الاثنين، 22 يونيو 2020

تابع مراحل تكون الصحافة 6

تابع مراحل تكون الصحافة 6
أ.د. محمد البخاري
التبادل الإعلامي في ظروف  العلاقات الدولية المعاصرة
طشقند - 2011
تأليف:



محمد البخاري: دكتوراه في العلوم السياسية DC، اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة؛ ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة؛ بروفيسور قسم العلاقات العامة والإعلان، كلية الصحافة، جامعة ميرزة ألوغ بيك القومية الأوزبكية.

وتدخلنا صحافة الولايات المتحدة الأمريكية عالماً ضخماً إذا ما قارناها بما هو موجود في أوروبا، إذ تطالعنا المراجع أنه كان يصدر في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 8000 مجلة دورية، و1748 صحيفة يومية، تسحب أكثر من 62 مليون نسخة في عام 1970. وبلغ متوسط عدد صفحات الصحف اليومية الأمريكية 53 صفحة، وأن القارئ الأمريكي يستهلك سنوياً حوالي 36.3 كغ من ورق الصحف. وفي عام 1971 فقط أنفق القراء الأمريكيون أكثر من ثلاثة مليارات دولار أمريكي على شراء الصحف والمجلات والدوريات الأخرى، منها ملياري دولار على الصحف اليومية، و745 مليوناً على المجلات الأسبوعية وصحف أيام الأحد. وكان يعمل حينها أكثر من 350 ألف شخص في الصحافة الأمريكية، وهذه الأرقام بالطبع لا تعبر عن الوضع الحقيقي للصحافة الأمريكية Mass Media لأنها اليوم أكثر من ذلك بكثير.
ورغم أن الصحافة المقروءة في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تعيش أزمة حقيقية من المنافسة الشديدة التي وضعتها بها وسائل الاتصال والإعلام المسموعة والمرئية، والمأزق الحرج الذي وضعتها به شبكة الإنترنيت العالمية التي دفعت بالصحافة الأمريكية كغيرها من دول العالم إلى الإسراع لفتح نوافذ لها عبر هذه الشبكة العنكبوتية العالمية، تلك النوافذ التي أصبحت بفضل التطور التكنولوجي الهائل للحاسبات الإلكترونية، تسهل آفاق تسلم المادة المنشورة في الصحف، ومن مسافات جغرافية شاسعة بسرعة هائلة ودون عقبات حتى قبل خروج الصحيفة ذاتها من المطبعة مما قلل من الإقبال على شراء الصحف والدوريات المطبوعة الأخرى، وهو ما تعاني منه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والدول المتقدمة في مناطق أخرى من العالم، بشكل أو بآخر.
وتطالعنا المصادر بأن صدور أول صحيفة في المستعمرات الإنجليزية بأمريكا الشمالية كان في عام 1690 وهي الصحيفة الشهرية بوبليك بمدينة بوسطن، والتي أصدرها بنيامين هاريس صاحب مطبعة في المدينة. أما أول صحيفة حقيقية فكانت صحيفة بنسلفانيا التي أصدرها بن يامين فرانكلين عام 1728 في فيلادلفيا. وكان فرانكلين آنذاك من أفضل الصحفيين القلائل الذين تمكنوا من العمل في ظروف الرقابة الشديدة للسلطات البريطانية. وتطور عدد الصحف الصادرة في المستعمرة البريطانية آنذاك ليبلغ 14 صحيفة عام 1740، و34 صحيفة عام 1775، و43 صحيفة عام 1782. وأثناء اندلاع الثورة ضد الإنجليز عام 1776 لعبت الصحيفتان الصادرتان في بوسطن سام وآدامز، ومجلة بنسلفانيا التي أصدرها توماس بن، فور وصوله من أوروبا عام 1774 دوراً هاماً وكبيراً في تغطية الأحداث الجارية آنذاك.
وبعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1782، شهدت الصحافة الأمريكية تطوراً ملحوظاً، وكانت صحيفة بنسلفانيا بوكات أول صحيفة تصدر بشكل يومي اعتباراً من عام 1784، وفي عام 1800 بلغ عدد الصحف الصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية 200 صحيفة منها 17 صحيفة يومية، وألزم أول دستور أقر باستفتاء عام في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1791 الكونغرس بعدم إصدار أي قانون يمنع حرية التعبير أو الصحافة. وشهدت الفترة الممتدة ما بين عام 1930 إلى عام 1970 اختفاء حوالي 3.500 صحيفة في الولايات المتحدة الأمريكية، إما بالتوقف عن الصدور اعتيادياً لمشاكل خاصة بها، أو عن طريق امتصاصها من قبل صحف أخرى. ويذكر ريموند ب. نيكسون أنه كانت 3% من المدن في الولايات المتحدة الأمريكية تصدر صحيفة يومية واحدة فقط في عام 1830، أما في نهاية ستينات القرن العشرين، فقد بلغت نسبة تلك المدن 86.5% وما هذا إلا دليل على تمركز ملكية الصحف في أيدي قلة من المالكين، مما يلغي المنافسة القوية بين الصحف لاستمالة القراء، ويحد من ضمان الصحافة للقارئ في المدن الصغيرة التي لا يزيد عدد سكانها عن 150 ألف نسمة تنوع المصادر الإعلامية في السوق المحلية. ومن أهم التجمعات الصحفية في الولايات المتحدة الأمريكية: تجمع شيكاغو تريبيون نيوز بيبرز الذي يعتبر أكبر تجمع صحفي في الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك فإنه لا يسيطر إلا على 6% من عدد النسخ المطبوعة من الصحف اليومية، و10% من عدد النسخ المطبوعة من صحف يوم الأحد؛ ومجموعة طومسون نيوز بيبرز التي يديرها طومسن فليت الكردي الأصل، والذي أصبح سيداً للصحافة البريطانية، وصاحب صحيفة تايمز اللندنية، وهذا التجمع الصحفي في الولايات المتحدة الأمريكية، يسيطر على عدد كبير من الصحف الصغيرة التي تصدر في المدن التي لا يزيد عدد سكانها عن 100 ألف نسمة. وقد اقتنى هذا التجمع عام 1967 من تجمع براتش مور، 12 صحيفة.

واستناداً لما ذكره الباحث الأمريكي روبيرت رور بوج، فإن تقنيات الاتصال الحديثة والمتطورة مكنت الصحف من إيصال صفحات كاملة إلى كافة أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك فإن إدارات التحرير المحلية في حالات أخرى بقيت الأهم، أما التجمعات الصحفية فإنها إكتفت بإرسال المقالات الافتتاحية والمناقشات السياسية والتقارير التي تحمل توقيع صحفي مشهور لتضفي على الصحيفة التابعة لها أهمية خاصة دون زيادة في نفقات التحرير. ومن هنا نرى أن الصحف المنتمية لتجمع صحفي واحد تتميز عن بعضها البعض في تناول الأخبار والمواد المحلية، وتلتقي في المقالات الافتتاحية والمواد الرئيسية فقط، ويبدو هذا واضحاً بصورة خاصة إبان الحملات الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، حين يقرر المسؤولون في التجمعات الصحفية سياسة الافتتاحية الموحدة أو المشتركة، مما يوفر للتجمع موارد مالية هامة عن طريق كسب برامج الدعاية الوطنية.