السبت، 1 ديسمبر 2012

الأزمة السورية من منظور تركي



منذ مدة نشرت صحيفة  Yeni Safakالتركية مقالة كتبها إبراهيم كاراغول (İBRAHİM KARAGÜL)، وأبدى فيها تخوفه من قيام حرب كردية عربية إثر الصدامات التي دارت في ضواحي حلب بين الجيش السوري الحر الذي تدعمه تركيا وقوات حزب العمل الكردستاني والإتحاد الديمقراطي. ولكن كاتب المقالة لم يشر ولو بحرف واحد للمعاناة التي يتعرض لها الأكراد في تركيا والتي تهدد بقيام حرب كردية تركية إن لم تتوقف تركيا عن ممارسة ضغوطها على المناطق الكردية التي يعيش فيها ملايين الأكراد.
واتهم كاتب المقالة قوات حزب الإتحاد الديمقراطي بالقيام بصدامات مسلحة وممارسة القتل من أجل الإستيلاء على قواعد عسكرية تابعة للمعارضة السورية، ولكنه تجاهل أن الأكراد السوريين يتمتعون منذ إستقلال سورية بحقوقهم السياسية كاملة، ومن بينهم أعضاء في مجلس الشعب السوري وفي مجالس الإدارة المحلية وموظفين كبار في الدولة وضباط في الجيش السوري حتى أن محمود الأيوبي الكردي الدمشقي شغل منصب نائب رئيس الجمهورية خلال العهد الحالي. ونسي أن الظلم الذي تعرض له الأكراد منذ تقسيم المنطقة في مطلع القرن الماضي كان إنتقاماً نفذته القوى الإستعمارية ضد شعب خرج منه القائد صلاح الدين الأيوبي لطرد الفرنجة وتحرير القدس الشريف من إحتلالهم الطويل.
واعترف كاتب المقالة بأنه حتى الآن افتتحت عشرات الجبهات على الأراضي السورية، تقاتل فيها قوى متعدد الأطراف عرقية ودينية ومذهبية ويمكن أن تشمل آثارها منطقة الشرق الأوسط بأكملها، بسبب تورط الشيعة والسنة العراقيين في تلك الجبهات، دون الإشارة للقوى الإقليمية والأجنبية الأخرى التي تورطت في الصراع الدائر على الأرض السورية
ولكنه أشار وبوضوح للتحذيرات التي وجهتها جماعات ينتمي إليها الكاتب نفسه، وإعلانهم أنهم ضد الحرب المذهبية والعرقية. وما يمكن فهمه أن كل الأتراك لا يدعمون التورط التركي في الأزمة السورية، ولا يدعمون الإنحياز لصالح طرف ضد طرف آخر في الصراع الدائر على الأراضي السورية.
واعترف الكاتب بأن التورط الأجنبي في السيناريو الجاري تطبيقة على الأراضي السورية أدى لاختلاط المشاركين فيه، وأن هذا السيناريو يواجه احتجاجاتهم وأفكارهم وآمالهم وغضبهم. خاصة بعد أن ثبت خطأ المحللين الأتراك في تقديرهم للأوضاع السائدة في المنطقة، وخاصة أن ما يجري من أخطاء يجري أمام أعينهم جميعاً.
واعترف الكاتب بأن السيناريو الجاري تطبيقه في سورية يشبه السيناريو الذي طبق في العراق والهدف منه إعادة رسم خريطة المنطقة عرقياً ومذهبياً وليس له علاقة لا بالحرية ولا بالديمقراطية، بل له علاقة بحسابات سياسية خارجية بحتة. الهدف منها تقسيم المنطقة من جديد.
ولكن السيناريو خرج عن سيطرة واضعيه وأصبح عاملاً داخلياً بعد أن اختلطت أوراق اللاعبين على الساحة السورية، ولم يعد أحد قادر على توقع ما الذي سيحدث نتيجة الصراع العسكري والسياسي الدائر على الأرض السورية وخارجها، والذي ببساطة يمكن إنتقاله إلى دول الجوار الإقليمي.
واعترف بأن الصراع الدائر على الأراضي السورية خرج عن إطار نظام الحكم وعن الحرية والديمقراطية، وأصبح متشابك بشكل تستعصي فيه الحلول لكثرة الأطراف الإقليمية والعالمية المتورطة فيه. وأن الصراع لم يعد ممكناً على المدى القريب بل أصبح يحتاج لسنوات طويلة لحله، ومع استمرار الحريق الذي أشعله الغير على الأراضي السورية يمكن أن يمتد ويطال البنى السياسية في الدول المجاورة.
وأشار الكاتب في مقالته إلى أنه لا يريد أن يثير المخاوف والإضرابات، بل يريد الدعوة لإعادة التفكير بالمفاهيم الخاطئة ومحاولة تصحيحها قبل خروجها عن مقدرتهم على فهم ما يدور في المنطقة. وقبل أن تنشب حرب عربية كردية، وحرب شيعية سنية، وحرب سنية سنية، وغيرها من الحروب. والتي ببساطة يمكن أن تشمل المنطقة بأسرها.
وطالب الكاتب بمبادرات قوية وفعالة ترافقها جملة من الإجراءآت العملية يصحبها تقييم موضوعي لما يجري على ساحات حتى الدول المتورطة في الأزمة حرصاً على مستقبلها ومستقبل المنطقة بأسرها. لأن الأزمات تديرها دول وليس مجموعات منظمة، لماذا ؟ لأن الصراعات التي تديرها جماعات منظمة غير قابلة للحل بأي شكل من الأشكال. ولا بد من حل الأزمة من خلال الحوار الوطني الشامل، لا من خلال الصراعات العرقية والدينية والمذهبية المسلحة التي تهدد المنطقة بأخطار كبيرة.
تعليق كتبه: أ.د. محمد البخاري.
العنوان الأصلي للمقالة: Arap-Kürt savaşı.
نشرت يوم: 31/10/2012 في صحيفة "Yeni Safak"، التركية.
المؤلف: إبراهيم كاراغول (İBRAHİM KARAGÜL).
المصدر: inosmi.ru 2/11/2012.