الأحد، 8 سبتمبر 2013

أحمد الفرغاني

أحمد الفرغاني


أبو العباس أحمد بن محمد بن كثير الفرغاني (797-865م)، عالم رياضيات وفلكي من آسيا الوسطى عاش خلال القرن التاسع الميلادي. ولد في فرغانه. واشتهر في غرب أوروبا بالاسم اللاتيني Alfraganus. وكان أحمد الفرغاني من كوكبة علماء "بيت الحكمة" الذي أسسه في القرن التاسع الميلادي الخليفة المأمون.
سيرة حياته


المعلومات المتوفرة عن سيرة حياة أحمد الفرغاني قليلة جداً، وتشير نسبته الفرغاني في الوقت الحاضر إلى حقيقة أنه ولد في وادي فرغانة. ولكن الأعمال العلمية خلدت اسم الفرغاني، وأعطته شهرة عالمية.
وكان لمركز العلوم الكبير "بيت الحكمة" اسماً آخر هو "أكاديمية المأمون". التي تأسست في البداية في مروة، وبعدها انتقلت إلى بغداد، ودعي إليها علماء من خوارزم، وفرغانة، وسغديان، وشاش، وفاراب، وخراسان، ليستمروا بابحاثهم العلمية.
وأنشأ في "أكاديمية المأمون"مرصدين فلكيين زودا بأحدث المعدات الفلكية في ذلك العصر. وقام علماء الفلك في أكاديمية المأمون بقياس محيط الأرض، وطول خط الزوال بالدرجات، وقاموا برصد النجوم في السماء، ووضعوا زيجي (قوائم)، وكتبوا مؤلفات علمية.
تعتبر مؤلفات أحمد الفرغاني: "كتاب بداية علم الفلك" و"كتاب سببية العلاقة بين المجالات السماوية" و"كتاب الحركات الفلكية وملخص علوم النجوم" و"كتاب العناصر الثلاثين" و"كتاب مجالات نظرية الحسابات"، من أوائل مؤلفات علم الفلك المكتوبة باللغة العربية. وهي التي أعطى العالم فيها شرحاً مختصراً لعلم الفلك، مبني على مؤلف العالم الإسكندراني كلافديا بطليموس (القرن الثاني الميلادي) "نظام الرياضيات الكبير في علم الفلك".
و في نهاية كتابه أورد الفرغاني قائمة تتضمن النقاط الجغرافية المعروفة، وفق المناخات السبعة من الشرق إلى الغرب مع تبيان إحداثياتها. كما ويعتبر كتاب "مقدمة الجغرافيا"، و"أسماء البلدان والمدن المشهورة على الأرض، وظروفها البيئية"، من تأليف الفرغاني.
وتقع مقالات الفرغاني في "كتاب تحركات القبة السماوية وعلم النجوم" في 30 فصلاً تتضمن مقالات موسوعية عن المعارف الفلكية في ذلك العصر. وانتشرت مقالاته في أوروبا بعد أن ترجمت من العربية إلى اللاتينية في القرن الـ 12، وترجمت خلال القرن الـ 13 إلى اللغات الأوروبية الأخرى. و طبعت مؤلفات الفرغاني بمجال علم الفلك للمرة الأولى عام 1493م، وجرى استخدامها في أوروبا كمراجع موسوعية وكتب تعليمية على مدى 700 عاماً. وكباحث عملي في مجال رصد الأجسام السماوية توصل الفرغاني إلى الكثير من الإكتشافات العلمية. وأثبت علمياً كروية الأرض، ووضع تاريخ أطول يوم في السنة 22 يونيه/حزيران، وأقصر يوم في السنة 23 ديسمبر/ كانون أول. كما اكتشف الفرغاني وجود بقع على الشمس وتنبأ بخسوف الشمس الذي حدث عام 832م.
وقضى الفرغاني السنوات الأخيرة من حياته في القاهرة. واشتغل هناك بتصميم الإصطرلاب، وهو آله تستخدم لتحديد مواقع النجوم وقياس المسافة بينها. ووضع شروحاً رياضية واقترح إجراءآت لتحسين هذه الآلة. ومن ثمرات أعماله في القاهرة كان تشييد مقياس النيل، الذي شيد بإدارة الفرغاني عام 861م لقياس مستوى المياه في نهر النيل.
وكان هذا القياس هاماً جداً للحياة في مصر. لأنه كان يمكن للإرتفاع الكبير للمياه في نهر النيل أن يغرق الأراضي الزراعية ويؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي إلى حد كبير في سنوات الفيضانات الكبيرة لمياه النهر. وأشارت وصوفات المؤرخ اليوناني القديم هيروديت، إلى أنه أحياناً عند فيضان نهر النيل، لا تغرق الدلتا وحسب، بل وتغرق الأراضي المحيطة بها، حتى أن الإنتقال من ضفة إلى أخرى كان يستغرق يومين. ويقع مقياس الفرغاني للنيل على جزيرة الروضة في نهر النيل، وتمتع بأهمية بالغة للتنبوء بالفيضانات. وحتى اليوم بقيت  هذه المنشأة من المواقع السياحية في العاصمة المصرية.
ويعتبر أحمد الفرغاني من أعظم العلماء الأوزبك الذين قدموا إسهاماً كبيراً لتطوير العلوم العالمية.  ووفقاً للمصادر التاريخية كان تراثه القيم مرجعاً لعمل العلماء ومعاصريه. وهذا يثبت أن مؤلفه "كتاب أسس علم الفلك" ترجم في القرن الـ 12 إلى اللغتين اللاتينية والعبرية. وفي عام 1998م احتفل المجتمع الدولي تحت إشراف اليونسكو بالذكرى 1200 للعالم العظيم الذي قدم إسهامات كبيرة لتطوير العلوم العالمية.
وفي مقابلة أجراها أناتولي يرشوف مراسل صحيفة Today Uzbekistan الأسبوعية مع السيدة ناديا كفافي السفير المفوض فوق العادة لجمهورية مصر العربية لدى أوزبكستان، عن تطور العلاقات الأوزبكستانية المصرية ونشرتها الصحيفة بعددها الصادرة في طشقند يوم 4/12/2008 قالت: أن الشعب الأوزبكستاني متسامح، ويحافظ على ثقافته الأصلية ومن ضمنها اللغة، ويتطلع دائماً نحو الشعوب الأخرى ولغاتهم باحترام. ولهذا وبغض النظر عن أن أبناء هذا البلد متعددي القوميات إلا أنهم يفهمون بعضهم البعض جيداً. ومن ضمن هذا الإطار تخاطب أي أجنبي في أوزبكستان أسهل بكثير من أي بلد آخر في العالم. و الشعبين الأوزبكستاني والمصري يرتبطان مع بعضهما البعض من أيام طريق الحرير العظيمة، والتي كانت القاهرة على أحد أطرافه وعلى الطرف الآخر كانت المدن القديمة على الأرض الأوزبكية. وهذا أثر كثيراً على التعاون المتبادل بين الشعبين. وكمثال على ذلك أقيم على شرف المفكر العظيم الفرغاني الذي عاش في مصر بالقرن التاسع تمثال في القاهرة وهذا يشير إلى دور العالم الأوزبكستاني في تاريخ مصر.


وتم تدشين هذا النصب التذكاري أثناء الزيارة التي قام بها الرئيس إسلام كريموف إلى القاهرة. وإنجاز نحات تماثيل مشهور لهذا النصب التذكاري يشير إلى استمرار العلاقات الطيبة المتبادلة بين شعبينا حتى الوقت الحاضر. ولا يمكن أن لا أشير إلى أنه في مركز مدينة القاهرة هناك حي معروف باسم حي الأزبكية حيث يعيش الأوزبك حتى الآن من أحفاد أولئك الذين جاءوا إلى مصر أيام طريق الحرير العظيمة ويعيشون حتى الآن هناك، وشيدوا حديقة عامة أطلق عليها أيضاً اسم حديقة الأزبكية حيث يبيع أحفاد الشعب الأوزبكي هناك الكتب لأن أجدادهم جاءوا إلى القاهرة للقيام بهذه الأعمال أصلاً. وحتى الآن ومن جيل إلى جيل يستمر القادمون من ما وراء النهر بمزاولة تجارة الكتب. والشارع مشهور جداً بين السياح لأنه تباع فيه نسخ فريدة من الكتب القديمة وهي من التي لا يمكن العثور عليها في أماكن أخرى. وأكثر هذه الكتب هي مخطوطات تتمتع بقيمة تاريخية كبيرة. والثقافة الإسلامية في وعينا لا يمكن تصورها من دون أوزبكستان. ونحن لا نستطيع تصور الثقافة الإسلامية دون بخارى وسمرقند. وأوزبكستان غنية جداً بالقيم الثقافية الإسلامية. والآثار التاريخية الأوزبكية لها صلات مباشرة بتاريخ تطور الثقافة الإسلامية. ولهذا ليس عبثاً أن يسعى الكثير من السياح الأجانب لزيارة أوزبكستان لإبداء إعجابهم بمستوى تطور الثقافة الأوزبكية. وإعلان طشقند عام 2007 عاصمة للثقافة الإسلامية كان عادلاً جداً. حيث جرى في ذلك العام بناء أحد أجمل المساجد المعاصرة، مسجد حظرتي إمام مما عزز من دور أوزبكستان في تطوير الثقافة الإسلامية. وأنا على ثقة بأن الشعب الأوزبكستاني سيحقق حتماً منجزات كبيرة، وكلها ستعطي أساساً كاملاً لتطور العلوم والتعليم والاقتصاد وهو ما أتمناه.
بحث كتبه أ.د. محمد البخاري في طشقند يوم 8/9/2013