العولمة
وقضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة
أ.د.
محمد البخاري:
مواطن عربي سوري مقيم في أوزبكستان. دكتوراه علوم DC في
العلوم السياسية. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة.
أستاذ مادة التبادل الإعلامي الدولي بمعهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية.
العولمة
وقضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة كان موضوع
الأطروحة التي دافعت عنها أمام المجلس العلمي المتخصص في أكاديمية بناء المجتمع
والدولة التابعة لرئيس جمهورية أوزبكستان للحصول على الدرجة العلمية "دكتوراه
العلوم CD في العلوم السياسية" الاختصاص: 23.00.03 – الثقافة السياسية
والأيديولوجية؛ والاختصاص 23.00.04 – المشاكل السياسية للنظم العالمية والتطور
العالمي.
وتناول
موضوع البحث تطور ومكانة ودور وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية ووسائل الاتصال
والتبادل الإعلامي في العلاقات السياسية والاقتصادية الدولية من وجهة نظر ضرورة
دراسة الاتجاهات الأساسية للتبادل الإعلامي الدولي في إطار العلاقات الدولية؛
ومبادئ الصحافة الدولية؛ والعلاقات الدولية؛ والعلاقات العامة الدولية كهدف من
أهداف التبادل الإعلامي الدولي.
وكان
الهدف من البحث دراسة مسائل الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي، والتبادل الإعلامي
الدولي في إطار العلاقات الدولية والسياسة الحكومية الخارجية، ومراحل تطور التبادل
الإعلامي الدولي المعاصر ودوره في التفاهم الدولي. ومحاولة كشف النواحي العملية
والنظرية لمفهوم وطبيعة التبادل الإعلامي الدولي من خلال العمل مع وسائل الإعلام
الجماهيرية ووسائل الاتصال في إطار الدبلوماسية الشعبية والعلاقات الدولية، ودراسة
تأثير مختلف حقائق وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العالمية الحديثة
والمعلوماتية على عمليات تعبئة الرأي العام الدولي من خلال الحوار الثنائي ومتعدد
الأطراف في إطار العلاقات الدولية كعنصر من عناصر الوظيفة الدبلوماسية. وتحليل
التبادل الإعلامي الدولي من وجهة نظر الأمن القومي والأمن الإعلامي ومبادئ الاستخدام
الأمثل للمعلومات من قبل الأجهزة الحكومية. وتحديد مفهوم التخطيط الإعلامي، وطبيعة
عمل الحملات الإعلامية والمراكز الإعلامية الدولية.
واعتمدت
طرق البحث المستخدمة في الأطروحة على نتائج بحوث الباحثين العرب والأوزبك
والأجانب، والمبادئ النظرية للبحوث في مجال العلوم السياسية، ونظريات العلاقات
الدولية والحقوق والصحافة الدولية، وطرق البحوث السياسية لمراحل تطور ودور التبادل
الإعلامي في العلاقات الدولية مع الاعتماد على المواد الإعلامية المنشورة.
أما
نتائج البحث وحداثته فاعتمدت على أنها وللمرة الأولى تتم محاولة لتحليل مكانة
وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من النواحي التاريخية والسياسية ضمن إطار
العلاقات الدولية على عتبة القرن الحادي والعشرين. وإظهار تأثير وسائل الاتصال
والإعلام الجماهيرية الحديثة على تطور العلاقات الدولية، وخاصة خلال النصف الثاني
من القرن العشرين. ودراسة دور التبادل الإعلامي الدولي ضمن إطار عملية تحول
التبادل الإعلامي الدولي إلى أحد الأشكال الرئيسية لنشاط الدول على الساحة
الدولية، وهو الذي احتل مكانة هامة في السياسات الخارجية للدول. مع إبراز المكانة
المتميزة لدور التبادل الإعلامي الدولي في نشاط أهم المنظمات الدولية والإقليمية.
ومحاولة التنبوء بمستقبل التعاون الإقليمي والدولي في مجال الأمن الإعلامي،
والتحدث عن الطرق الممكنة للتكامل والتعاون على أعلى المستويات بين الدول ضعيفة
التطور والدول النامية في العالم ضمن المنظومة الإعلامية الدولية.
ولأول
مرة بذلت محاولة لتحليل ورصد مبادئ الوضع الراهن وآفاق مستقبل تطور النظام الدولي
للتبادل الإعلامي في العلاقات الدولية المعاصرة، مع استخلاص الصعوبات التي تعترض
طريق التطور المتصاعد للتعاون الإعلامي ذو المنفعة المتبادلة، وتعزيز المواقف
المستقبلية في العديد من قضايا العلاقات الدولية المعاصرة.
وانطلقت
الناحية العملية للبحث من أن تطور وأهمية وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية
الدولية في نهاية القرن العشرين رافقتها عملية تشكل الدول المستقلة الحديثة
وانتهاء المرحلة الطويلة "للحرب الباردة" بين الشرق والغرب. وأن الدراسة
العلمية لآليات الاعتماد المتبادل والتأثير المتبادل لهذه الدول والدول المتطورة
في العالم في إطار المجتمع الدولي يمكن أن تفيد في دراسة تاريخ أي منطقة أو دولة
في العالم، ومن دون شك أنها تتمتع بأهمية نظرية، لأنها تخدم وتغني النظريات التي
تعتمد عليها الدول في العلاقات القانونية والسياسية الدولية. كما وظهرت للبحث
خصائص متميزة لأنها أظهرت تأثيرات العولمة وتميز بعض المناطق والدول عن غيرها من
المناطق والدول في العالم، وتأثيرها على الغير بغض النظر عن عوامل البعد الجغرافي.
كما وأنها تفيد في دراسة عملية التبادل الإعلامي، ودور مختلف دول العالم في
العلاقات السياسية والإعلامية الدولية، مع التركيز على خصائص تحول تلك الدول إلى
أطراف تتمتع بكامل الحقوق في المجتمع الدولي خلال القرن العشرين.
وظهر
مستوى التطبيق العملي والفاعلية الاقتصادية من خلال المواد التي نشرها الباحث عن
موضوع البحث ضمن 40 مادة نشرها في أوزبكستان، وسورية، ومصر، والإمارات العربية
المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والكويت، واليمن. كما وتم تدريس مواد تتعلق
بموضوع البحث في الدورات الخاصة التي شملت طلاب مرحلة البكالوريوس ومرحلة
الماجستير في كلية العلاقات الدولية والاقتصاد بمعهد طشقند الحكومي للدراسات
الشرقية، وكلية الصحافة في الجامعة القومية الأوزبكية، وكلية الصحافة الدولية
بجامعة اللغات العالمية خلال الأعوام الدراسية 1995/1996 - 2004/2005، وفي قسم
الصحافة بجامعة قره قلباقستان الحكومية في العام الدراسي 1998/1999. بالإضافة إلى
ذلك تم إلقاء محاضرات في المؤتمرات العلمية النظرية السنوية لأساتذة وأعضاء هيئة
التدريس في معهد طشقند الحكومي للدراسات الشرقية التابع لوزارة التعليم العالي
والمتوسط التخصصي بجمهورية أوزبكستان.
أما
مجالات التطبيق العملي لنتائج البحث فظهر في أنه يمكن استخدامها في النشاط العملي
للهيئات الحكومية والمنظمات الاجتماعية، التي تعمل في مجال قضايا السياسة الخارجية
والإعلامية. وفي التعليم العالي التخصصي لإعداد المتخصصين في الدراسات الشرقية،
والصحفيين، والمؤرخين، والمتخصصين في العلوم السياسية، والمتخصصين في العلاقات الدولية،
والعلاقات الاقتصادية الدولية ضمن إطار دراسة مسائل تأثير المعلوماتية والتبادل
الإعلامي الدولي على عولمة نظم العلاقات الدولية والعلاقات الاقتصادية الدولية.
وقد
جرى الدفاع عن الأطروحة في مبنى أكاديمية بناء المجتمع والدولة التابعة لرئيس
جمهورية أوزبكستان يوم الجمعة 8 تموز/يوليو أمام المجلس العلمي المتخصص والذي يضم
في صفوفه نخبة من المتخصصين في العلوم السياسة والقانون الدولي من بينهم أعضاء في
البرلمان الأوزبكي، ومرشح سابق لمنصب رئيس الجمهورية، ورئيس سابق للجنة الانتخابات
المركزية في البرلمان الأوزبكي. ونتيجة لعملية التصويت السري الذي تم بعد
المناقشات حصلت على الدرجة العلمية "دكتوراه العلوم CD في
العلوم السياسية" الاختصاص: 23.00.03 – الثقافة السياسية والأيديولوجيا؛
والاختصاص 23.00.04 – المشاكل السياسية للنظم العالمية والتطور العالمي بإجماع
أصوات أعضاء المجلس العلمي المتخصص.
وقد
شمل البحث مصطلحات منها: الأمن في المجال الإعلامي، السياسة الحكومية الخارجية،
العولمة، مهام التبادل الإعلامي الدولي، الثورة المعلوماتية، الاستقلال الإعلامي
للدولة، المعلوماتية، الأسلحة المعلوماتية، الحرب المعلوماتية، الحملة الإعلامية،
العلاقات الدولية، التبادل الإعلامي الدولي، المجتمع الدولي، الصحافة الدولية،
العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية، التفاهم الدولي، التدفق الإعلامي الدولي،
التعاون الدولي، احتكار وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، الأمن الإعلامي الدولي،
التقدم العلمي والتكنولوجي، مجالات الصراع الجديدة، الأمن القومي والأمن الإعلامي،
الدبلوماسية الشعبية، العلاقات الاجتماعية، النظم السياسية والاجتماعية، عمليات
التبادل الإعلامي الدولي، مبادئ الصحافة الدولية، الاستخدام الأمثل للمعلومات،
عمليات تشكيل الرأي العام، تنظيم التدفق الإعلامي، وسائل الإعلام الجماهيرية
ووسائل الاتصال، التبادل الإعلامي الدولي المعاصر، تعبئة الرأي العام، عناصر
الوظائف الدبلوماسية.
وأشار
البحث إلى التبادل الإعلامي الدولي في حياة الأمم المعاصرة، وفي ظل النظام الدولي
الراهن حتى أًصبح واحداً من أكثر الموضوعات إثارة للاهتمام، وذلك نظراً للإمكانيات
الهائلة القائمة والمحتملة للتبادل الإعلامي الدولي على ضوء التطور الهائل في
وسائل الاتصال الإلكترونية. التي تنبأ لها البعض بأنها ستمكن الإنسان في نهاية
القرن العشرين من الحصول على أية معلومات يريدها بمنتهى السرعة واليسر والسهولة.
وهو ما حدث فعلاً عبر شبكات الكمبيوتر العالمية، والقنوات التلفزيونية الفضائية،
ووسائل الاتصال الأخرى من فاكس وتلكس وبريد إلكتروني... الخ. والتي أصبحت تستخدمها
فعلاً وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، لمخاطبة العقول أينما كانـت، ومهما
تباينت، وبأية لغة يفهمها الإنسان المعاصر الذي تميز بسعة الأفق والمعرفة، بفضل
المعلومات التي وضعتها بين يديه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية أينما كان.
كما
وسمحت تقنيات الاتصال الحديثة للتدفق الإعلامي الدولي أن يكون تبادلاً إعلامياً
دولياً، تسيطر فيه الدول المتطورة بفضل إمكانياتها المادية والعلمية والتقنية. ولو
أن أية دولة أو أية جماعة مهما كان حجمها وإمكانياتها تستطيع ولوج عالم التبادل
الإعلامي الدولي بالحرف والصوت والصورة دون عوائق تذكر. وقد التفتت الدول
والتجمعات الدولية اليوم، بعد أن تجلت لها حقيقة الثورة المعلوماتية خلال العقود
الثلاثة الماضية، إلى التركيز على أهداف ووظائف التبادل الإعلامي الدولي، وردم
الهوة بين الدول المتطورة والغنية، والدول الأقل تطوراً والمتخلفة والفقيرة.
وأصبح
المدخل لدراسة مشاكل الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي، تدارس قضايا الإعلام
والاتصال، والسعي لإقرار نظام عالمي جديد للتبادل الإعلامي الدولي، يهدف أساساً
إلى الحد من اختلال التوازن بين الدول المتقدمة والدول النامية. ويجعل من التبادل
الإعلامي الدولي المفتوح مجالاً للحوار بين الأمم والثقافات، لا السيطرة كما يرغب
منها البعض.
خاصة
بعد أن أحدثت ثورة المعلومات الناتجة عن التطور العلمي والتقني الهائل لوسائل
الاتصال الجماهيري، تغييرات جوهرية داخل المجتمعات في مختلف الدول، بفارق سجل نسب
التطور في كل مجتمع من مجتمعات الدول المتطورة والأقل تطوراً والدول النامية في
العالم. والدولة وكما كانت الحال منذ القدم هي العنصر الأساسي في العلاقات
الدولية، رغم التأثر الواضح الذي بدرت ظواهره تزداد وضوحاً كل يوم، من خلال تأثير
وسائل الاتصال الجماهيرية المتطورة في عملية التبادل الإعلامي الدولي. ورغم ذلك
تظل الدولة دون سواها العنصر الرئيسي في وضع وتنظيم وضبط آليات العلاقات الدولية
ومن ضمنها عملية التبادل الإعلامي الدولي. خاصة وأن مفهوم قوة الدولة على الساحة
الدولية، كان ولم يزل مرتبطاً منذ البداية بقوة وتماسك الدولة من الداخل، الذي
تعززه وسائل الإعلام الجماهيرية الوطنية من خلال تأثيرها على الجمهور الإعلامي
وتكوينها للرأي العام.
ومما
لاشك فيه اليوم أن ثورة وسائل الاتصال الحديثة، وما نتج عنها من امتداد وانتشار
لوسائل الإعلام الجماهيرية بأشكالها التقليدية والحديثة، قد تركت بصماتها على دور
الدولة الذي بدأ يضعف في مجتمع عصر التدفق الحر للمعلومات عبر تقنيات الاتصال
الحديثة من الجانبين. ولم يعد بالإمكان التحدث اليوم عن السيادة الإعلامية ضمن
الحدود السياسية للدولة، وعن التحكم بعملية تدفق المعلومات لداخل تلك الحدود،
وبالتالي الانفراد بتشكيل عقول مواطني الدول بما يضمن الولاء التام للدولة، بنفس
الطريقة التي كانت مطروحةً به قبل انهيار المنظومة الشيوعية وعلى رأسها الاتحاد
السوفييتي السابق. خاصة وأن تأثير ثورة المعلومات قد شمل سلباً الدولة بكل
مكوناتها من حدود سياسية معترف بها، وشعب وحكومة وأصبحت السيطرة على عملية تدفق
المعلومات شبه مستحيلة بعد أن تحولت المعلومات إلى عناصر غير ملموسة وغير مرئية،
يسهل تنقلها واختراقها لأي حدود سياسية أو جغرافية كانت، مهما بلغت نوعية وكمية
ودرجة إجراءات الحماية ضد اختراق التدفق الإعلامي الحديث.
ولا
أحد ينكر الدور الذي لعبته الصحافة المطبوعة في بلورة الشخصية القومية للأمم،
عندما وفرت للشعوب إمكانية المشاركة في عنصري الزمان والمكان عن طريق اشتراك أبناء
الشعب الواحد في قراءة صحيفة تتحدث بنفس اللغة، وتحمل على صفحاتها نفس الزوايا
والأبواب وتصدر في مكان وزمن محدد، مما دعم الشعور القومي لدى هذه الشعوب. أما
اليوم فقد تقلص البعد الجغرافي، وزال الفاصل الزمني، وأصبحت تقنيات الاتصال
الحديثة تقفز من فوق الحواجز وتخرقها. وما كان مستحيلاً في عالم الاتصال الأمس،
أصبح اليوم واقعاً ملموساً، وكأن مصدر المعلومات والقائم بالاتصال والجمهور
الإعلامي مهما باعدت المسافة الجغرافية بينهم، داخل ساحة إعلامية واحدة تعجز الدول
عن التحكم بها، مما ترك بدوره أثاراً بالغة على الشعور الوطني والتماسك الاجتماعي،
والولاء للدولة من قبل المواطنين المنتمين للدول المعرضة للاختراق الإعلامي.
ويمثل
الاستقلال السياسي للعديد من دول العالم إثر انهيار المنظومة الاشتراكية التي كان
يقودها الاتحاد السوفييتي السابق، أحد خصائص النظام الدولي الجديد الذي أخذ
بالتبلور منذ العقد التاسع من القرن العشرين. ورغم ذلك فإن الظروف العالمية
الراهنة تظهر اتجاه بعض الدول إلى تبني هيمنة وتأثير بعض الدول المعينة، على هذا
النظام الدولي الجديد الآخذ بالتبلور. بينما تتجه دول أخرى لرفض تلك الهيمنة
والتأثير عليها، إضافة للسعي الحثيث للعديد من شعوب المناطق المضطربة والداخلة ضمن
الحدود السياسية لبعض الدول، إلى الاستقلال السياسي عنها والتمتع بالسيادة القومية
على أراضيها.
وقد
كان لمعادلة القوى تأثيرها على التبادل الإعلامي الدولي، كنتيجة للتقدم التكنولوجي
والعلمي في مجال تقنيات الاتصال، فقد أصبحت الدول أكثر ارتباطا وقرباً من بعضها
البعض أكثر من ذي قبل، وأصبح للتبادل الإعلامي الدولي والاتصال دوراً متميزاً في
العلاقات الدولية، خاصة فيما يتعلق بمكونات الشخصية القومية لمختلف الشعوب، وتشكيل
وتوظيف السياسة الخارجية للدول، ووسائل السياسات الدولية بشكل عام. ويمثل عدم
التوازن والتفاوت في الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي، بين مختلف دول العالم، أحد
الأبعاد الهامة في السياسة الدولية. وهذا يؤكد أن التدفق الحر للمعلومات لا يعد
أكثر من مجرد تدفق في اتجاه واحد، وليصبح التدفق حراً لا بد من تحقيق شيء من
التوازن الحقيقي بين الدول.
وقد
يحدث عدم التوازن داخل دورة التبادل الإعلامي الدولي بأشكال مختلفة، مثلاً: بين
الدول المتقدمة والدول الأقل تقدماً والدول النامية؛ وبين الدول ذات النظم
السياسية والاقتصادية والاجتماعية المختلفة؛ وبين الدول المتقدمة المنتمية لنفس
المنظومة السياسية، وخاصة من حيث الإمكانيات، بين الدول الكبيرة والدول الصغيرة؛
وبين الدول النامية نفسها، الدول الفقيرة ذات الدخل المنخفض، والدول الغنية ذات
الدخل المرتفع، من عائدات الموارد الطبيعية مثلاً؛ وبين الأنباء المشجعة والأنباء
السيئة.
وكل
هذه الأشكال من حالة عدم التوازن، لا تقتصر فقط على التدفق الإعلامي والاتصال
والتبادل الإعلامي الدولي فقط، بل تتعداها إلى جمع وإعداد ونشر المعلومات لأغراض
التطور العلمي، ونقل التكنولوجيا المتطورة الجديدة، وحاجات الاقتصاد الوطني ...
الخ. وبالتالي يؤدي هذا إلى اتساع الفجوة بين الدول المرسلة، أي منابع التدفق
الإعلامي الدولي، وبين الدول المستقبلة، أي المستهلكة للمادة الإعلامية الدولية.
وقد
دعت الدول المنتسبة لبعض التكتلات الدولية، كمنظمة الدول غير المنحازة، ومنظمة
المؤتمر الإسلامي، والمنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية، ومنظمة الوحدة
الإفريقية، وغيرها من المنظمات، إلى استقلالية وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية،
وإلى تحقيق التوازن في تدفق الأنباء والتخفيف من آثارها السلبية، ونادت هذه الدول
بإقامة نظام عالمي جديد للتبادل الإعلامي الدولي، ليحل مكان النظام القديم، من
خلال بناء نظام دولي للاتصال أكثر حرية ومرونة، وأكثر عدلاً وفاعلية وتوازناً،
نظام جديد مبني على أسس المبادئ الديمقراطية وتكافؤ الفرص بين مختلف دول العالم.
ويرتبط
التدفق الإعلامي، ونظام الاتصال الدولي، والتبادل الإعلامي الدولي، بمفاهيم
متداخلة، مثل (حرية الإعلام)، و(التدفق الحر للإعلام)، و(التدفق المتوازن
للإعلام)، و(النمو الحر للوسائل الإعلامية).
وهناك
بعض الصعوبات الناتجة عن بعض التصرفات السياسية، التي تعيق حرية التبادل الإعلامي
الدولي، ويمكن تداركها بسهولة لو توفرت النوايا الحسنة، مثل استخدام العنف الجسدي
ضد الصحفيين، والتشريع القمعي، والرقابة المجحفة، وإدراج أسماء الصحفيين في
القوائم السوداء، ومنعهم من النشر، وحظر انتقال الصحف والمجلات والكتب ومنع
استيرادها، أو تصديرها في بعض الأحيان من قبل الدول المتقدمة، خوفاً من تسرب التكنولوجيا
المتطورة.
وقد
أستخدم مبدأ التدفق الحر للإعلام كوسيلة سياسية في الصراع بين الدول الاشتراكية
بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق، والدول الرأسمالية المتطورة بقيادة الولايات
المتحدة الأمريكية، إبان سنوات الحرب الباردة. ووسيلة اقتصادية من قبل الدول
الغنية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية الموجهة للدول النامية. ولهذا رأت الدول
النامية في مبدأ التدفق الحر للإعلام، تأكيداً لسيطرة عدد قليل من الدول الصناعية
المتقدمة على سيل المعلومات المتدفقة إلى الدول النامية. وترى أن حرية الإعلام
تعني أن يكون تدفق المعلومات باتجاهين، تأكيداً للعدالة في التبادل الإعلامي
الدولي.
وقد
أدى مبدأ التدفق الحر للإعلام، إلى تدفق أحادي الجانب للمعلومات والرسائل
الإعلامية، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية، وبرامج الكمبيوتر والمنتجات الثقافية
من الدول المتطورة صناعياً إلى الدول الصغيرة الأقل تطوراً والدول النامية، مما
عزز من سيطرة مراكز القوى في العالم، وأحكم سيطرتها على عملية التدفق الإعلامي من
الشمال الغني إلى الجنوب الفقير.
والتدفق
الإعلامي باتجاه واحد الذي يعتمد على أنماط تاريخية وثقافية معينة، يؤثر حتى على
بعض الدول الداخلة في إطار إقليم جغرافي واحد، إذ نرى في أوروبا أن بعض الدول
تسيطر على سيل المعلومات المتدفقة من القارة الأوربية، وتتجاهل وسائل الإعلام
الجماهيرية الدولية لهذه الدول المسيطرة، الإنجازات الضخمة والنجاحات التي حققتها
بعض الدول الأوربية الصغيرة، أثناء بثها للمعلومات من خلال عملية التبادل الإعلامي
الدولي.
وعلى
هذا الأساس فإنه يمكننا استنتاج ما يلي: أنه هناك سيل جارف من المعلومات بين شمال
القارة الأمريكية، والقارة الأوربية؛ وأنه هناك اتجاه واحد للتدفق الإعلامي، يتركز
من شمال الكرة الأرضية إلى جنوبها، يستقبل من خلاله العالم أكثر من 90 % من المواد
الإعلامية عبر لندن وباريس ونيويورك.
ويظهر
هذا بوضوح في عدم التوازن في إنتاج الصحف والمجلات والكتب والبرامج الإذاعية
والتلفزيونية، وغيرها من المواد الإعلامية، ونشرها وتوزيعها عبر الشبكات الدولية
لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ويعكس في نفس الوقت الوضع الحقيقي للتبادل
الإعلامي الدولي. وكانت ردة فعل الدول المتقدمة والمسيطرة على وسائل الاتصال
والتدفق الإعلامي بشكل عام، على مساعي مجموعة الدول غير المنحازة لتقوية وضعها في
إطار التبادل الإعلامي الدولي غير مرضية.
ويعد
التدفق الإعلامي في اتجاه واحد، انعكاسا لسيطرة النظم السياسية والاقتصادية للدول
المتطورة والمسيطرة في العالم، والتي تؤكد دائماً على تبعية الدول الأقل تطوراً
والدول النامية للدول المتقدمة، من خلال تركيز وسائل إعلامها الدولية على الأزمات
والصراعات والصدامات العنيفة.
كما
ويعد التدفق الإعلامي الدولي رأسياً، بدلاً من أن يكون أفقياً كونه أحادي الجانب،
يأتي من الأعلى من الدول المتقدمة، إلى أسفل للدول الأقل تطوراً والدول النامية.
وكل ما سبق ذكره يظهر معادلة القوى في التبادل الإعلامي الدولي، في إطار العلاقات
الدولية.
ومن
الظواهر الواضحة في التبادل الإعلامي الدولي، بعد التطور الهائل لوسائل الاتصال
الحديثة، طرح المعلومات كسلعة وخدمات تتمثل في نقل وحفظ واسترجاع البيانات
والمعلومات. واحتلال الأنشطة التجارية حيزاً كبيراً من المساحة الإعلامية. وهو ما
تظهره الصحف والمجلات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وبرامج الكمبيوتر في القنوات
والشبكات العالمية، مما يقلل من القيمة الثقافية والاجتماعية لوسائل الاتصال
والإعلام الجماهيرية الدولية، ضمن عملية التبادل الإعلامي الدولي.
وللصحافة
الدولية جوانب مختلفة في إطار العلاقات الدولية، من خلال اضطلاعها بدورها ضمن إطار
السياسة الخارجية للدولة. ويمكن القول بأن السياسة الخارجية لأي دولة هي نتاج لعدة
عوامل مشتركة، داخلية وإقليمية ودولية. وتتناول العوامل الداخلية التراث الثقافي
والتاريخي والفكري، والأوضاع الاجتماعية والسكانية، والإمكانيات الاقتصادية
والعسكرية، إضافة للتركيبة السياسية.
وترتبط
العوامل الإقليمية، بالنظام الإقليمي السائد في الإقليم الذي تنتمي إليه هذه
الدولة، ومدى تأثر السياسة الخارجية للدولة بهذا النظام، وتفاعل عناصر القوى داخل
الإقليم، وعلاقة النظام الإقليمي بالنظام العالمي. كأقاليم جنوب شرق آسيا، وآسيا
المركزية، والعالم العربي، وحوض البحر الأبيض المتوسط، وحوض الكاريبي، وغيرها من
الأقاليم. أما العوامل القارية فترتبط بتفاعل عناصر القوى على مستوى القارة
بكاملها، والأنظمة السائدة فيها وإمكانية تأثيرها على السياسة الدولية كما هي
الحال في الاتحاد الأوروبي ومنظمة الوحدة الإفريقية مثلاً.
وتتناول
العوامل الدولية، النظام الدولي وخصائصه، وتطوره وأبعاده، والعلاقة بين الدول
الكبيرة والدول الصغيرة، والدول الغنية والدول الفقيرة، وعناصر قوى الأطراف
المختلفة ومدى تأثيرها على السياسات الخارجية لدول العالم. واعتماداً على كل تلك الحقائق
يتم رسم وتشكيل السياسة الخارجية للدولة من قبل أجهزة رسم السياسة الخارجية
للدولة، وكثيراً ما تكون هناك مؤسسات رسمية وأخرى غير رسمية، وكثيراً ما يفوق دور
المؤسسات غير الرسمية على دور المؤسسات الرسمية، وإن كان ذلك يختلف باختلاف النظم
السياسية ودرجة التطور في مختلف أنحاء العالم.
ويلاحظ
أن السياسة الخارجية الحديثة، لم تعد تعتمد على فرد، بل أصبحت تعتمد على فريق عمل
متكامل، مزود بأحدث تقنيات الاتصال التي تمكنه من الوقوف على تطور الأحداث فور
وقوعها، مما أفسح المجال لصاحب القرار في مجال السياسة الخارجية، ليعتمد على فريق
عمل من المستشارين المتخصصين في تخصصات متنوعة، فتعرض عليهم الموضوعات التي تدخل
ضمن إطار تخصصاتهم، وفي بعض الأحيان يعرض الموضوع الواحد على أكثر من مستشار
بتخصصات متعددة لها علاقة بالموضوع قيد البحث، وبناءً على ذلك توضع عدة بدائل
تعالج موضوع واحد مع شرح للمساوئ والمحاسن التي ترجح كل بديل عن غيره، تاركين
القرار لصاحب الحق في اتخاذ القرار في مجال السياسة الخارجية للدولة.
ورغم
اعتماد السياسة الخارجية للدولة على الدراسة والأساليب والمناهج العلمية الحديثة
المتطورة والمنطقية في اتخاذ القرار، إلا أن هذا لم ينفي دور المؤسسات الديمقراطية
من برلمان وأحزاب وتجمعات سياسية واستفتاء شعبي، لإضفاء الشرعية على قرار معين في
إطار السياسة الخارجية للدولة.
وكثيراً
ما تكون هناك سياسة خارجية معلنة للدولة، وسياسة فعلية غير معلنة ولظروف معينة قد
تختلف السياسة المعلنة عن السياسة الفعلية غير المعلنة، وقد يعلن عن السياسة
الفعلية بعد زوال الظروف التي حالت دون إعلانها.
وتدخل
السياسة الخارجية للدولة حيز التنفيذ فور اعتمادها، بإتباع كل الوسائل المتاحة
سياسياً واقتصاديا وعسكرياً وإعلامياً واجتماعيا وثقافياً، ويدخل في إطار الوسائل
السياسية التمثيل الدبلوماسي المعتمد، والمقابلات والزيارات الرسمية، والمعاهدات،
ودبلوماسية القمة التي يلجأ إليها في المسائل الملحة والهامة والمصيرية. ويساعد
على ذلك اليوم التطور الهائل لوسائل المواصلات والاتصالات التي قصرت المسافات بين
الدول، ووفرت الوقت والجهد. فانتقال صورة وثيقة رسمية عبر الأقمار الصناعية من
جهاز فاكس موضوع في كندا إلى جهاز مماثل له موضوع في آسيا المركزية مثلاً يستغرق
دقائق لا أكثر، وعبر شبكات الكمبيوتر ثوان لا أكثر مع إمكانية تخزين وتعديل
واسترجاع وطباعة المعلومات المرسلة والمستقبلة عبر شبكات الكمبيوتر والبريد
الإلكتروني مرات ومرات.
ومن
الوسائل المتبعة في تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، اتفاقيات التعاون الاقتصادي
والمالي، وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارة الخارجية، وتقديم الهبات والمساعدات
والقروض المالية، وإقامة المشروعات الاقتصادية المشتركة، وإرسال الخبراء
الاقتصاديين. وهو ما يسمى بدبلوماسية المساعدات الاقتصادية لتحقيق أغراض سياسية
معينة.
فكيف
ومتى بدأت ملامح هذا الوضع بالتكون؟ هذا السؤال الذي حاولت الإجابة عنه من خلال
البحث الذي تناولت فيه موضوع الصحافة الدولية والتبادل الإعلامي الدولي في محاولة
لسد شئ من الفراغ الذي تعاني منه المكتبة العربية في هذا المجال الهام.
وقد
تناول البحث في الفصل الأول استعراضا موجزاً للصحافة المطبوعة والمسموعة والمرئية
ووظائف الصحافة الدولية، ومشاكلها ودوافعها. بينما تناول الفصل الثاني: عرضاً
موجزاً لأكثر النظريات الإعلامية انتشارا في العالم. أما الفصل الثالث: فتنازل
مراحل نشوء وتطور وكالات الأنباء العالمية، التي لم تفقد من مكانتها بعد التطور
العاصف لوسائل الاتصال، بل على العكس من ذلك مكنتها وسائل الاتصال الحديثة
المتطورة من مضاعفة اختراقها للساحة الإعلامية الدولية وزادت من دورها في عملية
التبادل الإعلامي الدولي إن كان في جمع المعلومات، أم في إعدادها بمادة إعلامية،
أم في طريقة عرضها، أم في اختيار قناة الاتصال الأكثر فاعلية لإيصالها للمتلقي
أينما كان، بأقل فاقد وأكثر فاعلية وتأثيراً. وللمقارنة أوردت بعض وكالات الأنباء
الآسيوية والإفريقية، واتحادات وكالات الأنباء ووكالات الأنباء المتخصصة. وتناول
الفصل الرابع: مراحل نشوء وتطور الصحافة المطبوعة الدولية في بعض دول العالم
المتقدمة والنامية كنماذج للمقارنة بينها. واستعرض الفصل الخامس: التدفق الإعلامي
الدولي، والتبادل الإعلامي الدولي ودورهما في التعاون الدولي وتكوين وجهات النظر،
وأساليب وتقنيات وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية كمصدر للتبادل الإعلامي الدولي
وفاعليته من الجوانب الثقافية والتقنية. واستعرض الفصل السادس: موضوع التبادل
الإعلامي الدولي ضمن إطار العلاقات الدولية، وإطار السياسة الخارجية للدولة،
ومشاكل التبادل الإعلامي الدولي ودوره في التفاهم الدولي، وخصائص التبادل الإعلامي
الدولي وتأثيره على اتخاذ القرارات، والاحتكار في التبادل الإعلامي الدولي. وتناول
الفصل السابع: التبادل الإعلامي الدولي في عصر العولمة، ومفهوم الدولة في عصر
"العولمة"، والتبادل الإعلامي الدولي من وجهة نظر الأمن القومي، وكوظيفة
للدبلوماسية الرسمية، والمستشارون والملحقون الإعلاميون، والوظيفة الدولية للتبادل
الإعلامي الدولي، ودور العلاقات العامة الدولية (الدبلوماسية الشعبية) والإعلان
فيها، وأخيراً التخطيط الإعلامي والحملات الإعلامية الدولية.
أملا
أن يلبي هذا الجهد العلمي المتواضع بعضاً من حاجة الباحثين وطلاب الصحافة
والعلاقات الدولية للمعلومات في هذا المجال، للاستفادة منها في دراساتهم وبحوثهم
عن مشاكل الإعلام والاتصال الدولي والتبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية.
ومما
سبق نرى أن هناك مشكلة حقيقية ماثلة للعيان تهدد الأمن الإعلامي الوطني والقومي
للدول الأقل تطوراً والنامية، وتعاني منها الدول العربية والإسلامية، وتهدد الأمن
الإعلامي الوطني والإقليمي والدولي، وتعيق التفاهم الدولي، وتضع البشرية أمام
مسؤولية التصدي لها وتقديم الحلول الناجعة لمعالجتها، قبل أن تصبح مفاتيح المشكلة
حكراً على البعض مستعصية على البعض الآخر، ويؤدي استخدامها لاندفاع البشرية إلى
تطوير أنواع جديدة من السيطرة الإعلامية والمعلوماتية والأسلحة الفتاكة التي أصبح
الاتجاه فيها يتطلع نحو الفضاء الكوني من قبل دول تتحدث دائماً عن حقوق الإنسان
وتستخدمه ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وتستثني نفسها منه
وتتجاهل حق الإنسان الأساسي الذي وهبه له الله عز وجل، ألا وهو الحق في الحياة
الحرة الكريمة البعيدة عن التسلط والفرض والإكراه.
وأرى
أن يجري البحث عن الحلول في إطار التفاهم الدولي والعلاقات الدولية انطلاقا من
مبدأ الاحترام المتبادل، واحترام السيادة الوطنية، وفي إطار الدبلوماسية الدولية
داخل أروقة منظمة الأمم المتحدة، وعلى مستوى منظماتها المتخصصة، والمنظمات
الإقليمية التي هي أدرى بمصالحها الوطنية الإقليمية المرتبطة بالمصالح الإنسانية
لعالم اليوم. وهذا يحتاج قبل كل شيء إعادة النظر في السياسات الإعلامية الحالية،
وتحديد مواقف الحكومات والقوى السياسية من المشكلة وفق منظور المصالح الوطنية
العليا لكل دولة، وتوحيدها على ضوء المصالح القومية للدول العربية، والمصالح
الإنسانية التي تجمع شعوب العالم بأسره.
وهنا
يبرز دور جامعة الدول العربية وأجهزتها المتخصصة، ومجلس تعاون دول الخليج العربية
ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من التجمعات الإقليمية والدولية، والدبلوماسية
الثنائية بين الدول، في تنسيق الجهود والمواقف والعمل الجماعي من خلال المنظمات
الدولية، ومن خلال مواقف محددة من المشكلة، التي يمكن أن تساعد على إيجاد أطر
للعمل الجماعي لمواجهة المشكلة، من ضمن إطار الشرعية الدولية لتحقيق أوسع تعاون
دولي مفيد وواقعي وممكن يساعد على حل مشاكل الأمن الإعلامي الوطني والقومي
والإقليمي والدولي. ويضمن تنفيذ الإجراءات الجماعية المتخذة لحل المشاكل الجديدة
والصعبة الناتجة عن دخول الإنسانية عصر "العولمة المعلوماتية". وتوفر
الأمن الإعلامي الوطني والدولي الواقعي الذي يضمن سيادة المصالح الوطنية ومساواتها
لجميع دول العالم صغيرها وكبيرها، فقيرها وغنيها. ويتصدى لأي عدوان خارجي أو
إجرامي أو إرهابي يتعرض له المجال الإعلامي من قبل أي كان، ولأي دولة من دول
العالم.
وهذا
على ما أعتقد لا يعفي الدول العربية القادرة، من واجب إعادة النظر في سياساتها
الإعلامية والشروع بإنشاء مؤسسات متخصصة للقيام بالدراسات والأبحاث الضرورية التي
تمكنها من مواجهة وامتلاك ناصية تقنيات وتكنولوجيا سلاح القرن الحادي والعشرين
"السلاح الإعلامي"، لتقدمه دعماً للدول الشقيقة عند الضرورة، ولمواجهة
عدو شرس ينتشر كالأخطبوط في كل أنحاء العالم ويتربص بالجميع ويملك أفتك صنوف
الأسلحة التي تفتقت عنها العبقرية البشرية، ومن بينها طبعاً "السلاح
الإعلامي" الذي برع في استخدامه، لشل قدرة خصومه على المواجهة، وخداع الرأي
العام العالمي، وإقناعه بحقائق محرفة تخالف حتى الثوابت التاريخية والثقافية
والشرعية غير القابلة للجدل.
طشقند
في 20/1/2006
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق