل على دخل قدره 200 مليون دولار أمريكي من الضرائب وعائدات حصته خلال السنوات العشر المقررة للمشروع. وأن المشروع سيستمر بعد انتهاء العشر سنوات الأولى، على ضوء النتائج الفعلية المحققة والاحتياطي المتوفر من المواد الخام، والأعمال الاستكشافية التي يقوم بها الجانب الأوزبكستاني والتي ترافق المشروع وتستمر لعشرة أو عشرين سنة قادمة.
وكانت شركة "نيومونت مايننغ" إحدى كبريات استخراج الذهب في العالم، قد استخرجت 152 طناً من الذهب خلال عام 2000، محققة أرباحاً قدرها 1,6 مليار دولار أمريكي، وهي التي بدأت استثماراتها الفعلية في أوزبكستان عام 1995، وشاركت في إنشاء شركة "زر فشان نيومونت" الأوزبكستانية – الأمريكية المشتركة، وبلغ إنتاجها من الذهب حتى عام 2000 حسب تصريح رونالد كمبري رئيس مجلس إدارة شركة "نيومونت مايننغ" للتلفزيون الأوزبكستاني في شباط/فبراير 2003، 350 طناً من الذهب، قسمت عائداتها بالتساوي ما بين الشريكين الأوزبكستاني والأمريكي. وهو ما يعني تجاوز إنتاج الذهب الأوزبكستاني لمعدل السبعين طناً سنوياً، آخذين بعين الاعتبار إنتاج الشركات الأخرى العاملة في هذا المجال في أوزبكستان.
ورغم تراجع أعمال البحث والتنقيب في العالم بسبب انخفاض أسعار الذهب العالمية في السنوات الأخيرة، توقع كمبري أن لا يؤثر ذلك على علاقات شركته مع أوزبكستان، وأن تستمر أعمال البحث والتنقيب والإنتاج، خاصة وأنه من المتوقع حدوث تحسن في أسعار الذهب خلال السنوات القادمة.
وقد ترددت أنباء بعد استقبال إسلام كريموف رئيس جمهورية أوزبكستان لرولاند كمبري رئيس مجلس إدارة شركة "نيومونت مايننغ"، و واين ميروي المدير العام التنفيذي للشركة آنذاك، عن مشروع جديد لاستخراج الذهب في منطقة أنغرين الغنية بالمعادن شرق العاصمة الأوزبكستانية، يقدم له بنك التعمير والتنمية الأوروبي قرضاً قيمته 500 مليون دولار أمريكي.
والدرس المستفاد من شراكة البنوك العالمية كشريك غير متضامن في المشاريع الاستثمارية في أوزبكستان وغيرها من دول العالم، هو الحصول على الأرباح المضمونة بكفالة حكومية من خلال الفوائد المستحقة على القروض الممنوحة، دون التعرض لأي مسؤولية أو تبعية أو خطورة من أخطار الاستثمار والإنتاج والتسويق. وهو الدرس الذي يمكن للمستثمرين العرب الاستفادة منه، في تحقيق أرباح مضمونة، تزيد من خلالها إمكانيات الاعتماد المتبادل الأوزبكستانية العربية في معادلات العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية الدولية المعقدة في عصر العولمة والانفتاح الاقتصادي.
وبعد هذا العرض من المناسب أن نتحدث عن واحد من بين المجمعات الضخمة للتنقيب واستثمار وإنتاج الثروات الباطنية، والموزعة منشآته على مناطق شاسعة متعددة من أراضي جمهورية أوزبكستان. والذي تطلب الكتابة عنه مراجعة جملة كبيرة من المراجع المختلفة، وهذا المجمع هو:
مجمع ولاية نوائي لاستخراج المعادن
فبعد الاستقلال مباشرة وفي الأول من أكتوبر عام 1991 وبقرار من الحكومة الوطنية الأوزبكستانية تم تشكيل اتحاد "قزل قوم ريدميت زولاتا"، ليحل مكان الإدارة السوفييتية التابعة لموسكو الحريصة كل الحرص منذ بدايات الاحتلال في القرن التاسع عشر على نهب ثروات الأراضي والشعوب الخاضعة لحكمها. وألحقت الحكومة الأوزبكية بهذا الاتحاد: إدارة المناجم الشمالية، لاستخراج الذهب، واليورانيوم، والرخام، والغرانيت، ومواد البناء، والواقعة شمال مدينة أتشكودوك؛ وإدارة المناجم المركزية المنتجة للذهب، والمصنوعات الذهبية، والتريكو والجوارب، والخيوط الصناعية، والمؤسسة الأوزبكستانية الأمريكية المشتركة لاستخراج الذهب "زرفشان نيومونت"، والقادرة على معالجة 14 مليون طن من خامات الذهب سنوياً، والواقعة بمدينة زرفشان؛ وإدارة زرفشان للبناء، والتي تقوم بأعمال التشييد والبناء، وإنتاج مواد البناء المسبقة الصنع ومقرها مدينة زرفشان؛ وإدارة المنجم رقم 5 لاستخراج اليورانيوم، والواقعة بمدينة زرفشان؛ وإدارة المنجم الجنوبي، لاستخراج اليورانيوم، والمرمر، والأنابيب البلاستيكية، وإنتاج المنتجات الزراعية والحيوانية، والواقعة بمدينة نور آباد؛ وإدارة المنجم رقم 2، لاستخراج وإنتاج الباريت المركز، والواقعة بمدينة كراسنوغورسك؛ والإدارة المركزية وتضم المصنع رقم 1 لإنتاج يورانيوم زاكيسي-أوكيسي. ومخابر البحث العلمي، ومصانع لإنتاج الآلات وتوليد الطاقة، وورشات للبناء، ومزارع لإنتاج المنتجات الزراعية والحيوانية، وتقع بمدينة نوائي؛ ويعمل في منشآت اتحاد نوائي لاستخراج المعادن أكثر من 60 ألف عامل، وينتج أساساً الذهب النقي بنسبته 99.99 % واليورانيوم عالي الجودة (زاكيسي-أوكيسي)، والفوسفوريت.
ومن بين الشركات المشتركة والعاملة برؤوس أموال وتكنولوجيا أجنبية تابعة للاتحاد: شركة "زرفشان نيومونت" الأوزبكستانية الأمريكية المشتركة، أعضاءها المؤسسون: مجمع نوائي لاستخراج المعادن، واللجنة الحكومية للجيولوجيا، والشركة الأمريكية نيومونت هيولد مايننغ؛ والشركة المشتركة مع الشركة الأمريكية يفروترايد انترناشيونال، لإنتاج المصنوعات الذهبية بطاقة 4.5 طن ذهب في السنة، أو 7.7 طن مصوغات جاهزة للتسويق.
استيعاب التكنولوجيا الحديثة
نتيجة لاستخدام الوسائل والطرق الإنتاجية الحديثة تضاعف إنتاج الذهب في منشآت الاتحاد منذ تأسيسه بعد الاستقلال بنحو 1.5 مرة. ومن أجل هذه الغاية أقام اتحاد نوائي لاستخراج المعادن جملة من العلاقات مع الشركات والمؤسسات العلمية الأجنبية والوطنية التالية: INTEGRA GROUP (الولايات المتحدة الأمريكية)؛ و"إنترغرا"، وفنيبيبرومتيخنولوجي، ومعهد مشاكل استخدام الوارد الطبيعية والبيئة ومعهد الجيولوجيا القومي التابعين لأكاديمية العلوم الأوكرانية؛ ومعهد الفيزياء التقنية والمكننة، ومعهد أبحاث الفيزياء الكهربائية (روسيا)؛ و SVEDALA (سويسرا)؛ وجامعة طشقند الحكومية للتكنولوجيا، ومعهد السيسمولوغيا، ومعهد التكنولوجيا الصناعية، ومعهد الفيزياء النووية، ومعهد الميكرو بيولوجيا، ومعهد الكيمياء غير العضوية، ومعهد الأسمدة التابع لأكاديمية العلوم الأوزبكستانية، ومعهد طشقند لتشييد طرق المواصلات، ومعهد مدينة نوائي للجيولوجيا، وغيرها من المؤسسات العلمية الوطنية.
إنتاج اليورانيوم
بدأ إنتاج اليورانيوم في أوزبكستان في عام 1953، بعد اكتشاف أول منجم لليورانيوم في منطقة أوتشكودوك بصحراء قزل قوم. وفي عام 1958 بدأ العمل ببناء مجمع نوائي لاستخراج المعادن، وتم التوسع باكتشاف مناجم جديدة في مواقع سوغرالي، وبوكيناي، وصابر صاي، ومايلي صاي، وكينديك تيوبيه، ولولا كان، وكيتميتشي، وغيرها من مواقع استخراج اليورانيوم والتي يبلغ عددها اليوم في أوزبكستان 30 موقعاً ويكفي مخزونها للعمل خلال عدة عقود قادمة، والمجمع هو الجهة الوحيدة المنتجة ليورانيوم زاكيسي– أوكيسي في أوزبكستان.
ويخطط الاتحاد للتوسع في إنتاج اليورانيوم حتى عام 2005، عن طريق التوسع بأعمال الحفر عما كانت عليه في عام 2001، أي حفر نحو 500 ألف متراً للتوسع بالإنتاج عن طريق التوسع باستخدام أحدث الطرق والمعدات التكنولوجية لإنتاج اليورانيوم. وتشير المراجع إلى تراجع إنتاج اليورانيوم في أواسط تسعينات القرن العشرين إلى 1.7 ألف طن بسبب انخفاض الطلب عليه في الأسواق العالمية، ونتيجة لانتعاش أسواق اليورانيوم وأسعاره منذ عام 2001 ازداد الإنتاج بنحو 10 %.
موقع مورانتاو من أكبر مواقع استخراج الذهب في العالم
بدأ إنتاج الذهب في موقع مورانتاو عام 1969 ويعتبر هذا الموقع من أكبر مواقع استخراج الذهب في العالم، إذ بلغت طاقته الإستخراجية للمواد الخام ومعالجتها في خطوط إنتاج الذهب العاملة فيه عام 2002 أكثر من 24 مليون طن من خامات الذهب والفضة. ومنذ بداية أعمال الاستكشاف الجيولوجي في عام 1967 وحتى اليوم تم استخراج ومعالجة أكثر من مليار متر مكعب من خامات الذهب في هذا الموقع المكشوف الذي يبهر المشاهد بضخامة حفرة المنجم المكشوفة البالغ عمقها نحو 400 متراً تحت سطح الأرض، ولم تزل أعمال الحفر مستمرة فيه حتى الآن، وتشير الأبحاث التي اطلعنا عليها إلى أن استخراج الذهب من هذا المنجم المكشوف يمكن أن يستمر إلى عمق 1000 متر أو ما يقدر بنحو خمسة وعشرين سنة قادمة. ومنذ عام 1972 اكتشف خبراء المجمع طريقة جديدة لاستخراج معدن الفضة، وفي عام 1980 اكتشفوا طريقة أخرى مكنتهم من استخلاص الذهب بنسبة صفاء بلغت 99.9 %. وقد زاد إنتاج المجمع من الذهب بعد الاستقلال بمعدل 5.4 %، وتضاعف بمعدل 1.5 مرة بعد شروع الشركة المشتركة زرافشان – نيومونت بالعمل منذ عام 1994.
إنتاج الفوسفوريت
في عام 1975 انطلق مشروع مشترك، شاركت فيه كلاً من أوزبكستان، وتركمانستان، وطاجيكستان لإنتاج سماد الـ "فوسفوريت". وتركز الاهتمام بعد الاستقلال على إنتاج الفوسفوريت لسد حاجة البلاد من السماد المعدني رخيص الثمن. وينتج خط الفوسفوريت المركز اليوم حوالي 400 ألف طن سنوياً.
تطور الإدارة بعد الاستقلال
كما سبق وأشرت كان المجمع قبل الاستقلال خاضعاً للإدارة المركزية في موسكو، والهدف الرئيسي من إقامته كان تأمين حاجة الصناعة الروسية من اليورانيوم الخام. وبعد الاستقلال تحول المجمع بقرار من الحكومة الأوزبكستانية إلى منشأة تملكها الدولة، وأدخل ضمن منشآت اتحاد "قزل قوم ريدميت زولاتا"، الذي يتمتع منذ تأسيسه بشخصية اعتبارية مستقلة يحق لها اتخاذ القرارات المتعلقة بمسائل الإنتاج والتصدير. ومنذ عام 2001 ونتيجة لسياسة الحكومة بخصخصة أملاك الدولة بدأت الأعمال التحضيرية لخصخصة بعض المنشآت التابعة للاتحاد على مراحل اعتباراً من عام 2003.
التعاون الدولي
للاتحاد علاقات عمل واسعة تشمل عدد كبير من المؤسسات في أنحاء مختلفة من العالم، ومن أبرزها:
Orentein & Koppel, Atlas Copco, Newmont Mining Corporation, Wirtgen, Caterpillar, Euclid, Rothshield & Sons Ltd., TACIS, Marubeni, Bridgestone, Shell, Spectro Analytical Instruments, Hitachi, Nissho Iwai, LRS Plannung und Technologie, Wirth, Dobersek, Allweiler, GERMED, Grundfos, NUKEM Technologie, Wirth, Dobersek, Allweiler, GERMED, Grundfos, NUKEM INC., NUKEM GmbH, Siemens.
والاتحاد كان المبادر ومن مؤسسي الغرفة التجارية الأوزبكستانية الأمريكية التي تأسست عام 1993 لتعزيز العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوزبكستان. ويتعاون بشكل فعال مع الهيئات الدولية لحماية البيئة، ومنظمة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
عروض استثمارية تنتظر أصحابها
ومن بين المشاريع الاستثمارية التي يعرضها الاتحاد على المستثمرين الأجانب هناك: مشروعاً لـ "تطوير منجم مورونتاو"، بقيمة 120 مليون دولار أمريكي. والهدف منه: إطالة أمد الاستثمار الاقتصادي لاستخراج الخامات الحاوية على معدن الذهب من عمق الأرض، وإيجاد فرص عمل جديدة لسكان منطقة زرفشان؛ ومشروع "استخراج وتصنيع البلاط الحجري"، لم تحدد قيمته وتركت لحين دراسة جدواه الاقتصادية. والهدف منه إنشاء شركة مشتركة لاستخراج وتصنيع 50 ألف متر مربع من بلاط الرخام الحجري التزييني في السنة بموقع "غابرو"، وتوفير فرص عمل جديدة لسكان منطقة كراسنوغورسك؛ ومشروع "إعداد مناجم اليورانيوم والمعادن النادرة في منطقة آلتين تاو"، لم تحدد قيمته وتركت لحين دراسة جدواه الاقتصادية. والهدف منه: إنشاء شركة مشتركة لاستخراج وتصنيع اليورانيوم الخام، والفانديا، والسكانديا، وغيرها من العناصر النادرة الموجودة في باطن الأرض، وتسويق منتجاتها في أوزبكستان وخارجها، وتوفير فرص عمل جديدة لسكان منطقة أوتش كودوك.
وفي الختام أتمنى أن أكون قد وفقت في وضع تصور للمستثمرين العرب عن مجالات الاستثمار في واحدة من المجالات الاستثمارية الإستراتيجية في أوزبكستان، لأني مقتنع بأنه هناك إمكانيات كبيرة غير مستخدمة في العلاقات الثنائية الأوزبكية العربية، وأعتقد أن الاستفادة من الإمكانيات المتوفرة ممكن من خلال وضع أسس لعلاقات مشتركة فيها خير لشعوب أوزبكستان والدول العربية.
28/8/2005هوامش:
[i] إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات الاقتصادية. طشقند- أوزبكستان 1995 ص 107.
[ii] أ.د. محمد البخاري: أوزبكستان تنفتح على الاستثمارات الكويتية. // الكويت: القبس، 26 ديسمبر 2003. ص 22.

وسائل الاتصال والإعلام في آسيا المركزية لعام 2004

وسائل الاتصال والإعلام في آسيا المركزية لعام 2004
إعداد: أ.د. محمد البخاري
يبلغ عدد سكان جمهوريات آسيا المركزية اليوم أكثر من 55 مليون نسمة أكثريتهم الساحقة من المسلمين، منهم في جمهورية أوزبكستان أكثر من 24 مليون نسمة، وفي جمهورية قازاقستان 16,731,303 نسمة، وفي جمهورية قرغيزيا 4,753,003 نسمة، وجمهورية طاجيكستان 6,578,681 نسمة، وجمهورية تركمانستان 4,603,244 نسمة. ويبلغ نسبة المتعلمين في الجمهوريات الخمس حوالي 98 %. وبالإضافة إلى اللغات القومية تنتشر اللغة الروسية في الجمهوريات الخمس. وتتمثل أوضاع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في الدول الخمس عام 2004 بالتالي:
جمهورية أوزبكستان:
يصدر في جمهورية أوزبكستان في الوقت الحاضر: 477 صحيفة يومية، وأسبوعية، ونصف شهرية، و136 مجلة دورية باللغات الأوزبكية والروسية والطاجيكية والقازاقية والقره قباقية وغيرها.
وتعمل في الجمهورية 4 وكالات للأنباء هي: وكالة الأنباء القومية "UZA" الرسمية؛ ووكالة أنباء "JAHON" التابعة لوزارة الخارجية؛ وكالة أنباء تركستان بريس الخاصة؛ ووكالة أنباء قره قلباقستان.
و27 محطة تلفزيونية وإذاعية، أهمها: مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأوزبكستانية، تابعة لمكتب الوزراء في الجمهورية. وكامالاك (TV) شركة أوزبكية أمريكية مشتركة تعمل على نشر برامج التلفزيون الروسي والأمريكي عبر شبكة كابلات الدارة المغلقة الخاصة. والقنال 30 التلفزيونية الخاصة المشتركة مع المحطات الروسية VITA - TV PLOS. وإذاعة غراند تلي راديو ستودياسي، للإذاعة والتلفزيون خاصة. وتبث محطات الإذاعة والتلفزيون في أوزبكستان باللغات: الأوزبكية والروسية والقره قلباقية والإنكليزية والفرنسية والألمانية والعربية والفارسية والطاجيكية والقازاقية والقرغيزية وغيرها.
جمهورية قرغيزيا:
عدد محطات البث الإذاعي: 12 محطة AM، و10 محطات لإعادة البث، و14 محطة FM، و2 محطتين للأمواج القصيرة (معطيات عام 1998). عدد أجهزة الاستقبال الإذاعي 520,000 عام 1997.
محطات البث التلفزيوني: يجري إعادة بث برامج التلفزيون الروسي، والأوزبكستاني، والقازاقستاني، والتركي. عدد أجهزة الاستقبال التلفزيوني 210,000 عام 1997.
جمهورية قازاقستان:
محطات البث الإذاعي: 60 محطة AM، 17 محطة FM، و9 قصيرة (معطيات عام 1998). عدد أجهزة الاستقبال الإذاعي 6,47 مليون جهاز (معطيات عام 1997).
محطات البث التلفزيوني: 12 محطة، و9 محطات لإعادة البث (معطيات عام 1998). عدد أجهزة الاستقبال التلفزيوني: 3,88 مليون جهاز (معطيات عام 1997).
جمهورية طاجيكستان:
عدد محطات البث الإذاعي لعام 1998: 9 محطات AM، و6 محطات FM، و5 محطات على الموجات القصيرة. وعدد أجهزة الاستقبال الإذاعي لعام 1991: 1,291 مليون جهاز.
تستقبل الإرسال التلفزيوني من روسيا، وإيران، وتركيا (معطيات عام 1997). عدد أجهزة الاستقبال التلفزيوني لعام 1991: 860,000 جهاز.
جمهورية تركمانستان:
محطات البث الإذاعي: 16 محطة AM، و8 محطات FM، و2 محطتين على الأمواج القصيرة (معطيات عام 1998). وعدد أجهزة الاستقبال الإذاعي 1,225 مليون عام 1997.
عدد محطات البث التلفزيوني: 3 محطات، ويعاد بث الإرسال التلفزيوني الروسي والتركي (معطيات عام 1997). وعدد أجهزة الاستقبال التلفزيوني: 820,000 عام 1997.
طشقند في 5/12/2005

التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العولمة

التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العولمة
بقلم: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم DC في العلوم السياسية، تخصص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، و القضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. دكتوراه فلسفة في الأدب PhD، تخصص: صحافة. بروفيسور قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
إذا كانت العولمة تحمل معنى جعل الشيء على مستوى عالمي، أي نقله من حيز المحدود إلى آفاق "اللامحدود" الذي يشمل العالم كله، فلابد أن يكون إطار الحركة والتعامل والتبادل والتفاعل على اختلاف الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية، متجاوزاً الحدود السياسية والجغرافية المعروفة لدول العالم، لتبدأ معها مرحلة جديدة من مراحل التطور الإنساني، تتصف بالهيمنة والتوسع الاقتصادي، والبحث عن الموارد الطبيعية، وفتح الأسواق الاستهلاكية العالمية. وشيوع "العولمة" سارع باستمرار التطور العلمي والتكنولوجي، أدى إلى تطور هائل لوسائل التبادل الإعلامي والاتصالات وجمع ونقل المعلومات الحديثة، ليتشكل معها تجديد في نمط وطبيعة الإنتاج والتفاعلات والتعاملات الدولية، ولتصبح الحاجة ماسة لتوحيد أسواق الدول الصناعية المتقدمة من خلال سوق عالمية واحدة، أي ضرورة تجاوز الحدود الجغرافية والسياسية القومية المعروفة، وإعادة توزيع الدخل، والعمل على رفع المستوى المعيشي للإنسان في أي مكان ليمكن معه توسيع الأسواق التي تهيمن عليها الدول الصناعية المتقدمة، لتستوعب المنتجات الحديثة، أخذ معه بالتبلور "المجتمع الاستهلاكي الكبير"، ومعه شملت "العولمة" كافة مجالات الحياة السياسية والثقافية والعلمية والتبادل الإعلامي، وأجد النمو الاقتصادي الرأسمالي العالمي أسواق حرة، وأنظمة سياسية من شكل معين بدأت تفرض عن طريق الثورات المخملية لإدارة الحكم. ولتتعدد معها مراكز القوى الاقتصادية العالمية الحديثة، ومراكز القوى السياسية، لتحقق نوعاً من خاصاً من السلطة واللامركزية في الإدارة شكلاً.
ولكن إذا كانت "العولمة" أصلاً مرتبطة بسيادة نموذج اقتصاد السوق المفتوحة أمام الغير، فإن هذا النموذج بدوره لا يبرر أبداً اختفاء دور الدولة، بل كل ما هنالك خلق تغييرات محدودة لهذا الدور. لأن معظم من كتب في أهمية نظام السوق المفتوحة، كان يقرن ذلك دائماً بضرورة وجود دولة قوية، من دونها لا تستطيع أن تقوم السوق بدورها، ومن هنا فليس هناك مجالاً للحديث عن المحاولات الجارية لإلغاء أو تقليص دور الدولة هنا وهناك في الدول الأقل نمواً، بل على العكس أخذت طابع التأكيد على هذا الدور وأهميته وضرورته، مع تعديله بما يتماشى ونظام السوق المفتوحة، وعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة رأسمالية في العالم، تتدخل في الحياة الاقتصادية، وتحدد شروط النشاطات الاقتصادية، والسياسات النقدية والمالية والتبادل التجاري، وتتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية باعتبارها سلطة، وليس باعتبارها منتجاً. لأن سلطة الدولة لا غنى عنها ولا تتناقض مع تطور الحياة الاقتصادية. واقتصاد السوق المفتوحة لا يعني أبداً غياب الدولة عن النظام الاقتصادي والفرق بين النظام الليبرالي ونظام التخطيط المركزي، ليس في مبدأ "التدخل" ولكن في مضمونه، ففي ظل التخطيط المركزي تقوم الدولة بالإنتاج المباشر للسلع والخدمات، وتسيطر على النشاط الاقتصادي، عن طريق القطاع العام. أما في ظل اقتصاد السوق المفتوحة، فإن الدولة تترك الإنتاج المباشر للسلع والخدمات للأفراد والمشروعات الخاصة، أي تحقيق التكامل بين دور الدولة ودور القطاع الخاص، ويكون تدخلها في سير الحياة الاقتصادية، بوسائل أخرى أكثر فعالية، من حيث الكفاءة الإنتاجية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمحافظة على مستويات نمو الناتج القومي. والقيام بتوفير الخدمات الأساسية في مجالات التعليم والصحة، والقضاء، والأمن، والدفاع، ومشروعات البنية الأساسية.
ومبدأ الحرية الاقتصادية والسوق المفتوحة لا يعني أبداً إهمال مبدأ العدالة الاجتماعية، فالبلاد التي أخذت بهذا المبدأ، هي في مقدمة بلاد العالم من حيث الاهتمام بالفقراء، وتحقيق العدالة في التوزيع، وتوفير شبكة الأمان لكل المواطنين، ضد المخاطر الاجتماعية بما فيها البطالة والعجز والشيخوخة، والأمراض الاجتماعية. ولأن العلاقة وثيقة بين الكفاءة في الأداء الاقتصادي وبين شروط العدالة. لأن الكفاءة تعني نمو الاقتصاد والناتج القومي بمعدلات عالية، مع ما يرافقه من تعاظم في طاقة النظام الاقتصادي وتوفير لفرص العمل المنتج لكل القادرين عليه، وهي من مقومات العدالة الاجتماعية. ويسمح للدولة بأداء دور جديد يؤهلها للتكيف مع المتغيرات العالمية الجديدة، دون انتقاص لسيادتها والمصالح الوطنية التي يجب أن تحافظ عليها، لأنه لا يجوز البقاء خارج ما يجري، بل على العكس يجب اللحاق بما يجري في العالم، والتعامل معه بوعي ووفق قواعد محددة تجنباً للبقاء خارج إطار التاريخ.
والنظام الاقتصادي الجديد جاء نتيجة لإنجازات كبرى في تاريخ تطور البشرية على كافة المستويات العلمية والثقافية والاقتصادية والتقنية والسياسية والفكرية، ويمثل نقطة جذرية مختلفة تماماً عن كل ما سبقتها من نظم، لأن الحضارة العالمية الحديثة قامت على أنقاض حضارات سبقت في القرون الوسطى وثقافاتها وهو ما يعيد للأذهان أهمية التراث المعنوي الذي زود الفكر البشري برؤية عقلانية تاريخية تنويرية، بتوجه يقوم على أسس من احترام الرأي والرأي الآخر، والتعددية، وحرية التعبير، وتكريس مبادئ حقوق الإنسان التي لا تعرف الحدود الجغرافية أو السياسية و تستثنى الدول الكبرى من الالتزام بها لأن تلك الدول كما هو واضح تحاول من خلال "العولمة" أن تفرض على الدول الأقل تقدماً واجب القيام بمزيد من خطوات التحديث الشامل الذي لا يمكن أن تكون دون الدور الفاعل للدولة من خلال عمليات الترشيد والأداء الاقتصادي، وتنظيم تفاعلات السوق الاجتماعية.
ومن هنا يبرز دور التبادل الإعلامي الدولي كوظيفة من وظائف الدبلوماسية الرسمية للدول لأن الدبلوماسية تعد من الوسائل الأساسية لتنفيذ السياسات الخارجية للدول. وهي من المهام الملقاة على وزارات الخارجية، من خلال مزاولتها للوظائف الدبلوماسية، عبر إداراتها المركزية، ومن خلال تزويد السفارات والقنصليات في الخارج بمستشارين أو ملحقين في الشؤون الإعلامية، والعسكرية، والاقتصادية، والثقافية، يشرف عليهم رئيس البعثة الدبلوماسية (السفير)، دون أن يفقدوا تبعيتهم للجهة الرسمية التي أوفدتهم في الدولة المعنية.
والعمل الدبلوماسي ينقسم عادة إلى: الدبلوماسية التقليدية؛ ودبلوماسية المؤتمرات: وهي الدبلوماسية الجماعية؛ والدبلوماسية البرلمانية: وهي دبلوماسية المنظمات الإقليمية والدولية؛ ودبلوماسية القمة؛ والدبلوماسية الشعبية: والتي تدخل ضمنها: العلاقات العامة الدولية، والدبلوماسية الإعلامية، ودبلوماسية المنظمات المهنية والشعبية والمؤسسات العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال الاتصالات التي تجريها مع مثيلاتها في مختلف دول العالم. وتسعى الدبلوماسية الشعبية دائماً لخدمة أهداف الدولة وأهداف سياستيها الداخلية والخارجية.
ونستنتج مما ذكر أن العمل الدبلوماسي هو وسيلة هامة لتنفيذ السياسة الخارجية للدولة، وإدارة علاقاتها الدولية من خلال التفاوض، وتعرف بفن التفاوض من أجل تحقيق الحد الأقصى للأهداف بالحد الأدنى من النفقات، لحل مشاكل النظم السياسية أو الاقتصادية التي يمكن أن تؤدي إلى نشوء نزاع. ولو افترضنا بأنه هناك دبلوماسية إعلامية بحد ذاتها، فإننا نستطيع القول بأن تطور وظيفة العمل الدبلوماسي جعلت الدبلوماسي يقوم بمهام إعلامية من خلال إلقاءه للبيانات، وإطلاق التصريحات، ونشر الأخبار، وإجراء الاتصالات، وإقامة علاقات مع صانعي القرار السياسي، ومع الصفوة الاجتماعية وقادة الرأي. خاصة وأن عملية الاتصال بالجماهير أصبحت اليوم من المهام المرتبطة بالعمل الدبلوماسي، وأصبحنا نرى أن العمل الدبلوماسي بات مرتبطاً بالعمل الإعلامي، وهو ما يفسر أسباب أن تعتبر بعض فروع العلوم السياسية: التبادل الإعلامي، والعلاقات العامة الدولية من فروعها الدراسية التي يتحتم على الطالب دراستها، بعد أن أخذت مظاهر العمل الدبلوماسي خلال القرن العشرين تتخذ منحى رغبة الدول في نشر ثقافة الدولة التي يمثلها الدبلوماسي المعني، بالإضافة لممارسته لوظيفة التبادل الإعلامي الدولي.
و بعد التطور الكبير الذي شمل مهام عمل البعثات الدبلوماسية المعتمدة منذ القرن العشرين وتزويدها بمستشارين وملحقين سياسيين وثقافيين وتجاريين وعسكريين وغيرهم، تمشياً مع وزن الدول التي يمثلونها، وازدياد الرغبة بزيادة عدد أعضاء البعثة الدبلوماسية العاملة في الخارج بمختلف التخصصات لرعاية مصالح تلك الدول في الدول المعتمدة فيها، وتنفيذ المهام المطلوبة منها ضمن إطار تفاعلات السياسات الخارجية، بدأت بعض الدول بتعيين مستشارين وملحقين إعلاميين، ضمن بعثاتها الدبلوماسية المعتمدة في الخارج. ونرى أن المستشارين والملحقين الإعلاميين، أصبحوا يمارسون وظيفة التبادل الإعلامي الدولي من خلال الاتصال بالجماعات المؤثرة في الدول المعتمدين لديها، كالمسؤولين في الدولة، وأعضاء البرلمان، وقادة الأحزاب السياسية، وقادة الجماعات المؤثرة في المجتمع، وقادة الرأي وغيرهم من القوى المؤثرة على صناعة القرار السياسي بشكل عام. بالإضافة لممارستهم لوظيفة الاتصال بالجماهير العريضة من خلال وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية، عن طريق كتابة المقالات ومتابعة والرد على ما تنشره وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية، وإلقاء المحاضرات، وعقد المؤتمرات الصحفية، والمشاركة في البرامج التلفزيونية والإذاعية، وإصدار النشرات والمطبوعات، وإقامة المعارض الإعلامية والاقتصادية، والأسابيع الثقافية والفنية والسياحية، وتشجيع السياحة، وتبادل الوفود الإطلاعية … الخ. في نفس الوقت الذي يخطرون فيه دولهم بأوجه نشاطاتهم الإعلامية، وعن تطور الإعلام المضاد واقتراح الطرق لمواجهته، وعن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومواقف الرأي العام الرسمي والشعبي في الدولة المعتمدين لديها وغيرها من القضايا التي تهم دولهم. ولكن من الملاحظ أن الدول المستقلة حديثاً، والدول الأقل تطوراً، والدول النامية والفقيرة تعاني من انخفاض في مستوى كفاءة مستشاريها وملحقيها الإعلاميين، ومن اختيارهم في أكثر الأحيان انطلاقاً من اعتبارات أخرى خاصة بتلك الدول، خارجة عن إطار الكفاءة المطلوبة للوظيفة التي اختيروا من أجلها. ولهذا نعتقد بأن تلك الدول بحاجة دائماً لتطوير أجهزتها وكوادرها الإعلامية لتتماشى مع احتياجات العمل المطلوب في عصر تكنولوجيا الإعلام والاتصال الجماهيري المتطورة، وفي هذا المجال يمكن أن تسهم المنظمات الدولية والدول المتقدمة في العالم، بتقديم المساعدة لتلك الدول للولوج في عملية حوار الثقافات والحضارات العالمية.
ومن بين الدول الحديثة التي عملت على تدعيم بعثاتها الدبلوماسية المعتمدة في الخارج، بالملحقين الإعلاميين، جمهورية أوزبكستان، وأحدثت بعد استقلالها عام 1991وكالة أنباء "جهان" وأتبعتها لوزارة الخارجية، ويتبع لها الملحقون الإعلاميون، ويتلقون تعليماتهم منها، ويخضعون في الوقت نفسه لإشراف رؤساء البعثات الدبلوماسية الأوزبكستانية في الدول المعتمدين لديها، ويرسلون تقاريرهم الإعلامية إليها، عن أوجه نشاطاتهم الإعلامية، وتطور الرأي العام في الدول المعتمدين لديها، في القضايا التي تهم أوزبكستان، وينشر بعضها عبر وسائل الإعلام الجماهيرية الأوزبكستانية. ومن الخبرة العالمية لوظيفة المستشار أو الملحق الصحفي في البعثات الدبلوماسية المعتمدة في الخارج للولايات المتحدة الأمريكية، والتابعين لوحدة خدمات الإعلام الأمريكية، التابعة لوكالة الاستعلامات الأمريكية، يخضعون لإشراف رؤساء البعثات الدبلوماسية للولايات المتحدة الأمريكية المعتمدة في الخارج، ويشرفون على مراكز الإعلام التي تتوفر فيها المواد الإعلامية عن الولايات المتحدة الأمريكية اللازمة للإطلاع عليها في الدول الأجنبية. والخبرة البريطانية التي يتبع ضباط الإعلام في البعثات الدبلوماسية المعتمدة في الخارج لوزارة الشؤون الخارجية والكومنولث، ويركزون في عملهم على إقامة علاقات شخصية مع كبار المحررين والصحفيين وغيرهم من رجال الإعلام. ويمدهم بالمواد الإعلامية المكتب المركزي للإعلام في لندن وهو مؤسسة مهنية تتولى تزويد الإدارات الحكومية في داخل بريطانيا وخارجها بالمواد الإعلامية.
وفي الختام أرى أن وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية العالمية قد عززت وجودها فعلاً على ساحة عمل الدبلوماسية الشعبية التي تعمل إلى جانب الدبلوماسية الرسمية لتنفيذ المهام المنوطة بها ضمن السياسات الخارجية للدول الكبرى والصغرى على حد سواء في عصر "العولمة" والانفتاح الاقتصادي وأصبح لها دوراً لا يستهان به في إطار التبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية المعاصرة، في الوقت الذي لم تزل فيه أكثر الدول النامية بحاجة لاستثمار مقدرات تفتقر لها وخبرات متقدمة تمارس في هذا المجال الهام.
طشقند في 15/5/2008

العولمة وقضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة

العولمة وقضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة

أ.د. محمد البخاري: مواطن عربي سوري مقيم في أوزبكستان. دكتوراه علوم DC في العلوم السياسية. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة. أستاذ مادة التبادل الإعلامي الدولي بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.

العولمة وقضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة كان موضوع الأطروحة التي دافعت عنها أمام المجلس العلمي المتخصص في أكاديمية بناء المجتمع والدولة التابعة لرئيس جمهورية أوزبكستان للحصول على الدرجة العلمية "دكتوراه العلوم CD في العلوم السياسية" الاختصاص: 23.00.03 – الثقافة السياسية والأيديولوجية؛ والاختصاص 23.00.04 – المشاكل السياسية للنظم العالمية والتطور العالمي.
وتناول موضوع البحث تطور ومكانة ودور وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية ووسائل الاتصال والتبادل الإعلامي في العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية من وجهة نظر ضرورة دراسة الاتجاهات الأساسية للتبادل الإعلامي الدولي في إطار العلاقات الدولية؛ ومبادئ الصحافة الدولية؛ والعلاقات الدولية؛ والعلاقات العامة الدولية كهدف من أهداف التبادل الإعلامي الدولي.
وكان الهدف من البحث دراسة مسائل الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي، والتبادل الإعلامي الدولي في إطار العلاقات الدولية والسياسة الحكومية الخارجية، ومراحل تطور التبادل الإعلامي الدولي المعاصر ودوره في التفاهم الدولي. ومحاولة كشف النواحي العملية والنظرية لمفهوم وطبيعة التبادل الإعلامي الدولي من خلال العمل مع وسائل الإعلام الجماهيرية ووسائل الاتصال في إطار الدبلوماسية الشعبية والعلاقات الدولية، ودراسة تأثير مختلف حقائق وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العالمية الحديثة والمعلوماتية على عمليات تعبئة الرأي العام الدولي من خلال الحوار الثنائي ومتعدد الأطراف في إطار العلاقات الدولية كعنصر من عناصر الوظيفة الدبلوماسية. وتحليل التبادل الإعلامي الدولي من وجهة نظر الأمن القومي والأمن الإعلامي ومبادئ الاستخدام الأمثل للمعلومات من قبل الأجهزة الحكومية. وتحديد مفهوم التخطيط الإعلامي، وطبيعة عمل الحملات الإعلامية والمراكز الإعلامية الدولية.
واعتمدت طرق البحث المستخدمة في الأطروحة على نتائج بحوث الباحثين العرب والأوزبك والأجانب، والمبادئ النظرية للبحوث في مجال العلوم السياسية، ونظريات العلاقات الدولية والحقوق والصحافة الدولية، وطرق البحوث السياسية لمراحل تطور ودور التبادل الإعلامي في العلاقات الدولية مع الاعتماد على المواد الإعلامية المنشورة.
أما نتائج البحث وحداثته فاعتمدت على أنها وللمرة الأولى تتم محاولة لتحليل مكانة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من النواحي التاريخية والسياسية ضمن إطار العلاقات الدولية على عتبة القرن الحادي والعشرين. وإظهار تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة على تطور العلاقات الدولية، وخاصة خلال النصف الثاني من القرن العشرين. ودراسة دور التبادل الإعلامي الدولي ضمن إطار عملية تحول التبادل الإعلامي الدولي إلى أحد الأشكال الرئيسية لنشاط الدول على الساحة الدولية، وهو الذي احتل مكانة هامة في السياسات الخارجية للدول. مع إبراز المكانة المتميزة لدور التبادل الإعلامي الدولي في نشاط أهم المنظمات الدولية والإقليمية. ومحاولة التنبوء بمستقبل التعاون الإقليمي والدولي في مجال الأمن الإعلامي، والتحدث عن الطرق الممكنة للتكامل والتعاون على أعلى المستويات بين الدول ضعيفة التطور والدول النامية في العالم ضمن المنظومة الإعلامية الدولية.
ولأول مرة بذلت محاولة لتحليل ورصد مبادئ الوضع الراهن وآفاق مستقبل تطور النظام الدولي للتبادل الإعلامي في العلاقات الدولية المعاصرة، مع استخلاص الصعوبات التي تعترض طريق التطور المتصاعد للتعاون الإعلامي ذو المنفعة المتبادلة، وتعزيز المواقف المستقبلية في العديد من قضايا العلاقات الدولية المعاصرة.
وانطلقت الناحية العملية للبحث من أن تطور وأهمية وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية في نهاية القرن العشرين رافقتها عملية تشكل الدول المستقلة الحديثة وانتهاء المرحلة الطويلة "للحرب الباردة" بين الشرق والغرب. وأن الدراسة العلمية لآليات الاعتماد المتبادل والتأثير المتبادل لهذه الدول والدول المتطورة في العالم في إطار المجتمع الدولي يمكن أن تفيد في دراسة تاريخ أي منطقة أو دولة في العالم، ومن دون شك أنها تتمتع بأهمية نظرية، لأنها تخدم وتغني النظريات التي تعتمد عليها الدول في العلاقات القانونية والسياسية الدولية. كما وظهرت للبحث خصائص متميزة لأنها أظهرت تأثيرات العولمة وتميز بعض المناطق والدول عن غيرها من المناطق والدول في العالم، وتأثيرها على الغير بغض النظر عن عوامل البعد الجغرافي. كما وأنها تفيد في دراسة عملية التبادل الإعلامي، ودور مختلف دول العالم في العلاقات السياسية والإعلامية الدولية، مع التركيز على خصائص تحول تلك الدول إلى أطراف تتمتع بكامل الحقوق في المجتمع الدولي خلال القرن العشرين.
وظهر مستوى التطبيق العملي والفاعلية الاقتصادية من خلال المواد التي نشرها الباحث عن موضوع البحث ضمن 40 مادة نشرها في أوزبكستان، وسورية، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والكويت، واليمن. كما وتم تدريس مواد تتعلق بموضوع البحث في الدورات الخاصة التي شملت طلاب مرحلة البكالوريوس ومرحلة الماجستير في كلية العلاقات الدولية والاقتصاد بمعهد طشقند الحكومي للدراسات الشرقية، وكلية الصحافة في الجامعة القومية الأوزبكية، وكلية الصحافة الدولية بجامعة اللغات العالمية خلال الأعوام الدراسية 1995/1996 - 2004/2005، وفي قسم الصحافة بجامعة قره قلباقستان الحكومية في العام الدراسي 1998/1999. بالإضافة إلى ذلك تم إلقاء محاضرات في المؤتمرات العلمية النظرية السنوية لأساتذة وأعضاء هيئة التدريس في معهد طشقند الحكومي للدراسات الشرقية التابع لوزارة التعليم العالي والمتوسط التخصصي بجمهورية أوزبكستان.
أما مجالات التطبيق العملي لنتائج البحث فظهر في أنه يمكن استخدامها في النشاط العملي للهيئات الحكومية والمنظمات الاجتماعية، التي تعمل في مجال قضايا السياسة الخارجية والإعلامية. وفي التعليم العالي التخصصي لإعداد المتخصصين في الدراسات الشرقية، والصحفيين، والمؤرخين، والمتخصصين في العلوم السياسية، والمتخصصين في العلاقات الدولية، والعلاقات الاقتصادية الدولية ضمن إطار دراسة مسائل تأثير المعلوماتية والتبادل الإعلامي الدولي على عولمة نظم العلاقات الدولية والعلاقات الاقتصادية الدولية.
وقد جرى الدفاع عن الأطروحة في مبنى أكاديمية بناء المجتمع والدولة التابعة لرئيس جمهورية أوزبكستان يوم الجمعة 8 تموز/يوليو أمام المجلس العلمي المتخصص والذي يضم في صفوفه نخبة من المتخصصين في العلوم السياسة والقانون الدولي من بينهم أعضاء في البرلمان الأوزبكي، ومرشح سابق لمنصب رئيس الجمهورية، ورئيس سابق للجنة الانتخابات المركزية في البرلمان الأوزبكي. ونتيجة لعملية التصويت السري الذي تم بعد المناقشات حصلت على الدرجة العلمية "دكتوراه العلوم CD في العلوم السياسية" الاختصاص: 23.00.03 – الثقافة السياسية والأيديولوجيا؛ والاختصاص 23.00.04 – المشاكل السياسية للنظم العالمية والتطور العالمي بإجماع أصوات أعضاء المجلس العلمي المتخصص.
وقد شمل البحث مصطلحات منها: الأمن في المجال الإعلامي، السياسة الحكومية الخارجية، العولمة، مهام التبادل الإعلامي الدولي، الثورة المعلوماتية، الاستقلال الإعلامي للدولة، المعلوماتية، الأسلحة المعلوماتية، الحرب المعلوماتية، الحملة الإعلامية، العلاقات الدولية، التبادل الإعلامي الدولي، المجتمع الدولي، الصحافة الدولية، العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية، التفاهم الدولي، التدفق الإعلامي الدولي، التعاون الدولي، احتكار وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، الأمن الإعلامي الدولي، التقدم العلمي والتكنولوجي، مجالات الصراع الجديدة، الأمن القومي والأمن الإعلامي، الدبلوماسية الشعبية، العلاقات الاجتماعية، النظم السياسية والاجتماعية، عمليات التبادل الإعلامي الدولي، مبادئ الصحافة الدولية، الاستخدام الأمثل للمعلومات، عمليات تشكيل الرأي العام، تنظيم التدفق الإعلامي، وسائل الإعلام الجماهيرية ووسائل الاتصال، التبادل الإعلامي الدولي المعاصر، تعبئة الرأي العام، عناصر الوظائف الدبلوماسية.
وأشار البحث إلى التبادل الإعلامي الدولي في حياة الأمم المعاصرة، وفي ظل النظام الدولي الراهن حتى أًصبح واحداً من أكثر الموضوعات إثارة للاهتمام، وذلك نظراً للإمكانيات الهائلة القائمة والمحتملة للتبادل الإعلامي الدولي على ضوء التطور الهائل في وسائل الاتصال الإلكترونية. التي تنبأ لها البعض بأنها ستمكن الإنسان في نهاية القرن العشرين من الحصول على أية معلومات يريدها بمنتهى السرعة واليسر والسهولة. وهو ما حدث فعلاً عبر شبكات الكمبيوتر العالمية، والقنوات التلفزيونية الفضائية، ووسائل الاتصال الأخرى من فاكس وتلكس وبريد إلكتروني... الخ. والتي أصبحت تستخدمها فعلاً وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، لمخاطبة العقول أينما كانـت، ومهما تباينت، وبأية لغة يفهمها الإنسان المعاصر الذي تميز بسعة الأفق والمعرفة، بفضل المعلومات التي وضعتها بين يديه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية أينما كان.
كما وسمحت تقنيات الاتصال الحديثة للتدفق الإعلامي الدولي أن يكون تبادلاً إعلامياً دولياً، تسيطر فيه الدول المتطورة بفضل إمكانياتها المادية والعلمية والتقنية. ولو أن أية دولة أو أية جماعة مهما كان حجمها وإمكانياتها تستطيع ولوج عالم التبادل الإعلامي الدولي بالحرف والصوت والصورة دون عوائق تذكر. وقد التفتت الدول والتجمعات الدولية اليوم، بعد أن تجلت لها حقيقة الثورة المعلوماتية خلال العقود الثلاثة الماضية، إلى التركيز على أهداف ووظائف التبادل الإعلامي الدولي، وردم الهوة بين الدول المتطورة والغنية، والدول الأقل تطوراً والمتخلفة والفقيرة.
وأصبح المدخل لدراسة مشاكل الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي، تدارس قضايا الإعلام والاتصال، والسعي لإقرار نظام عالمي جديد للتبادل الإعلامي الدولي، يهدف أساساً إلى الحد من اختلال التوازن بين الدول المتقدمة والدول النامية. ويجعل من التبادل الإعلامي الدولي المفتوح مجالاً للحوار بين الأمم والثقافات، لا السيطرة كما يرغب منها البعض.
خاصة بعد أن أحدثت ثورة المعلومات الناتجة عن التطور العلمي والتقني الهائل لوسائل الاتصال الجماهيري، تغييرات جوهرية داخل المجتمعات في مختلف الدول، بفارق سجل نسب التطور في كل مجتمع من مجتمعات الدول المتطورة والأقل تطوراً والدول النامية في العالم. والدولة وكما كانت الحال منذ القدم هي العنصر الأساسي في العلاقات الدولية، رغم التأثر الواضح الذي بدرت ظواهره تزداد وضوحاً كل يوم، من خلال تأثير وسائل الاتصال الجماهيرية المتطورة في عملية التبادل الإعلامي الدولي. ورغم ذلك تظل الدولة دون سواها العنصر الرئيسي في وضع وتنظيم وضبط آليات العلاقات الدولية ومن ضمنها عملية التبادل الإعلامي الدولي. خاصة وأن مفهوم قوة الدولة على الساحة الدولية، كان ولم يزل مرتبطاً منذ البداية بقوة وتماسك الدولة من الداخل، الذي تعززه وسائل الإعلام الجماهيرية الوطنية من خلال تأثيرها على الجمهور الإعلامي وتكوينها للرأي العام.
ومما لاشك فيه اليوم أن ثورة وسائل الاتصال الحديثة، وما نتج عنها من امتداد وانتشار لوسائل الإعلام الجماهيرية بأشكالها التقليدية والحديثة، قد تركت بصماتها على دور الدولة الذي بدأ يضعف في مجتمع عصر التدفق الحر للمعلومات عبر تقنيات الاتصال الحديثة من الجانبين. ولم يعد بالإمكان التحدث اليوم عن السيادة الإعلامية ضمن الحدود السياسية للدولة، وعن التحكم بعملية تدفق المعلومات لداخل تلك الحدود، وبالتالي الانفراد بتشكيل عقول مواطني الدول بما يضمن الولاء التام للدولة، بنفس الطريقة التي كانت مطروحةً به قبل انهيار المنظومة الشيوعية وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي السابق. خاصة وأن تأثير ثورة المعلومات قد شمل سلباً الدولة بكل مكوناتها من حدود سياسية معترف بها، وشعب وحكومة وأصبحت السيطرة على عملية تدفق المعلومات شبه مستحيلة بعد أن تحولت المعلومات إلى عناصر غير ملموسة وغير مرئية، يسهل تنقلها واختراقها لأي حدود سياسية أو جغرافية كانت، مهما بلغت نوعية وكمية ودرجة إجراءات الحماية ضد اختراق التدفق الإعلامي الحديث.
ولا أحد ينكر الدور الذي لعبته الصحافة المطبوعة في بلورة الشخصية القومية للأمم، عندما وفرت للشعوب إمكانية المشاركة في عنصري الزمان والمكان عن طريق اشتراك أبناء الشعب الواحد في قراءة صحيفة تتحدث بنفس اللغة، وتحمل على صفحاتها نفس الزوايا والأبواب وتصدر في مكان وزمن محدد، مما دعم الشعور القومي لدى هذه الشعوب. أما اليوم فقد تقلص البعد الجغرافي، وزال الفاصل الزمني، وأصبحت تقنيات الاتصال الحديثة تقفز من فوق الحواجز وتخرقها. وما كان مستحيلاً في عالم الاتصال الأمس، أصبح اليوم واقعاً ملموساً، وكأن مصدر المعلومات والقائم بالاتصال والجمهور الإعلامي مهما باعدت المسافة الجغرافية بينهم، داخل ساحة إعلامية واحدة تعجز الدول عن التحكم بها، مما ترك بدوره أثاراً بالغة على الشعور الوطني والتماسك الاجتماعي، والولاء للدولة من قبل المواطنين المنتمين للدول المعرضة للاختراق الإعلامي.
ويمثل الاستقلال السياسي للعديد من دول العالم إثر انهيار المنظومة الاشتراكية التي كان يقودها الاتحاد السوفييتي السابق، أحد خصائص النظام الدولي الجديد الذي أخذ بالتبلور منذ العقد التاسع من القرن العشرين. ورغم ذلك فإن الظروف العالمية الراهنة تظهر اتجاه بعض الدول إلى تبني هيمنة وتأثير بعض الدول المعينة، على هذا النظام الدولي الجديد الآخذ بالتبلور. بينما تتجه دول أخرى لرفض تلك الهيمنة والتأثير عليها، إضافة للسعي الحثيث للعديد من شعوب المناطق المضطربة والداخلة ضمن الحدود السياسية لبعض الدول، إلى الاستقلال السياسي عنها والتمتع بالسيادة القومية على أراضيها.
وقد كان لمعادلة القوى تأثيرها على التبادل الإعلامي الدولي، كنتيجة للتقدم التكنولوجي والعلمي في مجال تقنيات الاتصال، فقد أصبحت الدول أكثر ارتباطا وقرباً من بعضها البعض أكثر من ذي قبل، وأصبح للتبادل الإعلامي الدولي والاتصال دوراً متميزاً في العلاقات الدولية، خاصة فيما يتعلق بمكونات الشخصية القومية لمختلف الشعوب، وتشكيل وتوظيف السياسة الخارجية للدول، ووسائل السياسات الدولية بشكل عام. ويمثل عدم التوازن والتفاوت في الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي، بين مختلف دول العالم، أحد الأبعاد الهامة في السياسة الدولية. وهذا يؤكد أن التدفق الحر للمعلومات لا يعد أكثر من مجرد تدفق في اتجاه واحد، وليصبح التدفق حراً لا بد من تحقيق شيء من التوازن الحقيقي بين الدول.
وقد يحدث عدم التوازن داخل دورة التبادل الإعلامي الدولي بأشكال مختلفة، مثلاً: بين الدول المتقدمة والدول الأقل تقدماً والدول النامية؛ وبين الدول ذات النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة؛ وبين الدول المتقدمة المنتمية لنفس المنظومة السياسية، وخاصة من حيث الإمكانيات، بين الدول الكبيرة والدول الصغيرة؛ وبين الدول النامية نفسها، الدول الفقيرة ذات الدخل المنخفض، والدول الغنية ذات الدخل المرتفع، من عائدات الموارد الطبيعية مثلاً؛ وبين الأنباء المشجعة والأنباء السيئة.
وكل هذه الأشكال من حالة عدم التوازن، لا تقتصر فقط على التدفق الإعلامي والاتصال والتبادل الإعلامي الدولي فقط، بل تتعداها إلى جمع وإعداد ونشر المعلومات لأغراض التطور العلمي، ونقل التكنولوجيا المتطورة الجديدة، وحاجات الاقتصاد الوطني ... الخ. وبالتالي يؤدي هذا إلى اتساع الفجوة بين الدول المرسلة، أي منابع التدفق الإعلامي الدولي، وبين الدول المستقبلة، أي المستهلكة للمادة الإعلامية الدولية.
وقد دعت الدول المنتسبة لبعض التكتلات الدولية، كمنظمة الدول غير المنحازة، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والمنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة الإفريقية، وغيرها من المنظمات، إلى استقلالية وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، وإلى تحقيق التوازن في تدفق الأنباء والتخفيف من آثارها السلبية، ونادت هذه الدول بإقامة نظام عالمي جديد للتبادل الإعلامي الدولي، ليحل مكان النظام القديم، من خلال بناء نظام دولي للاتصال أكثر حرية ومرونة، وأكثر عدلاً وفاعلية وتوازناً، نظام جديد مبني على أسس المبادئ الديمقراطية وتكافؤ الفرص بين مختلف دول العالم.
ويرتبط التدفق الإعلامي، ونظام الاتصال الدولي، والتبادل الإعلامي الدولي، بمفاهيم متداخلة، مثل (حرية الإعلام)، و(التدفق الحر للإعلام)، و(التدفق المتوازن للإعلام)، و(النمو الحر للوسائل الإعلامية).
وهناك بعض الصعوبات الناتجة عن بعض التصرفات السياسية، التي تعيق حرية التبادل الإعلامي الدولي، ويمكن تداركها بسهولة لو توفرت النوايا الحسنة، مثل استخدام العنف الجسدي ضد الصحفيين، والتشريع القمعي، والرقابة المجحفة، وإدراج أسماء الصحفيين في القوائم السوداء، ومنعهم من النشر، وحظر انتقال الصحف والمجلات والكتب ومنع استيرادها، أو تصديرها في بعض الأحيان من قبل الدول المتقدمة، خوفاً من تسرب التكنولوجيا المتطورة.
وقد أستخدم مبدأ التدفق الحر للإعلام كوسيلة سياسية في الصراع بين الدول الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، والدول الرأسمالية المتطورة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إبان سنوات الحرب الباردة. ووسيلة اقتصادية من قبل الدول الغنية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية الموجهة للدول النامية. ولهذا رأت الدول النامية في مبدأ التدفق الحر للإعلام، تأكيداً لسيطرة عدد قليل من الدول الصناعية المتقدمة على سيل المعلومات المتدفقة إلى الدول النامية. وترى أن حرية الإعلام تعني أن يكون تدفق المعلومات باتجاهين، تأكيداً للعدالة في التبادل الإعلامي الدولي.
وقد أدى مبدأ التدفق الحر للإعلام، إلى تدفق أحادي الجانب للمعلومات والرسائل الإعلامية، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، وبرامج الكمبيوتر والمنتجات الثقافية من الدول المتطورة صناعياً إلى الدول الصغيرة الأقل تطوراً والدول النامية، مما عزز من سيطرة مراكز القوى في العالم، وأحكم سيطرتها على عملية التدفق الإعلامي من الشمال الغني إلى الجنوب الفقير.
والتدفق الإعلامي باتجاه واحد الذي يعتمد على أنماط تاريخية وثقافية معينة، يؤثر حتى على بعض الدول الداخلة في إطار إقليم جغرافي واحد، إذ نرى في أوروبا أن بعض الدول تسيطر على سيل المعلومات المتدفقة من القارة الأوربية، وتتجاهل وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية لهذه الدول المسيطرة، الإنجازات الضخمة والنجاحات التي حققتها بعض الدول الأوربية الصغيرة، أثناء بثها للمعلومات من خلال عملية التبادل الإعلامي الدولي.
وعلى هذا الأساس فإنه يمكننا استنتاج ما يلي: أنه هناك سيل جارف من المعلومات بين شمال القارة الأمريكية، والقارة الأوربية؛ وأنه هناك اتجاه واحد للتدفق الإعلامي، يتركز من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها، يستقبل من خلاله العالم أكثر من 90 % من المواد الإعلامية عبر لندن وباريس ونيويورك.
ويظهر هذا بوضوح في عدم التوازن في إنتاج الصحف والمجلات والكتب والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، وغيرها من المواد الإعلامية، ونشرها وتوزيعها عبر الشبكات الدولية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ويعكس في نفس الوقت الوضع الحقيقي للتبادل الإعلامي الدولي. وكانت ردة فعل الدول المتقدمة والمسيطرة على وسائل الاتصال والتدفق الإعلامي بشكل عام، على مساعي مجموعة الدول غير المنحازة لتقوية وضعها في إطار التبادل الإعلامي الدولي غير مرضية.
ويعد التدفق الإعلامي في اتجاه واحد، انعكاسا لسيطرة النظم السياسية والاقتصادية للدول المتطورة والمسيطرة في العالم، والتي تؤكد دائماً على تبعية الدول الأقل تطوراً والدول النامية للدول المتقدمة، من خلال تركيز وسائل إعلامها الدولية على الأزمات والصراعات والصدامات العنيفة.
كما ويعد التدفق الإعلامي الدولي رأسياً، بدلاً من أن يكون أفقياً كونه أحادي الجانب، يأتي من الأعلى من الدول المتقدمة، إلى أسفل للدول الأقل تطوراً والدول النامية. وكل ما سبق ذكره يظهر معادلة القوى في التبادل الإعلامي الدولي، في إطار العلاقات الدولية.
ومن الظواهر الواضحة في التبادل الإعلامي الدولي، بعد التطور الهائل لوسائل الاتصال الحديثة، طرح المعلومات كسلعة وخدمات تتمثل في نقل وحفظ واسترجاع البيانات والمعلومات. واحتلال الأنشطة التجارية حيزاً كبيراً من المساحة الإعلامية. وهو ما تظهره الصحف والمجلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وبرامج الكمبيوتر في القنوات والشبكات العالمية، مما يقلل من القيمة الثقافية والاجتماعية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، ضمن عملية التبادل الإعلامي الدولي.
وللصحافة الدولية جوانب مختلفة في إطار العلاقات الدولية، من خلال اضطلاعها بدورها ضمن إطار السياسة الخارجية للدولة. ويمكن القول بأن السياسة الخارجية لأي دولة هي نتاج لعدة عوامل مشتركة، داخلية وإقليمية ودولية. وتتناول العوامل الداخلية التراث الثقافي والتاريخي والفكري، والأوضاع الاجتماعية والسكانية، والإمكانيات الاقتصادية والعسكرية، إضافة للتركيبة السياسية.
وترتبط العوامل الإقليمية، بالنظام الإقليمي السائد في الإقليم الذي تنتمي إليه هذه الدولة، ومدى تأثر السياسة الخارجية للدولة بهذا النظام، وتفاعل عناصر القوى داخل الإقليم، وعلاقة النظام الإقليمي بالنظام العالمي. كأقاليم جنوب شرق آسيا، وآسيا المركزية، والعالم العربي، وحوض البحر الأبيض المتوسط، وحوض الكاريبي، وغيرها من الأقاليم. أما العوامل القارية فترتبط بتفاعل عناصر القوى على مستوى القارة بكاملها، والأنظمة السائدة فيها وإمكانية تأثيرها على السياسة الدولية كما هي الحال في الاتحاد الأوروبي ومنظمة الوحدة الإفريقية مثلاً.
وتتناول العوامل الدولية، النظام الدولي وخصائصه، وتطوره وأبعاده، والعلاقة بين الدول الكبيرة والدول الصغيرة، والدول الغنية والدول الفقيرة، وعناصر قوى الأطراف المختلفة ومدى تأثيرها على السياسات الخارجية لدول العالم. واعتماداً على كل تلك الحقائق يتم رسم وتشكيل السياسة الخارجية للدولة من قبل أجهزة رسم السياسة الخارجية للدولة، وكثيراً ما تكون هناك مؤسسات رسمية وأخرى غير رسمية، وكثيراً ما يفوق دور المؤسسات غير الرسمية على دور المؤسسات الرسمية، وإن كان ذلك يختلف باختلاف النظم السياسية ودرجة التطور في مختلف أنحاء العالم.
ويلاحظ أن السياسة الخارجية الحديثة، لم تعد تعتمد على فرد، بل أصبحت تعتمد على فريق عمل متكامل، مزود بأحدث تقنيات الاتصال التي تمكنه من الوقوف على تطور الأحداث فور وقوعها، مما أفسح المجال لصاحب القرار في مجال السياسة الخارجية، ليعتمد على فريق عمل من المستشارين المتخصصين في تخصصات متنوعة، فتعرض عليهم الموضوعات التي تدخل ضمن إطار تخصصاتهم، وفي بعض الأحيان يعرض الموضوع الواحد على أكثر من مستشار بتخصصات متعددة لها علاقة بالموضوع قيد البحث، وبناءً على ذلك توضع عدة بدائل تعالج موضوع واحد مع شرح للمساوئ والمحاسن التي ترجح كل بديل عن غيره، تاركين القرار لصاحب الحق في اتخاذ القرار في مجال السياسة الخارجية للدولة.
ورغم اعتماد السياسة الخارجية للدولة على الدراسة والأساليب والمناهج العلمية الحديثة المتطورة والمنطقية في اتخاذ القرار، إلا أن هذا لم ينفي دور المؤسسات الديمقراطية من برلمان وأحزاب وتجمعات سياسية واستفتاء شعبي، لإضفاء الشرعية على قرار معين في إطار السياسة الخارجية للدولة.
وكثيراً ما تكون هناك سياسة خارجية معلنة للدولة، وسياسة فعلية غير معلنة ولظروف معينة قد تختلف السياسة المعلنة عن السياسة الفعلية غير المعلنة، وقد يعلن عن السياسة الفعلية بعد زوال الظروف التي حالت دون إعلانها.
وتدخل السياسة الخارجية للدولة حيز التنفيذ فور اعتمادها، بإتباع كل الوسائل المتاحة سياسياً واقتصاديا وعسكرياً وإعلامياً واجتماعيا وثقافياً، ويدخل في إطار الوسائل السياسية التمثيل الدبلوماسي المعتمد، والمقابلات والزيارات الرسمية، والمعاهدات، ودبلوماسية القمة التي يلجأ إليها في المسائل الملحة والهامة والمصيرية. ويساعد على ذلك اليوم التطور الهائل لوسائل المواصلات والاتصالات التي قصرت المسافات بين الدول، ووفرت الوقت والجهد. فانتقال صورة وثيقة رسمية عبر الأقمار الصناعية من جهاز فاكس موضوع في كندا إلى جهاز مماثل له موضوع في آسيا المركزية مثلاً يستغرق دقائق لا أكثر، وعبر شبكات الكمبيوتر ثوان لا أكثر مع إمكانية تخزين وتعديل واسترجاع وطباعة المعلومات المرسلة والمستقبلة عبر شبكات الكمبيوتر والبريد الإلكتروني مرات ومرات.
ومن الوسائل المتبعة في تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، اتفاقيات التعاون الاقتصادي والمالي، وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارة الخارجية، وتقديم الهبات والمساعدات والقروض المالية، وإقامة المشروعات الاقتصادية المشتركة، وإرسال الخبراء الاقتصاديين. وهو ما يسمى بدبلوماسية المساعدات الاقتصادية لتحقيق أغراض سياسية معينة.
فكيف ومتى بدأت ملامح هذا الوضع بالتكون؟ هذا السؤال الذي حاولت الإجابة عنه من خلال البحث الذي تناولت فيه موضوع الصحافة الدولية والتبادل الإعلامي الدولي في محاولة لسد شئ من الفراغ الذي تعاني منه المكتبة العربية في هذا المجال الهام.
وقد تناول البحث في الفصل الأول استعراضا موجزاً للصحافة المطبوعة والمسموعة والمرئية ووظائف الصحافة الدولية، ومشاكلها ودوافعها. بينما تناول الفصل الثاني: عرضاً موجزاً لأكثر النظريات الإعلامية انتشارا في العالم. أما الفصل الثالث: فتنازل مراحل نشوء وتطور وكالات الأنباء العالمية، التي لم تفقد من مكانتها بعد التطور العاصف لوسائل الاتصال، بل على العكس من ذلك مكنتها وسائل الاتصال الحديثة المتطورة من مضاعفة اختراقها للساحة الإعلامية الدولية وزادت من دورها في عملية التبادل الإعلامي الدولي إن كان في جمع المعلومات، أم في إعدادها بمادة إعلامية، أم في طريقة عرضها، أم في اختيار قناة الاتصال الأكثر فاعلية لإيصالها للمتلقي أينما كان، بأقل فاقد وأكثر فاعلية وتأثيراً. وللمقارنة أوردت بعض وكالات الأنباء الآسيوية والإفريقية، واتحادات وكالات الأنباء ووكالات الأنباء المتخصصة. وتناول الفصل الرابع: مراحل نشوء وتطور الصحافة المطبوعة الدولية في بعض دول العالم المتقدمة والنامية كنماذج للمقارنة بينها. واستعرض الفصل الخامس: التدفق الإعلامي الدولي، والتبادل الإعلامي الدولي ودورهما في التعاون الدولي وتكوين وجهات النظر، وأساليب وتقنيات وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية كمصدر للتبادل الإعلامي الدولي وفاعليته من الجوانب الثقافية والتقنية. واستعرض الفصل السادس: موضوع التبادل الإعلامي الدولي ضمن إطار العلاقات الدولية، وإطار السياسة الخارجية للدولة، ومشاكل التبادل الإعلامي الدولي ودوره في التفاهم الدولي، وخصائص التبادل الإعلامي الدولي وتأثيره على اتخاذ القرارات، والاحتكار في التبادل الإعلامي الدولي. وتناول الفصل السابع: التبادل الإعلامي الدولي في عصر العولمة، ومفهوم الدولة في عصر "العولمة"، والتبادل الإعلامي الدولي من وجهة نظر الأمن القومي، وكوظيفة للدبلوماسية الرسمية، والمستشارون والملحقون الإعلاميون، والوظيفة الدولية للتبادل الإعلامي الدولي، ودور العلاقات العامة الدولية (الدبلوماسية الشعبية) والإعلان فيها، وأخيراً التخطيط الإعلامي والحملات الإعلامية الدولية.
أملا أن يلبي هذا الجهد العلمي المتواضع بعضاً من حاجة الباحثين وطلاب الصحافة والعلاقات الدولية للمعلومات في هذا المجال، للاستفادة منها في دراساتهم وبحوثهم عن مشاكل الإعلام والاتصال الدولي والتبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية.
ومما سبق نرى أن هناك مشكلة حقيقية ماثلة للعيان تهدد الأمن الإعلامي الوطني والقومي للدول الأقل تطوراً والنامية، وتعاني منها الدول العربية والإسلامية، وتهدد الأمن الإعلامي الوطني والإقليمي والدولي، وتعيق التفاهم الدولي، وتضع البشرية أمام مسؤولية التصدي لها وتقديم الحلول الناجعة لمعالجتها، قبل أن تصبح مفاتيح المشكلة حكراً على البعض مستعصية على البعض الآخر، ويؤدي استخدامها لاندفاع البشرية إلى تطوير أنواع جديدة من السيطرة الإعلامية والمعلوماتية والأسلحة الفتاكة التي أصبح الاتجاه فيها يتطلع نحو الفضاء الكوني من قبل دول تتحدث دائماً عن حقوق الإنسان وتستخدمه ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتستثني نفسها منه وتتجاهل حق الإنسان الأساسي الذي وهبه له الله عز وجل، ألا وهو الحق في الحياة الحرة الكريمة البعيدة عن التسلط والفرض والإكراه.
وأرى أن يجري البحث عن الحلول في إطار التفاهم الدولي والعلاقات الدولية انطلاقا من مبدأ الاحترام المتبادل، واحترام السيادة الوطنية، وفي إطار الدبلوماسية الدولية داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة، وعلى مستوى منظماتها المتخصصة، والمنظمات الإقليمية التي هي أدرى بمصالحها الوطنية الإقليمية المرتبطة بالمصالح الإنسانية لعالم اليوم. وهذا يحتاج قبل كل شيء إعادة النظر في السياسات الإعلامية الحالية، وتحديد مواقف الحكومات والقوى السياسية من المشكلة وفق منظور المصالح الوطنية العليا لكل دولة، وتوحيدها على ضوء المصالح القومية للدول العربية، والمصالح الإنسانية التي تجمع شعوب العالم بأسره.
وهنا يبرز دور جامعة الدول العربية وأجهزتها المتخصصة، ومجلس تعاون دول الخليج العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من التجمعات الإقليمية والدولية، والدبلوماسية الثنائية بين الدول، في تنسيق الجهود والمواقف والعمل الجماعي من خلال المنظمات الدولية، ومن خلال مواقف محددة من المشكلة، التي يمكن أن تساعد على إيجاد أطر للعمل الجماعي لمواجهة المشكلة، من ضمن إطار الشرعية الدولية لتحقيق أوسع تعاون دولي مفيد وواقعي وممكن يساعد على حل مشاكل الأمن الإعلامي الوطني والقومي والإقليمي والدولي. ويضمن تنفيذ الإجراءات الجماعية المتخذة لحل المشاكل الجديدة والصعبة الناتجة عن دخول الإنسانية عصر "العولمة المعلوماتية". وتوفر الأمن الإعلامي الوطني والدولي الواقعي الذي يضمن سيادة المصالح الوطنية ومساواتها لجميع دول العالم صغيرها وكبيرها، فقيرها وغنيها. ويتصدى لأي عدوان خارجي أو إجرامي أو إرهابي يتعرض له المجال الإعلامي من قبل أي كان، ولأي دولة من دول العالم.
وهذا على ما أعتقد لا يعفي الدول العربية القادرة، من واجب إعادة النظر في سياساتها الإعلامية والشروع بإنشاء مؤسسات متخصصة للقيام بالدراسات والأبحاث الضرورية التي تمكنها من مواجهة وامتلاك ناصية تقنيات وتكنولوجيا سلاح القرن الحادي والعشرين "السلاح الإعلامي"، لتقدمه دعماً للدول الشقيقة عند الضرورة، ولمواجهة عدو شرس ينتشر كالأخطبوط في كل أنحاء العالم ويتربص بالجميع ويملك أفتك صنوف الأسلحة التي تفتقت عنها العبقرية البشرية، ومن بينها طبعاً "السلاح الإعلامي" الذي برع في استخدامه، لشل قدرة خصومه على المواجهة، وخداع الرأي العام العالمي، وإقناعه بحقائق محرفة تخالف حتى الثوابت التاريخية والثقافية والشرعية غير القابلة للجدل.
طشقند في 20/1/2006

رؤية مستقبلية للصحافة العربية والدولية

رؤية مستقبلية للصحافة العربية والدولية

بقلم: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم DC في العلوم السياسية، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD اختصاص: صحافة. بروفيسور قسم العلاقات الدولية والعلوم السياسية والقانون بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.

مع انتشار شبكة الانترنيت العالمية خلال تسعينيات القرن الماضي، ترددت أصوات تقول بأن المسألة مسالة وقت، لتفسح الصحف المطبوعة الطريق أمام التوزيع الإلكتروني بالكامل، وبعد مرور سنوات على تلك التنبؤات ترددت أحاديث بين مغامري النشر الإلكتروني العرب تبشر بترك النشر الإلكتروني والعودة للنشر والتوزيع التقليدي، دون أي إيضاح لأسباب نجاح أو فشل تجربتهم تلك، أو عن عوائدهم المالية التي هي في الحد الأدنى تكاد تغطي التكاليف. خاصة وأن نجاح أي مشروع إعلامي تجاري يعتمد بالدرجة الأولى على المبيعات، والاشتراكات، والإعلانات التجارية، في الوقت الذي تقدم فيه الصحف الإلكترونية خدماتها في البلدان العربية بالمجان تقريباً، لأن الإعلان يكاد في الآونة الأخيرة يغطي بعض نفقات تلك المواقع الإلكترونية بشكل لا يمكن التعويل عليه لإنجاح أي مشروع إعلامي الكتروني تجاري.
ومن الواضح أن تجارب إطلاق وسائل الإعلام الجماهيرية الإلكترونية الجديدة هي استثمار في المجهول، لأن مؤسسات الإعلام الجماهيري على ما يبدوا تصرف من مواردها الذاتية ومن عوائد مبيعاتها على مواقعها الإلكترونية، مما يساعد على أن تفرض علاقات السوق نفسها على وسائل الإعلام الجماهيري التجارية المطبوعة وتوجهها نحو التوقف عن بث إصداراتها الإلكترونية عبر مواقعها الإلكترونية في الإنترنت. أو الحد منها أو تأخيرها لتتمكن من تسويق طبعاتها، والبحث عن طرق للحفاظ على مشتركيها، في الوقت الذي أصبحت فيه الصفحات الإلكترونية لوسائل الإعلام الجماهيري غير التجارية تزدهر كونها تحقق خفضاً في نفقات النشر والتوزيع وتجعلها في متناول الراغبين في أي مكان، وفي أي وقت يرغبونه، وهو ما يحقق سعة الانتشار والوصول للأهداف المرسومة.
وقد حذر روبرت مردوخ، رئيس مجموعة «نيوزكورب» الإعلامية، من التغيرات التي يشهدها قطاع الصحف، ومن تحول القراء إلى تفضيل استخدام الانترنت. وأضاف أمام حشد في لندن من أن «جيلا جديدا من مستخدمي الإعلام، نما ويحصل على المحتوى المعلوماتي ساعة يشاء، وكيفما يشاء، وحتى كما يشاء». وأضاف أن «القوة باتت تبتعد عن الطبقة المتحكمة القديمة في قطاع الإعلام.. رؤساء التحرير، المديرين، وحتى المستثمرين». وأضاف مردوخ، انه من التحديات التي يواجهها قطاع الإعلام اليوم، الاستفادة من ثورة الانترنت، ووصف هذه التقنية بأنها «على الرغم من أنها لا تزال جنينا، إلا أنها تدمر وتعيد بناء أي شيء في طريقها». ولعل أبرز ما قاله مردوخ، هو تشبيه لافت للنظر اعتبر فيه أن «الإعلام سيصبح مثل الوجبات السريعة.. يستهلكها الناس خلال حركتهم، حيث يشاهدون الأخبار، والأحداث الرياضية والأفلام خلال السفر على أجهزتهم الجوالة»، وأضاف اعتقاده بأن أمام الصحف التقليدية سنوات كثيرة من الحياة، ولكن مستقبل الطباعة والحبر سيكون مصيره واحدا فقط أمام الكثير من القنوات الإعلامية، التي يختار منها المستخدم ما يشاء.
وعلق رئيس قسم الصحافة والنشر في جامعة «سيتي» اللندنية، البروفيسور أدريان مونك، على الموضوع بقوله «لا بد من أخذ تصريحات مردوخ على محمل الجد». وأضاف أن «هذا رجل أمضى حياته في هذا المجال، منذ أيام الآلة الطابعة»، وكان روبرت مردوخ قد أطلق تصريحات مشابهة العام الماضي، تسببت في جدل إعلامي كبير، عندما اعتبر أن عمر الصحف سينتهي عام 2040، معترفا أن الكثير من الناشرين «فشلوا في تقدير تأثير الانترنت على مهنتهم»، وتسبب التكنولوجيا الحديثة، في ظهور الكثير من قنوات إرسال واستقبال المعلومات الجديدة والموازية للقنوات التقليدية، خصوصا مع انتشار ظاهرة «المواطنين الصحافيين»، وازدياد عدد المدونات الالكترونية الشخصية (بلوغ)، التي تشكل تحديا لهيمنة سلطة هيئات التحرير التقليدية. ورأى البروفيسور مونك، أنه لا بد من التروي قبل الحكم على مدى نجاح هذه الظاهرة، وقال أنه في النهاية ليس كل شخص مهيّأً لأن يكون صحافيا، موضحاً أن «الصحافة الجيدة سوف تبقى مطلوبة».
ولكن المشكلة القائمة أمام الباحثين العرب في المجال الإعلامي اليوم تبقى متمثلة بكيفية تحويل الكم الهائل من الصفحات الإلكترونية إلى بنك قومي شامل يختزن المعلومات والمعرفة باللغة العربية يمكن الوصول إليها في أي مكان وأي وقت دون الرجوع إلى أكداس الورق في المكتبات الوطنية للحصول على المعلومات المطلوبة للمعرفة والتحصيل العلمي، وهو ما يحتاج لتمويل لا بد أن تتحمل جزءاً هاماً منه المؤسسات الثقافية العربية الحكومية، وبالإضافة لمشكلة إيجاد جهة حكومية تشرف على إشهار والتحقق من سعة انتشار ودراسة محتوى تلك الوسائل ودراسة استخداماتها الفعلية وليست المفترضة كمورد من موارد بنك المعلومات القومي العربي.
وكلنا يعلم أهمية المعرفة في بناء الأمم والشعوب، ولا يخفى على أحد أهمية العلم والتعلم لنا كأمة تريد أن يكون لها مكان واضح في التاريخ الإنساني المعاصر، فنحن أمة اهتمت بالقراءة وقرض الشعر منذ أقدم العصور، ومع ذلك ظلت اهتماماتنا كعرب متواضعة إذا ما قارناها باهتمامات الأمم الأخرى وهو ما أشار إليه تقرير التنمية البشرية لعام 2003 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للإنماء ويعطينا بعض المؤشرات الرقمية الخطرة· رغم تركيزه على الحريات، وحقوق المرأة، وحق الحصول على المعرفة في تدخل شبه صريح في الشؤون الداخلية لدول ذات سيادة دون تناول غيرها من المشاكل المعاصرة التي تواجه التدفق الإعلامي الدولي.
ومن المؤشرات الإيجابية أن معظم وسائل الإعلام الجماهيرية العربية تقريباً تعتبر ملكاً للدولة أي لها مصادر تمويل ثابتة، وبالتالي تسهل عملية دخولها عالم وسائل الإعلام الجماهيري الإلكترونية، ولكن هذا الدخول قد لا يتناسب مع عصر العولمة والمعلوماتية المتغير والمفتوح في عصر أصبح يعرف بعصر الكلمة الحرة التي تعتمد على عقول البشر وتحاول التخلص من سلطان الرقابة لتحل محلها سلطات الإشراف ومتابعة مدى التقيد بالقوانين الوطنية للنشر والإعلام والتدخل عند الحاجة عن طريق السلطات القضائية صاحبة القول الفصل في مثل هذه الحالات.
وأورد التقرير المشار إليه أن عدد الصحف في البلدان العربية آخذ بالانخفاض ليصل إلى أقل من 53 نسخة لكل ألف نسمة، بينما هي في الدول المتقدمة تبلغ نحو 285 صحيفة لكل ألف نسمة، إضافة لتميز بعض الصحف في الدول المتقدمة بحرية التعبير وهو أمر على ما نعتقد مشكوك فيه كثيراً !!؟ رغم التطور الكبير الذي تشهده وسائل الاتصال والإعلام الجماهيري في الوطن العربي خلال العقود الأخيرة. ويشير التقرير المذكور إلى أن استخدام الحاسب الآلي لم يزل محدوداً في البلدان العربية ويشير إلى وجود 18 حاسوب لكل ألف نسمة، في الوقت الذي هو 78 حاسوباً في الدول المتقدمة، وأن عدد مستخدمي خدمات شبكة الإنترنيت العالمية لا يتجاوز في البلدان العربية الـ 1.6%، الأمر الذي يعيق التوسع باستخدام موارد بنك المعلومات القومي الإلكتروني في أكثر البلدان العربية في الوقت الحاضر على الأقل. نضيف إليها مشكلة اللغة في التواصل الحضاري لعصر العولمة فمؤشرات الترجمة في البلدان العربية تشير إلي أمرين مهمين أولهما حب اللغة القومية والتعلق برغبة الانفتاح على التجارب العالمية. ففي المجر مثلا بلغ عدد الكتب المترجمة 519 كتابا وفي إسبانيا 920 كتابا لكل مليون نسمة، بينما كان عددها في البلدان العربية لا يتجاوز الـ 4.4 كتب. ومن قضايا تحويل ذلك الكم الهائل من الصفحات الإلكترونية إلى بنك قومي ووطني شامل للمعلومات والمعرفة قضية البحث العلمي التي تحتاج لتوفير النفقات المالية اللازمة. ويشير تقرير التنمية البشرية آنف الذكر إلى أن الدول العربية تخصص للإنفاق على البحث العلمي نسبة لا تتجاوز الـ 2% من مجموع الدخل الوطني، إضافة لندرة الباحثين والمتخصصين اللذين لا يتجاوز عددهم في البلدان العربية عن 371 لكل مليون نسمة، مقابل 979 لكل مليون نسمة في العالم المتقدم. وهو ما يفسر عدد براءات الاختراع المسجلة في العالم المتقدم مقارنة بالإنتاج الوطني العربي للمعرفة، فقد سجلت دولة الإمارات العربية المتحدة 32 براءة اختراع، ومع حلول عام ألفين سجلت المملكة العربية السعودية 171 براءة اختراع، بينما سجلت كوريا 16328 براءة اختراع، وسجل الكيان الصهيوني 7652 براءة اختراع خلال نفس الفترة.
هذا إن لم نشر إلى مشكلة تفشي الأمية وهجرة العقول العربية إلى الخارج، ومشاكل القوة الذاتية الطاردة للكفاءات الوطنية في الدول العربية، فخلال عامي 1998 و 2000 غادر أكثر من 15 ألف طبيب عربي إلى الخارج وأن 25% من أصل 300 ألف خريج جامعي هاجروا إلى أوروبا وأميركا قبل عام 1996 فقط، وهذه كلها من العوامل التي تكرس تأخرنا عن العالم المتقدم في مجال البحث العلمي منذ نشوء أول أشكال سائل الاتصال والإعلام الجماهيري الدولي في القرن الخامس عشر. فكيف نشأت ؟
وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية
الصحافة المطبوعة: تعد الصحف من أقدم وسائل الإعلام في العالم على الإطلاق، فقد سبقت منافستيها الإذاعة والتلفزيون بعدة قرون. وللصحف خصائص تميزها عن سواها من وسائل الإعلام الجماهيرية، فالصحيفة لا تستطيع نقل الأخبار بتلك السرعة التي تنقلها بها الإذاعة، ولا يمكنها نقل وتقريب الواقع كما يفعله التلفزيون، ولكنها تقوم بذلك بشكل متميز جعل من الصحيفة جزءاً لا يتجزأ من حياة الفرد المتعلم في كل أنحاء العالم.
ويعتبر عام 1454م بداية ظهور الصحف بشكلها المعاصر، عندما اخترعت الطباعة عن طريق صف الحروف، وخدم هذا الاختراع المركز الرئيسي للسلطة في العالم المسيحي آنذاك، والمتمثل بسلطة الكنيسة، بينما تأخر استخدام هذه الوسيلة الحديثة في طباعة الكتب والنصوص لعدة قرون في العالم الإسلامي بسبب التحريم الديني.
وخدمت المطابع الكنيسة في نشر مواضيع تهم الدين والدنيا، وأصبحت من عوامل الإصلاح الديني في العالم المسيحي خلال الفترة الممتدة مابين القرنين السادس عشر والسابع عشر، ونشرت المطابع روائع كتب القرون الوسطى، وكتب عصر النهضة بنسخ كثيرة، ووضعتها بمتناول الجميع بعد أن كانت حبيسة خزائن الكتب. ونقلت أخبار التجارة والاقتصاد للتجار في كل مكان، ولعل المنشورات مجهولة المصدر والهوية التي لعبت دوراً كبيراً إبان الثورتين الفرنسية، والأمريكية، من أبلغ الأمثلة على الدور الهام الذي لعبته الطباعة في تغيير العلاقات الإنسانية في المجتمع الإنساني المعاصر.
وحاولت الصحف بالتدريج أن تصبح حارساً للديمقراطية، بإتاحتها الفرصة للمرشح والناخب بالتعرف إلى بعضهما البعض دون اتصال مباشر، بل عن طريق انتقال الأفكار المنشورة على صفحاتها، وأصبحت من الوسائل الهامة التي يعتمد عليها التعليم في مختلف مراحله، وساعدت الصحف من خلال الإعلانات التي تنشرها على تصريف قدر هائل من السلع المنتجة في المصانع، وإيجاد فرص العمل، وتوفير الأيدي العاملة للباحثين عنها.
وجاءت الثورة الصناعية للصحف مع مطلع القرن العشرين بالمطبعة البخارية أولاً، ومن ثم بالمطبعة الكهربائية، مما ساعد على خفض تكاليف طباعتها، وأجور الإعلانات على صفحاتها وزيادة عدد نسخها، مما ساعدها على الانتشار الواسع وتحولها إلى وسيلة اتصال جماهيري، رخيصة الثمن توزع أعداداً ضخمة من النسخ يعتمد عليها لنشر إعلانات مربحة للمنتج والناشر في آن معاً. ومن الميزات الهامة الأخرى التي تنفرد بها المادة المطبوعة عن غيرها من وسائل الإعلام الجماهيري، أنها تسمح للقارئ بالتكيف مع الظروف ومطالعتها في الوقت الملائم له، وإعادة القراءة كلما أراد، إضافة إلى أنها من أفضل الوسائل لمخاطبة الجماعات والشرائح الاجتماعية الصغيرة والمتخصصة.
الصحافة المسموعة ( الراديو ): تعتبر الإذاعة المسموعة من أفضل وسائل الاتصال الجماهيري قدرة على الوصول للمستمعين في أي مكان بسهولة ويسر متخطية الحواجز الجغرافية والسياسية والأمية، لأنها تستطيع مخاطبة الجميع دون تمييز وبغض النظر عن فارق السن ومستوى التعليم، ولا تحتاج لظروف وأوضاع خاصة للاستماع كما هي الحال بالنسبة للإذاعة المرئية ( التلفزيون )، حتى أنها أصبحت في بعض المجتمعات المتقدمة نوعاً من الوسائل الإعلامية التي يتعامل معها الإنسان دون اهتمام أو تركيز، كمصدر للترفيه أكثر من أنها مصدراً للمعلومات يحتاج للتركيز والاهتمام. ومن الصعب جداً تحديد أصل الاختراعات العلمية التي أدت إلى ظهور الإذاعة المسموعة، التي تعتبر اليوم واحدة من أهم وسائل الإعلام الجماهيرية. ففي الفترة من 1890 إلى 1894 اكتشف برافلي المبادئ الأساسية للمبرق اللاسلكي، ونجحت تجارب ماركوني التي أجراها خلال الفترة من عام 1894 وحتى عام 1899 عندما نجح في إرسال أول برقية لاسلكية عبر بحر المانش.
وتطورت الأبحاث العلمية بعد ذلك، حتى استطاع المهندس الفرنسي رايموند برايار، وزميله الدكتور البلجيكي روبير فولدا سميث، من إرسال واستقبال بث إذاعي عن بعد عدة كيلو مترات عام 1914، وتوقفت التجارب بعد ذلك بسبب الحرب العالمية الأولى، إلى أن عادت مرة أخرى إلى دائرة الاهتمام بعد انتهاء الحرب مباشرة. وبدأت أول البرامج الإذاعية اليومية المنظمة البث من ديتروا نيوز في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1920، وتبعتها بريطانيا التي نظم فيها دايلي مايل أول برنامج إذاعي في نفس العام. أما فرنسا فقد نجح الجنرال فيري من إرسال أولى البرامج الإذاعية عام 1921. وتعتبر العشرينات من القرن العشرين فترة هامة في حياة هذا الاختراع الهام، الآخذ في التطور والتوسع. ورافقه في عام 1925 اختراع البيك آب الكهربائي، وفي عام 1934 اختراع التسجيل على الاسطوانات المرنة، وآلة التسجيل عام 1945، وتمكن الأمريكيان براتان وباردن عام 1948 من اختراع المذياع، الذي انتشر في الأوساط الشعبية اعتبارا من عام 1950وتبع هذا الاختراع عام 1958 اختراع اسطوانة التسجيل الستريو التي انتقل البث الإذاعي معها إلى مرحلة جديدة.
الصحافة المرئية ( التلفزيون ): بدأت أولى التجارب على إرسال الصور الثابتة باللونين الأسود والأبيض عن بعد في منتصف القرن التاسع عشر، وتطور هذا الاختراع حتى استطاع الألماني دي كورن من اختراع الفوتوتلغرافيا عام 1905، وجاء بعده الفرنسي إدوارد بلين، الذي طور الاختراع الأول وأطلق عليه اسم البيلينوغراف عام 1907. واستمرت هذه التجارب بالتطور مستخدمة وسائل ميكانيكية أولاً ثم راديو كهربائية، حتى توصل كلاً من الإنجليزي جون لوجي بيارد والأمريكي س. ف. جنكيس إلى وسيلة إرسال تستعمل فيها اسطوانة دورانية مثقوبة عام 1923. وتكللت التجارب التي جرت خلال ثلاثينات القرن العشرين بالنجاح، حيث بدأ مركز أليكساندر بلاس البريطاني للتلفزيون بالبث التلفزيوني لمدة ساعتين يومياً عام 1936، وتبعه المركز الفرنسي في لاتوريفال ببث برامج تلفزيونية يومية عام 1938، وتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في العام التالي ببث تلفزيوني لجمهور كبير. وأخرت الحرب العالمية الثانية البداية الفعلية لانتشار البث التلفزيوني للجمهور العريض حتى عامي 1945 - 1946 أي عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وبدأ في الخمسينات من القرن العشرين الانتقال التدريجي إلى نظام البث التلفزيوني الملون، وتبعه الانتشار العاصف للبث التلفزيوني بواسطة الدارات المغلقة، ومحطات التقوية الأرضية، إلى أن انتقل البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية مع تطور غزو الإنسان للفضاء الكوني الذي بدأ في نفس الفترة تقريباً. وللتلفزيون فاعلية فريدة لأنه الوسيلة التي تعتمد على حاستي السمع والبصر في آن معاً، ويستحوذ على الاهتمام الكامل للجمهور، أكثر من الوسائل الإعلامية الأخرى، وخاصة في أوساط الأطفال واليافعين، وكشفت بعض الدراسات أن الصغار والكبار على حد سواء يميلون إلى تقبل كل ما يقدمه التلفزيون بدون مناقشة، لأنهم يعتبرونه واقعياً ويعلق في أذهانهم بصورة أفضل. والاختلاف بين التلفزيون والراديو، أن التلفزيون يحتاج لحاستي السمع والبصر وانتباهاً لا يستطيع المتفرج معه أن يفعل شيئاً آخر أثناء المشاهدة، في حين أن المستمع للإذاعة المسموعة (الراديو) يستطيع أثناء استماعه أن يقرأ ويمشي ويعمل ويقود سيارته، أو أن يستلقي مغمضاً عينيه سارحاً في خياله. ومن المزايا التي يتميز بها التلفزيون عن سواه من وسائل الإعلام الجماهيرية: أنه أقرب للاتصال المباشر، ويجمع بين الصورة والصوت والحركة والألوان، ويتفوق عن الاتصال المباشر بأنه يكبر الأشياء الصغيرة، ويحرك الأشياء الثابتة؛ وينقل الأحداث فور حدوثها، وبفارق زمني طفيف؛ ويسمح بأساليب متعددة لتقديم المادة الإعلانية، مما يضاعف من تأثيرها على الجمهور؛ وأصبح وسيلة قوية بين وسائل الإعلام الجماهيرية بعد أن دخل كل بيت، ووفرت له الأقمار الصناعية المنتشرة في الفضاء الكوني انتشارا عالمياً، مما زاد من فاعلية عملية التبادل الإعلامي والثقافي العالمي، وأصبح وسيلة تقارب بين الشعوب.
وهكذا نرى كيف تغير وضع الإنسان الذي عاش قديماً في مجتمعات صغيرة، محدودة العدد معزولة عن بعضها البعض، يصعب الاتصال فيما بينها، ليأتي القرن العشرين ليغير الوضع تماماً لسببين أساسيين نلخصهما: بنشوب الحرب العالمية الأولى ( 1914 - 1918 )، والحرب العالمية الثانية (1939 - 19945)، وما تمخض عنهما من انتقال للقوات العسكرية عبر الدول والقارات، وهذا بحد ذاته ساعد على تطوير وسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية، ومعها تطورت الطرق البرية والمائية والسكك الحديدية والموانئ البحرية والجوية؛ وانتشرت وسائل الاتصال الحديثة، من تلغراف وتلفون وراديو وتلكس وفاكس وحاسوب (كمبيوتر) وبريد إليكتروني، ووسائل إعلام جماهيرية، من صحف ومجلات وإذاعة وتلفزيون. مما " أحدث تغيرات جذرية على تصورات المواطنين في جميع أنحاء العالم، واتسع أفق الأفراد وإطارهم الدلالي بشكل لم يسبق له نظير، بحيث لم يعد بالإمكان عزل الناس عقلياً أو سيكولوجياً عن بعضهم البعض لأن ما يحدث في أي بقعة من بقاع العالم، يترك آثاره على جميع الأجزاء الأخرى. وهكذا أصبح عالم اليوم قرية الأمس بعد أن اتسعت تصورات الفرد التقليدي القديم التي كانت تتسم بالبساطة عن واقعه وأصبح عليه أن يجاهد حتى يفهم الأخبار التي تغمره بها وسائل الإعلام الجماهيرية يومياً عن أحوال الأمم والشعوب الأخرى المختلفة الألوان والعقائد ".
وخرجت وسائل الإعلام الجماهيرية بالتدريج عن إطارها المحلي لتصبح أداة اتصال وتواصل بين الأمم لها دوراً مرسوماً ومحدداً في إطار العلاقات الدولية، وعملية التبادل الإعلامي الدولي، ودخلت ضمن الأدوات والوسائل التي تحقق من خلالها مختلف الدول والمنظمات الدولية والإقليمية والمحلية بعضاً من سياساتها الخارجية. وبالتدريج انتقلت المؤسسات الصحفية الدولية للعمل على نشر المبادئ والأفكار والمواقف والأخبار عن طريق وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة بغرض الإقناع والتأثير على الأفراد والجماعات داخل المجتمع، فعندما تخرج المؤسسات الإعلامية عن نطاق المحلية وتجتاز وسائلها الحدود الجغرافية والسياسية للدولة، لنقل تلك المبادئ والأفكار والمواقف والأخبار لمواطني دول أخرى، لخلق نوع من الحوار الثقافي أو الهيمنة الثقافية، متجاوزة الحواجز اللغوية، تأخذ هذه المؤسسات الصحفية ووسائلها الإعلامية صفة الإعلام الدولي.
والإعلام الدولي جزء لا يتجزأ من السياسة الخارجية للدول المستقلة ذات السيادة، ووسيلة فاعلة من الوسائل التي تحقق بعض أهداف السياسة الخارجية لكل دولة داخل المجتمع الدولي. وتخدم من خلالها المصلحة الوطنية العليا للدولة، وفقاً للحجم والوزن والدور الذي تتمتع به هذه الدولة في المعادلات الدولية، وتأثيرها وتأثرها بالأحداث العالمية المستجدة كل يوم؛ وخاصة عند نشوب أزمات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو اضطرابات اجتماعية تطال تلك الدول، أو الدول المجاورة لها؛ أو تطال مناطق المصالح الحيوية للدول الكبرى في أنحاء العالم؛ أو في حال حدوث كوارث طبيعية وأوبئة، أو تهديدات للبيئة والحياة على كوكب الأرض. وللإعلام الدولي دوافع متعددة، تنطلق من المصالح السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والاجتماعية، والثقافية، والإنسانية، بما يتفق والسياسة الخارجية للدولة، وتنبع من المصالح الوطنية العليا للدولة، وتعمل من خلال هذا المنظور على تعزيز أو تعكير التفاهم الدولي والحوار بين الأمم، الذي أدى إلى خلق تصور واضح للدول بعضها عن بعض، مفاده التحول من النظام الثقافي القومي التقليدي المغلق، إلى نظام ثقافي منفتح يقوي هيمنة القوي أو يعزز التفاهم الدولي ويعمل على تطويره. وكان لوسائل الإعلام الجماهيرية دوراً أساسياً في هذا التحول بعد التطور الهائل في تقنياتها خلال القرن الماضي والتي ساعدت على إحداث تغيير ثقافي واجتماعي واضح، رغم تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية والصراعات الإيديولوجية المؤثرة في القرار السياسي اللازم لأي تقارب أو حوار دولي.
وظائف الصحافة الدولية: ونحن في أمس الحاجة أكثر من أي وقت مضى لمعلومات عن الظروف المحيطة بنا، وتصلنا هذه المعلومات وبسرعة فائقة ودقة كبيرة عن طريق وسائل الإعلام الجماهيرية التي باتت تستخدم أحدث وسائل الاتصال المزودة بأحدث المعدات الإلكترونية والتجهيزات المتطورة باهظة التكاليف، تلك المعلومات التي تساعدنا على اتخاذ القرارات وتنفيذها. وأصبحت الدولة أكثر من ذي قبل تشارك عن طريق ممثليها في التأثير على مجرى الحياة الاجتماعية في الداخل والخارج من خلال سياساتها الداخلية والخارجية مستعينة بوسائل الإعلام الجماهيرية، وأصبحت المصالح الوطنية العليا للدولة أكثر تأثيراً في عملية اتخاذ القرارات على الصعيدين الداخلي والخارجي. ودخلت وسائل الإعلام الجماهيرية القرية والمدينة والتجمعات السكانية أينما كانت، وتحولت إلى نظام مفتوح أمام قوى التغيير الآتية من الداخل ومن الخارج، وأصبحت وسائل الإعلام الجماهيرية التي كانت يوماً ما تصل إلى جمهور محدود وبتأثير محدود، تصل اليوم إلى كل سكان العالم تقريباً، لتؤثر على آراء الناس وتصرفاتهم وأسلوب حياتهم، فالصحيفة والمجلة والكتاب الذي كان يقرؤه في الماضي عدد محدود من الأفراد، يقرؤه اليوم ملايين البشر، مطبوعاً أم منقولاً عبر البريد الإلكتروني وشبكات الكمبيوتر المتطورة، والبرنامج الإذاعي الذي كان يسمعه الناس في دائرة محدودة أصبحت تسمعه الملايين من البشر في مناطق متباعدة من العالم، والبرنامج التلفزيوني الذي كان حكراً على منطقة جغرافية محدودة أصبح اليوم في متناول المشاهد عبر قارات العالم. وأجهزة الاتصال الحديثة حلت مكان المبرقات التلغرافية القديمة، مما جعل الناس يؤمنون بأن تلك الوسائل قادرة على التأثير في المجتمع وتغييره بشكل أساسي ليس على الصعيد المحلي وحسب، بل وعلى الصعيد العالمي. وبرز كإعلام دولي له مكانته وتأثيره ووظائفه. وكما كان للإعلام الدولي دوافعه المحددة، كما أشرنا سابقاً، فله وظائف محددة أيضاً يؤديها تنفيذاً للدور الذي تفرده له السياسة الخارجية للدولة، وهي:
1- الاتصال بالأفراد والشرائح الاجتماعية والجماعات والكتل السياسية والمنظمات داخل الدولة التي يمارس نشاطاته الإعلامية داخلها، وتتمثل بالحوار مع القوى المؤثرة في اتخاذ القرار السياسي من شخصيات وأحزاب وكتل برلمانية، سواء أكانت في السلطة أم في المعارضة على السواء، للوصول إلى الحد الأقصى من الفاعلية التي تخدم السياسة الخارجية لبلاده، وتخضع عملية الاتصال عادة لمعطيات هامة من حيث المواقف من القضايا المطروحة قيد الحوار ومواقف السلطة والمعارضة منها والخط السياسي الرسمي للدولة حيالها. وتتراوح هذه المواقف عادة ما بين المؤيد التام، والمؤيد، والحياد التام، والحياد، والمعارضة التامة، والمعارضة، والعداء التام، والعداوة، ولهذا كان لابد من التحديد الدقيق للموقف السياسي للدولة، والمواقف الأخرى، للعمل على كسب التأييد اللازم لصالح القضايا المطروحة للنقاش، والعمل على زحزحة المواقف السياسية المعلنة للدولة، لصالح تلك القضايا. أو خلق مناخ ملائم للحوار الإيجابي على الأقل. كما ويجب الأخذ بعين الاعتبار أيضاً طبيعة النظام السياسي السائد في تلك الدولة، ومدى ديمقراطية هذا النظام، وطرق اتخاذ القرارات السياسية في ظل النظام السياسي القائم، ومدى المشاركة الفعلية لكل القوى السياسية الموجودة في اتخاذ تلك القرارات، لأن الاتصال بالجماهير الشعبية في أي دولة يتم من خلال تلك القوى التي تمثل النخبة المؤثرة، أولاً: بين أصحاب الحق باتخاذ القرارات؛ وثانياً: على الجماهير الشعبية، التي هي بمثابة قوة ضاغطة على أصحاب حق اتخاذ القرار، ومن هنا نفهم مدى أهمية إلمام خبراء الإعلام والمخططين للحملات الإعلامية الدولية، بالنظم السياسية للبلدان المستهدفة والقوى المؤثرة فيها سلطة أم معارضة، ودور كل من تلك القوى في اتخاذ القرارات لاستخدامها في التخطيط للحملات الإعلامية المؤيدة أو المضادة آخذين بعين الاعتبار الحقائق الاجتماعية والثقافية التي تساعد على نجاح الحملات الإعلامية الدولية.
2- الاتصال المباشر بالجماهير الشعبية، عن طريق وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري ومن خلال النشرات الإعلامية، والمؤتمرات الصحفية، والمقالات، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، والإلكترونية، والعروض السينمائية والمسرحية، وأفلام الفيديو، وإقامة المعارض الإعلامية، وتشجيع السياحة وتبادل الزيارات، وغيرها من الوسائل التي تتيح أكبر قدر ممكن من الصلات المباشرة مع الجماهير، للوصول إلى تأثير إعلامي أفضل وأكثر فاعلية. وتأخذ بعض الدول لتحقيق سياستها الخارجية أسلوب مخاطبة الجماعات المؤثرة فقط، توفيراً للنفقات التي تترتب من جراء استخدام أسلوب الاتصال بالجماهير الشعبية العريضة، وتوفيراً للوقت الذي يستغرق مدة أطول من الوقت اللازم عند مخاطبة قطاعات وشرائح اجتماعية متباينة من حيث المصالح والتطلعات، ومستوى التعليم، والثقافة، والاتجاه الفكري. ومزاجية الجماهير العريضة في متابعة القضايا المطروحة، المحصورة في بوتقة اهتمامات شريحة اجتماعية معينة فقط، ولأن أسلوب الاتصال الفعال بالجماهير الشعبية يحتاج أيضاً لإمكانيات كبيرة ووسائل متعددة، تفتقر إليها الدول الفقيرة والنامية بينما نراها متوفرة لدى الدول الغنية القادرة من حيث الإمكانيات المادية والتقنية والخبرات الإعلامية، التي تمكنها من استخدام الأسلوبين في آن معاً.
3- ويمثل الإعلام الدولي الدولة أو المنظمة التي ينتمي إليها، سواء أكانت محلية أم إقليمية أم دولية أم متخصصة أم تجارية، كمكاتب الأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة في العديد من دول العالم، ومكاتب منظمة الوحدة الإفريقية، والجامعة العربية، والأوبيك، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة التعاون لدول الخليج العربية، والسوق الأوربية المشتركة، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ورابطة الدول المستقلة، ورابطة أوروآسيا الاقتصادية، وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية. ونحن عندما نرى اليوم الدول الغنية تستخدم كل تقنيات وسائل الاتصال الحديثة في خدمة حملاتها الإعلامية الدولية، ومن أبسط صورها القنوات التلفزيونية الفضائية، بعد انتشار استعمال هوائيات استقبال البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية في المنازل، وشيوع استخدام شبكات الكمبيوتر بشكل واسع، ومن أهم هذه الشبكات، شبكة الكمبيوتر العالمية " إنترنيت " التي تملكها وتديرها الولايات المتحدة الأمريكية، دون منافسة تذكر حتى الآن. بينما نرى الدول النامية تتخبط بمشاكلها الإعلامية، وتعاني من الآثار المترتبة عن التطور التكنولوجي الحديث، والخلل الفاحش في التدفق الإعلامي الدولي أحادي الجانب والتوجه والتأثير.
مشاكل الصحافة الدولية: ورغم الجهود الحثيثة التي بذلتها وتبذلها الدول النامية والفقيرة حتى اليوم، للخروج من المأزق الإعلامي التي تعاني منه، نراها تتخبط حتى اليوم بمشاكلها الإعلامية التي تزداد تشعباً وتعقيداً كل يوم، بسبب التطور العلمي والتكنولوجي الهائل في ميدان وسائل الاتصال الحديثة، ووسائل الإعلام الجماهيرية حتى على الصعيد الوطني، ومن أهم هذه المشاكل: الخلط بين الوظيفة الإعلامية الدولية، والوظيفة الإعلامية الإقليمية، والوظيفة الإعلامية المحلية، ومتطلبات كل من تلك الوظائف وخصائصها المتميزة؛ والخلط بين السياسات الداخلية والإقليمية والخارجية للدولة عند التخطيط للحملات الإعلامية الدولية، والارتباك في تحديد الأولويات؛ وضعف أجهزة وتقنيات المؤسسات الإعلامية الوطنية، وافتقارها للمعدات والتجهيزات المتطورة، والإمكانيات المادية اللازمة للحملات الإعلامية الدولية، أو استخدامها للإعتمادات المالية المتاحة بشكل سيء، أو بشكل غير فعال في الأغراض المطلوبة، إضافة لسطحية المساعدات الخارجية التي تحصل عليها تلك الدول من الدول الغنية، والمنظمات الدولية المتخصصة؛ والنقص الفاضح في الكوادر الإعلامية المتخصصة بالإعلام المحلي والدولي، وندرة أصحاب التخصص الأكاديمي بينهم، مما يؤدي إلى: اختيار كوادر غير كفوءة للعمل الإعلامي الدولي، لاعتبارات سياسية في أكثر الأحيان، وهذا بدوره يؤدي إلى: غياب التنسيق بين المخطط والمنفذ وأجهزة المتابعة، في الحملات الإعلامية الدولية؛ وضعف الإلمام بخصائص الجمهور الإعلامي الأجنبي، وعدم وضع أسلوب إعلامي منطقي ملائم ومتطور قادر على إيصال مضمون الرسالة الإعلامية للجمهور المستهدف من الحملة الإعلامية الدولية؛ وغياب التعاون وحتى التنسيق بين المؤسسات الإعلامية، ومؤسسات التعليم العالي المتخصص ومؤسسات البحث العلمي، فيما يخص إعداد الكوادر الإعلامية الوطنية والبحوث العلمية والتطبيقية، وخاصة فيما يتعلق بدراسة راجع الصدى الإعلامي وتأثير المادة الإعلامية، وفاعلية الخطط الإعلامية. والاكتفاء بدلاً عن ذلك بالبحوث النظرية البحتة التي تتناول الجوانب الوصفية والتاريخية فقط، مبتعدة عن الدراسات التي تتناول جوهر التخطيط، وتحليل مضمون الرسائل الإعلامية، وتقدير راجع الصدى الإعلامي المخطط له وراجع الصدى الفعلي للمواد والوسائل الإعلامية.
الصحافة الدولية والصراعات الدولية: يعاني عالم اليوم من صراعات سياسية ومنازعات عسكرية عديدة، وقد بينت السوابق التاريخية أن لكل صراع أبعاداً داخلية، وأبعاداً إقليمية، وأبعاداً دولية، وعناصر قوى يجب مراعاة التفاعل بينها، وتأثير هذا التفاعل على تطور الصراع بشكل عام، بقصد التعامل مع هذا الصراع ومعالجته بالشكل المناسب، وهذا لا يمنع وجود عناصر مشتركة بين الصراعات المختلفة، يمكن الاستفادة منها عند معالجة تلك الصراعات أو التعامل معها. وتعتمد النتائج النهائية لأي صراع من الصراعات، على عناصر القوة المتوفرة لدى كل طرف من أطرافه، وتضم هذه العناصر القوى العسكرية، والمعلوماتية، والتكنولوجية، والإمكانيات الاقتصادية، والسياسية، والبشرية، والحالة المعنوية للقوى البشرية، كما وتعتمد على مسائل أخرى كعنصر المفاجأة، وتطوير الإستراتيجية والتكتيك، واللجوء إلى أساليب جديدة غير معروفة من قبل، مما تجعل عملية التنبؤ بنتائج الصراع صعبة جداً، وفي بعض الأحيان غير مجدية، إضافة للإمكانيات الذاتية للأشخاص القائمين على إدارة الصراع، ومدى توفر المعلومات لديهم، والتقنيات والأدوات الحديثة التي يستخدمونها في الصراع. فصانع القرار في عملية الصراع يبني قراره على معطيات ملموسة أولاً، وعناصر غير ملموسة تشمل الخصائص النفسية والحالة المعنوية للخصم ثانياً.
وتقتضي معالجة أي صراع الاعتماد على العقلانية وبعد النظر واستبعاد العواطف والانفعالات. لأن عملية معالجة أي صراع هي عملية معقدة وشاقة، ونابعة أساساً من عناصر القوى المشاركة فعلاً في الصراع من الجانبين، ومبنية على الحسابات الدقيقة والخطط الموضوعة، والمستخدمة فعلاً من قبل طرفي الصراع. وتتنوع أدوات الصراع، عندما تقتضي ظروف الصراع اللجوء إلى القوة العسكرية تارة، وإلى القوة الاقتصادية تارة أخرى، أو إلى العمل السياسي والدبلوماسية الهادئة في حالات أخرى، أو قد يلجأ الجانبان المتصارعان إلى استخدام القوة العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والدبلوماسية في آن معاً، مستخدمين المرونة في تكتيك إدارة الصراع وفقاً لطبيعة الظروف المتبدلة محلياً وإقليمياً ودولياً. ولكن يبقى دور وسائل الإعلام الجماهيرية في عملية الصراع متمثلاً بتعبئة الرأي العام المحلي والعالمي حول وجهة النظر الرسمية للدولة من الصراع الدائر، وشرحها، وتغطية أخبار أهم أحداثها تباعاً. وشرح وتحليل أبعاد هذا الصراع وأسبابه، مع مراعاة أن يأخذ خبراء الإعلام والصحفيون بعين الاعتبار، خصائص الجمهور الإعلامي المخاطب ثقافياً وسياسياً وتاريخياً، ومدى تعاطفه مع وجهة النظر الرسمية للدولة المعنية في هذا الصراع، واختيار اللغة المناسبة للرسالة الإعلامية لتصل إلى أقصى حد ممكن من التأثير والفاعلية. لأن سلاح الإعلام في أي صراع كان لا يقل أهمية عن القوة العسكرية والاقتصادية، وهو الوسيلة الناجعة لرفع معنويات القوى البشرية في الدولة المعنية، وتحطيم الروح المعنوية للخصم في الصراع الدائر، والإعلام الناجح هو السند القوي للكفاح على الجبهة السياسية والعمل الدبلوماسي الهادئ والرصين والمنطقي.
ولكننا نرى أن الدراسات الإعلامية في الدول المتخلفة لم تزل حتى الآن محصورة في إطار مساقات الإعلام التي تدرس في الجامعات، وبارتباط بالإشكاليات الظرفية والمكانية والمناخ السياسي والاقتصادي والتنموي الذي تعمل فيه وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية المعنية، دون الاعتماد على الظروف التاريخية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والإستراتيجية الموضوعية بالكامل، وهي نفس الظروف التي تحيط بالإعلام العربي كما هي الحال في معظم الدول الإفريقية والأمريكية اللاتينية والآسيوية. وتشير الدراسات الإعلامية إلى أنه إعلام لا يتجاوز كونه وسيلة ناقلة للخبر أو المعلومة وليس أكثر من ردة فعل على ما تورده وسائل الإعلام الدولية، في الوقت الذي أخذت فيه الشبكات العالمية بالبث من داخل بعض الدول وبلغاتها القومية ومنها شبكة "MTV" العالمية التي تجري استعداداتها لتدشين قناتها العربية انطلاقا من دبي في نهاية العام الجاري 2007، عبر شراكة مع المجموعة العربية للإعلام. وبالرغم من الكم الكبير للقنوات الغنائية والشبابية العربية، إلا أن مسؤولي "MTV" العربية واثقون من قدرتهم على المنافسة، غير عابئين بحجمها.
وأشار بيل رودي نائب رئيس شبكات MTV الدولية إلى أنه لا توجد قنوات يمكنها منافسة قناته المرتقبة، معتبرا أنها ستكون منبراً ثقافياً للشباب وليس مجرد قناة للموسيقى، وستعمل على نشر مزيج فريد من المحتويين العربي والدولي، وهذا يعني استفادة الشبكة من نتائج الدراسات العلمية والتطبيقية الميدانية التي لابد وأنها قامت بها لدراسة واقع الساحة الإعلامية العربية، وهي الدراسات الغائبة في مجال البحث العلمي في الدول العربية تقريباً. وبهذا تكون اللغة العربية اللغة التاسعة والعشرين التي تبث بها قناة "MTV العالمية"، وأعلن أن قناة "MTV العربية"، ستكون قناة مفتوحة على مدار اليوم تلبي من خلال برامجها احتياجات جمهور المشاهدين الشباب في المنطقة العربية، إذ تعول القناة على الفئة العمرية ممن هم دون سن الـ 25 سنة، والذين يشكلون أكثر من نصف إجمالي سكان منطقة الشرق الأوسط، حيث ستعمل قناة "MTV العربية" على استقطاب هذه الفئة الكبيرة من خلال تقديم العديد من البرامج والمواد المختارة بعناية. والسؤال الذي لا بد من طرحه هنا هو رغم أن الشركة الدولية معروفة الانتماء فأي مصالح وطنية ستمثل ؟ وأية ثقافة قومية ستغرس في نفوس الشباب العربي الذين هم في طور التكوين بعد ؟ فهل حاول بعض المحللين الإعلاميين الوطنيين الإجابة عليها ؟ وأشك بذلك صراحة !
فقد أشار عبد اللطيف الصايغ رئيس مجلس إدارة المجموعة الإعلامية العربية إلى أن "شراكتنا مع شبكة "MTV" العالمية تعد خطوة هامة في إطار رؤيتنا الإستراتيجية بعيدة المدى والخاصة بإطلاق قناة دولية مخصصة لعرض البرامج الموسيقية والثقافية العربية، وأضاف لا شك من أننا مسرورين لإطلاق قناة "MTV العربية"، ونتطلع نحو تحقيق المزيد من فرص النمو في المنطقة". وتتضمن الخطة البرامجية للقناة عرض الأغاني المصورة، والبرامج المتخصصة بالموسيقى، ونخبة من برامج المنوعات، وتلفزيون الواقع، والمسلسلات الكوميدية والدرامية، وتقديم نشرات الأخبار، والمقابلات والبرامج الوثائقية، كما ستقدم قناة "MTV" العربية، بالإضافة إلى برامج قناة "MTV" العالمية التي لاقت شعبية واسعة، برامج تعالج القضايا المحلية لتلبية احتياجات جمهور الشباب العربي بشكل خاص. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن قنوات "MTV" تم إطلاقها في عام 1981 في وقت كانت فيه خدمات البث التلفزيوني عن طريق الكابلات لا تزال في بداياتها الأولى، ومنذ ذلك الوقت شهدت الشبكة تطورات هائلة لتصبح من أكبر الشبكات التلفزيونية في العالم، من خلال كونها جزءاً من ثقافة الشباب، وتنوع الثقافات في العالم.
ومفهوم أنها ستستخدم اللغة العربية التي ترتبط بتاريخ، وثقافة، وهوية، كل العرب وتحظى باهتماماتهم ورعايتهم، وهم يسعون اليوم لاستكمال جهودهم للنهوض بها في المرحلة التي يتعرض فيها وجودهم القومي لمحاولات طمس الهوية القومية ومكوناتها والذي يشكل التمسك باللغة العربية عنوانا للتمسك بهذا الوجود ذاته. وتتعرض لغزو لغوي مستمر ومتخفي برداء العولمة الثقافية وبلغ من الخطورة مبلغاً حمل أعلى القيادات السياسية في الدول العربية على أن تجعل التصدي له في هذه المرحلة من أولوياتها وعلى قدم المساواة مع التحديات الكبيرة التي تواجهها الأمة العربية مساهمة بذلك مع القوى العالمية الممانعة والمقاومة لطمس الثقافات الأصيلة أو تذويبها في أتون العولمة الثقافية أو بالأدق أمركتها،‏ ولكن دون نكران الحاجة إلى أن يهتم المرء باللغات الأجنبية، لأنها جسر التواصل بين العرب وثقافات غيرهم من الأمم، ولكن دون أن تكون أية لغة أجنبية بديلة عن اللغة العربية عند العرب، أو أن تكون من عوامل طمسها أو تحريف ثقافتها.
ولابد أن من عوامل الجذب إلى السوق الإعلامية العربية كانت زيادة حجم الإنفاق الإعلاني وازدهاره في بعض الدول العربية الذي هو من مؤشرات انتعاش دور وسائل الإعلام الجماهيري وسعة انتشارها، فدولة الإمارات العربية المتحدة مثلاً لوحظ فيها خلال الربع الأول من عام 2004 نمواً بنسبة 35% مقارنة بنفس الفترة من عام 2003. وحسب معلومات الجمعية الدولية للإعلان، فإن حجم الإنفاق في دولة الإمارات العربية المتحدة بلغ 446 مليون دولار خلال عام 2003، وبلغ متوسط نصيب الفرد من الإنفاق الإعلاني في الإمارات 160 دولاراً، فيما كان نصيب الفرد في بقية دول مجلس التعاون الخليجي 65 دولاراً فقط، مقارنة بحوالي 300 دولار في الولايات المتحدة وأوروبا وكندا. ونما حجم الإنفاق الإعلاني في السوق الإعلامية العربية عامة بنسبة 13% خلال عام 2005. بينما وصل حجم الإنفاق الإعلاني في المملكة السعودية إلى نحو 543.2 مليون دولاراً أمريكياً خلال العام المنتهي في أبريل/نيسان 2004 بارتفاع مقداره 16% مقارنة بحجم الإنفاق المماثل من العام السابق، الذي كان 468.3 مليون دولاراً أمريكياً، واستحوذت الصحف على حصة وصلت إلى 401.2 مليون دولاراً أمريكياً لتمثل أعلى حصة تستحوذ عليها وسيلة إعلانية وبمعدل 74% من حجم هذا الإنفاق الإجمالي، في حين تقاسمت وسائل الإعلام الأخرى الحجم المتبقي من الإعلان والبالغ 142.1 مليون دولاراً أمريكياً.
وأشار أحدث تقرير عن حجم الإنفاق الإعلاني في المملكة العربية السعودية والصادر عن مركز بارك للدراسات العربية (Park) مستوى الإنفاق الشهري في السعودية خلال عام بدأ من مايو/أيار 2003 وحتى أبريل/نيسان 2004، وأشار إلى أن شهر أكتوبر/تشرين الأول كان أكثر الشهور إنفاقا، حيث بلغ 60.3 مليون دولاراً أمريكياً، في حين كان أغسطس/آب من اقل الشهور إنفاقاً وكان 27.7 مليون دولاراً أمريكياً، وان معدل النمو السنوي للإنفاق الإعلاني شهد زيادات في الـ 9 أشهر من العام 2004 مقارنة بنفس الأشهر من العام الأسبق، وان معدلات الإنفاق الإعلاني تراجعت خلال 3 أشهر وهي في مايو/أيار نسبة 1%، وفي يونيو/حزيران نسبة 6%، ونوفمبر/تشرين الثاني نسبة 13%. وحازت الصحف في المملكة العربية السعودية على أعلى تفضيلات للمعلنين حيث استحوذت الصحف على 401.2 مليون دولاراً أمريكياً أو نسبة 74% من الإنفاق، في حين جاءت المجلات في المرتبة الثانية واستحوذت على 50.3 مليون دولار أي نسبة 9.2%، تتلوها اللوحات الإعلانية واستحوذت 47.6 مليون دولار أي نسبة 8.8%، والتلفزيون واستحوذ 40.7 مليون دولار أي نسبة 7%، في حين لم يزد نصيب الراديو عن 3.5 مليون دولار فقط، ومن جهة أخرى أشار التقرير إلى أن المملكة العربية السعودية كانت الأولى على مستوى دول الخليج العربية من حيث الإنفاق الإعلاني على مدار عام، تلتها دولة الإمارات العربية المتحدة واستحوذت على 506 مليون دولاراً أمريكياً، ثم الكويت واستحوذت على 328 مليون دولاراً أمريكياً، والبحرين واستحوذت على 97 مليون دولاراً أمريكياً، وعمان وقطر واستحوذتا على 57 مليون دولاراً أمريكياً لكل منهما.
وعلى مستوى الدول العربية جاءت المملكة العربية السعودية في المرتبة الثانية بعد مصر التي بلغ الإنفاق الإعلاني فيها 623 مليون دولاراً أمريكياً، ثم دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت، في حين احتلت لبنان المرتبة الخامسة بحجم إنفاق بلغ 299 مليون دولاراً أمريكياً خلال العام الذي انتهى في أبريل 2004، وما هذا إلا دليل يشير إلى حقيقة انتشار وسائل الإعلام العربية وجذبها للمعلنين وهو ما تم دراسته في الوقت التي نرى ندرة وسطحية الدراسات الوطنية التي تتناول الجوانب الإعلامية الأخرى.
وهذا في الوقت الذي أشارت إحصاءات شركة فوريستر كما ذكرت البي بي سي إلى أن الإعلانات الالكترونية في أوروبا ستبلغ 22 مليار دولاراً أمريكياً بحلول عام 2012 وهذا يعني ضعف القيمة المسجلة في العام 2006 وما يعني أن الإعلانات الالكترونية ستسجل ما قيمته 18% من إجمالي الإنفاق الإعلاني حينها، بينما هي 6% الآن. وهو ما يحتاج أن يأخذ المسؤولون والمخططون الإعلاميون العرب هذا بعين الاعتبار، خاصة وأن عدد مستخدمي موقع "ويكبيديا" الإلكتروني زاد بواقع 20 مليون مستخدم شهريا خلال العام الماضي 2006 ليصل الإجمالي إلى 46.8 مليون حسب ما ذكرته إحصاءات شركة "نيلسن نت رايتينغز"، و"ويكبيديا" الموسوعة الكترونية المفتوحة التي باتت أحد مراجع المعلومات والأخبار العالمية.
وفي دراسة أجرتها شركة "هيل اند نولتن – الشرق الأوسط"، اعتبر 94% من المسؤولين الإداريين في الشرق الأوسط أن السمعة المؤسساتية هي في غاية الأهمية، وأضاف 77% منهم أن السمعة هي إحدى 3 أهم عوامل ينظر إليها المستثمرون، وكانت أعلى النتائج في دولة الكويت حيث قال مسؤولي هيل اند نولتن أنها من أكثر بلدان الخليج نشاطا في مجال برامج المسؤولية المؤسساتية.
مكان الصحافة العربية في الصراع: رغم عراقة الصحافة العربية وخبرتها التي تشير إليها بعض الدراسات الإعلامية وتذكر أن الصحافة أخذت بالانتشار في الدول العربية منذ القرن التاسع عشر، وأن دولة الكويت أو مملكة البحرين أو إمارة دبي لم تكن أولى المناطق التي ظهرت فيها الطباعة والصحافة من بين دول مجموعة "دول مجلس التعاون الخليجي"، كما تُعرف الدول الخليجية اليوم، بل كانت الحجاز العثمانية السبّاقة بعد بلاد الشام العثمانية ومصر، حيث تأسست عام 1882 مطبعة "حجاز ولايتي مطبعة سي" ولم تدخل أولى المطابع إلى البحرين إلا عام 1934، ودخلت دولة الكويت بعد ذلك بسنوات، وكانت الحجاز المكان الذي شهد أولى التجارب الصحفية الخليجية مع صدور جريدة "الحجاز" عام 1908 و"شمس الحقيقة" في العام التالي، ورغم مضى أكثر من 75 عاماً على صدور أول مجلة كويتية، في مارس/آذار 1928، عندما صدر العدد الأول من مجلة "الكويت"، التي أشارت على صدر غلافها بأنها "مجلة دينية تاريخية أدبية أخلاقية، تصدر في الكويت"، وكان الشيخ عبد العزيز الرشيد، مؤرخ الكويت المعروف، يعد مواد المجلة في الكويت، وبعد ذلك من مقر إقامته المؤقت في البحرين بعد انتقاله إليها، وكان يطبعها في "المطبعة العربية" بالقاهرة، التي كان يملكها ويديرها الشاعر والأديب السوري خير الدين الزركلي، في مصر، ليكون الكويتيون بذلك أول من مارس التعاون الإعلامي العربي منذ مطلع القرن الماضي. وقد بلغ عدد المشتركين في المجلة قرابة الثلاثمائة شخص وهيئة، واستمرت في الصدور حتى مارس/آذار من عام 1930، وكان الرشيد خلال سنتي الصدور القصيرتين، منشئ المجلة وصاحبها ورئيس تحريرها ومديرها المسؤول، إلى جانب قيامه بدور المراسل، والموزع، والمحاسب، بعد أن وافق أمير دولة الكويت آنذاك على إصدار المجلة، بشرط أن يطلعه الشيخ عبد العزيز الرشيد على محتوى العدد الأول منها، وقرر الأمير أحمد الجابر أن يكون الشيخ يوسف بن عيسى القناعي مراقباً على المجلة. وكانت بداية لـ"الرقابة" في الحياة الصحفية الكويتية، وشهد النشر في دولة الكويت منذ تأسيسه مظاهر سلبية عديدة، ومظاهرة إيجابية نتمنى لها الانتشار في بقية دول الخليج والعالم العربي، ألا وهي إعادة إصدار طبعات من الصحف والمجلات القديمة، لوضعها بين أيدي الباحثين المعاصرين. وبعد مرور كل هذه السنوات على بداية الحياة الصحفية منذ عام 1928، وصدور صحف يومية، وعدد كبير من المجلات باللغة العربية ، لم تزل الكويت مثلها مثل الدول العربية الأخرى، بحاجة ماسة إلى الدراسات والاستبيانات والإحصائيات التي تعطي المسؤول والكاتب والقارئ معاً تصوراً دقيقاً عما تتناوله المواد الصحافية المنشورة، وصدى راجعها الإعلامي والفكري والتقني والعلمي.
الخاتمة
لفت انتباهي نتائج استبيان نشرته صحيفة "القبس" الكويتية، يوم 12 يونيو/حزيران عام 2004، وشمل عينة عشوائية من الكويتيين ذكوراً وإناثاً بلغ عددهم 406، وتراوحت أعمارهم بين 24 و50 سنة، من فئة الموظفين، أبدوا آرائهم وانطباعاتهم حول الصحافة، وأول استطلاع للرأي العام أجرته صحيفة تشرين الدمشقية ونشرته في عددها الصادر يوم 11/2/2007 وأظهر تراجعاً بنسبة 39% في عدد قراء الصحف الرسمية اليومية. ومعروف أن أكثر الصحف العربية تقوم باستطلاعات مشابهة وتنشر نتائجها على صفحاتها وتظهر كلها الحاجة الملحة للدول العربية إلى دراسات منهجية في هذا المجال والاستمرار بمثل هذه الأبحاث من خلال وضع منهج ومدخل علمي عربي من ضمن إستراتيجية عربية تمكن من تفعيل دور المؤسسات الإعلامية ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيري في عملية التواصل الثقافي العربي - العربي، والعربي - العالمي.
إذ لا يمكن إيجاد تواصل ثقافي وحضاري وتأمين الفرص اللازمة لاستمراره دون المعرفة الدقيقة لأطراف عملية التبادل الإعلامي الدولي، والتحديد الدقيق للقضايا المطروحة لمناقشة المشكلات الإنسانية العالمية ومحاولة التقريب بين وجهات النظر الحالية والمستقبلية والمشاركة في تأسيس نظام إعلامي عالمي جديد من خلال إستراتيجية إعلامية توفر ظروف تفعيل التواصل الثقافي العربي – العربي، والعربي - العالمي، تواصل ينطلق من نظريات ومناهج التحليل المعرفي والثقافي والإنساني. خاصة بعد أن ثبت يقينا بعد سقوط النظام ثنائي القطبية بعد انهيار المنظومة الاشتراكية ونهاية عصر الحرب الباردة، أن المناهج السياسية التقليدية عاجزة عن فهم وتأويل العالم المعقد، وأننا بحاجة إلى منهجية جديدة للتحليل المعرفي والثقافي والإنساني كي نرسخ تقاليد حوار الثقافات والحضارات في عصر يسميه البعض عصر الحضارة العالمية الواحدة. في الوقت الذي تعلن فيه مصادر أميركية في واشنطن عن نجاح الحملة، التي يقودها «التحالف ضد وسائل التحريض على الإرهاب» CATM. وقيام الشركة الفرنسية تيليكوم بمنع نقل الإشارات التلفزيونية لقناة «المنار» الفضائية إلى القمر الصناعي «آسيا سات»، وتأكيد مسؤول العلاقات العامة في تلفزيون «المنار»، إبراهيم فرحات «أن القناة تنتهج سياسة إعلامية واضحة، أساسها تقديم مادة إخبارية صادقة وموضوعية حول ما يجري من أحداث في العالم، وأنها ستستمر باعتماد هذا النهج، مع الحرص دوماً على تطوير أساليب عملها وأدواتها رغم قرار منع البث الذي وصل إلى آسيا بعد أوروبا وأميركا الشمالية». بالإضافة لقرارات المنع بالجملة التي صدرت عن المجلس الأعلى الفرنسي للإعلام المرئي والمسموع لتشمل دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى منع أمريكي وآخر استرالي طال القناة التلفزيونية المعنية. وما كان من مدير الأخبار في المحطة، الذي فاز بمقعد نيابي في البرلمان اللبناني، حسن فضل الله، حينها إلا أن يصدر حكما مسبقا على أن الإجراءات المنفذة ضد القناة تنطلق من خلفيات وضغوط تقوم بها مؤسسات صهيونية. ليتبادر إلى الذهن سؤال أين الديمقراطية والحرية الفكرية التي يدعوا إليها الغرب ؟!! وهو ما أجبر قناة «المنار» اللبنانية على ما أعتقد للاكتفاء ببث فضائي عبر قمري عربسات ونايلسات العربيين، وبذل جهود من أجل إتاحة أقمار صناعية أخرى للبث عليها، حيث أوضح فرحات: «أن الحملة لإقصاء القناة عن الأقمار الصناعية العالمية مستمرة، ولم يعد خافياً على احد أن الحكومة الإسرائيلية واللوبي الصهيوني الموجود في الخارج، والعديد من المنظمات اليهودية، تقف خلف الحملة المعادية بشكل مباشر، ويمارسون ضغوط على الحكومات الأجنبية وعلى هيئات البث في تلك الدول وعلى شركات البث الناقلة لإشارة البث التلفزيوني للـ«المنار» عبر أقمارها الصناعية. ويفهم من هذه التصرفات بوضوح مدى التناقض القائم مع فكرة الإسهام بتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان والآراء المختلفة، وهو ما يفرض معه حق مطالبة الدول الأوروبية والغربية عامة باتخاذ مواقف واضحة تصون حرية التدفق الإعلامي باتجاهين ويكفل له حرية العمل ضمن القوانين المرعية، وألا تتخلى عن أهم المبادئ التي قامت عليها الشرعية الدولية، وهي حرية الفكر والرأي.
طشقند في 16/12/2007
مصادر البحث:
1. د. أحمد جاد الله شلبي: تاريخ التربية الإسلامية. القاهرة: مطبعة دار الكتب.
2. إبراهيم أولحيان: كتاب المغرب حول استخدام العاميات في وسائل الإعلام العربية: كل لغة تعاني من ازدواجية ولكن هناك من يريد لعامياتنا أن تسود! . // لندن: القدس العربي، 15/7/2007.
3. الإعلان الخليجي. // أبو ظبي: الاتحاد 5/5/2004
4. جرجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، ج4 . مطبعة دار الهلال.
5. جواد مرقة: متخذو القرار الإعلامي العربي والمتوسطي والإفريقي. // عمان: صحيفة الدستور 1/7/1997.
6. جمايما كيس: دمج «الورقي» بـ«الإلكتروني» في صحف «نيوز انترناشونال» خطوة تشمل كبريات مطبوعات الشركة كالـ «تايمز» والـ «صن» والـ «صنداي تايمز». // لندن: الشرق الأوسط، 15/7/2007
7. د. جيهان أحمد رشتي: الأسس العلمية لنظريات الإعلام. القاهرة: دار الفكر العربي، 1978.
8. خالد الحروب: الإعلام العربي كجزء من العملية السياسية والديمقراطية. // أبو ظبي: الاتحاد 14 /7/2004.
9. خدمة «الغارديان» – خاص بالشرق الأوسط. // لندن: الشرق الأوسط 15/7/2007.
10. خلدون غسان سعيد: حرب إلكترونية عبر شبكات الكومبيوتر والانترنيت. // لندن: الشرق الأوسط، 24/7/2007.
11. خليل علي حيدر: صحافة الكويت... حرة أم مقيدة؟ // أبو ظبي: الاتحاد، 18/7/ 2004.
12. د. خليل صابات: تاريخ الطباعة في الشرق العربي.
13. د· خليفة علي السويدي: هل يعرف العرب ؟ // أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، 24/1/2004
14. رولان كايرول: الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية. ترجمة: مرشلي محمد. ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1984
15. سلمان الدوسري: نائب رئيس «إم. تي. في» العالمية: قناتنا العربية لن ينافسها أحد، تنطلق من دبي نهاية العام الحالي وتتميز بمزيج من المحتويين الغربي والعربي. // لندن: الشرق الأوسط، 22/7/2007.
16. السيد يسين: الإعلام والتواصل العربي الأوروبي. // أبو ظبي: الاتحاد، 8/4/ 2004
17. سناء الجاك: المنار تبحث عن أقمار بديلة.. وتبقي على سياستها الإعلامية بعد أوروبا وأميركا الشمالية.. آسيا أيضا على خريطة القارات التي منعت فيها القناة بيروت. // لندن: الشرق الأوسط الأحد 14 آب 2005
18. د. شمس الدين الرفاعي: تاريخ الصحافة السورية، ج1، العهد العثماني. القاهرة: دار المعارف بمصر، 1969.
19. د. صابر فلحوط، د. محمد البخاري: العولمة والتبادل الإعلامي الدولي. دمشق: دار علاء الدين للنشر، 1999.
20. د. صالح عبد الرحمن المانع: صورة المملكة العربية السعودية في العالم. // أبو ظبي، الاتحاد 9/10/2004.
21. فايز بن عبد الله الشهري: الصحافة بين الإلكتروني والمطبوع. // الرياض: صحيفة الرياض 8/8/2004.
22. فيصل عباس: مردوخ يشتري «داو جونز».. و«حاجز» لمنع تدخله في تحرير «وول ستريت جورنال» // لندن: الشرق الأوسط 1/8/2007.
23. فيصل عباس: مردوخ: الإعلام سيصبح مثل الوجبات السريعة عملاق الصحافة العالمية يوجه «إنذارا بالطاعة» للناشرين ويدعوهم للاستفادة من الإنترنت. // لندن: الشرق الأوسط، 15/3/2006م.
24. مازن يوسف صباغ: خطاب الرئيس بشار الأسد بمناسبة أدائه القسم الدستوري... قراءة إعلامية. // دمشق: الثورة، 22/7/2007.
25. د. محمد البخاري، د. سرفار جان غفوروف: دولة الكويت. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، طشقند: دار نشر مكتبة علي شير نوائي الوطنية، 2007. (باللغة الروسية)؛ - جمهورية مصر العربية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2002. (باللغة الروسية)؛ - المملكة العربية السعودية. مقرر جامعي. معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2001. (باللغة الروسية)
26. أ.د. محمد البخاري: التبادل الإعلامي الدولي في إطار العولمة والعلاقات الدولية المعاصرة. 2006. (قيد النشر)؛ - العلاقات الدولية في ظروف الثورة المعلوماتية. // دمشق: مجلة "المعرفة"، العدد 519 كانون أول/ديسمبر 2006؛ - العلاقات الدولية في ظروف الثورة المعلوماتية. دمشق: دار الدلفين للنشر الإلكتروني، 4/8/2006. http://www.dardolphin.org؛/ - المجتمع المعلوماتي وتداعيات العولمة. دمشق: دار الدلفين للنشر الإلكتروني، 21/7/2006. http://www.dardolphin.org؛/ - التبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية)؛ - التفاعلات السياسية في وسائل الإعلام الجماهيرية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية)؛ - مبادئ الصحافة الدولية في إطار العلاقات الدولية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية)؛ - قضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، مطبعة بصمة، 2004. (باللغة الروسية)
27. د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية، 1990.
28. محمد بدير: الرياض: الإنفاق الإعلاني في السعودية يرتفع 16% بإجمالي 543.2 مليون دولار خلال عام السعودية الأولى خليجيا والثانية عربيا والصحف مفضلة لدى المعلنين بنسبة 74%. // لندن: الشرق الأوسط 29/8/2004.
29. في أول استطلاع للرأي العام.. استطلاع تشرين.. القراء اليوميين للصحف الرسمية في تراجع 39%. // دمشق: صحيفة تشرين، 11/2/2007
30. Alan Hancock: Mass Communication (London, Longmans, 1966).
31. Harry Goldstein: "Reading and Listening Comprehension at Various Controlled Rates" ( N.Y.: Teachers College, Columbia University Bureau of Publications, 1940).
32. H. Blumer: Movies and Conduct. ( N.Y.: the Macmillan Company 1933).
33. Lazarsfeld et al: The People's Choice, McPHee, New strategies for Research in the Mass Media. ( N.Y.: Bureau of Applied Social Research, Columbia University 1953 ).
34. Leo Bogart: the Age of Television. ( N.Y.: Frederick Ungar, 1956 ).
a. P. Lazarsfeld: Radio and the printed Page. ( N.Y.: Duell Sloan and Pearce, 1940).
35. William L: Rivers and Wilbur Schramm, Responsibility Mass Communication. New York, Harper & Row, 1969.
36. W. Charters: Motion Pictures and Youth. (N. Y.: Macmillan 1933); Doob, Propaganda: Its Psychology and Technique. (N.Y.: Henry, Holt and Company 1935)
37. W. Schramm: One Day In the Wold's Press.