السبت، 13 يوليو 2013

فاعلية التبادل الإعلامي الدولي

أ.د. محمد البخاري: فاعلية التبادل الإعلامي الدولي 26 من كتابي "التبادل الإعلامي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة".
26
فاعلية التبادل الإعلامي الدولي
من المعروف أن وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، تساعد على تكوين المواقف من القضايا المطروحة، أو تضخيمها، وأنها تلعب دوراً كبيراً في عملية التغيير السياسي والاجتماعي والثقافي والفكري، لدى القراء والمستمعين والمشاهدين، كما وتساعد وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الدولية على تدعيم سلوك الجمهور الإعلامي من موقف معين، أو التشكيك به، أو رفضه، أو تغييره لصالح موقف جديد. وهذا متوقف على مدى تكثيف الحملة الإعلامية والوسائل المستخدمة فيها، ومدى وضوح موقف مستقبل الرسالة الإعلامية للقائم بالإتصال، أو تعرض مستقبل الرسالة الإعلامية لموقف إعلامي غير متماسك أو لصور نمطية سبق لمستقبل الرسالة الإعلامية وتعرض لها، ومدى تحيزه لمضمون الرسالة الإعلامية بحد ذاتها، ولا بد للقائم بالإتصال من معايير خاصة يعتمد عليها، من أجل الوصول إلى فاعلية أكبر من الحملات الإعلامية الدولية، وإمكانيات أكثر للوصول إلى الأهداف المرسومة للحملة الإعلامية. ولابد من مقاييس يعتمد عليها المخططون للحملات الإعلامية، والقائمين بالإتصال لتحديد مدى نجاح أو فشل الحملة الإعلامية، ومن تلك المعايير مثلاً القدرة على التصدي للإعلام المضاد الموجه لنفس الساحة الإعلامية، ومدى قدرة وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية الدولية المستخدمة من قبل القائمين بالإتصال على إنتزاع المبادرة من الإعلام المضاد والتوجه إلى الجمهور الإعلامي بشكل أكثر فاعلية في المواضيع المطروحة، والمعيار، من الأمور الهامة جداً لقياس راجع صدى الرسائل الإعلامية ومعرفة مدى نجاح الحملة الإعلامية. ولو أن الظروف الدولية من تأزم أو إنفراج في العلاقات الدولية، تعتبر من الأمور الخارجة عن نطاق المعايير الإعلامية، ولكن الحملات الإعلامية قد تؤدي في بعض الحالات إلى إنفراج أو خلق أزمات في العلاقات الدولية المتشعبة.
ومن المناهج المستخدمة لقياس راجع الصدى في الحملات الإعلامية الدولية، نذكر: المناهج الاستقرائية التي طورتها إدارة الإعلام والتعليم في جيش الولايات المتحدة الأمريكية من خلال البحوث التطبيقية التي أجرتها إبان الحرب العالمية الثانية، وأعقبتها أبحاث هوفلاند وزملائه، وجرى من خلال تلك الأبحاث قياس تأثير الإتصال من خلال التجربة المحكمة بالتركيز على العناصر التالية:
القائم بالاتصال: حيث تبين أن تأثير الرسالة الإعلامية يزداد في حالة إذا كان القائم بالإتصال ينقل مواقف تتماشى ومواقف مستقبل الرسالة الإعلامية، وأن المستقبل يبدأ بنسيان مصدر الرسالة الإعلامية أو القائم بالاتصال بعد مدة وجيزة، وهو ما أطلق عليه اسم الأثر النائم. وأنه هناك عوامل مساعدة أخرى لزيادة التأثير الذي يمارسه القائم بالإتصال على مستقبل الرسالة الإعلامية، كالسن والجنس والمظهر الخارجي للقائم بالاتصال؛
والرسالة الإعلامية حيث تبين أنها تزيد من فاعلية الحملة الإعلامية الدولية ويمكن أن يتم ذلك في حالة إذا توافقت الرسالة الإعلامية مع أهداف الحملة الإعلامية الدولية، وإحتياجات مستقبلي الرسالة الإعلامية، والقيم السائدة والمواقف الفكرية والآراء والمعتقدات الخاصة بهم.
ولوحظ أيضاً أن العرض الجزئي للمشكلة أكثر تأثيراً لدى المستقبل إذا كان محدود الثقافة والتعليم. وأن عرض المشكلة من كل جوانبها يكون أكثر تأثيراً على المستقبل الذي حصل على نسبة أعلى من التعليم والثقافة، أو إذا كان المستقبل يعارض مبدئياً مضمون الرسالة الإعلامية، وهذا يمكن أن يساعد على تحصين المستقبل ضد الدعاية المضادة مستقبلاً، فيما لو روعيت عناصر إختيار المصادر الإعلامية، والطريقة التي يتم من خلالها عرض الرسالة الإعلامية، مع التطورات السابقة واللاحقة للقضية المطروحة. وتبين أن الوسيلة الإعلامية والرسالة الإعلامية مرتبطتان الواحدة بالأخرى، لأن طريقة عرض وتقديم الرسالة الإعلامية مرتبط بالتأثير الإعلامي إلى درجة تعادل أهمية الرسالة الإعلامية نفسها، وأنه لابد من مراعاة مدى إنتشار كل وسيلة إعلامية في القطاعات المستهدفة من الحملة الإعلامية الدولية قبل إستخدامها، وإختيار الوسيلة التي يمكن أن تعطي أكبر قدر ممكن من التأثير والفاعلية الإعلامية، وهناك من يرجح الإتصال المباشر، ومن يرجح الإذاعة المسموعة، ومن يرجح الإذاعة المرئية، وهناك من يرجح المادة المطبوعة، وكلها إحتمالات يمكن الإستفادة منها في حدودها الممكنة؛
ومستقبل الرسالة الإعلامية لأن موقفه يتوقف على معرفة خصائص مستقبل الرسالة الإعلامية من النواحي الثقافية والفكرية والمعتقدات والمواقف السياسية وأنماط السلوك والسن والجنس والوضع التعليمي والوضع الاجتماعي والاقتصادي والعنصري والإقليم الجغرافي والنظام الذي ينتمي إليه.
وعادة تركز المناهج الاستنباطية المستعملة على النظرية السلوكية وعلى تغيير المواقف وتكوينها وتعديلها. وتشرح نظرية المعرفة، عملية تكوين المواقف وتعديلها والتنبؤ بآثار عملية الإتصال، والتركيز على تعديل المواقف من خلال معتقدات وعواطف الفرد، وتحقيق التوافق المنطقي لمعارف الفرد، وكلها تعتمد على عملية الإتصال.
وعملية الاتصال في التبادل الإعلامي الدولي هي مجموعة وسائل تربط بني البشر ببعضهم البعض، وتحقق التفاعل والعلاقات الإنسانية، وقد تعرَّف على أنها عملية لتغيير المفاهيم بإستعمال اللغة أو أي من الوسائل الأخرى المتيسرة، وعملية الإتصال تهدف إحداث تجاوب مع الشخص أو الأشخاص الذين يجري الإتصال بهم، وبعبارة أخرى تحاول أن تشاركه أو تشاركهم في إستيعاب المعلومات أو في نقل فكرة أو إتجاه فكري إليه أو إليهم، ويعرَّف الإتصال أيضاً بأنه عملية يتم من خلالها تبادل المفاهيم بين الأفراد بإستخدام نظام الرموز المتعارف عليها، ويعتبر إستخدام اللغة طريقة من أكثر وسائل الإتصال شيوعاً بين المرسل والمتلقي.
وعلم الاتصال يمتد بجذوره في التاريخ إلى أرسطو الذي وضع أسساً علمية لعملية الإتصال لم تزل قائمة حتى الآن للتفاعل بين (الخطيب - المرسل) و(الجمهور - المستقبل) تقوم على أن يعد المرسل (رسالته - خطبته) بصورة شيقة وجذابة ومقنعة، حتى يمكن أن تؤثر في الجماهير بالصورة المستهدفة، لأنه لا قيمة للإتصال، من وجهة نظر أرسطو ما لم يكن مقبولاً ومفهوماً من (الجمهور - المستقبلين). وهذا إيضاح لمحور العلاقة التي حددها أرسطو بين المرسل، والرسالة، والمستقبل، حيث قسم أرسطو الموقف الاتصالي إلى ثلاث مراحل هي: الخطيب؛ الخطبة؛ الجمهور. وأوجب أرسطو على (الخطيب - المرسل) أن يدرك ما يعتمل في نفوس الجمهور من قيم ومبادئ ومعايير وسنن إجتماعية. وعلى أساس إدراك الجمهور للرسالة يتأثر بتفسيره لهذه الرسالة. وهذا التفسير يعتمد على الوضعية الإجتماعية للجمهور من حيث تنشئته الإجتماعية، والإطار أو النسق القيمي الذي يأخذ به.
أما الموقف الاتصالي لدى المفكر الإسلامي ابن خلدون فينحصر بأن المرسل لا يعرف القصد مما عاين أو سمع، وينقل الخبر كما يظن ويخمن فيقع في الكذب في كثير من الأحيان، وأن الرسالة من الضروري مناقشتها في ذاتها للوقوف على مدى إتفاقها مع طبيعة الأمور، ومع الظروف والملابسات التي يحكيها الراوي (المرسل) ومناقشة مادة تلك الرواية (الرسالة)، وأوجب ابن خلدون على المستقبل أن يتأكد من أمانة الراوي (المرسل)، وصدقه وسلامة ذهنه، وطهارة عقيدته، ومتانة خلقه، وقيمته الشخصية.
وهناك عدة نظريات للإتصال منها على سبيل المثال لا الحصر نظرية كولن في الإتصال التي يمكن تلخيص الموقف الاتصالي فيها على النحو التالي: المرسل: يستمد من عقله الرسالة التي يرغب إيصالها لشخص آخر؛ الرسالة: ويستخدم الإنسان عقله وقدراته واستعداداته النفسية مثل التذكر والإدراك والانتباه لاستيعاب تلك الرسالة؛ التغذية العكسية أو راجع الصدى: وهي الاستجابة للرسالة (المثير) تلك التي تعود إلى المرسل، وبذلك تكمل الدورة الاتصالية.
وتعتمد هذه النظرية على عقل الإنسان باعتباره المركز الرئيسي للاتصال سواء في الإرسال أم في الاستقبال. أما ستيفنسون فقد ربط بين نظريته في الاتصال بـ"الإمتاع" على أساس أن المستقبل يشعر بالإستغراق والمتعة فيما يقرأ أو يشاهد لاسيما في الإتصال الجماهيري، وأنه لكي تستمر المتعة فيما يقرأ أو يسمع أو يشاهد فمن الضروري أن تتخلل العملية الإتصالية بعض القطع الموسيقية أو الأغنيات الخفيفة للتقليل من حالة الضغط الإعلامي على المستقبل. ويلاحظ أن الموقف الاتصالي في هذه النظرية من شروطه: إلزام المرسل بأيديولوجية المجتمع التي من أهدافها ربط المواطنين بمجتمعهم والإرتقاء بأذواقهم من مختلف النواحي الاجتماعية والثقافية؛ وصياغة الرسالة بأسلوب شيّق تعتمد على الإمتاع بشكل يجعل المستقبل على اتصال مستمر بمصادر المعلومات؛ وإتاحة الفرصة للمستقبل للدخول في حوار مع المرسل، مما يؤدي إلى تكوين رأي عام مستنير، يعتمد على الحقائق الواضحة، وليس على ما تقدمه له الأجهزة التنفيذية، دون أن تكون للجماهير حق معرفة مصادر وصدق وثبات ما يقدم لها من معلومات.
أما نظرية لازر سفيلن فتلخص الموقف الاتصالي على النحو التالي: المرسل: وهو الذي يؤلف وينقل الرسالة؛ والرسالة: هي ما يرغب المرسل إرساله إلى المستقبل من خلال وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية؛ والمستقبل (الجمهور الإعلامي): وهذا الجمهور من وجهة نظر تلك النظرية لا يتأثر بالرسالة مباشرة وإنما يتأثر بها أكثر إذا ما نقلت إليه مرة أخرى عن طريق قادة الرأي، ويمكن تصور مفهوم قادة الرأي من خلال الدراسات التي أجريت على بنية الإتصال في المجتمعات القروية. حيث يحتكر قائد الرأي بعض الأساليب الاتصالية (القراءة) أو أجهزة الاتصال السمعية والبصرية مثلاً. ومن خلال متابعته للقراءة أو الإستماع، يستطيع إعادة صياغة الرسالة بشكل يتفق مع الحالة المعنوية للمستقبل.
أما نظرية إسفيروس في الاتصال فقد ركزت على العملية الاتصالية كظاهرة إجتماعية تقوم على التفاعل الجاري في المجتمع، وعلى إرتباطه ببقية الظواهر الإجتماعية الأخرى وأعتبرها موضوعاً إنسانياً بالدرجة الأولى. وعلى ذلك فإن الموقف الاتصالي في هذه النظرية يقوم على: المرسل: وهو المجتمع؛ والرسالة: وهي التعبير الموضوعي عن عقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها؛ والمستقبل: وهو المجتمع أيضاً؛ ووسائل الاتصال: مثل الإذاعتين المسموعة والمرئية، والصحف، وهي المنابر التي لا يرتقيها القادة السياسيون وحسب، وإنما يجب أن ترتقيها الجماهير أيضاً، لكي تعبر عن مطالبها وآمالها، ولكي تشارك بالرأي في إدارة شؤون المجتمع التي هي ليست حكراً على أحد.
أما ويفر وشانون فيحددان العلاقة بين المرسل والرسالة والمستقبل بـ: المرسل: (أخصائي اجتماعي) ينتخب أو يختار رسالة (مجموعة توجيهات) يرغب في توصيلها إلى مستقبل (مبحوث) الأمر الذي يضطر المرسل إلى تحويل رسالته إلى شكل أو هيئة أو رمز، بحيث يمكن نقلها عبر قنوات الإتصال إلى المستقبل (المبحوث). وبذلك يكون عقل الأخصائي الاجتماعي هو مصدر المعلومات؛ والرسالة: وهي عبارة عن مجموعة توجيهات من أخصائي إلى مبحوث يتولى صوت الأخصائي الإجتماعي توصيلها، وتقوم الموجات الصوتية بدور قناة الإتصال الرئيسية لعملية الإتصال؛ والمستقبل: وهو الذي يتلقى الرسالة ويقوم بتحويلها إلى الشكل أو الرمز الذي كانت عليه في هيئتها الأولى، وبذلك يكون عقل المبحوث هو الهدف الذي يرمي الأخصائي الاجتماعي إلى إيصال التوجيهات إليه. على حين تمثل أذن المبحوث جهاز الإستقبال الذي يتلقى المعلومات.
أما هودينت فقد حدد العناصر الفعالة لعملية الاتصال في سبعة عناصر هي: مشكلة؛ ومرسل؛ ورسالة؛ ووسيلة؛ وأحياناً ناقل؛ ووسيلة استقبال؛ واستجابة.
والسؤال الذي يمكن طرحه الآن، هو: كيف تؤثر وسائل الإتصال والإعلام في إشباع حاجات الفرد الاجتماعية ؟ لأن الوسائل تنشر المعلومات وتزوِّد الأفراد بعدد من الموضوعات التي تسهِّل عملية الاتصال المتبادل. وهذا يعني أن وسائل الاتصال والإعلام تقدم إلى جمهور واسع من الناس، معلومات عن حوادث أو ظاهرات معينة خاصة لها أهمية اجتماعية. ولكن الإنسان لايملك الفرصة دائماً ليكوِّن علاقات مع الآخرين وهو وحيد لأسباب مختلفة. لأن النقص في الارتباط بالعالم الخارجي ربما يؤدي به إلى اليأس، وتستطيع الإذاعة المسموعة أو المرئية أن تسديا له خدمة كبرى. فصوت المذيع يجنبه الشعور بالوحدة وهي واحده من الخدمات النفسية المهمة التي تؤديها الإذاعة المسموعة، وهذا ينطبق على الإذاعة المرئية ولو أن تأثير الأولى أوسع في هذا المجال من الثانية، ولكن لماذا يعير عدد كبير من الناس الذين يعانون من هذا النقص في الروابط الاجتماعية، اهتماماً كبيراً لوسائل الاتصال والإعلام ؟ والجواب، لأن الإنسان يحتاج للارتباط بالآخرين وهذه حقيقة لا جدال فيها، ولكن هذه الارتباطات تتطلب منه درجة معينة من التكيف وتستطيع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية أن تمنحه تعويضات تتطلب منه درجة معينة من التكيِّف.
كما وتستطيع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية أن تزوِّده بتعويضات لإشباع حاجته للاتصال الإجتماعي، وليستطيع أن يكوّن صلات إجتماعية مع أشخاص يتمتعون بأهمية إجتماعية كبيرة عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ويستطيع كذلك أن يناقش ويجادل، ويستطيع أن ينهي المناقشة بإشارة من يديه عندما يرغب ذلك. وهكذا فإشباع حاجة التكيُّف (الملائمة) عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، أصبحت عنصراً ضرورياً في حياة إنسان هذا العصر. وتبدو كأنها قضية للتكيُّف وهي ليست متعلقة بسؤال (ماذا) فقط، وإنما بـ (كيف) و(لماذا) أيضاً وهذا يعني أن الإنسان يحتاج للتكيُّف لكي يستوعب، وإن هذا التكيف يعلمه أي سلوك عليه أن يتبناه في مواقف معينة، ليسدي له بالنصيحة عن كيفية التصرف في مواقف معينة كي يصل إلى إشباع أكبر حاجاته. وتأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في هذا المجال واسع جداً لأنها تزوِّد الفرد بخلاصات مميزة لقيم المجتمع ومستجداته. ولا تكتمل دائرة الاتصال إلا حين تتوافر لموقف نقل الخبرة جميع العناصر اللازمة لعملية الاتصال ويدل توافر تلك العناصر على أن الدائرة تؤدي عملها بصرف النظر عن طبيعة التعليم المنتظر، ولتقدير فاعلية نقل الخبرة ينبغي مراعاة إعطاء إنتباه خاص للتغييرات التي تبدو متداخلة ومؤثرة على هذه العملية.
وهنا تكمن أهمية تحديد العلاقة بين عناصر الإتصال:
أولاً: بالمصدر سواء أكان فرداً أو جماعة من الأفراد، وهو عامل هام في الاتصال ويتوقف أداؤه لمهمته على أنواع المتغيرات التي تتضمنها عملية الاتصال بصرف النظر عن إمكانية توجيهها أو ضبطها، وقد لا تتوافر مصادر المعلومات الكافية والمناسبة، وربما تنقص المصدر المهارة اللازمة لإعداد مضمون الرساله بدقة وفعالية، وإذا كان المصدر شخصاً ما، فما هي إتجاهاته نحو عمله ونحو مستقبلي الرسائل الإعلامية، ونحو الوسيلة الإعلامية التي يستخدمها. وهذه بعض العوامل التي تؤثر على عملية الاتصال؛
ثانياً: يتطلب استكمال دائرة الاتصال تواجد المصدر في جانب والمستقبل في جانب آخر، ولو أن المصدر قد يكون هو المستقبل في نفس الوقت. فإننا نتحدث هنا عن شخصين مختلفين، وكما كانت توجهات المصدر مهمة فإن إتجاهات المستقبل لا تقل أهمية عنها، وإذا كان للمستقبل إتجاه سلبي نحو المصدر فإن التأثير يصبح أقل فاعلية، وقد تكون النتيجة مشابهة للشعور المماثل الذي يشعر به المستقبل إتجاه الكتاب أو أي مواد تعليمية أخرى، عندما لا يكون في حالة تقبل للمصدر. وأكثر من ذلك فإن استقبال الرسالة الإعلامية يتطلب مهارات معينة، وبصرف النظر عن قدرة المستقبل على إستخلاص المعاني والقراءة المناسبة والإستماع والتفكير فإن هناك متغيرات هامة  ينبغي إعتبارها في الموقف التعليمي والإتصالي؛
ثالثاً: الرسالة الإعلامية: وتعتبر أن عملية تضمين الرسالة وإستخلاص محتواها خطوة هامة في الاتصال. فقد يستخدم المصدر بعض المصطلحات كرموز لجميع أجزاء ومقاطع المعلومات. مما يؤدي إلى صعوبة فهمها لدى المستقبل، مما يؤدي إلى إضعاف عملية الاتصال، ومثال على ذلك ما يحدث في تعلم لغة أجنبية، فإذا أغفل المصدر مستوى المستقبل، وطبيعة الرسالة والأسلوب الذي تقدم به المعلومات والأفكار، فمن غير المشكوك به أن كثيراً من هذه المعلومات ستتعرض للضياع، بصرف النظر عن شكل أو أسلوب الاتصال الذي يستخدم، ولهذا يجب على القائم بالاتصال أن يعالج الرسالة الإعلامية بشكل ملائم ومنسق وأن يعيد صياغة الرسالة الإعلامية في كل مرة لضمان استقبال نافع وفعال؛
رابعاً:  التوافق بين المرسل والمستقبل: ويمكن أن يكون عندما يراعى في عملية الاتصال بينهما مستوى الخبرة المتوفرة لديهما في إطار المعلومات الإجتماعية والثقافية... إلخ. وفي بعض الحالات التي لا يملك فيها المصدر الصورة الواضحة عن مستوى فهم المستقبل وقدراته فإننا نجد أن اللغة المستخدمة والأمثلة المختارة والأسلوب الذي تقدم به المعلومات قد لا تؤدي إلى استقبال واضح ودقيق لدى المستقبل، الذي يمكنه في هذه الحالة أن يستجيب للمثير فقط من خلال خبراته ومعلوماته المتعلقة بموضوع الرسالة الإعلامية.
وخلاصة القول أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية هي من الركائز الأساسية لتبادل الأفكار والمعلومات بين أفراد المجتمع وتعد أساساً لتفاعلاته الإجتماعية وتقريب وجهات النظر بين مواطني البلد الواحد والمجتمعات المختلفة، وقد تسابقت فعلاً قنوات إذاعية مسموعة عربية منذ خمسينات القرن الماضي، ومن ثم قنوات إذاعية مرئية عربية فضائية منذ تسعينات القرن الماضي لإنتاج برامج منوعات هامة هدفها نيل ثقة المجتمع العربي واستقطاب أكبر نسبة من المستمعين ومن ثم المشاهدين. وفي خضم الحملة الأخيرة برزت وانتشرت بقوة ظاهرة تعريب برامج أجنبية، رغم أنها تتطلب تحضيرات خاصة وفرق عمل محترفة إضافة لمبالغ هائلة من الأموال، مما يفرض الحاجة للتساؤل عن كيفية إنتقاء تلك البرامج ومعايير إختيار أفكارها وتنفيذها ! من البداية وحتى النهاية، لتتلاءم مع المجتمعات العربية والتعديلات التي تجرى عليها كي تنسجم مع أذواق الجمهور العربي وأفكاره في وقت أصبح ما تبثه القنوات الإذاعية المرئية الفضائية لا يتقيد لا بالقوانين المعمول بها ولا بالتقاليد ولا بالأعراف المتعارف عليها محليا في معظم الدول العربية.

وكانت المؤسسة اللبنانية للبث الإذاعي المرئي LBC، السباقة في تعريب وإنتاج برامج أجنبية، منها على سبيل المثال لا الحصر برامج: «يا ليل يا عين» و«ستار أكاديمي» و«حلها وإحتلها» و«قسمة ونصيب» و«من سيربح المليون». وتبقى الأهداف الحقيقية من وراء تعريب تلك البرامج الأجنبية بالذات، والتسهيلات الكبيرة التي قدمها أصحاب حقوق تأليفها ونشرها الأجانب للناشر الجديد، بحاجة لدراسة أكاديمية بحتة تقوم بها جهات معنية مختصة في الدول العربية لمعرفة مدى تلبيتها لأذواق كل الشرائح الاجتماعية، وأسباب الإعتماد على تلك البرامج الأجنبية، ومدى تأثيرها على إنتاج البرامج المحلية وعلى اللغة العربية التي تتعرض في الوقت الحاضر لهجمة شعواء من قبل قوى كثيرة. وهل الدافع الحقيقي هو إشراك الجمهور في البرامج ؟ وهل هذا الإشراك هو لإثبات الإنتشار لتحقيق أرباح تجارية عن طريق الحصول على إعلانات تجارية باهظة الثمن ؟ أم دفع الآلاف للتصويت هاتفياً عبر خدمة الرسائل النصية القصيرة SMS بالغة التكاليف بمجموعها ؟ وأخيراً من المستفيد منها ؟ وهل هي لترسيخ بيئات ثقافية وإجتماعية أوروبية وأميركية في أذهان المشاهدين العرب لإحداث تغيير مطلوب في طريقة وأسلوب التفكير عند الإنسان العربي ؟ ولتحديد إيجابيات وسلبيات تلك التصرفات على المجتمع العربي في وقت يتعرض فيه لأقسى أنواع الغزو الثقافي !!! وكلها تحتاج للدراسة وللتفكير والتحليل لمساعدة المسؤول في موقع مسؤوليته والبحث عن مخرج خوفاً من أن تكون تلك التصرفات شكلاً من أشكال الغزو الثقافي المبطن الذي يطال المجتمع العربي في الصميم.